المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الآداب الاجتماعية الإسلامية



SHARIEF FATTOUH
04-29-2010, 05:24 PM
نريد بالآداب الاجتماعية ما يدور بين الناس من المعاملات الأدبية والأمور الاعتبارية في هيأتهم الاجتماعية وما يتبادلونه من العلائق العائلية على ما تقتضيه عاداتهم وأخلاقهم وطبائع إقليمهم وكان للعرب قبل الإسلام صفات أشهرها:
1 ـ العصبية.
2 ـ الشجاعة.
3 ـ الكرم.
4 ـ الوفاء.
5 ـ الاستقلال.
6 ـ النجدة.
7 ـ الأريحية.
8 ـ الثأر.
9 ـ الشيخوخة.
10 ـ الغيرة.
وبلغ من غيرة بعضهم في الجاهلية أن يقتلوا بناتهم أو يئدوهن لئلا يرتكبن ما يجرّ عليهم العار.
وكان للمرأة في الجاهلية شأن وإرادة وكانت صاحبة أنفة ورأي وحزم فنبغت غير واحدة منهن في السياسة والحرب والأدب والشعر والتجارة والصناعة ولاسيما في أوائل الإسلام على أثر ما حصل من النهضة في النفوس والعقول فاشتهرت جماعة منهن بمناقب رفيعة تضرب بها الأمثال وأكثرها في المدينة مقر الخلافة الإسلامية في ذلك العهد، ناهيك بمن اشتهرت منهنَّ بالبسالة في أثناء الغزوات ففي معركة أحد وقع لواء قريش في ساحة القتال فلم يزل مطروحاً حتى أخذته امرأة منهم اسمها عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لهم فلاذوا بها، وفعلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان في تلك المعركة ما لم يفعله الرجال فجمعت إليها نسوة أخذن في أيديهنّ الدفوف يضربن خلف الرجال وهي تنشد في تحريضهم على الثبات. ولما انتهت الواقعة خرجت مع النسوة تمتاز جثث القتلى فوجدت بينها جثة حمزة عم النبي (صلّى الله عليه وآله) فبقرت بطنه وأخرجت كبده فلاكتها من غيظها فلم تستطع أن تستسيغها فلفظتها ثم علت صخرة وأنشدت أشعاراً تفخر بالفوز على المسلمين.
ونساء الجاهلية كن يصحبن الرجال إلى ساحة القتال فيداوين الجرحى ويحملن قرب الماء وممن اشتهرن بالشجاعة أم عمارة بنت كعب الأنصارية وأم حكيم بنت الحارث والخنساء الشاعرة أخت صخر وغيرهن.
ونبغ بالرأي والحزم غير واحدة أشهرهن خديجة بنت خويلد وكانت عاقلة حازمة لبيبة ذات شرف ومال، تنتقي مَن اشتهر من الرجال بالأمانة والحزم فتستأجرهم بمالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، ولما سمعت بشهرة النبي (صلّى الله عليه وآله) قبل الدعوة بالأمانة وكرم الأخلاق بعثت إليه أن يخرج في مالها تاجراً إلى الشام وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من الرجال فلما أفلح في تجارته عرضت عليه أن يتزوج بها فأجابها، وهي أول من أسلم وقد آزرته للقيام بالدعوة فكان لا يسمع شيئاً مما يكرهه مِن ردٍّ عليه أو تكذيب له فيحزنه ويخبرها به إلا ثبّتته وخفّفت عنه وهوّنت عليه ومازالت على ذلك حتى ماتت.

الآداب الاجتماعية في العصر الإسلامي الأول
ويقسم العصر الإسلامي الأول إلى أيام الخلفاء الأربعة وأيام الأمويين فنذكر الآداب الاجتماعية في كل منهما على حدة.

