ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ومائتين

وأولها يوم الاثنين للتاسع والعشرين من حزيران، ولخمس وتسعين ومائة وألف من عهد ذي القرنين.
ذكر الخبر عما كان فيه الأحداث الجليلة

فمن ذلك ما كان فيها من ورود الخبر في غرة صفر بدخول محمد وعلي ابني الحسين بن جعفر بن موسى بن محمد بن علي بن حسين المدينة وقتلهما جماعة من أهلها ومطالبتهما أهلها بمال، وأخذهما من قوم منهم مالًا.
وأن أهل المدينة لم يصلوا في مسجد رسول الله أربع جمع؛ لا جمعة ولا جماعة، فقال أبو العباس بن الفضل العلوي:
أخربت دار هجرة المصطفى الب ** ر فأبكى إخرابها المسلمينا
عين أبكى مقام جبريل والقب ** ر فبكى والمنبر الميمونا
وعلى المسجد الذي أسه التق ** وى خلاء أضحى من العابدينا
وعلى طيبة التي بارك الل ** ه عليها بخاتم المرسلينا
قبح الله معشرًا أخربوها ** وأطاعوا متبرًا ملعونا
وفيها أدخل على المعتمد من كان حضر بغداد من حاج خراسان، فأعلمهم أنه قد عزل عمرو بن الليث عما كان قلده، ولعنه بحضرتهم، وأخبرهم أنه قد قلد خراسان محمد بن طاهر؛ وكان ذلك لأربع بقين من شوال. وأمر أيضًا بلعن عمر بن اليث على المنابر، ولثمان بقين من شعبان من هذه السنة شخص صاعد بن مخلد من معسكر أبي أحمد بواسط إلى فارس لحرب عمرو بن الليث. ولعشر خلون من شهر رمضان منها عقد لأحمد بن محمد الطائي على المدينة وطريق مكة. وفيها كانت بين أبي العباس بن الموفق وبين خمارويه بن أحمد بن طولون وقعة بالطواحين، فهزم أبو العباس خمارويه، فركب خماروية حمارًا هاربًا منه إلى مصر، ووقع أصحاب أبي العباس في النهب.
ونزل أبو العباس مضرب خمارويه، ولا يرى أنه بقي له طالب، فخرج عليه كمين لخمارويه كان كمنه لهم خمارويه، وفيهم سعد الأعسر وجماعة من قواده وأصحابه، وأصحاب أبي العباس قد وضعوا السلاح ونزلوا.
فشد كمين خمارويه عليهم فانهزموا، وتفرق القوم، ومضى أبو العباس إلى طرسوس في نفر من أصحابه قليل، وذهب كل ما كان في العسكرين؛ عسكر أبي العباس وعسكر خمارويه من السلاح والكراع والأثاث والأموال، وانتهب ذلك كله؛ وكانت هذه الوقعة يوم السادس عشر من شوال من هذه السنة - فيما قيل.
وفيها وثب يوسف بن أبي الساج - وكان والي مكة - على غلام للطائي يقال له بدر، وخرج واليًا على الحاج فقيده، فحارب ابن أبي الساج جماعة من الجند، وأغاثهم الحاج، حتى استنقذوا غلام الطائي، وأسروا ابن أبي الساج، فقيد وحمل إلى مدينة السلام، وكانت الحرب بينهم على أبواب المسجد الحرام.
وفيها خربت العامة الدير العتيق الذي وراء نهر عيسى، وانتهبوا كل ما كان فيه من متاع، وقلعوا الأبواب والخشب وغير ذلك، وهدموا بعض حيطانه وسقوفه؛ فصار إليهم الحسين بن إسماعيل صاحب شرطة بغداد من قبل محمد بن طاهر، فمنعهم من هدم ما بقي منه؛ وكان يتردد إليه أيامًا هو والعامة؛ حتى يكاد يكون بين أصحاب السلطان وبينهم قتال، ثم بنى ما كانت العامة هدمته بعد أيام، وكانت إعادة بنائه - فيما ذكر - بقوة عبدون بن مخلد، أخي صاعد بن مخلد.
وحج بالناس في هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق بن عيسى بن موسى العباسي.
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين ومائتين

