أكد الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض بالسودان حسن الترابي رفضه انفصال دارفور أو الشرق عن باقي السودان، رغم أنه أيد حق تقرير مصير الجنوب. كما

نفى مجددا دعمه عسكريا لحركة العدل والمساواة في دارفور، مشددا في حوار مع الجزيرة نت على أن حزبه لا يدعو للقتال لكنه يؤيد انتفاضة شعبية سلمية.

وتاليا نص الحوار الذي أجرته الجزيرة نت مع الترابي في العاصمة السودانية الخرطوم.

حزبكم متهم بأنه عزز انفصال الجنوب عبر إجازتكم لحق تقرير المصير، فما تعليقكم؟

- المواطنة عقد مثل الزواج بل والعقيدة، من أراد أن يدخل طوعا فخير، لكن لا يمكن أن يجبر أحد على ذلك، ومنطقة الجنوب مختلفة عن بقية السودان عرقيا، ولقد ضمها محمد علي باشا ليبحث عن موارد النيل، ثم عزلها الاحتلال البريطاني بعد ذلك.

لكن انفصال هؤلاء كدولة يمكن أن يؤثر مثلا على حصتكم في مياه النيل؟
- منافع الدنيا لا يمكن أن تجور على مبادئ الدين.

ما دور المؤتمر الشعبي فيما لو حدث انفصال؟

- أولا قبل حدوث الانفصال نحن الحزب القومي (في عموم السودان) الذي له فروع في كل ولاية بالجنوب، بينما بقية الأحزاب إما شمالية محضة أو جنوبية محضة، والمسؤول الثاني في الحزب جنوبي وكان مرشحنا للرئاسة (عبد الله دينق) ونعمل على نشر الإسلام هناك بالحسنى، ومعنا مسيحيون بالحزب وثلاثة قساوسة بالأمانة العامة المؤلفة من 50 شخصا.
فنحن أقرب الأحزاب إلى الجنوب رغم تحريض الأميركيين علينا، وعلمنا أن الجنوبيين دافعوا عنا أمامهم وقالوا إننا لا نتعامل معهم على أساس العرق أو الدين أو اللون، ونستقبل خير استقبال في الجنوب.

وماذا على الصعيد العملي؟


- سنعقد اجتماعا لقيادة الحزب يوم 30 ديسمبر/كانون الأول الجاري لمدة ثلاثة أيام وسيحضره اثنان من كل ولاية، في حين سيحضر ضعف هذا العدد من الجنوب، وسيخصص يوم كامل للوضع هناك لبحث الاستفتاء وتداعياته وما يمكن أن يترتب على ذلك من إمكانية تغيير اسم الحزب وكيفية اتصالنا كحزب في الشمال والجنوب بالمجتمع والقوى السياسية والسلطة في الجنوب إذا حدث انفصال، خاصة أن الشعب هناك في حالة من الضنك الشديد وحالته متدنية جدا، وإذا استقل ستواجهه قضايا شائكة لأن الجنوب مؤلف من قبائل والحكومة هناك عسكرية لا توجد لديها مناهج لتنمية الناس وتجاوز عصبية القبائل.

وسنسعى لعدم اندلاع صراع داخلي، كما سنبحث سبل نشر الإسلام بالجنوب وكيفية التعاون مع دول الجوار ومع الشعوب والقبائل بها لأن هناك تداخلا بين هذه القبائل.



لكن ورد على لسانكم في إحدى الصحف دعوتكم لانتفاضة شعبية ضد الانفصال!

- أنا دعوت فعلا لانتفاضة شعبية لكن ضد الطغيان، وأنا دعوت الشعب فقط لأني لن أثق بعسكريين قط بعدما حدث (يقصد حركة الإنقاذ). فإذا جاء عسكري وطلب مني دعمه سأقول له جزاك الله خيرا.. فالثورات التي تحقق حكما شوريا حرا هي ثورات شعبية.

وطبعا هناك علماء يعتبرون ذلك خروجا على الحاكم المسلم رغم ما يرونه من قيام الحكام بتطبيق بعض ما جاء في الكتاب وترك ذلك في بقية الأمور مثل العدالة ومواجهة الفساد وإطلاق الحريات.

