وحدثني هشام بن إبراهيم، قال: لما قتل محمد أمر أبو جعفر بالبحر فأقفل على أهل المدينة، فلم يحمل إليهم من ناحية البحار شيء؛ حتى كان المهدي فأمر بالبحر ففتح لهم، وأذن في الحمل.
وحدثني محمد بن جعفر بن إبراهيم، قال: حدثتني أمّي أمّ سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر زوجة موسى بن عبد الله، قالت: خاصم بنو المخزومية عيسى وسليمان وإدريس بنو عبد الله بن حسن بن محمد بن عبد الله بن حسن في ميراث عبد الله، وقالوا: قتل أبوكم محمد فورثه عبد الله؛ فتنازعوا إلى الحسن بن زيد؛ فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين أبي جعفر، فكتب إليه: أما بعد؛ فإذا بلغك كتابي هذا فورّثهم من جدّهم، فإني قد رددت عليهم أموالهم صلةً لأرحامهم، وحفظًا لقرابتهم.
وحدثني عيسى، قال: خرج مع محمد من بني هاشم الحسن ويزيد وصالح بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وحسين وعيسى ابنا زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب؛ قال: فحدثني عيسى، قال: بلغني أن أبا جعفر كان يقول: واعجبا لخروج ابني زيد بن علي وقد قتلنا قاتل أبيهما كما قتله، وصلبناه كما صلبه، وأحرقناه كما أحرقه، وحمزة ابن عبد الله بن محمد بن علي بن حسين بن أبي طالب، وعلي وزيد ابنا حسن ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب!
قال عيسى: قال أبو جعفر للحسن بن زيد: كأني أنظر إلى ابنيك واقفين على رأس محمد بسيفين، عليهما قباءان. قال: يا أمير المؤمنين، قد كنت أشكو إليك عقوقهما قبل اليوم، قال: أجل فهذا من ذاك. والقاسم ابن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والمرجّى علي بن جعفر بن إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال عيسى: قال أبو جعفر لجعفر بن إسحاق: من المرجّى هذا؟ فعل الله به وفعل! قال: يا أمير المؤمنين؛ ذاك ابني، والله لئن شئت أن أنتفي منه لأفعلنّ. ومن بني عبد شمس محمد بن عبد الله بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس.
قال: وحدثني أبو عاصم النبيل، قال: حدثني عبّاد بن كثير، قال: خرج ابن عجلان مع محمد، وكان على ثقله، فلما ولي جعفر بن سليمان المدينة قيّده، فدخلت عليه، فقلت: كيف ترى رأي أهل البصرة في رجل قيّد الحسن؟ قال: سيّئًا والله، قال: قلت: فإن ابن عجلان بهذه كالحسن ثمّ، فتركه. ومحمد بن عجلان مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.
وحدثني سعيد بن عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله، أنّ عبيد الله بن عمر ابن حفص بن عاصم خرج معه؛ فأتى به أبو جعفر بعد قتل محمد، فقال له: أنت الخارج علي مع محمد؟ قال: لم أجد إلّا ذلك أو الكفر بما أنزل الله على محمد ، قال عمر: هذا وهمٌ.
قال: وحدثني عبد العزيز بن أبي سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، قال: كان عبيد الله قد أجاب محمدًا إلى الخروج معه؛ فمات قبل أن يخرج، وخرج معه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة بن أبي رهم بن عبد العزّى ابن أبي قيس بن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وخرج معه عبد الواحد بن أبي عون مولى الأزد وعبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن ابن المسور بن مخرمة وعبد العزيز بن محمد الدراوردي وعبد الحميد بن جعفر وعبد الله بن عطاء بن يعقوب مولى بنى سباع، وابن سباع من خزاعة حليف بني زهرة، وبنو إبراهيم وإسحاق وربيعة وجعفر وعبد الله وعطاء ويعقو وعثمان وعبد العزيز؛ بنو عبد الله بن عطاء.
