للحلبيين طقوس خاصة للزواج تبدأ منذ اختيار العروس و تمتد الى ما بعد ليلة الدخلة ، كانت هذه الطقوس معروفة للجميع و من المعيب عدم العمل بها بالنسبة لزمن مطلع القرن العشرين و ماقبله .

لكن للاسف كادت هذه الطقوس تنقرض و تحولت بمجملها الى سر بحاجة لمن يبوح به بعدما دخلت على هذه الطقوس تقاليد و عادات غربية ، بدأت منذ الانتداب الفرنسي و أثرت باستمرار حتى لم يبق منها الا الرموز فقط .

سنستعرض هذه الطقوس التي لم يتناولها أحد بالتفصيل لتوثيقها خوفا من ضياعها و اندثارها نهائيا .

و قد تخلل المقال العديد من الكلمات الحلبية العامية للضرورة حرصا على توثيقها لخصوصيتها .

البحث عن العروس

عندما يقرر الشاب الزواج كان البحث عن العروس يتم بطريقتين :

في العائلات الوجيهة تستعين الامهات بالبائعات المتجولات اللواتي يبعن البضائع النسائية من اقمشة و البسة و حلي و عطورات و غيرها ضمن البيوت ( يسمين دلالات أو خطابات ) لنقل مواصفات الفتاة لأمهات الشبان الراغبين بالزواج .

اما في العائلات العادية كانت النساء يلتقين في الحمامات العامة ( حمام السوق ) و يستطعن التدقيق و التعرف على زوجة ابنهم المستقبلية ،او يقمن بطرق الابواب من حارة لحارة سائلين " في عندكن بنات للخطبة ".

و عندما يزرن بيت العروس لرؤيتها ينقلن وصفها للعريس.

الوصف الايجابي للعروس

يكون بعبارات مثل :

معنّقا ( ذات رقبة طويلة ) وعيونا كحلة ، وتمّا متل الفستقة ( دلالة على صغره ) ، أبوها زنگين ( غني ) ومدلّعى عنده كتير ، شعرا ناعم أشقر طويل وصلان لآخر ضهرا متل قصاقيص الدهب ، كتير كربوجة، زرزة ( عاقلة ) وشكعة( زائدة بالحسن و الجمال ) ودمّاتا خفاف وحكيا حلو، وشفايفا أحلى وأحلى.

هادية وتقيلة ومبربسة ( شديدة العناية بالنظافة )، وبتحكي تركي بلبل،مبيّن عليها خدومة وطبخا شغل استانبول، خصرها اسطمبلي ،شقرا بعيون زرق و سنينا فرق ، بنت بتقول للقمر غيب لأبرك مطرحك رقيب ، بيضا كويسة، يا سلام على غمّازاتا،ضحكتا حلوة وجسما متل الزرنجف ( شديد البياض ) ، اصابيعا عقدن بتنعقد ( دلالة على طول و نحف يديها) ، عليها رمش عيونا بفتنوا العابدين، لو شافا الشيخ بشلح جبتو وبصيح: يا ودود، دق لها بترقص ،شقد مبتّكة ( شديدة الاتقان و الاهتمام بالتفاصيل ) ، بتحط الكعكة براسها بتصير عند قدمها .

الوصف السلبي للفتاة

بنت معجوقة وشايفة حالا أكتر من اللازم، بتلمّ شفافا تيصغر تمّها ( دلالة على كبر فمها و محاولتها اخفاء ذلك )، بنت بتتكحل وبتتبودر وبتتحمر ( تكثر المكياج و هذا عيب ) وبتلبس البدلة المزمّكة ( أي الضيقة )، بنت ولي عليها گرّارة ( ثرثارة ) ومشفترة وصارجيّة ( اي صفراوية ) ، طرنفشة ( أي ضخمة الجسم ) قاصّا شعرا الأسود عالشاليش ( قصيرة الشعر ) وصايرا متل السعدان، بتْطرطر مع امها من قبول لقبول( أي تكثر الزيارات النسائية ).