أولها يوم الجمعة للثامن عشر من حزيران، سنة ست وتسعين ومائة وألف لذي القرنين.
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمما كان فيها من ذلك إخراج أهل طرسوس أبا العباس بن الموفق من طرسوس؛ لخلاف كان وقع بينه وبين يازمان؛ فخرج عنها يريد بغداد للنصف من المحرم من هذه السنة.
وفيها توفي سليمان بن وهب في حبس الموفق يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة بقيت من صفر.
وفيها تجمعت العامة، فهدموا ما كان بني من البيعة يوم الخميس لثمان خلون من شهر ربيع الآخر.
وفيها حكم شار في طريق خراسان، وصار إلى دسكرة الملك، فقتل وانتهب.
وفيها ورد الخبر مدينة السلام بدخول حمدان بن حمدون وهارون الشاري مدينة الموصل، وصلى الشاري بهم في مسجد الجامع.
وفيها قدم أبو العباس بن الموفق منصرفًا من وقعته مع ابن طولون بالطواحين لتسع بقين من جمادى الآخرة.
وفيها نقب المطبق من داخله، وأخرج الذوائبي العلوي ونفسان معه، وكانوا قد أعدت لهم دواب توقف في كل ليلة ليخرجوا فيركبوها هاربين.
فنذر بهم، وغلقت أبواب مدينة أبي جعفر المنصور، فأخذ الذوائبي ومن خرج معه، وركب محمد بن طاهر، وكتب بالخبر إلى الموفق وهو مقيم بواسط، فأمر أن تقطع يد الذوائبي ورجله من خلاف، فقطع في مجلس الجسر بالجانب الغربي، ومحمد بن طاهر واقف على دابته، وكوى يوم الاثنين لثلاث خلون من جمادى الآخرة.
وفيها قدم صاعد بن مخلد من فارس، ودخل واسط في رجب، فأمر الموفق جميع القواد أن يستقبلوه، فاستقبلوه، وترجلوا له، وقبلوا كفه.
وفيها قبض الموفق على صاعد بن مخلد بواسط وعلى أسبابه، وانتهب منازلهم يوم الاثنين لتسع خلون من رجب، وقبض على ابنيه أبي عيسى وأبي صالح ببغداد، وعلى أخيه عبدون وأسبابه بسامرا، وذلك كله في يوم واحد، وهو اليوم الذي قبض فيه على صاعد، واستكتب الموفق إسماعيل بن بلبل، واقتصر به على الكتابة دون غيرها.
ووردت الأخبار فيها أن مصر زلزلت في جمادى الآخرة زلازل أخربت الدور والمسجد الجامع، وأنه أحصى في يوم واحد بها ألف جنازة.
وفيها غلا السعر ببغداد؛ وذلك أن أهل سامرا منعوا - فيما ذكر - سفن الدقيق من الانحدار إليها، ومنع الطائي أرباب الضياع من دياس الطعام وقسمه، يتربص بذلك غلاء الأسعار، فمنع أهل بغداد الزيت والصابون والتمر وغير ذلك من حمله إلى سامرا، وذلك في النصف من شهر رمضان.
وفيها ضجت العامة بسبب غلاء السعر، واجتمعت للوثوب بالطائي، فانصرفوا من مسجد الجامع للنصف من شوال إلى داره بين باب البصره وباب الكوفة، وجاءوه من ناحية الكرخ، فأصعد الطائي أصحابه على السطوح، فرموهم بالنشاب، وأقام رجاله على بابه وفي فناء داره بالسيوف والرماح، فقتل بعض العامة، وجرحت منهم جماعة، ولم يزالوا يقاتلونهم إلى الليل، فلما كان الليل انصرفوا، وباكروه من غد، فركب محمد بن طاهر، فسكن الناس وصرفهم عنه.
وفيها توفي إسماعيل بن بريه الهاشمي، يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوال منها.
ولثمان بقين منها توفي عبيد بن عبد الله الهاشمي.
وفيها كانت للزنج بواسط حركة، فصاحوا: أنكلاى، يا منصور! وكان أنكلاى والمهلبى وسليمان بن جامع والشعراني والهمداني وآخر معهم من قواد الزنج محتبسين في دار محمد بن عبد الله بن ظاهر بمدينة السلام في دار البطيخ، في يد غلام من غلمان الموفق، يقال له: فتح السعيدي، فكتب الموفق إلى فتح أن يوجه برءوس هؤلاء الستة، فدخل إليهم، فجعل يخرج الأول فالأول منهم، فذبحهم غلام له، وقلع رأس بالوعة في الدار، وطرحت أجسادهم فيها، وسد رأسها، ووجه رءوسهم إلى الموفق.
وفيها ورد كتاب الموفق على محمد بن طاهر في جثث هؤلاء الستة المقتولين، فأمره بصلبها بحضرة الجسر، فأخرجوا من البالوعة، وقد انتفخوا، وتغيرت روائحهم، وتقشر بعض جلودهم، فحملوا في المحامل: المحمل بين الرجلين؛ وصلب ثلاثة منهم في الجانب الشرقي، وثلاثة في الجانب الغربي، وذلك لسبع بقين من شوال من هذه السنة، وركب محمد بن طاهر حتى صلبوا بحضرته. وفيها صلح أمر رسول الله صلى الله علية وسلم، وعمرت، وتراجع الناس إليها.
وفيها غزا الصائفة يازمان.
وحج بالناس فيها هارون بن محمد بن إسحاق بين عيسى بن موسى الهاشمي.