أز ختّلان آمذي برو تباه آمذي ** بيدل فراز آمذي
قال: وكان أصاب الجند في غزاة الختل جوع شديد، فبعث أسد بكبشين مع غلام له، وقال: لا تبعهما بأقل من خمسمائة، فلما مضى الغلام، قال أسد: لا يشتريهما إلا ابن الشخير، وكان في المسلحة، فدخل ابن الشخير حين أمسى، فوجد الشاتين في السوق، فاشتراهما بخمسمائة، فذبح إحداهما وبعث بالأخرى إلى بعض إخوانه، فلما رجع الغلام إلى أسد أخبره بالقصة، فبعث إليه أسد بألف درهم.
قال: وابن الشخير هو عثمان بن عبد الله بن الشخير، أخو مطرّف بن عبد الله بن الشخير الحرشي.
وحجّ بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام وهو على المدينة ومكة والطائف. حدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال محمد بن عمر الواقدي.
وكان العمال في هذه السنة على الأمصار في اللاة والحروب والقضاء هم العمال الذين كانوا في السنة التي قبلها، وقد ذكرناهم قبل.
ثم دخلت سنة تسع ومائة

ذكر الأحداث التي كانت فيها

فممّا كان فيها من ذلك غزوة عبد الله بن عقبة بن نافع الفهري على جيش في البحر وغزوة معاوية بن هشام أرض الروم، ففتح حصنًا بها يقال له طيبة، وأصيب معه قوم من أهل أنطاكية.
خبر مقتل عمر بن يزيد الأسيدي

وفيها قتل عمر بن يزيد الأسيدي؛ قتله مالك بن المنذر بن الجارود.
ذكر الخبر عن ذلك
وكان سبب ذلك - فيما ذكر - أن خالد بن عبد الله شهد عمر بن يزيد أيام حرب يزيد بن المهلب، فأعجب به يزيد بن عبد الملك، وقال: هذا رجل العراق، فغاظ ذلك خالدًا، فأمر مالك بن المنذر وهو على شرطة البصرة أن يعظّم عمر بن يزيد، ولا يعصى له أمرًا حتى يعرّفه الناس، ثم أقبل يعتلّ عليه حتى يقتله، ففعل ذلك، فذكر يومًا عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، فافترى عليه مالك، فقال له عمر بن يزيد: تفتري على مثل عبد الأعلى! فأغلظ له مالك، فضربه بالسياط حتى قتله.
غزو غورين

وفيها غزا أسد بن عبد الله غورين، وقال ثابت قطنة:
أرى أسدًا في الحرب إذ نزلت به ** وقارع أهل الحرب فاز وأوجبا
تناول أرض السبل، خاقان ردؤه ** فحرق ما استعصى عليه وخربا
أتتك وفود الترك ما بين كابل ** وغورين إذ لم يهربوا منك مهربا
فما يغمر الأعداء من ليث غابة ** أبي ضاريات حرشوه فعقبا
أزبّ كأنّ الورس فوق ذراعه ** كريه المحيا قد أسن وجربا
ألم يك في الحصن المبارك عصمة ** لجندك إذ هاب الجبان وأرهبا!
بنى لك عبد الله حسنًا ورثته ** قديمًا إذا عد القديم وأنجبا
وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الله عن خراسان وصرف أخاه أسدًا عنها.
ذكر الخبر عن عزل هشام خالدا وأخاه عن خراسان

