بسم الله الرحمن الرحيم

أخواني أعضاء المنتدى الكرام يسعدني أن أضع بين أيديكم هذه القصة التي حصلت مع أحد أصدقائي وربما هو أعز صديق من أيام الدراسة في كلية الحقوق وحتى هذه الأيام ولسهولة الطرح وحتى تصل روح القصة وتلامس المشاعر الصادقة والإنسانية في قلوبكم سأسرد لكم القصة على لساني وبسم الله نبدأ
عام1998 كنت أدرس في السنة الثانية كلية الحقوق بجامعة دمشق طالب مثل مئات الطلاب بل الآلف أتجه إلى جامعتي أنهي محاضراتي المقررة وأقفل عائدا إلى منزلي في المزه كوني من أهالي مدينة دمشق ..... كل أموري الدراسية والنفسية كانت على ما يرام وعلاقتي بأصدقائي أكثر من رائعة ....
في صباح أحد الأيام كانت بداية أهم حدث في حياتي اتجهت كالعادة إلى الكلية كنت أصعد الدرج عندما وقعت عيني على (صبية) هي ... هذه هي تسمرت في مكاني أنظر إليها في ذهول وهي تتجه إلى قاعة المحاضرة ثم فجأة ولا شعوريا تحركت قدماي وتبعتها إلى حيث جلست وجلست بجانبها ورحت أفكر من هذه الفتاة معي في نفس الكلية ولم أراها من قبل وفي نفس الوقت أتساءل وأفكر.... وبقيت على هذه الحالة في حالة تخدير فكري حتى أفقت على أجمل صوت سمعته في حياتي يقول لي (تسمح زميل) رفعت نظري إليها وعدت خطوتين إلى الوراء للسماح لها بالخروج أحسست نفسي جندي شرف في حرس شرف الاستقبال في المطار وهاهي الأميرة الضيفة تمر من أمامي أحلم بطرف التفاته منها ...شاهدتها تنظر إلي مبتسمة أو ربما توهمت ذلك بقيت ألاحقها بنظري حتى غابت
انتهت المحاضرة ولم أعلم من الدكتور الذي ألقاها وما هو الموضوع ... نسيت أين أنا وفي أي كلية أدرس أحسست نفسي مجنون نعم أنا مجنون وسعيد بكوني أصبحت مجنونا .
عدت إلى منزلي وأفكاري حائرة وعقلي تائه أقول في نفسي هل هذه فتاة أحلامي وأجيب نفسي نعم إنها هي بل أكثر مما كنت أتخيله في أيام الطفولة وأيام المراهقة
والشباب وبقيت أسابق الوقت وأنهش الزمن بانتظار اليوم التالي لم أعرف نفسي نائما كما لم أعرف نفسي مستيقظا وجاءت الساعة الخامسة صباحا قفزت من فراشي بمنتهى النشاط والحيوية جهزت نفسي وانطلقت إلى الجامعة بالسرعة القصوى وقفت على باب قاعة المحاضرات مثل الحارس الأمني أنظر في وجوه الطلاب وأبحث عن صاحبة الوجه الأجمل أميرة اليوم الأجمل في الجامعة فتاة أحلامي ... ثم يبرق ويسطع بل أكثر ولا تعبير يسعفني لوصف شعوري في تلك اللحظة لكن انتابتني مشاعر الطفل الذي ضاع في السوق عن أمه بعد أن أفلت يدها في زحمة العيد وأصيب بالرعب وبدأ بالبكاء .. ثم فجأة يجد نفسه بين ذراعيها تحتضنه وتمسح دموعه .
ومثل اليوم السابق أفرض نفسي وأجلس بجانبها ولا أفكر سوى في شيء واحد .... كيف لي أن أصل إلى ودها وأعرفها بنفسي وأتعرف عليها وأصارحها بحقيقة مشاعري تجاهها والحمد لله كان الأمر أسهل مما تخيلت لأنها كانت تعرفني وجها من العام الدراسي السابق عندما كنت أشارك في المحاضرات ومن هذا اليوم بدأت أجمل أيام حياتي مع أميرة أحلامي وتمر الأيام وتتوطد علاقتنا وتصبح أدماني وحبيبتي وأمل حياتي وأملك قلبها وتملك قلبي .
