تعد مدينة حلب من أقدم المدن في العالم التي حافظت على وجودها حتى اليوم، وهي مدينة كبيرة ذات أهمية جغرافية وتاريخية واقتصادية، جمالها يزداد على مرِّ الأيام والأزمان. تقع على مفترق الطرق التجارية الكبرى، وعلى حدود البادية، تعتبر عاصمة الشمال، وهي أهم وأكبر محافظات سوريا من حيث عدد السكان، تبلغ مساحتها 18.498 كم²، ويتبع لها 10 مدن و8 مناطق و40 ناحية وعشرات القرى.
ورد أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قد خيّم في مرتفع الحصن وسط مدينة حلب الذي أصبح بعدئذ قلعة حلب،
وكان يحلب غنمه ويتصدق بحليبها على الفقراء الذين كانوا يقولون “حلب” الشهباء، أي حلب غنمه أو ماعزه فسميت المدينة (حلب) نسبة إلى ( إبراهيم الخليل ) عليه السلام. ويقول المؤرخين أن اسم (حلب) والأسماء الأخرى مثل خلابة وخالوبو وخلبو كانت تطلق على المدينة قبل وجود إبراهيم ا لخليل عليه السلام في حلب .
ذكرت الكثير من المخطوطات والوثائق التاريخية أسماء عديده لحلب فقد ورد ذكر حلب في رقم مملكة إيبلا باسم ( أرمان ) كما ورد اسمها مكتوباً ( حلبا )، في رقم مملكة ماري ( 1750 ق.م ) عاصمة لمملكة يمحاض ( يمحد ) عاصمة شمال سوريا في عهد الأموريون ، واسمها ( بيرويه ) في العصر الهلنستي، وقيل بأن كلمة حلب تعني في اللغة العمورية معادن الحديد والنحاس، أما في الآرامية فإسم حلب محرف من ( حلبا ) التي تعني البياض نسبة إلى بياض تربتها وحجارتها، وقد ذكر خير الدين الأسدي أن كلمة حلب مؤلفة من كلمتين ( حل-لب) أي مكان التجمع وتركز الناس، وقد أطلق عليها سلوقوس نيكاتور ( أحد قادة الاسكندر المكدوني ) عام 312ق.م اسم(Bereoa) بيرواو تلفظ بالفرنسية بيريه (BERE) ، على اسم مسقط رأس فيليب والد الإسكندرالمقدوني، وبقيت حلب تحمل هذا الاسم طيلة العصور اليونانية والرومانية والبيزنطية.

كان لها دوراً حضارياً متميزاً في كافة العصور والحضارات التي قامت في شمال سوريا وبلاد مابين النهرين منذ الألف الثالث قبل الميلاد، فقد كانت تقصد كمكان مقدس لعبادة الإله حدد أحد الآلهة السورية في التاريخ القديم .
ويميل بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن استيطان المنطقة التي تقوم عليها مدينة حلب يعود إلى آلاف السنين، فقد عاصرت مدن إيبلا ونينوى وبابل وممفيس وماري وأوغاريت وأور وأفامية وكركميش والرصافة، وقبل ذلك سكنها إنسان العصر الحجري حسبما دلت المكتشافات الأثرية والكهوف في منطقة المغاور القريبة من مدينة حلب المساكن والبيوت المحفورة في الصخر.
فيها متحف غني يضم أقدم ما خلفه الإنسان من هذه الحضارات، كما يحوي مقتنيات الآثار المكتشفة في أهم الحواضر السورية القديمة: ماري وإيبلا و آثار حوض الفرات وحماة وتل حلف وغيرها. كما يوجد فيها متحف التقاليد الشعبية داخل بناء حلبي يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر يحتوي على النفائس الحلبية والأزياء الشعبية التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام.


