بيل جيتس

مؤسس مايكروسوفت ورئيسها، يتناول التغيرات القادمة المذهلة التي ستجلبها ثورتى المعلومات
والاتصـالات في جميع نواحي حياتنا ويقوم مـن موقع المطّلع بتسـليط أضـواء كاشـفة عليـها في:





الطريق المقبل

ترجمة ومراجعة:

د. فتحي حمد بن شتوان
نبيـل عـثمان



هذا الكتاب

سيناريو مستقبلي للتغيرات التي سوف تحدثها ثورتى المعلومات والاتصالات في كل أوجه حياتنا. وواضع هذا السـيناريو ليـس شخصــا عاديا ولا حتى أكاديميا أو منظِّرا أو من المستقبليين.. بل هو بيل جيتس، منشئ أكبر شـركة لبرمجيات الحواسيب الشخصـية وشبكات المعلومات في العالم ورئيسها الحالي: شركة مايكروسـوفت العملاقة. ويكفي بيل جيتس لكى يكون أهلا لوضع سيناريو كهذا أنه ببصيرته النافذة ورؤيته المستقبلية الثاقبة في أواسط السبعينيات استطاع أن يصل بـ "مشروع قوامه شخصان ورأسمال بسيط إلى شركة بها 17 ألفا من العاملين ومبيعاتها السنوية 6 بليون دولار..".
فلا غرو أننا نثق بسلامة تنبؤات شخص بمثل هذه البصيرة المبرهَّنة ولا ريب أنك عند مطالعة كتابه الحالي ستشاركنا هذه الثقة. إن التغيرات التي ستحدثها ثورتى المعلومات والاتصالات سوف تمس حياة كل إنسـان، كما يقول بيل جيتس، ومن ثم فليـس عليك أن تكون سياسيا أو أكاديميا أو قياديا في أى موقع لكى تكون معرفتها أمرا لا بد لك منه.

فهرس المحتويات


مقدمة
الفصل الأول : ثورة تبدأ
الفصل الثاني : بداية عصر المعلومات
الفصل الثالث : دروس من عالم شركات الحاسوب
الفصل الرابع : تطبيقات وأجهزة
الفصل الخامس : مسالك إلى الطريق السريع
الفصل السادس : ثورة المحتوى
الفصل السابع : المضامين بالنسبة لمنشآت الأعمال
الفصل الثامن : رأسمالية معافاة من الاحتكاك
الفصل التاسع : التعليم: خير استثمار
الفصل العاشر : الإنعزال إلكترونيا في المنزل
الفصل الحادي عشر : السباق نحو الذهب
الفصل الثاني عشر : قضايا هامة
خاتمة
مسرد المصطلحات

