صفحة 3 من 11 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 9 إلى 12 من 41

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثامن)

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ذكر الخبر عن وصاياه

    ذكر عن الهيثم بن عدي أن المنصور أوصى المهدي في هذه السنة لما شخص متوجهًا إلى مكة في شوال، وقد نزل قصر عبدويه، وأقام بهذا القصر أيامًا والمهدي معه يوصيه، وكان انقض في مقامه بقصر عبدويه كوكب، لثلاثٍ بقين من شوال بعد إضاءة الفجر، وبقي أثره بينًا إلى طلوع الشمس، فأوصاه بالمال والسلطان؛ يفعل ذلك كل يوم من أيام مقامه بالغداة والعشي، لا يفتر عن ذلك، ولا يفترقان إلا تحريكًا. فلما كان اليوم الذي أراد أن يرتحل فيه، دعا المهدي، فقال له: إني لم أدع شيئًا إلا قد تقدمت إليك فيه، وسأوصيك بخصال والله ما أظنك تفعل واحدة منها - وكان له سفط فيه دفاتر علمه، وعليه قفل لا يأمن على فتحه ومفتاحه أحدًا، يصر مفتاحه في كم قميصه. قال: وكان حماد التركي يقدم إليه ذلك السفط إذا دعا به، فإذا غاب حماد أو خرج كان الذي يليه سلمة الخادم - فقال للمهدي: انظر هذا السفط فاحتفظ به، فإن فيه علم آبائك. ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة؛ فإن أحزنك أمر فانظر في الدفتر الأكبر؛ فإن أصبت فيه ما تريد، وإلا فالثاني والثالث؛ حتى بلغ سبعة؛ فإن ثقل عليك فالكراسة الصغيرة؛ فإنك واجد فيها ما تريد، وما أظنك تفعل، وانظر هذه المدينة؛ فإياك أن تستبدل بها؛ فإنها بيتك وعزك، قد جمعت لك فيها من الأموال ما إن كسر عليك الخراج عشر سنين كان عندك كفاية لأرزاق الجند والنفقات وعطاء الذرية ومصلحة الثغور؛ فاحتفظ بها، فإنك لا تزال عزيزًا ما دام بيت مالك عامرًا، وما أظنك تفعل. وأوصيك بأهل بيتك؛ أن تظهر كرامتهم وتقدمهم وتكثر الإحسان إليهم، وتعظم أمرهم، وتوطئ الناس أعقابهم، وتوليهم المنابر؛ فإن عزك عزهم وذكرهم لك، وما أظنك تفعل. وانظر مواليك، فأحسن إليهم وقربهم واتكثر منهم فإنهم مادتك لشدة إن نزلت بك.، وما أظنك تفعل. وأوصيك بأهل خراسان خيرًا، فإنهم أنصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم في دولتك، ودماءهم دونك، ومن لا تخرج محبتك من قلوبهم؛ أن تحسن إليهم وتتجاوز عن مسيئهم وتكافئهم على ما كان منهم، وتخلف من مات منهم في أهله وولده، وما أظنك تفعل. وإياك أن تبني مدينة الشرقية فإنك لا تتم بناءها، وما أظنك تفعل. وإياك أن تستعسن برجل من بني سليم، وأظنك ستفعل. وإياك أن تدخل النساء في مشورتك في أمرك، وأظنك ستفعل.
    وقال غير الهيثم: إن المنصور دعا المهدي عند مسيره إلى مكة، فقال: يا أبا عبد الله، إني سائر وإني غير راجع؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون! فاسأل الله بركة ما أقدم عليه، هذا كتاب وصيتي مختومًا، فإذا بلغك أني قد مت، وصار الأمر إليك فانظر فيه، وعلي دين أحب أن تقضيه وتضمنه، قال: هو علي يا أمير المؤمنين، قال: فإنه ثلثمائة ألف درهم ونيف، ولست أستحلها من بيت مال المسلمين، فاضمنها عني، وما يفضي إليك من الأمر أعظم منها. قال: أفعل، هو علي. قال: وهذا القصر ليس هو لك، هو لي وقصري بنيته بمالي، فأحب أن تصير نصيبك منه لأخوتك الأصاغر.
    قال: نعم، قال: ورقيقي الخاصة هم لك، فاجعلهم لهم، فإنك تصير إلى ما يغنيك عنهم، وبهم إلى ذلك أعظم الحاجة. قال: أفعل، قال: أما الضياع، فلست أكلفك فيها هذا، ولو فعلت كان أحب إلي، قال: أفعل، قال: سلم إليهم ما سألتك من هذا، وأنت معهم في الضياع. قال: والمتاع والثياب، سلمه لهم قال: أفعل. قال: أحسن الله عليك الخلافة ولك الصنع! اتق الله فيما خولك وفيما خلفتك عليه. ومضى إلى الكوفة، فنزل الرصافة، ثم خرج منها مهلًا بالعمرة والحج، قد ساق هدية من البدن، وأشعر وقلد؛ وذلك لأيام خلت من ذي القعدة.
    وذكر أبو يعقوب بن سليمان، قال: حدثتني جمرة العطارة - عطارة أبي جعفر - قالت: لما عزم المنصور على الحج دعا ريطة بنت أبي العباس امرأة المهدي - وكان المهدي بالري قبل شخوص أبي جعفر - فأوصاها بما أراد، وعهد إليها، ودفع إليها مفاتيح الخزائن، وتقدم إليها وأحلفها، ووكد الأيمان ألا تفتح بعض الخزائن، ولا تطاع عليها أحدًا إلا المهدي؛ ولا هي؛ إلا أن يصح عندها موته، فإذا صح ذلك اجتمعت هي والمهدي وليس معهما ثالث؛ حتى يفتحا الخزانة. فلما قدم المهدي من الري إلى مدينة السلام، دفعت إليه المفاتيح، وأخبرته عن المنصور أنه تقدم إليها فيه إلا يفتحه ولا يطلع عليه أحدًا حتى يصح عندها موته. فلما انتهى إلى المهدي موت المنصور وولى الخلافة، فتح الباب ومعه ريطة؛ فإذا أزج كبير فيه جماعة من قتلاء الطالبين، وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم؛ وإذا فيهم أطفال ورجال شباب ومشايخ عدة كثيرة، فلما رأى ذاك المهدي ارتاع لما رأى، وأمر فحفرت لهم حفيرة فدفنوا فيها، وعمل عليهم دكان.
    وذكر عن إسحاق بن عيسى بن علي، عن أبيه، قال: سمعت المنصور وهو متوجه إلى مكة سنة ثمان وخمسين ومائة، وهو يقول للمهدي عند وداعه إياه: يا أبا عبد الله؛ إني ولدت في ذي الحجة، ووليت في ذي الحجة، وقد هجس في نفسي أني أموت في ذي الحجة من هذه السنة؛ وإنما حداني على الحج ذلك، فاتق الله فيما أعهد إليك من أمور المسلمين بعدي؛ يجعل لك فيها كربك وحزنك مخرجًا، أو قال: فرجًا ومخرجًا - ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث لا تحتسب. احفظ يا بني محمدًا في أمته يحفظ الله عليك أمورك. وإياك والدم الحرام، فإنه حوب عند الله عظيم، وعار في الدنيا لازم مقيم. والزم الحلال فإن ثوابك في الآجل، وصلاحك في العاجل. وأقم الحدود ولا تعتد فيها فتبور؛ فإن الله لو علم أن شيئًا أصلح لدينه وأزجر من معاصيه من الحدود لأمر به في كتابه. واعلم أن من شدة غضب الله لسلطانه، أمر في كتابه بتضعيف العذاب والعقاب على من سعى في الأرض فسادًا مع ما ذخر له عنده من العذاب العظيم، فقال: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا " الآية. فالسلطان يا بني حبل الله المتين، وعروته الوثقى، ودين الله القيم، فاحفظه وحطه وحصنه، وذب عنه، وأوقع بالملحدين فيه، واقمع المارقين منه، واقتل الخارجين عنه بالعقاب لهم والمثلات بهم؛ ولا تتجاوز ما أمر الله به في محكم القرآن. واحكم بالعدل ولا تشطط؛ فإن ذلك أقطع للشغب، واحسم للعدو، وأنجع في الدواء. وعف عن الفيء، فليس بك إليه حاجة مع ما أخلفه لك، وافتتح عملك بصلة الرحم وبر القرابة. وإياك والأثرة والتبذير لأموال الرعية. واشحن الثغور، واضبط الأطراف، وأمن السبل، وخص الواسطة، ووسع المعاش، وسكن العامة، وأدخل المرافق عليهم، واصرف المكاره عنهم، وأعد الأموال واخزنها. وإياك والتبذير؛ فإن النوائب غير مأمونة، والحوادث غير مضمونة؛ وهي من شيم الزمان. وأعد الرجال والكراع والجند ما استطعت. وإياك وتأخير عمل اليوم إلى غد، فتتدارك عليك الأمور وتضيع. جد في إحكام الأمور النازلات لأوقاتها أولًا فأولا، واجتهد وشمر فيها، وأعدد رجالًا بالليل لمعرفة ما يكون بالنهار، ورجالًا بالنهار لمعرفة ما يكون بالليل. وباشر الأمور بنفسك، ولا تضجر ولا تكسل ولا تفشل، واستعمل حسن الظن بربك، وأسئ الظن بعمالك وكتابك. وخذ نفسك بالتيقظ، وتفقد من يبيت على بابك، وسهل إذنك للناس، وانظر في أمر النزاع إليك، ووكل بهم عينًا غير نائمة، ونفسًا غير لاهية، ولا تنم فإن أباك لم ينم منذ ولي الخلافة ولا دخل عينه غمض إلا وقلبه مستيقظ. هذه وصيتي إليك، والله خليفتي عليك.