مدينة حلب هي الثالثة في الممتلكات العثمانية بالأهمية بعد القسطنطينية والقاهرة، وما تزال تحتفظ بكنوزها الأثرية الإسلامية.
يحيط بالمدينة القديمة سور أثري يعود إلى العهود الإسلامية، يمتاز بأبراجه الدفاعية وأبوابه الكثيرة المحصنة، ولا يزال قسم منه قائماً مع عدد من الأبواب، أهمها: باب الفرج وباب النيرب وباب الحديد وباب قنسرين وباب النصر وباب أنطاكية وباب المقام وباب الجنين، ولكل باب من أبواب المدينة قصة وتاريخ.
حلب شهيرة بمساجدها التاريخية، منها مسجد كبير يدعى المسجد الأموي الكبير وفيه ضريح نبي الله زكريا عليه السلام، وأعداد كبيرة من الجوامع والمساجد والمقامات وشواهد هامة في التاريخ الإسلامي، وكذلك أبنية ومنشآت وكنأئس تاريخية كثيرة وهامة مثل كنيسة الأربعين شهيد وكنيسة السيدة وكنيسة العذراء مريم وكنيسة سيدة الانتقال وكنيسة الأرمن والكنيسة الإنجيلية وغيرها، وفي المدينة الكثير من الأبنية الأثرية والقصور والخانات القديمةالتي تحول بعض منها إلى فنادق رائعة يؤمها السياح من كل مكان.



كانت تجارة حلب القديمة متمركزة في الأسواق والخانات التي كانت يسميها الحلبيون ( المْدينة )، وتعتبر من أجمل أسواق مدن الشرق العربي والإسلامي لما تمتاز به من طابع عمراني جميل، فالنوافذ الموجودة فيها توفر النور والهواء فتؤمن جواً معتدلاً لطيفاً يحمي من حر الصيف ومن أمطار وبرد الشتاء.
يبلغ عدد الخانات المخصصة للتجار الغرباء فيها 68 خاناً إلى جانب القيسارات التي يقدر عددها بـ 187 قيسارية، كما يبلغ تعداد أسواقها 37 سوق ومجموع أطوال هذه الأسواق على الجانبين 15 كم ومساحتها 16 هكتار .
يقسم الباحثون أسواق حلب القديمة إلى مجموعتين، الأولى على شكل خطوط متوازية مع جدار الجامع الأموي الكبير الجنوبي، ويعود تاريخها إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، والمجموعة الثانية مكونة من سوق وخان قيسرية فيها مجموعة من الدكاكين، وتعود أصول أسواق حلب القديمة إلى القرن الرابع قبل الميلاد، حيث أقيمت المحال التجارية على طرفي الشارع الممتد من قلعة حلب وباب أنطاكية حالياً، وأخذت الأسواق شكلها الحالي في مطلع العصر العثماني، وهي في وضعها الراهن تحمل طابع القرن السابع عشر، كما أن سقوفها كانت مغطاة بالحصى والقصب، ولكن في عام 1868م احترقت فأمر الوالي العثماني آنذاك ببنائها على طريقة الجملون مع النوافذ السقفية.
أهم الأسواق والخانات: سوق خان الحرير – سوق العطارين – سوق الياسمين – سوق العتمة – سوق النسوان – خان الجمرك‏ – خان الوزير – خان البنادقة – خان خيري بيك – خان الشونة, سوق المهن اليدوية.

يتكون البيت الحلبي من نموذج بناء منفتح نحو الداخل، ومنغلق تجاه الخارج، حيث يمثل الصحن نواة البيت، تصطف حوله الغرف في طابق واحد أو طابقين، ويوجد في البيوت الحلبية مصاطب صغيرة تغطيها عرائش العنب، أعدت خصيصاً للموسيقيين وأصحاب الطرب، الذين يمتعون المدعوين في المناسبات السعيدة والحفلات العائلية.. ويرتبط حجم البيت الحلبي واتساعه بالوضع المادي للسكان، وبناء عليه نجد بيوتاً بسيطة تحوي صحونها غرفاً قليلة على طرف واحد أو طرفين، في حين أن البيوت الكبيرة تحيط الغرف صحونها من ثلاث جهات، ومعظم هذه الغرف مشيّدة على طابقين، وقسم منها تحت الأرض على شكل أقبية، ولبعض البيوت صحن مستقل للتخديم.
الإيوان جزء من طراز البناء العربي في سورية منذ القرن الثاني عشر الميلادي، ولا يقتصر على بيوت السكن فقط، بل نجده أيضاً في الأبنية العامة مثل الجوامع والبيمارستانات والمدارس.‏






حمام يلبغا الناصري









سوق المهن اليدوية