فلما وَرد على ابن زياد غَضَب عليه غَضباً شديداً وقال‏:‏ انهزمت وأنت في ألفين عن أَربعين رجلا‏!‏ قال له أسلم‏:‏ والله لأن تَذُمَّني حيّا أحبًّ إليَّ من أن تَحمَدني مَيِّتاً‏.‏
وكان إذا خرج إلى السوق ومرَّ بالصبيان صاحُوا به‏:‏ أبو بلال وراءك حتى شكا إلى ابن زياد فأمر الشّرط أن يكفّوا الناسَ عنه‏.‏
رد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه على شوذب الخارجي الهيثم بن عَدِيّ قال‏:‏ أخبرنى عَوانة بن الحَكم عنِ محمد بن الزُّبير قال‏:‏ بَعثني عمر بن عبد العزيز مع عَوْن بن عبد الله بن مَسْعود إلى شوْذَب الخارجيّ وأصحابه إذ خرجوا بالجزيرة وكتب معنا كتاباً فقَدِمنا عليهمِ ودَفعنا كتابَه إليهم فبَعثوا معنا رجلاً من بني شَيْبان ورجلاً فيه حَبشيّة يقال له شوْذَب‏.‏
فقدما معنا على عمرَ وهو بخِنَاصرة فصَعِدْنا إليه وكان في غُرْفة ومعه ابنه عبدُ الملك وحاجبُه مُزاحم فأخبرناه بمكان الخارجيين فقال عمر‏:‏ فتِّشوهما لا يَكُن معهما حديد وأدخلوهما فلما دخلا قالا‏:‏ السلامُ عليكم ثم جلسا فقال لهما عمر‏:‏ أخْبراني ما الذي أخْرجكم عن حُكْمي هذا وما نَقِمْتم علي فتكلَّم الأسود منهما فقال‏:‏ إنَّا والله ما نَقِمْنا عليك في سِيرتك وتَحَرِّيك العَدْل والإحسان إلى مَن وَليت ولكنَّ بيننا وبينك أمراً إن أعطيتَناه فنحن منك وأنت منَّا وإن مَنَعْتناه فلستَ منا ولسنا منك قال عمر‏:‏ ما هوِ قالا‏:‏ رأيناك خالفتَ أهلَ بيتك وسَمَّيتها مظالم وسلكت غيرَ طريقهم فإن زعمتَ أنك على هُدى وهم على ضلال فالْعَنهم وابرأ منهم فهذا الذي يَجمع بيننا وبينك أو يُفرِّق‏.‏
فتكلم عمر فَحَمِد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ إني قد علمتُ أو ظننتُ أنكم لم تَخْرجوا مخرجكم هذا لطلب الدنيا ومَتاعها ولكنَّكم أردتم الآخرة فأخطأتم سبيلَها وإني سائُلكما عن أمر فبالله اصْدقاني فيه مَبلغ عِلْمكما قالا‏:‏ نعم قال‏:‏ أخبراني عن أبي بكر وعُمر أليسا من أسلافكما ومَن تتولَّيان وتَشْهدان لهما بالنجاة قالا‏:‏ اللهم نعم قال‏:‏ فهل عَلِمْتما أنّ أبا بكر حين قُبض رسول الله له فارتدّت العرب قاتلَهم فَسَفك الدِّماء وأخذ الأموال وسَبَى الذراري قالا‏:‏ نعم قال فهل عَلمتم أنّ عمر قام بعد أبي بكر فردّ تلك السَّبايا إلى عشائرها قالا‏:‏ نعم قال‏:‏ فهل بَرِىء عمر من أبي بكر أو تَبْرءون أنتم من أحد منهما قالا‏:‏ لا قال‏:‏ فأخبراني عن أهل النَّهروان أَليْسوا من صالحي أسلافكم وممَّن تَشْهدون لهم بالنجاة قالا‏:‏ نعم قال‏:‏ فهلِ تَعلمون أنّ أهل الكوفة حين خرجوا كَفوا أيديَهم فلم يَسْفكوا دماً ولم يُخيفوا آمناَ ولم يأخذوا مالا قالا‏:‏ نعم قال‏:‏ فهل علمتم أن أهل البَصْرة حين خَرجوا مع مِسْعَر بن فُدَيك استعرضوا الناس يَقْتلونهم ولَفوا عبد الله بن خبّاب بن الأرَتّ صاحب رسول الله فقتلوه وقتلوا جاريتَه ثم قتلوا النّساء والأطفال حتى جعلوا يُلْقونهم في قُدُور الأقْط وهي تفور قالا‏:‏ قد كان ذلك قال‏:‏ فهل بَرِىء أهلُ الكوفة من أهل البصرة قالا‏:‏ لا قال‏:‏ فهل تَبرءُون أنتم من إحدى الفِئتين قالا‏:‏ لا قال‏:‏ أَفرأَيتم الدِّين إليس هو واحد أَم الدِّين اثنان قالا‏:‏ بل واحدة قال‏:‏ فهل يَسعكم منه شيء يُعْجِزني قالا‏:‏ لا قال فكيف وَسِعكم أن تولَّيتم أبا بكر وعُمرِ وتولَّى كلُّ واحد منهما صاحبَه وتولَّيتم أهلَ الكوفة والبَصرة وتولَّى بعضُهم بعضاَ وقد اختلفوا في أعْظم الأشياء‏:‏ الدِّماء والفُروج والأموال ولا يَسَعني إلا لَعْن أهل بَيْتي والتبرُؤ منهم أو رأيتَ لَعْنَ أهل الذُّنوب فَريضةً لا بدّ منها فإنْ كان ذلك فمتى عَهْدك بلَعْن فِرْعون وقد قال‏:‏ أَنَا ربًّكم الأعلى قال‏:‏ ما أذكُر أني لعنتُه قال‏:‏ ويحك‏!‏ أيسَعك أن لا تَلْعن فِرْعون وهو أخبث الخَلْق ولا يَسَعُني إلا أن ألعن أهلَ بَيْتي والبراءةُ منهم ويحكم‏!‏ إنكم قَوْم جُهَّال أردتم أمراً فأخطأتموه فأنتم تَردّون على الناس ما قَبل منهم رسولُ الله بَعثه اللهّ إليهم وهم عَبَدَة أوثان فدعاهم إلا أن يخلعوا الأوثان وأن يَشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً عبدُه ورسولُه فمن قال ذلك حَقَن بذلك دَمَه وأحْرز مالَه ووَجبت حُرمَتُه وأَمِن به عند رسول الله وكان إِسوة المُسلمين وكان حسابُه على الله أفلستم تَلقَون مَن خَلع الأوْثان ورَفَض الأديان وشَهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله تَسْتحلون دَمَه ومالَه وُيلْعن عندكم ومَن تَرَك ذلك وأباه من اليهود والنَّصارى وأهلِ الأديان فَتُحَرِّمون دَمَه ومالَه ‏"‏ ويأمن عندكم ‏"‏ فقال الأسود‏:‏ ما سمعتُ كاليوم أحداَ أبين حُجّة ولا أقرب مَأْخذاً أمّا أنا فأشهد أنك على الحق وأني بَرِيءٌ ممن بَرِىء منك‏.‏