1.1.3 هل تحفز الملكية الفكرية الإبداع.
لقد ناقشنا التبعات القانونية لتشريعات حقوق النسخ، سنتحدث الآن عن أثرها على الابتكار. يدعي المالكون أن كل سيئات رخصهم المقيِّدة يمكن إهمالها (أو تقليل أهميتها) عندما نقارنها بالحل الآخر الوحيد؛ ألا وهو إذا لم نمنحهم هذه الحقوق لن يقوم أحد بتزويدنا "بالمنتجات الفكرية" (مثل البرمجيات). يتفق الجميع على أن اهمال مصلحة العموم لحساب مصلحة القلة هو فكرة سيئة، ولكن قيل لنا أن هذا هو الخيار الوحيد، وسنناقش فيما إذا كان هذا الإدعاء صحيح.
دعونا لا نتحدث عن المعيقات البيروقراطية (إجراءات المكاتب) المرتبطة بتسجيل حقوق النسخ وبراءات الاختراع، حيث يتجاهلون المبتكرين الأفراد ويتخذون موضع سخرية بمقولة "كل ما يمكن أن يُخترع قد تم اختراعه منذ زمن وانتهى الأمر" (مدير مكتب براءات الاختراع الأمريكي Charles Duell عام 1899) وفي المقابل تعطى الشركات ذات رؤوس الأموال الهائلة والمحامين الكبار الحق في تسجيل ليس فقط ما ابتكره غيرهم بل وما هو مسجل باسم غيره! "وهذا يعكس خلل في قسم مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية الأمريكي، المشهور بأحكامه الهزيلة وتراخيه." مقتبسة عن "لماذا لا يوجد ملفات GIF على صفحات غنو" في حديثهم عن خوارزمية ضغط LZW المودعة باسم طرفين مختلفين في فترتين زمنيتين مختلفتين ومتقاطعتين.
كمثال على سيّئات EULA أن الكلفة تحدد بعدد المستفيدين النهائيين (وليس بعدد الأقراص أو الأجهزة). مما يزيد من كلفة التحديث على دول العالم الثالث لأن الدولة التي تخطط لزيادة عدد الأجهزة من 1000 إلى 2000 عليها أن تضيف إلى ثمن الألف جهاز الجديد ثمن ألف رخصة EULA. مثل هذه الرخص له مردود سلبي على دول العالم الثالث، حيث هناك عدد قليل من الشركات التي تنتج البرمجيات، إنها جنة المحتكرين الذي يحددون ما يسمح للناس بالقيام به وما لا يسمح مثلاً قد يكون الاختبار أو التطوير أو التعريب ممنوعاً وفق هذه الرخصة وهو أمر يشبه قانون منع التفكير. في الاقتصاد المعرفي يقسم العالم إلى ثلاث طبقات: الطبقة الأولى: مالكين لحقوق النسخ وبراءات الاختراع ممن لديهم الحق الحصري في التفكير والتطوير والنسخ ... إلخ. الطبقة الثانية: مستهلكي المعرفة ممن رخص لهم (مقابل المال) بحق استعمالها المقيّد (لا يشمل النسخ والتطوير والترجمة والموائمة والإعارة والتّصدّق...) بشرط أن يحرموا بقية العامة منها. الطبقة الأخيرة: هم من لا يقدرون على دفع كلفة الرخصة ولا يملكون الحق أو القدرة على عملها بأنفسهم. هذا يذكرني بحال الحضارات التي لم يصلها الإسلام مثل الحضراة الهندية منذ 2000 سنة قبل الميلاد كانت الكتابات باللغة السنسكريتية التي لا يجوز أن يتعلمها العامة. أو بأوروبا في القرون الوسطى عندما كانت العلوم باللغة اللاتينية التي لا يتقنها إلا النبلاء.
المثال التالي (على الرغم من أنه خارج عن موضوع اهتمامنا) على ضرر الاعتراف "بالملكية الفكرية" أدوية مرض الإيدز في جنوب افريقيا إذ تملك المصانع هناك التكنلوجيا الكافية لصناعة تلك الأدوية ولكنها لا تملك الإذن من الشركات الإحتكارية بذلك، والأمر المضحك هو عندما نسمع أن أحد أصحاب تلك الشركات الإحتكارية تبرع بملغ من المال لبعض المرضى هناك وهو أحد أسباب معاناتهم. قيل لنا أنه يجب أن نهمل هذه السيّئات لأنه لولا المالكين لما كان هناك منتجات فكرية، لا دواء ولا برمجيات لتترجم ولا حتى صناعة برمجيات أصلاً، هذا ما سناقشه.