مقدمة

كانت السنوات العشرين الماضية مغامرة مذهلة بالنسبة لي بدأَت يوم كنت، وأنا طالب في سنتي الجامعية الثانية، أقف في ميدان هارفارد مع صديقي (بول آلان) نتأمل وصفا لحاسوب تجميعي في مجلة "بوبيولار إلكترونيكس". لم نكن أنا وبول نعرف ونحن نقرأ مبهورين عن أول حاسـوب شخصي كيف سيتم اسـتعماله بالضبط لكننا كنا واثقين أنه سيغيرنا نحن وعالم اسـتعمال الحواسـيب، وكنا على صـواب في ذلك فقد حدثت ثـورة الحاسوب الشخصي وأثرت على ملايين الأنفس. لقد قادتنا إلى أماكن كنا لا نتخيلها.
وها نحن جميعا نبدأ رحلة عظيمة أخرى ولسـنا متأكدين إلى أين سـتؤدي بنا هذه أيضـا لكنني مرة أخرى واثق بأن هـذه الثـورة سـوف تمـس أشـخاصا أكثـر وتأخذنا نحن كلنا إلى أبعد. سـتكون كبرى التغيرات المقبلة هى في الطريقة التي يتصل بها الناس بعضهم مع بعض، وسـوف تكون الفوائد والمشاكل الناجمة عن ثورة الاتصالات القادمة هذه أكبر بكثير من تلك التي جلبتها ثورة الحاسوب الشخصي.
ليست هناك أبدا خريطة يعتد بها لأراضي غير مستكشـفة إلا أننا يمكن أن نتعلم دروسا مهمة من نشوء وتطور مجال الحواسيب الشخصية التي يبلغ الآن حجم سوقه 120 بليون دولار. إن الحاسوب الشخصي - بمعداته المتطورة دوما وتطبيقاته التجارية ونظـمه "على الخط المفتوح" وتوصـيلاته بشـبكة إنترنت وبريده الإلكتروني وعناوينه ذات الأوساط المتعددة وبرامجه للإعداد والإنشاء (authering tools) وألعابه - هو الأساس للثورة التالية.
خلال طفولة الحاسـوب الشخصـي كانت وسـائل الإعلام تولي قليلا من الإنتباه لما يحدث في ذلك المجال المستجد وكنا نحن المأخـوذون بالحواسـيب وبما تبشـر به من إمكانيات غير ملحوظـين خارج دوائرنا نحن.. وقطعا كنا لا نعد ممن يسايرون كل جديد.
أما هذه الرحلة التاليـة إلى ما يُسـمى "طريق المعلـومـات السـريع" فهى مادة لعدد لانهائي من المقالات الصحفية والبرامـج الإذاعية المسـموعة منها والمرئية والمؤتمرات والتخمينات الجامحة. لقد كان هناك قدر لايصـدق من الاهتمام بهذا الأمر خلال السنوات القليلة الماضية سـواء داخل صناعة الحاسوب أو خارجها ولا يقتصر هذا الاهتمام على الدول المتقدمة كما أنه يتجاوز كثيرا حتى الأعداد الهائلة من مستعملي الحاسوب.
ثمة آلاف من الناس المطّلعين وغير المطلعين يتكهنون الآن علنا في شـأن طريق المعلومات السريع. ومـا يثير دهشتي هو مقدار سوء الفهم حول هذه التقنية ومزالقها المحتملة فالبعض يظن أن "الطريق السريع"، ويقال له أيضا "الشبكة"، ليس سـوى شـبكة إنترنت الحالية أو عملية توفير500 قناة تلفزيونية آنية. هذه التطورات آتية لكنها ليست هى "الطريق السريع".
إن الثـورة في الاتصـالات بادئة للتو وسـوف تقع بثـقلها بعـد عـدة عقود وتكون مدفوعة بـ "تطبيقات"
جديدة - بأدوات جديدة تلبي غالبا احتياجات غير منظـورة حاليا. سـوف يتعين خلال السـنوات القليلة التالية اتخاذ قرارات هامة من قِبل الحكومات والشـركات والأفراد وسيكون لهذه القرارات أثرها على الكيفية التي سيخرج بها الطريق السريع وعلى مقدار المنفعة التي سـيجنيها اؤلئك الذين يقررون. سـيكون من الضروري اشتراك مجموعة كبيرة مـن الناس - وليـس فقط التقنيين أو الذين يتصـادف وجودهم في صناعة الحاسـوب - في النقاش حول الكيفية التي ينبغي أن يتم بها تشـكيل هـذه التقنية، وإذا أمكن عمـل ذلك فإن الطريق السـريع سـوف يخدم الأغراض التي يريدها مستعملوه ثم يكتسب قبولا واسعا ويصبح واقعا.