    قال: ثم ودعه وبكى كل واحد منهما إلى صاحبه.
    وذكر عمر بن شبة عن سعيد بن هريم، قال: لما حج المنصور في السنة التي توفي بها شيعة المهدي، فقال: يا بني، إني قد جمعت لك من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبلي، وجمعت لك من الموالي ما لم يجمعه خليفة قبلي، وبنيت لك مدينة لم يكن في الإسلام مثلها؛ ولست أخاف عليك إلا أحد رجلين: عيسى بن موسى، وعيسى بن زيد؛ فأما عيسى بن موسى فقد أعطاني من العهود والمواثيق ما قبلته، ووالله لو لم يكن إلا أن يقول قولًا لما خفت عليك، فأخرجه من قلبك. وأما عيسى بن زيد فأنفق هذه الأموال واقتل هؤلاء الموالي، واهدم هذه المدينة حتى تظفر به، ثم لا ألومك.
    وذكر عيسى بن محمد أن موسى بن هارون حدثه، قال: لما دخل المنصور آخر منزل نزله من طريق مكة، نظر في صدر البيت الذي نزل فيه، فإذا فيه مكتوب: " بسم الله الرحمن الرحيم ".
    أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت ** سنوك، وأمر الله لابد واقع
    أبا جعفر هل كاهن أو منجم ** لك اليوم من حر المنية مانع!
    قال: فدعا بالمتولي لإصلاح المنازل، فقال له: يا أمير المؤمنين، والله ما دخلها أحد منذ فرغ منها، فقال: اقرأ ما في صدر البيت مكتوبًا، قال: ما أرى شيئًا يا أمير المؤمنين، قال: فدعا برئيس الحجبة، فقال: اقرأ ما على صدر البيت مكتوبًا، قال: ما أرى على صدر البيت شيئًا، فأملى البيتين فكتبا عنه، فالتفت إلى حاجبه فقال: اقرأ لي آية من كتاب الله جل وعز تشوقني إلى الله عز وجل، فتلا: " بسم الله الرحمن الرحيم. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون "، فأمر بفكيه فوجئا. وقال: ما وجدت شيئًا تقرؤه غير هذه الآية! فقال: يا أمير المؤمنين، محي القرآن من قلبي غير هذه الآية، فأمر بالرحيل عن ذلك المنزل تطيرًا مما كان، وركب فرسًا، فلما كان في الوادي الذي يقال له سقر - وكان آخر منزل بطريق مكة - كبا به الفرس، فدق ظهره، ومات فدفن ببئر ميمون.
    وذكر عن محمد بن عبد الله مولى بني هاشم، قال: أخبرني رجل من العلماء وأهل الأدب، قال: هتف بأبي جعفر هاتف من قصره بالمدينة فسمعه يقول:
    أما ورب السكون والحرك ** إن المنايا كثيرة الشرك
    عليك يا نفس إن أسأت وإن ** أحسنت بالقصد، كل ذاك لك
    ما اختلف الليل والنهار ولا ** دارت نجوم السماء في الفلك
    إلا بنقل السلطان عن ملك ** إذا انقضى ملكه إلى ملك
    حتى يصيرا به إلى ملك ** ما عز سلطانه بمشترك
    ذاك بديع السماء والأرض والمر ** سي الجبال المسخر الفلك
    فقال أبو جعفر: هذا والله أوان أجلي.
    وذكر عبد الله بن عبيد الله، أن عبد العزيز بن مسلم حدثه أنه قال: دخلت على المنصور يومًا أسلم عليه؛ فإذا هو باهت لا يحير جوابًا، فوثبت لما أرى منه، أريد الانصراف عنه، فقال لي بعد ساعة: إني رأيت فيما يرى النائم؛ كأن رجلًا ينشدني هذه الأبيات:
    أخي أخفض من مناكا ** فكأن يومك قد أتاكا
    ولقد أراك الدهر من ** تصريفه ما قد أراكا
    فإذا أردت الناقص ال ** عبد الذليل فأنت ذاكا
    ملكت ما ملكته ** والأمر فيه إلى سواكا
    فهذا الذي ترى من قلقي لما سمعت ورأيت. فقلت: خيرًا رأيت يا أمير المؤمنين. فلم يلبث إلى أن خرج إلى الحج فمات لوجهه ذاك.
    وفي هذه السنة بويع للمهدي بالخلافة، وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بمكة؛ صبيحة الليلة التي توفي فيها أبو جعفر المنصور وذلك يوم السبت لست ليالٍ خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين، كذلك قال هشام بن محمد ومحمد بن عمر وغيرهما.
    وقال الواقدي: وبويع له ببغداد يوم الخميس لإحدى عشرة بقيت من ذي الحجة من هذه السنة.
    وأم المهدي أم موسى بنت المنصور بن عبد الله بن يزيد بن شمر الحميري.
    خلافة المهدي محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس

    ذكر الخبر عن صفة العقد الذي عقد للمهدي بالخلافة حين مات والده المنصور بمكة
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ذكر علي بن محمد النوفلي أن أباه حدثه، قال: خرجت في السنة التي مات فيها أبو جعفر من طريق البصرة؛ وكان أبو جعفر خرج على طريق الكوفة، فلقيته بذات عرق ثم سرت معه، فكان كلما ركب عرضت له فسلمت عليه، وقد كان أدنف وأشفى على الموت، فلما صار ببئر ميمون نزل به، ودخلنا مكة، قضيت عمرتي، ثم كنت أختلف إلى أبي جعفر إلى مضربه، فأقيم فيه إلى قريب الزوال، ثم انصرف - وكذلك كان يفعل الهاشميون - وأقبلت علته تشتد وتزداد، فلما كان في الليلة التي مات فيها، ولم نعلم؛ فصليت الصبح في المسجد الحرام مع طلوع الفجر، ثم ركبت في ثوبي متقلدًا السيف عليهما، وأنا أساير محمد بن عون بن عبد الله بن الحارث - وكان من سادة بني هاشم ومشايخهم؛ وكان في ذلك اليوم عليه ثوبان موردان قد أحرم فيهما، متقلدًا السيف عليهما - قال: وكان مشايخ بني هاشم يحبون أن يحرموا في المورد لحديث عمر بن الخطاب وعبد الله بن جعفر وقول علي بن أبي طالب فيه. فلما صرنا بالأبطح لقينا العباس بن محمد ومحمد بن سليمان في خيل ورجال يدخلان مكة، فعدلنا إليهما، فسلمنا عليهما ثم مضينا، فقال لي محمد بن عون: ما ترى حال هذين ودخولهما مكة؟ قلت: أحسب الرجل قد مات؛ فأرادا أن يحصنا مكة؛ فكان ذلك كذلك، فبينا نحن نسير، إذا خفي الشخص في طمرين، ونحن بعد في غلس، قد جاء فدخل بين أعناق دابتينا، فقال: مات والله الرجل! ثم خفي عنا، فمضينا نحن حتى أتينا العسكر، فدخلنا السرادق الذي كنا نجلس فيه كل يوم؛ فإذا بموسى بن المهدي قد صدر عند عمود السرادق، وإذا القاسم بن منصور في ناحية السرادق - وقد كان حين لقينا المنصور بذات عرق، إذا ركب المنصور بعيره جاء القاسم فسار بين يديه بينه وبين صاحب الشرطة، ويؤمر الناس أن يرفعوا القصص إليه - قال: فلما رأيته ناحية السرادق ورأيت موسى مصدرًا، علمت أن المنصور قد مات. قال: فبينا أنا جالس إذ أقبل الحسن بن زيد، فجلس إلى جنبي، فصارت فخذه على فخذي، وجاء الناس حتى ملئوا السرادق، وفيهم ابن عياش المنتوف، فبينا نحن كذلك، إذ سمعنا همسًا من بكاء. فقال لي الحسن: أترى الرجل مات! قلت: لا أحسب ذلك؛ ولكن لعله ثقيل، أو إصابته غشية، فما راعنا إلا بأبي العنبر الخادم الأسود خادم المنصور، قد خرج علينا مشقوق الأقبية من بين يديه ومن خلفه، وعلى رأسه التراب، فصاح: وا أمير المؤمنيناه! فما بقي في السرادق أحد إلا قام على رجليه، ثم أهووا نحو مضارب أبي جعفر يريدون الدخول، فمنعهم الخدم، ودفعوا في صدورهم. وقال بن عياش المنتوف: سبحان الله! أما شهدتم موت خليفة قط! اجلسوا رحمكم الله. فجلس الناس، وقام القاسم فشق ثيابه، ووضع التراب على رأسه، وموسى جالس على حاله. وكان صبيًا رطبًا ما يتحلحل.