لقد كنت في السلطة بالفعل في حكومة الإنقاذ وكنت رئيسا للبرلمان بل كنت عراب حركة الإنقاذ عام 1989، فلماذا لم تعمل على ترغيب الجنوبيين في وحدة طوعية؟

- وقفت معوقات كثيرة أمامنا من العسكر الذين تولوا السلطة، وهذه من الأخطاء الكبرى التي نعترف بها لأننا اكتشفنا أن هؤلاء لا يستخدمون إلا القوة والأمر والنهي، فوقفوا مثلا أمام قانون الصحافة ومرروه بعد مناوشات كثيرة، ولم نستطع إيقاف المعتقلات أو السرقة من المال العام رغم أننا حذرناهم من خطورة ذلك في الآخرة قبل الدنيا، وحاولنا بسط الحريات للناس والإعلام والأحزاب فتعثر عليهم ذلك، ورفضوا أيضا تطبيق اللامركزية وانتخاب الولاة.

كما رفضوا الاستجابة للالتزام بالاتفاقية الموقعة عام 1997 مع رياك مشار الذي انشق عن الحركة الشعبية، وقالوا يكفي أن نعطيه منصبا. وإزاء كل هذه المعوقات لم نستطع إقناع السلطة بمد الخدمات للجنوب الذي كان في حالة متدنية لأنهم رأوا أن حل هذه القضية يأتي بالقوة وهذا هو فهم العسكر.

لكن للحقيقة حتى لا أسيء لهؤلاء باسم الإسلام فإن التمرد في الجنوب بدأ مع استقلال السودان، ومنذ ذلك الزمن كان على حكومات السودان إدراك أهمية معالم التباين الفاحش بيننا وبينهم، فقد كانوا عراة بنسبة 90% تقريبا، والمدارس هناك نادرة ولا يوجد بنية أساسية للحياة كان يجب أن ننفتح عليها. وكانوا لا يتكلمون العربية، ولكن الآن تعربوا بسبب انتشار الدعوة الإسلامية هناك. وعلى فكرة أنا سجنت بسبب الجنوب 30 شهرا وبسبب دارفور 15 شهرا.

ما رأيك في دعوة رئيس حزب الأمة المعارض الصادق المهدي بضرورة تكاتف القوى السياسية بعد الاستفتاء لإجبار النظام على تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهات التحديات الخطيرة مثل دارفور وقضايا الحريات والتوزيع العادل للثروة والوضع الاقتصادي؟

- ندعو منذ سنوات طويلة لهذا، والصادق المهدي قال أيضا إنه إما سيعمل مع الذين يطيحون بالنظام وإما سيعتزل العمل السياسي، ونحن نريد الإطاحة بهذا النظام لأنه أولا: زوّر جميع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والولايات التي جرت رغم أنهم لن يضاروا إذا أعطوا للمنافس الربع مثلا وحصدوا الأغلبية فتنفس عنه من جانب وتظهر بالحيلة أنه يوجد شيء من الديمقراطية، لكن المقصود هو إعدام المنافس كما يفعل آخرون قالوا إنهم علموا هذه التجربة لغيرهم.

وثانيا لأن هذا النظام منسوب إلى الدين يقولها أحيانا لكن لا يستطيع تثبيتها بسبب الفساد المستشري، فنحن نكاد نكون ثالث أكبر دولة من حيث حجم الفساد، ولا نريد أن نكون بلدا يمزق نفسه.. الآن نمزقه شمالا وجنوبا ثم غدا شرقا أو غربا.


هذا الكلام يؤخذ عليكم بأنكم تمهدون وتعززون نوايا الانفصال، فإذا كان الجنوب مختلفا إثنيا وعرقيا فهذا غير موجود شرقا وغربا؟
- أخشى ما أخشاه أنه إذا اشتدت القسوة على هؤلاء أن يجنحوا للانفصال.

وما موقفكم من هذا الانفصال؟


- أنا طبعا ضد الانفصال فالعالم كله يتوحد الآن، والأوروبيون تقاتلوا وسقط منهم عشرات الملايين ويتوحدون الآن.



لكنكم متهمون دوما بدعم حركة العدل والمساواة المسلحة التي تحارب الحكومة في دارفور!

- ندعمهم سلميا وليس عسكريا في حقهم في اللامركزية التي دعونا إليها منذ البداية، وقلنا إن هذه القارة (يقصد السودان) لا يمكن أن تجمع بالقوة والجبروت أصلا.

فنحن في الستينيات وبقضية الجنوب في مؤتمر المائدة المستديرة شذذنا عن بقية كل الأحزاب الذين دعوا إلى المركزية، فحتى في المدينة المنورة ولم تكن قارة أعطى الرسول الكريم لليهود قضاءهم وتعليمهم.. يعني منح صلاحيات وسلطات لهم وبعض وظائف الحياة، ولذلك ادعوا منذئذ أننا مع الحركة الشعبية.. نحن ندعو فقط إلى انتفاضة شعبية سلمية لتغيير نظام الحكم كما حدث عامي 1964 و1985.