1 ـ الآداب الاجتماعية في عصر الخلفاء الأربعة
قلما أصاب المناقب البدوية تغيير في عصر الخلفاء الأربعة إلا ما اقتضاه الدين من جمع كلمة العرب تحت لوائه فضعفت بذلك العصبية بين القبائل والبطون واجتمع العرب من قحطان وعدنان في ظل الإسلام.
أما ما بقي من مناقب العرب فظلت على نحو ما كانت عليه وبعضها زاد تمكّناً في نفوسهم كالوفاء والنجدة والعفة والأنفة لأن الإسلام زادها رونقاً وقوة بالعدل والتقوى فكان الخليفة أو أميره إذا وعد وفى وإذا عاهد أنجز لا يثنيه عن ذلك طمع أو خوف، اعتبر ما كان من وفائهم لأهل الذمة إذ عاهدوهم على أن يحموهم ما أدوا الجزية فكانوا إذا شغلهم عن حمايتهم شاغل ردّوا الجزية إلى أصحابها واعتذروا ولو لم يردّوها ما طالبهم بها أحد وإنما كانوا يفعلون ذلك من عند أنفسهم، والشجاعة كانت سائدة في ذلك العصر لما تتطلبه الحاجة إليها في الفتح والجهاد، وقس على ذلك سائر المناقب ولاسيما الاستقلال والحرية فإنهما زادا قوة في صدر الإسلام لما توخّاه الخلفاء الأربعة من التسوية بين المسلمين على اختلاف طبقاتهم حتى أصبحوا يخاطبون الخليفة أو الأمير بجسارة وأنفة كما يخاطبون بعض أقرانهم وإذا رأوا فيه اعوجاجاً هدّدوه أو عنّفوه وأصلحوه فإذا لم يطعهم قتلوه كما فعلوا بعثمان وكثيراً ما كان المسلمون يحصبون أميرهم وهو يخطب فيهم إذا أنكروا شيئاً من أقواله أو أعماله.
أما المرأة فاتجهت قواها في صدر الإسلام إلى سداد الرأي ومزاولة الأدب والشعر مع بقاء العفة والأنفة فاشتهر منهن غير واحدة جرت بذكرهن الأمثال، ولما نضج التمدن الإسلامي اشتهرت نساء عديدات بالسياسة والصلاح والدهاء وغير ذلك.

2 ـ الآداب الاجتماعية في عصر الأمويين
أصاب المناقب العربية في الدولة الأموية تغيير يختلف عما أصابها في عصر الخلفاء الأربعة باختلاف أحوال الدولتين. فالأمويون لما جعلوا همّهم الرجوع إلى ما كان لهم من السيادة في الجاهلية أغفلوا كل ما كانوا يخافون حيلولته بينهم وبين ذلك المرمى واستبقوا ما يتوسّمون منه نفعاً لغرضهم.
والشجاعة لم يكن لهم بد منها فقرّبوا أصحابها، والعصبية كانت ملجأهم الأكبر في مناوأة أعدائهم من شيعة علي (عليه السلام) وغيرهم، فبعد أن ضعفت في عصر الخلفاء الأربعة وقامت جامعة الدين مكانها أعادها الأمويون إلى نحو ما كانت عليه قبل الإسلام.
أما الوفاء فكان عثرة في طريق أغراضهم لما كانوا يعلمونه من حق مناظريهم في الخلافة وقوتهم فلجأوا إلى الغدر والفتك، وكان معاوية زعيمهم ومؤسس دولتهم يفعل ذلك سراً ويموِّه غدره بالحلم والكرم والدهاء وحسن الأسلوب. فتدرّج الخلفاء بعده من بني مروان إلى الغدر جهاراً وأول من فعل ذلك عبد الملك وجرى عمالهم على هذه الخطة وأفرطوا فيها فاشتهر بها منهم زياد بن أبيه وابنه عبيد الله بن زياد والحجاج بن يوسف وغيرهم.

