المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب رمز العطاء (علاء الدين حسن )



SHARIEF FATTOUH
05-04-2010, 06:32 PM
هبَّت نسمة من هواء الصحراء القوي على مجموعة من نخيل ، فأخذت تتمايل يمنة و يسرة تهز ضفائرها في طرب ، و مالت نخلة برأسها على زميلة لها ، تسرّ لها بكلمات كحفيف لا يمكن تبيّن معنــاه ، و لكن زميلتها سمعته و فهمتـه ؛ فأبعدت رأسها بسرعة معاتبة و هي ترسل أصواتاً رقيقة مرحة ، بينما انهمكت أسرة مترابطة من الأشجار في رقصـة مبتكرة ..
إنها الرمز الأول للحياة ، و أوّل القاطنين على الأرض ، و أوّل من استضافت الإنسـان و أعطته مفردات اللغة .. حياتها سكينة و هدوء ، و لها سحرها الأخّاذ ، تنمو بصمت ، و لا تموت إلا بعد عمر مديد .. النظر إليها اطمئنان ، و البعد عنها مكابدة ، خضرتها تمنح الصفاء و النقاء ، و الوفاء و الهناء .. أسرارها كالبحر زاخرة بوابل الحكمـة و المعرفة ، و ما أدرك الإنسان روعة الألوان إلا بها .. لها معانٍ بعيدة لم يُكشَف بعد إلا طلائعها .. هي صديقة الغيث ، و هي شفاء .. و إنه لفرق كبير بين أن يرى الإنسان نفسه في صحراء تلفُّها الأعاصير و لا تحيط بها إلا الأودية الشاحبة ، و بين أن يرى نفسه في رياض نضرة ملأى بأشجار باسقات و اخضرار كالموج ينســاب .
و التشجير عبـادة يثاب عليها الإنسـان .. و لو قامت القيامة و في يد الإنسان فسيلة ـ كما في الحديث ـ فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل .

أشجارنا هي نعمة فلنحمها هذا العطاء الزاهر الوضاء
أبداً هي الأشجار ظلٌّ وارفٌ نُعمى تجمِّل أرضنا و غذاء
و كان من وصية السابقين للمجاهدين : " لا تقطعوا شجراً " . فالشـجر يسجد لله و ينقاد لعظمته : ( و النجم و الشـجر يسجدان ) . الرحمن / 6 . و النجم هنا هو النبات الصغير الذي لا ساق له . و قال تعالى : ( هو الذي أنزل من السماء مـاءً لكم منـه شراب و منـه شجـر فيه تسيمون * ينبت لكم به الزرع و الزيتون و النخيل و الأعناب و من كل الثمرات إنّ في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) . النحل / 10 – 11 . و تمت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، و وصفت شجرة الزيتون في القرآن بالبركة .
و هنا نقف عند تلك الشجرة الباسقة في علياء السماء ، الضاربة بجذورها في عمق الأرض .. نقف عند الشجرة التي حنَّ جذعها إلى الرسول الله صلى الله عليه و سلم لما فارقه حين صُنِعَ له المِنبر ، الشـجرة المثلى في عطائهـا و استقامتها و دوام ظلها و طيب ثمرها و وجوده على الدوام .
يقول ابن القيم عن ثمرها بأنه من أكثر الثمار تغذية للبدن .. هو فاكهـة و غذاء و دواء و شراب . و في الحديث : (( بيت لا تمـر فيه جيـاع أهله )) . و في رواية البخاري : (( من تصَّبح بسبع تمرات ، لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر )) . و ذلك ببركة دعوة النبي [ صلى الله عليه و سلم ] لتمر المدينة ، فالذي يتصبح بسبع تمرات إيماناً و تصــديقاً ، فإن يقينه يزيده توكلاً على الله ، و بذلك تقـوى معنوياته الجسدية و النفسية ، فلا يبقى مجال للوساوس و المخاوف و حدوث سحر أو دس سم من قِبَل عدو يكيد له ؛ لأن من شروط انتفاع المريض بالدواء اعتقاده النفع به .
و جاء الحثّ على الإفطار على التمر : (( إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ؛ فإنه بركة ، فإن لم يجد تمراً فالماء )) . فالتمر يُمتَص في فترة قصيرة جداً ؛ ليعوض الدم عن نقص السـكر . و كان الرسـول الكريم يمكث ثلاثـة أهلّة في شهرين و طعـامه و طعام أهل بيتــه : التمر و المـاء . و معـروف أنه كان أكمل الناس في الخلق و الخليقة و الصحة و العافية .
و بالوقوف على ما طالعنا العلم الحديث عن مخازن الغذاء في التمر ؛ لن نستغرب كيف كانت جيوشنا تفتح الأمصار بجنود لا يقتاتون إلا بضع تمرات .
يمتد موطن النخيل من غرب إفريقيا حتى حوض السند ، و من تلك المناطق انتشر النخيل إلى الهند و الشرق الأقصى ، و ثمة آراء تفيد بأن الخليج العربي هو الموطن الأصلي الذي نشأ فيه النخيــل .
و تعود زراعة النخيل إلى أكثر من عشرة آلاف عام ، و أهم البلاد التي تعنى بزراعة النخيـل : العراق و السعودية و مصر و إيران و الجزائر و المغرب .. حيث تنتج هذه البلاد 85 % من الإنتاج العالمي .
و يتوقف نجاح زراعة النخيل على كمية الماء المقدمة له ، و تتمثل عملية الري حديثاً بالنافورات ، أما السماد فتتوقف كميته على نوع التربة و عمر الأشجار .
أجناس و أنواع ..
- نخيل السكر : و هو من أهم أنواع النخيل المنتجة للسكر .
- نخيل النشاء : و مـن أهـم أنواعـه نخيل السـاغـو .
- نخيل الزيت : و من أهم أنواعه نخيل الزيت الإفريقي ، و نخيل جوز الهند .
- نخيل الشمع : و يستخدم الشمع المستخرج مـن هذا النوع في تحضير الصابون و الطلاء الغالي الثمن و ورق الكربون و البطاريات و الأفلام الصوتية ..
- نخيل العاج : و هو المصدر الرئيسي للعاج النباتي ، و يُستخدم كبديل عن العاج الحقيقي في صناعة الأزرار و أحجار الشطرنج و مقابض الأبواب .
- نخيل الثمار : و من أهم أنواعه نخيل التمـــر .
- نخيل الزينة : و مـن أهـم أنواعه النخيل المـروحي .
يتكاثر النخيل إما بواسطة البذور ، و إما بواسطة الشتلات التي يتم اختيارها عادة من أفضل الأصناف ، على أن لا تقل المسـافة بين الواحدة و الأخرى عن مترين .. و تأتي الأمطار رحمة من الله سبحانه ؛ لتكون كفيلة بغسل النخيل و رفع البلاء عنه .
أنسنة النخلة
النخلة مستقيمة معتدلة تماماً كالإنسان ، إذا قُطع رأسها ماتت ، و تتأثر بموت من جاورها ، و كذلك بموت زارعها ، و هي تعشق كرام الناس ، و تعوِّض بأكثر مما يكرمها الإنسـان ، لها قبائل و أصلها واحد ، و ثمرها مختلف في الطعم و اللون ، تعبِّر عن الضيق و العطش ، و تعيش عمراً كعمر الإنسان . و لقد قيل :
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً يُرمى بصخرٍ فيعطي أطيب الثمرِ
وجـه المقاربة
النخيل من أطول الأشجار ، و الجمل من الحيوانات الكبيرة ، و النخيل من أرقى النباتات ، و الجمل من أرقى الحيوانات ، و كلاهما ذو منظر جميل : ( و النخلَ باسقات لها طلع نضيد ) 9ق / 10 . و تظهر الأزهار في أشجار النخيل حوالي السنة الخامسة ، و هي السنّ نفسها التي تبدأ الناقة فيها بالإنتاج ، و يشترك النخيل و الإبل في بيئة تقـاوم الحرارة و الملوحة . و لا تزهر شجرة النخيل إلا إذا تجاوزت الحرارة 18 % ، و ترتبط زراعتها بتوفر مائي جيد ، فهي تحتاج حوالي 170 م3 من الماء كل عــام .
تثير النخلة في النفس شــجوناً و ذكريات ، فقد رويت عن عبد الرحمن الداخل " صقر قريش " أبيات شجية أثارتها نخلة حديقة قصره بالرصافة :
تبدت لنا وسط الرصافة نخـلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخلِ
فقلت شبيهي بالتغرب و النوى و طول التنائي عن بني و عن أهلي

و يصـف ابـن الرومـي " 835 – 896 م " يصـف التمــر فيقول :
ألذّ من السـلوى و أحلى من المنّ و أعذب من وصل الحبيب على الصدِّ

و في الشعر الجاهلي علاقة وثيقة بين النخلة و الناقة و الخيل و المرأة في صور تفرض نفسها على الخيال الواقعي ؛ فالنخل توغل جذورها في الأرض ، و تطاول بقاماتها قمم الجبال ، تهب عليهـا الريح فتنجذب الفروع إلى الفروع ، و يتشـابك السـعف و الجريد ، و من كثافتها كأنها ذوائب الجواري المهفهفة في مهب الريح . و مما قاله المعــري :
شـربنا ماء دجلة خير مـاء و زرنا أشـرف الشجر النخيلا
إن التمر غني بسكر العنب و الفاكهة و القصب ، و نسبتها 75 % ، و هو بذلك وقود من الدرجة الأولى . و ثبت أن جسم الإنسان لا يستغني عن المواد السكرية كمبعث للطاقة . و ينصح الأطباء بالإفطار على التمر امتثالاً لهدي رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي كان يقتصر على تمرات أو شيء من الماء ، يقوم بعد ذلك إلى الصلاة ليعود لتناول طعام خفيف . و لو امتـثلنا هذا الهـدي الحكيم لحقـقنا البعد الطبي في حديث رسول الله : (( صوموا تصحّوا )) . و من فوائد السكر الموجود في التمـر :
_ منح النشاط و الرشاقة ، و تنقية الرئة ، و تقوية البصر ، و حفظ الصحة .
_ تأخير مظاهر الشيخوخة و الحفاظ على جهــاز التنفس .
_ الوقاية من الوهن العام و أمراض الجلد ، و تقوية الذاكرة و الأعصاب .
_ منح السكينة و الهدوء : ( و هـزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا . فكلي و اشربي و قرّي عينا ) . مريم : 24- 25 .


