يعتبر موضوع التنمية الإدارية والإصلاح الإداري موضوعاً استراتيجياً, لتطوير المجتمع وبنيانه التنموي ضمن تحديات ضعف الخبرات ونقص القادة, وانتشار الفساد وتخلف طرق الرقابة, وضعف منهج التحفيز, وضعف آليات التعيين والاختيار وعدم وجود بنوك وطنية للمعلومات, وعدم بناء القرار الإداري بناءً على معطيات وتوجهات وطنية وانتشار احتكار المعلومة والخبرة والأنانية والسعي لتحقيق المصالح الشخصية.وتأتي أهمية الإدارة من كونها أهم العناصر الحركية الهادفة إلى دفع حركة الإنتاج, وتحسين مستويات الأداء حيث أن تحقيق التقدم والتطور في كافة ميادين الحياة يتوقف بالدرجة الأولى على مدى كفاءة أجهزة الإدارة العامة في فهم واستيعاب الأهداف الحالية والمستقبلية لحركة التطور والعمل على تحويلها إلى إنجازات ملموسة على أرض الواقع ولن تقوى أجهزة الإدارة العامة التقليدية المتقوقعة والمتمسكة بالنهج القديم على النهوض بعملية الإصلاح الإداري الذي يقود إلى الإصلاح الشامل بالنسبة لإحداث تغيرات هيكلية واسعة للتخلص من التعقيدات الإدارية وتبني أساليب متطورة تكفل ترشيد اتخاذ القرارات وتعظيم المنافع من خلال الاستخدام العقلاني لكافة الموارد المتاحة. (2)إذاً لا يمكن الحديث عن أي تقدم في البرامج الإصلاحية دون وجود إدارة قوية يمكن الاعتماد عليها في تحقيق الخطط والبرامج الحكومية بكفاءة عالية, إدارة وطنية لا يمكن أن تتلطخ أيديها بالفساد واللامبالاة واللامسؤولية، إدارة تتخذ من الأسس العلمية والنظريات الحديثة منهجاً وشعاراً.والخطأ الكبير الحاصل في سورية والذي استمر لفترة طويلة من الزمن هو وضع الإدارة والملكية في يد جهة واحدة تتمثل في مجالس الإدارات أو اللجان الإدارية, التي كانت تمثل المالك (الدولة أو المجتمع) وبالوقت نفسه تقوم بمهام الإدارة, وهذا يخلق ازدواجاً خطيراً يؤثر تأثيراً سلبياً على مستويات العمل والإنتاج, لأن من يقوم بمهام الإدارة هو نفسه من يراقب ويقييم نتائج أعماله, وعليه فإن الإدارة بهذا الشكل ومهما تمتعت بموضوعية من المتعذر عليها أن تكشف عن مواطن الخطأ في أدائها, ومن هنا تأتي أهمية الفصل بين الإدارة والملكية في سورية عن طريق تشكيل مجالس إدارات مستقلة عن الجهاز التنفيذي في الشركات والمؤسسات استقلالاً تاماً وكاملاً, وبحيث يكون لمجلس الإدارة كل الصلاحية في رقابة وتقييم الأداء. (3)إن تملك الإدارة والملكية (القطاع العام ) في يد جهة واحدة يقود إلى الفساد والتمادي في الخطأ, لعدم رقابة فاعلة وصارمة تردع الراغبين في الحصول على مكاسب غير مشروعة, على حساب تردي وخسارة القطاع العام.وقد جنح عدد من الفقهاء إلى جمع مظاهر الفساد الإداري في خمس مجموعات(1)1) مظاهر الفساد والانحراف الوظيفي أو التنظيمي, وتتعلق بالمخالفات التي تصدر عن الموظف العام أثناء تأديته لمهام وظيفته, والتي تتعلق بصفة أساسية بالعمل وبحسن انتظامه, كعدم احترام أوقات ومواعيد العمل في الحضور والانصراف أو تمضية الوقت خارج مجال العمل.2) مظاهر الفساد والانحراف السلوكي, والمتعلقة بمسلك الموظف الشخصي وتصرفاته, كأن يرتكب فعلاً فاضحاً مخلاً بالحياء في أماكن العمل أو أن يلعب القمار أو يستعمل المخدرات أو أن يسيء إلى مصلحة الجمهور.3) مظاهر الفساد والانحرافات المالية, وتتمثل في مخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها أو مخالفة القواعد والأحكام الخاصة بطبيعة عمل كل إدارة أو مؤسسة أو مخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية, كالجهاز المركزي للرقابة المالية.4) مظاهر الفساد والانحرافات الجنائية وفي مقدمتها الرشوة المنتشرة في جميع المستويات الإدارية والحكومية المركزية وفي الإدارة المحلية، ولها صور عديدة مالية ومادية ومعنوية تؤدي جميعها إلى إسقاط هيبة الوظيفة العامة وهيبة الدولة. 5) مظاهر الفساد والانحرافات في عملية اختيار الموظفين والعاملين في الدولة, فحتى الآن ما يزال الحصول على وظيفة يتم بشكل مخالف للقوانين والأنظمة, والتي تؤكد على الكفاءات والمقدرات العلمية والشخصية والأخلاقية لطالب العمل, فالتوظيف يتم بالمحسوبية (الواسطة) وضمن تقاليد اجتماعية وقبلية, هذا بالإضافة إلى دفع مبلغ معين من المال للحصول على وظيفة, وكلما كانت الوظيفة جيدة كلما ارتفع المبلغ المدفوع، هذا بالإضافة إلى تدخل الأجهزة الأمنية في تعيين الموظفين من حيث انتماءاتهم للحزب أو توجههم الفكري والعقائدي, والكثير من المواطنين في سورية تم رفضهم على هذا الأساس.والخطر الشديد أن الأداء الإداري قد استفحلت فيه الفوضى وانحدر إلى المستويات الدنيا في ظل اتساع الفجوة مع العالم المتقدم, مما يعرضنا لخطر الخروج من عملية التطور, وتحولنا إلى مستهلكين لإنتاج الآخرين (سواء مستهلكين إلى أفكارهم أو موادهم) وهذا يضعنا على مفترق طرق خطر, يجب تجاوزه بالإرادة والعمل الدؤوب على إصلاح الإدارة من كل الأمراض المستفحلة في أجهزتها ومؤسساتها.