ذكر الخبر عن سبب عزل يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضاحك عن المدينة وما كان ولاه من الأعمال

وكان سبب ذلك - فيما ذكر محمد بمن عمر، عن عبد الله بن محمد بن أبي يحيى - قال: خطب عبد الرحمن بن الضحّاك بن قيس الفهري فاطمة ابنة الحسين، فقالت: والله ما أريد النكاح، ولقد قعدت على بني هؤلاء؛ وجعلت تحاجزه وتكره أن تنابذه لما تخاف منه. قال: وألح عليها وقال: والله لئن لم تفعلي لأجلدنّ أكبر بنيك في الخمر - يعني عبد الله بن الحسن - فبينا هو كذلك؛ وكان على ديوان المدينة ابن هرمز رجل من أهل الشام، فكتب إليه يزيد أن يرفع حسابه، ويدفع الديوان، فدخل على فاطمة بنت الحسين يودّعها، فقال: هل من حاجة؟ فقالت: تخبر أمير المؤمنين بما ألقى من ابن الضحّاك، وما يتعرّض منّي. قال: وبعثت رسولًا بكتاب إلى يزيد تخبره وتذكر قرابتها ورحمها، وتذكر ما ينال ابن الضحاك منه، وما يتوعدها به.
فقال: فقدم ابن هرمز والرّسول معًا. قال: فدخل ابن هرمز على يزيد، فاستخبره عن المدينة، وقال: هل كان من مغرّبة خبر؟ فلم يذكر ابن هرمز من شأن ابنة الحسين، فقال الحاجب: أصلح الله الأمير! بالباب رسول فاطمة بنت الحسين، فقال ابن هرمز: أصلح الله الأمير! إن فاطمة بنت الحسين يوم خرجت حمَّلتني رسالة إليك فأخبره الخبر.
قال: فنزل من أعلى فراشه، وقال: لا أم لك! ألم أسألك هل من مغرّبة خبر، وهذا عندك لا تخبرينه! قال: فاعتذر بالنسيان. قال: فأذن للرسول فأدخله، فأخذ الكتاب، فاقترأه. قال: وجعل يضرب بخيزران في يديه وهو يقول: لقد اجترأ ابن الضحاك! هل من رجل يسمعني صوته في العذاب وأنا على فراشي؟ قيل له: عبد الواحد بن عبد الله بن بشر النَّضري.
قال: فدعا بقرطاس، فكتب بيده: إلى عبد الواحد بن عبد الله بن بشر النَّضري وهو بالطائف: سلام عليك؛ أما بعد فإني قد وليّتك المدينة، فإذا جاءك كتابي هذا فاهبط واعزل عنها ابن الضحاك، وأغرمه أربعين ألف دينار، وعذّبه حتى أسمع صوته وأنا على فراشي.
قال: وأخذ البريد الكتاب، وقدم به المدينة، ولم يدخل على ابن الضحاك وقد أوجست نفس ابن الضحاك، فأرسل إلى البريد، فكشف له عن طرف المفرش، فإذا ألف دينار، فقال: هذه ألف دبنار لك ولك العهد والميثاق؛ لئن أنت أخبرتني خبر وجهك هذا دفعتها إليك، فأخبره، فاستنظر البريد ثلاثًا حتى يسير، ففعل. ثم خرج ابن الضحاك، فأغذّ السُّير حتى نزل على مسلمة بن عبد الملك، فقال: أنا في جوارك، فغدا مسلمة على يزيد فرققه وذكر حاجة جاء لها، فقال: كل حاجة تكلمت فيها فهي يدك مالم يكن ابن الضحاك، فقال هو والله ابن الضحاك! فقال: والله لا أعفيه أبدًا وقد فعل ما فعل، قال: فردّه إلى المدينة إلى النَّضري.
قال عبد الله بن محمد: فرأيته في المدينة عليه جبة من صوف يسأل الناس، وقد عذِّب ولقي شرًّا، وقدم النَّضري يوم السبت للنصف من شوال سنة أربع ومائة.
قال محمد بن عمر: حدثني إبراهيم بن عبد الله بن أبي فروة، عن الزهري، قال: قلت لعبد الرحمن بن الضحاك: إنك تقدم على قومك وهم ينكرون كل شيء خالف فعلهم، فلزم ما أجمعوا عليه، وشاور القاسم ابن محمد وسالم بن عبد الله؛ فإنهما لا يألوانك رشدًا. قال الزهري: فلم يأخذ بشيء من ذلك، وعادى الأنصار طرًا، وضرب أبا بكر بن حزم ظلمًا وعدوانًا في باطل، فما بقي منهم شاعر إلا هجاه، ولا صالح إلا عابه وأتاه بالقبيح، فلما ولي هشام رأيته ذليلًا.
وولي المدينة عبد الواحد بن عبد الله بن بشر فأقام بالمدينة لم يقدم عليهم والٍ أحب عليهم منه، وكان يذهب مذاهب الخير، لا يقطع أمرًا إلا استشار فيه القاسم وسالمًا.