    ثم خرج الربيع، وفي يده قرطاس، فألقى أسفله على الأرض، وتناول طرفه، ثم قرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم ". من عبد الله المنصور أمير المؤمنين إلى من خلف بعده من بني هاشم وشيعته من أهل خراسان وعامة المسلمين - ثم ألقى القرطاس من يده، وبكى وبكى الناس، فأخذ القرطاس، وقال: قد أمكنكم البكاء؛ ولكن هذا عهد أمير المؤمنين، لا بد من أن نقرأه عليكم، فأنصتوا رحمكم الله، فسكت الناس، ثم رجع إلى القراءة - أما بعد: فإني كتبت كتابي هذا وأنا حي في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، وأنا أقرأ عليكم السلام، وأسأل الله ألا يفتنكم بعدي، ولا يلبسكم شيعًا، ولا يذيق بعضكم بأس بعض. يا بني هاشم، ويا أهل خراسان.. ثم أخذ في وصيتهم بالمهدي، وإذكارهم البيعة له، وحضهم على القيام بدولته، والوفاء بعهده إلى آخر الكتاب.
    قال النوفل: قال أبي: وكان هذا شيئًا وضعه الربيع؛ ثم نظر في وجوه الناس، فدنا من الهاشميين، فتناول يد الحسن بن زيد، فقال: قم يا أبا محمد، فبايع، فقام معه الحسن، فانتهى به الربيع إلى موسى فأجلسه بين يديه، فتناول الحسن يد موسى، ثم التفت إلى الناس، فقال:
    يا أيها الناس، إن أمير المؤمنين كان ضربني واصطفى مالي؛ فكلمه المهدي فرضي عني، وكلمه في رد مالي علي فأبى ذلك، فأخلفه المهدي من ماله وأضعفه مكان كل علق علقين، فمن أولى بأن يبايع لأمير المؤمنين بصدر منشرح ونفس طيبة وقلب ناصح مني! ثم بايع موسى للمهدي، ثم مسح على يده. ثم جاء الربيع بن عون، فقدمه للسن فبايع، ثم جاء الربيع إلي فأنهضني؛ فكنت الثالث؛ وبايع الناس؛ فلما فرغ دخل المضارب، فمكث هنيهة ثم خرج إلينا معشر الهاشميين، فقال: انهضوا، فنهضنا معه جميعًا، وكنا جماعة كثيرة من أهل العراق وأهل مكة والمدينة ممن حضر الحج، فدخلنا فإذا نحن بالمنصور على سريره في أكفانه، مكشوف الوجه؛ فحملناه حتى أتينا به مكة ثلاثة أميال؛ فكأني أنظر إليه أدنو من قائمة سريره نحمله؛ فتحرك الريح، فتطير شعر صدغيه؛ وذلك أنه كان قد وفر شعره للحلق، وقد نصل خضابه؛ حتى أتينا به حفرته، فدليناه فيها.
    قال: وسمعت أبي يقول: كان أول شيء ارتفع به علي بن عيسى بن ماهان؛ أنه لما كان الليلة التي مات فيها أبو جعفر أرادوا عيسى بن موسى على بيعة مجددة للمهدي - وكان القائم بذلك الربيع - فأبى عيسى بن موسى، فأقبل القواد الذين حضروا يقربون ويتباعدون؛ فنهض علي بن عيسى بن ماهان، فاستل سيفه، ثم جاء إليه، فقال: والله لتبايعن أو لأضربن عنقك! فلما رأى ذلك عيسى، بايع وبايع الناس بعده.
    وذكر عيسى بن محمد أن موسى بن هارون حدثه أن موسى بن المهدي والربيع مولى المنصور وجها منارة مولى المنصور بخبر وفاة المنصور وبالبيعة للمهدي. وبعثا بعد بقضيب النبي وبردته التي يتوارثها الخلفاء مع الحسن الشروي، وبعث أبو العباس الطوسي بخاتم الخلافة مع منارة؛ ثم خرجوا من مكة، وسار عبد الله بن المسيب بن زهير بالحربة بين يدي صالح بن المنصور، على ما كان يسير بها بين يديه في حياة المنصور، فكسرها القاسم بن نصر بن مالك؛ وهو يومئذ على شرطة موسى بن المهدي، واندس علي بن عيسى بن ماهان لما كان في نفسه من أذى عيسى بن موسى، وما صنع به للراوندية، فأظهر الطعن والكلام في مسيرهم. وكان من رؤسائهم أبو خالد المروروزي، حتى كاد الأمر يعظم ويتفاقم، حتى لبس السلاح. وتحرك في ذلك محمد بن سلمان، وقام فيه وغيره من أهل بيته؛ إلا أن محمدًا كان أحسنهم قيامًا به حتى طفئ ذلك وسكن. وكتب به إلى المهدي، فكتب بعزل علي بن عيسى عن حرس موسى بن المهدي، وصير مكانه أبا حنيفة حري بن قيس، وهدأ أمر العسكر، وتقدم العباس بن محمد ومحمد بن سليمان إلى المهدي، وسبق إليه العباس بن محمد. وقدم منارة على المهدي يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة، فسلم عليه بالخلافة، وعزاه، وأوصلوا الكتب إليه، وبايعه أهل مدينة السلام.
    وذكر الهيثم بن عدي عن الربيع، أن المنصور رأى في حجته التي مات فيها وهو بالعذيب - أو غيره من منازل طريق مكة - رؤيا - وكان الربي عديله - وفزع منها، وقال: يا ربيع ما أحيبني إلى ميتًا في وجهي هذا؛ وأنك تؤكد البيعة لأبي عبد الله المهدي، قال الربيع: فقلت له: بل يبقيك الله يا أمير المؤمنين ويبلغ أبو عبد الله محبتك في حياتك إن شاء الله. قال: وثقل عند ذلك وهو يقول: بادر بي إلى حرم ربي وأمنه، هاربًا من ذنوبي وإسرافي عل نفسي؛ فلم يزل كذلك حتى بلغ بئر ميمون، فقلت له: هذه بئر ميمون، وقد دخلت الحرم، فقال: الحمد لله، وقضى من يومه. قال الربيع: فأمرت بالخيم فضربت، وبالفساطيط فهيئت، وعمدت إلى أمير المؤمنين فألبسته الطويلة والدراعة، وسندته، وألقيت في وجه كلة رقيقة يرى منها شخصه، ولا يفهم أمره، وأدنيت أهله من الكلة حيث لا يعلم بخبره، ويرى شخصه. ثم دخلت فوقفت بالموضع الذي أوهمهم أنه يخاطبني، ثم خرجت فقلت: إن أمير المؤمنين مفيق بمن الله، وهو يقرأ عليكم السلام، ويقول: إني أحب أن يؤكد الله أمركم؛ ويكبت عدوكم، ويسر وليكم؛ وقد أحببت أن تجددوا بيعة أبي عبد الله المهدي؛ لئلا يطمع فيكم عدو ولا باغٍ، فقال القوم كلهم: وفق الله أمير المؤمنين؛ نحن إلى ذلك أسرع. قال: فدخل فوقف، ورجع إليهم، فقال: هلموا للبيعة، فبايع القوم كلهم؛ فلم يبق أحد من خاصته والأولياء ورؤساء من حضره إلا بايع المهدي، ثم دخل وخرج باكيًا مشقوق الجيب لاطم رأسه، فقال بعض من حضر: ويلي عليك يا بن شاة! يريد الربيع - وكانت أمه ماتت وهي ترضعه فأرضعته شاة - قال: وحفر للمنصور مائة قبر، ودفن في كلها لئلا يعرف موضع قبره الذي هو ظاهر للناس، ودفن في غيرها للخوف عليه. وهكذا قبور خلفاء ولد العباس، لا يعرف لأحد منهم قبر. قال: فبلغ المهدي فلما قدم عليه الربيع قال: يا عبد؛ ألم تمنعك جلالة أمير المؤمنين أن فعلت ما فعلت به! وقال قوم أنه ضربه؛ ولم يصح ذلك. قال: وذكر من حضر حجة المنصور، قال: رأيت صالح بن المنصور وهو مع أبيه والناس معه؛ وإن موسى بن المهدي لقي تباعه، ثم رجع الناس وهم خلف موسى، وأن صالحًا معه.
