"ليتني كنت مثلك "
رمى بكلماته لها عبر أنفاس المساء الساكن وسكت.
وأطلت دهشتها بسرعة " لماذا ؟
قال " لانني أود كثيرا ان يكون لي عالم مثل هذا الذي تعيشين فيه ؛ حيث تبدو الاشياء والناس وكل الاحداث ذات
علاقة شفافة بك وحيث لا تخرج الافكار والاحاسيس عن ذلك الفلك الخاص ".
وتوقف ليلقي بحكم آخر . " إنك لا تدرين ... ولكنك تمرحين رغم كل شيء دون توقف."
وخيّل إليها أنها تستقبل نبرات صوت تؤنبها فتجاهلت الخيال.
"وأنت ؟" سألته برفق.


تنهد وهو يمد بيده للهواء في حركة استسلام لمعركة وهمية وأجاب ." ليس هناك عالم يرتبط بي غير ذلك
الذي اركض خلفه ..انت تعرفين متاعبه ".
أطرقت برأسها تفكر بواحتها المنفردة ، ثم واجهت مقارنته .
" لماذا تتذكر همومك ولا تفكر في جماليات حياتك ؟"



ضحك قليلا وهو يردد كلماتها الاخيرة. يتأمل السؤال الحائر مطبوعا عليى الوجه المترقب، ثم استرسل في حزنه مبتسما هذه المرة .
" يعجبني حوارك البسيط. أنك تنتقين مفردات الحديث ونوعه تسيطرين عليه مشاعرك ، تأخذين تعابيري وتلوّنيها ثم تطلبين مني ان أجيبك ".
أطرقت ثانية وجادلته ." إن رؤيتك ليست عادلة ".


قال ساهما " ربما. ربما الان ولكني أشعر بأن عمري يهرب بي إلى أزمنة لا اعرفها ، اشعر فيها بالهزيمة .
بت أفتقد لمسة تشوق لغد آت. ويبدو انني تعب."
" إنك مكتئب " قال حكمها المتأني.


تدخل حزنه " أتعرفين كلما هممت باختزال متاعبي وتدارك تأثيراتها أجد انني افكر في نهايات الاشياء والمشاوير .
من الصعب ان يلاطف الانسان تلك المخاوف ".
قاطعته " لست وحدك كلنا احيانا نئن من مخاوفنا "
ابتسم وهو يتساءل " هل هي حالة جماعية إذن؟"


قالت وهي تنهض من أجواء حواره " هي حالات جماعية بتفرق. مراحل زمنية من المفترض
ان ندخل ونخرج منها ..لا ان نبقى فيها ".
قال هاربا بحزنه الصامد وكأنه يتمسك به ." ألم أقل لك بأن لك عالما خاصا بك تحوط به مفاهيم جميلة وتفاؤل كالاشجار النامية
. متى تخرجين منه وترين العالم الحقيقي ؟"


سكتت كي لا تكسر شيئاً من نشاط التأمل. لا تتباهي بمناعة الوعي وتسامحه . يجب ان نفضفض دواخلنا في بعض الاحيان .
يجب ان نتحرر قليلا من احمالنا كي ندرك الحياة وحركتها وروائعها الصغيرة . ثم فكرت ان تستدعي المقارنات وتخبره
عن دراسات الهموم وكيف ان الانفعال والعوامل النفسية من الممكن ان تسبب امراضا عضوية . تذكرت خبرا عن نسبة الاصابة بالجلطات القلبية ،


وعن تعرض 43% من الحالات لمحفز نفسي او جسدي قبل الاصابة بها مثل الغضب او الحزن ، المشكلات العائلية او المالية
او هموم داخل العمل . ان العالم مليء بقصص المعاناة وتجاربها غير ان للانسان نعمة الايمان وقدرة الاختيار ومعالجة الذات
عندما تحتاج إلهام التوازن والتفاؤل والحلم بغد جميل .
هل يكفي الحلم ؟


وهل ننسى احلامنا لمجرد التعثر بالهموم او الشكوك ؟
بالطبع لا لذا قدمت ذلك العالم الشفاف الذي تنتمي اليه .
" إنه عالم يمكنك ان تصنع مثله لو اخترت ".
سأل باهتمام " كيف "؟
أجابت ." اطرد عنك هذا الزائر الحزين ، والتفت إلى اشيائك الجميلة ، عندها سوف يعود بك
الإحساس بالحياة إلى الحياة مرة اخرى ".

.
.
.
.
....................