ثم دخلت سنة سبع ومائة

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من عباد الرُّعيني باليمن محكِّمًا، فقتله يوسف ابن عمر، وقتل معه أصحابه كلهم وكانوا ثلثمائة.
وفيها غزا الصائفة معاوية بن هشام، وعلى جيش الشام ميمون بن مهران، فقطع البحر حتى عبر إلى قبرس، وخرج معهم البعث الذي هشام كان أمر به في حجته سنة سبع على الجعائل، غزا منهم نصفهم وقام النصف. وغزا البر مسلمة بن عبد الملك.
وفيها وقع بالشأم طاعون شديد.
وفيها وجّه بكير بن ماهان أبا عكرمة وأبا محمد الصادق ومحمد بن خنيس وعمار العبادي في عدة من شيعتهم، معهم زياد خال الوليد الأزرق دعاة إلى خراسان، فجاء رجل من كندة إلى أسد بن عبد الله، فوشى بهم إليه، فأتى بأبي عكرمة ومحمد بن خنيس وعامت أصحابه، ونجا عمار، فقطع أسد أيدي من ظفر به منهم وأرجلهم، وصلبهم. فأقبل عمار إلى بكير بن ماهان، فأخبره الخبر، فكتب به إلى محمد بن علي، فأجابه: الحمد لله الذي صدق مقالتكم ودعوتكم، وقد بقيت منكم قتلى ستقتل.
وفي هذه السنة حمل مسلم بن سعيد إلى خالد بن عبد الله، وكان أسد ابن عبد الله له مكرمًا بخراسان لم يعرض له ولم يحبسه، فقدم مسلم وابن هبيرة مجمع على الهرب، فنهاه عن ذلك مسلم، وقال له: إن القوم فينا أحسن رأيًا منكم فيهم.
وفي هذه السنة غزا أسد جبال نمرون ملك الغرشستان ممايلي جبال الطالقان، فصالحه نمرون وأسلم على يديه، فهم اليوم يتولون اليمن.
غزوة الغور

وفيها غزا أسد الغور وهي جبال هراة.
ذكر الخبر عن غزوة أسد هذه الغزوة
ذكر علي بن محمد عن أشياخه أن أسدًا غزا الغور، فعمد أهلها إلى أثقالهم فصيروها في كهف ليس إليه طريق، فأمر أسد باتّخاذ توابيت ووضع فيها الرجال، ودلّاها بالسلاسل، فاستخرجوا ما قدروا عليه، فقال ثابت قطنة:
أرى أسدًا تضمن مفظعاتٍ ** تهيبها الملوك ذوو الحجاب
سما بالخيل في أكناف مرو ** وتوفزهن بين هلا وهاب
إلى غورين حيث حوى أزبٌّ ** وصكٌّ بالسيوف وبالحراب
هدانا الله بالقتلى تراها ** مصلبةًبأفواه الِّشعاب
ملاحم لم تدع لسراة كلبٍ ** مهترةً ولا لبنى كلاب
فأوردها النِّهاب وآب منها ** بأفضل ما يصاب من النهاب
وكان إذا أناخ بدارقوم ** أراها المخزيات من العذاب
ألم يزر الجبال جبال ملغ ** ترى من دونها قطع السَّحاب
بأرعن لم يدع لهم شريدًا ** وعاقبها الممض من العقاب
وملع من جبال خوط فيها تعمل الحزم الملعيّة.
وفي هذه اللسنة نقل أسد من كان بالبروقان من الجند إلى بلخ، فأقطع كل من كان له بالبروقان مسكنٌ مسكنًا بقدر مسكنه، ومن لم يكن له مسكن أقطعه مسكنًا، وأراد أن ينزلهم على الأخماس، فقيل له: إنهم يتعصبون، فخلط بينهم، وكان قسم لعمارة مدينة بلخ الفعله على كل كورة على قدر خراجها، وولِّى بناء مدينة بلخ برمك أبا خالد بن برمك، - وكان البروقان منزل الأمراء ويبن البروقان ويبن بلخ فرسخان وبين المدينة والنوبهار قدر غلوتين - فقال أبو البريد في بنيان أسد مدينة بلخ:
شفعت فؤادك فالهوى لك شاعف ** رئم على طفل بحوامل عاطف
ترعى البرير بجانبي متهدِّلٍ ** ريَّن لا يعشو إليه آلف
بمحاضرٍ من منحني عطفت له ** بقرٌ ترجح زانهنَّ روادف
إن المباركة التي أحصنتها ** عصم الذلِّيل بها وقرَّ الخائف
فأراك فيها ما أرى من صالح ** فتحًا وأبواب السماء رواعف
فمضى لك الاسم الذي يرضى به ** عنك البصير بما نويت اللَّاطف
يا خير ملك ساس أمر رعيَّة ** إني على صدق اليمين لحالف
الله آمنها بصنعك بعدما ** كانت قلوب خوفهنّ رواجف
وحجّ بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام، حدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر. وكذلك قال الواقدي وهشام وغيرهما.
وكانت عمال الأمصار في هذه السنة عمالها الذين ذكرناهم قبل في سنة ست ومائة.
ثم دخلت سنة ثمان ومائة