    وذكر عن الأصمعي أنه قال: أول من نعى أبو جعفر المنصور بالبصرة خلف الأحمر، وذلك أنا كنا في حلقة يونس، فمر بنا فسلم علينا، فقال: قد طرقت ببكرها أم طبق قال يونس: وماذا؟ قال:
    تنتجوها خير أضخم العنق ** موت الإمام فلقة من الفلق
    وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي، وكان المنصور - فيما ذكر - أوصى بذلك.
    وكان العامل في هذه السنة على مكة والطائف إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس، وعلى المدينة عبد الصمد بن علي، وعلى الكوفة عمرو بن زهير الضبي أخو المسيب بن زهير - وقيل: كان العامل عليها إسماعيل بن أبي إسماعيل الثقفي. وقيل: إنه مولى لبني نصر من قيس - وعلى قضائها شريك بن عبد الله النخعي، وعلى ديوان خراجها ثابت بن موسى، وعلى خراسان حميد بن قحطبة، وعلى قضاء بغداد مع قضاء الكوفة شريك ابن عبد الله.
    وقيل: كان القاضي على بغداد يوم مات المنصور عبيد الله بن محمد بن صفوان الجمحي وشريك بن عبد الله على قضاء الكوفة خاصة. وقيل: إن شريكًا كان إليه قضاء الكوفة، والصلاة بأهلها.
    وكان على الشرط ببغداد يوم مات المنصور - فيما ذكر - عمر بن عبد الرحمن أخو عبد الجبار بن عبد الرحمن. وقيل كان موسى بن كعب.
    وعلى ديوان خراج البصرة وأرضها عمارة بن حمزة. وعلى قضائها والصلاة عبيد الله بن الحسن العنبري، وعلى أحداثها سعيد بن دعلج.
    وأصاب الناس - فيما ذكر محمد بن عمر - في هذه السنة وباء شديد
    ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائة

    ذكر ما كان فيها من الأحداث

    فمن ذلك غزوة العباس بن محمد الصائفة فيها حتى بلغ أنقرة؛ وكان على مقدمة العباس الحسن الوصيف في الموالي، وكان المهدي ضم إليه جماعة من قواد أهل خراسان وغيرهم. وخرج المهدي فعسكر بالبردان وأقام فيه حتى أنفذ العباس بن محمد، ومن قطع عليه البعث معه، ولم يجعل للعباس على الحسن الوصيف ولاية في عزل ولا غيره، ففتح في غزاته هذه مدينة للروم ومطمورة معها، وانصرفوا سالمين لم يصب من المسلمين أحد.
    وهلك في هذه السنة حميد بن قحطبة، وهو عامل المهدي على خراسان، فولى المهدي مكانه أبا عون عبد الملك بن يزيد.
    وفيها ولي حمزة بن مالك سجستان، وولي جبرائيل بن يحيى سمرقند.
    وفيها بنى المهدي مسجد الرصافة.
    وفيها بنى حائطها، وحفر خندقها.
    وفيها عزل المهدي عبد الصمد بن علي عن المدينة؛ مدينة الرسول عن موجدة، واستعمل عليها مكانه محمد بن عبد الله الكثيري ثم عزله، واستعمل عليها مكانه عبيد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن صفوان الجمحي.
    وفيها وجه المهدي عبد الملك بن شهاب المسمعي في البحر إلى بلاد الهند، وفرض معه لألفين من أهل البصرة من جميع الأجناد، وأشخصهم معه، وأشخص معه من المطوعة الذين كانوا يلزمون المرابطات ألفًا وخمسمائة رجل، ووجه معه قائدًا من أبناء أهل الشام يقال له ابن الحباب المدحجي في سبعمائة من أهل الشام، وخرج معه من مطوعة أهل البصرة بأموالهم ألف رجل، فيهم - فيما ذكر - الربيع بن صبيح، ومن الأسواريين والسبابجة أربعة آلاف رجل، فولى عبد الملك بن شهاب المنذر بن الجارودي الألف الرجل المطوعة من أهل البصرة، وولى ابنه غسان بن عبد الملك الألفي الرجل الذين من فرض البصرة، وولى عبد الواحد بن عبد الملك الألف والخمسمائة الرجل من مطوعة المرابطات، وأفرد يزيد بن الحباب في أصحابه فخرجوا، وكان المهدي وجه لتجهيزهم حتى شخصوا أبا القاسم محرز بن إبراهيم، فمضوا لوجههم؛ حتى أتوا مدينة باربد من بلاد الهند في سنة ستين ومائة.
    وفيها توفي معبد بن الخليل بالسند، وهو عامل المهدي عليها، فاستعمل مكانه روح بن حاتم بمشورة أبي عبيد الله وزيره.
    وفيها أمر المهدي بإطلاق من كان في سجن المنصور، إلا من كان قبله تباعة من دم أو قتل، ومن كان معروفًا بالسعي في الأرض بالفساد، أو من كان لأحد قبله مظلمة أو حق، فأطلقوا، فكان ممن أطلق من المطبق يعقوب بن داود مولى بني سليم، وكان معه في ذلك الحبس محبوسًا الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
    وفيها حمل المهدي الحسن بن إبراهيم من المطبق الذي كان فيه محبوسًا إلى نصير الوصيف فحبسه عنده.
    ذكر الخبر عن سبب تحويل المهدي الحسن بن إبراهيم من المطبق إلى نصير

    ذكر أن السبب في ذلك، كان أن المهدي لما أمر بإطلاق أهل السجون على ما ذكرت، وكان يعقوب بن داود محبوسًا مع الحسن بن إبراهيم في موضع واحد، فأطلق يعقوب بن داود، ولم يطلق الحسن بن إبراهيم، ساء ظنه، وخاف على نفسه، فالتمس مخرجًا لنفسه وخلاصًا، فدس إلى بعض ثقاته، فحفر له سربًا من موضع مسامت للموضع الذي هو فيه محبوس، وكان يعقوب بن داود بعد أن أطلق يطيف بابن علاثة - وهو قاضي المهدي بمدينة السلام - ويلزمه، حتى أنس به، وبلغ يعقوب ما عزم عليه الحسن بن إبراهيم من الهرب، فأتى ابن علاثة، فأخبره أن عنده نصيحة للمهدي، وسأله إيصاله إلى أبي عبيد الله، فسأله عن تلك النصيحة، فأبى أن يخبره بها، وحذره فوتها، فانطلق ابن علاثة إلى أبي عبيد الله فأخبره خبر يعقوب وما جاء به، فأمره بإدخاله عليه؛ فلما دخل عليه سأله إيصاله إلى المهدي، ليعلمه النصيحة التي له عنده، فأدخله عليه، فلما دخل على المهدي شكر له بلاءه عنده في إطلاقه إياه ومنه عليه، ثم أخبره أن له عنده نصيحة، فسأله عنها بمحضر من أبي عبيد الله وابن علاثة، فاستخلاه منهما، فأعلمه المهدي ثقته بهما، فأبى أن يبوح له بشيء حتى يقوما، فأقامهما وأخلاه، فأخبره خبر الحسن بن إبراهيم وما أجمع عليه، وأن ذلك كائن من ليلته المستقبلة، فوجه المهدي من يثق به ليأتيه بخبره، فأتاه بتحقيق ما أخبره به يعقوب، فأمر بتحويله إلى نصير، فلم يزل في حبسه إلى أن احتال واحتيل له، فخرج هاربًا، وافتقد، فشاع خبره، فطلب فلم يظفر به، وتذكر المهدي دلالة يعقوب إياه كانت عليه، فرجا عنده من الدلالة عليه مثل الذي كان منه في أمره، فسأل أبا عبيد الله فأخبره أنه حاضر - وقد كان لزم أبا عبيد الله - فدعى به المهدي خاليًا، فذكر له ما كان من فعله في الحسن بن إبراهيم أولًا، ونصحه له فيه، وأخبره بما حدث من أمره، فاخبره يعقوب أنه لا علم له بمكانه، وأنه إن أعطاه أمانًا يثق به ضمن له أن يأتيه به، على أن يتم له على أمانه، ويصله ويحسن إليه. فأعطاه المهدي ذلك في مجلسه وضمنه له. فقال له يعقوب: فله يا أمير المؤمنين عن ذكره، ودع طلبه، فإن ذلك يوحشه، ودعني وإياه حتى أحتال فآتيك به؛ فأعطاه المهدي ذلك. وقال يعقوب: يا أمير المؤمنين، قد بسطت عدلك لرعيتك، وأنصفتهم، وعممتهم بخيرك وفضلك، فعظم رجاؤهم، وانفسحت آمالهم؛ وقد بقيت أشياء لو ذكرتها لك لم تدع النظر فيها بمثل ما فعلت في غيرها، وأشياء مع ذلك خلف بابك يعمل بها لا تعلمها، فإن جعلت لي السبيل إلى الدخول عليك، وأذنت لي في رفعها إليك فعلت. فأعطاه المهدي ذلك، وجعله إليه، وصير سليمان الخادم الأسود خادم المنصور سببه في إعلام المهدي بمكانه كلما أراد الدخول، فكان يعقوب يدخل على المهدي ليلًا، ويفع إليه النصائح في الأمور الحسنة الجميلة من أمر الثغور وبناء الحصون وتقوية الغزاة وتزويج العزاب، وفكاك الأسرى والمحبسين والقضاء على الغارمين، والصدقة على المتعففين، فحظى بذلك عنده، وبما رجى أن ينال به من الظفر بالحسن بن إبراهيم، واتخذه أخًا في الله، وأخرج بذلك توقيعًا، وأثبت في الدواوين، فتسبب مائة ألف درهم كانت أول صلة وصله بها، فلم تزل منزلته تنمى وتعلو صعدًا، إلى أن صير الحسن بن إبراهيم في يد المهدي بعد ذلك؛ وإلى أن سقطت منزلته، وأمر المهدي بحبسه، فقال علي بن الخليل في ذلك:


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    عجبًا لتصريف الأمو ** ر مسرة وكراهيه
    والدهر يلعب بالرجا ** ل له دوائر جاريه
    رثت بيعقوب بن دا ** ود حبال معاويه
    وعدت على ابن علاثة ال ** قاضي بوائق عافيه
    قل للوزير أبي عبي ** د الله: هل لك باقيه!