دمشق العزيزة مدينة ذكرياتي ومذكرات حياتي التي تحولت إلى حاضن وشاهد لكل ما جمعنا ويجمعنا .... سماء دمشق وجبل قاسيون وحارات دمشق القديمة والهدايا التي كنا نشتريها ونتبادلها من سوق الحميدية والأمطار التي يبعثها الله نتراكض تحتها كما الأطفال نضحك... نبكي ... فرحا.. نتراقص كالعصافير .
وننهي السنة الثانية والثالثة من الجامعة أنجح أنا وتترفع حبيبتي وتحمل مادة واحدة إسمها (شركات - سنة ثالثة) وهي عقدة كلية الحقوق والمهم أن العهد الذي يجمعنا يبحر بنا إلى بر الأمان فلم يبق سوى سنة على التخرج والأمور بدأت تتجه نحو إعلان الخطبة بشكل رسمي وبعد معارضات شديدة ومفاوضات ومناقشات وأيام رعب عشناها أنا وحبيبتي لإقناع أهلينا بالموافقة تم الأمر بحمد الله ورحت أقول في نفسي حققت أهم انجاز في حياتي وتخبرني حبيبتي بأنها أكثر سعادة مني كونها معي وأصبحت خطيبتي .
وتمر الأيام مسرعة وتتصل خطيبتي تبكي و تشتكي لي من مادة الشركات وبأنها ستترك الجامعة (كرمال هالمادة) أغلقت سماعة الهاتف ولم أذق ليلتها طعم النوم
وجاءتني فكرة شيطانية وقررت تنفيذها لأخلص حبيبتي من هذه المعضلة ومع بداية الامتحان الفصل الثاني من السنة الرابعة اتصلت بحبيبتي وقلت لها لا تدرسي الشركات ( تركيها علي ) قالت كيف ( قلتلها يوم المادة بيصير خير)
إنها الساعة السابعة صباحا وهو يوم المادة الموعودة دخلنا سوية إلى قاعة الامتحان واتفقتا أن نتبادل أوراق الامتحان بعد أن تكتب الأسماء ويوضع الصمغ (الغري) مكان الاسم نتبادل أوراق الإجابة وكان ذلك وكتبت أنا في ورقتها بشكل ممتاز وأكثر ما ساعدني على تنفيذ الخطة أن أسمي واسمها يبدأا بنفس الحرف ودائما أجلس أنا وهي في نفس القاعة وخلف بعضنا.... وتظهر نتائج الامتحان ونتخرج سوية وبالنسبة لمادة الشركات كتب أمام أسمي ناجح مسبقا وهذا خطأ كان شائعا كثيرا في كلية الحقوق أي بعد أن يقدم الطالب المادة التي يعتقد أنها راسبة يتفاجئ مكتوب أمام اسمه بعد ظهور النتائج ناجح مسبقا والمهم نجحت حبيبتي طبعا ( وعلامة عالية ) وكنت سعيدا جدا ولم أفكر للحظة بالمخاطرة التي أقدمت عليها أو إنني يمكن أن افصل من الجامعة وتسحب مني الشهادة المهم أنها سعيدة.
أجمل ما في هذا العام حفل التخرج الأكثر من رائع حيث كنت سعيدا بتخرجها سعيدا بسعادتها سعيدا كونها سبب كل سعادة في حياتي ....وتقترب العسكرية وخلال شهور الانتظار عملت في عمل لا علاقة له بشهادتي ( على سيخ شاورما) ومع ذلك كنت سعيدا فهي بقربي تشعر بما أشعر به أرى الدنيا بعيونها أجمل وأجمل أغترف من بحر حنانها أعذب اللحظات .
