أسعد: رزمة من التعديلات الجوهرية بما ينسجم مع التطور الاقتصادي والاتفاقات الدولية...عقوبات مشددة على المقلدين والمعتدين على حقوق الآخرين
لم تلحظ التعديلات التي أدخلت على قانون البراءات السوري في العامين 1980 و1993 تطورات جوهرية في مضامينه، على حين أبقى الفصل الذي كرسه المرسوم التشريعي 8 لعام 2007 بين النماذج الصناعية والبراءات، بقاء الأخيرة على خضوعها للمرسوم 47 الذي يعود إلى عام 1946 والذي يعتمد نظام الإيداع التلقائي للطلبات على مسؤولية المودع وليس الفحص الموضوعي للإيداعات المسجلة سابقاً حيث يقتصر دور مديرية حماية الملكية الصناعية والتجارية في وزارة الاقتصاد والتجارة على التحقق من توافر الشروط الشكلية في الطلبات المقدمة.

ويقول جميل أسعد من مديرية حماية الملكية الصناعية والتجارية: إن التطبيق العملي لنظام الإيداع أثبت عدم نجاعته، نظراً لما أسهم فيه من نشوب خلافات ونزاعات بين المودعين خارجياً وداخلياً وخاصة ما يتعلق ببراءات الاختراع المحلية التي شهدت الكثير من الدعاوى طويلة الأمد أمام القضاء.
وبيّن أسعد في حديث لـ«الوطن» أن التعدي على حقوق المودعين دفع الكثير منهم وعلى رأسهم الشركات الأجنبية إلى الإحجام عن إيداع طلبات براءات الاختراع لدى مديريته تبعاً لقناعتهم بعدم جدوى هذا الإيداع.
وأشار أسعد إلى أن المرسوم 47 لعام 1946 لم يعد يتناسب مع التطورات الاقتصادية داخل سورية وخارجها نظراً لتعارضه مع المعاهدات والاتفاقات الدولية الخاصة بحماية الملكية التجارية والصناعية التي انضمت إليها سورية خلال السنوات الأخيرة.

وأقر المرسوم التشريعي 47 لعام 2002 انضمام سورية إلى اتفاقية «استوكهولم» المعدلة لاتفاقية باريس الخاصة بحماية الملكية الصناعية، كما أقر المرسوم التشريعي 11 لعام 2003 انضمام سورية إلى المعاهدة العالمية للتعاون بشأن البراءات.

واعتبر مدير حماية الملكية في وزارة الاقتصاد والتجارة أن التقدم نحو الانضمام إلى اتفاقية الشراكة الأوروبية واتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تنص اتفاقية «تريبس» المنضوية تحت مظلتها على معايير خاصة في مجال حماية حقوق الملكية تفوق مثيلاتها المتضمنة في القانون 47 لعام 1946، مبيناً أن الانضمام لهذه الاتفاقية يلزم الدول الموقعة بتعديل تشريعاتها الوطنية بما يتوافق مع درجة ومستوى الحماية التي تقررها هذه الاتفاقية.
أحكام جديدة
وقال أسعد: إن الوزارة حصلت على الموافقة المبدئية لتعديل المرسوم 47، مبيناً أن التشريع الجديد يعيد تعريف براءة الاختراع أو نموذج المنفعة واشترط فيها توافر شروط الاختراع من حيث الجدة والابتكارية وقابلية التطبيق الصناعي.
كما ينص التشريع الجديد على إثبات الحق في البراءة للمخترع أو لمن آلت إليه حقوقه، فإذا كان الاختراع نتيجة عمل عدة أشخاص ثبت حقهم بالتساوي بينهم ما لم يتفقوا على غير ذلك، أما في حال توصل إلى الاختراع ذاته أكثر من شخص يستقل كل منهم عن الآخر فيثبت الحق للأسبق في طلب البراءة.

وأشار أسعد إلى أن التشريع الجديد يحدد حقوق صاحب البراءة بما يخوله الحق في منع الغير من استغلال الاختراع بأي طريقة دون موافقة صاحبها، وعلى وجه الخصوص صنع المنتج موضوع البراءة أو استعمال طريقة صنعه أو عرضه أو الاتجار به أو استعماله أو استيراده..

كما ينص التشريع الجديد على استنفاد حق مالك البراءة في منع الغير من استيراد أو استخدام المنتجات التي تحميها براءته لدى قيامه بتسويق تلك المنتجات في أي دولة أو رخص للغير بذلك.
ويجيز التشريع طلب إجراء كشف مسبق على الاختراعات المسجلة بعد دفع الرسوم، على أن تقوم مديرية حماية الملكية الصناعية والتجارية في الوزارة بفحص الطلبات المقدمة للتأكد من استيفائها للشروط الشكلية مع جواز استكمالها خلال ثلاثة أشهر ثم فحصها موضوعياً قبل نشرها.

وأوضح أسعد أن للمديرية في التشريع الجديد الحق في تكليف صاحب البراءة إجراء ما تراه من تعديلات يتطلب الالتزام بإدخالها خلال ثلاثة أشهر وإلا اعتبر متنازلاً عن براءته مع حفظ حقه في التظلم أمام لجنة مختصة يرأسها قاض برتبة مستشار يعينه وزير العدل.

