المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب الاعتبار ( المؤلف: أسامة بن المنقذ )



SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 05:45 PM
الباب الأول

حروب وأسفار

قتال الإفرنج


معركة قنسرين ولم يكن القتل في ذلك المصاف في المسلمين كثيراً. وكان وصل من الإمام الراشد بن المسترشد رحمهما الله، ابن بشر رسولاً إلى أتابك يستدعيه. فحضر ذلك المصاف وعليه جو شن مذهب، فطعنه فارس من الإفرنج، يقال له ابن الدقيق، في صدره اخرج الرمح من ظهره رحمه الله، بل قتل من الإفرنج خلق كثير.
وأمر أتابك رحمه الله، فجمعت رؤوسهم في حقل مقابل الحصن، فكانت قدر ثلاثة آلاف رأس
ثم إن ملك الروم عاد خرج إلى البلاد في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة، واتفق هو والإفرنج خذلهم الله، واجمعوا على قصد شيزر ومنازلتها. فقال لي صلاح الدين ماترى ما فعله هذا الولد المثكل ؟ يعني ابنه شهاب الدين احمد قلت وأي شيء فعل ؟ قال أنفذ إلي يقول أبصر من يتولى بلدك . قلت وأي شيء عملت قال نفذت إلى أتابك أقول تسلم موضعك . قلت بئس ما فعلت ! أما يقول لك أتابك لما كانت لحماً أكلها، ولما صارت عظماً رماها علي ؟ قال فأي شيء أعمل ؟ قلت أنا جالس فيها. فإن سلم الله تعلى كان بسعادتك، ويكون وجهك ابيض عند صاحبك. وإن اخذ الموضع وقتلنا كان بآجالنا، وأنت معذور قال ما قال لي هذا القول أحد غيرك
وتوهمت أنه يفعل ذلك، فحفلت الغنم والدقيق الكثير والسمن وما يحتاجه المحاصر، فأنا في داري المغرب ورسوله جاءني قال يقول لك صلاح الدين نحن بعد غدٍ سائرون إلى الموصل فاعمل شغلك للمسير . فورد على قلبي من هذا هم عظيم وقلت اترك أولادي واخوتي وأهلي في الحصار وأسير إلى الموصل ؟ فأصبحت ركبت إليه وهو في الخيام استأذنته في الرواح إلى شيزر لاحضر لي نفقة ومالاً نحتاج إليه في الطريق. فأذن وقال لاتبطىء، فركبت ومضيت إلى شيزر، فبدا منه ما أوحش قلبي، وعرك ابني فنازل، فنفذ إلى داري فرفع كل مافيها من الخيام والسلاح والرحل وقبض على أمر أحبتي وتتبع أصحابي فكانت نكبة كبيرة رائعة.

أسامة في دمشق

(1138 - 1144 م)


فاقتضت الحال مسيري إلى دمشق، ورسل أتابك تتردد في طلبي إلى صاحب دمشق فأقمت فيها ثماني سنين، وشهدت فيها عدة حروب، واجزل لي صاحبها العطية والإقطاع وميزني بالتقريب والإكرام يضاف ذلك إلى اشتمال الأمير معين الدين رحمة الله علي وملازمتي له ورعايته لأسبابي. ثم جرت أسباب أوجبت مسيري إلى مصر، فضاع من حوائج داري وسلاحي مالم أقدر على حمله، فرطت في أملاكي ما كان نكبة أخرى. كل ذلك والأمير معين الدين رحمه الله محسن مجمل كثير التأسف على مفارقتي مقرّ بالعجز عن أمري، حتى انه انفذ إلي كاتبه الحاجب محمود المسترشدي رحمه الله قال والله لو أن معي نصف الناس لضربت بهم النصف الأخر، ولو أن معي ثلثهم لضربت بهم الثلثين وما فارقتك. لكن الناس كلهم قد تمالوا علي ومالي بهم طاقة. وحيث كنت فالذي بيننا من المودة على أحسن حاله. ففي ذلك أقول


معين الدين كم لك طوق منّ

يحيدي مثل أطواق الحمام
يعبدني لك الإحسان طوعاً

وفي الإحسان رقٌ للكرام
فصار إلى مودتك انتسابي

وإن كنت العظامي العصامي
ألم تعلم بأني لانتمائي

إليك رمى سوادي كل رام
ولولا أنت لم يصحب شماسي

لقسر دون إعذارالحسام
ولكن خفت من نار الأعادي

عليك فكنت إطفاء الضرام

أسامة في مصر

(1144 - 1154م)
ثورة في الجيش المصري


فكان وصولي إلى مصر يوم الخميس الثاني من جمادى الآخر سنة تسع وثلاثين وخمس مائة. فأقرني الحافظ لدين الله ساعة وصولي، فخلع علي بين يديه، ودفع لي تخت ثياب ومائه دينار وخولني دخول الحمام، وأنزلني في دار من دور الأفضل بن أمير الجيوش في غاية الحسن وفيها بسطها وفراشها ومرتبة كبيرة آلتها من النحاس، كل ذلك لا يستعاد منه شيء، وأقمت بها مدة إقامة في إكرام واحترام وإنعام متواصل وإقطاع زاج. فوقع بين السودان، وهم في خلق عظيم، شر وخلف بين الريحانية، وهم عبيد الحافظ، وبين الجيوشية والإسكندرية والفرحية، فكان الريحانية في جانب، وهؤلاء كلهم في جانب متفقين على الريحانية وانضاف إلى الجيوشية قوم من صبيان الخاص. فاجتمع من الفريقين خلق عظيم، وغاب عنهم الحافظ، وترددت إليهم رسله، وحرص على إن يصلح بينهم. فما أجابوا إلى ذلك، وهم معه في جانب البلد، فأصبحوا التقوا في القاهرة فاستظهرت الجيوشية أصحابها على الريحانية فقتلت منهم في سويقة وأمير الجيوش ألف رجل حتى سدوا السويقة ونحن نبيت ونصبح بالسلاح خوفاً من ميلهم علينا، فقد كانوا فعلوا ذلك قبل طلوعي إلى مصر.
وظن الناس لما قتل الريحانية أن الحافظ ينكر ذلك ويوقع بقاتليهم، وكان مريضاً على شفى، فمات رحمه الله بعد يومين، وما انتطح فيها عنزان.
خروج ابن السلار على الظافر

وجلس بعده الظافر بأمر الله وهو أصغر أولاده، واستوزر نجم الدين بن مصال وكان شيخاً كبيراً. والأمير سيف الدين أبو الحسن علي بن السلار رحمه الله إذ ذاك في ولايته، فحشد وجمع وسار إلى القاهرة ونفذ إلى داره. فجمع الظافر بأمر الله الأمراء في مجلس الوزارة، ونفذ إلينا زمام القصور يقوليا أمراء هذا نجم الدين وزيري ونائبي، فمن كان يطيعني فليطعه ويتمثل أمرهفقال الأمراء نحن مماليك مولانا سامعون مطيعون. فرجع الزمام بهذا الجواب.
فقال أمير من الأمراء شيخ يقال له لكرونياأمراء، نترك علي بن السلار يقتل؟ قالوالا والله. قالفقوموا. فنفروا كلهم وخرجوا من القصر شدوا على خيلهم وبغالهم وخرجوا إلى معونة سيف الدين بن السلار فلما رأى الظافر ذلك وغلب عن دفعه أعطى نجم الدين بن مصال مالاً كثيراً وقالاخرج إلى الحوف، واجمع واحشد وانفق فيهم وادفع ابن السلارفخرج لذلك. ودخل ابن السلار القاهرة ودخل دار الوزارة، واتفق الجند على طاعته وأحسن إليهم، وأمرني أن أبيت أنا وأصحابي في داره، وافرد لي موضعاً في الدار أكون فيه. وابن مصال في الحوف قد جمع من لواته ومن جند مصر ومن السودان والعربان خلقاً كثيراً. وقد خرج عباس ركن الدين، وهو ابن امرأة على بن السلار، ضرب خيمة في ظاهر مصر، فغدت سرية من لواته ومعهم نسيب لابن مصال وقصدوا مخيم عباس، فانهزم عنه جماعة من المصريين، ووقف هو وغلمانه ومن صبر معه من الجند ليلة مخايستهم.
وبلغ الخبر إلى ابن السلار فاستدعاني في الليل وأنا معه في الدار، وقال هؤلاء الكلاب (يعني جند مصر) قد شغلوا الأمير (يعني عباساً) بالفوارغ، حتى عدا إليه قوم من لواتة سباحة، فانهزموا عنه ودخل بعضهم إلى بيوتهم بالقاهرة، والأمير مواقفهم . قلت يا مولاي، نركب إليهم في سحر، وما يضحي النهار إلا وقد فرغنا منهم، إن شاء الله تعالى. قال صواب أبكر في ركوبك . فخرجنا إليهم من بكرة وفلم يسلم منهم إلا من سبحت به فرسه في النيل، وأخذ نسيب بن مصال وضرب رقبته.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 05:48 PM
هزيمة ابن مصال

وجمع العسكر مع عباس وسيره إلى ابن مصال، على دلاص فكسرهم وقتل ابن مصال وقتل من السودان وغيرهم سبعة عشر ألف رجل، وحملوا رأس ابن مصال إلى القاهرة، ولم يبق لسيف الدين من تعانده ولا تشاققه.
وخلع عليه الظافر خلع الوزارة ولقبه الملك العادل، وتولى الأمور.
الخليفة يكيد لوزيره الجديد
كل ذلك والظافر منحرف عنه، مضمر له الشر. فعمل على قتله وقرر مع جماعة من صبيان الخاص وغيرهم ممن استمالهم وانفق فيهم أن يهجموا داره ويقتلوه وكان شهر رمضان، والقوم قد اجتمعوا في دار بالقرب من دار الملك العادل ينتظرون توسط الليل وافترق أصحاب العادل، وأنا تلك اليله عنده. فلما فرغ الناس من العشاء وافترقوا، وقد بلغه الخبر من بعض المعاملين عليه، احضر رجلين من غلمانه وأمرهم ان يهجموا عليهم في الدار التي هم فيها مجتمعون. وكانت الدار، لما أراده الله من سلامة بعضهم، لها بابانالواحد قريب من دار العادل والآخر بعيد. فهجمت الفرقة الواحدة من الباب القريب قبل وصول أصحابهم إلى الباب لآخر فانهزموا وخرجوا من ذالك الباب. وجاءني منهم في الليل من صبيان الخاص نحو عشرة رجال كانوا أصدقاء غلماني نخبوءهم. وأصبح البلد فيه الطلب لأولئك المنهزمين، ومن ظفر بهم قُتل.