تقييد الأفكار في أيام بني أمية
أما الاستقلال وحرية القول فجاهد الأمويون في مقاومتهما وقيّدوا الألسنة بإرادتهم تقييداً شديداً فكان ذلك عظيماً على الذين تعوّدوا الحق والحرية فعاقبهم الأمويون جزاء حريتهم واستقلال أفكارهم بالعذاب الشديد، ومن لم يستطيعوا مقاومته جهاراً قتلوه سراً، بدأوا بذلك من أيام عثمان قبل قبضهم على مقاليد الدولة في الشام وقد جرّأهم عليه ضعف هذا الخليفة ورغبته في إرضاء أهله ونصرتهم ولولا ذلك ما استطاع معاوية اضطهاد أبي ذر الغفاري ونفيه لأنه جاهر باستبداد أهل الدولة بأموال المسلمين.
فلما أفضت الخلافة إلى معاوية لم يرَ بدّاً من الضغط على أفكار أهل الاستقلال والحرية واستعمل الشدة في ذلك فقتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وأصحابهما لأنهم قالوا بصدق: (إن علياً لا يجوز لعنه على المنابر) فأصبح الناس يخافون على أرواحهم وأخذوا يتعوّدون السكوت عن الحق ثم لجأوا إلى التمويه والرياء حتى في المشهور الثابت كما فعل ذلك الرجل لما نصب معاوية ابنه يزيد لولاية العهد فأطرى عمل معاوية حتى قال له: (إنك لو لم تولّ هذا أمور المسلمين لأضعتها) ولكن الحرية كانت لا تزال حية في نفوس أهل الرئاسة ممن لم يكن يهمّهم التزلف إلى أهل الدولة وربما كانت الدولة أحوج إلى نصرتهم كالأحنف بن قيس التميمي فإنه كان يقول الحق ولا يبالي وكان ممن شهد الاحتفال بتولية يزيد وسمع ما قاله ذلك المنافق فاكتفى بالسكوت عن المدح، وأدرك معاوية فكره فاستفهمه عن سبب سكوته فلم يبال أن قال: (أخاف الله إذا كذبت وأخافكم إذا صدقت).
واقتدى بمعاوية من عاصره من الأمراء أو جاء بعده من الخلفاء فنشأ جيل من العرب يهون عليهم السكوت عن الحق وكثر أهل التزلّف والرياء وذهبت حرية القول بتوالي الأعوام.
أما النجدة والأريحية في العصر الإسلامي الأول فكانتا متأصّلتين في نفوس العرب وإن اضطر الأمويون إلى الإغضاء عنهما في بعض الأحيان فلما ضعف العنصر العربي في الدولة العباسية بعد تسلّط الأجناد الأتراك وتحولت الأغراض في أهل الدولة إلى كسب الأموال بأية وسيلة كانت، ذهبت الأريحية والنجدة.

المرأة في عصر الأمويين
بدأت المرأة بتبديل طباعها في أيام الأمويين لأن العفة والغيرة أصابتها في ذلك العصر صدمة قوية بتكاثر الجواري والغلمان وانغماس بعض الخلفاء في الترف والقصف وانتشار الغناء والمسكر فتجرّأ الشعراء على التشبيب والتغزّل وتكاثر المخنّثون في المدن وتوسّطوا بين الرجال والنساء بالباطل، فأخذ الفساد يتفشّى بين الناس وضعفت غيرة الرجال وقلّت عفة الناس حتى كان الشعراء يتشبّبون ببنات الخلفاء كما فعل عبد الرحمن ببنت معاوية فالشعراء لم يكونوا يكفون عن التشبيب مع تعرّضهم للخطر وقلما كان يجسر على ذلك غير القرشيين، وأكثرهم جسارة عمر بن أبي ربيعة فإنه كان يصطحب ابن سريج المغني فيركبان على نجيبين ويلقيان الحاج فيتعرّضان للنساء وينشدان الأشعار لا يباليان أن تكون فيهن بنت الخليفة أو امرأته، والظاهر أنهم لم يكونوا يفعلون ذلك إلا لما يرون من ارتياح النساء إليه لأن المرأة تفتخر بأن يثني الشعراء على جمالها وإن لم يرض أهلها، فقد كان لعبد الملك بن مروان بنت أرادت الحج فخاف أن يشبّب بها ابن أبي ربيعة فاستكتب الحجاج إليه إن هو فعل ذلك أصابه بكل مكروه، فلما قضت حجها خرجت فمر بها رجل فقالت له: (من أنت؟) فقال: (من أهل مكة) قالت: (عليك وعلى بلدك لعنة الله) قال: (ولم ذاك؟) قالت: (حججت فدخلت مكة ومعي من الجواري ما لم تر الأعين مثلهن فلم يستطع الفاسق ابن أبي ربيعة أن يزودنا من شعره أبياتاً نلهو بها في الطريق من سفرنا) قال: (إني لا أراه إلا قد فعل) قالت: (فآتنا بشيء إن كان قاله ولك بكل بيت عشرة دنانير) فمضى إليه فأخبره فقال: (لقد فعلت ولكن أحب أن تكتم عليّ) وأنشده قصيدة قالها فيها.
فكانت أيام بني أمية من حيث العفة والغيرة عصر انتقال من البداوة إلى الحضارة، فلما انقضى عصر الأمويين ذهب ما بقي من سذاجة البداوة في طبائع العرب واستسلم الناس للترف والرخاء وضعفت الغيرة وأبيح التشبيب وشاع على ألسنة الشعراء حتى صاروا يصدّرون به قصائد المدح والفخر، وكان الخلفاء الأولون من بني العباس لا يزالون على مقربة من البداوة (1) (http://www.mgtrben.com/portal/redirector.php?url=http%3A%2F%2Fwww.alshirazi.com% 2Fcompilations%2Fhistory%2Fmen_tamaddon%2Fpart5%2F 7.htm%231%25D9%2580) فأنكروا ذلك ونهوا عنه. ومن أشدهم غيرة المهدي بن المنصور فإن بشاراً أنشده مديحاً فيه تشبيب فنهاه عن التشبيب البتة فصار إذا مدحه بدأ بالمدح فظل التشبيب مستقبحاً حتى أباحه الرشيد وألحَّ في نظمه فآل ذلك طبعاً إلى ضعف الغيرة.