يقول الكابتن كيرك (الشخصية في مسلسل الخيال العلمي ستارتريك) :"دون حرية لا إبداع"، وإذا فضلنا البرمجيات (أو أي منتج فكري آخر) على حريتنا؛ فإننا سنفقد حريتنا ثم سنفقد البرمجيات، ليس لأن الروائي الإنجليزي William Somerset Maugham (مابين 1874-1965) قال ذلك فحسب بل وبسبب الطبيعة التراكمية للعلم. إن بنود رخص البرمجيات المملوكة تسمح لعدد أقل من الناس حصرياً التطوير، والآخرون عليهم طلب إذن مسبق بكلمات أخرى ستحد من الطوير بدلاً من تشجيعه. وحيثما هناك براءات اختراع على الخوارزميات والمعادلات والبرمجيات لا يوجد تراكم علمي، لأن تطوير أي منتج سيعتمد على ما سبقه بالتأكيد، يتحدث اسحاق نيوتن (عالم الرياضيات والفيزياء المعروف) عن منجزات قائلاً: "إذا كنت أرى أبعد من غيري فذلك لأني أقف على أكتاف العمالقة الذين سبقوني" إذا كان أي جزء من السلسلة مملوكاً فإن السلسلة سوف تنقطع.
أقتبس من معايير غنو GNU Coding Standards (ريتشارد ستالمان وآخرون): "جزء كبير من أي كتاب غير خيالي يتكون من حقائق (...) وهذه الحقائق هي نفسها بالضرورة لكل من يكتب عن نفس الموضوع."، ولأن غنو ذات حقوق نسخ مرفوعة copylefted أستطيع أن أقتبس منهم دون طلب إذن مسبق (طالما ألتزم برخصة FDL لرفع حقوق النسخ) ولو أنها وثيقة ذات حقوق نسخ عادية، الطريقة الوحيدة بأن أذكر تلك الحقائق هي أن أعيد كتابتها، مثلاً "يأتَلِف الجزء الأكبر من أي كتاب غير خيالي من حقائق، لن تختلف باختلاف المؤلف." هكذا تجد الشركات طرق إلتفافية حول حقوق النسخ وبراءات الاختراع، الأمر ذاته مع البرمجيات فهي خوارزميات مصاغة بلغة الحاسوب بدلاً من الرموز الرياضية واللغات البشرية، وهذا لا يختلف كثيراً عن الكتب غير الخيالية. فإذا احتاجت شركة لاستعمال خوازمية خاضعة لبراءة اختراع تملكها شركة أخرى، فإنها تعيد اختراع الخوارزمية من الصفر بطريقة تقوم على نفس المبدأ، مثلاً طريقة حفظ الصوت mp3 المملوكة تقوم على مبدأ سلسلة جيوب فورير fourier sine series التي تستطيع تحويل أي إقتران إلى حاصل جمع جيوب sine حيث يخزن في ملف mp3 الثوابت في أول كذا حد في السلسلة في المقابل ogg (البديل الحر) ربما(أقول ربما) تعتمد على أي مكافئ رياضي لهذا الإقتران مثل fourier cosine series أو حتى فقط تبديل أماكن الثوابت وهنا نلاحظ أن الشركات لا تتنافس في تقديم الجديد فهي مشغولة في إعادة اختراع العجلة!! إذا كنت تطوير هيئة لتخزين الفيديو، فأنت بحاجة لحفظ الصوت إلى جانب الصورة ولكن MP3 مملوكة -- لهذا عليك أخذ الإذن (مما يعني دفع رسوم لهم) أو تعيد اختراعها، مثلاً فكرة الفيديو mpeg تستخدم mp3 لحفظ الصوت ولكن هنا لأنهما لنفس المالك لا توجد مشكلة لكن لو كانت شركة أخرى فإن عليها الحصول على إذن لهذا ظهر ogm الذي يستند على ogg. في زماننا هذا، تقوم الشركات بإعادة اختراع مخترعات بعضها البعض ولو أنها غير مملوكة لكان يكفي أن يقوم به واحدة منها فنوفر وقت وجهد ومال لاختراعات جديدة، أو بكلمات أخرى فقط من يملك الصكوك الحصرية هو من يسمح له بالتفكير والتطوير فيما يخص الاختراع، الآخرون إما أن يدفعوا أو يعيدوا اختراع كل شيء.
