صفحة 2 من 27 الأولىالأولى 123412 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 5 إلى 8 من 108

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)


  1. #5
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ثم حمل عبد الله بن الطفيل البكائي على جمع لأهل الشأم، فلما انصرف حمل عليه رجل من بني تميم - يقال له قيس بن قرة، ممن لحق بمعاوية من أهل العراق - فيضع الرمح بين كتفي عبد الله بن الطفيل، ويعترضه يزيد ابن معاوية، ابن عم عبد الله بن الطفيل، فيضع الرمح بين كتفي التميمي، فقال: والله لئن طعنته لأطعننك، فقال: عليك عهد الله وميثاقه لئن رفعت السنان على ظهر صاحبك لترفعن سنانك عني! فقال له: نعم، لك بذلك عهد الله؛ فرفع السنان عن ابن الطفيل، ورفع يزيد السنان عن التميمي، فقال: ممن أنت؟ قال: من بني عامر؛ فقال له: جعلني الله فداكم! أينما ألفكم ألفكم كرامًا، وإني لحادي عشر رجلًا من أهل بيتي ورهطي قتلتموهم اليوم، وأنا كنت آخرهم. فلما رجع الناس إلى الكوفة عتب على يزيد بن الطفيل في بعض ما يعتب فيه الرجل على ابن عمه، فقال له:
    ألم ترني حاميت عنك مناصحًا ** بصفين إذ خلاك كل حميم
    ونهنهت عنك الحنظلي وقد أتى ** على سابحٍ ذي يمعةٍ وهزيم!
    قال أبو مخنف: حدثني فضيل بن خديج، قال: خرج رجل من أهل الشأم يدعو إلى المبارزة، فخرج إليه عبد الرحمن بن محرز الكندي، ثم الطمحي، فتجاولا ساعة. ثم إن عبد الرحمن حمل على الشأمي فطعنه في ثغرة نحره فصرعه، ثم نزل إليه فسلبه درعه وسلاحه، فإذا هو حبشي، فقال: إنا لله! لمن أخطرت نفسي! لعبد أسود! وخرج رجل من عك يسأل المبارزة، فخرج إليه قيس بن فهدان الكناني، ثم البدني، فحمل عليه العكي فضربه واحتمله أصحابه فقال قيس بن فهدان:
    لقد علمت عكٌّ بصفين أننا ** إذا التقت الخيلان نطعنها شزرا
    ونحمل رايات الطعان بحقها ** فنوردها بيضًا ونصدرها حمرا
    قال أبو مخنف: وحدثني فضيل بن خديج أن قيس بن فهدان كان يحرض أصحابه فيقول: شدوا إذا شددتم جميعًا، وإذا انصرفتم فأقبلوا معًا، وغضوا الأبصار، وأقلوا اللفظ، واعتوروا الأقران، ولا يؤتين من قبلكم العرب. قال: وقتل نهيك بن عزير - من بني الحارث بن عدي وعمرو بن يزيد من بني ذهل، وسعيد بن عمرو - وخرج قيس بن يزيد وهو ممن فر إلى معاوية من علي، فدعا إلى المبارزة، فخرج إليه أخوه أبو العمرطة بن يزيد، فتعارفا، فتواقفا وانصرفا إلى الناس، فأخبر كل واحد منهما أنه لقي أخاه.
    قال أبو مخنف: حدثني جعفر بن حذيفة من آل عامر بن جوين الطائي، أن طيئًا يوم صفين قاتلت قتالًا شديدًا، فعبيت لهم جموع كثيرة، فجاءهم حمزة بن مالك الهمداني، فقال: ممن أنتم، لله أنتم! فقال عبد الله ابن خليفة البولاني - وكان شيعيًا شاعرًا خطيبًا: نحن طيىء السهل وطيىء الرمل، وطيىء الجبل، الممنوع ذي النخل؛ نحن حماة الجبلين، إلى ما بين العذيب والعين، نحن طيىء الرماح، وطيىء النطاح، وفرسان الصباح. فقال حمزة بن مالك: بخٍ بخٍ! إنك لحسن الثناء على قومك؛ فقال:
    إن كنت لم تشعر بنجدة معشرٍ ** فأقدم علينا ويب غيرك تشعر
    ثم اقتتل الناس أشد القتال، فأخذ يناديهم ويقول: يا معشر طيىء، فدىً لكم طارفي وتالدي! قاتلوا على الأحساب، وأخذ يقول:
    أنا الذي كنت إذا الداعي دعا ** مصممًا بالسيف ندبًا أروعا
    فأنزل المستلئم المقنعا ** وأقتل المبالط السميدعا
    وقال بشر بن العسوس الطائي ثم الملقطي:
    يا طيىء السهول والأجبال ** ألا انهدوا بالبيض والعوالي
    وبالكماة منكم الأبطال ** فقارعوا أئمة الجهال
    السالكين سبل الضلال
    ففقئت يومئذ عين ابن العسوس، فقال في ذلك:
    ألا ليت عيني هذه مثل هذه ** فلم أمش في الآناس إلا بقائد
    ويا ليتني لم أبق بعد مطرفٍ ** وسعدٍ وبعد المستنير بن خالد
    فوارس لم تغذ الحواضن مثلهم ** إذا الحرب أبدت عن خدام الخرائد
    ويا ليت رجلي ثم طنت بنصفها ** ويا ليت كفي ثم طاحت بساعدي
    قال أبو مخنف: حدثني أبو الصلت التيمي، قال: حدثني أشياخ محارب، أنه كان منهم رجل يقال له خنثر بن عبيدة بن خالد، وكان من أشجع الناس، فلما اقتتل الناس يوم صفين، جعل يرى أصحابه منهزمين، فأخذ ينادي: يا معشر قيس، أطاعة الشيطان آثر عندكم من طاعة الرحمن! الفرار فيه معصية الله سبحانه وسخطه، والصبر فيه طاعة الله عز وجل ورضوانه، فتختارون سخط الله تعالى على رضوانه، ومعصيته على طاعته! فإنما الراحة بعد الموت لمن مات محاسبًا لنفسه. وقال:
    لا وألت نفس امرىءٍ ولى الدبر ** أنا الذي لا ينثني ولا يفر
    ولا يرى مع المعازيل الغدر
    فقاتل حتى ارتث. ثم إنه خرج مع الخمسمائة الذين كانوا اعتزلوا مع فروة بن نوفل الأشجعي، فنزلوا بالدسكرة والبندنيجين، فقاتلت النخع يومئذ قتالًا شديدًا، فأصيب منهم يومئذ بكر بن هوذة وحيان بن هوذة وشعيب بن نعيم من بني بكر النخع، وربيعة بن مالك بن وهبيل، وأبي بن قيس أخو علقمة بن قيس الفقيه، وقطعت رجل علقمة يومئذ، فكان يقول: ما أحب أن رجلي اصح ما كانت، وإنها لمما أرجو به حسن الثواب من ربي عز وجل. وقال: لقد كنت أحب أن أرى في نومي أخي أو بعض إخواني، فرأيت أخي في النوم فقلت: يا أخي، ماذا قدمتم عليه؟ فقال لي: إنا التقينا نحن والقوم، فاحتججنا عند الله عز وجل، فحججناهم، فما سررت منذ عقلت سروري بتلك الرؤيا.