وحدثني إبراهيم بن مصعب بن عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير. قال: وحدثني الزبير بن خبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، قال: إنا لبالمُرّ من بطن إضم، وعندي زوجتي أمينة بنت خضير؛ إذ مرّ بنا رجل مصعد من المدينة، فقالت له: ما فعل محمد؟ قال: قتل، قالت: فما فعل ابن خضير؟ قال: قتل، فخرّت ساجدة، فقلت: أتسجدين أن قُتِل أخوك! قالت: نعم، أليس لم يفرّ ولم يؤسر! قال عيسى: حدثني أبي، قال: قال أبو جعفر لعيسى بن موسى: من استنصر مع محمد؟ قال: آل الزبير، قال: ومن؟ قال: وآل عمر، قال: أما والله لعن غير مودّة بهما له ولا محبّة له ولا لأهل بيته. قال: وكان أبو جعفر يقول: لو وجدت ألفًا من آل الزبير كلهم محسن وفيهم مسىء واحدٌ لقتلتهم جميعًا، ولو وجدت ألفًا من آل عمر كلهم مسيء وفيهم محسنٌ واحد لأعفيتهم جميعًا.
قال عمر: وحدثني إبراهيم بن مصعب بن عمارة بن حمزة بن مصعب، قال: حدثني محمد بن عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير، قال: لما قتل محمد، هرب أبي موسى بن عبد الله بن حسن وأنا معهما وأبو هبّار المزني، فأتينا مكة، ثم انحدرنا إلى البصرة، فاكترينا من رجل يدعى حكيمًا، فلما وردنا البصرة - وذلك بعد ثلث الليل - وجدنا الدروب مغلقة، فجلسنا عندها حتى طلع الفجر؛ ثم دخلنا فنزلنا المربد، فلما أصبحنا أرسلنا حكيمًا يبتاع لنا طعامًا؛ فجاء به على رجل أسود، في رجله حديدة، فدخل به علينا فأعطاه جُعْله، فتسخّط علينا، فقلنا: زده، فتسخّط، فقلنا له: ويلك! أضعف له، فأبى، فاستراب بنا، وجعل يتتصفّح وجوهنا. ثم خرج فلم ننشب أن أحاطت بمنزلنا الخيل، فقلنا لربّة المنزل: ما بال الخيل؟ فقالت: لا بأس فيها، تطلب رجلًا من بني سعد يدعى نميلة بن مرّة، كان خرج مع إبراهيم، قال: فوالله ما راعنا إلّا بالأسود قد دخل به علينا، قد غطّي رأسه ووجهه. فلما دُخل به كشف عنه، ثم قيل: أهؤلاء؟ قال: نعم هؤلاء؛ هذا موسى بن عبد الله، وهذا عثمان بن محمد، وهذا ابنه؛ ولا أعرف الرابع غير أنه من أصحابهم. قال: فأخذنا جميعًا، فدخل بنا على محمد بن سليمان فلما نظر إلينا أقبل على موسى، فقال: لا وصل الله رحمك! أتركت البلاد جميعًا وجئتني! فإما أطلقتك فتعرّضت لأمير المؤمنين، وإمّا أخذتك فقطعت رحمك. ثم كتب إلى أمير المؤمنين بخبرنا. قال: فجاء الجواب أن احملهم إلي، فوجّهنا إليه ومعنا جند، فلما صرنا بالبطيحة وجدنا بها جندًا آخر ينتظروننا؛ ثم لم نزل نأتي على المسالح من الجند في طريقنا كله، حتى وردنا بغداد، فدُخل بنا على أبي جعفر، فلما نظر إلى أبي قال: هيه! أخرجت علي مع محمد! قال: قد كان ذاك؛ فأغلظ له أبو جعفر؛ فراجعه مليًّا، ثم أمر به فضربت عنقه. ثم أمر بموى س فضرب بالسياط، ثم أمر بي فقرّبت إليه، فقال: اذهبوا به فأقيموه على رأس أبيه؛ فإذا نظر إليه فاضربوا عنقه على جيفته. قال: فكلمه عيسى بن علي، وقال: والله ما أحسبه بلغ؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، كنت غلامًا حدثًا غرًا أمرني أبي فأطعته، قال: فأمر بي فضربت خمسين سوطًا، ثم حبسني في المطبق وفيه يومئذ يعقوب بن داود، فكان خير رفيق أرافقه وأعطفه، يطعمني من طعامه، ويسقيني من شرابه، فلم نزل كذلك حتى توفّي أبو جعفر، وقام المهدي وأخرج يعقوب، فكلمه في فأخرجني.