نستنتج أن مالكي البرمجيات المملوكة لا يربحون من بيع بضاعة ولا من تقديم خدمة، ولا من تزويد المجتمع بالبرمجيات التي يحتاجها، بل من حجب المعلومات عن الأغلبية. قال ريتشارد ستالمان في إعلانه عن إطلاق مشروع الموسوعة ومصادر التعليم الكونية(العالمية) الحرة: "تمتلك الشبكة العنكبوتية (تجاوزاً الإنترنت) القدرة على أن تتطور لتصبح موسوعةً كونية تغطي جميع حقول المعرفة (أو العلم) وأن تكون مكتبة كاملة للمساقات الإرشادية instructional courses. هذه النتيجة كان يمكن أن تحصل دون أي جهد، لو لم يعرقل ذلك أحد. ولكن الشركات تتحرك لحرف المستقبل إلى مسار آخر؛ ذلك الذي يمكّنهم من التحكم وحصر الوصول إلى المواد التعليمية من أجل استلال المال ممن يريد أن يتعلم"
يدفعنا المالكون للإيمان ب"الحق الطبيعي للمؤلف" وأن البرنامج جاء كنتيجة لعمل دؤوب وبحث وأن ذلك الشخص دون غيره من كل من في العالم يمكنه ابتكار البرنامج بنفس الروح، وأن هذا البرنامج بمثابة ولد له وأنه لن يتخلى عن الكود المصدري مهما دفعنا له لأنه جزء من روحه، إنهم يقدمون جدالاً عاطفياً مثل: "لقد وضعت به عرق جبيني وقلبي وروحي فيه إنه مني إنه لي!"، يجب أن تدرك أن من يملك البرنامج هو الشركة (الناشر) وليس المبرمج أي أن المبرمج قد تخلى فعلياً عن ذلك الجزء من روحه مقابل الراتب! أي أنها مجرد عبارة عاطفية تنشرها الشركات متى كان لها مصلحة في ذلك وتناقضها متى كان لها مصلحة. كما أن هذه العبارة تقوم على أن حقوق المؤلف أهم من حقوق الناس. ولكن ما يدفع الناس للتعاطف مع المؤلف هو الفكرة المادية من أن أخذ الشيء يستلزم فقده من طرف آخر وهذا غير صحيح عند الحديث عن البرامج. أي أنه ليس حق طبيعي بل هو حق مكتسب يقييد الحق الطبيعي حرية النسخ والمشاركة والتعاون، الحق الطبيعي بأن نكون أحراراً، أذكر قول عمر بن الخطاب قبل 14 قرناً "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً."

1.1.4 الخيار الآخر.

هل يمكن أن يكون هناك إبداع دون التخلي عن الحرية ؟ الجواب نعم! الكثير من الناس يظن أن الأشياء الجيدة يجب أن لا تدر مالاً، الأفكار الجيدة لا يمكن تطبيقها، بكلمات أخرى فقط الأفكار السيئة تستحق أن تعيش! مثلا فيكون دفاع الإعلام العربي عن عدم تأثيره في الرأي العالمي هو نقص الإمكانيات وكأن المطلوب منه أن يلقي أمواله في البحر وكأن القنواة التي تدافع عن قضيتها يجب أن تكون خاسرة وهذه النظرة العدمية شائعة جداً خصوصاً في المثل القائل "اللي استحوا ماتوا" (عذراً للعامية)، في دول العالم الثالث يروي الإعلام الموجه قصصاً عن أشخاص طيبين يريدون أن يصبحوا أطباء ليعالجوا الفقراء بالمجان، وآخرين يستثمرون ليشغلوا الفقراء غير المؤهلين لا ليقوموا بعمل بل ليقلّلوا البطالة. وهذه الفكرة ليست من ثقافتنا حيث نعلم أن المسلم القوي خير وأحب إلى الله من المسلم الضعيف. لن أتحدث عن شركات خيرية لنشر البرمجيات، الشركات الخيرية كذبة كبيرة! لأن الشركات وجدت لتربح. وهذه ظاهرة خطيرة جدا فأصبح الآن يوجد لدينا الشركة الوطنية لدعم ذوي الإحتياجات الخاصة والشركة الوطنية لدعم كرة القدم المحلية وأصبحت بعض الشركات تجمع تبرعات لمصابي السرطان وهناك شركة قامت بتنظيم مؤتمر للمرأة (دون مشاركة من الإتحاد النسائي والمنظمات ذات الصلة!) وغيرها الكثير من الشركات التي تتاجر بقضية معينة ويفترض بالحكومات وضع تشريعات للحد لمثل هذه التجاوزات فالشركة وضعت لتربح ولا يهمها سوى السوق وهذا أمر طبيعي وإلا كانت شركة خاسرة حكمت على نفسها بالزوال أو أنها تنصب على الناس لتوزع الهبات على مالكي أسهمها وفي الحالتين هذا أمر سيء. من الطبيعي أن تربح الشركات وأن تدعم الشركات المؤسسات الخيرية.
