فصول في التنصل

كتب ابن مكرم‏:‏ لا وعظيم أملى فيك ما أتيت فيما بيني وبينك ذنْباً مُخطئاً ولا متعمَدًا ولعلّ فَلتة لم ألْقِ لها بالاً فأوطىء لها اعتذارًا وإن تكن فَنَفثُة حاسد زَخرفها على لسان واش َنبذها إليك في بعض غِرّاتك أصابت مني مَقْتلاً وشَفت منه غليلاً‏.‏ وفصل‏:‏ ليس يُزِيلني عن حُسن الظن بك فِعلٌ حَملك الأعداء عليه ولا يَقطعني عن رجائك عَتْبُ حَدث منك عليّ بل أرجو أن يَتقاضى كَرَمُك إنجاز وَعْدك إذ كان أبلغَ الشُفعاء إليك وأوجبَ الوَسائل لَديك‏.‏ وفصل‏:‏ أنت - أعزك الله - أعلم بالعَفو والعُقوبة من أن تُجازيني بالسُّوء على ذَنب لم أجنه بيد ولا لسان بك جَناه عليّ لسان واش‏.‏ فأما قولُك إنك لا تُسَفَك سبيل العُذر فأنت أعلم بالكَرم وأرعى لحُقوقه وأعرف بالشّرَف وأحفظُ لذِماماته منِ أن تَرُدَّ يدَ مُؤمِّلك صِفْراً من عَفْوك إذا التمسه ومن عُذرك إذا جعل فضلكَ شافعاً فيه وذَريعة له‏.‏ وفصل لإبراهيم بن العباس‏:‏ الكريم أوسع ما تكون مَغفرته إذا ضاقت بالمُذنب معذرته‏.‏ وفصل‏:‏ يا أخي أشكو إلى الله وإليك تحامل الأيام عليّ وسُوء أثر الدهر عندي وأنّي مُعلَّق في حبائِل من لا يعرف موضعي ولا يَحلو عنده موقعي أطلبُ منه الخلاص فيزيدني كُلفاً وأرْتجي منه الحقّ فيزداد به ضَنًا فالثَّواءُ ثواء مقيم والنيّة نيّة ظاعن والزَماع زَماع مُرتحل‏.‏ ما أذهب إلى ناحية من الحِيلة إلا وجدتُ من دونها مانعًا من العوائق فأحمل الذنبَ على الدهر وارجع إلى الله بالشَّكوى وأسأله جميلَ العُقبى وحُسن الصبر‏.‏
فصول في حسن التواصل