وفي هذه السنة غزا الجرّاح بن عبد الله الحكمي - وهو أمير على أرمينية وأذربيجان - أرض الترك ففتح على يديه بلنجر، وهزم الترك وغرقهم وعامة ذراريهم في الماء، وسبوا ما شاءوا، وفتح الحصون التي تلي بلنجر وجلا عامة أهلها.
وفيها ولد - فيما ذكر - أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي في شهر ربيع الآخر.
وفيها دخل أبو محمد الصادق وعدة من أصحابه من خرسان إلى محمد ابن علي، وقد ولد أبو العباس قبل ذلك بخمس عشرة ليلة، فأخرجه إليهم في خرقة، وقال لهم: والله ليتمنّ هذا الأمر حتى تدركوا ثأركم من عدّوكم.
وفي هذه السنة عزل عمر بن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي عن خراسان، وولاها مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي.
ذكر الخبر عن سبب عزل عمر بن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي عن خراسان

ذكر أنّ سبب ذلك كان من موجدة وجدها عمر على الحرشي في أمر الديواشني، وذلك أنه كان كتب إليه يأمره بتخليته وقتله، وكان يستخفّ بأمر ابن هبيرة، وكان البريد والرسول إذا ورد من العراق قال له: كيف أبو المثنى؟ ويقول لكاتبه: اكتب إلى أبي المثنّى ولا يقول: " الأمير "، ويكثر أن يقول: قال أبو المثنى وفعل أبو المثنى، فبلغ ذلك ابن هبيرة فدعا جميل بن عمران، فقال له: بلغني أشياء عن الحرشي، فأخرج إلى خراسان، وأظهر أنك قدمت تنظر في الدواوين، واعلم لي علمه. فقدم جميل، فقال له الحرشي: كيف تركت أبا المثنى؟ فجعل ينظر في الدواوين. فقيل للحرشي ما قدم جميل لينظر في الدواوين، وما قدم إلا ليعلم علمك، فسم بطيخة، وبعث بها إلى جميل، فأكلها فمرض، وتساقط شعره، ورجع إلى ابن هبيرة، فعولج واستبلّ وصحّ، فقال لابن هبيرة: الأمر أعظم مما بلغك؛ ما يرى سعيد إلا أنك عامل من عماله. فغضب عليه وعزله وعذبه، ونفخ في بطنه النمل، وكان يقول حين عزله: لو سألني عمر درهمًا يضعه في عينه ما أعطيته؛ فلما عذب أدّى، فقال له رجل: ألم تزعم أنك لا تعطيه درهمًا! قال: لا تعنّفني؛ إنه لما أصابني الحديد جزعت، فقال أذينة بن كليب - أو كليب بن أذينة:
تصبر أبا يحيى فقد كنت علمنا ** صبورًا ونهاضًا بثقل المغارم
وقال علي بن محمد: إنّما غضب عليه ابن هبيرة أنه وجه معقل بن عروة إلى هراة؛ إما عاملًا وإما في غير ذلك من أموره، فنزل قبل أن يمرّ علي الحرشي، وأتى هراة، فلم ينفذ له ما قدم فيه، وكتب إلى الحرشي، فكتب الحرشي إلى عامله: أن احمل إلي معقلًا، فحمله، فقال له الحرشي: ما منعك من إتياني قبل أن تأتي هراة؟ قال: أنا عامل لابن هبيرة ولاني كما ولاك، فضربه مائتين وحلّقه. فعزله ابن هبيرة، واستعمل على خراسان مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة، فكتب إلى الحرشي يلخنه، فقال سعيد: بل هو ابن اللخناء. وكتب إلى مسلم أن احمل إلي الحرشي مع معقل بن عروة، فدفعه إليه، فأساء به وضيّق عليه، ثم أمره يومًا فعذبه، وقال: اقتله بالعذاب. فلما أمسى ابن هبيرة سمر فقال: من سيد قيس؟ قالوا: الأمير، قال: دعوا هذا، سيد قيس الكوثر بن زفر، لو بوّق بليل لوافاه عشرون ألفًا، لا يقولون: لم دعوتنا ولا يسألونه، وهذا الحمار الذي في الحبس - قد أمرت بقتله - فارسها؛ وأما خير قيس لها فعسى أن أكونه؛ إنه لم يعرض إلي أمرٌ أرى أني أقدر فيه على منفعة وخير إلا جررته إليهم، فقال له أعرابي من بني فزارة: ما أنت كما تقول، لو كنت كذلك ما أمرت بقتل فارسها. فأرسل إلى معقل أن كف عما كنت أمرتك به.
قال علي: قال مسلم بن المغيرة: لمّا هرب ابنُ هبيرة أرسل خالد في طلبه سعيد بن عمرو الحرشي، فلحقه بموضع من الفرات يقطعه إلى الجانب الآخر في سفينة، وفي صدر السفينة غلام لابن هبيرة يقال له قبيض، فعرفه الحرشي فقال له: قبيض؟ قال: نعم، قال: أفي السفينة أبو المثنى؟ قال: نعم. قال: فخرج إليه ابنُ هبيرة، فقال له الحرشي: أبا المثنى، ما ظنك بي؟ قال: ظني بك أنك لا تدفع رجلًا من قومك إلى رجل من قريش، قال: هو ذاك، قال: فالنّجاء.