ميرة مملكة العدم (حاضر)
تقترب منى أمى وعلى وجهها البشرى.. على وجهها ابتسامة اشتاقت إليها كثيراً.. (شفتلك بقى عروسة طيبة وجميلة قوى حاتعجبك).. نظرت إليها تلك النظرة التى تعنى أننى لم انبهر بشىء.. لكننى جاملتها بابتسامة منهكة (آدام ارتباطى حايسعدك يبقى مافيش مشكلة ..نروح نشوفها النهاردة).. نهضت من مكانى وأنا أشد جسدى بصعوبة.. أعلم أنها تنظر لى من ظهرى باستغراب لكنى تركتها واتجهت إلى غرفة نومى.. أجلس على الفراش الثابت وأتأمل الجدران الثابتة.. أحاول أن أغافل الصمت وأسمع له صوتاً..أتسلى كالعادة فى حساب سنوات عمرى المنقضية بعد الجامعة.. نعم خمس سنوات.. هل يمكن أن نقول أنها مثل وجه من الصلصال نسى الفنان أن يضيف له الملامح.. هل يمكن أن نقول أنها الجزء الخالى من الشريط بعد أن تنتهى أخر أغنية.. هل يمكن أن نقول إنها الفجوة التى تقبع فى نهاية طريق كنت أظنه متصلاً.. أخرج الصور القديمة وأتأملها ..من هذا الشخص الذى كان يشبهنى ويضحك ملء فمه.. من هذا الشخص صاحب اللمعة فى عينيه ..من هذا الشخص الذى كان يمد يده ليعطى الحب من يريد.. وقفت أمام المرآة ..حاولت أن أقلد الابتسامة.. النظرة.. الوقفة.. لم أستطع.. ذلك الوجه أصبح مثل البركان الخامد.... تلك النظرة أصبحت مثل الشمعة التى تم نسيانها حتى تلاشت.. لم يعد البريق موجوداً وإنما أصبحت العين تتألم من أقل ضوء.. إنها اللحظة التى تشعر فيها أنك تسير بلا روح وتعشق بلا حب وتشرب دون ماء.. فى الليل ستذهب ليضاف دوراً جديداً فى سلسة بطولة بلامعنى..ستذهب لتلعب دور بطولة حيث زهد البطل فى التمثيل.. أرمى جسدى على الفراش.. أغلق عينى لعلى أحلم ثم أفيق لأجد نفسى فى عالم آخر.. (كم مر من الوقت).. لايهم.. ينادوننى أكثر من مرة ويذكروننى بأن المعاد قد اقترب.. (ميعاد ماذا).. لايهم.. أرتدى ملابسى العادية.. ينظر لى والدى ويذكرنى بأن أكون مميزاً اليوم..(عن ماذا يتكلم)..لايهم.. تترك الأسرة كلها المنزل وتتجه إلى هناك..(إلى أين)..لايهم.. أه لقد تذكرت.. إننى ذاهب لأرى فتاة يحتمل أن تكون خطيبتى.. يحتمل أن تكون زوجتى ..يحتمل أن تكون سماء أو أرض ولكن حيث تلاشت كل الموجودات.. نصعد سلالم البيت.. نصل إلى الشقة.. تستقبلنا الأسرة بالترحيب والعناق.. من هذا الرجل الذى يقبلنى ومن هذه السيدة المرحة التى تشد على يدى.. تظهر على وجهى ابتسامة رسمها فنان غير مقتنع باللوحة.. الكل يضحك.. الكل يرحب .. الكل يجامل.. أشترك معهم فى الحوار كالذى يشغل شريطاً مسجلاً ثم تركه وذهب.. تدخل علينا فتاة تحمل (صينية) عليها أكواب المياه الغازية.. أين رأيت هذا المشهد من قبل.. أعتقد فى التلفاز حين كنت مشاهداً..أما الآن......أعتقد لم يختلف الأمر كثيراً.. تجلس بجانبى..تتبادل الكلمات مع والدتى.. أتبادل الكلمات مع والديها.. تنظر لى والدتى نظرة ذات مغزى.. قد تكون الفتاة الجالسة بجانبى منتظرة أن أخرج منديلاً من جيبى وأفضه ليسقط الياقوت والمرجان.. أو أن أرفع قبعتى فتسقط آلاف الجنيهات.. أو أن أفتح صدرى لأخرج قلباً يحمل اسم زوجاً مثالياً.. إصفر المنديل وتمزقت القبعة وذبل القلب.. أحسست أننى انتهيت من كل العبارات المحفوظة ..إستأذن والدى فى الرحيل.. قمنا جميعاً.. شد والدها على يدى (لو عايز تفضل شوية يابنى مفيش مشكلة).. نظر لى نظرة ذات مغزى.. لا أظن أنه سوف يسامح نفسه أن ابنته جلست مع جثة.. اعتذرت بأول سبب قفز إلى ذهنى.. غادرت المنزل مع أسرتى وأنا اسأل نفسى فى الطريق.. ماذا كنا نفعل بالأعلى ومن هؤلاء الأشخاص.. لايهم.. استأذنت ان أسير بمفردى.. طريق الكورنيش الساحر ليلاً.. صوت حذائى وهو يرتطم ببلاط الرصيف.. نسمات الهواء الباردة تلعب بوجهى.. ذكرى شروق وغروب فى حياتك..كيف بعد كل ذلك أن تمنع دموعك..دموع فقدان شىء كان لديك يوماً ما وسقط.. شىء كان ينير لك الطريق المقفر.. كنت ترى الأشجار.. ترى الزهور ..تشم رائحة جنة كنت على أعتابها.. اختفى ذلك الشىء.. إنه ليس من الأشياء التى تجدها خلف جدار أو فى أعماق البحر.. قد يكون أمام عينيك أو فى أقصى مكان بعيداً عنك.. قد يكون فى هذا العالم أو فى عالم آخر.. ماذا ستفعلين أيتها الفتاة التى كنت تجلسين بجانبى منذ قليل.. كيف ستجعلين المارد أن ينفلت خارجاً بعد أن قنع بالجلوس داخل القمقم ...صدقينى ..إهربى قبل أن تسقطى وسط الحطام..............