للمُفضل أن يَخُص بفضله مَن شاء وله الحمد فيما أعطى‏.‏ ولا حًجة عليه فيما مَنع و كنْ كيف شئت فإني قد أوليتك خالصةَ سريرتي أرى ببقائك بقاءَ سرُوري وبدوام النِّعمة عندك دوامَها عندي‏.‏ وفصل‏:‏ قد أغنى الله بكرمك عن الذَّريعة إليك والاستعانة عليك لأنّ حُسن الظن فيك وتأميلَ نُجح الرَّغبة إليك فوق الشفعاء عندك‏.‏ وفصل‏:‏ قد أفردتُك برجَائي بعد الله وتعجّلت راحة اليأس ممن يجود بالوَعد ويَضن بالإنجاز ويُحسِّن الفضل ويَزهد في أن يتفضل ويَعيب الكَذب ولا يَصدق‏.‏ وفصل‏:‏ ضَعْني - أكرمك الله - من نَفسك حيثُ وضعتُ نفسي من رجائك وفصل‏:‏ لا أزال - أبقاك الله - أسألً الكتابَ إليك‏.‏ فمرّة أتوقف توقّف المُخفّف عنك من المؤونة ومَرِّة أكتب كتاب الراجع منك إلى الثقة والمُعتمد منك على المِقة‏.‏ لا أعدمنا الله دوام عزك ولا سَلب الدنيا بهجتها بك ولا أخلانا من الصُّنع لك فإنا لا نعرف إلا نِعمتك ولا نجد للحياة طَعْماً إلا في ظِلك ولئن كانت الرغبة إلى نَفر من الناس خَساسة وذلاً لقد جعل الله الرَّغبة إليك كرامة وعزًّا لأنك لا تعرف حُرًّا قعد به دهرُه إلا سَبقْتَ مسألته بالعطيِّة وصُنت وجهه عن الطلب والذّلة‏.‏ وفصل‏:‏ لي عليك حقُّ التَأميل في الزيادة بما ابتدأتَ منِ المعروف ولك عليًّ حقُ الاصطناع والفضل والتَّنويه بالاسم والشكر وليس يمنعني عِلْمي بزيادة حقك على ما أبلغه من شُكرك من مُساءلتك المَزيد إذ كنت قد انتهيتُ إلى ما بلغه المجهود وخرجتُ من منزله الإضاعة والتًقصير وإذ كنتَ تسمح بالحق عليك وتَطيب نفسًا عن حقك وتُنكر اليَسير ولا تكفَف أحداً شُكرَك على الكثير‏.‏ وفصل‏:‏ لك - أصلحًكَ الله - عندي أيادٍ تَشفع لي إلى محبَتك ومَعروف يُوجب عليك الرًبَّ والإتمام‏.‏ وفصل‏:‏ أنا أسأل الله أن يُنجز لي ما لم تَزل الفِراسة تَعِدُنيه فيك‏.‏ وفصل‏:‏ قد أجلّ الله قَدْرك عن الاعتذار وأغناك في القول عن الاعتلال وأوجب علينا أن نَقنع بما فعلتَ ونرضى بما أتيت وصلتَ أو قطعت‏.‏
فصول في الشكر

كتب محمدُ بن عبد الملك الزيات كتاباً عن المُعتصم إلى عبد اللهّ بن طاهر الخراسانيّ فكان في فصل منه‏:‏ لو لم يكن من فَضل الشُّكر إلا أنك لا تراه إلا بين نِعمة مقصورة عليك أو زيادة مُنتظرة لها الكَفَى‏.‏ ثم قال لمحمد بن إبراهم بن زياد‏:‏ كيف ترى قال‏:‏ كأنهما قُرطان بينهما وَجْه حَسن‏.‏ وفصل للحسن بن وهب‏:‏ فَي شَكرك على درجة رفعتَه إليها أو ثَرْوة أفدتَه إياها فإنِّ شكري لك على مُهجة أحْييتَها وحُشاشة أبقيتَها ورَمَق أمسكتَ به وقُمتَ بين التَلف وبينه‏.‏ فلكلّ نعمة من نِعم الدُّنيا حدٌ تنتهي إليه ومَدًى يُوقف عنده وغاية من الشُّكر يَسمو إليها الطَرف خلا هذه النَعمة التي قد فاقت الوَصْفَ وطالت الشُكر وتجاوزت كل قَدْر وأتت مِن وراء كل غاية ردتْ عنا كيدَ العدو وأرغمت أنف الحسود فنحن نلجأ منها إلى ظل ظليل وكَنف كريم‏.‏ فكيف يشكر الشاكر وأين يبلغ جَهد المجتهد وقال إبراهيم بن المهديّ يشكر المأمون‏:‏ رددتَ مالي ولم تَمنُن عليّ به وقَبل رَدٌك مالِي قد حَقَنْتَ دَمِي فلو بذلتُ دمِي أبْغي رِضاك به والمالَ حتى أسُل النَعل من قَدمي ما كان ذاك سِوَى عارية رَجعت إليك لو لم تعِرْها كنتَ لم تُلَم البِرُّ بي مِنك وَطي العُذر عندك لي فيما أتيتُ فلم تَعتب ولم تَلُم وقام عِلمًك بي يَحتَجُّ عندك لَي مقامَ شاهدِ عَدْلٍ غير مُتَّهم