    قال أبو مخنف: حدثني سويد بن حية الأسدي، عن الحضين ابن المنذر، أن أناسًا كانوا أتوا عليًا قبل الوقعة فقالوا له: إنا لا نرى خالد بن المعمر إلا قد كاتب معاوية، وقد خشينا أن يتابعه. فبعث إليه علي وإلي رجال من أشرافنا، فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أما بعد يا معشر ربيعة، فأنتم أنصاري ومجيبو دعوتي ومن أوثق حيٍّ في العرب في نفسي، وقد بلغني أن معاوية قد كاتب صاحبكم خالد بن المعمر، وقد أتيت به، وجمعتكم لأشهدكم عليه ولتسمعوا أيضًا ما أقوله. ثم أقبل عليه، فقال: يا خالد بن المعمر، إن كان ما بلغني حقًا فإني أشهد الله ومن حضرني من المسلمين أنك آمنٌ حتى تلحق بأرض العراق أو الحجاز أو أرضٍ لا سلطان لمعاوية فيها، وإن كنت مكذوبًا عليك، فإن صدورنا تطمئن إليك. فحلف بالله ما فعل، وقال جال منا كثير: لو كنا نعلم أنه فعل أمثلناه، فقال شقيق بن ثور السدوسي: ما وفق خالد بن المعمر أن نصر معاوية وأهل الشأم على علي وربيعة؛ فقال زياد بن خصفة التيمي: يا أمير المؤمنين، استوثق من ابن المعمر بالأيمان لا يغدرنك. فاستوثق منه، ثم انصرفنا. فلما كان يوم الخميس انهزم الناس من قبل الميمنة، فجاءنا علي حتى انتهى إلينا ومعه بنوه، فنادى بصوت عالٍ جهير، كغير المكترث لما فيه الناس: لمن هذه الرايات؟ قلنا: رايات ربيعة، فقال: بل هي رايات الله عز وجل، عصم الله أهلها، فصبرهم، وثبت أقدامهم. ثم قال لي: يا فتى، ألا تدني رايتك هذه ذراعًا؟ قلت: نعم والله وعشرة أذرع؛ فقمت بها فأدنيتها، حتى قال: إن حسبك مكانك، فثبت حيث أمرني، واجتمع أصحابي.
    قال أبو مخنف: حدثنا أبو الصلت التيمي، قال: سمعت أشياخ الحي من تيم الله بن ثعلبة يقولون: إن راية ربيعة؛ أهل كوفتها وبصرتها، كانت مع خالد بن المعمر من أهل البصرة. قال: وسمعتهم يقولون: إن خالد ابن المعمر وسفيان بن ثور السدوسي اصطلحا على أن وليا راية بكر بن وائل من أهل البصرة الحضين بن المنذر الذهلي، وتنافسا في الراية، وقالا: هذا فتىً منا له حسب، نجعلها له حتى نرى من رأينا.
    ثم إن عليًا ولى خالد بن المعمر بعد راية ربيعة كلها. قال: وضرب معاوية لحمير بسهمهم على ثلاث قبائل، لم تكن لأهل العراق قبائل أكثر عددًا منها يومئذ: على ربيعة وهمدان ومذحج، فوقع سهم حمير على ربيعة، فقال ذو الكلاع: قبحك الله من سهم! كرهت الضراب! فأقبل ذو الكلاع في حمير ومن تعلقها، ومعهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب في أربعة آلاف من قراء أهل الشأم، وعلى ميمنتهم ذو الكلاع، فحملوا على ربيعة، وهم ميسرة أهل العراق، وفيهم ابن عباس، وهو على الميسرة، فحمل عليهم ذو الكلاع وعبيد الله بن عمر حملةً شديدة بخيلهم ورجلهم، فتضعضعت رايات ربيعة إلا قليلًا من الأخيار والأبدال. قال: ثم إن أهل الشأم انصرفوا، فلم يمكثوا إلا قليلًا حتى كروا، وعبيد الله بن عمر يقول: يا أهل الشأم، إن هذا الحي من أهل العراق قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأنصار علي بن أبي طالب، وإن هزمتم هذه القبيلة أدركتم ثأركم في عثمان وهلك علي بن أبي طالب وأهل العراق، فشدوا على الناس شدةً، فثبتت لهم ربيعة، وصبروا صبرًا حسنًا إلا قليلًا من الضعفاء والفشلة، وثبت أهل الرايات وأهل الصبر منهم والحفاظ، فلم يزولوا، وقاتلوا قتالًا شديدًا. فلما رأى خالد بن المعمر ناسًا من قومه انصرفوا انصرف، ولما رأى أصحاب الرايات قد ثبتوا ورأى قومه قد صبروا رجع وصاح بمن انهزم، وأمرهم بالرجوع، فقال: من أراد من قومه أن يتهمه؛ أراد الانصراف. فلما رآنا قد ثبتنا رجع إلينا وقال هو: لما رأيت رجالًا منا انهزموا رأيت أن أستقبلهم وأردهم إليكم، وأقبلت غليكم فيمن أطاعني منهم، فجاء بأمر مشبه.
    قال أبو مخنف: حدثني رجل من بكر بن وائل، عن محرز بن عبد الرحمن العجلي، أن خالدًا قال يومئذ: يا معشر ربيعة، إن الله عز وجل قد أتى بكل رجل منكم من منبته ومسقط رأسه، فجمعكم في هذا المكان جمعًا لم يجمعكم مثله منذ نشرك في الأرض، فإن تمسكوا بأيديكم، وتنكلوا عن عدوكم، وتزولوا عن مصافكم لا يرض الله فعلكم، ولا تقدموا من الناس صغيرًا أو كبيرًا إلا يقول: فضحت ربيعة الذمار، وحاصت عن القتال، وأتيت من قبلها العرب، فإياكم أن يتشاءم بكم العرب والمسلمون اليوم. وإنكم إن تمضوا مقبلين مقدمين، وتصيروا محتسبين فإن الإقدام لكم عادة، والصبر منكم سجية، واصبروا ونيتكم صادقة أن تؤجروا، فإن ثواب من نوى ما عند الله شرف الدنيا وكرامة الآخرة، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملًا.
    فقام رجل من ربيعة فقال: ضاع والله أمر ربيعة حين جعلت إليك أمورها! تأمرنا ألا نزول ولا نحول حتى تقتل أنفسنا، وتسفك دماءنا! ألا ترى الناس قد انصرف جلهم! فقام إليه رجال من قومه فنهروه وتناولوه بألسنتهم. فقال لهم خالد: أخرجوا هذا من بينكم، فإن هذا إن بقي فيكم ضركم، وإن خرج منكم لم ينقصكم، هذا الذي لا ينقص العدد، ولا يملأ البلد، برحك الله من خطيب قوم كرام! كيف جنبت السداد! واشتد قتال ربيعة وحمير وعبيد الله بن عمر حتى كثرت بينهم القتلى، فقتل سمير بن الريان بن الحارث العجلي، وكان من أشد الناس بأسًا.
    قال أبو مخنف: حدثني جيفر بن أبي القاسم العبدي، عن يزيد بن علقمة، عن زيد بن بدر العبدي، أن زياد بن خصفة أتى عبد القيس يوم صفين وقد عبيت قبائل حمير مع ذي الكلاع - وفيهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب - لبكر بن وائل، فقوتلوا قتالًا شديدًا، خافوا فيه الهلاك. فقال زياد بن خصفة: يا عبد القيس، لا بكر بعد اليوم. فركبنا الخيول، ثم مضينا فواقفناهم، فما لبثنا إلا قليلًا حتى أصيب ذو الكلاع، وقتل عبيد الله بن عمر رضي الله عنه، فقالت همدان: قتله هانىء بن خطاب الأرحبي؛ وقالت حضرموت: قتله مالك بن عمرو التنعي، وقالت بكر ابن وائل: قتله محرز بن الصحصح من بني عائش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة، وأخذ سيفه ذا الوشاح، فأخذ به معاوية بالكوفة بكر بن وائل، فقالوا: إنما قتله رجل منا من أهل البصرة، يقال له: محرز بن الصحصح، فبعث إليه بالبصرة فأخذ منه السيف، وكان رأس النمر بن قاسط عبد الله بن عمرو من بني تيم الله بن النمر.