بقي على العسكرية أسبوعان توجهت كالعادة إلى منزل أهلها بعد أن أنهيت عملي وقبل أن اقرع الجرس كانت الأصوات تتعالى ....تحطيم تكسير...بكاء تهديد قرعت الجرس خائفا فتحت الباب أمها وبدون مقدمات وقبل أن أقول خير أو حتى مرحبا صاحت الأم ( طلق البنت الله يرضى عليك خربت بيتنا ) ولم أكد أضع قدمي داخل المنزل حتى شاهدت حبيبتي تركض باتجاهي وترمي نفسها بين ذراعي وهي في حالة انهيار عصبي .. بكاء مرير وحرقة وغصة جسدها مشبع بالضرب والركل من قبل أخوتها الخمسة أردت الكلام لكنهم عاجلونا بالضرب ...أحطت بها بكامل جسدي أتلقى عنها كل ما استطاع الأخوة المتوحشين من تسديده إلينا وفي تلك اللحظة يبدو أن الجيران تدخلوا فلم أكن واعيا لما يحصل .... ركضنا أنا وحبيبتي كالمجانين لا نعرف أين نذهب أو أي طريق نسلك ثم جلسنا على كرسي في أحد الحدائق وحدثتني باكية بأن أخيها الأوسط المعارض لخطبتنا من البداية قد ألب كل العائلة ضدها وما قام به هو أن أحضر مسدسا ووضعه في رأسه وقال لأمه ودعيني أنا راحل هبت أمه مذعورة تمسك بيده التي فيها المسدس وتقبلها وتتوسل إليه أن لا يفعل ويخبرها بما حصل وسبب هذا الجنون الذي دفعه إلى هذا الأمر فأجاب أن أختي إذا لم تترك خطيبها سأقتل نفسي أمامكم جميعا وهذه بداية الأحداث المريرة وتطور الموضوع بأن وجد الأخوة ضالتهم في جسد هذه الأميرة البريئة فانهالوا عليها ضربا ليحلو المشكلة ويذهب هذا العريس إلى الجحيم . تخيلوا هذا المشهد المقزز الذي إلى الآن كلما أتذكره.........آه .... في هذا اليوم أختلط دمي ودمها دموعي ودموعها ....... بكيت وبكيت.... وبدأ أسوأ فصل وأصعب لحظة في حياتي حبيبتي بين ذراعي هي أملي هي فرحي هي روحي هي أنسي هي ذاكرتي وذكرياتي عقلي مشاعري هي أمي أيعقل بعض الخلافات الدينية أن تقف حائلا بيننا يقولون الحب أقوى من كل شيء نعم إنه أقوى ولا يقهر لكنه يسرق وتسرق ثمرته بكل بساطة ....... عندما يموت إنسان عزيز نذرف له الدموع ونجد عزاءنا في قبره نسلم عليه نخاطبه لعله يسمعنا حتى لو لم نسمعه لكنه يسمعنا لكن عندما تسرق ثمرة الحب لا نستطيع أن نجد عزاءنا في شيء نعرف منزل الحبيبة لكننا لا نستطيع الاقتراب نعرف رقم هاتفها ربما أكثر من اسمنا لكننا لا نستطيع أن نمد يدنا ونتصل ربما نعرف عنها أكثر ما تعرف هي عن نفسها ما الفائدة ........
إنها لحظة الفراق وجدتها ملقاة بين ذراعي ولا شيء يدل على الحياة فيها سوى نفسها البطيء والمنهك .... وداعا حبيبتي وداعا يا حب وداعا للصدق وداعا لأجمل لحظات عمري وداعا لمنزلنا الذي بناه الحب في أحلامنا وداعا للأولاد الذين اخترنا أسماؤهم لكنهم لم ولن يأتوا وداعا يا أملي وداعا لبريق عينيك وداعا ليديك الطفوليتين وداعا لسحر الحروف المنطلقة من شفتيك وداعا يا حبيبتي وداعا لا لقاء بعده....