الآداب الاجتماعية في العصر العباسي
قد رأيت ما أصاب المناقب العربية الفطرية من التغيير بعد الإسلام بما طرأ عليها من عوامل الحضارة والانغماس في الرخاء والقصف والاختلاط بأهل المدن فغلبت عليهم الضعة وركنوا إلى بسطة العيش والتنعّم بمطالب الحياة الحيوانية.

المرأة في العصر العباسي
وآل تكاثر الجواري وشيوع التسري إلى ذهاب الغيرة من قلوب الرجال حتى صاروا يتهادون الجواري الروميات والتركيات والفارسيات وهنّ أجمل صورة وأشرق وجهاً من نساء العرب. فبعد أن كان الرجل لا يعرف غير امرأته والمرأة لا تفكر في غير زوجها وهي واثقة بأمانته فإذا هو قد تشتّتت عواطفه بين عدة نساء فقلّت غيرته عليها، ولما رأته مشغولاً عنها قلَّت ثقتها به إلا من عصمها عقلها وشرفها، فلم ينضج التمدن في العصر العباسي حتى تنوسيت المرأة العربية في المدن وذهبت حريتها وغيرتها وصارت هي نفسها تهدي زوجها الجارية وتحبّب إليه التقرب منها لا يهمّها ذلك ولا تغار عليه. وبعد أن كان العرب في الجاهلية وصدر الإسلام إذا علموا بحب رجل لفتاة منعوه من زواجها، صاروا يساعدونه في الحصول عليها.
فأفضى ذلك إلى انحطاط المرأة وذهاب عزة نفسها واستقلال فكرها، فاحتقرها الرجل، فلم يبق من المناقب العربية في العصر العباسي إلا السخاء لأنه كان لازماً لقوام الدولة وسلامتها وتأييدها بل هو كان من أهم قواعد الارتزاق في ذلك العصر.

SHARIEF FATTOUH
04-29-2010, 05:25 PM
الارتزاق بالسخاء
إن الارتزاق في التمدن الحديث مبني على قواعد اقتصادية عمرانية تحفظ توازن القوى ونتائجها فينال الإنسان من رزقه على مقدار كدّه وجدّه مع اعتبار درجة عقله وذكائه سواء كان ذلك بالتجارة أو الزراعة أو الصناعة أو غيرها. وقد وضعوا لكل من أبواب الرزق قواعد في تقدير الأرباح لا تتعداها إلا في أحوال خصوصية ترتفع فيها الأسعار فجأة، وفي كل حال فالصانع تقدّر أجرته بمقدار عمله والتاجر يقدر ربحه بنسبة رأس ماله.
أما في التمدن الإسلامي فقد كان الارتزاق يقرب من ذلك في طبقة العامة من المزارعين والباعة وأهل الصناعات. وأما في الخاصة وأتباعهم فكان على أسلوب آخر لا مثيل له بين المتمدنين في هذا العصر ومداره (السخاء) المتسلسل من الخلفاء فالوزراء فما بعدهم ممن يعيشون حول البلاط ويرتزقون من رجال الدولة، ومصدر هذه الأرزاق بيت المال وهو في قبضة الخليفة أو من يقوم مقامه من الوزراء أو القوّاد أو الأمراء على حسب أطوار النفوذ. والأموال تأتي بيت المال من جباية الخراج والجزية.