أسامة يخلص زنجياً
وعجيب ما رأيت في ذلك اليوم أن رجلاً من السودان الذين كانوا في العملة انهزم إلى علو داري والرجال بالسيوف خلفه، فأشرف على القاعة من ارتفاع عظيم. وفي الدار شجرة نبق كبيرة، فقفز من السطح إلى تلك الشجرة فثبت عليها، ثم نزل ودخل من كم مجلس قريب منه فوطئ على منارة نحاس فكسرها ودخل إلى خلف رحل في المجلس اختبى فيه. وشرف أولئك الذين كانوا خلفه، فصحت عليهم وأطلعت إليهم الغلمان دفعوهم، ودخلت الى ذلك الاسود فنزع كساء كان عليه وقال (خذه لك). قلت (اكثر الله خيرك ما احتاجه)، واخرجته وسريت معه قوما من غلماني فنجا.

مزور التوقيع تضرب رقبته
وجلست في ضفة في دهليز داري، فدخل علي شاب سلم وجلس، فرأيته حسن المحاضرة، هو يتحدث وإنسان استدعاه فمضى معه ونفذت خلفه غلاماً يبصر لماذا استدعى. وكنت بالقرب من دار العادل، فساعة ما حضر ذلك الشاب بين يدي العادل أمر بضرب رقبته فقتل وعاد الغلام، وقد استخبر عن ذنبه، فقيل له (كان يزور التواقيع). فسبحان مقدر الأعمار ومؤقت الآجال. وقُتل في الفتنة جماعة من المصريين والسودان.

أسامة بمهمة حربية لدى نور الدين

تقدم إلى الملك العادل رحمه الله، بالتجهيز للمسير إلى الملك العادل نور الدين رحمه الله، وقالتأخذ معك مالاً وتمضي إليه لينازل طبرية، ويشغل الفرنج عنا لنخرج من ها هنا نخرب غزة. وكان الإفرنج خذلهم الله قد شرعوا في عمارة غزة ليحاصروا عسقلان قلتيا مولاي، فإن اعتذر أو كان له من الأشغال ما يعوقه أي شيء تأمرني؟ قال إن نزل على طبرية، فأعطه المال الذي معك وإن كان له مانع، فديون من قدرت عليه من الجند وأطلع إلى عسقلان أقم بها في قتال الإفرنج، واكتب إلي بوصلك لآمرك بما تعمل.
ودفع إلي ستة آلاف دينار مصرية، وحمل جمل ثياب دبيقي وسقلاطون ومسنجب دمياطي وعمائم. ورتب معي قوما من العرب أدلاء
وسرت وقد أزاح علة سفري بكل ما أحتاجه من كثير وقليل.
فلما دنونا من الجفر لي الادلاءهذا مكان لا يكاد يخلو من الإفرنج. فأمرت اثنين من الأدلاء ركبا مهرين وسارا قدامنا إلى الجفر. فما لبثا أن عادا والمهاري تطير بهما، وقالاالفرنج على الجفر! فوقفت وجمعت الجمال التي عليها ثقلي ورفاقا من السفارة كانوا معي وردتهم إلى الغرب. وندبت ستة فوارس من مماليكي وقلتتقدمونا، وأنا في إثركمفساروا يركضون وأنا أسير خلفهم، فعاد إلي واحد منهم وقالماعلى الجفر أحد، ولعلهم أبصروا عرباناً. وتنازع هو الأدلاء، فنفذت من رد الجمال وسرت. فلما وصلت الجفر، وفيه مياه وعشب وشجر، فقام من ذلك العشب رجل علية ثوب أسود فأخذناه، وتفرق أصحابي فأخذوا رجلاً آخر وامرأتين وصبياناً فجاءت امرأة منهن مسكت ثوبي وقالتيا شيخي أنا في حسبك. قلتقلتأنت آمنة مالك؟
قالت قد أخذ أصحابك لي ثوباً وناهقاً ونابحاً وخرزه قلت لغلماني من أخذ شيئاً يرده فأحضر غلاما قطعه كساء لعلها طول ذراعين. قالت هذا الثوب. وأحضر آخر قطعه سند روس. قالت هذه الخرزة قلت فالحمار والكلب قالوا الحمار قد ربطوا يديه ورجليه، وهو مرمي في العشب، والكلب مفلوت يعدو من مكان إلى مكان فجمعتهم ورأيت بهم من الضر أمراً عظيماًقد يبست جلودهم على عظامهم قلت أيش أنتم؟ قالوا نحن من بني أُبي وبنو أبي فرقة من العرب من طيء لا يأكلون إلى الميتة ويقولون نحن خير العرب، ما فينا مجذوم ولا أبرص ولا زمن ولاأعمى. وإذا نزل بهم الضيف ذبحوا له وأطعموه من غير طعامهم. قلت ما جاء بكم إلى ها هنا؟ قالوا لنا بجسمى كثول ذرة مطمورة جئنا نأخذها. قلت وكم لكم علينا. من عيد رمضان لنا ها هنا، ما رأينا الزاد بأعيننا. قلت فمن أين تعيشون قالوا من الرمة يعنون العظام الباليه الملقاة ندقها ونعمل عليها الماء وورق القطف شجر بتلك الأرض ونتقوت به قلتفكلابكم وحمركم؟ قالوا الكلاب نطعمهم من عيشنا، والحمر تأكل الحشيش. قلت فلم لا دخلتم إلى دمشق؟ قالوا خفنا الوباء ولا وباء أعظم مما كانوا فيه! وكان ذلك بعد عيد الأضحى. فوقفت حتى جاء الجمال، وأعطيتهم من الزاد الذي كان معنا. وقطعت فوطة كانت على رأسي أعطيتها للمرأتين، فكادت عقولهم تزول من فرحهم بالزاد وقلت لا تقيموا ها هنا يسبوكم الإفرنج
فطنة دليل
ومن طريف ما جرى لي في الطريق إنني نزلت ليلة أصلي المغرب والعشاء قصراً وجمعاً، وسارت الجمال فوقفت على رفعة من الأرض وقلت للغلمانتفرقوا في طلب الجمال، وعودوا إلي، فأنا ما أزول من مكاني فتفرقوا وركضوا كذا وكذا فما رأوهم، فعادوا كلهم إلي وقالواما لقيناهم، ولا ندري كيف مضوا فقلتنستعين بالله تعالى ونسير على النوء فسرنا ونحن قد أشرفنا من انفردنا عن الجمال في البرية على أمر صعب. وفي الادلاء رجل يقال له جزية فيه يقظة وفطنه، فلما استبطأنا علم أنا قد تهنا عنهم، فأخرج قداحة وجعل يقدح وهو على الجمل، والشرار من الزند يتفرق كذا وكذا فرأيناه على البعد فقصدنا النار حتى لحقناهم، ولولا لطف الله وما ألهمه ذلك الرجل كنا هلكنا.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 05:54 PM
خرج المال يضيع

ومما جرى لي في تلك الطريق أن الملك العادل رحمه الله قال لي لاتعلم الأدلاء الذين معك بالمال فجعلت أربعة آلاف دينار في خرج على بغل سروجي مجنوب معي وسلمته إلى غلام وجعلت ألفي دينار ونفقه لي وسر فسار دنانير مغربية في خرج على حصان مجنوب معي سلمته إلى غلام، فكنت إذ نزلت جعلت الإخراج في وسط بساط، وردت طرفيه عليها، وبسطت فوقه بساطاً أخراً، وأنام على الاخراج وأقوم وقت الرحيل قبل أصحابي. يجيء الغلمان اللذان معهما الخراجان فيتسلمانهما، فإذا شداهما على الجنائب ركبت وأيقظت أصحابي تهممنا بالرحيل. فنزلنا ليله في تيه بني إسرائيل، فلما قمت جاء الغلام الذي معه البغل المجنوب أخذ الخرج وطرحه على وركي البغل ودار يريد يشده بالسموط، فزل البغل وخرج يركض وعليه الخرج، فركبت حصاني، وقد قدمه الركابي، وقلت لواحد من غلماني أركب أركب. وركضت خلف البغل فما لحقته وهو كأنه حمار وحش، وحصاني قد أعيي من الطريق ولحقني الغلام، فقلت اتبع البغل كذا فمضى وقال والله يا مولاي ما رأيت البغل، ولقيت هذا الخرج قد شلته. فقلت للخرج كنت أطلب، والبغل أهون مفقود. ورجعت إلى المنزلة وإذا البغل قد جاء يركض دخل في طوالة الخيل ووقف فكأنه ماكان قصده ألا تضييع أربعة آلاف دينار.



مقابلة نور الدين

ووصلنا في طريقنا إلى بصرى فوجدنا الملك العادل نور الدين رحمه الله على دمشق. وقد وصل إلى بصرى الأمير أسد الدين شيركوه رحمه الله فسرت معه إلى العسكر، فوصلته ليله الاثنين وأصبحت تحدثت مع نور الدين بما جئت به، فقال لي يا فلان، أهل دمشق أعداء والإفرنج أعداء، ما آمن منهما إذا دخلت بينهما. قلت له فتأذن لي أن أديون من محرومي الجند قوماً آخذهم وارجع، وتنفذ خرج راجل عسقلان، فدرت على سرب الرجالة وقلتيا صاحبنا ارجعوا إلى سوركم ودعونا وإياهم، فإن نصرنا عليهم فأنتم تلحقونا، وإن نصروا علينا كنتم أنتم سالمين عند سوركم فامتنعوا من الرجوع فتركتهم ومضيت إلى الإفرنج، وقد حطوا خيامهم ليضربوها فاحتطنا بهم وعجلنا هم عن طي خيامهم فرموها كما هي منشوره وساروا راجعين. فلما انفسحوا عن البلد تبعهم من الطفوليين أقوام ما عندهم منعة ولاغناء. فرجع الإفرنج حملوا على أولئك فقتلوامنهم نفراً فانهزمت الرجالة الذين رددتهم فما رجعوا ورموا تراسهم. ولقينا الإفرنج فرددناهم ومضوا عائدين إلى بلادهم وهي قريبه من عسقلان. وعاد الذين انهزموا من الرجالة يتلاومون، وقالوا كان ابن منقذ أخبر منا. قال لنا ارجعوا ما فعلنا حتى انهزمنا وافتضحنا.
موقعة أخرى في بيت جبريل


