ذكر موت يزيد بن عبد الملك

وفي هذه السنة مات الخليفة يزيد بن عبد الملك بن مروان، لخمس ليال بقين من شعبان منها؛ حدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمّن ذكره، عن إسحاق ابن عيسى، عن أبي معشر، وكذلك قال الواقدي.
وقال الواقدي: كانت وفاته ببلقاء من أرض دمشق، وهو يوم مات ابن ثمان وثلاثين سنة.
وقال بعضهم: كان ابن أربعين سنة.
وقال بعضهم: ابن ست وثلاثين سنة؛ فكانت خلافته في قول أبي معشر وهشام بن محمد وعلي بن محمد أربعَ سنين وشهرًا، وفي قول الواقدي أربع سنين.
وكان يزيد بن عبد الملك يكنى أبا خالد؛ كذلك قال أبو معشر وهشام بن محمد والواقدي وغيرهم.
وقال علي بن محمد: توفّي يزيد بن عبد الملك وهو ابن خمس وثلاثين سنة أو أربع وثلاثين سنة في شعبان يوم الجمعة لخمس بقين منه سنة خمس ومائة.
وقال: ومات بأربد من أرض البلقاء، وصلّى عليه ابنه الوليد وهو ابن خمس عشرة سنة، وهشام بن عبد الملك يومئذ بحمص؛ حدثني بذلك عمر ابن شبّة، عن علي.
وقال هشام بن محمد: توفّي يزيد بن عبد الملك، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
قال علي: قال أبو ماوية أو غيره من اليهود ليزيد بن عبد الملك: إنك تملك أربعين سنة، فقال رجل من اليهود: كذب لعنه الله، إنما رأى أنه يملك أربعين قصبة، والقصبة شهر، فجعل الشهر سنة.
ذكر بعض سيره وأموره

حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا علي، قال: كان يزيد بن عاتكة من فتيانهم، فقال يومًا وقد طرب، وعنده حبابة وسلّامة: دعوني أطير، فقالت حبابة: إلى من تدع الأمّة! فلما مات قالت سلّامة القس:
لا تلمنا إن خشعنا ** أو هممنا بالخشوعِ
قد لعمري بت ليلى ** كأخي الداء الوجيع
ثم بات الهم مني ** دون من لي من ضجيع
للذي حل بنا اليو ** م من الأمر الفظيع
كلما أبصرت ربعًا ** خاليًا فاضت دموعي
قد خلا من سيد كا ** ن لنا غير مضيع
ثم نادت: وا أمير المؤمنيناه! والشعر لبعض الأنصار.
قال علي: حجّ يزيد بن عبد الملك في خلافة سليمان بن عبد الملك فاشترى حبابة - وكان اسمها العالية - بأربعة آلاف دينار من عثمان بن سهل بن حنيف، فقال سليمان: هممت أن أحجر على يزيد؛ فردّ يزيد حبابة فاشتراها رجل من أهل مصر، فقالت سعدة ليزيد: يا أمير المؤمنين، هل بقي من الدنيا شيء تتمناه بعد؟ قال: نعم حبابة، فأرسلت سعدة رجلًا فاشتراها بأربعة آلاف دينار، وصنّعتها حتى ذهب عنها كلال السفر، فأتت بها يزيد، فأجلستها من وراء الستر، فقالت: يا أمير المؤمنين، أبقي شيء من الدنيا تتمناه؟ قال: ألم تسأليني عن هذا مرّة فأعلمتُك! فرفعت الستر، وقالت: هذه حبابة، وقامت وخلتها عنده، فحظيت سعدة عند يزيد وأكرمها وحباها. وسعدة امرأة يزيد، وهي من آل عثمان بن عفان.
قال علي عن يونس بن حبيب: إن حبابة جارية يزيد بن عبد الملك غنت يومًا:
بين التراقي واللهاة حرارة ** ما تطمئنّ وما تسوغ فتبرد
فأهوى ليطير فقالت: يا أمير المؤمنين، إن لنا فيك حاجة، فمرضت وثقلت، فقال: كيف أنت يا حبابة؟ فلم تجبه، فبكى وقال:
لئن تسل عنك النفس أو تذهل الهوى ** فباليأس يسلو القلب لا بالتجلد
وسمع جارية لها تتمثل:
كفى حزنًا بالهائم الصب أن يرى ** منازل من يهوي معطلة قفرا
فكان يتمثل بهذا.
قال عمر: قال علي: مكث يزيد بن عبد الملك بعد موت حبابة سبعة أيام لا يخرج إلى الناس؛ أشار عليه بذلك مسلمة، وخاف أن يظهر منه شيء يسفهه عند الناسِ.
خلافة هشام بن عبد الملك