    قال هشام بن محمد: الذي قتل عبيد الله بن عمر رضي الله عنه محرز بن الصحصح، وأخذ سيفه ذا الوشاح، سيف عمر، وفي ذلك قول كعب بن جعيل التغلبي:
    ألا إنما تبكي العيون لفارسٍ ** بصفين أجلت خيله وهو واقف
    يبدل من أسماء أسياف وائلٍ ** وكان فتىً لو أخطأته المتالف
    تركن عبيد الله بالقاع مسندًا ** تمج دم الخرق العروق الذوارف
    وهي أكثر من هذا. وقتل منهم يومئذ بشر بن مرة بن شرحبيل، والحارث بن شرحبيل، وكانت أسماء ابنة عطارد بن حاجب التميمي تحت عبيد الله بن عمر، ثم خلف عليها الحسن بن علي.
    قال أبو مخنف: حدثني ابن أخي غياث بن لقيط البكري أن عليًا حيث انتهى إلى ربيعة، تبارت ربيعة بينها، فقالوا: إن أصيب علي فيكم وقد لجأ إلى رايتكم افتضحتم. وقال لهم شقيق بن ثور: يا معشر ربيعة، لا عذر لكم في العرب إن وصل إلى علي فيكم وفيكم رجلٌ حي، وإن منعتموه فمجد الحاية اكتسبتموه. فقاتلوا قتالًا شديدًا حين جاءهم علي لم يكونوا قاتلوا مثله، ففي ذلك قال علي:
    لمن رايةٌ سوداء يخفق ظلها ** إذا قيل قدمها حضين تقدما
    يقدمها في الموت حتى يزيرها ** حياض المنايا تقطر الموت والدما
    جزى الله قومًا صابروا في لقائهم ** لدى الموت قومًا ما أعف وأكرما!
    وأطيب أخبارًا وأكرم شيمةً ** إذا كان أصوات الرجال تغمغما
    ربيعة أعني أنهم أهل نجدة ** وبأسٍ إذا لاقوا جسيمًا عرمرما
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #6
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    مقتل عمار بن ياسر

    قال أبو مخنف: حدثني عبد الملك بن أبي حرة الحنفي، أن عمار بن ياسر خرج إلى الناس، فقال: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته، اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في صدري ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهرت لفعلت، وإني لا أعلم اليوم عملًا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم أن عملًا من الأعمال هو أرض لك منه لفعلته.
    قال أبو مخنف: حدثني الصقعب بن زهير الأزدي، قال: سمعت عمارًا يقول: والله إني لأرى قومًا ليضربنكم ضربًا يرتاب منه المبطلون، وايم الله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق، وأنهم على الباطل.
    حدثنا محمد بن عباد بن موسى، قال: حدثنا محمد بن فضيل، قال: حدثنا مسلم الأعور، عن حبة بن جوين العرني، قال: انطلقت أنا وأبو مسعود إلى حذيفة بالمدائن، فدخلنا عليه، فقال: مرحبًا بكما، ما خلفتما من قبائل العرب أحدًا أحب إلي منكما. فأسندته إلى أبي مسعود، فقلنا: يا أبا عبد الله، حدثنا فإنا نخاف الفتن؛ فقال: عليكما بالفئة التي فيها ابن سمية، إني سمعت رسول الله يقول: " تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق، وإن آخر رزقه ضياح من لبن ". قال حبة: فشهدته يوم صفين وهو يقول: ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا، فأتى بضياح من لبن في قدح أروح له حلقة حمراء، فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة، فقال:
    اليوم ألقى الأحبه ** محمدًا وحزبه
    والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، وجعل يقول: الموت تحت الأسل، والجنة تحت البارقة.
    حدثني محمد، عن خلف، قال: حدثنا منصور بن أبي نويرة، عن أبي محنف. وحدثت عن هشام بن الكلبي، عن أبي محنف، قال: حدثني مالك بن أعين الجهني، عن زيد بن وهب الجهني، أن عمار بن ياسر رحمه الله قال يومئذ: أين من يبتغي رضوان الله عليه، ولا يثوب إلى مال ولا ولد! فأتته عصابة من الناس، فقال: أيها الناس، اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان، ويزعمون أنه قتل مظلومًا، والله ما طلبتهم بدمه، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرءوها وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه من دنياهم، ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم، فخدعوا أتباعهم أن قالوا: إمامنا قتل مظلومًا، ليكونوا بذلك جبابرةً ملوكًا، وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون، ولولا هي ما تبعهم من الناس رجلان. اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت، وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم. ثم مضى، ومضت تلك العصابة التي أجابته حتى دنا من عمرو فقال: يا عمر، بعت دينك بمصر، تبًا لك تبًا! طالما بغيت في الإسلام عوجًا. وقال لعبيد الله ابن عمر بن الخطاب: صرعك الله! بعت دينك من عدو الإسلام وابن عدوه، قال: لا، ولكن أطلب بدم عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ قال له: أشهد على علمي فيك أنك لا تطلب بشيء من فعلك وجه الله عز وجل؛ وإنك إن لم تقتل اليوم تمت غدًا، فانظر إذا أعطي الناس على قدر نياتهم ما نيتك.
    حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: أخبرنا عبيد بن الصباح، عن عطاء بن مسلم، عن الأعمش، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت عمار بن ياسر بصفين وهو يقول لعمرو بن العاص: لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثًا مع رسول الله ، وهذه الرابعة ما هي بأبر ولا أتقى.
    حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا الوليد بن صالح، قال: حدثنا عطاء بن مسلم، عن الأعمش، قال: قال أبو عبد الرحمن السلمي: كنا مع علي بصفين، فكنا قد وكلنا بفرسه رجلين يحفظانه ويمنعانه من أن يحمل، فكان إذا حانت منهما غفلةٌ يحمل فلا يرجع حتى يخضب سيفه، وإنه حمل ذات يوم فلم يرجع حتى انثنى سيفه، فألقاه إليهم، وقال: لولا أنه انثنى ما رجعت - فقال الأعمش: هذا والله ضرب غير مرتاب، فقال أبو عبد الرحمن: سمع القوم شيئًا فأدوه وما كانوا بكذابين - قال: ورأيت عمارًا لا يأخذ واديًا من أودية صفين إلا تبعه من كان هناك من أصحاب محمد ؛ ورأيته جاء إلى المرقال هاشم بن عتبة وهو صاحب راية علي، فقال: يا هاشم، أعورًا وجبنًا! لا خير في أعور لا يغشى البأس، فإذا رجلٌ بين الصفين قال: هذا والله ليخلفن إمامه، وليخذلن جنده، وليصبرن جهده، اركب يا هاشم؛ فركب، ومضى هاشم يقول:
    أعور يبغي أهله محلا ** قد عالج الحياة حتى ملا
    لا بد أن يفل أو يفلا
    وعمار يقول: تقدم يا هاشم، الجنة تحت ظلال السيوف، والموت في أطراف الأسل، وقد فتحت أبواب السماء، وتزينت الحور العين.