سُنّة الخلفاء في الارتزاق
والأموال التي تبقى في خزانة الدولة يعطى بعضها رواتب لموظفيها ويفرق سائرها في من بقي من الخاصة بين جوائز ورواتب فتتسع أحوالهم بالجاه أكثر مما بالمال فيضطرون إلى الإنفاق لحفظ مقامهم، فينفقون على من يتعلق بهم فينتقل المال على هذه الصورة من الخليفة ووزرائه وعماله إلى حواشيهم وأتباعهم ومن هؤلاء إلى الباعة وأهل الأسواق فيعود إلى العامة كأنه لم يؤخذ منهم، وهي سنّة في الارتزاق تظهر لأول وهلة أنها من خصائص التمدن الإسلامي ولكنها كانت على نحو ذلك في التمدن القديم. والسبب في بقاء هذه السنّة مع ذهاب غيرها من المناقب أنها لازمة لبقاء الدول في تلك العصور وخصوصاً في الإسلام منذ طمع بنو أمية بالخلافة واستخدموا الأموال في ابتياع الأحزاب واسترضاء كبار الرجال فعوّدوا الناس العطاء فلما قام العباسيون لم يستطيعوا الرجوع عنه بل تجاوزوه من بعض الوجوه فصار السخاء ضرورياً لقيام الدولة وإلا فسد عليها حماتها وتمرّد أهلها، أما بالنسبة إلى العامة فكانوا يسترضونهم بأبسط أساليب السخاء وهي الضيافة فكانوا ينصبون لهم الموائد يدعونهم إلى الطعام فيجتمع على مائدة الأمير ألوف من العامة يأكلون معاً صباحاً ومساء. كان ذلك دأبهم في عصر الخلفاء الأربعة جروا به على سنّة العرب ثم احتاجوا إليه بعد الإسلام في استرضاء القبائل المختلفة فبالغوا فيه حتى نصبوا الموائد على الطرق وأول من فعل ذلك عبيد الله بن عباس.
وجرى الدهاة من عمال الأمويين على هذه السنّة فنصبوا الموائد على الطرق فكان الحجاج يضع في كل يوم من أيام رمضان ألف خوان وفي سائر الأيام خمسمائة خوان على كل خوان عشرة أنفس وعشرة ألوان وسمكة مشوية طرية وأرز بسكر وكان يدور هو بنفسه على الموائد يتفقّدها يحملونه إليها في محفة وينتقلون به من خوان إلى خوان فإذا رأى أرز ليس عليها سكر أمر الخباز أن يجيء بسكرها فإذا أبطأ حتى أكلت الأرز بلا سكر أمر به فضرب 200 سوط، وكذلك كان يفعل عمال الحجاج في سائر المدن فكان بعضهم ينصب الموائد مرتين في اليوم للغداء والعشاء وكان يوسف بن عمر عامل هشام بن عبد الملك ينصب خمسمائة خوان وكان يزيد بن هبيرة يضع ألف خوان يطعم الناس، وقس على ذلك سائر العمال وغيرهم كابن طولون بمصر فقد كانت له موائد يحضرها الخاص والعام وربما فرّقوا الطعام بلا موائد كما كان يفعل لؤلؤ الحاجب في أيام الفاطميين بمصر فإنه كان يفرّق 12.000 رغيف مع قدر الطعام كل يوم وإذا دخل رمضان ضاعف ذلك ويقف هو بنفسه ليفرّقه. غير ما كانوا يبذلونه في استرضاء العامة من الأموال على سبيل الصدقة فكان لكل من الخلفاء والأمراء والوزراء مال ينفقه صدقة، وإطعام العامة على هذه الصورة لم يكن خاصاً بالمسلمين وإنما هو أيضاً من سنن العصور الغابرة فقد كان العامة في رومية يعيشون من أطعمة يفرّقها فيهم أهل الدولة من الدقيق واللحم، وكان بعض ملوك الفرس ينصب 500 مائدة يجعل على كل واحدة نصف شاة وعلبة حلوى أو عسل وعشرة أرغفة وآنية شراب أو لبن وسمكة مشوية والمسلمون جروا على هذا الترتيب اقتداءً بالفرس مثل اقتدائهم بهم في كثير من آدابهم الاجتماعية، وكان الخلفاء يستحلّون مكافأة الشعراء وغيرهم من بيت المال لأنهم يعدون ذلك في سبيل مصلحة الدولة وإن لم يصرحوا به دفاعاً عن أنفسهم بل كانوا إذا سمعوا الانتقاد عليهم من أهل النفوذ الديني سكتوا واسترضوهم، ودافعوا عن أنفسهم كما فعل الرشيد والمهدي بسفيان الثوري.

