صفحة 3 من 14 الأولىالأولى 1234513 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 9 إلى 12 من 56

الموضوع: إعجاز القرآن للقاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني


  1. #9
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array




    ومعنى سادس: وهو أن الذي ينقسم عليه الخطاب، من البسط والاقتصار، والجمع والتفريق، والاستعارة والتصريح، والتجوز والتحقيق، ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم - موجود في القرآن. وكل ذلك مما يتجاوز حدود كلامهم المعتاد بينهم، في الفصاحة والابداع والبلاغة. وقد ضمنا بيان ذلك [ من ] بعد، لأن الوجه ههنا ذكر المقدمات، دون البسط والتفصيل.





    ومعنى سابع، وهو أن المعاني التي تضمنها في أصل وضع الشريعة والاحكام، والاحتجاجات في أصل الدين، والرد على الملحدين، على تلك الألفاظ البديعة، وموافقة بعضها بعضا في اللطف والبراعة، مما يتعذر على البشر ويمتنع، وذلك أنه قد علم أن تخير الألفاظ للمعاني المتداولة المألوفة، والأسباب الدائرة بين الناس، أسهل وأقرب من تخير الألفاظ لمعان مبتكرة، وأسباب مؤسسة مستحدثة، فإذا برع اللفظ في المعنى البارع، كان ألطف وأعجب من أن يوجد اللفظ البارع في المعنى المتداول المتكرر، والأمر المتقرر المتصور، ثم انضاف إلى ذلك التصرف البديع في الوجوه التي تتضمن تأييد ما يبتدأ تأسيسه، ويراد تحقيقه - بان التفاضل في البراعة والفصاحة، ثم إذا وجدت الألفاظ وفق المعنى، والمعاني وفقها، لا يفضل أحدهما على الآخر - فالبراعة أظهر، والفصاحة أتم.





    ومعنى ثامن، وهو أن الكلام يتبين فضله ورجحان فصاحته، بأن تذكر منه الكلمة في تضاعيف كلام، أو تقذف ما بين شعر، فتأخذها الأسماع، وتتشوف إليها النفوس، ويرى وجه رونقها باديا غامرا سائر ما تقرن به، كالدرة التي ترى في سلك من خرز، وكالياقوتة في واسطة العقد.
    وأنت ترى الكلمة من القرآن يُتمثل بها في تضاعيف كلام كثير، وهي غرة جميعه، وواسطة عقده، والمنادى على نفسه بتميزه وتخصصه، برونقه وجماله، واعتراضه في حسنه ومائه، وهذا الفصل أيضا مما يحتاج فيه إلى تفصيل وشرح ونص، ليتحقق ما ادعيناه منه.
    ولولا هذه الوجوه التي بيناها، لم يتحير فيه أهل الفصاحة، ولكانوا يفزعون إلى التعمل للمقابلة، والتصنع للمعارضة، وكانوا ينظرون في أمرهم، ويراجعون أنفسهم، أو كان يراجع بعضهم بعضا في معارضته ويتوقفون لها.
    فلما لم نرهم اشتغلوا بذلك، علم أن أهل المعرفة منهم بالصنعة إنما عدلوا عن هذه الأمور، لعلمهم بعجزهم عنه، وقصور فصاحتهم دونه.
    ولا يمتنع أن يلتبس - على من لم يكن بارعا فيهم، ولا متقدما في الفصاحة منهم - هذا الحال، حتى لا يعلم إلا بعد نظر وتأمل، وحتى يعرف حال عجز غيره.
    إلا أنا رأينا صناديدهم وأعيانهم ووجوههم سلموا ولم يشتغلوا بذلك، تحققا بظهور العجز وتبينا له.
    وأما قوله تعالى حكاية عنهم: { لو نشاء لقلنا مثل هذا } فقد يمكن أن يكونوا كاذبين فيما أخبروا به عن أنفسهم، [ وقد يمكن أن يكون قاله منهم أهل الضعف في هذه الصناعة دون المتقدمين فيها ]، وقد يمكن أن يكون هذا الكلام إنما خرج منهم، وهو يدل على عجزهم. ولذلك أورده الله مورد تقريعهم، لأنه لو كانوا على ما وصفوا به أنفسهم لكانوا يتجاوزون الوعد إلى الإنجاز، والضمان إلى الوفاء، فلما لم يفعلوا ذلك - مع استمرار التحدي وتطاول زمان الفسحة في إقامة الحجة عليهم بعجزهم عنه - عُلم عجزهم، إذ لو كانوا قادرين على ذلك لم يقتصروا على الدعوى فقط.
    ومعلوم من حالهم وحميتهم أن الواحد منهم يقول في الحشرات والهوام والحيات، وفى وصف الأزمّة والأنساع، والأمور التي لا يؤبه لها ولا يحتاج إليها، ويتنافسون في ذلك أشد التنافس، ويتبجحون به أشد التبجح، فكيف يجوز أن تمكنهم معارضته في هذه المعاني الفسيحة، والعبارات الفصيحة، مع تضمن المعارضة لتكذيبه، والذب عن أديانهم القديمة، وإخراجهم أنفسهم من تسفيهه رأيهم، وتضليله إياهم. والتخلص من منازعته، ثم من محاربته ومقارعته. ثم لا يفعلون شيئا من ذلك، وإنما يحيلون أنفسهم على التعاليل، ويعللونها بالاباطيل. [ هذا محال ].