    اليوم ألقى الأحبه ** محمدًا وحزبه
    فلم يرجعا وقتلا - قال: يفيد لك علمهما من كان هناك من أصحاب رسول الله ، أنهما كانا علما - فلما كان الليل قلت: لأدخلن إليهم حتى أعلم: هل بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منا! وكنا إذا توادعنا من القتال تحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم، فركبت فرسي وقد هدأت الرجل، ثم دخلت فإذا أنا بأربعة يتسايرون: معاوية، وأبو الأعور السلمي، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن عمرو - وهو خير الأربعة - فأدخلت فرسي بينهم مخافة أن يفوتني ما يقول أحد الشقين، فقال عبد الله لأبيه: يا أبت، قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا، وقد قال فيه رسول الله ما قال! قال: وما قال؟ قال: ألم تكن معنا ونحن نبني المسجد، والناس ينقلون حجرًا حجرًا ولبنة لبنة، وعمار ينقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين، فغشي عليه، فأتاه رسول الله ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: " ويحك يابن سمية! الناس ينقلون حجرًا حجرًا، ولبنة لبنة، وأنت تنقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين رغبةً منك في الأجر! وأنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية! ". فدفع عمرو صدر فرسه، ثم جذب معاوية غليه، فقال: يا معاوية، أما تسمع ما يقول عبد الله! قال: وما يقول؟ فأخبره الخبر، فقال معاوية: إنك شيخ أخرق، ولا تزال تحدث بالحديث وأنت تدحض في بولك! أو نحن قتلنا عمارًا! إنما قتل عمارًا من جاء به. فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون: إنما قتل عمارًا من جاء به، فلا أدري من كان أعجب؟ هو أو هم! قال أبو جعفر: وقد ذكر أن عمارًا لما قتل قال علي لربيعة وهمدان: أنتم درعي ورمحي، فانتدب له نحو من اثني عشر ألفًا، وتقدمهم عليٌّ على بغلته فحمل وحملوا معه حملة رجل واحد، فلم يبق لأهل الشأم صف إلا انتقض، وقتلوا كل من انتهوا إليه، حتى بلغوا معاوية، وعليٌّ يقول:
    أضربهم ولا أرى معاويه ** الجاحظ العين العظيم الحاويه
    ثم نادى معاوية، فقال عليٌّ: علام يقتل الناس بيننا! هلم أحاكمك إلى الله، فأينا قتل صاحبه استقامت له الأمور، فقال له عمرو: أنصفك الرجل، فقال معاوية: ما أنصف، وإنك لتعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله، قال له عمرو: وما يجمل بك إلا مبارزته، فقال معاوية: طمعت فيها بعدي.
    قال هشام، عن أبي مخنف: قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن سليمان الحضرمي، قال: قلت لأبي عمرة: ألا تراهم، ما أحسن هيئتهم! يعني أهل الشأم، ولا ترانا ما أقبح رعيتنا! فقال: عليك نفسك فأصلحها، ودع الناس فإن فيهم ما فيهم.
    خبر هاشم بن عتبة المرقال وذكر ليلة الهرير

    قال أبو مخنف: وحدثني أبو سلمة؛ أن هاشم بن عتبة الزهري دعا الناس عند المساء: ألا من كان يريد الله والدار الآخرة فإلي، فأقبل إليه ناسٌ كثير، فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشأم مرارًا، فليس من وجه يحمل عليه إلا صبر له وقاتل فيه قتالًا شديدًا، فقال لأصحابه: لا يهولنكم ما ترون من صبرهم، فوالله ما ترون فيهم إلا حمية العرب وصبرًا تحت راياتها، وعند مراكزها، وإنهم لعلى الضلال، وإنكم لعلى الحق. يا قوم اصبروا وصابروا واجتمعوا، وامشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدًا، ثم اثبتوا وتناصروا، واذكروا الله، ولا يسأل رجلٌ أخاه، ولا تكثروا الالتفات، واصمدوا صمدهم، وجاهدوهم محتسبين، حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين.
    ثم إنه مضى في عصابة معه من القراء، فقاتل قتالًا شديدًا هو وأصحابه عند المساء حتى رأوا بعض ما يسرون به، قال: فإنهم لكذلك إذ خرج عليهم فتىً شاب وهو يقول:
    أنا ابن أرباب الملوك غسان ** والدائن اليوم بدين عثمان
    إني أتاني خبرٌ فأشجان ** أن عليًا قتل ابن عفان
    ثم يشد فلا ينثني حتى يضرب بسيفه، ثم يشتم ويلعن ويكثر الكلام، فقال له هاشم بن عتبة: يا عبد الله، إن هذا الكلام، بعده الخصام، وإن هذا القتال، بعده الحساب، فاتق الله فإنك راجع إلى الله فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به. قال: فإني أقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي، وأنتم لا تصلون أيضًا، وأقاتلكم لأن صاحبكم قتل خليفتنا، وأنتم أردتموه على قتله. فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان! إنما قتله أصحاب محمد وأبناء أصحابه وقراء الناس، حين أحدث الأحداث، وخالف حكم الكتاب؛ وهم أهل الدين، وأولى بالنظر في أمور الناس منك ومن أصحابك، وما أظن أمر هذه الأمة وأمر هذا الدين أهمل طرفة عين. فقال له: أجل، والله لا أكذب، فإن الكذب يضر ولا ينفع. قال: فإن أهل هذا الأمر أعلم به؛ فخله وأهل العلم به. قال: ما أظنك والله إلا نصحت لي؛ قال: وأما قولك: إن صاحبنا لا يصلي، فهو أول من صلى، مع رسول الله وأفقه خلق الله في دين الله، وأولى بالرسول. وأما كل من ترى معي فكلهم قارىء لكتاب الله لا ينام الليل تهجدًا، فلا يغوينك عن دينك هؤلاء الأشقياء المغرورون. فقال الفتى: يا عبد الله، إني أظنك امرأً صالحًا؛ فتخبرني: هل تجد لي من توبة؟ فقال: نعم يا عبد الله؛ تب إلى الله يتب عليك، فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويحب المتطهرين. قال: فجشر والله الفتى الناس راجعًا، فقال له رجل من أهل الشأم: خدعك العراقي، خدعك العراقي، قال: لا، ولكن نصح لي. وقاتل هاشمٌ قتالًا شديدًا هو وأصحابه، وكان هاشم يدعى المرقال، لأنه كان يرقل في الحرب، فقاتل هو وأصحابه حتى أبروا على من يليهم، وحتى رأوا الظفر، وأقبلت إليهم عند المغرب كتيبةٌ لتنوخ فشدوا على الناس، فقاتلهم وهو يقول:
    أعور يبغي أهله محلا ** قد عالج الحياة حتى ملا
    تلهم بذي الكعوب تلا
    فزعموا أنه قتل يومئذ تسعةً أو عشرة. وحمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي فطعنه فسقط، وأرسل إليه عليٌّ: أن قدم لواءك، فقال لرسوله: انظر إلى بطني، فإذا هو قد شق، فقال الأنصاري الحجاج بن غزية:
    فإن تفخروا بابن البديل وهاشمٍ ** فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا
    ونحن تركنا بعد معترك اللقا ** أخاكم عبيد الله لحمًا ملحبا
    ونحن أحطنا بالبعير وأهله ** ونحن سقيناكم سمامًا مقشبا
    http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg

    مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني



  • #7
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    هشام، عن أبي مخنف، قال: حدثني مالك بن أعين الجهني، عن زيد ابن وهب يشتمونه، فخبر بذلك، فوقف فيمن يليهم من أصحابه فقال: انهدوا إليهم، عليكم السكينة والوقار، وقار الإسلام، وسيما الصالحين، فوالله لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة، وأبو الأعور السلمي وابن أبي معيط شارب الخمر المجلود حدًا في الإسلام، وهم أولى من يقومون فينقصونني ويجدبونني، وقبل اليوم قاتلوني وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام، وهم يدعونني إلى عبادة الأصنام، الحمد لله، قديمًا عاداني الفاسقون قعديهم الله ألم يقبحوا! إن هذا لهو الخطب الجليل؛ إن فساقًا كانوا غير مرضيين، وعلى الإسلام وأهله متخوفين، خدعوا شطر هذه الأمة، وأشربوا قلوبهم حب الفتنة، واستمالوا أهواءهم بالإفك والبهتان، قد نصبوا لنا الحرب في إطفاء نور الله عز وجل، اللهم فافضض خدمتهم، وشتت كلمتهم، وأبسلهم بخطاياهم فإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت.
