لندن ـ 'القدس العربي': اليقظة العربية لم تبدأ في تونس بحرق محمد البوعزيزي نفسه او تدمير كنيسة قبطية في مصر مع انهما حدثان مثيران، لكنها بدأت في لبنان عام 2005 بمقتل الحريري.
هذا ما جاء في مقال مطول لروبرت فيسك في صحيفة 'اندبندنت' عن الثورات العربية وتحدث فيه عن اليقظة العربية ونقل تقارير كتبها منتفضون عن اسباب انتفاضتهم ورد الفعل المتشابه من حكام الدول العربية في سورية واليمن وليبيا وتونس عليها، اعلام مضلل وحديث عن تدخل خارجي، قمع للمتظاهرين ووعود باصلاح غير صادقة ولعب الورقة الطائفية، وفي الحالة السورية القاء اللوم على تيار المستقبل الذي يتزعمه نجل رفيق الحريري سعد. كما ان الادلة الدعائية التي تحاول حفظ النظام تحاول تضخيم عدد المواطنين الداعمين للرئيس.
وتحدث الكاتب الذي يعيش في بيروت منذ عقود عن الدور السوري الذي استمر 29 عاما فيها، وكيف تغلغل التأثير السوري في كل مجالات الحياة وصارت المخابرات هي التي تحكم، فيما استمرت الاغتيالات السياسية حتى بعد رحيل السوريين. وقال الكاتب انه عندما احتج الثوار الخضر في طهران على الانتخابات التي فاز فيها محمود احمدي نجاد عام 2009 سأل المتظاهرون عن ثورة الارز وهو الاسم الذي اطلقه الامريكيون عليها (وهو الاسم الذي لم يثر اهتمام اللبنانيين انفسهم) مؤكدا ان ما يجمع شباب الثورة الخضراء بالشباب اللبنانيين هو نفس القطار الذي يقود للحرية والانسانية.
وقال ان قوات الامن التي روعت ولاحقت المنتفضين لم تقف في صف الثورات على الرغم من ان الكثيرين في العالم العربي والاسلامي املوا بحدوث ذلك، لكن رجال الامن عادة ما ينفذون ما يطلب منهم، خذ مثلا، يقول الدليل الذي بحوزة الصحيفة عن الامر الذي اصدره الامير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية السعودي قبل احتجاجات 11 آذار (مارس) اي قبل تحركات 'ثورة حنين' التي نظمتها جماعات شيعية وسنية، واختير الاسم لان الانتصار الذي حققه المسلمون بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، على الكفار كان صعبا، وجاء في البيان 'الى كل رؤساء مراكز الشرطة الشرفاء في كل مناطق الرياض ومكة والمدينة والبحر والقصيم ومناطق الحدود الشمالية في تبوك والشرقية والقصير ونجوان وجيزان وقادة قوات الطوارئ الخاصة، بالاشارة الى حديثنا السابق فان ما يطلق عليها ثورة حنين ان كانت موجودة، وهدفها الذي يهدد امننا الوطني: فهذه الجماعة من الضالين تقوم بنشر الشر في ارضنا، وعليه فلا تظهروا اية رحمة تجاههم، اضربوهم بيد من حديد. ويسمح لكل الضباط وافراد القوى باستخدام الرصاص الحي، هذه ارضكم وهذا دينكم، فان ارادوا تغيير هذا او استبداله فعليكم بالرد، نشكركم ونتمنى لكم الحظ'.
ويقول الكاتب ان هذا الامر المثير للغضب يجب ان لا يستمع له، وتعرفه امريكا التي شجبت فعل الاسد لكنها لم تنبس باي شيء حتى الان. وقال ان الشيعة مستهدفون ايا كانوا سعوديين او بحارنة ـ سوريين او لبنانيين. وقال ان تصريحات الامير نايف تستحق النظر والتحقيق من قبل محكمة جرائم الحرب الدولية.
ويرى الكاتب ان مشكلة الانظمة العربية التي واجهت ثورات انها قضت وقتا طويلا في التجسس على الاجانب وجمع معلومات وملفات عن مواطنيهم اكثر من الوقت الذي قضته لفهم حاجياتهم الاساسية ومظاهر سخطهم. ويذكر مثالا عن مراسل لوموند في ايران الذي اصبح سفير فرنسا في تونس كيف كان زين العابدين بن علي حريصا على الحصول على جهاز متقدم للتجسس على الاسلاميين ومواجهة التوتر مع ليبيا وعلى السفارة الفرنسية، ومع انه فشل في اختراق السفارة هذه، الا انه فشل في معرفة الكثير عن شعبه. ويرى الكاتب في المقال المطول ان هناك توازيا بين ما حدث في تونس وبين سورية حيث كان رد فعل الرئيس الاسد على احداث درعا بالاعلان عن فصل محافظها ويقول ان هذا تصرف متأخر.