وكان أخي عز الدولة أبو الحسن علي رحمه الله في جمله من سار معي من دمشق هو وأصحابه إلى عسقلان. وكان رحمه الله من الفرسان المسلمين يقاتل للدين لا الدنيا. فخرجنا يوما من عسقلان نريد الغارة على بيت جبريل وقتالها فوصلنا وقاتلناهم. ورأيت عند رجوعنا على البلدة غلة كبيره، فوقفت في أصحابي وقد حنا ناراً وطرحناها في البيادر وصرنا ننتقل من موضع إلى موضع، ومضى العسكر تقدمني. فاجتمع الإفرنج لعنهم الله من تلك الحصون، وهي كلها متقاربة وفيها خيل كثيره للإفرنج لمغاداة عسقلان ومراوحتها وخرجوا على أصحابنا.
فجاءني فارس منهم يركض وقالقد جاء الإفرنج! فسرت إلى صاحبنا وقد كمين أو مكيدة، ولو نزلوا أخذوهم عن أخرهم نحن مقابلهم في قلة، وعسكرنا قد تقدمنا منهزمين. ومازال الإفرنج وقوفا على تلك الرابية إلى أن انقطع عبور أصحابنا ساروا إلينا فاندفعنا بين أيديهم والقتال بيننا لايجدون في طلبنا، ومن وقع أخذوه ثم عادوا عنا. وقدر الله سبحانه لنا بالسلامة باحترازهم. ولو كنا في عددهم ونصرنا عليهم كما نصروا كنا أفنيناهم.
مهاجمة يبنى

فأقمت بعسقلان لمحاربة الفرنج أربعة أشهر هجمنا فيها مدينة يبنى وقتلنا فيها نحو مائة نفس أخذنا منها أسارى.
مقتل أخي أسامه

وجاءني بعد هذه المدة كتاب الملك العادل رحمه الله يستدعيني فسرت إلى مصر وبقي أخي عز الدولة أبو الحسن علي رحمه الله بعسقلان. فخرج عسكرها إلى قتال غزة فأستشهد رحمه الله، وكان من علماء المسلمين وفرسانهم وعبادهم.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 06:00 PM
اغتيال ابن السلار

وأما الفتنة التي قتل فيها الملك العادل بن السلار رحمه الله فإنه جهز عسكرا إلى بلبيس ومقدمه ابن امرأته ركن الدولة عباس بن أبي الفتوح تميم بن باديس لحفظ البلاد من الإفرنج ومعه ولده ناصر الدين نصر بن عباس رحمه الله فأقام مع أبيه في العسكر أياماً ثم دخل إلى القاهرة بغير إذن من العادل ولا دستور. فأنكر عليه ذلك وأمره بالرجوع إلى العسكر، وهو يظن أنه دخل القاهرة للعب والفرجه وللضجر من مقام العسكر. وابن عباس قد رتب أمره مع الظافر، ورتب معه قوما من غلمانه يهجم بهم على العادل في داره إذ أبرد في دار الحرام ونام فيقتله. وقرر مع أستاذ من أستاذي دار العدل أن يعلمه إذا نام، وصاحبه الدار امرأة وصلهم أوائل الفرنج وهم لعنهم الله، أكبر الناس احترازاً في الحرب فصعدوا على الرابية وقفوا عليها. وصعدنا نحن على الرابية مقابلهم وبين الرابيتين فضاء، أصحابنا المنقطعون وأصحاب الجنائب عبروا تحتهم، لا ينزل إليهم منهم فارس خوفاً من العادل جدته، فهو يدخل إليها بغير أستئذان. فلما نام أعلمه ذلك الأستاذ بنومه، فهجم عليه بالبيت الذي هو نائم فيه، ومعه ستة من غلمانه فقتلوه رحمه الله وقطع رأسه وحمله الظافر. وذلك في يوم الخميس السادس من المحرم سنه ثمان وأربعين وخمس مائه، وفي دار العادل من مماليكه وأصحاب النوبة نحو من ألف رجل، لكنهم في دار السلام، وهو قتل في دار الحرم فخرجوا من الدار ووقع القتال بينهم وبين أصحاب الظافر وابن عباس إلى أن رفع رأس العادل على الرمح، فساعة رأوه انقسموا فرقتين فرقه خرجت من باب القاهرة إلى عباس لخدمته وطاعته وفرقه رمت السلاح وجاءوا إلى بين يدي نصر ابن عباس قبلوا الأرض ووقفوا في خدمته.
عباس يتولى الوزارة

وأصبح والده عباس دخل القاهرة وجلس في دار الوزارة، وخلع عليه الظافر وفوض إليه الأمر، وابنه نصر مخالصة ومعاشره، وأبو العباس كاره لذلك مستوحش من ابنه لعلمه بمذهب القوم في ضربهم بعض الناس ببعض حتى يفنوهم ويجوزوا كلما لهم حتى يتفانوا، فأحضراني ليله وهم في خلوه يتعاتبان وعباس يرد عليه الكلام وابنه مطرق كأنه نمر يرد علية بعد كلمة يشتاط منها عباس ويزيد في لومه وتأنيبه. فقلت لعباس يا مولاي الأفضل كم تلوم مولاي ناصر الدين وتوبخه وهو ساكت؟ اجعل الملامة لي، فأنا معه في كل ما يعمله، ما أتبرأ، من خطأة ولا صوابه، أي شيء هو ذنبه؟ ما أساء إلى أحد من أصحابك، ولا فرط في شيء من مالك، ولاقدح في دولتك خاطر بنفسه حتى نلت هذه المنزلة، فما يستوجب منك ألائمه، فأمسك عنه والده ورعى لي ابنه ذلك.
الخليفة يحرش ابن عباس على أبيه

وشرع الظافر مع ابن عباس في حمله على قتل أبيه، ويصير في الوزارة مكانه وواصله بالعطايا الجز يله فحضرته يوماً وقد أرسل إليه عشرين صينية فضه فيها عشرون ألف دينار ثم أغفله أياماً وحمل إليه من الكسوات من كل نوع وما لا رأيت مثله مجتمعا قبله، وأغفله أياماً، وبعث إليه خمسين صينية فضه فيها خمسون ألف دينار، وأغفله أياماً، وبعث إليه ثلاثين بغلا رحلا وأربعين جملا بعددها وغرائرها وحبالها. وكان يتردد بينهما رجلا يقال له مرتفع بن فحل وأنا مع ابن عباس لا يفسح لي في الغيبة عنه ليلاً ولا نهاراًأنام على رأس مخدته. فكنت عنده ليله وهو في دار الشابوره وقد جاء مرتفع ابن فحل فتحدثت معه إلى ثلث الليل، وأنا معتزل عنهما ثم أنصرف فاستدعاني وقال، أين أنت قلت عند الطاقة أقرأ القرآن فإني اليوم ما تفرغت اقرأ فابتدأ يفاتحني بشيء مما كان فيه ليبصر ما عندي في ذلك يريد بي أن أقوي عزمه على سوء ما قد حمله عليه الظافر فقلت يا مولاي لايستزلك الشيطان وتنخدع لمن يغرك، فما قتل والدك مثل قتل العادل، فلا تفعل شيء تلعن عليه إلى يوم القيامة. فأطرق وقاطعني الحديث ونمنا. فاطلع والده على الأمر فلاطفه واستماله، وقرر معه قتل الظافر.
الوزير يغتال الخليفة

وكانا يخرجا في الليل متنكرين، وهما أتراب، وسنهما واحد فدعاه إلى داره، وكانت في سوق السيوفيين، ورتب من أصحابه نفراً في جانب الدار. فلما أستقر به المجلس خرجوا عليه فقتلوه. وذلك ليله الخميس سلخ المحرم سنه تسع واربعين وخمس مائه، ورماه في جب في داره وكان معه خادم له أسود لا يفارقه يقال له سعيد الدولة فقتلوه، وأصبح عباس جاء إلى القصر كالعاده للسلام يوم الخميس فجلس في خزانه في مجلس الوزارة كأنه ينتظر جلوس الظافر للسلام، فلما جاوز وقت جلوسه استدعى زمام القصر وقال ما لمولانا ما جلس للسلام؟ فتلبد الزمام في الجواب، فصاح عليه وقال مالك لا تجاوبني قال يا مولاي مولانا لاندري أين هو قال مثل مولانا يضيع ارجع فاكشف الحال فمضى ورجع وقال ما وجدنا مولانا فقال عباس ما يبقى الناس بلا خليفة ادخل إلى الموالي إخوته يخرج منهم واحد نبايعه فمضى وعاد وقال الموالي يقولون لك مالنا في الأمر شيء، والده عزله عنا وجعله في الظافر، والأمر لولده بعده قال أخرجوه حتى نبايعه.
مبايعة ابن الظافر

وعباس قتل الظافر وعزم على أن يقول اخوته قتله ويقتلهم به فخرج ولد الظافر وهو صبي محمول على كتف أستاذ من أستاذي القصر، فأخذه عباس فحمله وبكى الناس ثم دخل به وهو حامله إلى مجلس أبيه وفيه أولاد الحافظ الأمير يوسف والأمير جبريل وأبن أخيهم الأمير ابو البلقي.
الإجهاز على أسرة الخليفة

ونحن في الرواق جلوس، وفي القصر أكثر من ألف رجل من المصرين فما راعنا الأفواج قد خرج من المجلس إلى القاعة، وصوت السيوف على إنسان. فقلت لغلام لي ارمني ابصر من هذا المقتول . فمضى ثم عاد وقال ما هؤلاء مسلمون! هذا مولاي أبو الأمانة (يعني الأمير جبريل) قد قتلوه، وواحد قد شق بطنه يجذب مصارينه . ثم خرج عباس وقد اخذ راس الأمير يوسف تحت إبطه ورأسه مكشوف، وقد ضربه بسيف والدم يفور منه وأبو البقى ابن أخيه مع نصر بن عباس فادخلوهما في خزانه في القصر وقتلوهما، وفي القصر ألف سيف مجردة. وكان ذلك اليوم من أشد الأيام التي مرت بي، لما جرى فيه من البغي القبيح الذي ينكره الله تعالى وجميع الخلق.
بواب يموت جزعاً

وكان من طريف ما جرى ذلك اليوم ان عباسا لما أراد الدخول إلى المجلس وجد بابه قد قفل من داخل. وكان يتولى فتح المجلس وغلقه أستاذ شيخ يقال له أمين الملك، فاحتالوا في الباب حتى فتحوه ودخلوا فوجدوا ذلك الأستاذ خلف الباب وهو ميت وفي يده المفتاح.
عباس يقمع الثورة


