و أولها: يا من يريد إجادة التحرير و يروم حسن الخط و التصوير إن كان عزمك في الكتابة صادقاً فارغب إلى مولاك في التيسير أعدد من الأقلام كل مثقفصلب يصوغ صناعة التحبير و إذا عمدت لبرية فتوخه عند القياس بأوسط التقدير انظر إلى طرفيه فاجعل بريه من جانب التدقيق و التحضير و اجعل لجلفته قواماً عادلاً خلواً عن التطويل و التقصير و الشق وسطه ليبقى بريه من جانبيه مشاكل التقدير حتى إذا أيقنت ذلك كله فالقط فيه جملة التدبير لا تطمعن في أن أبوح بسره إني أضن بسره المستور لكن جملة ما أقول بأنه ما بين تحريف إلى تدوير و ألق دواتك بالدخان مدبراً بالخل أو بالحصرم المعصور و أضف إليه قفرة قد صولت مع أصغر الزرنيخ و الكافور حتى إذا ما خمرت فاعمد إلى الورق النقي الناعم المخبور فاكسبه بعد القطع بالمعصابر كي ينأى عن التشعيث و التغيير ثم اجعل التمثيل دأبك صابراً ما أدرك المأمول مثل صبور إبدأ به في اللوح منتفياً له غرماً تجرده عن التشمير لا تخجلن من الردى تختطه في أول التمثيل و الشطير فالأمر يصعب ثم يرجع هيناً و لرب سهل جاء بعد عسير حتى إذا أدركت ما أملته أضحيت رب مسرة و حبور فاشكر الهك و اتبع رضوانه إن الإله يجيب كل شكور و ارغب لكفك أن تخط بنانها خيراً يخلفه بدار غرور فجميع فعل المرء يلقاه غداً عند الشقاء كتابه المنشور

و اعلم بأن الخط بيان عن القول و الكلام، كما أن القول و الكلام. بيان عما في النفس و الضمير من المعاني فلا بد لكل منهما أن يكون واضح الدلالة. قال الله تعالى: خلق الإنسان * علمه البيان و هو يشتمل. بيان الأدلة كلها. فالخط المجود كماله أن تكون دلالته واضحة، بإبانة حروفه المتواضعة و إجادة وضعها و رسمها كل واحد على حدة متميز عن الآخر. إلا ما اصطلح عليه الكتاب من إيصال حرف الكلمة الواحدة بعضها ببعض. سوى حروف اصطلحوا على قطعها، مثل الألف المتقدمة في الكلمة، و كذا الراء و الزاي و الدال و الذال و غيرها، بخلاف ما إذا كانت متأخرة.
و هكذا إلى آخرها. ثم إن المتأخرين من الكتاب اصطلحوا على وصل كلمات، بعضها ببعض، و حذف حروف معروفة عندهم، لا يعرفها إلا أهل مصطلحهم فتستعجم على غيرهم و هؤلاء كتاب دواوين السلطان و سجلات القضاة، كأنهم انفردوا بهذا الإصطلاح عن غيرهم لكثرة موارد الكتابة عليهم، و شهرة كتابتهم و إحاطة كثير من دونهم بمصطلحهم فإن كتبوا ذلك لمن لا خبرة له بمصطلحهم فينبغي أن يعدلوا عن ذلك إلى البيان ما استطاعوه، و إلا كان بمثابة الخط الأعجمي، لأنهما بمنزلة واحدة من عدم التواضع عليه. و ليس بعذر في هذا القدر، إلا كتاب الأعمال السلطانية في الأموال و الجيوش، لأنهم مطلوبون بكتمان ذلك عن الناس فإنه من الأسرار السلطانية التي يجب إخفاؤها، فيبالغون في رسم اصطلاح خاص بهم. و يصير بمثابة المعمى. و هو الإصطلاح على العبارة عن الحروف بكلمات من أسماء الطيب و الفواكه و الطيور و الأزاهير، و وضع أشكال أخرى غير أشكال الحروف المتعارفة يصطلح عليها المتخاطبون لتأدية مافي ضمائرهم بالكتابة. و ربما وضع الكتاب للعثور على ذلك، و إن لم يضعوه أولاً، قوانين بمقاييس استخرجوها لذلك بمداركهم يسفونها فك المعمى. و للناس في ذلك دواوين مشهورة. و الله العليم الحكيم.