ارتزاق الكبير من الصغير
ذلك ما يقال في ارتزاق الصغير من الكبير في التمدن الإسلامي. أما ارتزاق الكبير من الصغير فقد كان بعضه بالسخاء أيضاً ولكن على سبيل الهدية فيعدّون عطية الأمير إلى الصغير جائزة أو صلة ويسمون ما يقدمه الأصاغر إلى الأمير أو الوزير هدية، وكانت الهدايا شائعة على الخصوص في العصر العباسي فإذا تولى الأمير على بلدٍ فأول ما يدخلها يبعث أهلها إليه بالهدايا من الأموال والجواري والدواب والثياب وهو يبعث إلى الوزير الذي ولاّه أو الخليفة بالأموال على سبيل الهدية أيضاً وإذا طال مقامه أصبحت تلك الهدايا فرضاً واجباً يبعث بها كل سنة فإذا أمسكها سنة عدّوا إمساكه تمرّداً.

المجاملة في المعاملة
المجاملة من الطباع الراسخة في نفوس المسلمين وغيرهم من مولدي العرب اليوم، وذهب بعض الباحثين أنها فطرية في أصل أرومتهم وما هي كذلك وإنما تولدت فيهم بتوالي الأجيال وتقلب الأحوال.
وكان الخلفاء من الجهة الأخرى يداهنون الناس ويجاملونهم رغبةً في نصرتهم أو قطع ألسنتهم ويعدُّون ذلك (حلماً). وكان معاوية إذا أعجزه اصطناع الأحزاب بالعطاء أو بالحلم أو بالسيف جهاراً عمد إلى قتلهم غيلة وكان أنصاره يعرفون ذلك فيه وأنه يصانعهم ليغلب بهم فكانوا يصانعونه طمعاً بمال أو منصب فكانت المصانعة والمداهنة أساس سياسة معاوية. فلما قام الفرس لمناهضة الأمويين ونصرة العباسيين تراجع أبو مسلم عن الوفاء والأريحية وقتل على التهمة فأصبح الناس يخافون على حياتهم وإن لم يقترفوا ذنباً، فزادت حاجتهم إلى المصانعة، ولما فاز أبو مسلم بحربه وسلم مقاليد الدولة إلى العباسيين كانت فوضى بينهم وبين العلويين فلما تقلدها المنصور وطمع باستخلاصها للعباسيين فتك بأبي مسلم ثم قتل من قتله من العلويين وغيرهم فتضاغنت القلوب بين العباسيين والفرس وبينهم وبين العلويين وهم لا يستغنون عن الفرس لنظام حكومتهم وحماية دولتهم فاستخدموهم على غلٍّ ولجأوا إلى الاحتراس منهم واتقاء أذاهم إلى الجاسوسية فبثوا الأرصاد على وزرائهم وعمالهم يستطلعون أخبارهم ويبعثون بها إليهم سراً. والأرصاد نوعان: الأول: أصحاب البريد في الأطراف، والعمال يعلمون أنهم رقباء على أعمالهم، والثاني: العيون الخفية يتخذونهم من الجواري والغلمان مما يقدمه الخليفة هدية إلى وزيره أو عامله فيوليهم الوزير بعض شؤون منزله فيدخلون في جملة الندماء أو المغنين أو القيان أو أصحاب الشراب ويكونون رقباء عليه ينقلون أخباره سراً إلى الخليفة. وكان الوزراء يفعلون نحو ذلك بالخلفاء. فشيوع الجاسوسية على هذه الصورة مع التضاغن والتحاسد بعث على المصانعة والمجاملة.

