وسُئل عبد الله بن عُمر عن الرجل يَدْخل المَسجدَ أو البيتَ ليس فيه أحد قال يقول‏:‏ السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين‏.‏
ومر رجل بالنبي وهو يبَول فسلّم عليه فلم يرد عليه السلام‏.‏
وقال رجلٌ لعائشة ‏"‏ رضي الله عنها ‏"‏‏:‏ كيف أصبحت ‏"‏ يا أم المؤمنين ‏"‏ قالت‏:‏ بنِعْمة من الله‏.‏
وقال رجل لشُرَيح‏:‏ كيف أصبحتَ ‏"‏ قال‏:‏ بنعمة ‏"‏ ومدَ إصبعه السَّبابة إلى السماء‏.‏
وقيلِ لمحمد بن وكيع‏:‏ كيف أصبحت ‏"‏ قال‏:‏ أصبحتُ طويلاً أملى قصيراً أجلى سيئاً وقيل لسًفْيان الثَّوْري‏:‏ كيف أصبحتَ قال‏:‏ أصبحتُ في دار حارتْ فيها الأدِلاء‏.‏
واستأذن رجلٌ من بني عامر على النبي وهو في بيت فقال‏:‏ أَلِجُ فقال النبي لخادمه‏:‏ اخرُج إلى هذا فعَلِّمه الاستئذان وقُل له يقول‏:‏ السَّلام عليكم أدْخُل جابر بن عبد الله قال‏:‏ استأذنتُ على النبي فقال‏:‏ مَن أنت فقلت‏:‏ أنا قال‏:‏ أنا أنا‏.‏
وقال النبي ‏:‏ الاستئذان ثلاثة فإن أُذن لك وإلاّ فارجع‏.‏
وقال عليُّ بن أبي طالب رضى الله عنه‏:‏ الأولى إذْن والثانية مؤامرة والثالثة عزيمة إمّا أن يأذنوا وإمّا أن يردّوا‏.‏
باب في تأديب الصغير

قالت الحُكماء‏:‏ مَن أَدَّب ولدَه صغيراً سُرّ به كبيراً‏.‏
وقالوا‏:‏ اطْبَعِ الطِّن ما كان رَطْباً واغْمِز العُود ما كان لَدْناً‏.‏
وقالوا‏:‏ مَن أدَّب ولدَه غَمّ حاسدَه‏.‏
وقال ابن عبّاس‏:‏ مَن لم يَجْلِس في الصِّغر حيثُ يَكْره لم يَجْلِس في الكبر حيث يحب قال الشاعر‏:‏ إذا المَرءُ أَعْيَتْه المُروءةُ ناشِئاً فَمَطْلَبها كَهْلاً عليه شديدُ وقالوا‏:‏ ما أشدَّ فِطامَ الكبير وأعسرَ رياضةَ الهَرم‏.‏
قال الشاعر‏:‏ وتَرُوض عِرْسَك بعد ما هَرمت ومِن العَناء رياضةُ الهَرِم وكتب شُرَيح إلى معلِّم ولده‏:‏ تَركَ الصلاةَ لأكْلُبٍ يَسعى بها يَبْغِي الهِرَاشَ مع الغُواة الرُّجَّس ‏"‏ فَليَأتيِنَّك غُدوًة بصحيفة كُتِبت له كصحيفة المُتَلمِّس ‏"‏ فإذا هَمَمْتَ بضربه فبدِرَّةٍ وإذا بلغتَ بها ثلاثاً فاحْبِس واعْلم بأنّك ما أتيتَ فنفْسُه مع ما تُجَرِّعني اعزُّ الأنْفس وقال صالح بن عبد القدّوس‏:‏ وإنَّ مَن أدَّبته في الصبا كالعُود يُسقَى الماءَ في غَرْسِه حتى تَراه مُورِقاً ناضِراً بَعد الذي أبصرتَ من يُبْسِه والشيخُ لا يَتْرك أخلاقَه حتى يُوارَى في ثَرى رَمْسه إذا ارْعوى عادَ له جَهْلهُ كذي الضَّنَى عاد إلى نُكْسِه ما يَبْلغ الأعداءُ من جاهل ما يَبْلغ الجاهلُ من نَفْسهِ وقال عمرو بن عُتبة لمعلِّم ولده‏:‏ ليكُن أوّلَ إصلاحك لولدي إصلاحُك لنفسك فإنّ عُيونهم مَعْقودة بعَيْنك فالحَسن عندهم ما صَنعتَ والقبيح عندهم ما تَركت‏.‏
علمَهم كتابَ اللهّ ولا تُكْرههم عليه فيَملّوه ولا تَتركهم منه فيهجروه رَوِّهم من الحديث أشرفَه ومن الشعر أعفّه ولا تَنْقُلهم من عِلم إلى علم حتى يُحْكِموه فإنّ ازدحام الكلام في القَلْب مَشغلة للفهم وعَلِّمهم سُنَن الحكماء وجَنِّبهم محادثة النِّساء ولا تَتّكَل على عُذْر منّي لك فقد اتكلتُ على كِفاية منك‏.‏
أرسل معاوية إلى الأحنف بن قيس فقال‏:‏ يا أبا بحر ما تقول في الولد قال‏:‏ ‏"‏ يا أمير المؤمنين ‏"‏ ثمار قُلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرضٌ ذَليلة وسماء ظَلِيلة فإن طلبوا فأعْطِهم وإن غَضبوا فأَرْضهم يمنحوك ودهم ويُحبوك جَهْدهم ولا تكن عليهم ثقيلاً فيملّوا حياتك ويُحبُّوا وفاتك‏.‏
