هنا

معروف منذ القدم، أن السوريين أكبر من أن يخربوا وطنهم بأيديهم وأيدي أعدائهم، بل معروف عنهم، أكثر، بأنهم أول من نشر المدنية والحضارة والقوانين والمطالب بما فيها الواجبات والحقوق.. فكيف لا يكون السوري، وارث هذه الحضارة التفاعلية، أكبر من أي هدف تخريبي؟

هناك

هل يعقل أن يطالب عاقل بحقوقه قبل أن يؤدي واجباته؟

وهل يعقل أن يكون الخراب، والتدمير، وإحراق الممتلكات العامة، والخاصة، الحجر، والبشر، والشجر، والدم البريء، سبيلاً رشيداً، وهدفاً سديداً، للوصول إلى ما يسمونه تغييراً أو إصلاحاً؟!

تغيير ماذا؟

وكيف؟

ولماذا؟

ومَن وراء هذه المخططات الملغومة، الغامضة، المتلاحقة من بلد عربي إلى بلد عربي آخر؟ وهل الثورة تعني الغضب؟ بليارات الاستفهامات تراودني، ولا بد أن تنكشف إجاباتها قريباً أم بعيداً، لذلك أعود إلى الخراب الذي يسمونه الغضب، وهو ليس إلا حالة انفعالية، ملتصقة بالكائن الضعيف.. فكيف للغضب أن يكون فاعلاً؟ قال صلى الله عليه وسلم:"ليس القوي بالصرعة وإنما القوي الذي يملك نفسه عند الغضب"، ثم أليست الهمجية سوى دليل على نقص الوعي والأهلية؟ وكم تتشابه مع حالة "الهياج الجماعي" بمعناه النفسي والفلسفي؟

السوريون يحبون وطنهم وقائدهم

معروف أن السوريين بمختلف أطيافهم، ومذاهبهم، وأديانهم، وانتماءاتهم، لا ينتهكون وطنهم، وبيقينهم الكامل، يثقون، بأن من يهدف إلى التغيير والإصلاح، يمتلك عقلاً للحوار، ومنهجية قابلة للوجود في الزمان والمكان، ولا يمكن أن يأتي التطور من خلال التخريب والإجرام أبداً..

السوريون الحقيقيون يحبون وطنهم سوريا، لذلك هم يدفعون دماءهم وأرواحهم، وأولادهم، وأموالهم، في سبيل الله وسوريا والوطن العربي وأي حق إنساني لأي إنسان، لكنهم من المستحيل أن يرموا بوطنهم إلى التهلكة، فيستبيحونه، إلا إذا كانوا غير سوريين.

حب سوريا يجري في السوري، مجرى الدم والروح والنفس، وفطرته، منذ بارك الله الشام، منذ خلق الله الأكوان، وإلى أن يرث الأكوان.

لسنا إلا سوريين، ولذلك، لن ينال منا أي كان، ولن نتخلى عن مناعتنا، لأننا محصنون، بإذن الله، من كل مبتغى شرير يستهدف أمننا وأماننا، وما نغيظ به أعداءنا، فقل موتوا بغيظكم.

السوري، مفطور على المناعة، والمقاومة، والكبرياء، والشهامة، والمحبة، والتسامح، والتعاون، كما هو مفطور على مضاد الخراب والتخريب.

نعتز بأننا سوريون، عرب، إنسانيون، لا نقبل الذل كما لا نقبل التخريب، ونعتز بأن قائدنا هو بشار حافظ الأسد، ونوقن بأن ما بني على باطل فهو باطل، لذلك لا نريد سوى أن نبني بلدنا والعالم بالحب ومن أجل الحب، آخذين بعين القلب ما يحيط بنا من ظروف، مدركين بأن تحقيق المطالب تحتاج إلى اللحظة المناسبة، تلك التي أشار إليها سيادة الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد..

لا أحد على الأرض يمتلك عصا سحرية، إلا في الخرافات..

ولا دولة على الأرض مثالية..

أسئلة مضادة

وأتساءل، وليتكم تتساءلون معي:

لماذا يترك "رؤساء" الدول الأخرى شؤون بلادهم للفوضى والتمييز العنصري والديني والطائفي، ويلهثون، سباقاً، تسارعاً، إلى وطننا العربي، ليدّعوا بأنهم مهتمون بـتطبيق مصطلحاتهم التي لا تخدم إلا مصالحهم مثنى وثلاث ورباع وإلى ما لا يحصى، مثل: "الديمقراطية"، "الحرية"، "الفوضى الخلاقة"، إلخ...؟؟؟؟!؟

هل هم حزينون إلى هذا الحد على مواطن عربي فقير، أو عاطل عن العمل؟! وكيف لا يحزنون على مواطنهم الفقير والعاطل عن العمل؟! ولماذا ينجبون الإرهابيين والمرتزقة ولصوص الأوطان من فلسطين إلى بابل؟ ولماذا لا يغضبون من أجل العنصرية، والطائفية، والدينية، واللا عدالة، التي تقوم عليها بلادهم، ويزيفونها بوسائل مخملية؟