كان الشاب غالبا ما يتزوج في منزل والديه و تخصص له احدى غرف المنزل و تسمى هذه الغرفة " بيت فلان " و لا يجوز للشاب ان يتزوج زوجة ثانية ولا يمنح لنفسه حق تعدد الزوجات إلا بعد فترة لاحقة من زواجه عندما يتملك عقاراً مستقلاً ، و يسكن خارج منزل أبويه .

غالبا ما كانت الطبقات الفقيرة تحجم عن تعدد الزوجات ، بسبب عدم القدرة على إعالتهن .

الطلبة و التشكر و الخطبة

إذا حققت الفتاة طلبات أهل العريس ، يتم طلب يدها من أمها بزيارة خاصة و اما يرفض الطلب فورا ،او يقبل مبدئيا و يسأل أهل العروس عن العريس ، فإذا كانت النتائج ايجابية ، تحدد جلسة التشكر و الخطبة.

يحضر والد العريس مع لفيف من الاقرباء و الاصدقاء الوجهاء الذكور مع الخاطب و يسميه الحلبيون ( الخطيب ) لمنزل والد العروس ،ليتشكروهم على قبول خطبة ابنهم و ليطلب والد العريس الفتاة من أبيها بحضور عدد من أقارب العروس الذكور الوجهاء و يجيب الاب : والسبع تنعام منكن ، بنتنا خدّامة بمطبخكن.

سميت هذه الجلسة بالاساس بالخطبة لانه كان من واجبات الخطيب طالب الزواج ان يلقي خطبة قصيرة على الحضور ليتبين لاهل العروس فصله بعدما تعرفوا على اصله ( الفصل يعني البراعة في الكلام و البلاغة ).

جرت العادة بعد الخطبة أن تعزم أم العروس اهل العريس لعزيمة غذاء تقوم فيها بتلبيس الخطيبة خاتم الخطبة و تطالب فيها ام العريس ان تغني العروس لتسمع جودة صوتها ، و تبقى ام العريس لتنام مع العروس بفرشة واحدة للتأكد من عدم وجود رائحة فم او رائحة عرق إبط عند العروس عند استيقاظها من النوم ، و تذهب النساء في اليوم التالي لحمام السوق لتتفحص ام العريس جسد الفتاة و تتأكد من خلوه من اي عيب ،تسمى هذه الحالة ( بدها تشوف شلحتا ) .و تقوم اخت العريس بممازحة العروس بشد شعرها و الهدف الحقيقي من الممازحة التأكد من متانته و عدم تساقطه ،كما يضيفنها حبات بندق ليتأكدن من صلابة اسنانها.

فصل الحق ( النقد ) و كتب الكتيب

بعد ايام و دون ان يسمح للخطيبين باللقاء ، و بتمهيد و اتفاق مسبق من نساء الطرفين ، يلتقي الذكور من الطرفين ليحددوا المهر المطلوب دفعه و المصاغ الذهبي الواجب تقديمه ( تسمى هذه الجلسة جلسة فصل الحق او فصل النقد ) ، و العائلات الكريمة لا تدخل في تفاصيل مادية بل تكتفي بمقولة ( البنت بنتكم ) مما يحّمل اهل العريس عبئا اضافيا نتيجة كرم و رفعة اهل العروس فيقدموا المزيد في هذه الحالة تقديرا منهم .

و هناك عائلات تدخل في ادق التفاصيل المادية معتبرة ان هذا الامر حق و يجب توضيحه .

و يجب ان يحدد الطرفين مبلغ من اصل المهر لتشتري به العروس رقائق من الفضة الخالصة تحتفظ بها كطريقة ادخار .

فاذا تم الاتفاق على المهر و المصاغ يحدد موعد لعقد القران مباشرة دون احتفال فيه رقص ( ابرام عقد الزواج يسميه الحلبيون كتب الكتيب ) .

ترسل بطاقة دعوةأنيقة للرجال لحفل عقد القران .