فكرة المصادر المفتوحة موجودة منذ اختراع الحاسوب (أو ربما قبل ذلك )، هناك الكثير من الشركات تنشر مصادر أعمالها ومع ذلك تربح المال. حتى أعداء البرمجيات مفتوحة المصدر يستخدمون البرمجيات المفتوحة مثلاً جزء من كود المتصفح المفتوح موزاييك Mosaic موجود في كود اكسبلورر من شركة مايكروسوفت MS Explorer (انظر about فيه).
المؤلف الذي لا يريد حجز فكرته في أقفاص حقوق النسخ فإنه ينشرها في المجال العام Public domain (أو المجال المفتوح Open domain) مثل معادلات الرياضيات ونظريات الفيزياء والكثير من الخوارزميات (مثل برامج التحليل العددي) فهي فهي تنشر (على الإنترنت مثلاً) للجميع دون أي قيد ولا يحصر استخدامها بأحد حتى الشركات التجارية، هؤلاء هم متطوعين أفراد أو يعملوا لدى هيئات حكومية أو مراكز بحث، في جميع الأحوال هم لا يهتموا بتحقيق مكسب مادي مباشر، هذه المنتجات الفكرية عالية الجودة يمكن أن تستعملها شركة تجارية في تطوير منتج مشتق مغلق ينهي السلسلة. برمجيات المجال العام لا تحمل حقوق نسخ، ويوجد توجه مشابه إلى حد ما، شائع في الكثير من الجامعات هو رخص حقوق النسخ بأسلوب BSD (إنها ذات حقوق نسخ مسجلة) تسمح لك بالنسخ وإعادة الإنتاج والتطوير (سواء جاهزاً أو على شكل مصدر) مع الإلتزام بشرطين، هما: أولاً، المحافظة على اسم المؤلف وملاحظة حقوق النسخ. وثانياً، عدم استغلال اسمه أو اسم المنتج للتروج للأعمال المشتقة. لاحظ أنها لم تضع أي قيود على المطورين (أي يسمح لشخص بتطوير منتج مشتق وكتمه). كانت الجامعات الغربية تقوم بالكثير من الأبحاث العلمية الممولة من شركات مستفيدة من المجال المتعلق بذلك البحث ثم تضع ما تتوصل إليه مفتوحاً للعموم(للشركة التي مولت البحث وغيرها) أي عبر رخص حرة مثل BSD وغيرها (حرف B من Berkeley أي بجامعة كاليفورنيا). ولكن العلماء أصبحوا لا ينشرون إلا القليل الذي يبهرنا بقدراتهم دون أن يمكننا من القيام بما قاموا به، الكثير من الجامعات الغربية أصبحت تساهم في كتم العلم فعندما تقترب من الحصول على منتج يمكن الاستفادة منه في أحد المشاريع فإنها تعلن انتهاء المشروع واكتماله ونجاحه وتبيعه حصرياً لشركة تكمل الخطوة الأخيرة منه وتحتكره.