دعم امريكي

لكن الامريكيين يقولون انهم دعموا الثورات من خلال برامجهم لتدريب الناشطين وفق ما قالت صحيفة 'نيويورك تايمز' ان الثورات في العالم العربي جاءت بسبب مساعدة الولايات المتحدة جماعات صغيرة لدعم ونشر الديمقراطية، وقالت انه مع ان الولايات المتحدة انفقت المليارات على دعم الجيوش والانظمة الديكتاتورية الا انها دعمت جماعات صغيرة مما يجعل من امريكا الادعاء انهاء جهودها في بناء حملات الديمقراطية في العالم العربي لعبت دورا في الربيع العربي. فقد ادت الحملات حسب الصحيفة الى بناء حالة من السخط ضد الانظمة الديكتاتورية اضافة الى تدريب قادة حركات العمل المدني في امريكا والذين عملوا على بناء وسائل اعلام واتصال ومراقبة الانتخابات. وذكرت الصحيفة ان عددا من الافراد الذين لهم علاقة مباشرة بحركة الاصلاحات مثل حركة 6 ابريل المصرية والمركز البحريني لحقوق الانسان والناشطة انتصار القحي من اليمن تلقوا تدريبا ودعما ماليا لمشاريعهم من مؤسسات من مثل المعهد الجمهوري الدولي ـ التابع للحزب الجمهوري، والمعهد الوطني الديمقراطي وبيت الحرية، وهي منظمات غير ربحية امريكية.
وبنت الصحيفة نتائجها بناء على مقابلات مع مسؤولين ووثائق سربتها ويكيليكس الموقع المتخصص بكشف الوثائق الامريكية والسرية. وقالت الصحيفة ان عمل هذه المؤسسات غالبا ما ادى الى توتر بين امريكا وعدد من قادة الدول في الشرق الاوسط. وقالت ان هذه المؤسسات التابعة للجمهوريين والديمقراطيين وانشأها الكونغرس ومولت من قبل وقفية الديمقراطية منذ عام 1983. وتتلقى الوقفية 100 مليون دولار من الكونغرس فيما يحصل بيت الحرية على الجزء الاكبر من التمويل. ومع ان احدا لا يشكك في ان الانتفاضات العربية تمت بدون تدخل غربي الا ان الخبراء الامريكيين يقولون انهم لم يدربوا الناشطين للقيام بثورات ولكن من اجل تطوير مهاراتهم وقدراتهم الاتصالية.
وقال ستيفن ماكلينري من مشروع الديمقراطية في الشرق الاوسط ان التدريب الذي تلقاه الناشطون لعب دورا بما حدث لاحقا ولكنهم اي الناشطين هم الذين صنعوا ثورتهم، مؤكدا ان هذه ثورتهم. وتقول الصحيفة ان بعض الشبان المصريين شاركوا في لقاءات تكنولوجية في عام 2008 عقدت في نيويورك حيث تعلموا كيفية تنظيم الشبكات الاجتماعية والتكنولوجيا المتحركة ونشر الديمقراطية، ودعم اللقاء فيسبوك وام تي في ومدرسة القانون في جامعة كولومبيا ووزارة الخارجية.
ونقلت عن ناشط مصري قوله انهم تعلموا في هذه اللقاءات كيف يقيمون تحالفات حيث ساعد ما تعلموه اثناء الثورة. ونقلت عن ناشطة يمنية شاركت في برنامج تدريبي في اليمن ان ما تعلمته ساعد لانها كانت تعتقد ان التغيير يحصل فقط من خلال القوة والسلاح ولكن ما يحدث الان اقنعها ان التغيير يمكن ان يحصل بالطرق السلمية. ولكن ناشطين عبروا عن غضبهم واتهموا امريكا بالنفاق لانها ساعدتهم وفي نفس الوقت واصلت دعم الانظمة الديكتاتورية في بلادهم. وتظهر التقارير الامريكية ان البرامج التي دعمت من خلالها المنظمات غير الحكومية ادت لتوتر مع الحكومات في مصر وشمال افريقيا التي قامت بمحاولات لاضعافها.