أم أنهم اختاروا أسرع الطرق الإجرامية لإغناء فقيرهم وقتل غنينا وفقيرنا؟!؟

ديمقراطية الدبابات والصواريخ، ابتكرت طريقة أسهل وأسرع واقتصادية جداً، ومربحة جداً، ومن وراء الكواليس جداً، ونصبت شباك ألغامها بين الشعوب وحكامهم، فيقتلون بعضهم، ويقتتلون، ويَحرقون ـ بكسر الراء ـ ويُـحرقون ـ بفتح الراء ـ لتمص هذه "الديمقراطية"، بعد دمائهم، ثرواتهم الظاهرة والباطنة.

لا أحد ضد الحرية، لكن أية حرية؟ وكيف؟ ولماذا؟

الحرية أن نتحاور معاً، من أجل الوطن، وهو مصلحتنا العليا، لا من أجل إحراق الوطن، والاقتتال على المناصب والسلطة.

السوري يعي، دون أن يقول له أحد، أو يكتب له أحد، بأن الصهيونية، وكل مخرب مجرم من أفراد وجماعات ودول، هو صهيونية بهذا المفهوم، سواء كان أمريكا أو المريخ، أو..

ليس من طبع السوري، ولا من طبيعته، أن يؤذي أخاه، فكيف إذا كان أخوه سورياً، ووطنه سوريا؟

كلنا نحب سوريا، سواء كنا في دمشق، حلب، درعا، حمص، بانياس، إلخ، أو سواء كنا خارج سوريا، لأن سوريا محفورة في شريط مورثاتنا الروحي، قبل شريط مورثاتنا البيولوجي.

نحن أكبر من أي تخريب إجرامي، ولا نحتاج إلا إلى مزيد من التفهم، والصبر، لكي نبني معاً وطننا الحبيب، سوريتنا، والعالم.

وعلينا ألا ننسى:"كلكم راع، وكل راع مسؤول عن رعيته".

فكيف إذا كان علينا أن نرعى سوريا، بيتنا الواحد الكبير؟

ومن لا يحب أن يكون وطنه أجمل، بالعمل المضيء، والكلمة الطيبة، لا بارتكاب الخراب.

بكل تأكيد، أهلنا في درعا وغيرها، وطنيون، وهناك التباس مدسوس فيما حدث، ولن يعود إلى الحدوث، لأن هناك مخططاً "صليبياً"، بطريقة "بوش" و"رايس"، مازال مستمراً، لتسيطر أمريكا وأخواتها، على وطننا العربي عامة، والإسلامي خاصة، ضمن حرب عالمية ثالثة، بدأت باردة، وسترتد عليهم حارقة، بدأت مع اتهامنا بالإرهاب، شعوباً وحكاماً، وتواصلت في أسماء يبتكرونها لحفلات الحروب، وبراكين الدم، وآخرها "فجر الأوذيسا"، الذي يدل فيما يدل على أن الشعب العربي، هو "حصان طروادة"، بعد غبور "الإلياذة"، بدءاً من العراق، وصولاً إلى ليبيا.

لن يكون الشعب العربي هذا الحصان، ولن يكون لهذه الحرب الملحمة فجراً آخر، وبكل تأكيد، سيشعر الرهيفون بـحزن "هوميروس"، في قبره، تماماً، مثلما يشعرون بأن "السياب" بلا ذنب، وشعره بريء من هذه المهرجانات الدموية، الطامعة بنفطنا، ثرواتنا الأخرى، أرواحنا، وأراضينا، الهادفة، أيضاً، إلى تقسيمنا، تبعاً لمخططات قديمة، وأخرى جديدة.

لسنا مع ديكتاتورية حاكم، ولا ديكتاتورية شعب، ولا ديكتاتورية أي إنسان، لسنا مع أي شكل من أشكال الديكتاتورية، فكيف إذا اكتملت الديكتاتورية، بكل ألوانها، وأشكالها، ومفاهيمها، وفنونها، هناك، في الدول التي تسمي نفسها الكبرى، بالقتل طبعاً، العظمى، بالنهب والسرقة وإشاعة الفتن. وبالمقابل، نحن الدول العربية، نعتز ببداوتنا، لأنها لا تنجب إلا الحضارة والقيم، وتسعى إلى تحرير الإنسانية من هذه الكبرى، العظمى، الطاغية، المتخمة بالفساد الأكبر، والجرائم الكبرى..

عجباً، كيف لا يرون فسادهم الأكبر؟ أليس على قلوب أقفالها؟

الحرية تبدأ من الأعماق

ليس أخيراً، لمن يريد العدالة والحرية والجمال والسلام، أن يبدأ بالتحرر من أعماقه، من ذاك السواد الكامن في أعماقه، ويطلق ما فيه من محبة ونور، وبذلك تصلح النفوس، ويختفي الفساد، وترتقي الأفعال إلى الأخلاق والقيم.