ويحدد التشريع مدة حماية البراءة بـ20 سنة غير قابلة للتجديد، تبدأ من تاريخ تقديم الطلب إلى مديرية الحماية في وزارة الاقتصاد والتجارة، وذلك بما ينسجم مع أحكام معاهدة التعاون الدولية بشأن البراءات.
سقوط البراءات
ويحدد التشريع الجديد الحالات التي تسقط فيها البراءات أو تلك التي تصبح فيها في الملك العام.
وبطبيعة الحال تتحول البراءة إلى الملك العام في حال انقضاء مدة الحماية، إلا أنها تسقط تماماً في حال امتنع المخترع عن دفع الرسوم القانونية المستحقة ضمن المدد المحددة.
كما تسقط الحماية عن البراءة في حال تنازل صاحبها عن حقوقه للغير دون إخلال بحقوق الغير، كما في حال صدور حكم بات ببطلانها.

ويسقط حق صاحب البراءة في براءته بعد ثلاث سنوات من تاريخ منحها إن لم يضعها في الاستثمار، ويستثنى من ذلك في حال إثباته عرض اختراعه مباشرة على الصناعيين القادرين على تنفيذه، وأنه لم يرفض ذلك من دون سبب طلبات السماح باستثماره وفق شروط معقولة.

ويعرض التشريع الجديد صاحب البراءة للترخيص الإجباري «لكل ذي مصلحة يتقدم بطلب إلى مديرية حماية الملكية في الوزارة» لدى عدم استغلالها في سورية من صاحبها خلال السنتين التاليتين لمنحها، كما يسقط حقه فيها لدى تعسفه في استعمال حقوقه في الحالات التي لا يكفي فيها الترخيص الإجباري لتدارك ذلك التعسف.
الدارات المتكاملة والمعلومات
سيتضمن التشريع الجديد فصلاً خاصاً لحماية التصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة والمعلومات، ما يعد أمراً جديداً كلياً في موضوع براءات الاختراع المحلية.
ويتناول التشريع التصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة على أنها «كل منتج يتضمن في هيئته النهائية أو هيئته الوسيطة مكونات أحدها على الأقل يكون عنصراً نشطاً مثبتاً على قطعة من مادة عازلة، وتشكل مع بعض الوصلات أو كلها كياناً متكاملاً يستهدف تحقيق وظيفة إلكترونية محددة..»، على حين يقصد بالتصميم التخطيطي «كل ترتيب ثلاثي الأبعاد لدائرة متكاملة بغرض التصنيع».

كما يحدد التشريع الشروط الواجب توافرها في ميدان المعلومات غير المفصح عنها موضوع الحماية، على أن تتصف بـ«السرية» بمعنى أن تكون في مجموعها أو في التكوين الذي يضم مفرداتها ليست معروفة أي غير متداولة بشكل عام لدى المشتغلين بالفن الصناعي الذي تقع المعلومات في نطاقه.

ويجب على المعلومات موضوع الحماية أن تستمد قيمتها التجارية من كونها سرية وأن تعتمد في سريتها على ما يتخذه حائزها القانوني من إجراءات فعالة للحفاظ عليها.
عقوبات مشددة مالياً
في الوقت الذي يرتكز فيه التشريع الجديد على القانون رقم 8 الصادر في عام 2007 لناحية الأحكام العامة وتنظيم عمل وكلاء تسجيل حقوق الملكية، فقد سجل تقدماً في مناح أخرى حيث أجاز للمخترع مهلة سماح إضافية مدتها ستة أشهر لتسوية الأوضاع المالية للبراءات المسجلة، كما أفرد فصلاً خاصاً لكل من نقل ملكية الرسم أو النموذج الصناعي والترخيص باستعماله وفق الشروط الخاصة بالعلامات الفارقة.

كما يشدد التشريع المنتظر العقوبات لجهة زيادة الغرامات على وجه الخصوص بهدف ردع المعتدين على حقوق الغير والمقلدين، إضافة إلى تخصيص إحدى غرف محكمة البداية بدمشق للنظر في المنازعات والقضايا الخاصة بحماية الملكية التجارية والصناعية، وتخصيص محكمة الاستئناف للنظر في الطعون، كما يمنح أطراف النزاع الحق في اللجوء إلى التحكيم الدولي فيما يتعلق بالنزاعات حول حقوق الملكية.
وينص التشريع على تنظيم الحماية المؤقتة للأسواق والمعارض المقامة في سورية والبلاد الأجنبية والحماية من المنافسة غير المشروعة وحماية الأسرار التجارية ونظم الجوائز الصناعية، كما ينص في أحكامه العامة على التدابير الحدودية الخاصة بالمديرية العامة للجمارك وكيفية إجراء الضبط ومراقبة البضائع التي تشكل اعتداء على حق ملكية مسجل ورفع إجرءات الضبط.

ولأول مرة في سورية سينص التشريع على تنظيم إجراءات نماذج المنفعة دعماً للأفكار الإبداعية البسيطة، وذلك بدرجة أقل من براءة الاختراع.