فحدثني القاسم بن بشر بن معروف، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا الأسود بن شيبان، عن خالد بن سمير، قال: قدم علينا عبد الله بن رباح الأنصاري - وكانت الأنصار تفقهه - فغشيه الناس، فقال: حدثنا أبو قتادة فارس رسول الله ، قال: بعث رسول الله جيش الأمراء، فقال: عليكم زيد بن حارثة؛ فإن أصيب فجعفر ابن أبي طالب؛ فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة؛ فوثب جعفر فقال: يا رسول الله؛ ما كنت أذهب أن تستعمل زيدًا علي! قال: أمض؛ فإنك لا تدري أي ذلك خير! فأنطلقوا، فلبثوا ما شاء الله. ثم إن رسول الله صعد المنبر، وأمر فنودى: الصلاة جامعة! فأجتمع الناس إلى رسول الله، فقال: باب خير، باب خير، باب خير! أخبركم عن جيشكم هذا الغازي؛ إنهم أنطلقوا فلقوا العدو، فقتل زيد شهيدًا - وأستغفر له - ثم أخذ اللواء جعفر، فشد على القوم حتى قتل شهيدًا - فشهد له بالشهادة وأستغفر له - ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة؛ فأثبت قدميه حتى قتل شهيدًا - فأستغفر له - ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد - ولم يكن من الأمراء؛ هو أمر نفسه - ثم قال رسول الله : اللهم إنه سيف من سيوفك، فأنت تنصره - فمنذ يومئذ سمى خالد سيف الله - ثم قال رسول الله: أبكروا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن منكم أحد. فنفروا مشاة وركبانًا، وذلك في حر شديد.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله ابن أبي بكر، قال: لما أتى رسول الله مصاب جعفر، قال رسول الله ص: قد مر جعفر البارحة في نفر من الملائكة، له جناحان، مختضب القوادم بالدم، يريدون بيشة؛ أرضًا باليمن.
قال. وقد كان قطبة بن قتادة العذري الذي كان على ميمنة المسلمين حمل على مالك بن رافلة قائد المستعربة فقتله. قال: وقد كانت كاهنة من حدس حين سمعت بجيش رسول الله ص مقبلًا قد قال لقومها من حدس - وقومها بطن يقال لهم بنو غنم: أنذركم قومًا خزرًا، ينظرون شزرًا، ويقودون الخيل بترًا، ويهريقون دمًا عكرًا. فأخذوا بقولها؛ فأعتزلوا من بين لخم؛ فلم يزالوا بعد أثرى حدس. وكان الذين صلوا الحرب يومئذ بنو ثعلبة؛ بطن من حدس؛ فلم يزالوا قليلًا بعد؛ ولما انصرف خالد بن الوليد بالناس أقبل بهم قافلًا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال: لما دنوا من دخول المدينة، تلقاهم رسول الله ص والمسلمون، ولقيهم الصبيان يشتدون، ورسول الله مقبل مع القوم على دابة، فقال: خوا الصبيان فأحملوهم وأعطوني ابن جعفر؛ فأتى بعبد الله بن جعفر فأخذه، فحمله بين يديه، قال: وجعل الناس يحثون على الجيش التراب، ويقولون: يا فرار في سبيل الله، فيقول رسول الله: ليسوا بالفرار؛ ولكنهم الكرار؛ إن شاء الله! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عامر بن عبد الله بن الزبير؛ عن بعض آل الحارث بن هشام - وهم أخواله - عن أم سلمة زوج النبي ، قال: قالت أم سلمة لا مرأة سلمة بن هشام بن المغيرة: مالي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله ومع المسلمين! قال: والله ما يستطيع أن يخرج، كلما خرج صاح الناس: أفررتم في سبيل الله! حتى قعد في بيته فما يخرج.
وفيها غزا رسول الله أهل مكة.
ذكر الخبر عن فتح مكة

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: ثم أقام رسول الله ص بالمدينة بعد بعثه إلى مؤتة، جمادى الآخرة ورجب.
ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة، وهم على ماء لهم بأسفل مكة؛ يقال له الوتير. وكان الذي هاج ما بين بني بكر وبني خزاعة رجل من بل حضرمي، يقال له مالك بن عباد - وحلف الحضرمي يومئذ إلى الأسود بن رزن - خرج تاجرًا، فلما توسط أرض خزاعة عدوًا عليه فقتلوه؛ وأخذوا ماله؛ فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزن الديلي؛ وهم منخر بني بكر وأشرلفهم: سلمى، وكلثوم، وذؤيب؛ فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم.
حدثنا ابن حميد؛ قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن رجل من بني الديل، قال: كان بنو الأسود يودون في الجاهلية ديتين ديتين، ونودى ديةً ديةً لفضلهم فينا.
فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام، وتشاغل الناس به، فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله وبين قريش كان فيما شرطوا على رسول الله ، وشرط لهم - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم وغيره من علمائنا - أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله وعقده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم دخل فيه؛ فدخلت بنو بكر في عقد قريش، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله .
فلما كانت تلك الهدنة أغتنمتها بنو الدين، من بني بكر من خزاعة وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأرًا بأولئك النفر الذين أصابوا منهم ببني الأسود بن رزن، فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل - وهو يومئذ قائدهم؛ ليس كل بني بكر تابعه - حتى بيت خزاعة، وهم على الوتير؛ ماء لهم، فأصابوا منهم رجلًا وتحاوزوا وأقتتلوا؛ ورفدت قريش بني بكر بالسلاح؛ وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيًا؛ حتى حازوا خزاعة إلى الحرم. - قال الواقدي: كان ممن أعان من قريش بني بكر على خزاعة ليلتئذ بأنفسهم متنكرين صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو؛ مع غيرهم وعبيدهم
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، قال: فلما أنتهوا إليه قالت بنو بكر: يا نوفل، إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك؛ فقال: كلمة عظيمة إنه لا إله له اليوم! يا بني بكر أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم؛ أفلا تصيبون ثأركم فيه! وقد أصابوا منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلًا يقال له منبه، وكان منبه رجلًا مفئودًا خرج هو ورجل من قومه، يقال له تميم بن أسد - فقال له منبه: يا تميم، أنج بنفسك؛ فأما أنا فو الله إني لميت قتلوني أو تركوني؛ لقد أنبت فؤادي. فأنطلق تميم فأفلت، وأدركوا منبها فقتلوه - فلما دخلت خزاعة مكة لجئوا إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي، ودار مولى لهم يقال له رافع.
قال: فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة، وأصابوا منهم ما أصابوا، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله ص من العهد والميثاق بما أستحلوا من خزاعة - وكانوا في عقده وعهده - خرج عمرو بن سالم الخزاعي، ثم أحد بني كعب؛ حتى قدم على رسول الله ص المدينة؛ وكان ذلك مما هاج فتح مكة؛ فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس، فقال:
لا هم إني ناشد محمدا ** حلف أبينا وأبيه الأتلدا