وكان سبب ذلك أن أسدًا أخا خالد تعصب حتى أفسد الناس، فقال أبو البريد - فيما ذكر علي بن محمد لبعض الأزد: أدخلني علي ابن عمك عبد الرحمن ابن صبح، وأوصه بي، وأخبره عني، فأدخله عليه - وهو عامل لأسد على بلخ - فقال: أصلح الله الأمير! هذا أبو البريد البكري أخونا وناصرنا، وهو شاعر أهل المشرق، وهو الذي يقول:
إن تنقض الأزد حلفًا كان أكده ** في سالف الدهر عباد ومسعود
ومالك وسويد أكداه معًا ** لما تجرد فيها أي تجريد
حتى تنادوا أتاك الله ضاحية ** وفي الجلود من الإيقاع نقصيد
قال: فجذب أبو البريد يده، وقال: لعنك الله من شفيع كذب! أصلحك الله! ولكني الذي أقول:
الأزد إخوتنا وهم حلفاؤنا ** ما بيننا نكث ولا تبديل
قال: صدقت، وضحك. وأبو البريد من بني علباء بن شيبان بن ذهل ابن ثعلبة.
قال: وتعصب على نصر بن سيار ونفر معه من مضر، فضربهم بالسياط، وخطب في يوم جمعة فقال في خطبته: قبح الله هذه الوجوه! وجوه أهل الشقاق والنفاق، والغب والفساد. اللهم فرّق بيني وبينهم، وأخرجني إلى مهاجري ووطني، وقلّ من يروم ما قبلي أو يترمرم، وأمير المؤمنين خالي، وخالد بن عبد الله أخي، ومعي اثنا عشر ألف سيف يمان.
ثم نزل عن منبره، فلما صلى ودخل عليه الناس، وأخذوا مجالسهم، أخرج كتابًا من تحت فراشه، فقرأه على الناس، فيه ذكر نصر بن سيار وعبد الرحمن بن نعيم الغامدي وسورة بن الحرّ الأباني - أبان بن دارم - والبختري بن أبي درهم من بني الحارث بن عبّاد، فدعاهم فأنّبهم، فأزم القوم، فلم يتكلم منهم أحد، فتكلم سورة، فذكر حاله وطاعته ومناصحته، وأنه ليس ينبغي له أن يقبل قول عدوّ مبطل، وأن يجمع بينهم وبين من قرفهم بالباطل. فلم يقبل قوله، وأمر بهم فجردوا، فضرب عبد الرحمن بن نعيم، فإذا رجل عظيم البطن، أرسح؛ فلما ضرب التوى، وجعل سراويله يزلّ عن موضعه، فقام رجل من أهل بيته، فأخذ رداءًا له فيؤززره. فأومى إليه أن افعل، فدنا منه فأزّره - ويقال بل أزّره أبو نميلة - وقال له: اتزر أبا زهير، فإن الأمير والٍ مؤدب. ويقال: بل ضربهم في نواحي مجلسه.
فلما فرغ قال: أين تيس بني حمان؟ - وهو يريد ضربه؛ وقد كان ضربه قبل - فقال: هذا تيس بني حمان؛ وهو قريب العهد بعقوبة الأمير، وهو عامر بن مالك بن مسلمة بن يزيد بن حجر بن خيسق بن حمسان بن كعب بن سعد. وقيل إنه خلفهم بعد الضرب، ودفعهم إلى عبد ربه بن أبي صالح مولى بني سليم - وكان من الحرس - وعيسى بن أبي يريق، ووجههم إلى خالد، وكتب إليه: إنهم أرادوا الوثوب عليه؛ فكان ابن أبي بريق كلما نبت شعر أحدههم حلقه، وكان البختري بن أبي درهم، يقول: لوددت أنه ضربني وهذا شهرًا - يعني نصر بن سيار لما كان بينهما بالبروقان - فأرسل بنو تميم إلى نصر: إن شئتم انتزعناكم من أيديهم، فكفهم نصر، فلما قدم بهم على خالد لام أسدًا وعنفه، وقال: ألا بعثت برءوسهم! فقال عرفجة التميمي:
فكيف وأنصار الخليفة كلهم ** عناة وأعداء الخليفة تطلق!
بكيت ولم أملك دموعي وحق لي ** ونصر شهاب الحرب في الغل موثق
وقال نصر:
بعثت بالعتاب في غير ذنب ** في كتاب تلوم أم تميم
إن أكن موثقًا أسيرًا لديهم ** في هموم وكربة وسهوم
رهن قسر فما وجدت بلاء ** كإسار الكرام عند اللئيم
أبلغ المدعين قسرًا وقسر ** أهل عود القناة ذات الوصوم
هل فطمتم عن الخيانة والغد ** ر أم أنتم كالحاكر المستديم؟
وقال الفرزدق:
أخالد لولا الله لم تعط طاعة ** ولولا بنو مروان لم توثقوا نصرا
إذًا للقيتم دون شد وثاقه ** بني الحرب لا كشف اللقاء ولا ضجرا
وخطب أسد بن عبد الله على منبر بلخ، فقال في خطبته: يا أهل بلخ، لقيتموني الزاغ والله لأزيغن قلوبكم.
فلما تعصب أسد وأفسد الناس بالعصبية، كتب هشام إلى خالد بن عبد الله: اعزل أخاك، فعزله فاستأذن له في الحجّ، فقفل أسد إلى العراق ومعه دهاقين خراسان، في شهر رمضان سنة تسع ومائة، واستخلف أسد على خراسان الحكم بن عوانة الكلبي، فأقام الحكم صيفية، فلم يغز.
ذكر الخبر عن دعاة بني العباس

وذكر علي بن محمد أنّ أوّل من قدم خراسان من دعاة بني العباس زياد أبو محمد مولى همدان في ولاية أسد بن عبد الله الأولى، بعثه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وقال له: ادع الناس إلينا وانزل في اليمن، والطف بمضر. ونهاه عن رجل من أبرشهر، يقال له غالب؛ لأنه كان مفرطًا في حب بني فاطمة.
ويقال: أوّل من جاء أهل خراسان بكتاب محمد بن علي حرب بن عثمان، مولى بني قيس بن ثعلبة من أهل بلخ.