في عام 1938 كتب رينه تريس مقالا في مجلة الحديث الحلبية تناول فيه مراحل الانتقال من اللباس المحلي الى اللباس الغربي في سوريا قال فيه :

اذا قرأنا ما كتبه السائحون عن الشرق و اطلعنا على المراسلات القنصلية نجد أن اللباس السوري مر في تطوره بعدة مراحل :

المرحلة الاولى حتى عام 1832 م كان الأجنبي المقيم في البلاد السورية أو المارّ بها مجبر على ارتداء الثوب المحلي السوري ( القنباز ) .

وخلال المرحلة الثانية من عام 1832 حتى 1859 م كان الموظفون فقط يرتدون الثوب الإفرنجي ( جاكيت و بنطلون ) لأن الحكومة كانت تؤيده ولكنه بقي مرفوضاً من قبل الاهلين .



موظف عثماني حلبي رفيع الرتبة

و في الفترة ما بين 1860 – 1870 م لقي اللباس الافرنجي قبولاً من جراء الحركة الإصلاحية التركية .

و أخيراً بدأ الناس يهملون الثوب الأهلي ( القنباز ) الذي بقي محصوراً في فئة من الناس كالفلاحين و العطارين و الصناع.



القنباز

و بذلك يكون الانتقال من اللباس المحلي ( القنباز ) الى (الجاكيت و البنطلون) قد تم تدريجيا خلال مائة عام و استمر بالانتشار خلال بدايات القرن العشرين .



الوجيه الحلبي المسيحي شكري عرقتنجي

اللباس العثماني الرسمي

إن السائحين في أوائل القرن التاسع عشر لاحظوا الفرق بين الثياب في البلاد العثمانية وثياب الإفرنج في ذلك الوقت و قارنوا بين سعة الأولى و حمرتها و اختلافاتها ، و ضيق الثانية ووحدة أنماطها .

وكان العثمانيون يسمون الإفرنج قروداً بلا ذنب استهزاء بمنظر ثيابهم التي كانت لا تستر بعض أجزاء الجسم ، تلك الأجزاء التي اعتاد الشرقيون سترها .

إلا أن هذا الحال لم يستمر ، فبالرغم من غرابة الثوب الإفرنجي فقد جاز ارتداؤه في استانبول وفي المرافئ الكبيرة من البلاد العثمانية .

أما في المدن الداخلية و خاصة دمشق ، فكان الخاصة حتى سنة 1832 م ينحون باللائمة و الشتيمة على من يلبسه .

وكذلك في بعض المرافئ الخاصة الصغيرة قد بقي القناصل محتفظين بالثوب الأهلي المحلي ( القنباز ) .


و الذين كانوا بدورهم أيضاً مضطرين لارتداء اللباس المحلي ( القنباز ) هم:


1- السائحون الذين يمرون في البلدان السورية و الفلسطينية و ذلك بقصد الابتعاد عن شتائم الأهالي و احتقارهم .

2- العاملون في القناصل الافرنسية و في المتاجر الصغيرة الخاصة الفرنسية .

3-الإرساليات الكاثوليكية ا لآتية إلى سورية منذ سنة 1827 حتى سنة 1831 م.

ولكن التطور الطارئ على اللباس لم يبق كالسابق محصوراً في نطاق استانبول و المرافئ الكبرى فقد اهتمت به الحكومة و كان لها أثر في توسيع دائرة انتشاره.



جاكيت فرنجي و قنباز

وكان البادئ في هذا العمل محمد علي باشا المصري فقد أبدل الألبسة العسكرية و الملكية فتحولت إلى شكل بسيط، و بينما كانت الألبسة التركية واسعة أصبحت مؤلفة من رداء علوي مختصر Bolero و سروال ، و كذلك بدل غطاء الرأس التركي ( القلبق ) بالطربوش .



طقم فرنجي و طربوش

و منذ ذلك الحين أخذ السلطان العثماني يقلد محمد علي باشا في هذا الأمر فأصدر حوالي سنة 1829 – 1831 م فرماناً بتعميم اللباس الأوربي بين الموظفين و لبس – الردانكوت الافرنجي الطويل – وهذا التطور لم يحدث دون إثارة الغضب و الاستياء و المقاومة لدى الأفراد .

وقد شجع هذه الحركة الإصلاحية دخول إبراهيم باشا إلى سورية سنة 1832 – 1840م فكان المصريون إذ ذاك يهزؤون بالسوريين و ينظرون إليهم كمتأخرين و كان من أمرهم أن فرضوا عليهم احترام الشخص الأوربي و لباسه حتى في دمشق .

و كان شريف باشا حاكم دمشق المصري من محبي اللباس الغربي و لذا كان يستخف بعقلية الشعب و يلوم الإفرنج حينما كانوا يزورنه باللباس التركي و يقول لهم يجب أن يعلم الشعب التركي أن الزمان تغير و تحول .



الشروال بقي للباعة الجوالين

و في سنة 1832 م لما دعي القنصل الانكليزي لزيارة دمشق دخل ديوان الحاكم بألبسة بلاده و كانت زيارته هذه بالألبسة المذكورة مفاجأة غير منتظرة .

لكن مساعي المصريين لتبديل شكل اللباس لم تنجح بسرعة فالألبسة الأوربية لم يكن لها أقل تأثير على نمط الألبسة السورية في الداخل مدة أربعين سنة لأن الأفراد أرغموا على ارتدائها إرغاما ، و في سنة 1829 م لم يكن هناك خياط بدمشق ليخيط الألبسة الغربية .

وفي سنة 1841 خرج المصريين عاد الأتراك لسورية دون أن يغيروا شيئاً في الأمور إلا أن الأوربيين بقوا أحرارا في ارتداء ألبستهم الوطنية .

و قد لبس (( جه رار دونه ر فال )) ثيابه نفسها في تركيا لما زارها ، وصار محافظو القنصليات أحراراً بأزيائهم يلبسون الثوب الأوربي كالغربيين.

ولكن في المدن الداخلية بقي الثوب الأوربي ممقوتاً وعم استعمال الثوب الإفرنجي شيئاً فشيئاً في الساحل و بقي منبوذاً في الداخل خلال زمن طويل .

إلا أن الحالة تبدلت حينما سهلت المواصلات بين الداخل و الخارج ، ودخل السوريون في الجيش و الوظائف الإدارية التركية و الرسمية العامة ، و ذهب أبناء الأغنياء و الوجوه إلى استانبول قصد الدراسة .

فانتشر الثوب الغربي و أصبح علامة الرقي و الثقافة، و انتهى دوره في الأوساط الشعبية تحت تأثير هذه العوامل .


يتبع