    يعقوب ينظر في الأمو ** رو أنت تنظر ناحيه
    أدخلته فعلًا علي ** ك، كذاك شؤم الناصيه
    وفي هذه السنة عزل المهدي إسماعيل بن أبي إسماعيل عن الكوفة وأحداثها. واختلف فيمن ولي مكانه إسحاق بن الصباح الكندي ثم الأشعثي بمشورة شريك بن عبد الله قاضي الكوفة. وقال عمر بن شبة: ولى على الكوفة المهدي عيسى بن لقمان بن محمد بن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، فولى على شرطه ابن أخيه عثمان بن سعيد بن لقمان. ويقال: إن شريك بن عبد الله كان على الصلاة والقضاء، وعيسى على الأحداث ثم أفرد شريك بالولاية، فجعل على شرطه إسحاق بن الصباح الكندي، فقال بعض الشعراء:
    لست تعدو بأن تكون ولو نل ** ت سهيلًا صنيعةً لشريك
    قال: ويزعمون أن إسحاق لم يشكر لشريك، وأن شريكًا قال له:
    صلى وصام لدنيا كان يأملها ** فقد أصاب ولا صلى ولا صاما
    وذكر أن جعفر بن محمد قاضي الكوفة، قال: ضم المهدي إلى شريك الصلاة مع القضاء، وولى شرطه إسحاق بن الصباح، ثم ولى إسحاق بن الصباح الصلاة والأحداث بعد، ثم ولى إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل ابن محمد بن الأشعث الكوفة، فولى شرطه النعمان بن جعفر الكندي، فمات النعمان، فولى على شرطه أخاه يزيد بن جعفر.
    وفيها عزل المهدي عن أحداث البصرة سعيد بن دعلج، وعزل عن الصلاة والقضاء من أهلها عبيد الله بن الحسن، وولى مكانهما عبد الملك بن أيوب بن ظبيان النمري، وكتب إلى عبد الملك يأمره بإنصاف من تظلم من أهل البصرة من سعيد بن دعلج، ثم صرفت الأحداث في هذه السنة عن عبد الملك بن أيوب إلى عمارة بن حمزة، فولاها عمارة رجلًا من أهل البصرة يقال له المسور بن عبد الله بن مسلم الباهلي، وأقر عبد الملك على الصلاة.
    وفيها عزل قثم بن العباس عن اليمامة عن سخطة، فوصل كتاب عزله إلى اليمامة، وقد توفي فاستعمل مكانه بشر بن المنذر البجلي.
    وفيها عزل يزيد بن منصور عن اليمن، واستعمل مكانه رجاء بن روح.
    وفيها عزل الهيثم بن سعيد عن الجزيرة، واستعمل عليها الفضل بن صالح.
    وفيها أعتق المهدي أم ولده الخيزران وتزوجها.
    وفيها تزوج المهدي أيضًا أم عبد الله بنت صالح بن علي، أخت الفضل وعبد ابني صالح لأمهما.
    وفيها وقع الحريق في ذي الحجة في السفن ببغداد عند قصر عيسى بن علي، فاحترق ناس كثير، واحترقت السفن بما فيها.
    وفيها عزل مطر مولى المنصور عن مصر، واستعمل مكانه أبو ضمرة محمد بن سليمان.
    وفيها كانت حركة من تحرك من بني هاشم وشيعتهم من أهل خراسان في خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد، وتصيير ذلك لموسى بن المهدي؛ فلما تبين ذلك المهدي كتب - فيما ذكر - إلى عيسى بن موسى في القدوم عليه وهو بالكوفة، فأحس بالذي يراد به، فامتنع من القدوم عليه.
    وقال عمر: لما أفضى الآمر إلى المهدي سأل عيسى أن يخرج من الأمر فامتنع عليه، فأراد الإضرار به، فولى على الكوفة روح بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب، فولي على شرطه خالد بن يزيد بن حاتم؛ وكان المهدي يحب أن يحمل روح على عيسى بعض الحمل فيما لا يكون عليه به حجة، وكان لا يجد إلى ذلك سبيلًا، وكان عيسى قد خرج إلى ضيعة له بالرحبة؛ فكان لا يدخل الكوفة إلا في شهرين من السنة في شهر رمضان، فيشهد الجمع والعيد، ثم يرجع إلى ضيعته. وفي أول ذي الحجة، فإذا شهد العيد رجع إلى ضيعته، وكان إذا شهد الجمعة أقبل من داره على دوابه حتى ينتهي إلى أبواب المسجد فينزل على عتبة الأبواب، ثم يصلي في موضعه، فكتب روح إلى المهدي أن عيسى بن موسى لا يشهد الجمع، ولا يدخل الكوفة إلا في شهرين من السنة؛ فإذا حضر أقبل على دوابه حتى يدخل رحبة المسجد؛ وهو مصلى الناس، ثم يتجاوزها إلى أبواب المسجد، فتروث دوابه في مصلى الناس؛ وليس يفعل ذلك غيره؛ فكتب إليه المهدي أن اتخذ على أفواه السكك التي تلي المسجد خشبًا ينزل عنده الناس، فاتخذ روح ذلك الخشب في أفواه السكك - فذلك الموضع يسمى الخشبة - وبلغ ذلك عيسى بن موسى قبل يوم الجمعة، فأرسل إلى ورثة المختار بن أبى عبيدة - وكانت دار المختار لزيقة المسجد، فابتاعها وأثمن بها، ثم إنه عمرها واتخذ فيها حمامًا، فكان إذا كان يوم الخميس أتاها وأقام بها، فإذا أراد الجمعة ركب حمارًا فدب به إلى باب المسجد فصلى في ناحية، ثم رجع إلى داره. ثم أوطن الكوفة وأقام بها، وألح المهدي على عيسى فقال: إنك إن لم تجبني إلى أن تنخلع منها حتى أبايع لموسى وهارون استحللت منك بمعصيتك من العاصي، وإن أجبتني عوضتك منها ما هو أجدى عليك وأعجل نفعًا. فأجابه، فبايع لهما وأمر له بعشرة آلاف ألف درهم - ويقال عشرين ألف ألف - وقطائع كثيرة.