وأما الفتنة التي جرت بمصر ونصر فيها عباس على جند مصر فانه لما فعل بأولاد الحافظ رحمة الله ما فعل جفت عليه قلوب الناس واضمروا فيها العداوة والبغضاء وكاتب من في القصر من بنات الحافظ فارس المسلمين أبا الغارات طلائع بن رزبك رحمة الله يستصرخون بة! وحشد وخرج من ولايته يريد القاهرة، فأمر عباس فعمرت المراكب وحمل فيها الزاد والسلاح والخزانة وتقدم إلي العسكر بالركوب والمسير معه وذلك يوم الخميس العاشر من صفر سنه تسع وأربعين وأمر ابنه ناصر الدين بالمقام في القاهر، وقال لي تقيم معه .
فلما خرج من داره متواجها إلى لقاء ابن رزيك خامر عليه الجند وغلقوا أبواب القاهرة ووقع القتال بيننا وبينهم في الشوارع والأزقة. وخيالتهم تقاتلنا في الطريق، ورجالتهم يرمننا بالنشاب والحجارة من على السطوحات، والنساء والصبيان يرموننا بالحجارة من الطاقات. ودام بيننا وبينهم القتال من ضحى نهار إلى العصر. فاستظهر عليهم عباس وفتحوا أبواب القاهرة وانهزموا ولحقهم عباس إلى أرض مصر فقتل منهم من قتل وعاد إلى داره وأمره ونهيه. وأمر بإحراق البرقية لأنها مجمع دور الأجناد، فتلطفت الأمر معه وقلت يا مولاي، إذا وقعت النار أحرقت ما تريد ولا ما تريد، وبلعت عن أن تطفئها وردد رأيه عن ذلك. وأخذت الأمان للأمير المؤتمن بن أبي رماده بعد أن أمر بتلافه واعتذرت عنه، فصفح عن جرمه.
عباس يفر إلى الشام


ثم سكنت تلك الفتنة، وقد أرتاع منها عباس وتحقق عداوة الجند والأمراء وأنه لا مقام له بينهم، وثبت في نفسه الخروج من مصر وقصد الشام إلى الملك العادل نور الدين رحمه الله يستنجد به، والرسل بين من في القصور وبين ابن رزيك مترددة، وكان بيني وبينه رحمه الله مودة ومخالطة من حين دخلت ديار مصر فنفذ إلى رسولاَ يقول لي عباس ما يقدر على المقام بمصر، بل هو يخرج منها إلى الشام وأنا أملك البلاد، وأنت تعرف ما بيني وبينك، فلا تخرج معه فهو بحاجته إليك في الشام يرغبك ويخرجك معه، فالله الله لا تصحبه، فأنت شريكي في كل خير أناله. فكان الشياطين وسوست لعباس بذلك أو توهمه لما يعلمه بيني وبين ابن زريك من المودة. فأما الفتنة التي خرج فيها عباس من مصر وقتله الإفرنج فانه لما توهم من أمري وأمر ابن رزيك ما توهمه أو بلغه، أحضرني واستحلفني بالإيمان الغلظة التي لا مخرج منها إنني أخرج معه وأصحبه، ولم يقنعه ذلك حتى نفذ في الليل أستاذ داره الذي يدخل على حرمه، أخذ أهلي ووالدتي وأولادي إلى داره، وقال لي أنا احمل كلفتهم عنك في الطريق واحملهم مع والدة ناصر الدين. واهتم بأمر سفره بخيله وجماله وبغاله، فكان له مائتا حصان وحجره مجنوبه على أيدي الرجالة كعادتهم بمصر، ومائتا بغل رحل وأربع مائة جمل تحمل أثقاله.
وكان كثير اللهج بالنجوم، وهو معول على السير بالطالع يوم السبت الخامس عشر من الربيع الأول من السنة فحضرته وقد دخل عليه الغلام يقال له عنتر الكبير وهو متولي أمر كبيرها وصغيرها فقال له يا مولاي، أي شيء مرجو من مسيرنا إلى الشام؟ خذ خزائنك وأهلك وغلمانك ومن تبعك وسر بنا إلى الإسكندريه، نحشد من هناك ونجمع ونرجع إلى أبن زريك ومن معه. فإن نصرنا عدت إلى دارك وإلى ملكك، وإن عجزنا عنه عدنا إلى الإسكندريه إلى بلد نحتمي فيه ويمتنع على عدونا فنهره وخطأه وكان الصواب معه. ثم أصبح يوم الجمعه استدعاني من بكره، فلما حضرت عنده قلت يا مولي إذا كنت عندك من الفجر إلى الليل فمتى أعمل شغل سفري قال عندنا رسل من دمشق، تسيرهم وتمضي تعمل شغلك.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 06:05 PM
المكيدة ضد عباس

وكان قبل ذلك احضر قوما من الأمراء واستحلفهم انهم يخونونه ولا يخامرون عليه، واحضر جماعه من مقدمي العرب من درماء وزريق وجذام وسنبس وطلحه وجعفر ولواته واستحلفهم بالمصحف والطلاق على مثل ذلك فما راعنا وأنا عنده بكره الجمعة، إلا والناس قد لبسوا السلاح وزحفوا إلينا ورؤوسهم الأمراء الذين أستحلفهم بالأمس، فأمر بسد دوابه فشدت وأوقفت على باب داره، فكانت بيننا وبين المصرين كالسد لا يصلون إلينا لا زدحام الدواب دوننا. فخرج إليهم غلامه عنتر الكبير كان أشار عليه بذلك الرأي وهو زمامهم، صاح عليهم وشتمهم وقال روحوا إلى بيوتكم فسيبوا الدواب ومضى الركابية والمكارية والجمالون، وبقيت الدواب مهملة ووقع فيها النهب. فقال لي العباس اخرج احضر الأتراك وهم عند باب النصر والكتاب ينفقون فيهم. فلما جئتهم واستدعيتهم ركبوا كلهم، وهم في ثماني مائه فارس وخرجوا من القاهرة منهزمين من القتال، وركب المماليك وهم أكثر من الأتراك وخرجوا أيضاً من باب النصر، ورجعت إليه عرفته ثم اشتعلت بإخراج أهلي الذي كان حملهم إلى داره فأخرجتهم واخرجت حرم عباس. فلما خلت الطريق ونهبت تلك الدواب بأجمعها وصل المصريون إلينا فأخرجونا ونحن في قله وهم في خلق كثير. فلما خرجنا من باب النصر وصلوا إلى الأبواب أغلقوها وعادوا إلى دروبنا نهبونا، فأخذوا من قاعة داري أربعين غراره جمالية مخالطة فيها من الفضة والذهب والكسوات شيء كثير. وأخذوا من أصطبلي ستة وثلاثين حصاناً وبغله سروجيه بسروجها وعدتها كاملة وخمسه وعشرين جملاً، وأخذوا من إقطاعي من كوم أشفين مائتي رأس بقر للنشابين ألف شيه واهراء غلة. ولما سرنا عن باب النصر تجمعت قبائل العرب الذين استحلفهم وقاتلونا من يوم الجمعه وضحى نهار إلى يوم الخميس العشرين من ربيع الأول فكانوا يقاتلون النهار كله، فإذا جن الليل ونزلنا أغفلونا إلى أن ننام، ثم يركبونا في ماءه فارس ويدفعون خيلهم في بعض جوانبنا ويرفعون أصواتهم بالصياح فما نفر من خيلنا وخرج إليهم أخذوه.

أسامة جريح


وانقطعت يوما عن أصحابي وتحتي حصان أبيض هو أردى خيلي، شده الركابي ولايدري ما يجري، وما معي من السلاح غير سيفي، فحمل علي العرب فلم أجد ما أدفعهم به، ولا ينجيني منهم حصاني، وقد وصلتني رماحهم قلت أثب عن الحصان واخذب سيفي أدفعهم. فجمعت نفسي لأثب فتتعتع الحصان فوقعت على الحجارة وأرض خشنه فانقطعت قطعه من جلدة رأسي ودخت حتى ما بقيت ادري بما انا فيه فوقفت علي منهم قوم وأنا جالس مكشوف الرأس غائب الذهن وسيفي مرمي بجهازه، فضربني واحد منهم ضربتين بالسيف وقال هات الوزن وأنا لا أدري ما يقول، ثم أخذ حصاني وسيفي. ورآني الأتراك فعادوا إلي، ونفذ لي ناصر الدين بن عباس حصاناًوسيفاًوسرت وأنا لاأقدر على عصابة أشد بها جراحي، فسبحان من لا يزول ملكه. وسرنا وما مع أحد منا كف زاد، وإذا أردت أشرب ماء ترجلت، شربت بيدي، وقبل أن أخرج بليلة جلست في بعض دهاليز داري على كرسي وعرضوا علي ستة عشر جمل روايا وما شاء الله سبحانه من القرب والسطائح. وعجزت عن حمل أهلي فردتهم من بلبيس إلى عند الملك الصالح أبي الغارات طلائع ابن زريك رحمه الله فأحسن إليهم وأنزلهم في دار واجرى لهم ما يحتاجونه. ولما أراد العرب الذين يقاتلونا الرجوع عنا جاءونا يطلبون حسبنا إذا عدنا.

عباس يقتله الإفرنج


وسرنا إلى يوم الأحد ثالث وعشرين ربيع الأخر فصبحنا الإفرنج جمعهم على المليح فقتلوا عباساً وابنه حسام الملك وأسروا ابنه ناصر الدين وأخذوا خزانته وحرمه وقتلوا من ظفروا به، وأخذ أخي نجم الدولة أبا عبد الله محمد رحمه الله أسيراً، وعادوا عنا ونحن قد تحصنا عنهم في الجبال.


مخاطر وادي موسى


فسرنا أشد من الموت في بلاد الفرنج بغير بغداد زاد للرجال ولاعلف للخيل إلى أن وصلنا جبال بني فهيد لعنهم الله في وادي موسى، وطلعنا في طرقات ضيقه وعره إلى أرض فسيحة والرجال وشياطين رجيمة من ظفروا به منا منفرد قتلوه. وتلك الناحية لا تخلو من بعض بني ربيعة الأمراء الطائيين، فسألت من ها هنا من الأمراء بني ربيعة؟ قالوا منصور بن غدفل وهو صديقي فدفعت لواحد دينارين وقلت أمض إلى المنصور قل له صديقك ابن منقذ يسلم عليك ويقول لك صل إليه بكره، وبتنا في مبيت سوء من خوفهم.
فلما أضاء الصبح اخذوا عدتهم ووقفوا على عين وقالوا ما ندعكم تشربون ماءنا ونهلك ونحن بالعطش. وتلك العين تكفي ربيعة ومضر، وكم في أرضهم مثلها، وإنما قصدهم أن ينشئوا الشر بيننا وبينهم ويأخذونا، ونحن فيما نحن فيه ومنصور بن غدفل وصل، فصاح عليهم وسبهم فتفرقوا. وقال أركب فركبنا ونزلنا في طريق أضيق من الطريق التي طلعت فيها وأوعر. فنزلنا إلى لوطا سالمين، وما كدنا نسلم. فجمعت للأمير منصور ألف دينار مصريه ودفعتها إليه وعاد.


في دمشق


وسرنا حتى وصلنا بلد دمشق بمن سلم من الإفرنج وبني فهيد يوم الجمعة خامس ربيع الآخر من السنة. وكانت السلامة من تلك الطريق من دلائل قدرة الله عز وجل وحسن دفاعه.

