ذكر الأحداث الكائنة في سنة سبع من الهجرة

غزوة خيبر

ثم دخلت سنة سبع؛ فخرج رسول الله ص في بقية المحرم إلى خبير واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، فمضى حتى نزل بجيشه بواد يقال له الرجيع؛ فنزل بين أهل خيبر وبين غطفان - فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق - ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر؛ وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله ص.
قال: فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله ص من خيبر، جمعوا له، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه؛ حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهاليهم حسًا؛ ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابهم؛ فأقاموا في أهاليهم وأموالهم؛ وخلوا بين رسول الله وبين خيبر، وبدأ رسول الله ص بالأموال يأخذها مالًا مالا، ويفتتحها حصنًا حصنًا؛ فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم؛ وعنده قتل محمود بن مسلمة؛ ألقيت عليه رحًا منه فقتلته؛ ثم القموص؛ حصن ابن أبي الحقيق. وأصاب رسول الله ص منهم سبايا؛ منهم صفية بنت حيى بن أخطب، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق؛ وابنتي عم لها. فاصطفى رسول الله ص صفية لنفسه، وكان دحية الكلبي قد سأل رسول الله صفية؛ فلما اصطفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها؛ وفشت السبايا من خيبر في المسلمين.
قال: ثم جعل رسول الله ص يتدنى الحصون والأموال.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر؛ أنه حدثه بعض أسلم؛ أن بني سهم من أسلم، أتوا رسول الله ص، فقالوا: يا رسول الله؛ والله لقد جهدنا وما بأيدينا شيء؛ فلم يجدوا عند رسول الله شيئًا يعطيهم إياه، فقال النبي: اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة؛ وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه؛ فافتح عليهم أعظم حصونها؛ وأكثرها طعامًا وودكًا. فغدا الناس، ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ؛ وما بخيبر حصن كان أكثر طعامًا وودكًا منه.
قال: ولما افتتح رسول الله ص من حصونهم ما افتتح، وحاز من الأموال ما حاز، انتهوا إلى حصنهم الوطيح والسلالم - وكان آخر حصون خيبر افتتح - حاصرهم رسول الله بضع عشرة ليلة.
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل أخي بني حارثة، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرج مرحب اليهودي من حصنهم؛ قد جمع سلاحه وهو يرتجز؛ ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب ** شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانًا وحينًا أضرب ** إذا الليوث أقبلت تحرب
كان حماي، للحمى لا يقرب
وهو يقول: هل من مبارز! فقال رسول الله ص: من لهذا؟ فقام محمد بن مسلمة؛ فقال: أنا له يا رسول الله؛ أنا والله الموتور الثائر؛ قتلوا أخي بالأمس! قال: فقم إليه؛ اللهم أعنه عليه.
فلما أن دنا كل واحد منهما من صاحبه، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر؛ فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه؛ فكلما لاذ بها أقتطع بسيفه منها ما دونه منها؛ حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرجل القائم، ما بينهما فنن؛ ثم حمل مرحب على محمد فضربه؛ فاتقاه بالدرقة فوقع سيفه فيها؛ فعضت به فأمسكته، وضربه محمد ابن مسلمة حتى قتله.
ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر، يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أني ياسر ** شاكي السلاح بطل مغاور
إذا الليوث أقبلت تبادر ** وأحجمت عن صولتي المغاور
إن حماي فيه موت حاضر
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد ابن إسحاق، عن هشام بن عروة؛ أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب: أيقتل ابني يا رسول الله؟ قال: بل ابنك يقتله إن شاء الله. فخرج الزبير وهو يقول:
قد علمت خيبر أني زبار ** قرم لقوم غير نكس فرار
ابن حماة المجد وأبن الأخيار ** ياسر لا يغررك جمع الكفار
فجمعهم مثل السراب الجرار
ثم التقيا فقتله الزبير.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا عوف، عن ميمون أبي عبد الله، أن عبد الله بن بريدة حدث عن بريدة الأسلمي، قال: لما كان حين نزل رسول الله ص بحصن أهل خيبر، أعطى رسول الله ص اللواء عمر بن الخطاب، ونهض من نهض معه من الناس؛ فلقوا أهل خيبر؛ فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله ص؛ يجبنه أصحابه ويجبنهم، فقال رسول الله ص: لأعطين اللواء غدًا رجلًا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر؛ فدعا عليًا عليه السلام وهو أرمد، فتفل في عينيه، وأعطاه اللواء؛ ونهض معه من الناس من نهض. قال: فلقي أهل خيبر؛ فإذا مرحب يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب ** شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانًا وحينًا أضرب ** إذا الليوث أقبلت تلهب