بطاقة دعوة للرجال لحضور عقد القران في عام 1937 في الساعة 2 عربية



، يسأل الشيخ وكيل الزوج ووكيل الزوجة تبادل الالفاظ الشرعية لعقد الزواج و يبدأ والد الزوجة بمقولة : زوجتك بنتي ، ليرد عليه والد الزوج : قبلت تزويجها (لان موافقة البنت هي بداية و اساس العقد ) مع ذكر المهر المتفق عليه علانية ، و يسلم المهر المتفق عليه في محفظة جلدية إلى والد العروس مباشرة عند إتمام عقد الزواج .

و إذا كان أحد الطرفين من نقابة الأشراف بحلب ، يضع نقيب الأشراف ختمه على العقد .



وثيقة عقد نكاح عام 1937 عليها توقيع نقيب الاشراف عبد الرزاق أفندي الصيادي المعجل فيه مائة ليرة عثمانية ذهب و المعجل خمسون ليرة ذهبية



يقرأ الحضور الفاتحة و بعض الايات القرآنية الكريمة و يتلون بعض الادعية ثم يضّيف والد العروس الحضور الراحة بالفستق و مربى الكباد و شراب اللوز ( مؤلف من الحليب و مهروس اللوز ) و هو الشراب الذي تختص به مدينة حلب و في النهاية يشربون القهوة .

تدعو والدة العروس النساء لوليمة غذاء تقوم فيها والدة العريس بإلباس العروس المصاغ المتفق عليه عند فصل الحق .

يحدد بعدها موعد لحفل العرس ، و يدعى الأقارب و المعارف، و ترسل بطاقات الدعوة للنساء ، ، مزينة بشريط لماع .

ُيرسل جميع المدعوين - سواء حضروا الحفل أم لم يحضروه - تهانيهم مع هدايا ، تتراوح بين الأقمشة و اكياس الرز و السكر و تنك السمنة العربية .

موكب جهاز العروس و مده ( مد الجهيز )

عادة ما يشتري والد العروس جهاز العروس ( يسميه الحلبيون الجهيز لانهم يكسرون الالف دوما ) بمبلغ يعادل المبلغ الذي قبضه من العريس ، و يضيف عليه مبلغا اكبر اذا كان ميسورا .

و الجهيز مؤلف عدة أشياء اساسية منه ثياب الزوجة الخارجية و الداخلية و المنزلية ، و يجب ان لا تحتاج الزوجة ان تطلب من زوجها شراء اية ثياب لمدة سنة كاملة على الاقل و الا اعتبر جهيزها معيبا .

يرسل الجهاز بشكل علني و استعراضي إلى منزل العريس ، قبل ثلاثة أيام من حفل العرس ( تسمى المناسبة مد الجهيز ) ، يرافق الموكب جمع من الرجال على صوت الطبل والزمر .



موكب جهاز العروس محملا على الدواب



أمام موكب الجهاز ترقص العبلة على الجمل .

و رقص العبلة هو تقليد اندثر في الخمسينات من القرن العشرين ،كانت تقوم به فتاة ملثمة من الغجر ، راكبة على جمل ترقص بطريقة معينة و لم يكن وجهها معروفا لاحد ، لدرجة ان البعض كانوا يشككون بكونها شاب ملثم .



العبلة ترقص على الجمل



يرافق العبلة مجموعة من الرجال يقودون جملها و تجري خلفهم خلفهم اللعبة التي يسميها الحلبيون لعبة " الحكم " و يقوم بها مبارزي السيف و الترس الاستعراضيين .

خلف هؤلاء يسير الحمالون على رؤسهم صواني نحاسية ملفحة بالحرير و عليها الزهور.

الصينية الاولى عليها زجاجات العطور و مواد التجميل و المكحلة .



مكحلة أثرية نادرة مع مرآة لتستعملها العروس في تزيين نفسها



تليها صينية الكؤوس و الاباريق الزجاجية تليها صينية فناجين القهوة يليها صينية وشاح العروس الوردي اللون الذي يسمى ( اليشمق ) يليها صينية عليها "طشت " و ابريق نحاسي لغسل اليدين بعد الطعام و للوضوء .



الابريق النحاسي الجميل لسكب الماء


يتبع