المعيشة العائلية

1 ـ الطعام
كان طعام العرب قبل الإسلام قاصراً على الألبان وما يستخرج منها كالسمن والزبد والجبن ومن التمر والحبوب واللحوم يأكلونها على أبسط ما يكون من أحوالها كما يفعل أهل البادية اليوم وأكثر ألبانهم ولحومهم من الإبل، وقد يصنعون منها أطعمة تتركّب على نسب معينة كالثريد فإنه يصنع من اللحم واللبن والخبز، ذلك هو طعام أهل اليسار منهم وأصحاب الضيافة، وأما الفقراء فقلّما يأكلون لحم الإبل أو الضأن وإنما كانوا يقتاتون بلحم الضبّ أو بالجراد أو الخنافس أو العقارب وإذا جاعوا أكلوا العلهز وهو وبر الإبل يخلطونه مع الدم فيطبخونه، وكان حال القرشيين قريباً من ذلك وربما أكلوا القرامة ونحاتة القرن والأظلاف والمناسب من برادتها أو القرة وهي الدقيق المختلط بالشعر، وكانوا إذا عطشوا ولم يجدوا ماءً شربوا الفظ وهو عصارة الفرث أو المجدوح وهو مصل دم الإبل.
فلما جاء الإسلام وافتتحوا العراق وفارس ومصر دُهشوا لما شاهدوه من حضارة الروم والفرس ووقعوا على ألوان من الأطعمة لم يعرفوها فأشكل عليهم أمرها وظفر بعضهم بجراب فيه كافور فأحضره إلى أصحابه فظنوه ملحاً فطبخوا طعاماً ووضعوه فيه فلم يجدوا له طعماً ولم يعلموا ما هو فرآه رجل عرف ما فيه فاشتراه منهم بقميص خلق يساوي درهمين، ورأى بعضهم الخبز الرقاق فظنه رقاعاً يكتب عليها وشاهدوا الأرز فظنوه طعاماً مسموماً ثم ما لبثوا أن أقاموا بين أولئك الأقوام حتى تعرفوا مأكلهم ولاسيما الفرس فأخذوها عنهم كما أخذوا أكثر مبادئ الحضارة وكثيراً من العادات والآداب وليس في الشرع الإسلامي ما يمنع تمتعهم بالطيبات من الأطعمة إلا ما جاء النص بتحريمه.

2 ـ اللباس
ولباس العرب كان بسيطاً مثل طعامهم وسائر طرق معايشهم ولا يزال حتى الآن في عرب البادية نحو ما كان عليه قبل الإسلام وهو عبارة عن القميص والحلة والإزار والشملة والعباءة والعمامة ولم يكن العرب في جاهليتهم يعرفون السراويل ولا الأقبية وإنما هي فارسية وكذلك النعال والخفاف ولكن بعض الخاصة كان يلبسها، وكانوا يعلقون سيوفهم على عواتقهم وثيابهم على الإجمال قصيرة إلى أسفل الركب.
وأفضل مثال لألبسة العرب لباس النبي (صلّى الله عليه وآله) فقد ذكروا أن أحب الألبسة إليه البرود والبياض والحبرة وهي ضروب من البرود فيه حمرة وكان كمه قصيراً إلى الرسغ يلبس أحياناً حلة.
وأول من أقدم على تقليد الأعاجم بأسباب البذخ معاوية وعماله. فزياد بن أبيه أمير العراق أول من قلد الفرس بلبس القباء والديباج وهو أول من لبس الخفاف الساذجة بالبصرة.
ولما أترف بنو أمية لبسوا الحرير على أنواعه وتفننوا بأنواع الأنسجة وأحبوا الوشي وأكثروا من لبسه فقلدهم الناس في ذلك فراجت المنسوجات الموشاة في أيامهم، واتخذوا كثيراً من ألبسة الروم ولكنهم لرغبتهم في المحافظة على البداوة ظلوا يلبسون العمائم ويعلقون السيوف على العواتق وكان الأحنف يقول: (لا تزال العرب عرباً ما لبست العمائم وتقلّدت السيوف).