قال: وحدثني أيوب بن عمر، قال: حدثني محمد بن خالد، قال: أخبرني محمد بن عروة بن هشام بن عروة، قال: إني لعند أبي جعفر، إذ أتى فقيل له: هذا عثمان بن محمد بن خالد قد دخل به، فلما رآه أبو جعفر، قال: أين المال الذي عندك؟ قال: دفعته إلى أمير المؤمنين رحمه الله، قال: ومن أمير المؤمنين؟ قال: محمد بن عبد الله، قال: أبايعته؟ قال: نعم كما بايعته، قال: يا بن اللخناء! قال: ذاك من قامت عنه الإماء، قال: اضرب عنقه، قال: فأخذ فضربت عنقه.
قال: وحدثني سعيد بن عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني محمد ابن عثمان بن خالد الزبيري، قال: لما خرج محمد خرج معه رجلٌ من آل كثير بن الصلت، فلما قتل وهزم أصحابه تغيّبوا؛ فكان أبي والكثيري فيمن تغيّب، فلبثوا بذلك؛ حتى قدم جعفر بن سليمان واليًا على المدينة، فاشتدّ في طلب أصحاب محمد، فاكترى أبي من الكثيري إبلًا كانت له، فخرجنا متوجّهين نحو البصرة؛ وبلغ الخبر جعفرًا، فكتب إلى أخيه محمد يعلمه بتوجّهنا إلى البصرة، ويأمره بالترصّد لنا والتيقظ لأمرنا ومقدمنا، فلما قدمنا علم محمد بمقدمنا ومكاننا، فأرسل إلينا فأخذنا، فأتيَ بنا، فأقبل عليه أبي، فقال: يا هذا، اتّق الله في كريّنا هذا؛ فإنه أعرابي لا علم له بنا، إنما أكرانا ابتغاء الرزق، ولو علم بجريرتنا ما فعل؛ وأنت معرّضه لأبي جعفر؛ وهو من قد علمت؛ فأنت قاتله ومتحمّل مأثمه. قال: فوجم محمد طويلًا، ثم قال: هو والله أبو جعفر، والله ما أتعرّض له، ثم حُملنا جميعًا فدخلنا على أبي جعفر؛ وليس عنده أحد يعرف الكثيري غير الحسن بن زيد، فأقبل على الكثيري، فقال: يا عدوّ الله، أتكرِي عدوّ المؤمنين، ثم تنقله من بلد إلى بلد، تواريه مرة وتظهره أخرى! قال: يا أمير المؤمنين، وما علمي بخبره وجريرته وعداوته إياك! إنما أكريته جاهلًا به، ولا أحسبه إلّا رجلًا من المسلمين، برىء الساحة؛ سليم الناحية؛ ولو علمت حاله لم أفعل. قال: وأكبّ الحسن بن زيد ينظر إلى الأرض، لا يرفع رأسه. قال: فأوعد أبو جعفر الكثيري وتهدده، ثم أمر بإطلاقه، فخرج فتغيّب، ثم أقبل على أبي، فقال: هيه يا عثمان! أنت الخارج على أمير المؤمنين، والمعين عليه! قال: بايعت أنا وأنت رجلًا بمكة، فوفيت ببيعتي وغدرت ببيعتك. قال: فأمر به فضربت عنقه.
قال: وحدثني عيسى، قال: حدثني أبي، قال: أتيَ أبو جعفر بعبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فنظر إليه فقال: إذا قتلتُ مثل هذا من قريش فمن أستبقي! ثم أطلقه، وأتي بعثمان بن محمد ابن خالد فقتله، وأطلق ناسًا من القرشيّين، فقال له عيسى بن موسى: يا أمير المؤمنين، ما أشقى هذا بك من بينهم! فقال: إن هذا يدي.
