(من لديه عقل يعمل لا عذر له أبدا ) مقدمة هنا قصة رجل تعرض للكثير من ضغوط الدنيا ومشاكلها , ورفض إلا أن يكون متسامحا يحب الجميع , وحارت معه كل السبل لاسقاطة في حفرة ضياع الأخلاق . بدأت معرفتي بهذا الرجل عن طريق ابنتي لين , حيث كانت عند عودتها من المدرسة تنتظرني برفقته , حيث كان يعمل في مقهى يقع في الطابق الأرضي من مكان سكني .

بطاقته الشخصية

الاسم : علي

العمر : 40 عام


الحالة الاجتماعية : مطلق

المهنة : صاحب وعامل مقهى

مكان السكن : أرضية المقهى الذي يعمل به

دخل يوما إلى عيادتي وقال لا املك مالا لدفع أجرة علاجي , لكن من الممكن أن أعوضك عن المال بتنظيف سلم العمارة أو البيت أو السيارة .

قلت له : اجري أن تدرس ابنتي اللغة العربية , فأراك متقنا لها .

قال : أوافق على هذا . اتفقنا على موعد اللقاءات والدروس لابنتي , غادر ثم عاد في موعده ودار هذا الحديث : قال: أنا يا سديتي , حضرت إلى فلسطين عام 1994 م عقب اتفاقيات اوسلو حيث كنت من ضمن قوات الجيش الفلسطيني القادمة من العراق , كنت في غاية السعادة لحظة دخولي أريحا , بعد أيام وبعد أن اكتشفت الكذبة الكبرى .
لحظات السعادة بدأت بالتلاشي والذوبان وأصبح كل يوم جديد عبارة عن ألم وقلق على ما هو قادم بعد مدة انتقلت إلى نابلس , في نابلس كنت قد وصلت إلى الاهتمام بأمري أنا , ولا اهتم لأحد , وأصبح عملي داخل صفوف الجيش , مجرد وظيفة أتلقى عنها راتب جيد بالنسبة لي حيث كنت وحيدا لا آهل لي , ولا زوجة فكنت ادخر من راتبي الكثير . بعد دورات عسكرية عدة , وبعد إثبات جدارتي بالقدرة على حل الأمور , تنافس الكثير من الشخصيات السياسية , وحتى العسكرية على الحصول على خدماتي , حيث أطلق الجميع علي لقب ( الوحش الهادئ ) كان اختياري لشخصية معينة اعمل معها , هو بمحض إرادتي وكنت قريبا جدا من مطبخ صنع القرار , حيث كنت اسمع وارى ما لا بصدقة العقل , واحتفظت بصمتي طويلا , إلى أن أخذت قرارا بوجوب أن اعمل على تامين مستقبلي , حيث يجب علي أن اخرج من هذا المطبخ العفن . وفعلا بدأت في عمل بعض الصفقات التجارية , وكانت ناجحة جدا , وأصبحت شخصا مرموقا يحترمني الجميع وكلمتي أبدا لا ترد .

تنقلت في خدمة الطباخين واحدا تلو الأخر, وكان العمل في ذات المطبخ العفن وكنت صابرا على مضض فلا أستطيع التكلم , أو حتى مجرد المناقشة في أي أمر كان . واستمريت هكذا عملي في التجارة يزدهر , وعملي في المطبخ يوشك على الانهيار فلقد وصلت إلى مرحلة عدم التحمل , تزوجت و لم ارزق بأولاد حاولت العلاج لأنجب لي طفلا يكون لي صديقا باءت محاولاتي بالفشل فربي لم يأذن بأن يكن لي أولاد , وأنا انحني احتراما لحكمة ربي توقفت عن محاولات العلاج بعد أن كلفني أموال طائلة .
انفصلت عن زوجتي بعدها , واستمر عملي , نجاح في تجارتي وانهيارات متتالية في المطبخ السياسي إلى يوم الانتخابات الأخيرة حيث نجحت حماس . أقوى انهيار حصل يومها حيث سألني احدهم مازحا أنت تصلي من المؤكد انك انتخبت حماس ؟ قلت له ليس لأني اصلي انتخبت حماس , بل لأني مللت وأتمنى أن يكون الوضع أفضل . بعدها ... تهم لا أساس لها من الصحة وشهود كثر ويحلفون بالقران.

التهمة الأولى : تجارة ممنوعة . بعد أن تبين لنا أن المدعو علي ابن فلان يعمل في تجارة السلاح ومن ما بينه لنا الشهود أن المدعو قد استغل منصبه الوظيفي لتمرير صفقات سلاح مشبوهة .

التهمه الثانية : تدريب عسكري لعناصر مشبوهة تبين لنا أيضا أن المدعو علي ابن فلان , قام على تدريب بعض من عناصر حماس , وعناصر أخرى خارجة علي القانون , حيث خالف بذلك القسم الوظيفي .

التهمة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة .. حكمت المحكمة بتنزيل رتبته إلى جندي ونقل عمله إلى الجنوب . ذهبت إلى الجنوب حتى أتجنب السجن ..