فقال‏:‏ لله أنت يا أحنف لقد دخلتَ عليّ وإني لمملوء غضباً على يزيدَ فسَلَلَته من قلبي‏.‏
فلمّا خرج الأحنفُ من عنده بعث مُعاوية إلى يزيد بمائتي ألف درهم ومائتي ثوب فبعث يزيدُ إلى الأحنف بمائة ألف دِرْهم ومائة ثوب شاطره إياها‏.‏
وكان عبد الله بن عُمر يذهب بولده سالم كلَّ مَذْهب حتى لامه الناسُ فيه فقال‏:‏ يَلُومونني في سالمِ وأَلُومهم وجِلْدةُ بين العَينْ والأنف سالمً وقال‏:‏ إن ابني سالماَ ليُحِبّ حُبَّاً لو لم يَخَفْه لم يَعْصه‏.‏
وكان يحيى بن اليمان يَذْهب بولده داود كل مَذْهب حتى قال يوماً‏:‏ أئمة الحَدِيث أربعة كان عبد الله ثم كان عَلْقمة ثم كان إبراهيم ثم أنت يا داود‏.‏
وقال تزوّجْتُ أمَ داود فما كان عندنا شيءٌ أُلّفه فيه حتى اشتريتُ له كُسوة بدانِق‏.‏
وقال زيدُ بن علي لْابنه‏:‏ يا بُنيَّ إن الله لم يَرْضك لي فأوصاك بي ورَضيني لك فحذَرنيك واعلم أنَ الآباء للأبناء مَن لم تَدْعه المَودَّةُ إلى التَفريط وخَيْرَ الأبناء للآباء مَن لم يَدْعه التقصير إلى وفي الحديث المَرْفوع‏:‏ ريح الوَلد من ريح الجنَّة‏.‏
وفيه أيضاً‏:‏ الأولاد منِ رَيحان الله‏.‏
وقال النبي لمَّا بُشر بفاطمة‏:‏ رَيحانة أَشَمّها ورِزْقها على اللهّ‏.‏
ودخل عمرو بن العاص على مُعاوية وبين يديه بنته عائشة فقال‏:‏ مَن هذه يا ‏"‏ أمير المؤمنين ‏"‏ فقال‏:‏ هذه تًفَّاحة القَلْب فقال له‏:‏ انبذُوها عنك ‏"‏ يا أمير المؤمنين ‏"‏ فوالله إنَهن لَيَلدْنَ الأعداء ويُقرِّبن البُعداء ويُورِّثن الضّغائن‏.‏
قال‏:‏ لا تَقُل ذاك يا عمرو فواللهّ ما مَرّضِ المَرْضى ولا نَدَب الموْتى ولا أعان على الأحزان مِثْلهن ورُبَّ ابن أُخت قد نَفعَ خاله‏.‏
وقال المُعلّي الطائي‏:‏ لولا بُنيّات كزغْب القطَا حُطِطْن من بعْض إلى بَعْض لكان لي مُضطَرَب واسعٌ في الأرض ذاتِ الطّول والعَرْض وإنما أولادُنا بيننا أكبادُنا تمشي على الأرض إن هَبَّت الريحُ على بَعْضهم لم تَشْبع العينُ من الغَمْض وقال عبد الله بن أبي بَكْرة‏:‏ مَوْت الوَلد صَدْع في الكَبِد‏:‏ لا يَنجبر آخرَ الأبد‏.‏
ونظر عمرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه إلى رجل يحمل طِفْلاً على عُنقه فقال‏:‏ ما هذا منك وكانت فاطمة بنت رسول الله تُرَقص الحسين بن علي رضي اللهّ عنهما وتقول‏:‏ إنّ بُني شِبْه النبي ليس شَبيهاً بعَلي وكان الزُّبير يُرَقص ‏"‏ ولده ‏"‏ عُرْوَة ويقول‏:‏ أَبْيَضُ من آل أبي عَتِيق مُبارَك مِن وَلد الصِّدِّيقِ ألذَّه كما أَلذّ رِيقي وقال أعرابي وهو يُرَقّص ولده‏:‏ أُحبُّه حُبَّ الشحيح مالَهْ قد كان ذاقَ الفقر تمَ نالَهْ إذا يُريد بذلَه بدالة وقال آخر وهو يُرْقص ولده‏:‏ أعرِف منه قلَّة النُّعاس وخِفّةً في رَأسة من راسي وكان رجلٌ من طيء يَقطع الطّريق فمات وتَرك بُنياً رضيعاً فجعلت أُمه تُرقصه وتْقول‏:‏ ياليتَه قد قطع الطّريقا ولم يًرِد في أمره رَفيقاً وقد أخاف الفَجّ والمضيقا فقَلّ أن كان به شفيقاً وقال هارون الرشيد لابنه المعتصم‏:‏ ما فعل وصيفك ‏"‏ فلان ‏"‏ قال‏:‏ مات فاستراح من الكُتَّاب قال أو بلغ منك الكتّاب هذا المبلغ‏!‏ واللهّ لا حضرته أبداً ووجّهه إلى البادية فتعلّم الفصاحة وكان أُمِّيّاً وهو المعروف بابن مارِدة‏.‏