ظلت قصص النجاح المفتوح فردية خصوصاً أن المجال العام والرخص بأسلوب BSD التي عرضناها تقدم حرية غير مقيدة! إذ يمكن أن توضع هذه المنتجات الحرة في منتج آخر لا يحتوي أي جهد جوهري ويتم إغلاقه. ظلت هكذا إلى أن ظهرت مؤسسة البرمجيات الحرة Free Software Foundation (انظر www.fsf.org) في ثمانينات القرن الشرين، وإطلاق مشروع غنو GNU (اختصار ل GNU is Not Unix) انظر www.gnu.org. التي أسسها البروفيسور ريتشارد ستالمان Richard M. Stallman والتي أدت إلى تطور مفهوم البرمجيات الحرة Free Software.
تلميح في كل لغة يكون هناك الكثير من المفردات المترادفة التي لها صلة ببيئة الإنسان وطريقة تفكيره مثلاً هناك الكثير من الكلمات في العربية تعني السيف (تحتاج كتاب لسردها) التمر والجمل والحب والشجاع ولكن من أغرب المفارقات أن اللغة الإنجليزية لا تحتوي كلمة تعني حر (الصفة) فكلمة free تعني حر أو مجاني مثلاً free to speek و free lunch لهذا تستخدم الشركات كلمة مفتوحة المصدر open source على الرغم من أنها حرة (لأن كلمة free توحي بأنها برمجيات مجانية ترويجية ذات وظائف محدودة أو جودة منخفضة). كما أن كلمة lebarated متحررة لها معنى مختلف. يبدو أن الحرية ليست جزء من طريقة تفكيرهم (الناطقين بالإنجليزية).
قدمت مؤسسة البرمجيات الحرة تعريفاً لمفهوم البرمجيات الحرة في مقالة تعريف البرمجيات الحرة (ارجع إلى www.gnu.org/philosophy/free-sw.html) بأنها البرمجيات التي تكفل للجميع الحريات التالية:
  • حرية تشغيل البرنامج لأي هدف. (الحرية صفر)
  • حرية دراسة كيف يعمل البرنامج وموأمته وفق حاجاتكم. (حرية 1)
  • حرية إعادة توزيع البرنامج بحيث يسمح لك مساعدة جارك. (حرية 2)
  • حرية تطوير البرنامج، ونشر التعديلات للعموم بحيث يستفيد منها كل المجتمع. (حرية 3)

حيث يلزم من حرية 1 و 3 توفر الكود المصدر كشرط مسبق. هذه المقالة تناقش التفاصيل المتعلقة بها، مثلاً فهي تنص على "من أجل أن تكون هذه الحريات حقيقة، يجب أن تكون غير قابلة للإبطال طالما أنك لم تفعل شيئاً خطأً؛ فإذا كان للمطور السلطة الكافية لإبطال الرخصة دون قيامك بسبب يبرر ذلك، فإن هذه البرمجية ليست حرة".


تنشر مؤسسة البرمجيات الحرة رخص حقوق نسخ مثل رخضة غنو للتأميم عامة الأغراض GNU General Public License (انظر ملحق GPL). وتقوم فلسفتها على أنه لا يجوز أن يكون للبرامج مالكين ولا أصحاب حقوق نسخ، ولكن وحتى تكون واقعية بدلاً من الضغط على الحكومات لمنع تملك البرامج ومنع حقوق النسخ، يقوم مؤلف (كاتب أو مبرمج) بعد تسجيل ملكيته للمنتج الفكري إذا كان يؤمن بهذه الفكرة أن يرخصه للجميع وفق بنود رخصة معكوسة المضمون (من بين رخص غنو) تعطي المستخدم (الذي اشترى نسخة مثلاً) حقه في أن يكون حر التصرف فيه، استعمالاً ومشاركةً وتأجيراً وبيعاً وتوزيعاً وإهداءً وتعديلاً ...إلخ. دون الحاجة لإذن المؤلف، حرية لا يقيدها سوى عدم كتمان مصدره أو مصدر الأعمال المشتقة منه (وليس بالضرورة الناتجة عن استعماله) وذلك بتوفيره (أي المصدر) على الإنترنت دون كلفة أو على شكل نسخة مادية بكلفة لا تزيد عن الكلفة وأجرة النسخ والنقل وأن تعترف بفضل كل من سبقك (فلا تحذف أسماءهم)، لتصبح حر التصرف في ما اشتريت على مبدأ "أنت تملك/تحصل ما تدفع ثمنه" ، وليس تحصل على الإذن باستعمال ما تدفع ثمنه (يمكن أن تترجم "البيع نقل ملكية" يجعلك حر التصرف في ممتلكاتك)
تحذير يجب أن لا يفهم عدم السماح للتلميذ بالرواية (في العصور الإسلامية) حتى يرخّص له شيخه، بأنها كالإذن في رخص حقوق النسخ في عصرنا، لأن الإذن حينها (مع حرمة أخذ المال من المتعلم) يتعلق بالإتقان (كما رخصة مزاولة مهنة مثل الطب في زماننا) في حين الإذن (الرخصة) في حقوق النسخ تعني دفع المال فقط. تتضمن بنود رخص GPL ما يتعلق بحماية الإتقان والحفاظ على سلامة العلم وذلك بالتمييز بين النسخ الحرفي وإنتاج (تأليف) عمل مشتق حيث في الحالة الثانية على المؤلف الثاني إعلان الأماكن التي قام بتعديلها ويعلن أن ذلك يجب أن لا يعكس "سمعة" المؤلف الأصلي.