قال: وحدثني عيسى، قال: سمعت حسن بن زيد يقول: غ*** يومًا على أبي جعفر؛ فإذا هو قد أمر بعمل دكان، ثم أقام عليه خالدًا، وأتيَ بعلي بن المطلب بن عبد الله بن حنطب، فأمر به فضرب خمسمائة سوط، ثم أتيَ بعبد العزيز بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع فأمر به فجُلِد خمسمائة سوط؛ فما تحرّك واحد منهما، فقال لي: هل رأيت أصبر من هذين قطّ! والله إنا لنؤتي بالذين قد قاسوا غلظ المعيشة وكدّها، فما يصبرون هذا الصبر، وهؤلاء أهل الخفض والكنّ والنعمة، قلت: يا أمير المؤمنين، هؤلاء قومك أهل الشرف والقدر، قال: فأعرض عني، وقال: أبيت إلا العصبيّة! ثم أعاد عبد العزيز بن إبراهيم بعد ذلك ليضربه، فقال: يا أمير المؤمنين، الله الله فينا! فوالله إني لمكبّ على وجهي منذ أربعين ليلة، ما صلّيت لله صلاة! قال: أنتم صنعتم ذلك بأنفسكم، قال: فأين العفو يا أمير المؤمنين؟ قال: فالعفو والله إذًا، ثم خلّى سبيله.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، عن منحمد بن عمر، قال: كثروا محمدًا وألحّوا في القتال حتى قتل محمد في النصف من شهر رمضان سنة خمسة وأربعين ومائة، وحمل رأسه إلى عيسى بن موسى، ودخل المدينة، وآمن الناس كلهم. وكان مكث محمد بن عبد الله من حين ظهر إلى أن قتل شهرين وسبعة عشر يومًا.
وفي هذه السنة: استخلف عيسى بن موسى على المدينة كثير بن حصين حين شخص عنها بعد مقتل محمد بن عبد الله بن حسن؛ فمكث واليًا عليها شهرًا، ثم قدم عبد الله بن الربيع الحارثي واليًا عليها من قبل أبي جعفر المنصور.
وفي هذه السنة ثارت السودان بالمدينة بعبد الله بن الربيع، فهرب منهم.
ذكر الخبر عن وثوب السودان بالمدينة في هذه السنة والسبب الذي هيج ذلك

ذكر عمر بن شبة أنّ محمد بن يحيى حدثه، قال: حدثني الحارث بن إسحاق، قال: كان رياح بن عثمان استعمل أبا بكر بن عبد الله بن أبي سبرة على صدقة أسد وطيّىء فلما خرج محمد أقبل إليه أبو بكر بما كان جبا وشمر معه، فلما استخلف عيسى كثير بن حصين على المدينة أخذ أبا بكر، فضربه سبعين سوطًا وحّدده وحبسه. ثم قدم عبد الله بن الربيع واليًا من قِبل أبي جعفر يوم السبت لخمس بقين من شوّال سنة خمس وأربعين ومائة، فنازع جنده التجار في بعض ما يشترونه منهم، فخرجت طائفة من التجار حتى جاءوا دار مروان، وفيها ابن الربيع، فشكوا ذلك إليه، فنهرهم وشتمهم، وطمع فيهم الجند، فتزايدوا في سوء الرأي.
قال: وحدثني عمر بن راشد، قال: انتهب الجند شيئًا من متاع السوق، وغدوا على رجل من الصرّافين يدعى عثمان بن زيد، فغالبوه على كيسه؛ فاستغاث، فخلّص ماله منهم، فاجتمع رؤساء أهل المدينة فشكوا ذلك إلى ابن الربيع فلم ينكره ولم يغيّره، ثم جاء رجل من الجند فاشترى من جزّار لحمًا يوم الجمعة، فأبى أن يعطيه ثمنه، وشهر عليه السيف؛ فخرج عليه الجزّار من تحت الوضم بشفرة، فطعن بها خاصرته، فخرّ عن دابته، واعتوره الجزّارون فقتلوه، وتنادى السودان عن الجند وهم يروحون إلى الجمعة فقتلوهم بالعمد في كلّ ناحية، فلم يزالوا على ذلك حتى أمسوا؛ فلما كان الغد هرب ابن الربيع.