وهأنذا اؤلف هـذا الكتاب كجزء من إسـهامي في النقاش المشـار إليه آملا، وإن كان هذا مطلبا عسيرا، أن يفيد كدليل سـفري للرحلة المقبلة. أفعل هـذا بشىء من الخوف فكم ضحكنا على تنبؤات من الماضي تبدو سخيفة اليوم؛ إن بوسـعك أن تتصفح أعدادا قديمة من مجلة "بوبيولار ساينـس" وتقرأ عن الاختراعات النافعة المقبلة كطائرة العائلة المروحية والطاقة الكهربائية النووية التي هى من الرخـص "بحيـث لا تسـتدعي تركيب عداد لقياسها". ويحفل التاريخ بأمثلة تدعو الآن إلى السخرية فهناك أستاذ جامعة أكسفورد الذي نبذ في عام 1878 الضوء الكهربائي على أنه وسـيلة خداع وهناك مفوض براءات الاختراع الأمريكي الـذي طلب في عام 1899 إلغاء مكتبه لأن "كل شـىء يمكن اختراعه قد تم اختراعه". إن القصد من هذا الكتاب هو أن يكون جادا مع أنه قد لا يبدو كذلك بعد عشر سنوات من الآن، فما قد قلته مما تبين أنه صواب سيُعَّد واضحا وما تبين أنه خطأ سيكون مضحكا.
أعتقد أن مسيرة خلق الطريق السريع سـوف تعكـس تاريخ مجال الحاسـوب الشـخصي بوسـائل عديدة، وقد أشملت في هذا الكتاب شيئا من تاريخي (أى نعم، فأنا أيضـا أتحدث عن البيت) وتاريخ استعمال الحاسوب بصـفة عامة وذلك للمسـاعدة في شـرح بعض المفاهيم والدروس من الماضي. سـيصـاب بخيبة الأمل أى شخص يتوقع كتاب سـيرة ذاتية أو بحثا عن كيف حال من يكون محظوظـا مثلما كنت. إنني ربما أقوم بتأليف كتاب كهذا عندما أتقاعد أما هذا الكتاب فهو يتطلع أساسا إلى المستقبل.
كذلك سيصاب بخيبة الأمل من يرجو أن يرى بحثـا تقنيا، إذ إن طريق المعلومات السريع سوف يمس كل شخص وينبغي أن يستطيع كل شـخص فهم مضامينه ولذلك كان هدفي منذ البداية هو تأليف كتاب يستطيع أكبر عدد ممكن من الناس أن يفهمه.
اسـتغرقت عملية التفكير حول كتاب "الطريق المقبل" وتأليفه وقتا أطول مما توقعته. لقد برهن تقدير الوقت الذي سيستغرقه أنه لا يقل صـعوبة عن وضـع تصُّور لجدول مواعيد تطوير مشروع كبير للبرمجيات، فرغم المساعدة القيّمة من (بيتر رينيرسون) و (ناتان ميهرفولد) كان هـذا الكتاب مهمة جسـيمة والجزء الوحيد الذي كان سهلا هو صورة الغلاف بواسطة (آني ليبوفيتز) التي انتهينا منها قبل الموعد المحدد بكثير. إنني أستمتع بكتابة الخطب وحسبت أن تأليف كتاب سيكون مثل ذلك فقد ظننت ببراءة أن كتابة فصل من الفصول ستكافيء كتابة خطب وكان هذا التوهم في تفكيري مشـابها لـذلك الـذي كثـيرا ما يقع فيه واضـعو البرمجيات وهو أن البرنامج الذي يكون طويلا بمقدار عشـر مرات تكون كتابته أعقد بمائة مرة، وقدكنت أحرى بألا أقع في وهم كهذا. كان لابد لإكمال هذا الكتاب من أن أتفرغ وأنعزل في كوخي الصيفي مع حاسوبي الشخصي.
وهاهو هنا.. ورجائي أن يـحث علـى الفهم والنقاش والأفكار الخلاقة عن كيف يمكن الاستفادة من كل ذلك الذي سيجري بالتأكيد في العقد المقبل.

