بدأتْ تظهر معالم جريمتي عندما بدأتُ أتحول من طفلة إلى فتاة، عندها عبرتُ عن استيائي من تلميحات عمي بعباراته التي تفيد بأنه ينتظرني لأكبر قليلاً ليأخذني لابنه....

ليأخذني....فأنا بالنسبة له شيء، والشيء يـُعطى ويُؤخذ....

ربما لو كان الوضع مختلفاً لما انتبهت إلى تلك الكلمة، لكن ابن عمي هذا لا يلبي درجة مئوية واحدة من طموحاتي، فهو غير متعلم و متغطرس وبعيد كل البعد عن اللباقة، ألفاظه منسجمة مع رداء الجهل الذي يرتديه موشحاً بالتخلف و"النفسية الحامضة" التي لا تقيم وزناً للعلم والتقدم.


في هذه الأجواء.... وخشية أن يقع المحظور، بدأتُ أتودد إلى أبي وأجدُّ في دراستي علني ألقى الحماية التي تمنع عني صفة السلعة.


أبي هذا الرجل الطيب، كان يشعر بزيادة تقربي منه فراح يعزز فيّ ثقتي بنفسي ويشجعني على زيادة إيماني وهذا ما كان يريحني، إلا أن مخاوفي من ضعفه أمام سلطة عمي "أخيه الأكبر" لازالت تؤرقني.


فرِحتُ من استعجالهم بالتقدم لخطبتي، فأنا في بداية الصف التاسع، باستعجالهم هذا وفروا لنا فرصة للرفض، فأنا أريد أن أكمل تعليمي. لكن سبب الرفض هذا كان هو نفسه سبب اصرارهم على أن يتم الأمر بسرعة كي لا أحصل على شهادتي الاعدادية فأكون متفوقة على ابن عمي تعليمياً.


لن أتحدث عن المشكلة العائلية التي حصلت بسبب رفضنا المبرر بإكمال التعليم، لكن الذي حصل بأن هناك من أقسم بأنني سأكون لابن عمي وإلا فلن أكون لأحد....


جميلةٌ أنا....وجمالي هذا هو الصفحة الأولى من كتاب جريمتي، أما الصفحات التالية فقد تكون ذكائي ورغبتي باستقلاليتي في القرارات التي تتعلق بمستقبلي وحياتي، وربما هناك صفحات أخرى لها علاقة باحساسي بأنني إنسان ويجب أن أناضل كي لا أكون سلعة.


تقدم لخطبتي بعض الشباب، لكنهم كانوا جميعاً يتبخرون تحت التهديد عندما يعلمون أن هناك من أقسم وأن هذا الذي أقسم سيبر بقسمه فسأكون لابن عمي أو لا لأحد !!!!


إلى أن جاء ذاك الشجاع، الذي يؤمن ببطلان عادات وتقاليد بالية، يؤمن بالإنسان ويقدس حريته الشخصية، تمت الخطوبة وبدأت مخاوفي من الآتي، من صفحات كتاب جريمتي اللاحقة.


أيام قليلة من الهناء المغلف بالخوف كانت كافية لقلب صفحات أخرى من كتابي..... انتظـَروه على باب المسجد خارجاً من صلاة الظهر عندما انحنى ليربط حذاءه فأفرغوا في جسده عدة طلقات....


كل سواد الكون تجمع أمام عيني، قررتُ الانتقام....فرفعتُ يديّ إلى خالق كل الألوان ودعوتُ عليهم، هذه هي وسيلتي الوحيدة في الانتقام....دعوتُ عليهم بحرقة، بمرارة سكنت جوفي إلى الأبد...


حـُكِم على ابن عمي وأخيه بالسجن المؤبد وعلى عمي بالسجن عشر سنوات بسبب تحريضه على القتل.


بعد حوالي أربع سنوات مات عمي في السجن وخلال العشر سنوات التالية مات الاثنان أيضاً.


أما أنا المجرمة الحقيقية فقد حُكِم عليّ بأن أوصف بالفتاة الشؤم التي لن يقترب منها أحد.


تابعت تعليمي، وحصلت على ماجستير في الآداب والعلوم الانسانية، إلا أنني أعترف أمامكم بأنني أعتبر نفسي نصف إنسان أو ربما أقل من ذلك....


مجرمة أنا.... مجرمة لأنني امتلكت تلك الصفات التي جعلتني أرفض ابن عمي.

مجرمة أنا.... لأنني ولِدتُ في أوساط تقدّسُ العادات والتقاليد وتهمل الرسائل السماوية.

مجرمة أنا لأنني كنت أعتقد بأنني إنسان كامل.....


قولوا لي بربكم....بم تحكمون على جرائمي ؟؟؟


جرائمي الكبيرة التي جعلتني أحيا غريبة بين أهلي وناسي !!!


مر الزمان....وجاءني مغترب استهلكه الزمان، يبحث عن بقايا إنسانة اقتربتْ بحيرةُ طموحاتها من الجفاف، قبلتُ به عندما أحسست برقيّه وإنسانيته....
أكتبُ لكم قصتي، بعد أن أقنعتُ نفسي بتغيير اسمي من مجرمة أنا إلى مغتربة أنا....