    ومعنى تاسع، وهو: أن الحروف التي بنى عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفا. وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون سورة. وجملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة، وهو أربعة عشر حرفا؛ ليدل بالمذكور على غيره، وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التي ينظمون بها كلامهم.
    والذي تنقسم إليه هذه الحروف على ما قسمه أهل العربية وبنوا عليها وجوهها أقسام، نحن ذاكروها:
    فمن ذلك أنهم قسموها إلى حروف مهموسة وأخرى مجهورة.
    فالمهموسة منها عشرة، وهي: الحاء، والهاء، والخاء، والكاف، والشين، والثاء، والفاء، والتاء، والصاد، والسين.
    وما سوى ذلك من الحروف فهي مهجورة.
    وقد عرفنا أن نصف الحروف المهموسة مذكورة في جملة الحروف المذكورة في أوائل السور.
    وكذلك نصف الحروف المجهورة على السواء، لا زيادة ولا نقصان.
    والمجهور معناه: أنه حرف أشبع الاعتماد في موضعه، ومنع أن يجرى معه [ النفس ] حتى ينقضي الاعتماد، ويجري الصوت.
    والمهموس كل حرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى معه النفس.
    وذلك مما يحتاج إلى معرفته لتبنى عليه أصول العربية.
    وكذلك مما يقسمون إليه الحروف، يقولون: إنها على ضربين: أحدهما حروف الحلق، وهي ستة أحرف: العين، والحاء، والهمزة، والهاء، والخاء، والغين.
    والنصف [ الآخر ] من هذه الحروف مذكور في جملة الحروف التي تشتمل عليها الحروف المثبتة في أوائل السور، وكذلك النصف من الحروف التي ليست بحروف الحلق.
    وكذلك تنقسم هذه الحروف إلى قسمين آخرين: أحدهما حروف غير شديدة، وإلى الحروف الشديدة، وهي التي تمنع الصوت أن يجرى فيه، وهي الهمزة، والقاف، والكاف، والجيم، والظاء، والذال، والطاء، والباء.
    وقد علمنا أن نصف هذه الحروف أيضا هي مذكورة في جملة تلك الحروف التي بنى عليها تلك السور.
    ومن ذلك الحروف المطبقة، وهي أربعة أحرف، وما سواها منفتحة. فالمطبقة: الطاء، والظاء، والصاد، والضاد.
    وقد علمنا أن نصف هذه [ الحروف ] في جملة الحروف المبدوء بها في أوائل السور.
    وإذا كان القوم - الذين قسموا في الحروف هذه الاقسام لأغراض لهم في ترتيب العربية وتنزيلها بعد الزمان الطويل من عهد النبي - رأوا مباني اللسان على هذه الجهة، وقد نبه بما ذكر في أوائل السور على ما لم يذكر، على حد التنصيف الذي وصفنا - دل على أن وقوعها الموقع الذي يقع التواضع عليه بعد العهد الطويل لا يجوز أن يقع إلا من الله عز وجل، لأن ذلك يجرى مجرى علم الغيوب.
    وإن كان إنما تنبهوا على ما بني عليه اللسان في أصله، ولم يكن لهم في التقسيم شئ، وإنما التأثير لمن وضع أصل اللسان، فذلك أيضا من البديع الذي يدل على أن أصل وضعه وقع موقع الحكمة التي يقصر عنها اللسان.
    فإن كان أصل اللغة توقيفا فالأمر في ذلك أبين. وإن كان على سبيل التواضع فهو عجيب أيضا، لأنه لا يصح أن تجتمع هممهم المختلفة على نحو هذا إلا بأمر من عند الله تعالى. وكل ذلك يوجب إثبات الحكمة في ذكر هذه الحروف على حد يتعلق به الإعجاز من وجه.
    وقد يمكن أن تعاد فاتحة كل سورة لفائدة تخصها في النظم، إذا كانت حروفا، كنحو { الم } لأن الالف المبدوء بها هي أقصاها مطلعا، واللام متوسطة، والميم متطرفة، لأنها تأخذ في الشفة.
    فنبه بذكرها على غيرها من الحروف، وبين أنه إنما أتاهم بكلام منظوم مما يتعارفون من الحروف التي تتردد بين هذين الطرفين.
    ويشبه أن يكون التنصيف وقع في هذه الحروف دون الالف، لأن الالف قد تلغى، وقد تقع الهمزة وهي موقعا واحدا.