نحن لا نقاتل ولا ندعو لذلك لأن في السودان قبلية شديدة استعرت وبدأ يذبل الولاء للأحزاب الكبيرة، فلو بدأ إطلاق النار فمعنى ذلك أن البلد ستصبح فوضى والمدد سيأتينا من الذين يتربصون بنا. أنا دائما لا أرجع الأشياء إلى مؤامرة صهيونية أميركية، لكن إذا ضعفتَ فسيكون الأمر سهلا لاختراقك ولا تلومن إلا نفسك.

ما تعليقك على إنشاء كونفدرالية بين الشمال والجنوب إذا حدث الانفصال؟

- هذا النظام قديم وغير معمول به الآن وعليك بسؤال أي أستاذ في النظم السياسية، أما حاليا فالبلاد المستقلة يمكن أن يكون بينها سوق مشتركة أو منطقة تجارة حرة، ويمكن لمنظومة معينة أن توكل إليها بعض المهام مثل الاتحاد الأوروبي، في حين أن لكل بلد استقلاله لكن قد تزيد مهام هذه المنظومة.


ما تعليقك على قول المهدي في كتابه "ميزان المصير الوطني في السودان" الذي صدر مؤخرا إن حكومة الإنقاذ أساءت للإسلام السياسي؟

- وهل المهدية لم تسئ؟ لقد قاموا بثورة ضد محمد علي باشا الذي جاء بهم وحكموا السودان حكما طاغوتيا وعسكريا، وشهد السودان أكبر مجاعة وأصبحوا يقتلوا الناس حتى القضاة.

أما تجربة الإنقاذ فكانت أول تجربة في العالم السني -على الأقل- تحاول حركة من خلالها أن تطبق الخلافة الراشدة وأن ترد كل الحياة للإسلام.. شركات التأمين والزراعة والفنون والحكم والأخلاق وغيرها بعد أن خرجت هذه الأمور من الدين.

لكن ما هي نسبة النجاح التي حققتموها في هذا الصدد؟


- نجحنا في الجوانب الاجتماعية وفشلنا في جوانب الحكم والاقتصاد، ولكن الفشل هنا قد يكون لك عظة ويبدل الله سيئاتك حسنات. وقد رصدنا الأخطاء التي منعتنا من تحقيق أهدافنا وأبرزها اللجوء إلى العسكر لأنهم بطبعهم لا يقبلون الآخر أصلا محاورا أو مجادلا.

لقد استطعنا مثلا إقامة المصارف وشركات التأمين الإسلامية، لكن تم الارتداد عن ذلك بدعوى الضرورات تبيح المحظورات وحتى يستطيعوا شراء الخزانات وعمل الطرق، رغم أننا أوجدنا مخارج مثل شركة في الصين تقرضنا دون ربا.

كما أعددنا برنامجا عن كيفية الارتقاء بالفن وإدارة العملية الانتخابية بنزاهة وشفافية وبدون استخدام دعاية المال حتى لا يتضرر الفقير أمام الغني، وكان نظاما أذكى من مثيله في الغرب.

كما وثقنا علاقتنا بالجنوبيين عبر وجودهم معنا في السلطة أو بتوثيق العلاقات الاجتماعية عبر الزيارات المنزلية، فشعروا بأننا لا نحتقرهم أو نتجنبهم.

كيف ترون مستقبل السودان؟

- السودان معرض لمخاطر كبيرة فالجنوب سيذهب على الأغلب بعد أقل من ثلاثة أسابيع وقد لا يكون هناك حسن جوار، ويأتي بعد ذلك خطر غرب السودان في دارفور فالمفاوضات شبه متوقفة في (العاصمة القطرية) الدوحة، والحكومة قالت إنه لا تفاوض بعد انتهاء هذا الشهر، وإذا سارت الأمور هكذا قد تخرج دارفور وقد يخرج الشرق.

ولأن الحكومة ستفقد غالبية النفط بدأت في فرض الضرائب وانخفض الجنيه السوداني وبدأت الأسعار تقفز فجأة وبنسب 50% و60%. والناس يئست من الانتخابات لأن السلطة لا تأتي عن طريق الصناديق، والناس تنزع حاليا إلى العنف والتباعد.

وإزاء ذلك نحاول تعبئة الناس للتغيير السلمي فإذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، ونحاول أن نستدرك الأمور قبل أن تتفاقم.

وإذا عاد الحكم الإسلامي مجددا فسيكون أرشد بعدما تعلم من تجربته السابقة، ولن يسمح لأحد بتولي السلطة إلا لفترة محدودة، وأن يلتزم بالشورى مع تحريم مد اليد إلى المال الحرام، وضرورة أن تتم تجربة هؤلاء في الحياة قبل توليهم مناصب عامة.