    وأما غير عمر فإنه فقال: كتب المهدي إلى عيسى بن موسى لما هم بخلعه يأمره بالقدوم عليه، فأحس بما يراد به، فامتنع من القدوم عليه، حتى خيف انتقاضه، فأنفذ إليه المهدي عمه العباس بن محمد، وكتب إليه كتابًا، وأوصاه بما أحب أن يبلغه، فقدم العباس على عيسى بكتاب المهدي ورسالته إليه، فانصرف إلى المهدي بجوابه في ذلك، فوجه إليه بعد قدوم العباس عليه محمد بن فروخ أبا هريرة القائد في ألف رجل من أصحابه من ذوي البصيرة في التشيع، وجعل مع كل رجل منهم طبلًا، وأمرهم أن يضربوا جميعًا بطبولهم عند قدومهم الكوفة، فدخلها ليلًا في وجه الصبح، فضرب أصحابه بطبولهم، فراع ذلك عيسى بن موسى روعًا شديدًا، ثم دخل عليه أبو هريرة، فأمره بالشخوص، فاعتل بالشكوى، فلم يقبل ذلك منه، وأشخصه من ساعته إلى مدينة السلام.
    وحج بالناس في هذه السنة يزيد بن منصور - خال المهدي - عند قدومه من اليمن؛ فحدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى؛ عن أبي معشر. كذلك قال محمد بن عمر الواقدي وغيره. وكان انصراف يزيد بن منصور من اليمن بكتاب المهدي إليه يأمره بالانصراف إليه وتوليته إياه الموسم وإعلامه اشتياقه إليه وإلى قربه.
    وكان أمير المدينة في هذه السنة عبيد الله بن صفوان الجمحي، وعلى صلاة الكوفة وأحداثها إسحاق بن الصباح الكندي، وعلى خراجها ثابت بن موسى، وعلى قضائها شريك بن عبد الله، وعلى صلاة البصرة عبد الملك بن أيوب بن ظبيان النميري، وعلى أحداثها عمارة بن حمزة؛ وخليفته على ذلك المسور بن عبد الله بن مسلم الباهلي؛ وعلى قضائها عبيد الله بن حسن. وعلى كور دجلة وكور الأهواز وكور فارس عمارة بن حمزة. وعلى السند بسطام بن عمرو، وعلى اليمن رجاء بن روح. وعلى اليمامة بشر بن المنذر، وعلى خراسان أبو عون عبد الملك بن يزيد، وعلى الجزيرة الفضل بن صالح، وعلى إفريقية يزيد بن حاتم، وعلى مصر محمد بن سليمان أبو ضمرة.
    ثم دخلت سنة ستين ومائة

    ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
    ذكر خروج يوسف البرم

    فمن ذلك ما كان من خروج يوسف بن إبراهيم، وهو الذي يقال له يوسف البرم بخراسان منكرًا هو ومن تبعه ممن كان على رأيه على المهدي - فيما زعم - الحال التي هو بها وسيرته التي يسير بها، واجتمع معه - فيما ذكر - بشر من الناس كثير، فتوجه إليه يزيد بن مزيد فلقيه، واقتتلا حتى صارا إلى المعانقة فأسره يزيد، وبعث به إلى المهدي، وبعث معه من وجوه أصحابه بعدة، فلما انتهى بهم إلى النهروان حمل يوسف البرمعلى بعير وقد حول وجهه إلى ذنب البعير وأصحابه على بعير، فأدخلوهم الرصافة على تلك الحال، فأدخلوه على المهدي، فأمر هرثمة بن أعين فقطع يدي يوسف ورجليه، وضرب عنقه وعنق أصحابه، وصلبهم على جسر دجلة الأعلى، مما يلي عسكر المهدي، وإنما أمر هرثمة بقتله؛ لأنه قتل أخًا لهرثمة بخراسان.
    ذكر خبر خلع عيسى بن موسى وبيعة موسى الهادي

    وفيها قدم عيسى بن موسى مع أبي هريرة يوم الخميس لست خلون من المحرم - فيما ذكر - الفضل بن سليمان فنزل دارًا كانت لمحمد بن سليمان على شاطئ دجلة في عسكر المهدي، فأقام أيامًا يختلف إلى المهدي، ويدخل مدخله الذي كان يدخله؛ لا يكلم بشيء، ولا يرى جفوة ولا مكروهًا ولا تقصيرًا به؛ حتى أنس به بعض الأنس، ثم حضر الدار يومًا قبل جلوس المهدي، فدخل مجلسا كان يكون للربيع في مقصورة صغيرة، وعليها باب، وقد أجتمع رؤساء الشيعة في ذلك اليوم على خلعه والوثوب عليه؛ ففعلوا ذلك وهو في المقصورة التي فيها مجلس الربيع، فأغلق دونهم المقصورة، فضربوا الباب بجرزهم، فهشموا الباب، وكادوا يكسرونه، وشتموه أقبح الشتم، وحصروه هنالك، وأظهر المهدي إنكارًا لما فعلوا، فلم يردعهم ذلك عن فعلهم، بل شدوا في أمره، وكانوا بذلك هو وهم أيامًا، إلى أن كاشفه ذوو الأسنان من أهل بيته بحضرة المهدي، فأبوا إلا خلعه، وشتموه في وجهه؛ وكان أشدهم عليه محمد بن سليمان.
    فلما رأى المهدي ذلك من رأيهم وكراهتهم لعيسى وولايته؛ دعاهم إلى العهد لموسى، فصار إلى رأيهم وموافقتهم، وألح على عيسى في إجابته إياهم إلى الخروج مما له من العهد في أعناق الناس وتحليلهم منه؛ فأبى؛ وذكر أن عليه أيمانًا محرجة في ماله وأهله؛ فأحضر له من الفقهاء والقضاة عدة، منهم محمد بن عبد الله بن علاثة والزنجي بن خالد المكي وغيرهما؛ فأتوه بما رأوا، وصار إلى المهدي ابتياع ماله من البيعة في أعناق الناس بما يكون له فيه رضًا وعوض؛ مما يخرج له من ماله لما يلزمه من الحنث في يمينه؛ وهو عشرة آلاف ألف درهم، وضياع بالزاب الأعلى وكسكر. فقبل عيسى، وبقي منذ فاوضه المهدي على الخلع إلى أن أجاب محتسبًا عنده في دار الديوان من الرصافة إلى أن صار إلى الرضى بالخلع والتسليم، وإلى أن خلع يوم الأربعاء لأربع بقين من المحرم بعد صلاة العصر، فبايع للمهدي ولموسى من بعده من الغد يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم لارتفاع النهار. ثم أذن المهدي لأهل بيته، وهو في قبة كان محمد بن سليمان أهداها له مضروبة في صحن الأبواب، ثم أخذ بيعتهم رجلًا رجلًا لنفسه ولموسى بن المهدي من بعده، حتى أتى إلى آخرهم. ثم خرج إلى مسجد الجماعة بالرصافة فقعد على المنبر، وصعد موسى حتى كأنه دونه. وقال عيسى على أول عتبة المنبر، فحمد الله المهدي وأثنى عليه، وصلى على النبي ، وأخبر بما بما أجمع عليه أهل بيته وشيعته وقواده وأنصاره وغيرهم من أهل خراسان من خلع عيسى بن موسى وتصيير الأمر الذي كان عقد له في أعناق الناس لموسى بن أمير المؤمنين؛ لاختيارهم له ورضاهم به؛ وما رأى من إجاباتهم إلى ذلك؛ لما رجا مصلحتهم وألفتهم، وخاف مخالفتهم في نياتهم واختلاف كلمتهم، وأن عيسى قد خلع تقدمه، وحللهم مما كان له من البيعة في أعناقهم، وأن ما كان له من ذلك فقد صار لموسى بن أمير المؤمنين، بعقد من أمير المؤمنين وأهل بيته وشيعته في ذلك؛ وأن موسى عامل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه بأحسن السيرة وأعدلها، فبايعوا معشر من حضر، وسارعوا إلى ما سارع إليه غيركم؛ فإن الخير كله في الجماعة، والشر كله في الفرقة. وأنا أسأل الله لنا ولكم التوفيق برحمته، والعمل بطاعته وما يرضيه، وأستغفر الله لي ولكم.
