في الحديث الذي أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث محمد بن مسلمة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة، لا يشقى بعدها أبداً "
فمن هذه النفحات الربانية على الأمة المحمدية ( ليلة النصف من شعبان) وما أعظمها من ليلة ؟!
فقد أخرج ابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان والطبراني في المعجم الكبير والأوسط، وابن أبي عاصم في كتاب السنة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ؛ فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن " ([1]) (السلسلة الصحيحة جـ 3 / 1144)

ـ مشاحن: أي مخاصم لمسلم أو مهاجر له.
أخرج ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان ؛ فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن" (صحيح الجامع: 1819)

وأخرج البزار في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا كان ليلة النصف من شعبان؛ يغفر الله لعباده إلا لمشرك أو مشاحن"(السلسلة الصحيحة:جـ 3)
وأخرج البيهقى في شعب الإيمان، والطبراني في الكبير، وحسنة الألباني من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنهأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا كان ليلة النصف من شعبان، اطَّلع الله إلى خلقه ؛ فيغفر للمؤمنين، ويُملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه" ( صحيح الجامع: 771)
وعند البيهقي بسند صحيح عن كثير بن مُرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" في ليلة النصف من شعبان يغفر الله عز وجل لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن"
ولا يفوز بهذه الجائزة العظيمة، والمنحة الربانية الجليلة إلا لمن خلُص توحيده من الشرك، وخلُص صدره من الشحناء والغل والحسد.

ـ فكل منا ينظر إلى حال نفسه، فمن كانت فيه إحدى هاتين الآفتين أو كلتيهما ؛ فليتخلص منهما الآن قبل ليلة النصف من شعبان، فليتخلص من الشرك، وليخلص التوحيد ويفرد الله بالعبادة، وليتخلص من الشحناء وليخلص قلبه ليصبح سليم الصدر.
فالشرك والشحناء من الذنوب المانعة من المغفرة في هذا الشهر، وفي غيره.
فعليك أخي الكريم وأختي الفاضلة ... أن تتخلص من الشرك
فهو من أعظم الذنوب عند الله تعالى، وكذا قتل النفس والزنا،
وهذه الثلاثة من أعظم الذنوب عند الله

كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
"أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلمأي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال: ثم أي ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قال: ثم أي ؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، فأنزل الله تعالى تصديق ذلك: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً{68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} (الفرقان: 68-69) "
· فالـشـرك: هو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله إذا مات صاحبه عليه

كما قال تعالى:{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ... }(النساء: 48 ، 116)
بل سيكون عقاب المشرك الحرمان من الجنة، ويغضب عليه الجبار، ويدخله النار، كما قال تعالى:{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}( المائدة: 72)
وقد كثر الشرك وعمَّ وطمَّ، فتعلق البعض بالأنداد والشركاء، وتعلق قلبه بغير الله.
فطاف بالقبور ودعا المقبور ونذر له واستعان به، وخاف منه، وتوكل عليه، واستغاث به
ومن صور الشرك:الحلف بغير الله ( وهو شرك أصغر)

ومن صور الشرك في هذا الزمان:
الطيرة: وهو ما يعرف بالتشاؤم، ولبس الحظاظة، والخرزة الزرقاء، وقرن الفلفل الأحمر، والخمسة وخميسة، وحدوة الحصان، ونجمة البحر، وتعليق الحذاء على السيارات، ورش الملح في المناسبات... وغير ذلك من الشِِرْكيات التي لا ترضي رب الأرض والسماوات.
فمن تخلص من الشرك وأخْلص توحيده لله، فاز بجوائز عديدة منها:
1. الفوز بالمغفرة ليلة النصف من شعبان.
2. يبدل الله سيئاته حسنات، كما قال تعالى:
{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } (الفرقان:70)
3. يغفر الله له ذنوبه مهما كانت، طالما أنه لا يشرك بالله شيئاً.

كما قال تعالى:{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ... }(النساء: 48 ، 116)
وكما في الحديث القدسي الذي أخرجه الترمذي:"يا ابن آدم، لو آتيتني بقراب (1) الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئاً؛ لأتيتك بقرابها مغفرة"

(1)قراب الأرض: أي ما يقارب ملء الأرض.
وإخلاص التوحيد، ونبذ الشرك من الأمور المهمة، بل هي أهم الأمور، وقد أُفْرِدت لها المجلدات، وتناولها العلماء بالشرح والتحليل، ولا يتسع المقام هنا للكلام عن هذا الموضوع المهم، إنما هذه فقط إشارات لبيان أهمية الأمر.
· أما الشحناء
وهي حقد المسلم على أخيه المسلم بغضاً له ولهوى نفسه. فعلى الإنسان أن يتخلص منها، فهي المانعة من المغفرة، ليس في ليلة النصف من شعبان فقط، بل في جميع أوقات المغفرة والرحمة.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيُغْفَر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا"

أخرج ابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
" كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس، فقيل له: يا رسول الله. إنك تصوم الاثنين والخميس، فقال: إن يوم الاثنين والخميس يغفِر الله فيهما لكل مسلم إلا من مهتجرين، فيقول: دعوهما حتى يصطلحا."
وعند الإمام أحمد بلفظ:" كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس، فقيل له: (أي سُئل في ذلك) قال: إن الأعمال تعرض كل اثنين وخميس، فيغفر لكل مسلم ـ أو لكل مؤمن ـ إلا المتهاجرين، فيقول أخِّرهما". ( صحيح الجامع: 4804)

فمن لم ينزع الشحناء من صدره حتى يفوز بهذه الجائزة العظيمة في ليلة النصف من شعبان: وهي مغفرة الرحمن، أتراه يتحصل على المغفرة في رمضان ؟! كيف وقد فاتته في موسم الغفران.

فهيا... هيا من الآن... أخي الكريم وأختي الفاضلة ... كبِّر على الشحناء أربع تكبيرات، اصطلِح مع مَن خاصمته، وأبدأ أنت بالسلام حتى تكون من خير الأنام.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لا يحل لمسلم أن يهجُر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. "
وقال تعالى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }
(فصلت:34)