قال: وحدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني الحارث بن إسحاق، قال: نفخ السودان في بوق لهم؛ فذكر لي بعض من كان في العالية وبعض من كان في السافلة، أنه كان يرى الأسود من سكّانهما في بعض عمله يسمع نفخ البوق، فيصغي له حتى يتيقّنه ثم يوحّش بما في يده، ويأتمّ الصوت حتى يأتيه. قال: وذلك يوم الجمعة لسبع بقين من ذي الحجة من سنة خمس وأربعين ومائة، ورؤساء السودان ثلاثة نفر: وثيق ويعقل ورمقة. قال: فغدوا على ابن الربيع، والناس في الجمعة فأعجلوهم عن الصلاة، وخرج إليهم فاستطردوا له؛ حتى أتى السوق فمّر بمساكين خمسة يسألون في طريق المسجد، فحمل عليهم بمن معه حتى قتلوهم، ثم مر بأصيبية على طنف دار، فظنّ أن القوم منهم؛ فاستنزلهم واختدعهم وآمنهم؛ فلما نزلوا ضرب أعناقهم، ثم مضى ووقف عند الحنّاطين، وحمل عليه السودان، فأجلى هاربًا فاتّبعوه حتى صار إلى البقيع، ورهقوه فنثر لهم دارهم؛ فشغلهم بها، ومضى على وجهه حتى نزل ببطن نخل، عن ليلتين من المدينة.
قال: وحدثني عيسى، قال: خرج السوّدان على ابن الربيع، ورؤساؤهم: وثيق وحديا وعنقود وأبو قيس؛ فقاتلهم فهزموه، فخرج حتى أتى بطن نخل فأقام بها.
وحدثني عمر بن راشد، قال: لما هرب ابن الربيع وقع السودان في طعام لأبي جعفر من سويق ودقيق وزيت وقسب، فانتهبوه، فكان حمل الدقيق بدرهمين، وراوية زيت بأربعة دراهم.
وحدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني الحارث بن إسحاق، قال: أغاروا على دار مروان ودار يزيد؛ وفيهما طعام كان حمل للجند في البحر، فلم يدعوا فيهما شيئًا. قال: وشخص سليمان بن فليح ين سليمان في ذلك اليوم إلى أبي جعفر، فقدم عليه فأخبره الخبر.
قال: وحدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني الحارث بن إسحاق، قال: وقتل السودان نفرًا من الجند، فهابهم الجند حتى أن كان الفارس ليلقى الأسود وما عليه إلا خرقتان على عورته ودرّاعة، فيولّيه دبره احتقارًا له، ثم لم ينشب أن يشدّ عليه بعمود من عمد السوق فيقتله: فكانوا يقولون: ما هؤلاء السودان إلا سحرة أو شياطين! قال: وحدثني عثامة بن عمرو السهمي، قال: حدثني المسور بن عبد الملك، قال: لما حبس ابن الربيع أبا بكر بن أبي سبرة، وكان جاء بجباية طيّىء وأسد، فدفعها إى ل محمد، أشفق القرشيّون على ابن أبي سبرة، فلما خرج السودان على ابن الربيع، خرج ابن أبي سبرة من السجن، فخطب الناس، ودعاهم إلى الطاعة، وصلّى بالناس حتى رجع ابن الربيع.
قال: وحدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني الحارث بن إسحاق، قال: خرج ابن أبي سبرة من السجن والحديد عليه، حتى أتى المسجد، فأرسل إلى محمد بن عمران ومحمد بن عبد العزيز وغيرهما، فاجتمعوا عنده، فقال: أنشدكم الله وهذه البليّة التي وقعت! فوالله لئن تمّت علينا عند أمير المؤمنين بعد الفعلة الأولى، إنه لاصطلام البلد وأهله، والعبيد في السوق بأجمعهم؛ فأنشدكم الله إلّا ذهبتم إليهم فكلمتموهم في الرجعة والفيئة إلى رأيكم، فإنهم لا نظام لهم. ولم يقوموا بدعوة؛ وإنما هم قوم أخرجتهم الحميّة! قال: فذهبوا إلى العبيد فكلموهم، فقالوا: مرحبًا بكم يا موالينا؛ والله ما قمنا إلا أنفةً لكم مما عمل بكم، فأيدينا مع أيديكم وأمرنا إليكم، فأقبلوا بهم إلى المسجد.