الفصل الأول
ثـورة تبدأ

كتبتُ أول برنامج حاسوبي عندما كنت في الثالثـة عشـر وكان ذلك لاداء لعبة "تيك-تاك- تو". كان الحاسوب الذي استعمله ضخما ومربكا وبطيئا وذا جاذبية آسرة.
كان إطلاق زمرة من المراهقين على حاسـوب هى فكرة القائمين على مدرسـة "نادي الأمهات" الخاصة التي كنت ملتحقا بها فـي بلدة (ليسـكايد)، فقد قررت الأمهـات أن الإيرادات من بيع ملابس ومقتنيات مستعمَلة ينبغي استخدامها في تركيب حاسوب طرفي وشراء زمن على الحاسوب للطلاب. وكان السماح للطلاب باستعمال حاسوب في أواخر الستينيات اختيارا مدهشا حقا في ذلك الوقت بمدينة سياتل - اختيارا سأظل ممتنا له على الدوام.
لم يكن لذلك الحاسوب الطرفي شاشة فكنا لكى نلعب نكتب نقلاتنا علىلوحة مفاتيح مماثلة للآلة الكاتبة ثم نجلـس في الانتظار حتى تأتي النتائج محدثـة طقطقة متتابعة وهى تخرج مطبوعة على الورق من جهاز طباعة صاخب. كنا بعدئذ نندفع لنلقي نظـرة ونرى من يكون قد فاز أو لنقرر نقلتنا التالية. كانت لعبة "تيك-تاك-تو"، التي كانت تستغرق ثلاثين ثـانية بقلم الرصـاص والورق، قد تسـتهلك منا معظم فترة الغداء - لكن من منا كان يهتم بذلك؟ لقد كان ثمة شىء رائع حول الآلة.
وقد أدركت فيما بعد أن جـزءا من تلك الجاذبية هو أنه كانت أمامنا فعلا آلة ضخمة ومكلفة ومتطورة وأننا، نحن الأطفال، كنا قادرين على التحكم فيها. لقد كنا صـغارا على القيادة أو على القيام بأى من أنشـطة الكبار الأخرى التي تبدو مسـلية ومـع ذلك كنا نسـتطيع إعطاء تلك الآلة الكبيـرة أوامر وكانت دائما تطيع. إن الحواسـيب عظيمة لأنك عندما تعمل معها تحصـل على نتائج فورية تجعلك تعلم إذا كان برنامجك ناجحا - وهـذا، لعمري، تغذية مرتدة لا تحصل عليها مـن أشياء أخرى كثيرة - فكان ذلك بدء افتتاني بالبرمجيات. وتكون التغذية المرتدة من البرامج البسيطة لا لبس فيها بصفة خاصة، ولازال يملؤني إثـارة حتى اليوم أن أعرف أنني إذا استطعت أن أجعل البرنامج كما ينبغي فإنه سيعمل دائما على أكمل وجه وفي كل مرة وكما طلبت منه.
فيما أخذنا أنا وأصدقائي نكتسب ثقة بدأنا نتلاعب بالحاسـوب وذلك بالإسراع في عمل الأشـياء عندما نستطيع أو بتصـعيب الألعاب. طوّر أحد الأصـدقاء في بلدتنا (ليكسـايد) برنامجا بلغة بيسـك يحاكي لعبة "الاحتكار". و"بيسك" BASIC (المؤلفة من الحروف الأولى لعبارة إنجليزية بمعنى "شـفرة تعليمات المبتدئين الرمزية ذات الأغراض الشاملة") هى، كما يوحي اسـمها، لغة برمجة سـهلة التعـلم نسـبيا كنا نسـتعملها لتطوير برامج معقدة تعقيدا متزايدا. ابتكر ذلك الصديق طريقة لجعل الحاسـوب يؤدي مئات الألعاب بسـرعة شديدة حقا. كنا نغذي الحاسـوب بتعليمات
لاختبار أسـاليب مختلفة للعب فقد كنا نريد أن نكتشف أى الإسـتراتيجيات هى التي تفوز أكثـر وكان الحاسـوب يرينا
ذلك محدثا طقطقاته المألوفة. يتبع...