  • #10
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    ومعنى عاشر، وهو أنه سهل سبيله، فهو خارج عن الوحشي المستكره، والغريب المستنكر، وعن الصنعة المتكلفة. وجعله قريبا إلى الأفهام، يبادر معناه لفظه إلى القلب، ويسابق المغزى منه عبارتَه إلى النفس. وهو مع ذلك ممتنع المطلب، عسير المتناول، غير مطمع مع قربه في نفسه، ولا موهم مع دنوه في موقعه أن يقدر عليه أو يظفر به. فأما الانحطاط عن هذه الرتبة إلى رتبة الكلام المبتذل، والقول المسفسف، فليس يصح أن تقع فيه فصاحة أو بلاغة، فيطلب فيه الممتنع أو يوضع فيه الإعجاز.
    ولكن لو وضع في وحشي مستكره، أو غمر بوجوه الصنعة، وأطبق بأبواب التعسف والتكلف - لكان لقائل أن يقول فيه ويعتذر، أو يعيب ويقرع.
    ولكنه أوضح مناره، وقرب منهاجه، وسهل سبيله، وجعله في ذلك متشابها متماثلا، وبين مع ذلك إعجازهم فيه.
    وقد علمت أن كلام فصحائهم، وشعر بلغائهم لا ينفك من تصرف في غريب مستنكر، أو وحشي مستكره، ومعان مستبعدة. ثم عدولهم إلى كلام مبتذل وضيع لا يوجد دونه في الرتبة، ثم تحولهم إلى كلام معتدل بين الأمرين، متصرف بين المنزلتين.
    فمن شاء أن يتحقق هذا نظر في قصيدة امرئ القيس: * قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *
    ونحن نذكر بعد هذا على التفصيل ما تتصرف إليه هذه القصيدة ونظائرها ومنزلتها من البلاغة، ونذكر وجه فوت نظم القرآن محلها، على وجه يؤخذ باليد، ويتناول من كثب، ويتصور في النفس كتصور الاشكال، ليتبين ما ادعيناه من الفصاحة العجيبة للقرآن.
    واعلم أن من قال من أصحابنا إن الاحكام معللة بعلل موافقة لمقتضى العقل جعل هذا وجها من وجوه الإعجاز، وجعل هذه الطريقة دلالة فيه، كنحو ما يعللون به الصلاة، ومعظم الفروض وأصولها. ولهم في كثير من تلك العلل طرق قريبة، ووجوه تستحسن.
    وأصحابنا من أهل خراسان يولعون بذلك، ولكن الأصل الذي يبنون عليه عندنا غير مستقيم. وفى ذلك كلام يأتي في كتابنا في الأصول.
    وقد يمكن في تفاصيل ما أوردنا من المعاني الزيادة والإفراد، فإنا جمعنا بين أمور وذكرنا المزية المتعلقة بها، وكل واحد من تلك الأمور مما قد يمكن اعتماده في إظهار الإعجاز فيه.
    فإن قيل: فهل تزعمون أنه معجز، لأنه حكاية لكلام القديم سبحانه، أو لأنه عبارة عنه، أو لأنه قديم في نفسه؟
    قيل: لسنا نقول بأن الحروف قديمة، فكيف يصح التركيب على الفاسد؟ ولا نقول أيضا: إن وجه الإعجاز في نظم القرآن [ من أجل ] أنه حكاية عن كلام الله، لأنه لو كان كذلك لكانت التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله عز وجل معجزات في النظم والتأليف. وقد بينا أن إعجازها في غير ذلك. وكذلك كان يجب أن تكون كل كلمة مفردة معجزة بنفسها ومنفردها، وقد ثبت خلاف ذلك.
    فصل في شرح ما بينا من وجوه إعجاز القرآن