قصة السرج


ومن عجيب ما جرى لي في تلك الواقعة أن الظافر كان أرسل إلى ابن عباس وهواراً صغير اً مليحاً إفرنجيا. وكنت قد خرجت إلى قرية لي، وابني أبو الفوارس مرهف عند ابن عباس فقالكنا نريد لهذا الرهوار سرجاً مليحاً من السروج الغزية فقال له ابني قد وجدته يا مولاي وهو فوق الغرض قال أين هو قال في دار خادمك والدي له سرج غزي مليح قال انفذ أحضره فأرسل رسولاً إلى داري أخذ السرج فأعجبه وشد به على الرهوار وكان السرج طلع معي من الشام على بعض الجنائب وهو منبت مجرى بسواد في غاية الحسن وزنه مائة مثقال وثلاثون مثقالاً. ووصلت أنا من الإقطاع فقال لي ناصر لدين أدللنا عليك أخذنا هذا السرج من دارك فقلت يا مولاي ماسعدني بخدمتك! فلما خرج علينا الإفرنج بالمويلح كان معي من مماليكي خمسه رجال على الجمال أخذت العرب خيلهم. فلما وقع الإفرنج بقيت الخيل سائبه، فنزل الغلمان عن الجمال واعترضوا الخيل وأخذوا منها ما ركبوه. فكان على بعض الخيل التي أخذوها ذلك السرج الذهب الذي أخذه ابن عباس. وكان حسام الملك ابن عم عباس وأخو عباس ابن العادل قد سلما فيمن سلم منا. وقد سمع حسام الملك خبر السرج وأنا أسمع كل ما كان لهذا المسكين يعني ابن عباس قد نهب فمنه ما نهب الإفرنج، ومنه ما نهبه أصحابه قلت لعلك تعني السرج الذهب قال نعم فأمرت بإحضاره وقلت اقرأ ما عليه اسم عباس عليه وابنه أو اسمي ومن كان في مصر يقدر يركب بسرج ذهب في أيام الحافظ غيري وكان أسمي مكتب على دائر السرج بالسواد ووسطه منبت. فلما قرأ ما عليه إعتذر وسكت.

عدم الاتعاظ بنكبة رضوان


ولولا نفاد المشيئة في عباس وابنه وعواقب البغي وكفر النعمة كان اتعظ بما جرى قبله للأفضل رضوان بن الولخشي رحمه الله، كان وزيرا فقام الجند عليه بأمر الحافظ كما قاموا على عباس، فخرج من مصر يريد الشام ونهبت داره وحرمه حتى أن رجلاً يعرف بالقائد مقبل رأى مع السودان جاريه فاشتراها منهم وبعثها إلى داره، وكانت له امرأة صالحه فاطلعت الجارية إلى الحجرة في علو الدار فسمعتها تقول لعل الله يظفرنا بمن بغى علينا وكفر نعمتنا. فسألتها من أنت فقالت قطر الندى بنت رضوان فنفذت المرأة إلى زوجها القائد مقبل أحضرته وهو على باب القصر في خدمته فعرفته حال البنت. فكتب إلى الحافظ مطالعه فعرف بذلك. فنفذ من خدام القصر من أخذها من دار مقبل ورفعها إلى القصر.

أسامه بمهمة سياسية تجاه رضوان


ثم أن رضوان وصل إلى صلخد وفيها أمين الدولة طغد كين أتابك رحمه الله فأكرمه وأنزله وخدمه. وملك الأمراء أتابك زنكي بن اقسنقر رحمه الله على بعلبك يحاصرها. فراسل رضوان واستقر انه يمضي إليه وكان رجلاً كاملاً كريماً شجاعاً كاتباً عارفا، وللجند إليه ميل عظيم لكرمه. فقال لي الأمير معين الدين رضي الله عنه هذا ان انضاف إلى أتابك دخل علينا منه ضرر كثير قلت فأي شيء ترى قال تسير إليه لعلك ترد رأيه عن قصد أتابك ويكون وصوله إلى دمشق وأنت ترى فيما تفعله في هذا رأيك فسرت إليه إلى صلخد واجتمعت به وبأخيه الأوحد وتحدثت معهما. فقال لي الأفضل رضوانفرط الأمر مني ورهنت قولي عند هذا السلطان بوصولي إليه، ولزمني الوفاء بقولي. قلت أقدمك الله على خير وأنا أعود إلى صاحبي فأنه ما يستغني عني بعد أن اخرج إليك بما في نفسي قال قل قلت إذا وصلت إلى أتابك معه من العسكر ما ينفذ نصفه معك إلى مصر ويبقى نصفه يحاصرنا به قال لا قلت فإذا هو نزل على دمشق وحاصرها وأخذها بعد المدة الطويلة يقدر وقد ضعف عسكرة وفرغت نفقاتهم وطالت سفرتهم، يسير معك إلى مصر قبل أن يجدد بركه ويقوي عسكرت قال لا قلت ذلك الوقت يقول لك نسير إلى حلب نجدد آلة سفرنا فإذا وصلتم إلى حلب قال نمضي إلى الفرات نجمع التركمان فإذا نزلتم على الفرات قال إن لم نعد الفرات ما يجتمع لنا التركمان فإذا عديتم تشوف بك وافتخر على سلاطين الشرق وقال هذا عزيز مصر في خدمتي وتتمنى ذلك الوقت أن ترى حجرا من حجارة الشام فلا تقدر عليها وتذكر حينئذً كلامي وتقول نصحني ما قبلت فاطرق مفكرا لا يدري ما يقول ثم التفت إلي وقال ماذا أعمل؟ وأنت تريد ترجع. قلت أن كان في مقامي مصلحه أقمت. قال نعم فاقمت. وتكرر الحديث بيني وبينه حتى استقر وصوله إلى دمشق.، وان يكون له ثلاثون ألف دينار نصفها نقد ونصفها إقطاع، ويكون له دار العقيقي، ويخرج لأصحابه ديوان. وكتب لي خطه بذلك وكان كاتبا حسنا. وقال أن شئت سرت معك. قلت لا أنا أسير ومعي الحمام من هاهنا. فإذا وصلت واخيلت الدار ورتبت الأمر، طيرت إليك الحمام وسرت أنا في الوقت ألقاك في نصف الطريق وادخل بين يديك فتقرر ذلك وودعته وسرت.

رضوان في حبس مصر


و كان أمين الدولة يشتهي مصيره إلى مصر لما قد وعده به واطعمه فبه، فجمع له من قدر عليه وسيره بعد مفارقتي له. فلما دخل حدود مصر غدر به الذين كانوا معه من الأتراك ونهبوا ثقله، والتجأ هو إلي حي من أحياء العرب وراسل الحافظ وطلب منه الأمان وعاد إلى مصر، فساعة وصوله إلى مصر أمر به الحافظ فحبس هو وولده. واتفق طلوعي إلى مصر وهو في الحبس في دار في جانب القصر فنقب بمسمار حديد أربعه عشر ذرعا وخرج ليله الخميس وله من الأمراء نسيب قد عرف امره فهو عند القصر ينتظره ومصطنع له من لواته، ومشوا إلى النيل عدوا إلى الجيزة واختبطت القاهرة لهروبه. وأصبح في منظره في الجيزة والناس يجتمعون إليه. وعسكر مصر قد تأهب لقتاله، ثم اصبح بكره الجمعه عدى إلى القاهرة والعسكر المصري مع قيماز صاحب الباب مدرعين للقاء، فلما وصلهم هزمهم ودخل القاهرة

رضوان يقتله الحرس الفاطمي


وكنت قد ركبت أنا واصحابي إلى باب القصر قبل دخوله البلد فوجدت أبواب القصر مغلقه وما عندها أحد، فرجعت نزلت في داري، ونزل رضوان في الجامع الأقمر واجتمع إليه الأمراء وحملوا إليه الطعام والنفقه. وقد جمع الحافظ قوما من السودان في القصر شربوا وسكروا، وفتح لهم باب القصر فخرجوا يريدون رضوانا. فلما وقع الصياح ركب الأمراء كلهم من عند رضوان وتفرقوا هو من الجامع، وجد حصانه قد أخذه الركابي وراح، فرآه رجل من صبيان الخاص واقفاً على باب الجامع فقاليا مولاي ما تركب حصاني؟ قال بلى فجاء إليه يركض وسيفه بيده، فأومأ كأنه يميل للنزول وضربه بالسيف فوقع، ووصله في السودان قتلوه، وتقاسم أهل مصر لحمه يأكلونه ليكونوا شجعاناً. فقد كان فيه معتبر وواعظ لولا نفاذ المشيئة.

بالفصاد ينجو جريح


وأصاب ذلك اليوم رجلاً من أصحابنا الشامين جراح كثيرة، فجاءني أخوه وقالأخي تالف قد وقع فيه كذا وكذا جرح سيوف وغيرها، وهو مغمور ما يفيق. قلت ارجع افصده. قالقد خرج منه عشرون رطل دم. قلت إرجع إفصده، فأنا اخبر منك بالجراح وليس له دواء غير الفصاد. فمضى غاب عني ساعتين ثم عاد وهو مستبشر، قال أنا فصدته وهو أفاق وأكل وشرب وذهب عنه البؤس. قلت الحمد الله ولولا أني جربت هذا في نفسي عدة مرار ما وصفته لك.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 06:14 PM
زيارة أسامة الثانية لدمشق

(1154 - 1164 م)


ثم اتصلت بخدمه الملك العادل نور الدين رحمه الله وكاتب الملك الصالح في تسير أهلي وأولادي الذين تخلفوا بمصر وكان محسناً إليهم. فرد الرسول اعتذر بأنه يخاف عليهم من الإفرنج، وكتب إلي يقول ترجع إلى مصر وأنت تعرف ما بيني وبينك، وإن كنت مستوحشاً من أهل القصر فتصل إلى مكة وأنفذ لك كتاباً بتسليم مدينه أسوان إليك، وأمدك بما تتقوى به على محاربة الحبشة فأسوان ثغر من ثغور المسلمين واسير أهلك وأولادك. ففاوضت الملك العادل واستطلعت أمره فقاليا فلان، ما صدقت متى تخلص من مصر وفتنتها، تعود إليها! العمر أقصر من ذلك. أنا انفذ أحذ لأهلك الأمان من ملك الإفرنج أسير من يحضرهم. فانفذ رحمه الله أخذ أمان الملك وصليبه في البر والبحر.


