القسم الأول من الفصل الثالث و الخمسون في أمر الفاطمي و ما يذهب إليه الناس في شأنه و كشف الغطاء عن ذلك القسم الأول

اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين و يظهر العدل و يتبعه المسلمون و يستولي على الممالك الإسلامية و يسمى بالمهدي و يكون خروج الدجال و ما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره. و أن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله و يأتم بالمهدي في صلاته و يحتجون في الشأن بأحاديث خرجها الأمة و تكلم فيها المنكرون لذلك و ربما عارضوها ببعض الأخبار و للمتصوفة المتأخرين في أمر هذا الفاطمي طريقة أخرى و نوع من الاستدلال و ربما يعتمدون في ذلك على الكشف الذي هو أصل طرائقهم. و نحن الآن نذكر هنا الأحاديث الواردة في هذا الشأن و ما للمنكرين فيها من المطاعن و ما لهم في إنكارهم من المستند ثم نتبعه بذكر كلام المتصوفة و رأيهم ليتبين لك الصحيح من ذلك إن شاء الله تعالى فنقول إن جماعة من الأمة خرجوا أحاديث المهدي منهم الترمذي و أبو داود و البزاز و ابن ماجة و الحاكم و الطبراني و أبو يعلى الموصلي و أسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي و ابن عباس و ابن عمر و طلحة و ابن مسعود و أبي هريرة و أنس و أبي سعيد الخدري و أم حبيبة و أم سلمة و ثوبان و قرة بن إياس و علي الهلالي و عبد الله بن الحارث بن جزء بأسانيد ربما يعرض لها المنكرون كما نذكره إلا أن المعروف عند أهل الحديث أن الجرح مقدم على التعديل فإذا وجدنا طعناً في بعض رجال الأسانيد بغفلة أو بسوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إلى صحة الحديث و أوهن منها و لا تقولن مثل ذلك ربما يتطرق إلى رجال الصحيحين فإن الإجماع قد اتصل في الأمة على تلقيهما بالقول و العمل بما فيهما و في الإجماع أعظم حماية و أحسن دفعاً و ليس غير الصحيحين بمثابتهما في ذلك فقد تجد مجالاً للكلام في أسانيدها بما نقل عن أمة الحديث في ذلك.
و لقد توغل أبو بكر بن أبي خيثمة على ما نقل السهيلي عنه في جمعه للأحاديث الواردة في المهدي فقال و من أغربها إسناداً ما ذكره أبو بكر الإسكاف في فوائد الأخبار مستنداً إلى مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: من كذب بالمهدي فقد كفر و من كذب بالدجال فقد كذب و قال في طلوع الشمس من مغربها مثل ذلك فيما أحسب و حسبك هذا غلواً. و الله أعلم بصحة طريقه إلى مالك بن أنس على أن أبا بكر الإسكاف عندهم متهم وضاع.

و أما الترمذي فخرج هو و أبو داود بسند هما إلى ابن عباس. من طريق عاصم بن أبي النجود أحد القراء السبعة إلى زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي. هذا لفظ أبي داود و سكت عليه و قال في رسالته المشهورة إن ما سكت عليه في كتابه فهو صالح و لفظ الترمذي لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي و في لفظ آخر حتى يلي رجل من أهل بيتي و كلاهما حديثاً حسن صحيح و رواه أيضاً من طريق موقوفاً على أبي هريرة و قال الحاكم رواه الثوري و شعبة و زائدة و غيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم قال: و طرق عاصم عن زر عن عبد الله كلها صحيحة على ما أصلته من الاحتجاج بأخبار عاصم إذ هو إمام من أئمة المسلمين انتهى إلا أن عاصماً قال فيه أحمد بن حنبل: كان رجلاً صالحاً قارئاً للقرآن خيراً ثقة و الأعمش أحفظ منه و كان شعبة يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث و قال العجلي كان يختلف عليه في زر و أبي وائل يشير بذلك إلى ضعف روايته عنهما و قال محمد بن سعد كان ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه و قال يعقوب بن سفيان في حديثه اضطراب و قال عبد الرحمن بن أبي حاتم قلت لأبي أن أبا زرعة يقول عاصم ثقة فقال ليس محله هذا و قد تكلم فيه ابن علية فقال كل من اسمه عاصم سيء الحفظ و قال أبو حاتم محله عندي محل الصدق صالح الحديث و لم يكن بذلك الحافظ و اختلف فيه قول النسائي و قال ا بن حراش في حديثه نكرة و قال أبو جعفر العقيلي لم يكن فيه إلا سوء الحفظ و قال الدارقطني في حفظه شيء و قال يحيى القطان ما وجدت رجلاً اسمه عاصم إلا وجدته سيء الحفظ و قال أيضاً سمعت شعبة يقول حدثنا عاصم بن أبي النجود و في الناس ما فيها و قال الذهبي ثبت في القراءة و هو حسن الحديث. و إن حتج أحد بأن الشيخين أخرجا له منقول أخرجا له مقروناً بغيره لا أصلاً و الله أعلم.
و خرج أبو داود في الباب عن علي رضي الله عنه من رواية قطن بن خليفة عن لقاسم بن أبي مرة عن أبي الطفيل عن علي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً و قطن بن خليفة و إن وثقه أحمد و يحيى بن القطان و ابن معين و النسائي و غيرهم إلا أن العجلي قال: حسن الحديث و فيه تشيع قليل و قال ابن معين مرة: ثقة شيعي. و قال أحمد بن عبد الله بن يونس: كنا نمر على قطن و هو مطروح لا نكتب عنه. و قال مرة: كنت أمر به و أدعه مثل الكلب. و قال الدارقطني: لا يحتج به.
و قال أبو بكر بن عياش: ما تركت الرواية عنه إلا لسوء مذهبه. و قال الجرجاني: زائغ غير ثقة انتهى. و خرج أبو داود أيضاً بسنده إلى علي رضي الله عنه عن مروان بن المغيرة عن عمر بن أبي قيس عن شعيب بن أبي خالد عن أبي إسحاق النسفي قال: قال علي و نظر إلى ابنه الحسن إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم. سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق و لا يشبهه في الخلق يملأ الأرض عدلاً و قال هارون حدثنا عمر بن أبي قيس عن مطرف بن طريف عن أبي الحسن عن هلال بن عمر سمعت علياً يقول: قال النبي صلى الله عليه و سلم: يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطىء أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه و سلم وجب على كل مؤمن نصره أو قال إجابته. سكت أبو داود عليه. و قال في موضع آخر في هارون: هو من ولد الشيعة. و قال السليماني: فيه نظر. و قال أبو داود في عمر بن أبي قيس: لا بأس في حديثه خطأ. و قال الذهبي: صدق له أوهام.