    فأما الفصل الذي بدأنا بذكره من الإخبار عن الغيوب والصدق والإصابة في ذلك كله، فهو كقوله تعالى: { قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون } فأغزاهم أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، إلى قتال العرب والفرس والروم.
    وكقوله: { الم. غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين }. وراهن أبو بكر الصديق رضي الله عنه في ذلك، وصدق الله وعده.
    وكقوله في قصة أهل بدر: [ { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } وكقوله ]: { سيهزم الجمع ويولون الدبر }
    وكقوله: { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءؤسكم ومقصرين لا تخافون }.
    وكقوله: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا }. وصدق الله تعالى وعده في ذلك كله.
    وقال في قصة المخلفين عنه في غزوته: { لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا }. فحق ذلك كله وصدق، ولم يخرج من المنافقين الذين خوطبوا بذلك معه أحد.
    وكقوله: { ليظهره على الدين كله }.
    وكقوله: { فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين }. فامتنعوا من المباهلة، ولو أجابوا إليها اضطرمت عليهم الأودية نارا، على ما ذكر في الخبر.
    وكقوله: { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم } ولو تمنوه لوقع بهم. فهذا وما أشبهه فصل.





    وأما الوجه الثاني الذي ذكرناه، من إخباره من قصص الأولين وسير المتقدمين، فمن العجيب الممتنع على من لم يقف على الأخبار ولم يشتغل بدرس الآثار. [18] وقد حكى في القرآن تلك الأمور حكاية من شهدها وحضرها.
    ولذلك قال الله تعالى: { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذًا لارتاب المبطلون }.
    وقال: { وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين }.
    وقال: { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك }. فبين وجه دلالته من إخباره بهذه الأمور الغائبة السالفة.
    وقال: { تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين }.





    فأما الكلام في الوجه الثالث، وهو الذي بيناه من الإعجاز الواقع في النظم والتأليف والرصف، فقد ذكرنا من هذا الوجه وجوها:
    منها: أنا قلنا إنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم، ومباين لأساليب خطابهم.
    ومن ادعى ذلك لم يكن له بد من أن يصحح أنه ليس من قبيل الشعر ولا السجع ولا الكلام الموزون غير المقفى، لأن قوما من كفار قريش ادعوا أنه شعر.
    ومن الملحدة من يزعم أن فيه شعرا.
    ومن أهل الملة من يقول: إنه كلام مسجع، إلا أنه أفصح مما قد اعتادوه من أسجاعهم.
    ومنهم من يدعي أنه كلام موزون.
    فلا يخرج بذلك عن أصناف ما يتعارفونه من الخطاب.


  • #11
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    فصل في نفي الشعر من القرآن

    قد علمنا أن الله تعالى نفى الشعر عن القرآن وعن النبي ، فقال: { وما علمناه الشعر وما ينبغى له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين }. وقال في ذم الشعراء: { والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون } إلى آخر ما وصفهم به في هذه الآيات. وقال: { وما هو بقول شاعر }.
    وهذا يدل على أن ما حكاه عن الكفار - من قولهم: إنه شاعر، وإن هذا شعر - لابد من أن يكون محمولا على أنهم نسبوه [ إلى أنه يشعر بما لا يشعر به غيره من الصنعة اللطيفة في نظم الكلام، لا أنهم نسبوه ] في القرآن إلى أن الذي أتاهم به هو من قبيل الشعر الذي يتعارفونه على الأعاريض المحصورة المألوفة.
    أو يكون محمولا على ما كان يطلق الفلاسفة على حكمائهم وأهل الفطنة منهم في وصفهم إياهم بالشعر، لدقة نظرهم في وجوه الكلام وطرق لهم في المنطق. وإن كان ذلك الباب خارجا عما هو عند العرب شعر على الحقيقة.
    أو يكون محمولا على أنه أطلقه بعض الضعفاء منهم في معرفة أوزان الشعر. وهذا أبعد الاحتمالات.
    فإن حمل على الوجهين الأولين كان ما أطلقوه صحيحا، وذلك أن الشاعر يفطن لما لا يفطن له غيره، وإذا قدر على صنعة الشعر كان على ما دونه - في رأيهم وعندهم - أقدر، فنسبوه إلى ذلك لهذا السبب.
    فإن زعم زاعم أنه قد وجد في القرآن شعرا كثيرا، فمن ذلك ما يزعمون أنه بيت تام أو أبيات تامة، ومنه ما يزعمون أنه مصراع، كقول القائل: قد قلت لما حاولوا سلوتي * { هيهات هيهات لما توعدون } ومما يزعمون أنه بيت قوله:، { وجفان كالجواب وقدور راسيات } قالوا: هو من الرمل، من البحر الذي قيل فيه:
    ساكن الريح نطوف الـ * مزن منحل العزالي [19]
    وقوله: { من تزكى فإنما يتزكى لنفسه }. كقول الشاعر من بحر الخفيف:
    كل يوم بشمسه * وغد مثل أمسه
    وكقوله عز وجل: { ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب } قالوا: هو من المتقارب.
    وكقوله: { ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا }. ويشبعون حركة الميم، فيزعمون أنه من الرَّجَز.
    وذكر عن أبي نواس أنه ضمن ذلك شعرا، وهو قوله:
    وفتية في مجلس وجوههم * ريحانهم قد عدموا التثقيلا
    { دانية عليهم ظلالها * وذللت قطوفها تذليلا }
    وقوله عز وجل: { ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين }. زعموا أنه من الوافر، كقول الشاعر:
    لنا غنم نسوقها غزار * كأن قرون جلتها عصى [20]
    وكقوله عز وجل: { أرأيت الذي يكذب بالدين. فذلك الذي يدع اليتيم } ضمنه أبو نواس في شعره ففصل وقال: "فذاك الذي "، وشعره:
    وقرا معلنا ليصدع قلبي * والهوى يصدع الفؤاد السقيما
    أرأيت الذي يكذب بالديـ * - ن فذاك الذي يدع اليتيما
    وهذا من الخفيف. كقول الشاعر:
    وفؤادي كعهده بسليمى * بهوًى لم يحُل ولم يتغير
    وكما ضمنه في شعره من قوله:
    سبحان ( من ) سخر هذا لنا * ( حقا ) وما كنا له مقرنين
    فزاد فيه حتى انتظم له الشعر.
    وكما يقولونه في قوله عز وجل: { والعاديات ضبحا، فالموريات قدحا } ونحو ذلك من القرآن كثير، كقوله: { والذاريات ذروا. فالحاملات وقرا. فالجاريات يسرا }. وهو عندهم شعر من بحر البسيط.
    والجواب عن هذه الدعوى التي ادعوها من وجوه:


  • #12
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 483
    Array

    أولها: أن الفصحاء منهم حين أورد عليهم القرآن، لو كانوا يعتقدونه شعرا، ولم يروه خارجا عن أساليب كلامهم - لبادروا إلى معارضته، لأن الشعر مسخر لهم مسهل عليهم، ولهم فيه ما علمت من التصرف العجيب والاقتدار اللطيف. فلما لم نرهم اشتغلوا بذلك ولا عولوا عليه، عُلم أنهم لم يعتقدوا فيه شيئا مما يقدره الضعفاء في الصنعة، والمرمدون في هذا الشأن. وإن استدراك من يجئ الآن على فصحاء قريش وشعراء العرب قاطبة في ذلك الزمان وبلغائهم وخطبائهم، وزعمه أنه قد ظفر بشعر في القرآن [ وقد ] ذهب أولئك النفر عنه وخفي عليهم مع شدة حاجتهم [ عندهم ] إلى الطعن في القرآن والغض منه والتوصل إلى تكذيبه بكل ما قدروا عليه - فلن يجوز أن يخفى على أولئك وأن يجهلوه، ويعرفه من جاء الآن، وهو بالجهل حقيق.
    إذا كان كذلك، علم أن الذي أجاب به العلماء عن هذا السؤال سديد، وهو أنهم قالوا: إن البيت الواحد وما كان على وزنه لا يكون شعرا، وأقل الشعر بيتان فصاعدا. وإلى ذلك ذهب أكثر أهل صناعة العربية من أهل الإسلام.
    وقالوا أيضا: إن ما كان على وزن بيتين، إلا أنه يختلف وزنهما أو قافيتهما، فليس بشعر.
    ثم منهم من قال: إن الرجز ليس بشعر أصلا، لا سيما إذا كان مشطورا أو منهوكا. وكذلك ما كان يقاربه في قلة الاجزاء. وعلى هذا يسقط السؤال.
    ثم يقولون: إن الشعر إنما يطلق، متى قصد القاصد إليه - على الطريق الذي يعتمد ويسلك، ولا يصح أن يتفق مثله إلا من الشعراء، دون ما يستوي فيه العامي والجاهل، والعالم بالشعر واللسان وتصرفه وما يتفق من كل واحد، فليس يكتسب اسم الشعر ولا صاحبه اسم شاعر، لأنه لو صح أن يسمى كل من اعترض في كلامه ألفاظ تتزن بوزن الشعر، أو تنتظم انتظام بعض الأعاريض، كان الناس كلهم شعراء، لأن كل متكلم لا ينفك من أن يعرض في جملة كلام كثير يقوله ما قد يتزن بوزن الشعر وينتظم انتظامه.
    ألا ترى أن العامي قد يقول لصاحبه: "أغلق الباب وائتني بالطعام". ويقول الرجل لأصحابه "أكرموا من لقيتم من تميم". ومتى تتبع الإنسان هذا [ النحو ] عرف أنه يكثر في تضاعيف الكلام مثله وأكثر منه. [21]
    وهذا القدر الذي يصح فيه التوارد ليس يعده أهل الصناعة سرقة، إذا لم تعلم فيه حقيقة الأخذ. كقول امرئ القيس:
    وقوفا بها صحبي على مطيهم * يقولون لا تهلك أسًى وتجمل
    وكقول طرفة:
    وقوفا بها صحبي على مطيهم * يقولون لا تهلك أسًى وتجلد
    ومثل هذا كثير.
    فإذا صح مثل ذلك في بعض البيت ولم يمتنع التوارد فيه، فكذلك لا يمتنع وقوعه في الكلام المنثور اتفاقا غير مقصود إليه، فإذا اتفق لم يكن ذلك شعرا.
    وكذلك يمتنع التوارد على بيتين، وكذلك يمتنع في الكلام المنثور وقوع البيتين ونحوهما.
    فثبت بهذا أن ما وقع هذا الموقع لم يعد شعرا، وإنما يعد شعرا ما إذا قصده صاحبه تأتي له ولم يمتنع عليه.
    فإذا كان هو مع قصده لا يتأتي له، وإنما يعرض في كلامه عن غير قصد إليه - لم يصح أن يقال إنه شعر، ولا إن صاحبه شاعر، ولا يصح أن يقال إن هذا يوجب أن مثل هذا لو اتفق من شاعر فيجب أن يكون شعرا، لأنه لو قصده لكان يتأتي له.
    وإنما لم يصح ذلك، لأن ما ليس بشعر فلا يجوز أن يكون شعرا من أحد، وما كان شعرا من أحد من الناس كان شعرا من كل أحد.
    ألا ترى أن السوقي قد يقول: "اسقني الماء يا غلام سريعا"، وقد يتفق ذلك من الساهي ومن لا يقصد النظم.
    فأما الشعر إذا بلغ الحد الذي بينا، فلا يصح أن يقع إلا من قاصد إليه.
    وأما الرجز فإنه يعرض في كلام العوام كثيرا، فإذا كان بيتا واحدا فليس ذلك بشعر.
    وقد قيل: إن أقل ما يكون منه شعرا أربعة أبيات بعد أن تتفق قوافيها، ولم يتفق ذلك في القرآن بحال. فأما دون أربعة أبيات منه أو ما يجرى مجراه في قلة الكلمات، فليس بشعر.
    وما اتفق في ذلك من القرآن مختلف الرَّوِيّ، ويقولون: إنه متى اختلف الروي خرج عن أن يكون شعرا.
    وهذه الطرق التي سلكوها في الجواب معتمدة أو أكثرها.
    ولو كان ذلك شعرا لكانت النفوس تتشوف إلى معارضته، لأن طريق الشعر غير مستصعب على أهل الزمان الواحد، وأهله يتقاربون فيه، أو يضربون فيه بسهم.





    فإن قيل: في القرآن كلام موزون كوزن الشعر، وإن كان غير مقفًّى، بل هو مُزاوج متساوي الضروب، وذلك أحد أقسام كلام العرب.
    قيل: من سبيل الموزون من الكلام أن تتساوى أجزاؤه في الطول والقصر والسواكن والحركات. فإن خرج عن ذلك لم يكن موزونا، كقوله:
    رب أخ كنت به مغتبطا * أشد كفى بعرا صحبته
    تمسكا مني بالود ولا * أحسبه يزهد في ذي أمل
    تمسكا مني بالود ولا * أحسبه يغير العهد ولا
    يحول عنه أبدا * فخاب فيه أملي
    وقد علمنا أن القرآن ليس من هذا القبيل، بل هذا قبيل غير ممدوح ولا مقصود من جملة الفصيح، وربما كان عندهم مستنكرا، بل أكثره على ذلك.
    وكذلك ليس في القرآن من الموزون الذي وصفناه أولا وهو الذي شرطنا فيه التعادل والتساوي في الأجزاء، غير الاختلاف الواقع في التقفية. ويبين ذلك أن القرآن خارج عن الوزن الذي بينا، وتتم فائدته بالخروج منه. وأما الكلام الموزون فإن فائدته تتم بوزنه.

  • صفحة 3 من 14 الأولىالأولى 1234513 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. فرصة ذهبية ختم القرآن باسبوع ( شهر القرآن)
      بواسطة دمعة فرح في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 10
      آخر مشاركة: 08-09-2010, 06:54 PM
    2. الطيب تيزيني
      بواسطة ميادة كامل في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 4
      آخر مشاركة: 04-27-2010, 08:49 PM
    3. إعجاز رباني يثبت لنا أن حتى شكل الفاكهة والخضروات ما خلق عبثاً
      بواسطة SHARIEF FATTOUH في المنتدى ملتقى الحـــوار العام للمغتربين السوريينDialogue Discussion Forum
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 04-05-2010, 03:51 AM
    4. إعجاز القرآن الكريم في مدة الرضاعة ونوعيتها
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 2
      آخر مشاركة: 03-27-2010, 01:27 AM
    5. جوزة الطيب.. فوائدها واستعمالاتها
      بواسطة Dr.Ibrahim في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 03-05-2010, 09:37 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1