أسرة أسامة بيد الإفرنج


وسيرت الأمان مع غلام لي وكتاب الملك العادل وكتابي إلى الملك الصالح، فسيرهم في عشاري من الخاص إلى دمياط، وحمل لهم كل ما يحتاجونه من النفقات الزاد ووصى بهم، واقلعوا من دمياط في بطسه من بطس الإفرنج، فلما دنوا من عكاروالملك، لا رحمه الله، فيها نفذ قوم في مركب صغير كسروا البطسه بالفؤوس واصحابي يرونهم، وركب ووقف على الساحل نهب كل ما فيه. فخرج إليه الغلام لي سابحاً والأمان معه وقال لهيا مولاي الملك، ما هذا أمانك؟ قال بلى، ولكن هذا رسم المسلمينإذا انكسر لهم مركب على بلد نهبه أهل ذلك البلد. قال فتسبينا؟ قاللا، وانزلهم لعنه الله في دار وفتش النساء حتى أخذ كل ما معهم. وقد كان في المركب حلى اودعه النساء وكسوات وجوهر وسيوف وسلاح وذهب وفضه بنحو من ثلاثين ألف دينار، فأخذ الجميع ونفذ لهم خمس مائه دينار، وقالتوصلوا بهذه إلى بلادكم وكانوا رجالاً ونساء في خمسين نسمه. وكنت إذ ذلك مع الملك العادل في بلاد الملك مسعود رعبان وكيسون. فهون علي سلامة أولادي وأولاد أخي، وحرمنا ذهاب ما ذهب من المال إلا ما ذهب لي من الكتب، فإنها كانت أربعة آلاف مجلد من الكتب الفاخرة، فإن ذهابها حزازة في قلبي ما عاشت. فهذه نكبات تزعزع الجبال وتفني الأموال، والله سبحانه يعوض برحمته ويختم بلطفه ومغفرته. وتلك وقعات كبار شاهدتها مضافة إلى نكبات نكبتها سلمت فيها النفس لتوقيت الآجال واجحفت بهلاك المال.

معارك مع الإفرنج ومع المسلمين


وقد كان بين هذه الوقعات فترات شهدت فيها من الحروب مع الكفار والمسلمين ما لا احصيها، وسأورد من عجائب ما شاهدته ومارسته في الحروب ما يحضرني ذكره، وما النسيان بمستنكر لمن طال عليه ممر الأعوام وهو وراثة بني آدم من أبيهم عليه الصلاة والسلام.

شرف الفارس جمعة


فمن ذلك ما شهدته من أنفة الفرسان وحملهم نفوسهم على الأخطار، أننا كنا التقينا نحن وشهاب الدين محمود بن قراجا، صاحب حماه ذلك الوقت وكانت الحرب بيننا وبينه ما تغب، والمواكب واقفه والطراد بين المتسرعة، فجاءني رجل من أجنادنا وفرساننا المعدودين يقال له جمعه من بني نمير وهو يبكي، فقلت لهمالك يا أبا محمود؟ هذا وقت بكاء؟ قال طعنني سرهناك بن أبي منصور. قلتوإذا طعنك سرهنك أي شيء يكون؟ قالما يكون شيء إلا يطعنني سرهنك! والله إن الموت أسهل علي من أن يطعنني لكنه استغفلني واغتالني فجعلت أسكته واهون الأمر عليه، فرد رأس فرسه راجعاً. فقلتإلى أين يا أبا محمود؟ قالإلى سرهناك، والله لأطعنه أو لأموتن دونه. فغاب ساعة واشتغلت أنا بمن مقابلي، ثم عاد وهو يضحك فقلتما عملت؟ فقالطعنته والله، ولو لم اطعنه لفظت روحي، فحمل عليه في جمع أصحابه فطعنه وعاد، فكأن هذا الشعر عن سرهنك وجمعة بقوله

لله درك ما تظن بثائرً

حران ليس عن التراث براقد
أيقظته ورقدت عنه ولم ينم

حنقاً عليك وكيف نوم الجاهد
إن تمكن الأيام منك وعلها

يوماً يكل لك بالصواع الزائد

وقد يكون سرهنك هذا من الفرسان المذكورين مقدماً في الأكراد، إلا أنه كان شاباً وجمعة رجل كهل له ميزة بالسن والتقدمية في الشجاعة.


في صدر الإسلام


وذكرت بفعلة سرهنك ما فعله مالك بن الحارث الاشتر رحمه الله بأبي مسيكه الايادي. وذلك انه لما ارتدت العرب في أيام أبي بكر رضوان الله عليه، وعزم الله سبحانه له على قتالهم، جهز العساكر إلى قبائل العرب المرتدين. فكان أبو مسيكه الأيادي مع بني حنيفة وكانوا أشد العرب شوكه. وكان مالك الأشتر في جيش أبي بكر رحمه الله. فلما توقفوا برز مالك بين الصفين وصاحيا أبا مسيكة فبرز له فقال ويحك يا أبا مسيكة، بعد الإسلام وقراءة القرآن رجعت إلى الكفر؟ فقالإياك عني يا مالك! انهم يحرمون الخمر، ولا صبر عنها. قال هل لك في المبارزة؟ قال نعم. فالتقيا بالرماح والتقيا بالسيوف فضربه أبو مسيكة فشق رأسه وشتر عينه وبتلك الضربه سمي الأشتر. فرجع وهو معتنق رقبه فرسه إلى رحله، واجتمع له قوم من أهله وأصدقائه يبكون. فقال لأحدهمادحل يدك في فمي. فادحل إصبعه في فمه فعضها مالك فالتوى الرجل من الوجع. فقال مالك لابأس على صاحبكم. يقال إذا سلمت الأضراس سلم الرأس، أحشوها يعني الضربه سياقاً وشدوها بعمامة فلما حشوها وشدوها قالهاتوا فرسي. قالواإلى أين قالإلى أبى مسيكة. فبرز بين الصفين وصاح يا أبا مسيكة! فخرج إليه مثل السهم فضربه مالك بالسيف على كتفه فشقها إلى سرجه فقتله. ورجع مالك إلى رحله فبقى أربعين يوماً لا يستطيع الحراك، ثم ابل وعوفي من جرحه ذلك.

سلامة المطعون


ومن ذلك ما شهدته من سلامة المطعون، وقد ظن أنه هلك، أننا التقينا بوادر خيل شهاب الدين محمود بن قراجا، قد جاء إلى أرضنا وكمن لنا كميناً. فلم توقفنا نحن وهو انتشرت خيلنا. فجاءني فارس من جندنا يقال له علي بن سلام نميري وقال أصحابنا قد انتشروا ان حملوا عليه أهلكوهم. قلت احبس عني اخوتي وبني عمي حتى أردهم. فقاليا أمراء، دعوا هذا يرد الناس ولا تتبعوه، وإلا حملوا عليهم قلعوهم. قالوا يمضي. فخرجت أناقل حصاني حتى رددتهم، وكانوا ممسكين عنهم ليستجر وهم ويتمكنوا منهم. فلما رأوني قد رددتهم حملوا علينا وخرج كمينهم وأنا على فسحة من أصحابي فرجعت مباريهم أريد احمي أعقاب أصحابي فوجدت ابن عمي ليث الدولة يحيى رحمه الله قد حدب من وراء أصحابي من قبل الطريق وأنا في شمالية فجئناهم، فتسرع فارس من خيلهم يقال له فارس بن زمام رجل عربي فارس مشهور، وجازنا يريد الطعن في أصحابنا فسبقني إليه ابن عمي فطعنه فوقع هو وحصانه وفقع الرمح سمعتها أنا وأولئك. وكان الوالد رحمه الله أرسل رسولا إلى شهاب الدين فأخذه معه لما جاء لقتالنا فلما طعن فارس بن زمام ولم يبلغ منا ما أراد نفذ الرسول من مكانه بجواب ما سار فيه ورجع إلى حماه، فسألت الرسولهل مات فارس بن زمام، قاللا والله ولافيه جرح قالليث الدولة طعنه وأنا أراه فرماه ورمى حصانه وسمعت قعقعة كسر الرمح، لما غشيه ليث الدولة من يساره مال على جانبه الأيمن وفي يده قنطاريته فوقع حصانه على قنطاريته وهي على وهده فانكسرت، وتذنب ليث الدولة برمحه فوقع من يده، والذي سمعت قعقعة قنطاريه فارس بن زمام، ورمح ليث الدولة أحضره بين يدي شهاب الدين وأنا حاضر، وهو صحيح ما فيه كسر ولا في فارس جرح، فعجبت من سلامته وكانت تلك الطعنه طعنه فيصل كما قال عنترة


الخيل تعلم والفوارس أنني

فرقت جمعهم بطعنة فيصل

ورجع جميعهم كمينهم ما نالوا منه ما أرادوه. والبيت المقدم من أبيات عنترة بن شداد يقول فيها


إني أمرؤ من خير عبس منصباً

شطري وأحمي سائري بالمنصل
وإذا الكتيبة أحجمت فتلاحظت

ألفيت خيرا من معم مخول
وإن المنية لو تمثل مثلت

مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
والخيل تعلم والفوارس أنني

فرقت جمعهم بطعنة فيصل
ودعوا نزال فكنت أول نازل

وعلام أركبه إذا لم أنزل

أول قتال حضره أسامة


ومثل ذلك ما جرى لي على افامية فإن نجم الدين بن إيلغازي بن ارتق رحمه الله كسر الإفرنج على البلاط وذلك يوم الجمعة خامس جمادى الأولى سنة، ثلاث عشرة وخمسمائة وأفناهم وقتل صاحب إنطاكية روجار وجميع فرسانه، فسار إليه عمي عز الدين ابو العساكر سلطان رحمه الله، وتخلف والدي رحمه الله في حصن شيزر، وقد وصاه ان يسيروني إلى افامية بمن معي بشيزر من الناس والعرب لنهب زرع افامية، وكان قد هدف من العرب إلينا خلق كثير. فلما سار عمي نادى المنادي بعد يوميات من مسيره وسرت في نفر قليل ما عشرين فارساً، ونحن على يقين أن افاميه مافيها خياله ومعي خلق عظيم من النهاية والبداية، فلما صرنا على وادي أبو الميمون، والنهابة والعرب متفرقون في الزرع، خرج علينا من الإفرنج جمع كثير، وكان قد وصلها تلك الليلة ستون فارساً وستون راجلاً فكشفونا عن الوادي، فاندفعنا بين أيديهم إلى أن وصلنا الناس الذين في الزرع ينتهبونه فضجوا ضجة عظيمة، فهان علي الموت لهلاك ذلك العالم معي، فرجعت على فارس في أولهم قد ألقى عنه درعه وتخفف ليجوزنا من بين أيدينا، فطعنته في صدره فطار عن سرجه ميتا. ثم استقبلت خيلهم المتتابعة فولوا أنا غر من القتال ما حضرت قتالا قبل ذلك اليوم وتحتي فرس مثل الطير ألحق أعقابهم لأطعن فيهم ثم اجتن عنهم. وفي أخرهم فارس على حصان ادهم مثل الجمل بالدرع ولأمه الحرب وأنا خائف منه لا يكون جذاباً لي ليعود علي، حتى رأيته ضرب حصانه بمهمازه فلوح بذنبه فعلت انه قد اعيا، فحملت عليه طعنته فنفذ الرمح من قدامه نحواً من ذراع، وخرجت من السرج لخفة جسمي وقوة الطعنه وسرعة الفرس، ثم تراجعت وجذبت رمحي وأنا أظن أنى قتلته، فجمعت أصحابي وهم سالمون. وكان معي مملوك صغير يجر فرساً لي دهماء مجنوبة وتحته بغلة مليحة سروجية وعليها مركوب صقيل فضة، فنزل عن البغلة وسيبها وركب الحجرة فطارت به إلى شيزر، فلما عدت إلى أصحابي وقد مسكوا البغله سألت عن الغلام فقالوا راح. فعلمت انه يصل شيزر ويشغل قلب الوالد رحمه الله، فدعوت رجلاًمن الجند وقلتتسرع إلى شيزر تعرف والدي بما جرى. وكان الغلام لما وصل أحضره الوالد بين يديه وقالأي شيء لقيتم؟ قاليا مولاي خرج الإفرنج في ألف، وما أظن أحد يسلم إلا مولاي قالكيف يسلم مولاك دون الناس؟ رأيته قد لبس وركب الخضراء هو يحدثه، وذلك الفارس قد وصله وأخبره باليقين ووصلت بعده فاستخبرني رحمه الله. فقلت يا مولاي كان أول قتال حضرته، فلما رأيت الإفرنج قد وصلوا إلى الناس هان علي الموت فرجعت إلى الإفرنج لأقتل أو أحمي ذلك العالم فقال رحمه الله متمثلاً