وحدثني محمد بن الحسن بن زبالة، قال: حدثني الحسين بن مصعب، قال: لما خرج السودان وهرب ابن الربيع، جئتهم أنا وجماعة معي، وقد عسكروا في السوق، فسألناهم أن يتفرّقوا، وأخبرناهم أنّا وإياهم لا نقوى على ما نصبو له، قال: فقال لنا وثيق: إنّ الأمر قد وقع بما ترون؛ وهو غير مبقٍ لنا ولا لكم، فدعونا نشفكم ونشتف أنفسنا، فأبينا، ولم نزل بهم حتى تفرّقوا.
وحدثني عمر بن راشد، قال: كان رئيسهم وثيق وخليفته يعقل الجزّار. قال: فدخل عليه ابن عمران، قال: إلى من تعهد يا وثيق؟ قال: إلى أربعة من بني هاشم، وأربعة من قريش، وأربعة من الأنصار، وأربعة من الموالي؛ ثم الأمر شورى بينهم. قال: أسأل الله إن ولاك شيئًا من أمرنا أن يرزقنا عدلك، قال: قد والله ولّانيه الله.
قال: وحدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني الحارث بن إسحاق، قال: حضر السوُّدان المسجد مع ابن أبي سبرة، فرقيَ المنبر في كبل حديد حتى استوى في مجلس رسول الله ، وتبعه محمد بن عمران، فكان تحته، وتبعهم محمد بن عبد العزيز فكان تحتهما، وتبعهم سليمان ابن عبد الله بن أبي سبرة، فكان تحتهم جميعًا؛ وجعل الناس يلغطون لغطًا شديدًا، وابن أبي سبرة جالسٌ صامتٌ. فقال ابن عمران: أنا ذاهب إلى السوق، فانحدر وانحدر من دونه، وثبت ابن أبي سبرة، فتكلّم فحثّ على طاعة أمير المؤمنين؛ وذكر أمر محمد بن عبد الله فأبلغ. ومضى ابن عمران إلى السوق، فقام على بلاسٍ من بلس الحنطة، فتكلم هناك، فتراجع الناس؛ ولم يصلّ بالناس يومئذ إلا المؤذّن، فلما حضرت العشاء الآخرة وقد ثاب الناس، فاجتمع القرشيّون في المقصورة، أقام الصلاة محمد بن عمار المؤذن، الذي يلقب كساكس، فقال للقرشيين: من يصلّي بكم؟ فلم يجبه أحد، فقال: ألا تسمعون! فلم يجيبوه، فقال: يا بن عمران، ويا بن فلان، فلم يجبه أحد، فقام الأصبغ بن سفيان بن عاصم ابن عبد العزيز بن مروان، فقال: أنا أصلي، فقام في المقام، فقال للناس: استووا، فلما استوت الصفوف أقبل عليهم بوجهه، ونادى بأعلى صوته: ألا تسمعون! أنا الأصبغ بن سفيان بن عاصم بن عبد العزيز بن مروان، أصلّي بالناس على طاعة أبي جعفر، فردّد ذلك مرتين أو ثلاثًا، ثم كبّر فصلى، فلما أصبح الناس قال ابن أبي سبرة: إنه قد كان منكم بالأمس ما قد علمتم؛ نهبتم ما في دار عاملكم وطعام جند أمير المؤمنين، فلا يبقينّ عند أحد منكم شيء إلا ردّه، فقد أقعدت لكم الحكم بن عبد الله بن المغيرة بن موهب؛ فرفع الناس إليه ما انتهبوا، فقيل: إنه أصاب قيمة ألف دينار.