    قال أبو مخنف: حدثني نمير بن وعلة، عن الشعبي، أن عليًا مر بأهل راية فرآهم لا يزولون عن موقفهم، فحرض عليهم الناس، وذكر أنهم غسان، فقال: إن هؤلاء لن يزولوا عن موقفهم دون طعن دراك يخرج منهم النسم، وضرب يفلق منه الهام، ويطيح بالعظام، وتسقط منه المعاصم والأكف، وحتى تصدع جباههم بعمد الحديد، وتنتشر حواجبهم على الصدور والأذقان. أين أهل الصبر، وطلاب الأجر! فثاب إليه عصابة من المسلمين، فدعا ابنه محمدًا؛ فقال: امش نحو أهل هذه الراية مشيًا رويدًا على هينتك، حتى إذا أشرعت في صدورهم الرماح، فأمسك حتى يأتيك رأيي. ففعل، وأعد عليٌّ مثلهم، فلما دنا منهم فأشرع بالرماح في صدورهم أمر علي الذين أعد فشدوا عليهم، وأنهض محمدًا بمن معه في وجوههم، فزالوا عن مواقفهم، وأصابوا منهم رجالًا، ثم اقتتل الناس بعد المغرب قتالًا شديدًا، فما صلى أكثر الناس إلا إيماء.
    قال أبو مخنف: حدثني أبو بكر الكندي، أن عبد الله بن كعب المرادي قتل يوم صفين، فمر به الأسود بن قيس المرادي، فقال: يا أسود، قال: لبيك! وعرفه وهو بآخر رمق، فقال: عز والله علي مصرعك، أما والله لو شهدتك لآسيتك، ولدافعت عنك، ولو عرفت الذي أشعرك لأحببت ألا يتزايل حتى أقتله أو ألحق بك. ثم نزل إليه فقال: أما والله إن كان جارك ليأمن بوائقك، وإن كنت لمن الذاكرين الله كثيرًا، أوصني رحمك الله! فقال: أوصيك بتقوى الله عز وجل، وأن تناصح أمير المؤمنين، وتقاتل معه المحلين حتى يظهر أو تلحق بالله. قال: وابلغه عني السلام، وقل له: قاتل عن المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك، فإنه من أصبح غدًا والمعركة خلف ظهره كان العالي، ثم لم يلبث أن مات، فأقبل الأسود إلى علي فأخبره، فقال رحمه الله! جاهد فينا عدونا في الحياة، ونصح لنا في الوفاة.
    قال أبو مخنف: حدثني محمد بن إسحاق مولى بني المطلب، أن عبد الرحمن ابن حنبل الجمحي، هو الذي أشار على علي بهذا الرأي يوم صفين.
    قال هشام: حدثني عوانة، قال: جعل ابن حنبل يقول يومئذ:
    إن تقتلوني فأنا ابن حنبل ** أنا الذي قد قلت فيكم نعثل
    رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف: قال أبو مخنف. فاقتتل الناس تلك الليلة كلها حتى الصباح؛ وهي ليلة الهرير، حتى تقصفت الرماح ونفد النبل، وصار الناس إلى السيوف، وأخذ علي يسير فيما بين الميمنة والميسرة، ويأمر كل كتيبة من القراء أن تقدم على التي تليها، فلم يزل يفعل ذلك بالناس ويقوم بهم حتى أصبح والمعركة كلها خلف ظهره، والأشتر في ميمنة الناس، وابن عباس في الميسرة، وعلي في القلب، والناس يقتتلون من كل جانب، وذلك يوم الجمعة، وأخذ الأشتر يزحف بالميمنة ويقاتل فيها، وكان قد تولاها عشية الخميس وليلة الجمعة إلى ارتفاع الضحى، وأخذ يقول لأصحابه: ازحفوا قيد هذا الرمح، وهو يزحف بهم نحو أهل الشأم، فإذا فعلوا قال: ازحفوا قاد هذا القوس، فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك، حتى مل أكثر الناس الإقدام، فلما رأى ذلك الأشتر قال: أعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر اليوم، ثم دعا بفرسه، وترك رايته مع حيان بن هوذة النخعي، وخرج يسير في الكتائب ويقول: من يشتري نفسه من الله عز وجل، ويقاتل مع الأشتر، حتى يظهر أو يلحق بالله! فلا يزال رجل من الناس قد خرج إليه، وحيان بن هوذة.
    قال أبو مخنف: عن أبي جناب الكلبي، عن عمارة بن ربيعة الجرمي، قال: مر بي والله الأشتر فأقبلت معه، واجتمع إليه ناسٌ كثير، فأقبل حتى رجع إلى المكان الذي كان به الميمنة، فقام بأصحابه، فقال: شدوا شدة، - فدىً لكم عمي وخالي - ترضون بها الرب، وتعزون بها الدين، إذا شددت فشدوا، ثم نزل فضرب وجه دابته، ثم قال لصاحب رايته: قدم بها، ثم شد على القوم، وشد معه أصحابه، فضرب أهل الشأم حتى انتهى بهم إلى عسكرهم؛ ثم إنهم قاتلوه عند العسكر قتالًا شديدًا، فقتل صاحب رايته، وأخذ علي - لما رأى من الظفر من قبله - يمده بالرجال.
    قال حدثني عبد الله، عن جويرية، قال: قال عمرو بن العاص يوم صفين لوردان: تدري ما مثلي ومثلك! مثل الأشقر إن تقدم عقر، وإن تأخر نحر، لئن تأخرت لأضربن عنقك، ائتوني بقيد، فوضعه في رجليه فقال: أما والله يا أبا عبد الله لأوردنك حياض الموت، ضع يدك على عاتقي، ثم جعل يتقدم وينظر إليه أحيانًا، ويقول: لأوردنك: حياض الموت.
    رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف. فلما رأى عمرو بن العاص أن أمر أهل العراق قد اشتد، وخاف في ذلك الهلاك، قال لمعاوية: هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا اجتماعًا، ولا يزيدهم إلا فرقة؟ قال: نعم؛ قال: نرفع المصاحف ثم نقول: ما فيها حكمٌ بيننا وبينكم، فإن أبى بعضهم أن يقبلها وجدت فيهم من يقول: بلى، ينبغي أن نقبل، فتكون فرقة تقع بينهم، وإن قالوا: بلى، نقبل ما فيها، رفعنا هذا القتال عنا وهذه الحرب إلى أجل أو إلى حين. فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا هذا كتاب الله عز وجل بيننا وبينكم، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام! ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق! فلما رأى الناس المصاحف قد رفعت، قالوا: نجيب إلى كتاب الله عز وجل وننيب إليه.
    ما روي من رفعهم المصاحف ودعائهم إلى الحكومة

    قال أبو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي، عن أبيه أن عليًا قال: عباد الله، امضوا على حقكم وصدقكم قتال عدوكم، فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك بن قيس، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم، قد صحبتهم أطفالًا، وصحبتهم رجالًا، فكانوا شر أطفال وشر رجال، ويحكم! إنهم ما رفعوها، ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها، وما رفعوها لكم إلا خديعةً ودهنًا ومكيدة، فقالوا له: ما يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله عز وجل فنأبى أن نقبله؛ فقال لهم: فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب، فإنهم قد عصوا الله عز وجل فيما أمرهم ونسوا عهده، ونبذوا كتابه. فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي ثم السنبسي، في عصابة معهما من القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك: يا علي، أجب إلى كتاب الله عز وجل إذ دعيت إليه، وإلا ندفعك برمتك إلى القوم، أو نفعل كما فعلنا بابن عفان؛ إنه علينا أن نعمل بما في كتاب الله عز وجل فقبلنانه؛ والله لتفعلنها أو لنفعلنها بك. قال: فاحفظوا عني نهيي إياكم، واحفظوا مقالتكم لي، أما أنا فإن تطيعوني تقاتلوا، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم! قالوا له: إما لا فابعث إلى الأشتر فليأتك.
    قال أبو مخنف: حدثني فضيل بن خديج الكندي، عن رجل من النخع، أنه رأى إبراهيم بن الأشتر دخل على مصعب بن الزبير، قال: كنت عند علي حين أكرهه الناس على الحكومة، وقالوا: ابعث إلى الأشتر فليأتك، قال: فأرسل علي إلى الأشتر يزيد بن هانىء السبيعي: أن ائتني؛ فأتاه فبلغه، فقال: قل له ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي، إني قد رجوت أن يفتح لي، فلا تعجلني. فرجع يزيد بن هانىء إلى علي فأخبره، فما هو إلا أن انتهى إلينا، فارتفع الرهج، وعلت الأصوات من قبل الأشتر، فقال له القوم: والله ما نراك إلا أمرته أن يقاتل؛ قال: من أين ينبغي أن تروا ذلك! رأيتموني ساررته؟ أليس إنما كلمته على رءوسكم علانية، وأنتم تسمعونني! قالوا: فابعث إليه فليأتك، وإلا والله اعتزلناك. قال له: ويحك يا يزيد! قل له: أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت، فأبلغه ذلك، فقال له: ألرفع المصاحف؟ قال: نعم؛ قال: أما والله لقد ظننت حين رفعت أنها ستوقع اختلافًا وفرقة، إنها مشورة ابن العاهرة، ألا ترى ما صنع الله لنا! أينبغي أن أدع هؤلاء وانصرف عنهم! وقال يزيد بن هانىء: فقلت له: أتحب أنك ظفرت ها هنا، وأن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه أو يسلم؟ قال: لا والله، سبحان الله! قال: فإنهم قد قالوا: لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك كما قتلنا ابن عفان. فأقبل حتى انتهى إليهم فقال: يا أهل العراق، يا أهل الذل والوهن، أحين علوتم القوم ظهرًا، وظنوا أنكم لهم قاهرون، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها! وقد والله تركوا ما أمر الله عز وجل به فيها، وسنة من أنزلت عليه ، فلا تيجبوهم، أمهلوني عدو الفرس، فإني قد طمعت في النصر؛ قالوا: إذًا ندخل معك في خطيئتك؛ قال: فحدثوني عنكم، وقد قتل أماثلكم، وبقي أراذلكم، متى كنتم محقين! أحين كنتم تقاتلون وخياركم يقتلون! فأنتم الآن إذ أمسكتم عن القتال مبطلون، أم الآن أنتم محقون، فقتلاكم الذين لا تنكرون فضلهم فكانوا خيرًا منكم في النار إذًا! قالوا: دعنا منك يا أشتر، قاتلناهم في الله عز وجل، وندع قتالهم لله سبحانه، إنا لسنا مطيعيك ولا صاحبك، فاجتنبنا، فقال: خدعتم والله فانخدعتم، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم. يا أصحاب الجباه السود، كنا نظن صلواتكم زهادةً في الدنيا وشوقًا إلى لقاء الله عز وجل، فلا أرى فلااركم إلا إلى الدنيا من الموت، ألا قبحًا يا أشباه النيب الجلالة! وما أنتم برائين بعدها عزًا أبدًا، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون! فسبوه، فسبهم، فضربوا وجه دابته بسياطهم، وأقبل يضرب بسوطه وجوه دوابهم، وصاح بهم علي فكفوا؛ وقال للناس: قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينهم حكًا، فجاء الأشعث بن قيس إلى علي فقال له: ما أرى الناس إلا قد رضوا، وسرهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن، فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد، فنظرت ما يسأل؛ قال: ائته إن شئت فسله، فأتاه فقال: يا معاوية، لأي شيء رفعتم هذه المصاحف؟ قال: لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله عز وجل به في كتابه، تبعثون منكم رجلًا ترضون به، ونبعث منا رجلًا، ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه، ثم نتبع ما اتفقا عليه، فقال له الأشعث بن قيس: هذا الحق، فانصرف إلى علي فأخبره بالذي قال معاوية؛ فقال الناس: فإنا قد رضينا وقبلنا، فقال أهل الشأم: فإنا قد اخترنا عمرو بن العاص؛ فقال الأشعث وأولئك الذين صاروا خوارج بعد: فإنا قد رضينا بأبي موسى الأشعري، قال علي: فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر، فلا تعصوني الآن، إني لا أرى أن أولي أبا موسى. فقال الأشعث وزيد بن حصين الطائي ومسعر بن فدكي: لا نرضى إلا به، فإنه ما كان يحذرنا منه وقعنا فيه؛ قال علي: فإنه ليس لي بثقة، قد فارقنين وخذل الناس عني ثم هرب مني حتى آمنته بعد أشهر، ولكن هذا ابن عباس نوليه ذلك، قالوا: ما نبالي أنت كنت أم ابن عباس! لا نريد إلا رجلًا هو منك ومن معاوية سواء، ليس إلى واحد منكما بأدنى منه إلى الآخر، فقال علي: فإني أجعل الأشتر.
    قال أبو مخنف: حدثني أبو جناب الكلبي، أن الأشعث قال: وهل سعر الأرض غير الأشتر؟!