يفر جبان القوم عن أم رأسه

ويحمي شجاع القوم من لا يلازمه

ووصل عمي رحمه الله من عند نجم الدين ايلغازي رحمه الله بعد أيام فأتاني رسوله يستدعيني في وقت ما جرت عادته فيه، فجئته فإذا عنده رجل من الإفرنج فقالهذا الفارس قد جاء من افامية يريد يبصر الفارس الذي طعن فيليب الفارس، فإن الإفرنج تعجبوا من تلك الطعنة وإنها خرقت الزردية من طاقتين وسلم الفارس. قلتكيف سلم؟ قال ذلك الفارس الإفرنجي جاءت الطعنة في جلدة خاصرته. فقلت نعم الأجل حصن حصين. وما ظننته يسلم من تلك الطعنة. قلت يجب على من وصل إلى الطعنة أن يشد يده وذراعه على الرمح جانبه ويدع الفرس يعمل ما يعمله في الطعنة، فإنه متى حرك يده بالرمح مدها به لم يكن لطعنته تأثير ولا نكاية.


يسلم بعد أن قُطع شريان قلبه


وشاهدت فارساً من رجالنا يقال له ندى بن تليل القشيري وكان من شجعاننا، وقد التقينا نحن والإفرنج وهو معرى ما عليه غير ثوبين فطعنه فارس من الإفرنج في صدره فقطع هذه العصفورة التي في الصدر وخرج الرمح من جانبه، فرجع وما نظنه يصل منزله حياً، فقدر الله سبحانه ان سلم وبرأ جرحه، لكنه لبث سنة إذا نام على ظهره لا يقدر يجلس إن لم يجلسه إنسان بأكتافه، ثم زال عنه ما كان يشكوه وعاد إلى تصرفه وركوبه كما كان. قلت فسبحان من نفذت مشيئته في خلقه يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

واخر يموت من إبرة


كان عندنا رجل من المصطنعة يقال له عتاب، اجسم ما يكون من الرجل واطولهم دخل بيته فاعتمد على يده عند جلوسه على ثوب بين يديه كانت فيه إبرة دخلت لعظم خلقه وجهارة صوته يموت من إبرة وهذا القشيري يدخل في صدره قنطاريه تخرج من جنبه لا يصيبه شيء.

حوادث الزمر كل


نزل علينا صاحب إنطاكية لعنه الله بفارسه وراجله وخيامه في بعض السنيين فركبنا ولقيناهم نظن انهم يقاتلونا، فجاؤا نزلوا منزلاً كانوا ينزلونه وهجموا في خيامهم، فرجعنا نحن إلى آخر النهار ثم ركبنا، ونحن نظن انهم يقاتلونا فما ركبوا من خيامهم. وكان للابن عمي ليث الدولة يحيي غلة قد نجزت وهي بالقرب من الفرنج فجمع دواب يريد يمضي إلى الغلة يحملها، فسرنا معه في عشرين فارساً معدين وقفنا بينه وبين الفرنج إلى أن حمل الغلة ومضى، فعدلت أنا ورجل من مولدين يقال له حسام الدولة مسافر رحمه الله إلى كرم رأينا فيه شخوصاً وهم على شط النهر، فلما وصلنا الشخوص التي رأيناها والشمس على مغيبها، فإذا شيخ عليه معرقة إمراة ومعه آخر. فقال له حسام الدولة وكان رحمه الله رجلاً جيداً كثير المزاح يا شيخ أي شيء تعمل ها هنا؟ قالأنتظر الظلام واسترزق الله تعالى من خيل هؤلاء الكفار. قال يا شيخ بأسنانك تقطع عن خيلهم؟ قال لا بهذه السكين. وجذب سكين من وسطه مشدودة بخيط مثل شعلة النار، وهو بغير سراويل، فتركناه وانصرفنا. أصبحت من بكرة ركبت انتظر ما يكون من الإفرنج، وإذا الشيخ جالس في طريقي على حجر والدم على ساقه وقدمه وقد جمد. قلت يهنئك السلامة، أي شيء عملت؟ قالأخذت منهم حصاناً وترساً ورمحاً ولحقني راجل وأنا خارج من عسكرهم طعنني نفذ القنطارية في فخذي وسبقت بالحصان والترس والرمح، وهو مستقل بالطعنة التي فيه كأنها في سواه. وهذا الرجل يقال له الزمركل من شياطين اللصوص. حدثني عنه الأمير معين الدين رحمه الله قال أغرت زمان مقامي بحمص على شيزر وعدت آخر النهار نزلت على ضيعة من بلدة حماه، وأنا عدو لصاحب حماه، قال فجاءني قوم معهم شيخ قد أنكروه فقبضوه وجاؤوني به فقلت يا شيخ أيش أنت قاليا مولاي أنا رجل صعلوك شيخ زمن وأخرج يده من زمنه قد اخذ لي العسكر عنزتين جئت خلفهم لعل إن يتصدقوا علي بهما. فقلت لقوم من الجندارية احفظوه إلى غد فأجلسوه بينهم وجلسوا على اكمام فروة عليه فاستغفلهم في الليل وخرج من الفروة وتركها تحتهم وطار فعدوا في أثره، سبقهم ومضى، قال وكنت قد نفذت بعض أصحابي في شغل فلما عادوا وفيهم جندار يقال له سومان قد كان يسكن بشيزر فحدثته حديث الشيخ قال واحسرتي عليه لو كنت لحقته كنت شربت دمه هذا الزمر كل. قلتفأي شيء بينك وبينه قال نزل عسكر الفرنج على شيزر فخرجت أدور به لعل أسرق حصاناً منهم، فلما أظلم الظلام مشيت إلى طوالة خيل بين يدي، وإذا هذا جالس بين يدي. فقال ليإلى أين قلتاخذ حصاناً من هذه الطوالة. قال وأنا من العشاء انظرها حتى تأخذ أنت الحصان! قلت لا تهذ. قال لا تغتر. والله ما أدعك تأخذ شيئاً. فما التفت إلى قوله ويممت إلى الطوالة. فقام وصاح بأعلى صوتهوافقري واخيبة تعبي وسهري. وصيح حتى خرج على الفرنج، فأما هو فطار، فطردوني حتى رميت نفسي في النهر، وما ظننت أني أسلم منهم، ولو لحقتهم كنت شربت دمه، وهو لص عظيم، وما تبع العسكر إلا يسرق منه. فكان هذا الرجل يقول من يراهما في هذا يسرق رغيف خبز من بيته.

سرقة الخيل


ومن عجيب ما اتفق في السرقة ان رجلا كان في خدمتي يقال له علي ابن الدودويه من اهل مثكير ونزل يوما الإفرنج لعنهم الله على كفر طاب، وهي ذا ذاك لصلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني رحمه الله. فخرج هذا علي بن الدودوية، دار بهم وأخذ حصاناً ركبه وخرج من العسكر يركض، وهو يسمع الحس خلفه ويعتقد ان بعضهم ركب في طلبه، وهو مجد في الركض والحس خلفه حتى ركض قدر فرسخين والحس معه. فالتفت يبصر ما خلفه في الظلام، وإذ بغلة كانت تألف الحصان قد قطعت مقودها وتبعته، فوقف حتى شد فوطته في رأسها وأخذها وأصبح عندي في حماه بالحصان والبغله. وكان الحصان من أجود الخيل وأحسنها وأسبقها.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 06:16 PM
أتابك يستولي على حصان أسامة


كنت يوماً عند أتابك وهو يحاصر رفنية وقد استدعاني وقال لي يا فلان أي شيء في حصانك الذي خبيته؟ وكان قد بلغه خبر الحصان. قلت لا والله يا مولاي مالي حصان مخبى، حصني كلها في العسكر. قالفالحصان لإفرنجي؟ قلتحاضر قالانفذ أحضره أنفذت أحضرته وقلت للغلامامضي به إلى الإصطبل. فقال أتابكاتركه الساعة عندك. ثم أصبح سبق، فسبق، وردته إلىاصطبلي، وعاد استدعاه من البلد وسبق به فسبق فحملته إلى اسصطبله.

سهم في حلق


وشاهدت في الحرب عند انتهاء المدة كان عندنا رجل من الجند يقال له رافع الكلابي، وهو فارس مشهور. اقتتلنا نحن وبنو قراجا وقد جمعوا لنا من التركمان وغيرهم وحشدوا وباسطناهم على فسحة من البلد، ثم تكاثروا علينا فرجعنا وبعضنا يحمي بعضا. وهذا رافع فيمن يحمي الأعقاب، وهو لابس كزاغند وعلى رأسه خوذة بلا لئام. فالتفت لعله يرى فيهم فرصه فينحرف عليهم فضربه سهم كشما في حلقه ذبحه ووقع مكانه ميتاً.

