(ردا على «خدري الشاي خدريه»)
كتب الدكتور ساجد العبدلي مقالا ظريفا في «الجريدة» بعنوان «خدري الشاي خدريه» عن مشروبه المفضل، الشاي، معددا فوائده ساردا مناقبه مادحا ألوانه شاكرا فضله، ذاما مستهزئا ساخرا من القهوة. وعلى غرار تلك المعارك الكلامية التي يقوم بها بعض الكتاب في الصحف المختلفة بعضهم ضد بعض، ارتأيت ان من واجبي ان اشنها حربا، واكتب ردا حازما لازما على مقال الدكتور دفاعا عن محبوبتي «القهوة»، التي غنت لها سميرة توفيق «يلا صبوا هالقهوة»، وبغمزة من عينها الكحيلة دفعت اكبر محبي الشاي إلى استبداله بالقهوة.
يختلف الناس في نوع القهوة التي يفضلونها، فالبعض معتاد على القهوة العربية والآخر على التركية، ناس يفضلونها أميركية، وآخرون يحبونها ايطالية أو فرنسية، البعض يحب القهوة حلوة، وبعضهم يحبها مرة، منهم من يحبها سمراء وآخر يحبها شقراء (مازلنا نتكلم عن القهوة هنا). لكن من المؤكد ان جميعهم يعشقون مذاق فنجان قهوة الصباح الساخنة المتصاعد بخارها المنتشر عبيرها، فالقهوة مفتاح النهار كما سماها محمود درويش. وقهوة الصباح مختلفة عن قهوة المساء، كما ان قهوة الفرح غير قهوة العزاء، وقهوة اهلا وسهلا غير قهوة مع السلامة. بيد ان اخطر انواع القهوة هو القهوة التي كتب عنها مريد البرغوثي: «ان قال لك زائر الفجر وهو ينتزعك ويقتادك بلطف رسمي وابتسامة مسلحة، (نريدك على فنجان قهوة عندنا)، فهذا احد انواع الخطف.. فالغبي هو من يطمئن لقهوة الحكومة»..!
وللقهوة فوائد كثيرة بخلاف اهميتها في تنشيط المخ وتحسين المعنويات و «ترويق» الاعصاب، كمحاربة بعض الامراض، ومكافحة الشيخوخة والخرف وداء الباركينسون. لكن اهم ما في القهوة هو التوقيت، فللقهوة توقيت مهم، ويجب توافرها حال احتياج الجسم لها (البعض يسمي هذا ادمانا). ومع اني احب ان اعمل كل شيء بنفسي، غير انه عندما يحين موعد قهوتي.. احب ان تقدم لي في فنجان جميل مع كأس من الماء فيها قليل من «ماء الزهر» ووردة في مزهرية صغيرة ان امكن. وللقهوة طقوس ويلزمها رفيق، فليس من المحبب شرب القهوة لوحدك وانت منعزل، ابحث عن صديق لتشربها معه، وان لم تجد فارفع سماعة التلفون واتصل بأحدهم وارتشف قهوتك وانت تحادثه.. فالصحبة كالهيل تعطي للقهوة مذاقا خاصا.
وللامتناع عن القهوة آثار جانبية مزعجة.. لن اعددها (منعا من شماتة البعض) وسأكتفي بسرد قصة (والشاطر يفهم): في يوم من ايام رمضان الطويلة والحارة توجهت لشراء القهوة. كان الصوم قد هد حيلي وجفف ريقي.. دخلت المحل، واذ برائحة القهوة تقتحمني وتكسر آخر دفاعاتي. وجدت نفسي وقد استنفرت حواسي واعصابي، وكدت أتعارك مع الموظفين والعاملين، وحتى مع هواء المحل من دون اي سبب، وعندما استرددت ما تبقي لي من اعصاب، تداركت نفسي واعتذرت للموظفين الذين كانوا متفهمين جدا لحال الجنون المؤقت التي انتابتني بعيدا عن فنجاني الحبيب، فابتسموا لي طالبين مني في المرة القادمة الحضور الى محلهم بعد الفطور..!
***
نكشة: في خضم بحثي عن مثالب القهوة، وأنا اكتب هذا المقال، وارتشف فنجاني الثاني من مشروبي المفضل، وجدت هذه المعلومة عند العم «غوغل»: دراسة علمية اظهرت ان للقهوة فوائد صحية عديدة في مقاومة الانتحار! أليس هذا وحده سببا مقنعا لنفضل القهوة على الشاي في بلادنا يا دكتور؟