ويقصد بالمصدر الوثيقة الشفافة التي يمكن للإنسان فهمها بحيث تعكس مبدأ العمل (الخوارزمية) أو التصميم الداخلي وهي خامة التطوير وهو ما يشبه الصورة السلبية، مثلاً إذا كنا نتحدث عن برنامج فإن الملف المصدري هو الكود الذي يمكن للإنسان والآلة (بعد أن يعالج بمصنف لغة البرمجة compiler) أن تقرأه مثل ملفات c. وإذا كنا نتحدث عن كتاب فهي الملف الشفاف/الخام في هيئة نصوص صرفة txt أو مرقومة XML/DocBook أو html التي تلزم للحصول على معلومات الكتاب وعرضها وتمكنك من طباعة نسختك الخاصة بكلفة مرتفعة (تكلفة طباعة 100 صفحة غير ملونة على الحاسوب حوالي 10 دولار أمريكي)، ولكن الهيئات الثنائية(الجاهزة) مثل EXE و OBJ والهيئات المعتمة مثل ملفات DOC (أي MS Word ********) لا تعتبر مصدراً شفافاً. تستطيع بيع المنتج الجاهز (في هيئته الثنائية أو مطبوعاً على ورق) بالسعر الذي تريد، هذه الرخصة لا تمنع المالك من الربح وبيع برنامجه لكنها تمنعه من كتم المصدر أي الخامة. (طبعاً إذا وافق مالك حقوق النسخ على نشرها وفق هذه الرخصة)
تلميح الوثيقة الشفافة هي عبارة عن ملف مكون من سلسلة من المحارف (حروف وأرقام وعلامات ترقيم ورموز) قابلة للعرض والطباعة (ليس محرف صوت الجرس)، مقسمة إلى أسطر بمحرف سطر جديد (LF)، يراها الإنسان فيفهمها ويراها الحاسوب فيفهمها. بعض أنواع الملفات تستعمل محارف تحكم (في رموز آسكي هي المحارف دون 32) مثل محرف آسكي 7 الذي يمثل صوت جرس أو لا تستعمل محرف السطر الجديد لفصل البانات كما أنها قد تمثل الأرقام بالنظام الثنائي binary (صفر وواحد) بحيث يصبح عرض هذا الملف دون وسيط غير مفهوم.
يوماً بعد ينمو نظام برمجيات غنو ليقدم المزيد من البرامج فائقة الجودة تتخطى أي نظام مملوك، عندما يحدث هذا فإن البرمجيات المرخصة وفق رخص غنو ستدخل (هي أو أجزاء منها) في تركيب العديد من البرمجيات الخاصة بالشركات كما هي أو مع بعض التعديل والموائمة بدلاً من إعادة اختراع العجلة، إذا لم يفعلوا ذلك فلن يجدوا زبائن يشترون منهم إذناً يسلبهم حريتهم ولا يعطيهم برمجيات بجودة غنو، طالما أن غنو توفر الجودة والحرية.