    وجلس موسى دونه معتزلًا للمنبر؛ لئلا يحول بينه وبين من صعد إليه، يبايعه ويمسح على يده، ولا يستر وجهه، وثبت عيسى قائمًا في مكانه، وقرئ عليه كتاب ذكر الخلع له، وخروجه مما كان غليه من ولاية العهد وتحليله الجماعة من كان له في عنقه بيعة، مما عقدوا له في أعناقهم؛ وإن ذلك من فعله وهو طائع غير مكره، راض غير ساخط، محب غير مجبر. فأقر عيسى بذلك، ثم صعد فبايع المهدي، ومسح على يده، ثم انصرف، وبايع أهل بيت المهدي على أسنانهم؛ يبايعون المهدي ثم موسى، ويمسحون على أيديهما؛ حتى فرغ آخرهم؛ وفعل من أحضر من أصحابه ووجوه القواد والشيعة مثل ذلك، ثم نزل المهدي، فصار إلى منزله، ووكل ببيعته من بقي من الخاصة والعامة خاله يزيد بن منصور، فتولى ذلك حتى فرغ من جميع الناس، ووفى المهدي لعيسى بما أعطاه وأرضاه مما خلعه منه من ولاية العهد، وكتب عليه بخلعه إياه كتابًا أشهد عليه فيه جماعة أهل بيته وصحابته وجميع شيعته وكتابه وجنده في الدواوين؛ ليكون حجة على عيسى، وقطعًا لقوله ودعواه فيما خرج منه.
    وهذه نسخة الشرط الذي كتبه عيسى على نفسه: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب لعبد الله المهدي محمد أمير المؤمنين ولولي عهد المؤمنين موسى بن المهدي، ولأهل بيته وجميع قواده وجنوده من أهل خراسان وعامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ حيث كان كائن منهم، كتبته للمهدي محمد أمير المؤمنين، وولي عهد المسلمين موسى بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي؛ فيما جعل إليه من العهد إذ كان إلي، حتى اجتمعت كلمة المسلمين، واتسق أمرهم، وائتلفت أهواؤهم، على الرضى بولاية موسى بن المهدي محمد أمير المؤمنين، وعرفت الخط في ذلك علي والخط فيه لي، ودخلت فيما دخل المسلمون من الرضا بموسى بن أمير المؤمنين، والبيعة له، والخروج مما كان لي في رقابهم من البيعة، وجعلتكم في حل من ذلك وسعة، من غير حرج يدخل عليكم، أو على أحد من جماعتكم وعامة المسلمين، وليس في شيء من ذلك، قديم ولا حديث لي دعوى ولا طلبة ولا حجة ولا مقالة ولا طاعة على أحد منكم، ولا على عامة المسلمين ولا بيعة في حياة المهدي محمد أمير المؤمنين ولا بعده ولا بعد ولي عهد المسلمين موسى، ولا ما كنت حيًا حتى أموت. وقد بايعت محمد المهدي أمير المؤمنين ولموسى ابن أمير المؤمنين من بعده، وجعلت لهما ولعامة المسلمين من أهل خراسان وغيرهم الوفاء بما شرطت على نفسي في هذا الأمر الذي خرجت منه، والتمام عليه. علي بذلك عهد الله وما اعتقد أحد من خلقه من عهد أو ميثاق أو تغليظ أو تأكيد على السمع والطاعة والنصيحة للمهدي محمد أمير المؤمنين وولي عهده موسى بن أمير المؤمنين، في السر والعلانية، والقول والفعل، والنية والشدة والرجاء والسراء والضراء والموالاة لهمل ولمن والاهما، والمعاداة لمن عاداهما، كائنًا من كان في هذا الأمر الذي خرجت منه. فإن أنا نكبت أو غيرت أو بدلت أو دغلت أو نويت غير ما أعطيت عليه هذه الأيمان، أو دعوت إلى خلاف شيء مما حملت على نفسي في هذا الكتاب للمهدي محمد أمير المؤمنين ولولي عهده موسى بن أمير المؤمنين ولعامة المسلمين، أو لم أف بذلك؛ فكل زوجة عندي يوم كتبت هذا الكتاب - أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة - طالق ثلاثًا البتة طلاق الحرج وكل مملوك عندي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله، وكل مالٍ لي نقد أو عرض أو قرض أو أرض، أو قليل أو كثير، تالد أو طارف أو أستفيده فيما بعد اليوم إلى ثلاثين سنة صدقة على المساكين، يضع ذلك الوالي حيث يرى، وعلي من مدينة السلام المشي حافيًا إلى بيت الله العتيق الذي بمكة نذرًا واجبًا ثلاثين سنة، لا كفارة لي ولا مخرج منه؛ إلا الوفاء به. والله على الوفاء بذلك راع كفيل شهيد، وكفى بالله شهيدًا. وشهيد على عيسى بن موسى بما في هذا الشرط أربعمائة وثلاثون من بني هاشم ومن الموالي والصحابة من قريش والوزراء والكتاب والقضاة.
    وكتب في صفر سنة ستين ومائة. وختم عيسى بن موسى.
    فقال بعض الشعراء:
    كره الموت أبو موسى وقد ** كان في الموت نجاء وكرم
    خلع الملك وأضحى ملبسًا ** ثوب لوم ما ترى منه القدم


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    وفي سنة ستين ومائة وافى عبد الملك بن شهاب المسمعي مدينة باربد بمن توجه معه من المطوعة وغيرهم، فناهضوها بعد قدومهم بيوم، وأقاموا عليها يومين، فنصبوا المنجنيق وناهضوها بجميع الآلة، وتحاشد الناس وحض بعضهم بعض بالقرآن والتذكير، ففتحها الله عليهم عنوة، ودخلت خيلهم من كل ناحية؛ حتى ألجئوهم إلى بدهم، فأشعلوا فيها النيران والنفط، فاحترق منهم من احترق، وجاهد بعضهم المسلمين، فقتلهم الله أجمعين، واستشهد من المسلمين بضعة وعشرون رجلًا، وأفاءها الله عليهم. وهاج البحر فلم يقدروا على ركوبه والانصراف، فأقاموا إلى أن يطيب، فأصابهم في أفواههم داء يقال له حمام قر، فمات نحو من ألف رجل، منهم الربيع بن صبيح. ثم انصرفوا لما أمكنهم الانصراف حتى بلغوا ساحلًا من فارس، يقال له بحر حمران، فعصفت عليهم فيه الريح ليلًا، فكسرت عامة مراكبهم، فغرق منهم بعض ونجا بعض، وقدموا معهم بسبي من سبيهم - فيهم بنت ملك باربد - على محمد بن سليمان، وهو يومئذ والي البصرة.
    وفيها صير أبان بن صدقة كاتبًا لهارون بن المهدي ووزيرًا له.
    وفيها عزل أبو عون عن خراسان عن سخطة، وولي مكانه معاذ بن مسلم.
    وفيها غزا ثمامة بن الوليد العبسي الصائفة.
    وفيها غزا الغمر بن العباس الخثعمي بحر الشام
    ذكر خبر رد نسب آل بكرة وآل زياد

    وفيها رد المهدي آل بكرة من نسبهم في ثقيف إلى ولاء رسول الله ؛ وكان سبب ذلك أن رجلًا من آل أبي بكرة رفع ظلامة إلى المهدي وتقرب إليه فيها بولاء رسول الله ، فقال المهدي: إن هذا نسب واعتزاء، ما تقرون به إلا عند حاجة تعرض لكم، وعند اضطراركم إلى التقرب به إلينا. فقال الحكم: يا أمير المؤمنين، من جحد ذلك فإنا سنقر؛ أنا أسألك أن تردني ومعشر آل أبي بكرة إلى نسبنا من ولاء رسول الله ، وتأمر بآل زياد بن عبيد فيخرجوا من نسبهم الذي ألحقهم به معاوية رغبة عن قضاء رسول الله : " إن الولد للفراش وللعاهر الحجر "، فيردوا إلي نسبهم من عبيد في موالي ثقيف. فأمر المهدي في آل بكرة وآل زياد أن يرد كل فريق منهم إلى نسبه، وكتب إلى محمد بن سليمان كتابًا، وأمره أن يقرأ في مسجد الجماعة على الناس، وأن يرد آل أبي بكرة إلى ولائهم من رسول الله ونسبهم إلى نفيع ابن مسروح، وأن يرد على من أقر منهم ما أمر برده عليهم من أموالهم بالبصرة مع نظرائهم، ممن أمر برد ماله عليه، وألا يرد على من أنكر منهم، وأن يجعل الممتحن منهم والمستبرئ لما عندهم الحكم بن سمرقند. فأنفذ محمد ما أتاه في آل أبي بكرة إلا في أناس منهم غيب عنهم.