اللباس في عهد الحضارة
فلما أفضت الخلافة إلى العباسيين واستسلموا للفرس وأخذوا نظامهم وآدابهم قلّدوهم بالألبسة وجعلوا ذلك بأمر رسمي من أوائل دولتهم، فأمر المنصور رجاله سنة 153هـ أن يلبسوا القلانس الفارسية الطويلة تدعم بعيدان من داخلها بدل العمائم أو يعتَمّوا فوقها بعمامة صغيرة، وأن يعلّقوا السيوف في أوساطهم وأن يكون اللباس الأسود عاماً فيهم وهو شعار العباسيين كما كان البياض شعار الأمويين، فلابد للداخل على الخليفة العباسي من لبس جبة سوداء يسمونها (السواد) تغطي سائر الثياب، وألبسهم المنصور دراريع كتب على ظهورها: (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) وبعث إلى عماله في سائر الأقطار أن يأمروا رجالهم بمثل ذلك.
على أن رجال الدولة ومن جرى مجراهم من الخاصة كانت لهم ألبسة لمجالس الأنس والشراب يسمونها (ثياب المنادمة) وهي أثواب مصبغة بالألوان الزاهية الأحمر أو الأصفر أو الأخضر يصقلونها حتى تلمع وتشرق ويتضمخون بالخلوق ويتطيبون ولهم ألبسة يتخففون بها في منازلهم وأخرى يلبسونها في الأسفار وغير ذلك.
والخضاب كان مستحسناً عندهم وأصله هندي أخذه الفرس عن الهنود ومنه انتقل إلى بلاد العرب قبل الإسلام. ويقال أن أول من خضب بالسواد من أهل مكة عبد المطلب. ولما ظهر الإسلام وانتشر العرب في الأرض تعلموا فنون الخضاب فصاروا يخضبون بالحناء للحمرة وبالزعفران للصفرة فضلاً عن الخضاب الأسود وكانوا يبيضون شعورهم بالكبريت.

3 ـ المأوى
كان العرب قبل الإسلام أهل خيام وأنعام يحملون منازلهم على ظهورهم إلا من أقام منهم في مكة أو المدينة أو الطائف أو غيرها من مدن الجاهلية ولما نهضوا للفتح كانت البداوة من جملة أسباب تغلبهم، فلما فتحوا الأمصار تحاشوا سكنى المدن ونصبوا مضاربهم في ضواحيها أو بنوا بيوتاً من القصب معسكراً لهم، فما لبثوا أن تحضروا حتى تحولت تلك المعسكرات إلى مدن عامرة ونزلوا المدن القديمة التي فتحوها وبنوا المنازل والقصور يقلدون بها أبنية الدول السالفة.
وكانت أساليب البناء يومئذ تختلف باختلاف الأمم ولكل منها نمط تولّد عندها بتوالي الأجيال أما رأساً أو اقتباساً، وأهمها النمط البيزنطي في الشام ومصر والفارسي في فارس وخراسان والقوطي في الأندلس وما يليها، فلما تحضّر المسلمون وعمدوا إلى تشييد المباني استخدموا في بنائها مهندسين من الروم والفرس فكانوا يخططونها على ما عرفوه من الأساليب ثم أخذ المسلمون تلك الصناعة وأدخلوا فيها تغييراً يوافق الذوق الشرقي ويلائم الإسلام، فتولد نمط إسلامي خاص يعرف بالنمط العربي أو الشرقي يختلف باختلاف الأصقاع واختلاف العصور والدول وأقسامه ترجع إلى اثني عشر.
1ـ ليست البداوة هي التي توحي بالعفة، وإنما هي الفطرة، والفساد طارئ، فكما لا يصح أن يقال أن السرقة من تراجع الحضارة، كذلك لا يصح بالنسبة إلى الفساد.

Sanaa
04-29-2010, 10:06 PM
موضوع كتير حلوووو


ألف شكررررر

En.muhammed manla
04-29-2010, 11:34 PM
مشكور يا غالي

MOSTAFA
04-30-2010, 02:42 AM
الف شكر اخي الغالي سيف