تقوم فكرة رخص غنو على الحرية المسؤولة (الحرية المقيّدة) والمساواة، إنها برمجيات ذات حقوق نسخ مسجلة ولكنها مرخصة لتضمن لك حريتك مع بعض القيود وضعت فقط للتأكد من حصول الجميع على حقوق متساوية فلا يمنع شخص هذه الحقوق عن غيره ولا يطلب منه التخلي عنها، تقول بعض وثائق غنو: "نريد أن نضمن لك الحرية فأعطيناك الحق في نسخ برمجياتنا الحرة، وأن تُعطى كود المصدر أو تحصل عليه إذا طلبته، وأن تتمكن من تعديلها أو استخدام جزء منها في برامج حرة جديدة، وأن تعرف هذه الحقوق. ولنتأكد من أن الجميع يملكون هذه الحقوق، منعناك من حرمان الآخرين من هذه الحقوق. مثلاً، إذا وزعت نسخاً من برمجياتنا، فإن عليك إعطاء المتلقي كل الحقوق التي معك. يجب أن تتأكد من تلقيهم للكود المصدر أو أن يمكنهم ذلك. وأن تخبرهم بحقوقهم. ولحماية أنفسنا (نحن المطورون - أصحاب البرنامج الأصليون) ، يجب أن يعلم الجميع أن لا ضمانة في ما نوزع من برمجيات. إذا عدل أحدهم البرامج ومررها يجب أن يعلم المتلقي أن ما حصل عليه ليس ما وزعناه، فالمشاكل الناتجة بسبب الآخرين لا تنعكس على سمعتنا"
وظهرت غيرها من الرخص الأقل حرية (لحساب النزعات التجارية) مثل رخصة QT من شركة www.trolltech.com تنص على أن استخدام المنتج لأغراض عمل برامج مفتوحة/حرة يكون مجاني أما لعمل برامج تجارية فهو بحاجة إلى رخصة والمنتج في الحالتين نفسه. يجب أن لا تخلط بين البرمجيات الحرة free software و البرمجيات التجريبية shareware أو مجانية freeware فالأخيران يكونان بجودة أقل ووظائف أقل من أجل الترويج أو التقييم أو الاستخدام المؤقت بينما تكون البرمجيات الحرة ذات جودة عالية.
ويوجد الكثير من المواقع التي تدعم وتعول (تقدم استضافة hosting) مشاريع البرمجيات الحرة مثل موقع www.sourceforge.net واختصاراً www.sf.net (يستخدموا مصطلح برمجيات مفتوحة المصدر للإشارة إلى البرمجيات الحرة معتمدين على تعريف OSI). أطلقت مؤسسة البرمجيات الحرة موقعاً مشابهاً https://savannah.gnu.org. وهناك وثائق حرة، وهناك الآن موسوعة كاملة حرة، انظر ويكيبيديا www.wikipedia.org (العربية: http://ar.wikipedia.org) وهي خاضعة لرخصة الوثائق الحرة FDL من GNU أي تسمح لك بطباعتها والإضافة فيها والإقتباس منها وهي تحوي أكثر من مليون مقالة تغطي حقول العلم والأدب! أي أن لدينا برمجيات حرة ووثائق حرة وكتب حرة وتصاميم حرة للعتاد (انظر مواقع free intellectul property مثل www.opencores.org و www.f-cpu.org و www.fpgacpu.org) وربما دواء!
دفاعاً عن وجود المالكين فهم (مثل SPA) يقارنون وجود المالكين وعدم وجود برمجيات! إنهم يقولون أن علينا الاختيار بين إعطائهم الحق في سلبا حريتنا أو عدم وجود برمجيات، بكلمات أخرى الحصول على المزيد من البرمجيات الجيّدة واستفادة المجتمع منها مرتبط بحماية هذا الحق. إن مفتاح تفنيد ذلك هو في إزالة هذا الرابط بين إنتاج على المزيد من البرمجيات (بغض النظر عن شروط توزيعها) من جهة وكيف يجب أن توزّع ليستفيد منها المجتمع بشكل أفضل (على فرض أنها موجودة) من جهة أخرى، عندها من الواضح أننا نطور المزيد من البرامج الأفضل دون مالكين، هذه حقيقية (مثل أنظمة غنو) فتطوير برامج حرة أسهل حيث الجميع يسمح لهم بالتعديل والتطوير دون الحاجة للبدء من الصفر وإعادة اختراع العجلة كما في حالة البرمجيات المملوكة. ومن جهة أخرى فإن استفادة المجتمع من البرمجيات المطورة تكون أكبر دون مالكين حيث نسمح للجميع باستعمالها ونسخها.

يتبع