وفي هذه السنة استخلف هشام بن عبد الملك لليالٍ بقين من شعبان منها، وهو يوم استخلف ابن أربع وثلاثين سنة وأشهر.
حدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي، قال: حدثنا أبو محمد القرشي وأبو محمد الزيادي والمنهال بن عبد الملك وسحيم بن حفص العجيفي، قالوا: ولد هشام بن عبد الملك عام قتل مصعب بن الزبير سنة اثنتين وسبعين. وأمّه عائشة بنت هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكانت حمقاء، أمرها أهلها ألّا تكلم عبد الملك حتى تلد، وكانت تثني الوسائد وتركب الوسادة وتزجرها كأنها دابّة، وتشتري الكندر فتمضغه وتعمل منه تماثيل، وتضع التماثيل على الوسائد، وقد سمت كل تمثال باسم جارية، وتنادي: يا فلانة ويا فلانة؛ فطلقها عبد الملك لحمقها. وسار عبد الملك إلى مصعب فقتله، فلما قتله بلغه مولد هشام، فسمّاه منصورًا، يتفاءل بذلك، وسمّته أمه باسم أبيها هشام، فلم ينكر ذلك عبد الملك، وكان هشام يكنى أبا الوليد.
وذكر محمد بن عمر عمّن حدثه أنّ الخلافة أتت هشامًا وهو بالزيّتونة في منزله في دُويرة له هناك.
قال محمد بن عمر: وقد رأيتها صغيرة، فجاءه البريد بالعصا والخاتم، وسلّم عليه بالخلافة، فركب هشام من الرصافة حتى أتى دمشق.
وفي هذه السنة قدم بكير بن ماهان من السند - وكان بها مع الجنيد بن عبد الرحمن ترجمانًا له - فلما عزل الجنيد بن عبد الرحمن، قدم الكوفة ومعه أربع لبنات من فضة ولبنة من ذهب، فلقي أبا عكرمة الصادق وميسرة ومحمد بن خنيس وسالمًا الأعين وأبا يحيى مولى بني سلمة؛ فذكروا له أمر دعوة بني هاشم، فقبل ذلك ورضيه، وأنفق ما معه عليهم، ودخل إلى محمد بن علي. ومات ميسرة فوجه محمد بن علي بكير بن ماهان إلى العراق مكان ميسرة، فأقامه مقامه.
وحجّ بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام بن إسماعيل، والنضري على المدينة.
قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن محمد بن شرحبيل، عن أبيه، قال: كان إبراهيم بن هشام بن إسماعيل حجّ، فأرسل إلى عطاء بن أبي رباح: متى أخطب بمكة؟ قال: بعد الظهر، قبل التروية بيوم، فخطب قبل الظهر، وقال: أمرني رسولي بهذا عن عطاء، فقال عطاء: ما أمرته إلّا بعد الظهر، قال: فاستحيا إبراهيم بن هشام يومئذ، وعدّوه منه جهلًا.
ذكر ولاية خالد القسري على العراق

وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك عمر بن هبيرة عن العراق وما كان إليه من عمل المشرق، وولّى ذلك كلّه خالد بن عبد الله القسري في شوال.
ذكر محمد بن سلام الجمحي، عن عبد القاهر بن السري، عن عمر بن يزيد بن عمير الأسيدي قال: دخلت على هشام بن عبد الملك، وعنده خالد بن عبد الله القمري، وهو يذكر طاعة أهل اليمن، قال: فصفّقت تصفيقةً بيدي دقّ الهواء منها، فقلت: تالله ما رأيتُ هكذا خطأ ولا مثله خطلًا! والله ما فتحت فتنة في الإسلام إلا بأهل اليمن، هم قتلوا أمير المؤمنين عثمان، وهم خلعوا أمير المؤمنين عبد الملك، وإنّ سيوفنا لتقطر من دماء آل المهلب، قال: فلما قمت تبعني رجلٌ من آل مروان كان حاضرًا، فقال: يا أخا بني تميم، ورتْ بك زنادي، قد سمعت مقالتك، وأمير المؤمنين مولٍّ خالدًا العراق، وليست لك بدار.