  • #8
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    قال أبو مخنف؛ عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه: إن الأشعث قال: وهل نحن إلا في حكم الأشتر! قال علي: وما حكمه؟ قال: حكمه أن يضرب بعضنا بعضًا بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد؛ قال: فقد أبيتم إلا أبا موسى! قالوا: نعم؛ قال: فاصنعوا ما أردتم؛ فبعثوا إليه وقد اعتزل القتال، وهو بعرضٍ، فأتاه مولىً له؛ فقال: إن الناس قد اصطلحوا؛ فقال: الحمد لله رب العالمين! قال: قد جعلوك حكمًا؟ قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! وجاء أبو موسى حتى دخل العسكر، وجاء الأشتر حتى أتى عليًا فقال: ألزني بعمرو بن العاص، فوالله الذي لا إله إلا هو، لئن ملأت عيني منه لأقتلنه، وجاء الأحنف فقال: يا أمير المؤمنين، إنك قد رميت بحجر الأرض، وبمن حار الله ورسوله أنف الإسلام، وإني قد عجمت هذا الرجل وحلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة، قريب القعر، وإنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يصير في أكفهم، ويبعد حتى يصير بمنزلة النجم منهم، فإن أبيت أن تجعلني حكمًا، فاجعلني ثانيًا أو ثالثًا، فإنه لن يعقد عقدةً إلا حللتها، ولن يحل عقدة أعقدها إلا عقدت لك أخرى أحكم منها. فأبى الناس إلا أبا موسى والرضا بالكتاب؛ فقال الأحنف: فإن أبيتم إلا أبا موسى فأدفئوا ظهره بالرجال. فكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا ما تاضى عليه عليٌّ أمير المؤمنين.. فقال عمرو: اكتب اسمه واسم أبيه، هو أميركم فأما أميرنا فلا، وقال له الأحنف: لا تمح اسم إمارة المؤمنين، فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدًا، لا تمحها وإن قتل الناس بعضهم بعضًاح فأبى ذلك علي مليًا من النهار، ثم إن الأشعث بن قيس قال: امح هذا الاسم برحه الله! فمحي وقال: علي: الله أكبر، سنة بسنة، ومثل بمثل، والله إني لكاتب بين يدي رسول الله يوم الحديبية إذ ق الوا: لست رسول الله، ولا نشهد لك به، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فكتبه، فقال عمرو بن العاص: سبحان الله! ومثل هذا أن نشبه بالكفار ونحن مؤمنون! فقال علي: يابن النابغة، ومتى لم تكن للفاسقين وليًا، وللمسلمين عدوًا! وهل تشبه إلا أمك التي وضعت بك! فقام فقال: لا يجمع بيني وبينك مجلسٌ أبدًا بعد هذا اليوم؛ فقال له علي: وإني لأرجو أن يظهر الله عز وجل مجلسي منك ومن أشباهك. وكتب الكتاب.
    حدثني علي بن مسلم الطوسي، قال: حدثنا حبان، قال: حدثنا مبارك، عن الحسن، قال: أخبرن الأحنف، أن معاوية كتب إلى علي أن امح هذا الاسم إن أردت أن يكون صلح؛ فاستشار - وكانت له قبة يأذن لبني هاشم فيها، ويأذن لي معهم - قال: ما ترون فيما كتب به معاوية أن امح هذا الاسم؟ - قال مبارك: يعني أمير المؤمنين - قال: برحه الله! فإن رسول الله حين وادع أهل مكة كتب: محمد رسول الله فأبوا ذلك حتى كتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله؛ فقلت له: أيها الرجل مالك وما لرسول الله ! إنا والله ما حابيناك ببيعتنا، وإنا لو علمنا أحدًا من الناس أحق بهذا الأمر منك لبايعناه، ثم قاتلناك، وإني أقسم بالله لئن محوت هذا الاسم الذي بايعت عليه وقاتلتهم لا يعود إليك أبدًا قال: وكان والله كما قال. قال: قلما وزن رأيه برأي رجل إلا رجح عليه.
    رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف. وكتب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قاضى علي على أهل الكوفة ومن معهم من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين، وقاضى معاوية على أهل الشأم ومن كان معهم من المؤمنين والمسلمين، إنا ننزل عند حكم الله عز وجل وكتابه، ولا يجمع بيننا غيره، وإن كتاب الله عز وجل بيننا من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا، ونميت ما أمات، فما وجد الحكمان في كتاب الله عز وجل - وهما أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص القرشي - عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله عز وجل فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة. وأخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين من العهود والميثاق والثقة من الناس، أنهما آمنان على أنفسهما وأهلهما، والأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه، وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله وميثاقه أنا على ما في هذه الصحيفة، وأن قد وجبت قضيتهما على المؤمنين، فإن الأمن والاستقامة ووضع السلاح بينهم أينما ساروا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، وشاهدهم وغائبهم، وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه أن يحكما بين هذه الأمة، ولا يرداها في حرب ولا فرقة حتى يعصيا، وأجل القضاء إلى رمضان. وإن أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه على تراضٍ منهما، وإن توفي أحد الحكمين فإن أمير الشيعة يختار مكانه، ولا يألو من أهل المعدلة والقسط، وإن مكان قضيتهما الذي يقضيان فيه مكان عدلٌ بين أهل الكوفة وأهل الشأم؛ وإن رضيا وأحبا فلا يحضرهما فيه إلا من أرادا، ويأخذ الحكمان من أرادا من الشهود، ثم يكتبان شهادتهما على ما في هذه الصحيفة، وهم أنصارٌ على من ترك ما في هذه الصحيفة، وأراد فيه إلحادًا وظلمًا. اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة.
    شهد من أصحاب علي الأشعث بن قيس الكندي، وعبد الله بن عباس، وسعيد بن قيس الهمداني، وورقاء بن سمي البجلي، وعبد الله بن محل العجلي، وحجر بن عدي الكندي، وعبد الله بن الطفيل العامري، وعقبة ابن زياد الحضرمي، ويزيد بن حجية التيمي، ومالك بن كعب الهمداني. ومن أصحاب معاوية أبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان، وحبيب مسلمة الفهري، والمخارق بن الحارث الزبيدي، وزمل بن عمرو العذري، وحمزة بن مالك الهمداني، وعبد الرحمن بن خالد المخزومي، وسبيع بن يزيد الأنصاري، وعلقمة بن يزيد الأنصاري، وعتبة بن أبي سفيان، ويزيد بن الحر العبسي.
    قال أبو مخنف: حدثني أبو جناب الكلبي، عن عمارة بن ربيعة الجرمي، قال: لما كتبت الصحيفة دعي لها الأشتر فقال: لا صحبتني يمين، ولا نفعتني بعدها شمالي، إن خط لي في هذه الصحيفة اسم على صلح ولا موادعة. أولست على بينة من ربي، ومن ضلال عدوي! أولستم قد رأيتم الظفر لو لم تجمعوا على الجور! فقال له الأشعث بن قيس: إنك والله ما رأيت ظفرًا ولا جورًا، هلم إلينا فإنه لا رغبة بك عنا؛ فقال: بلى والله لرغبة بي عنك في الدنيا للدنيا والآخرة للآخرة، ولقد سفك الله عز وجل بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي خيرٌ منهم، ولا أحرم دمًا؛ قال عمارة: فنظرت إلى ذلك الرجل وكأنما قصع على أنفه الحمم - يعني الأشعث.
    قال أبو مخنف، عن أبي جناب، قال: خرج الأشعث بذلك الكتاب يقرؤه على الناس، ويعرضه عليهم، فيقرءونه، حتى مر به على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أدية، وهو أخو أبي بلال، فقرأه عليهم، فقال عروة ابن أدية: تحكمون في أمر الله عز وجل الرجال! لا حكم إلا لله؛ ثم شد بسيفه فضرب به عجز دابته ضربةً خفيفة، واندفعت الدابة، وصاح به أصحابه، أن املك يدك، فرجع، فغضب للأشعث قومه وناس كثير من أهل اليمن، فمشى الأحنف بن قيس السعدي ومعقل بن قيس الرياحي، ومسعر بن فدكي، وناس كثيرٌ من بني تميم، فتنصلوا إليه واعتذروا؛ فقبل وصفح.