    وأما آل زياد فإنه مما قوي رأي المهدي فيهم - فيما ذكر علي بن سليمان - أن أباه حدثه، قال: حضرت المهدي وهو ينظر في المظالم إذ قدم عليه رجل من آل زياد يقال له الصغدي بن سلم بن حرب، فقال له: من أنت؟ قال: ابن عمك، قال: أي ابن عمي أنت؟ فانتسب إلى زياد، فقال له المهدي: يا ابن سمية الزانية، متى كنت ابن عمي! وغضب وأمر به فوجئ في عنقه، وأخرج، قال: فلما خرجت لحقني عيسى بن موسى - أو موسى بن عيسى - فقال: أردت والله أن أبعث إليك، أن أمير المؤمنين التفت إلينا بعد خروجك، فقال: من عنده علم من آل زياد؟ فو الله ما كان عند أحد منا من ذاك شيء، فما عندك يا أبا عبد الله؟ فما زلت أحدثه في زياد وآل زياد حتى صرنا إلى منزله بباب المحول، فقال: أسألك بالله والرحم لما كتبت لي هذا كله حتى أروح به إلى أمير المؤمنين، وأخبره عنك. فانصرفت فكتبت، وبعثت به إليه. فراح إلى المهدي، فأخبره، فأمر المهدي بالكتاب إلى هارون الرشيد؛ وكان والي البصرة من قبله يأمره أن يكتب إلى واليها يأمر أن يخرج آل زياد من قريش وديوانهم والعرب، وأن يعرض ولد أبي بكرة على ولاء رسول الله ، فمن أقر منهم ترك ماله في يده، ومن انتمى إلى ثقيف اصطفى ماله. فعرضهم، فأقروا جميعًا الولاء، إلا ثلاثة نفر، فاصطفيت أموالهم.
    ثم إن آل زياد بعد ذلك رشوا صاحب الديوان حتى ردهم إلى ما كانوا عليه، فقال خالد النجار في ذلك:
    إن زيادًا ونافعًا وأبا ** بكرة عندي من أعجب العجب
    ذا قرشي كما يقول، وذا مولى، وهذا بزعمه عربي
    نسخة كتاب المهدي إلى والي البصرة في رد آل زياد إلى نسبهم
    بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد؛ فإن أحق ما حمل عليه ولاة المسلمين أنفسهم وخواصهم وعوامهم في أمورهم وأحكامهم، العمل بينهم بما في كتاب الله والاتباع لسنة رسول الله ص، والصبر على ذلك، والمواظبة عليه، والرضا به فيما وافقهم وخالفهم؛ للذي فيه من إقامة حدود الله ومعرفة حقوقه، واتباع مرضاته، وإحراز جزائه وحسن ثوابه، ولما في مخالفة ذلك والصدود عنه وغلبة الهوى لغيره من الضلال والخسار في الدنيا والآخرة.
    وقد كان من رأي معاوية بن أبي سفيان في استلحاقه زياد بن عبيد عبد آل علاج من ثقيف، وادعائه ما أباه بعد معاوية عامة المسلمين وكثير من منهم في زمانه، لعلمهم بزياد وأبي زياد وأمه من أهل الرضا والفضل والورع والعلم، ولم يدع معاوية إلى ذلك ورع ولا هدى، ولا اتباع سنة هادية، ولا قدوة من أئمة الحق ماضية، إلا الرغبة في هلاك دينه وآخرته، والتصميم على مخالفة الكتاب والسنة. والعجب بزياد في جلده ونفاذه، وما رجامن معونته وموازرته إياه على باطل ما كان يركن إليه في سيرته وأثاره وإعماله الخبيثة. وقد قال رسول الله ص: " الولد للفراش وللعاهر الحجر "، وقد قال: " من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه لا صرفًا ولا عدلا ".
    ولعمري ما ولد زياد في حجر أبي سفيان ولا على فراشه، ولا كان عبيد عبدًا لأبي سفيان، ولا سمية أمة له، ولا كانا في ملكه، ولا صارا إليه لسبب من الأسباب. ولقد قال معاوية فيما يعلمه أهل الحفظ للأحاديث عند كلام نصر بن الحجاج بن علاط السلمي ومن كان معه من موالي بني المغيرة المخزوميين وإرادتهم استلحاقه وإثبات دعوته، وقد أعد لهم معاوية حجرًا تحت بعض فرشه فألقاه إليهم، فقالوا له: نسوغ لك ما فعلت في زياد، ولا تسوغ لنا ما فعلنا في صاحبنا، فقال: قضاء رسول الله ص خير لكم من قضاء معاوية. فخالف معاوية بقضائه في زياد واستلحاقه إياه وما صنع فيه وأقدم عليه، أمر الله جل وعز وقضاء رسول الله ص واتبع في ذلك هواه رغبة عن الحق ومجانبة له، وقد قال الله عز وجل: " ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين "، وقال لداود ص وقد آتاه الحكم والنبوة والمال والخلافة: " يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض.. " الآية إلى آخرها.
    فأمير المؤمنين يسأل الله أن يعصم له نفسه ودينه، وأن يعيذه من غلبة الهوى، ويوفقه في جميع الأمور لما يحب ويرضى؛ إنه سميع قريب.
    وقد رأى أمير المؤمنين أن يرد زيادًا ومن كان من ولده إلى أمهم ونسبهم المعروف ويلحقهم بأبيهم عبيد؛ وأمهم سمية، ويتبع في ذلك قول رسول الله ص، وما أجمع عليه الصالحون وأئمة الهدى، ولا يجيز لمعاوية ما أقدم عليه مما يخالف كتاب الله وسنة رسوله ص، وكان أمير المؤمنين أحق من أخذ بذلك وعمل به؛ لقرابته من رسول الله ص واتباعه آثاره وإحيائه سنة، وإبطاله سنن غيره الزائغة الجائرة عن الحق والهدى، وقد قال الله جل وعز: " فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ".
    فاعلم أن ذلك من رأي أمير المؤمنين في زياد، وما كان من ولد زياد فألحقهم بأبيهم زياد بن عبيد، وأمهم سمية، واحملهم عليه، وأظهره لمن قبلك من المسلمين حتى يعرفوه ويستقيم فيهم؛ فإن أمير المؤمنين قد كتب إلى قاضي البصرة وصاحب ديوانهم بذلك. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
    وكتب معاوية بن عبيد الله في سنة تسع وخمسين ومائة.
    فلما وصل الكتاب إلى محمد بن سليمان وقع بإنقاذه، ثم كلم فيهم، فكف عنهم؛ وقد كان كتب إلى عبد الملك بن أيوب بن ظبيان النميري بمثل ما كتب به إلى محمد، فلم ينفذه لموضعه من قيس، وكراهته أن يخرج أحد من قومه إلى غيرهم.
    وفيها كانت وفاة عبيد الله بن صفوان الجمحي، وهو والٍ على المدينة، فولى مكانه محمد بن عبد الله الكثيري، فلم يلبث إلا يسيرًا حتى عزل وولى مكانه زفر بن عاصم الهلالي. وولى المهدي قضاء المدينة فيها عبد الله بن محمد بن عمران الطلحي.
    وفيها خرج عبد السلام الخارجي، فقتل.
    وفيها عزل بسطام بن عمرو بن السند، واستعمل عليها روح بن حاتم. وحج بالناس في هذه السنة المهدي، واستخلف على مدينته حين شخص عنها ابنه موسى، وخلف معه يزيد بن منصور خال المهدي وزيرًا له ومدبرًا لأمره.
    وشخص مع المهدي في هذه السنة ابنه هارون وجماعة من أهل بيته؛ وكان ممن شخص معه يعقوب بن داود، على منزلته التي كانت له عنده؛ فأتاه حين وافى مكة الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن الذي استأمن له يعقوب من المهدي على أمانه، فأحسن المهدي صلته وجائزته، وأقطعه مالًا من الصوافي بالحجاز وفيها نزع المهدي كسوة الكعبة التي كانت عليها، وكساها كسوة جديدة؛ وذلك أن حجبة الكعبة - فيما ذكر - رفعوا إليه أنهم يخافون على الكعبة تهدم لكثرة ما عليها من الكسوة، فأمر أن يكشف عنها ما عليها من الكسوة حتى بقيت مجردة، ثم طلي البيت كله بالخلوق، وذكر أنهم لما بلغوا إلى كسوة هشام وجدوها ديباجًا ثخينًا جيدًا، ووجدوا كسوة من كان قبله عامتها من متاع اليمن.

  • صفحة 3 من 11 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 80
      آخر مشاركة: 08-15-2010, 11:10 PM
    2. تاريخ الرسل والملوك(الجزء السادس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 72
      آخر مشاركة: 08-14-2010, 11:05 PM
    3. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الخامس)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 107
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 09:12 PM
    4. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الرابع)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 49
      آخر مشاركة: 08-05-2010, 05:26 PM
    5. تاريخ الرسل والملوك(الجزء الثاني)
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 130
      آخر مشاركة: 07-25-2010, 03:00 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1