ان ما يجري على الارض السورية في اماكن التظاهر، تحديدا في درعا، وما حدث في دوما في ريف دمشق واللاذقية وغيرها من المدن السورية هو حقا مثير للتساؤل والدهشة، فتارة نسمع الخطاب الرسمي على لسان بثينة شعبان، ان الاوامر من قبل الرئيس نفسه تدعو الى الامتناع عن اطلاق النار بأي شكل كان.
وتارة نسمع في الاعلام المحلي عن موتورين وقناصة على سطوح المنازل هم من يطلقون النار لاثارة الفوضى والفتنة، ثم سقوط عدد كبير من قوات الامن قتلى وجرحى، وما هو الا اسبوع اخر ويوم جمعة اخر حتى برز التحدي من جديد بعد التهدئة التي سمعنا عنها، وبعد خطاب الدكتور سعيد رمضان البوطي الذي حاول تهدئة الكثيرين، بعد كلامه الذي صار واقعا والذي يخبرنا عن الاصلاحات بكافة اطيافها وبتواريخ تنفيذية صادقة منه ومن الرئيس، وهذا حقيقة ما يريده الشعب عامة وبكافة فئاته، فالدكتور البوطي له مصداقية واسعة على مدى عقود فهو محل ثقة الكثير من الشعب السوري وايضا محل ثقة الرئاسة السورية منذ ايام حافظ الاسد والى الان، اذا ما الذي يجري على ارض الواقع، فها هم القتلى امس في درعا وحرستا وحمص واللاذقية ومن افراد الشعب وعناصر الامن والجيش والتعمية والتمويه بوجه وسائل الاعلام العربية والعالمية وعدم السماح لأي منها بدخول المشافي، حتى التصوير في الشوارع تجده نادرا ومن قلة تجرأت وصورت من اجهزة الهواتف النقالة، من الذي يعطي الاوامر بهذا كله ومن له القرار من قوات الامن او الجيش او المخابرات، سواء المخابرات العامة او مخابرات الجيش (الجوية) تحديدا او من قوات الحرس الجمهوري التي تأتمر بالنهاية من قبل ماهر الاسد قائد الفرقة الرابعة والتي لها ثقلها في الداخل الامني السوري، هذه التساؤلات جميعا لو نطرحها على الشعب الذي اراد التظاهر سلميا او وهو يشيع شهداءه تجده شعبا طيبا اعزل يريد الحياة الكريمة، وبغضب وحزن عفوي مما جرى لأحبتهم واهل بلدهم لتجده اجاب انهم هم الامن او الجيش او المخابرات لا يهمه ان يحدد الفئة التي تقتل، بل يهمه ان يعلن انهم مواطنون عزل تم الاعتداء عليهم وتفريقهم وقتلهم وهم يريدون العيش بكرامة وأمن.
السيناريو الذي نتحدث عنه هو حقا مرعب لأن حلقة خفية وراء هذا التباين والاختلاف، وهي الخلاف الناشئ داخل الرئاسة ومصنع القرار في دمشق ما الذي يجري اذا ومن هم المختلفون وما الذي سيحصل وكيف ستنتهي الامور.
كلنا يذكر الخلاف الذي نشأ بين الراحل حافظ الاسد واخيه رفعت على السلطة في ثمانينيات القرن الماضي والانقلاب الذي كان قاب قوسين او ادنى الذي قاده رفعت ضد أخيه اثناء وجوده في المشفى، وكيف ان حكمة الهية حالت دون تنفيذه، والذي كما قلنا كان يفصله عن الحدوث ساعات محدودة حيث استطاع الراحل حافظ الاسد وبدهاء ان يقنع اخاه وبحضور الأم السيدة ناعسة وهي التي كانت نقطة ضعف رفعت ان يسحب رفعت الاسد قواته من محيط مدينة دمشق، وبعد الاتفاق بين الاخوين ليبقى رفعت الاسد حرا في التصرف في الاقتصاد السوري ولمدة ما يقرب من سنة، حيث تحولت الليرة السورية الى خمس قيمتها الحقيقية وبعد ان سحب رفعت الاسد اكثر من ثلاثين مليار دولار من اقتصاد السوق السوري بعد ضخ هذه القيمة من الدولارات بطباعة الليرات السورية بدون رصيد، انهت اثناءها المشكلة وبقيت سورية منهكة اقتصاديا حتى الان، هنا بيت القصيد وهنا نجد الرئيس ونجد من يحاول ان ينازعه الرئاسة، ولكن على اسلوب مختلف ليس الكرسي او منصب الرئاسة هو المطلوب تحديدا، لكن الصلاحيات التي يملكها الرئيس بشار حاليا في مطبخ صنع القرار السوري هي صلاحيات محدودة، فلكل من ماهر الأسد (الشقيق) واللواء اصف شوكت (الصهر) وبعض القيادات العلوية غير المعلنة او التي ليس لها منصب محدد امثال رامي مخلوف وغيره لها اليد الطولى في سورية وفي القرار السوري الداخلي فقط لنكون منصفين، فالقوة يجب ان تستعمل ضد من يفكر في تغيير الوضع القديم، الذي مرت عليه عقود، هذا رأي البعض والرئيس يريد الا تستعمل القوة والرصاص الحي ضد أي من الناس فتصدر الاوامر من هنا ومن هناك ومن قيادات الحرس الجمهوري، التي كما قلنا لها الـتأثير الاكبر في الداخل السوري كما ان بعض القوى المخابراتية في محيط دمشق والجوية تحديدا، أمثال اللواء ابراهيم حويجة هو دولة بحد ذاته وله وزنه وقراره الذي يمكن لنا ان نقول عنه انه مستقل او متفرد .