    قال أبو مخنف: حدثني أبو زيد عبد الله الأودي، أن رجلًا من أود كان يقال له عمرو بن أوس، قاتل مع علي يوم صفين، فأسره معاوية في أسارى كثيرين، فقال له عمرو بن العاص: اقتلهم، فقال له عمرو بن أوس: إنك خالي، فلا تقتلني، وقامت إليه بنو أود فقالوا: هب لنا أخانا؛ فقال: دعوه، لعمري لئن كان صادقًا فلنستغنين عن شفاعتكم، ولئن كان كاذبًا لتأتين شفاعتكم من ورائه، فقال له: من أين أنا خالك! فوالله ما كان بيننا وبين أودٍ مصاهرة؛ قال: فإن أخبرتك فعرفته فهو أماني عندك. قال: نعم؛ قال: ألست تعلم أن أم حبيبة ابنة أبي سفيان زوج النبي ؟ قال: بلى، قال: فإني ابنها، وأنت أخوها، فأنت خالي؛ فقال معاوية: لله أبوك! ما كان في هؤلاء واحد يفطن لها غيره. ثم قال للأوديين: أيستغنى عن شفاعتكم! خلوا سبيله.
    قال أبو مخنف: حدثني نمير بن وعلة الهمداني، عن الشعبي، أن أسارى كان أسرهم عليٌّ يوم صفين كثير، فخلى سبيلهم، فأتوا معاوية، وإن عمرًا ليقول - وقد أسر أيضًا أسارى كثيرة: اقتلهم، فما شعروا إلا بأسرائهم قد خلي سبيلهم، فقال معاوية: يا عمرو، لو أطعناك في هؤلاء الأسرى وقعنا في قبيح من الأمر؛ ألا ترى قد خلي سبيل أسارانا! وأمر بتخلية سبيل من في يديه من الأسارى.
    قال أبو مخنف: حدثني إسماعيل بن يزيد، عن حميد بن مسلم، عن جندب بن عبد الله، أن عليًا قال للناس يوم صفين: لقد فعلتم فعلةً ضعضعت قوة، وأسقطت منة، وأوهنت وأورثت وهنًا وذلة، ولما كنتم الأعلين، وخاف عدوكم الاجتياح، واستحر بهم القتل ووجدوا ألم الجراح، رفعوا المصاحف، ودعوكم إلى ما فيها ليفثئوكم عنهم، ويقطعوا الحرب فيما بينكم وبينهم، ويتربصوا بكم ريب المنون خديعة ومكيدة، فأعطيتموهم ما سألوا، وأبيتم إلا أن تدهنوا وتجوزوا! وايم الله ما أظنكم بعدها توافقون رشدًا، ولا تصيبون باب حزم.
    قال أبو جعفر: فكتب كتاب القضية بين علي ومعاوية - فيما قيل - يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين من الهجرة، على أن يوافي علي ومعاوية موضع الحكمين بدومة الجندل في شهر رمضان، مع كل واحد منهما أربعمائة من أصحابه وأتباعه.
    فحدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان بن يوسن بن يزيد، عن الزهري، قال: قال صعصعة بن صوحان يوم صفين حين رأى الناس يتبارون: ألا اسمعوا واعقلوا، تعلمن والله لئن ظهر علي ليكونن مثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وإن ظهر معاوية لا يقر لقائل بقول حق.
    قال الزهري: فأصبح أهل الشأم قد نشروا مصاحفهم، ودعوا إلى ما فيها، فهاب أهل العراقين، فعند ذلك حكموا الحكمين، فاختار أهل العراق أبا موسى الأشعري، واختار أهل الشام عمرو بن العاص، فتفرق أهل صفين حين حكم الحكمان، فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن، ويخفضا ما خفض القرآن، وأن يختارا لأمة محمد ، وأنهما يجتمعان بدومة الجندل، فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح.
    فلما انصرف علي خالفت الحرورية وخرجت - وكان ذلك أول ما ظهرت - فآذنوه بالحرب، وردوا عليه: إن حكم بني آدم في حكم الله عز وجل، وقالوا: لا حكم إلا لله سبحانه! وقاتلوا، فلما اجتمع الحكمان بأذرح، وافاهم المغيرة بن شعبة فيمن حضر من الناس، فأرسل الحكمان إلى عبد الله بن عمر ابن الخطاب وعبد الله بن الزبير في إقبالهم في رجال كثير، ووافى معاوية بأهل الشأم، وأبى علي وأهل العراق أن يوافوا؛ فقال المغيرة بن شعبة لرجال من ذوي الرأي من قريش: أترون أحدًا من الناس برأي يبتدعه يستطيع أن يعلم أيجتمع الحكمان أم يتفرقان؟ قالوا: لا نرى أحدًا يعلم ذلك، قال: فوالله إني لأظن أني سأعلمه منهما حين أخلو بهما وأراجعهما. فدخل على عمرو بن العاص وبدأ به فقال: يا أبا عبد الله، أخبرني عما أسألك عنه، كيف ترانا معشر المعتزلة، فإنا قد شككنا في الأمر الذي تبين لكم من هذا القتال، ورأينا أن نستأني ونتثبت حتى تجتمع الأمة! قال: أراكم معشر المعتزلة خلف الأبرار، وأمام الفجار! فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك، حتى دخل على أبي موسى فقال له مثل ما قال لعمرو، فقال أبو موسى: أراكم أثبت الناس رأيًا، فيكم بقية المسلمين، فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك، فلقي الذين قال لهم ما قال من ذوي الرأي من قريش، فقال: لا يجتمع هذان على أمر واحد، فلما اجتمع الحكمان وتكلما قال عمرو بن العاص: يا أبا موسى، رأيت أول ما تقضي به من الحق أن تقضي لأهل الوفاء بوفائهم، وعلى أهل الغدر بغدرهم؛ قال أبو موسى: وما ذاك؟ قال: ألست تعلم أن معاوية وأهل الشأم قد وفوا، وقدموا للموعد الذي واعدناهم إياه؟ قال: بلى، قال عمرو: اكتبها؛ فكتبها أبو موسى؛ قال عمرو: يا أبا موسى، أأنت على أن نسمي رجلًا يلي أمر هذه الأمة؟ فسمه لي، فإن أقدر على أن أتابعك فلك علي أن أتابعك، وإلا فلي عليك أن تتابعني! قال أبو موسى: أسمي لك عبد الله بن عمر، وكان ابن عمر فيمن اعتزل؛ قال عمرو: إني أسمي لك معاوية بن أبي سفيان، فلم يبرحا مجلسهما حتى استبا، ثم خرجا إلى الناس، فقال أبو موسى: إني وجدت مثل عمرو مثل الذين قال الله عز وجل: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها "، فلما سكت أبو موسى تكلم عمرو فقال: أيها الناس وجدت مثل أبي موسى كمثل الذي قال عز وجل: " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا "، وكتب كل واحد منهما مثله الذي ضرب لصاحبه إلى الأمصار.

  • صفحة 2 من 27 الأولىالأولى 123412 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 50
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 06:18 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 30
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:57 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثالث)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 124
      آخر مشاركة: 07-26-2010, 01:16 AM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1