ارتفاع الضغط
ارتفاع ضغط الدم مرض شائع جداً ، و قد ثبت أنه ينبغي على المصابين به أن يخففوا كثيراً من تناول الملح ، و على العكس من ذلك فإن الأغذية الغنية بالبوتاسيوم تفيد في الوقاية من ارتفاع ضغط الدم و معالجته .
و يؤكـد الأطباء أن هذا الإجراء وحده كافٍ للشفاء .. و ثبت من خلال البحث في تركيب الملح من قِبَل المختصين أنه غذاء مناسب للمصابين بارتفاع ضغط الدم ، فهو فقير بالصوديوم ، غني بالبوتاسيوم و المغنـزيوم ، و هذه عوامل تتضافر على خفض ضغط الدم المرتفـع .
و يؤكد الأطبـاء أن التمر لا داء فيه ، و لا تعيش فيه الجراثيم ، و هذا مصداق الحديث : (( التمر يذهب الداء ، و لا داء فيه )) .
انظر لتلك الشـجرة ذات الغصـون النضرة
كيف نمت من حبة و كيف صارت شجرة
فابحث و قل من ذا الذي يخرج منها الثمرة
و انظر إلى الغيم فمن أنـزل منـه مطـره
فصـيَّر الأرض بـه بعـد اصفرار خضـره
ذاك هـــو الله الذي أنعمـه منهمـره
ذو حكمـة بالغـة و قــدرة مقتـدره

و الأشـجار تعطي كل يوم آلاف الأطنان من الأوكسجين ، و تحافظ على الرطوبة ، و تحفظ التربة من الانجراف ، و تخفف من سرعة الريح و ارتفاع الحرارة ، و تعطي الفحم و الحطب و الخشب ، و لها قيمة جمالية و ترفيهية هامة ، و لها دعاء تقول فيــه :
رويدك يا من ترفع فأسك لتهوي به عليَّ فتقتلني .. استمع إليَّ قبل أن تؤذيني فأنا ظلك الظليل في أيام الشمس المحرقة ، و أنا أساس بيتك ، و باب دارك ، و مسند ظهرك .. أنا قلمـك الذي به تكتب ، و قاربك الذي به تبحر .. أنا شجر الفاكهة التي منهــا تأكل ، و أنا أدويتك التي بها تشــفى .. أنا زهرة البستان .. أنا البهجة و الســرور .
1_ روائع الطب الإسلامي – د . محمد نزار الدقر – الجزء الأول .
2 ـ الإعجاز العلمي في القرآن – سامي محمـد علي .
3_ الأغذيـة في القرآن – رافــدة الحــريري .
4_ ثمرة مباركة – علاء الدين حسـن – مجلة الحرس – رمضان 1420 هـ .
5- حكمة الإفطار على التمر – صلاح شهاب الدين – مجلة الفيصل – العدد 279 .
6- بين النخيل و الإبل – كمال خليفة – مجلة القافلة – شــوال 1418 .
7- كيف تعيش النخلة ؟ – د. عطا الله أحمد – المجلة العربية – ربيع الأول 1406 .
8- التمر و حكمة إفطار الصائمين – منير محمد – المرجع السابق – رمضان 1414 .
9- التمر غذاء و دواء – محمود إسماعيل – السابق – رمضــان 1417 .
10- من يبكي النخلة – د. منذر محمد – المرجع السابق – العدد 301 .
11 - الشجرة و دورها البيئي – مروان شيخو – مجلة نهج الإسلام – ذو الحجة 1420 .
12 – النخلة بين الشعر و الأسطورة – مصطفى سليمان – مجلة الكويت – العدد 103 .
13- أسرار جديدة للتمر – سيد عثمان " حديث الجمعة " 14 جمادى الآخرة 1412 .
14- التمر أول طعام الصائمين – دون اسم – صحيفة الرياض – 1 رمضان 1421 .
15- أهمية زراعة النخيل – غصوب عبـود – صحيفة الثورة ـا 25/ 6 /2000 .

أحمد فرحات
05-05-2010, 08:24 PM
مشكور عيني