ذكر ما كان فيها من الأحداث

ففيها كانت غزوة مسلمة بن عبد الملك حتى بلغ قيساريّة، مدينة الروم ممايلي الجزيرة، ففتحها الله على يديه.
وفيها أيضًا غزا إبراهيم بن هشام ففتح أيضًا حصنًا من حصون الروم.
وفيها وجّه بكير بن ماهان إلى خراسان عدّة؛ فيهم عمّار العبادي؛ فوشى بهم رجل إلى أسد بن عبد الله، فأخذ عمارًا فقطع يديه ورجليه ونجا أصحابه، فقدموا على بكير بن ماهان فأخبروه الخبر، فكتب بذلك إلى محمد بن علي، فكتب إليه في جواب الكتاب: الحمد لله الذي صدّق دعوتكم ونجّى شيعتكم.
وفيها كان الحريق بدابق؛ فذكر محمد بن عمر أنّ عبد الله بن نافع حدثه عن أبيه، قال: احترق المرعى حتى احترق الدواب والرجال.
غزو الختل

وفيها غزا أسد بن عبد الله الختّل؛ فذكر عن علي بن محمد أن خاقان أتى أسدًا وقد انصرف إلى القواديان، وقطع النهر، ولم يكن بينهم قتال في تلك الغزاة. وذكر عن أبي عبيدة، أنه قال: بل هزموا أسدًا وفضحوه؛ فتغنى عليه الصبيان:
أز ختلان آمذي ** برو تباه آمذي
قال: وكان السبل محاربًا له، فاستجلب خاقان، وكان أسد قد أظهر أنه يشتو بسرخ دره، فأمر أسد الناس فارتحلوا، ووجه راياته، وسار في ليلة مظلمة إلى سرخ دره، فكبر الناس، فقال أسد: ما للناس؟ قالوا: هذه علامتهم إذا قفلوا، فقال لعروة المنادي: ناد إن الأمير يريد غورين؛ ومضى وأقبل خاقان حين انصرفوا إلى غورين النهر فقطع النهر، فلم يلتق هو ولا هم، ورجع إلى بلخ، فقال الشاعر في ذلك يمدح أسد بن عبد الله:
ندبت لي من كل خمس ألفين ** من كل لحاف عريض الدفين
قال: ومضى المسلمون إلى الغوريان فقاتلوهم يومًا، وصبروا لهم، وبرز رجل من المشركين، فوقف أمام أصحابه وركز رمحه، وقد أعلم بعصابة خضراء - وسلم بن أحوز واقف مع نصر بن سيّار - فقال سلم لنصر: قد عرفت رأى أسد، وأنا حامل على هذا العلج؛ فلعلي أن أقتله فيرضى. فقال: شأنك، فحمل عليه، فما اختلج رمحه حتى غشيه سلم فطعنه، فإذا هو بين يدي فرسه، ففحص برجله، فرجع سلم فوقف، فقال لنصر: أنا حامل حملة أخرى؛ فحمل حتى إذا دنا منهم اعترضه رجل من العدوّ، فاختلفا ضربتين، فقتله سلم، فرجع سلم جريحًا، فقال نصر لسلم: قف لي حتى أحمل عليهم، فحمل حتى إذا دنا منهم اعترضه رجل من العدوّ، فاختلفا ضربتين، فقتله سلم، فرجع سلم جريحًا، فقال نصر لسلم: قف لي حتى أحمل عليهم، فحمل حتى خالط العدو، فصرع رجلين ورجع جريحًا، فوقف فقال: أترى ما صنعنا يرضيه؟ لا أرضاه الله! فقال: لا والله فيما أظنّ. وأتاهما رسول أسد فقال: يقول لكما الأمير: قد رأيت موقفكما منذ اليوم وقلة غنائكما عن المسلمين لعنكما الله! فقالا: آمين إن عدنا لمثل هذا. وتحاجزوا يومئذ، ثم عادوا من الغد فلم يلبث المشركون أن انهزموا، وحوى المسلمون عسكرهم، وظهروا على البلاد فأسروا وسبوا وغنموا، وقال بعضهم رجع أسد في سنة ثمان ومائة مفلولا من الختل، فقال أهل خراسان: