(ماف زاهير دان باتين).. بهذه الكلمات، التي تعني بالعربية (اغفر لي أخطائي)، يستقبل مسلمو ماليزيا عيد الفطر.. يقولونها كلما التقى أحدهم بأخيه يوم العيد، في إشارة إلى أنه يوم غفران الذنوب، ونشر روح التسامح.
وتختلف مظاهر الاحتفال بعيد الفطر باختلاف العادات والتقاليد التي تتميز بها كل بلد عن الآخر؛ ففي ماليزيا يُعتَبر الاحتفال بعيد الفطر "عرضاً نابضاً بالحياة، وغنياً بالتقاليد الماليزية في الملبس والمطعم، يتسم بالحفاوة البالغة التي تمتاز بها البيوت الماليزية في هذا اليوم.. إنه كرم قلما تخطئه عين، أو يفتقده ضيف".
ويجتمع ملايين المسلمين في العاصمة "كوالا لامبور" صباح عيد الفطر في المساجد لأداء صلاة العيد، ولسماع الخطبة، وهم يلبسون ملابسهم التقليدية المتميزة التي تتباهى بألوانها الزاهية، وأغطية الرأس التي تشتهر بها تلك الدولة الواقعة في آسيا، والمطلة على المحيط الهندي والمجاورة لتايلاند شمالاً، وإندونيسيا وسنغافورة جنوباً.
وعلى غير عادة المسلمين في آسيا وأفريقيا، لا يمارس مسلمو ماليزيا عادة "المعانقة" كلما التقوا، بل يكتفون بالمصافحة بشكل يمتلئ بالوقار والرزانة، وتتلامس صدورهم في إشارة إلى الاحترام والحب المتبادل. ومن الشائع في ماليزيا أن تشارك النساء في "صلاة العيد"، وهن يرتدين الملابس البيضاء المحتشمة، أو رداء الصلاة الذي يغطي كامل الجسد ولا يظهر منه غير الوجه.
يأتي ذلك بعد 30 يوماً من الصيام كانت مليئة بالاحتفاء بالقرآن الكريم، حيث تقيم ماليزيا مسابقات ضخمة لحفظه، على مستوى الولايات الثلاث عشرة التي تتشكل منها البلاد. وتقام في كل دائرة مسابقة عالمية لحفظ القرآن الكريم، يشترك فيها أربعون دولة إسلامية، هذه المسابقة تقام منذ أكثر من ثلاثين عاماً مضت.
المنزل المفتوح
وفي يوم العيد ينظم المسلمون في ماليزيا تقليدا يشيع في بعض البلدان العربية ، وهو ما يسمونه بـ"البيت المفتوح"، وهي عادة محلية يتم خلالها فتح أبواب المنازل لاستقبال الجيران والأصدقاء والأقارب، وقد ينضم كذلك المسلمون الصينيون والهنود وحتى الغرباء إلى ذلك "البيت المفتوح" لتناول وجبة شهية، والاستمتاع بالمعجنات المنزلية، والأطعمة المحلية.
وحول أهمية هذه العادات في نشر روح الفرحة بين المسلمين في العيد يقول أحد مسلمي ماليزيا ويدعى "مختار على": "بدون روح الألفة والصداقة التي تكون حين يجتمع المسلمون للاحتفال بالعيد، والتي تُحَاط بالطعام الشهي والملابس الزاهية، يكون العيد خاويًا".
وقد قرر "على" - وهو عضو في أحد المنظمات الأهلية غير الحكومية - أن يحضر "للمنزل المفتوح" ليستضيف عددا من المسلمين الهنود، والأقارب الماليزيين، وسوف يقدم الطعام الشهي للمسلمين وغير المسلمين احتفالاً بهذا اليوم".
ويضيف: "إنها روح العيد في ماليزيا، والتي تتميز بأنها بلد متعددة الثقافات، فنحن نظهر صداقتنا للجميع، وندعوهم لزيارة منازلنا ومشاركتنا الطعام والشراب".
تلك العادة الرائعة التي تظهر كرم هذا الشعب، يسهم فيها الاقتصاد القوي التي تتمتع به ماليزيا، وهي الدولة الإسلامية الأولى التي هربت من وصمة "الدول النامية"، وأصبحت تنافس غيرها في نادي "الدول المتقدمة".
طعام وصلة رحم
ومن أشهر أطعمة العيد في ماليزيا الـ ( كيتوبات)، الذي يُصنَع من الأرز الذي يُطهى في أوراق "البامبو"، ويُلف على شكل ماسة. كذلك يوجد الـ ( ليمانج)، ويتكون من الأرز المخلوط بحليب جوز الهند، والمطهو في الخيزران، والـ ( ريندانج)، المصنوع من لحم البقر المخلوط بوصفات خاصة يتميز بها الماليزيون.
وهكذا يجد الأطفال والشباب فرصاً عديدة لتناول الطعام في مختلف المنازل التي يزورونها في بلدانهم، ويكون منزل الوالدين على رأس أولويات البيوت التي يقرر الماليزيون زيارتها في أول أيام العيد، وهي إشارة إلى الوفاء، فزيارة الوالدين أولا ثم باقي الأصدقاء والأقارب. يقول " قمر الزمان"، والذي يعمل مدرسًا في إحدى المدارس الابتدائية في العاصمة الماليزية كوالا لامبور: "أكثر من 30 شخصًا، من بينهم الأطفال، سيكونون في منزل والدي يوم العيد".
ويستقبل "قمر الزمان" العيد بشراء ملابس جديدة لأولاده الأربعة، وطلاء منزلة، وابتياع ستائر جديدة بعد إلحاح شديد من زوجته. ويعطي أولاده ( دويت رايا ) والتي تعني بالعربية "هدية العيد، أو العيدية" وهم بدورهم يخططون لكيفية صرفها، مع الأموال الأخرى التي يتلقونها من الأجداد والأعمام ، لكن بحذر حتى تكفيهم كل أيام العيد. وتنتشر " سُرُج الزيت" التي تضاء فوق البيوت ليلة العيد في أنحاء ريفية كثيرة من ماليزيا، وتكون تلك الأنوار مصحوبة بالتكبيرات التي تجوب أنحاء البلاد