في عملي الجديد لا احد يكلمني فانا حماس وهم من فتح هكذا كانت النظرة , لكني لست بحماس ولا حتى من فتح أنا فلسطيني , بعد محاولات ببناء علاقة مع محيطي الجديد وبعد فشلها جميعا قررت الاستقالة , مرة ومرات ورفض , وأخيرا أخذت القرار غادرت بإجازة , ولم اعد بعد أيام اعتقلوني حيث تهمة بيع سلاحي العسكري لتاجر مخدرات , والتاجر موجود وشاهد وثلاثة شهود آخرين أوصلوني إلى سجن عام واحد مع دفع ثمن السلاح حيث وصل إلى عشرة ألاف دولار, وكان سعرة لا يصل أيامها إلى ثلاثة ألاف .

بعد خروجي من السجن كانت تجارتي قد توقفت , وحروب يشنها علي من اعرفة ومن لا اعرفة , اقترضت من البعض كي أقف مرة أخرى , واستمر الجميع بمحاربتي واقترضت مرة أخرى وأخرى , إلى أن فشلت كل محاولاتي وتراكم علي دين كبير حيث وصل إلى عشرين ألف دولار , لا أستطيع سدادها وكيف أستطيع وأنا لا أجد رغيف خبز . غادرت متجها إلى هنا متعبا منهك القوى , لا املك إلا دولارين فقط اشتريت طعاما وبعض سجائر وافترشت الشارع ونمت .

بعد أيام عملت كعامل في هذا المقهى , اتصلت بمن أدين لهم في المال , حيث قلت لهم أنا اعمل اليوم بمقهى وسارد لكم دينكم بأسرع وقت , بعد سبع شهور من العمل , و لأن صاحب المقهى لم يعطني اجري تعرضت للكثير من العنف اللفظي حينا والجسدي أحيانا حيث جميع من يريد مني مالا لا يستطيع التحمل أكثر, بعد فتره صاحب المقهى ترك المقهى لعدم التزامة في إيجار المقهى , وكان بعد لم يعطني اجري , كنت أعيش على رغيفي خبز وقليل من السلطة العربية وعلبة سجائر يوميا .

من ضمن علاقاتي التي أطرتها في فترة عملي في المقهى , استطعت أن أجد كفيلا لصاحب المقهى حيث قمت أنا على ايجاره حيث منحني احد الزبائن شيكات مؤجلة أعطيتها بدوري لصاحب المقهى , عملت بجد وخلقت أعمالا جديدة سددت قيمة الشيكات بموعدها , واعدت الكثير من ديني إلى أصحابة حيث بقي علي مبلغ لا يتجاوز الثمانية ألاف دولار وكان المبلغ نحو عشرون .

في يوم توجهت ذاهبا إلى مدينة رام اللة , لقضاء بعض الأعمال , على احد الحواجز اعتقلني الجيش الإسرائيلي , وبعد أن أرسلت رسالة نصية إلى العامل لدي باني محتجز لدى الجيش الإسرائيلي , انتشر الخبر في المدينة وجاء سبعة وأربعون شخصا يطلبون دين كان علي , حيث كان زوجك الدكتور علي موجودا في المقهى وحضرت الشرطة لتحل الخلاف وبدأوا بتقسيم محتويات المحل في ما بينهم إلى أن وقف الدكتور علي قائلا من يريد مالا أو أي شيء من صاحب المقهى أنا أسد عنه .

وبدا الجميع بتسجيل ما لهم من مال, بعد أن تركني الجيش الإسرائيلي أغادر وصلت المقهى وما زال التسجيل مستمرا , حيث وصل المبلغ إلى مائتان وخمسة وثلاثون ألف دولار , دخلت المقهى قائلا السلام عليكم . نظر الجميع إلي باستغراب وبدأوا يهمون بالمغادرة إلى أن أوقفهم الدكتور علي , واقفل باب المقهى حيث تمت المواجهة بيني وبينهم حيث كشفت كذبهم جميعا ..

أنا اعترف بديني وديني لا يتجاوز الثمانية ألاف ولا احد هنا يطلبني دينا . كان الظن لديهم باني لن أعود إلى المقهى حيث من الممكن سجني لفترة طويلة , أو حتى ترحيلي إلى غزة فأراد البعض الحصول على أي شيء من المقهى , والبعض أراد المقهى مجرد طمع أعماهم , حاول الدكتور علي إبلاغ الشرطة بهذا لكني رفضت وسامحتهم جميعا وقمت على استضافتهم جميعا . في نهاية حديثة قلت له : لم تتحمل كل هذا وما زلت تحافظ على هدوئك وابتسامتك ..



قال : سيدتي صحيح أنا متعب من كل هذا , لكن أنا املك عقلا يعمل ومن يملك عقلا يعمل لا عذر له أبدا .. علي ما زال في ذات المقهى أراه يوميا . واستغرب تلك الروح المرحة التي يحملها .. علي رفض السقوط لأنه ببساطة لديه عقل يعمل ..