طعنه في فرس

وكذلك شاهدت شهاب الدين بن قراجا، وقد انصلح ما بيننا وبينه، وقد نفذ إلى عمي يقول لهتأمر أسامه يلقاني هو وفارس واحد إلى كرعة لنمضي نبصر موضعا نكمن فيه لأفامية ونقاتلها. فأمرني عمي بذلك فركبت ولقيته وأبصرنا الموضع. ثم اجتمع عسكرنا وعسكرة، وأنا على عسكر شيزر وهو في عسكرة، وسرنا إلى افاميه ولقينا فارسهم وراجلهم في الخراب الذي لها وهو مكان لا يتصرف فيه الخيل من الحجارة والأعمدة وأصول الحيطان الخراب، فعجزنا عن قلعهم من ذلك المكان. فقال لي رجل من جندنا تريد تكسرهم؟ قلتنعم قالاقصد بنا باب الحصن. قلتسيروا. وندم القائل وعلم أنهم يدسونا ويجوزون إلى حصنهم، فأراد أن يردني عن ذلك، فأبيت وقصدت الباب. فساعة ما رأنا الإفرنج قاصدين الباب عاد إلينا فارسهم وراجلهم فداسونا وجازوا. ترجل الفرسان داخل باب الحصن واطلعوا خيلهم إلى الحصن وصفوا عوالي قنطاريتهم في الباب، وأنا وصاحب لي من مولدي أبي رحمه الله، اسمه رافع بن سوتكين وقف تحت السور مقابل الباب وعلينا شيء كثير من الحجارة والنشاب، وشهاب الدين واقوف في موكب بعيد منهم على خوف الأكراد. فقد طعن صاحب لنا يقال له حارثة النمري نسيب جمعة في صدر فرسه طعنه معترضة. ونزلت القنطاريه في الفرس فتخبطت حتى وقعت القنطاريه منها ووقعت جلده صدرها جميعها فبقيت مسبلة على اعضادها.

في زند


وشهاب الدين بمعزل عن القتال، فجاء سهم من الحصن فضربه في الجانب عظم زنده فما دخل في جانب عظم زنده مقدار طول شعيرة، فجاءني رسوله يقوللا تزل مكانك حتى تجمع الناس الذين تفرقوا في البلد، فأنا قد جرحت أحس الجرح في قلبي وأنا راجع فاحفظ أنت الناس. ومضى رجعت أنا بالناس نزلت على برج خريبه. وكان الإفرنج عليه ديبان يكشفان إذا أردنا الغارة على أفامية. ووصلت العصر إلى شيزر وشهاب الدين في دار والدي يريد يحل جرحه ويداويه، وعمي قد منعه وقال والله ما تحل جرحك إلا في دارك. قالأنا في دار والدي - يعني الوالد رحمه الله. قال إذا وصلت دارك وبرأ جرحك دار والدك بحكمك. فركب المغرب وسار حماه فأقام الغد وبعد غد ثم اسودت يده وغاب عنه رشده ومات، وما كان به الإفراغ الأجل.

طعنة تقطع عدة أضلاع


وشاهدت من الطعنات العظيمة طعنه طعنها فارس من الإفرنج، خذلهم الله فارس من أجنادنا يقال له سابه بن قنيب كلابي قطع له ثلاثة أضلاع من جانبه اليسار وثلاثة أضلاع من جانبه الأيمن وضرب شفار الحربة مرفقه ففصله كما يفصل الجزار المفصل ومات لساعته.

وأخرى تقطع الزرد


وطعن رجل من أجنادنا كردي يقال له مياح فارساً من الإفرنج ادخل قطعه من الزرد في جوفه وقتله. ثم ان الإفرنج غاروا علينا بعد أيام، ومياح قد تزوج وخرج وهو لابس وفوق درعه ثوب احمر من ثياب العروس قد تشهر به فطعنه فارس من الإفرنج فقتله رحمه الله. يا قرب مأتمه من العرس فذكرت به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد انشد قول قيس بن الخطيم


أجا لدهم يوم الحفيظة حاسراً

كان يدي بالسيف مخراق لاعب

فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحاضرين من الأنصار رضي الله عنهم هل حضر أحد منكم يوم الحديقة؟ فقال رجل منهم أنا حضرته يا رسول الله عليك وسلم وحضره قيس بن الخطيم وهو قريب عهد بالعرس وعليه ملاءة حمراء فوالذي بعثك بالحق لقد عمل في قتاله كما قال عن نفسه


وثالثة تنفذ في صدر الإفرنجي


ومن عجائب الطعن ان رجلا من الأكراد يقال له حمدات كان قديم الصحبة قد سافر مع والدي رحمه الله إلى اصبهان إلى دركاه السلطان ملكشاه فكبر وضعف بصره ونشأ له اولاد. فقال له عمي عز الدين رحمه الله يا حمدات كبرت وضعفت، ولك علينا حق وخدمه، فلو لزمت مسجدك وكان له مسجد على باب داره واثبتنا أولادك في الديوان ويكون لك أنت كل شهر ديناران وحمل دقيق وأنت في مسجدك. قال افعل يا أمير. فأجري له ذلك مديدة. ثم جاء إلى عمي وقال يا أمير والله لا تطاوعني نفسي على القعود في البيت وقتلي على فرسي أشهى إلي من الموت على فرشي. قال الأمر لك وأمر برد ديوانه عليه كما كان. فما مضى إلا الأيام القلائل حتى غار علينا السرداني صاحب طرابلس. ففزع الناس إليهم وحمدات في جملة الروع، فوقف على رفعة من الأرض مستقبل القبله فحمل عليه فارس من الإفرنج من غربيه فصاح إليه بعض اصحبنا يا حمدات فلتفت، فرأى الفارس قاصده فرد رأس فرسه شمالا ومسك رمحه بيده وسدده إلى صدر الإفرنجي فطعنه فنفذ الرمح منه، فرجع الإفرنجي متعلقاً برقبة حصانه في أخر رمقه. فلما انقضى القتال قال حمدات لعمي يا أمير لو أن حمدات كان في المسجد من طعن هذه الطعنه؟ فاذكرني قول الفند الزماني

أيا طعنه ما شيخ

كبير يفنى بالي
تفتيت بها إذ

كره الشكة أمثالي

وكان الفند قد كبر وحضر القتال فطعن فارسين مقتربين فرماهما جميعاً


طعنة تودي بفارسين وفرسين


وقد كان جرى لنا مثل ذلكوهو ان فلاحاً من العلاة جاء يركض إلى أبي وعمي رحمهما الله، قال شاهدت سربة إفرنج تائهين قد جاءوا من البرية لو خرجتم إليهم آخذتموهم فركب ابي وعماي خرجوا بالعسكر إلى السربة التائه وإذا به السرداني صاحب طرابلس في ثلاثمائة فارس ومائتين تركبولي وهم رماة الإفرنج. فلما رأوا اصحبنا ركبوا خيلهم أطلقوا على أصحابنا هزموهم وتموا يطردونهم، فاحرف عليهم مملوك لوالدي يقال له ياقوت الطويل وأبي وعمي رحمهما الله يريانه، فطعن فارسا منهم إلى جانبه فارس آخر وهما يتبعان أصحابنا فرمى الفارسين والفرسين. وكان هذا الغلام كثير التخليط والزلات لا يزال قد فعل فعلة يجب تأديبه عليها. فكلما هم والدي به وبتأديبه يقول عمييا أخي بحياتك هب لي ذنبه ولاتنس له تلك الطعنه فيصفح عنه لكلام أخيه. وكان حمدات الذي تقدم ذكره ظريف الحديث، حدثني والدي رحمه الله قالقلت لحمدات ونحن سائرون في طريق أصبهان سحراً، أمير حمدات أكلت اليوم شيئاً؟ قال نعم يا أمير أكلت ثريدة قال ركبنا في الليل وما نزلنا ولا أوقدنا ناراً، من أين لك الثريدة قال يا أمير عملتها في فمي اخلط في فمي الخبز واشرب عليه الماء يصير كالثريدة.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 06:22 PM
والد أسامة مقاتلاً


وكان الوالد رحمه الله كثير المباشرة للحرب وفي بدنه جراح هائلة ومات على فراشه، وحضر يوما القتال وهو لابس وعليه خوذه إسلامية بآنف فزرقه رجل بحربه - وكان معظم قتاله مع العرب في ذلك الزمان فوقعت الحربة في أنف الخوذة فأنطوى وادمى انفه ولم يؤذيه. ولو كان قدر سبحانه ان يميل المزراق عن أنف الخوذه أهلكه، وضرب مرة أخرى بنشابة في ساقه وفي خفه دشني فوقع السهم في الدشن فانكسر فيه ولم يجرحه، هذا الحسن دفاع الله الله تعالى.
وشهد رحمه الله يوم الأحد تاسع وعشرين شوال سنة سبع وتسعين وأربعمائة مع سيف الدولة خلف بن ملاعب الأشهبي صاحب أفامية بأرض كفر طاب فلبس جوشنه، وعجل الغلام عن طرح كلاب الجوشن من الجانب فجائه خشت فضربه في ذلك الموضع الذي أخل الغلام بسترة فوق بزه الأيسر خرج الخشت من فوق بزه الأيمن، فكانت أسباب السلامة لما جرت بها المشيئة من العجب، والجرح لما قدره الله سبحانه من العجب. فطعن رحمه الله في ذلك اليوم فارساً أحرف حصانه وثنى يده برمحه وجذبه من المطعون. فحدثني قال حسست شيئاً قد لذع زندي، فظننته من حرارة صفائح الجوشن، إلا أن رمحي سقط من يدي، فردتها فإذا قد طعنت في يدي وقد استرخت لقطع شيء من الأعصاب، فحضرته يرحمه الله وزيد الجرائحي يداوي جرحه وعلى رأسه غلام واقف، فقاليا زيد اخرج هذه الحصاة من الجرح، فما كلمه الجرائحي فعاد فقال يا زيد ما تبصر هذه الحصاة؟ ما تزيلها من الجراح! فلما أضجره قالأين الحصاة؟ هذا رأس عصب قد انقطع. وكان بالحقيقة ابيض كأنه حصاة من حصا الفرات. وأصابه ذلك اليوم طعنه أخرى وسلم الله حتى مات على فراشه رحمه الله يوم الاثنين ثامن شهر رمضان سنه إحدى وثلاثين وخمس مائة.


والد أسامة ناسخاً

وكان يكتب خطاً مليحاً، فما غيرت تلك الطعنة من خطه، وكان لا ينسخ سوى القرآن، فسألته يوماً فقلتيا مولاي كم كتبت ختمه؟ قالالساعة تعلمون. فلما حضرته الوفاة قال في ذلك الصندوق مساطر كتبت على كل مسطرة ختمة ضعوها يعني المساطر تحت خدي في القبر فعددناها فكانت ثلاثاً وأربعين مسطرة. فكانت كتب بعدتها ختماتختمه كبيره ختمها بالذهب وكتب فيها علوم القرآن قراأته وغريبة وعربيته وناسخه ومنسوخة وتفسيره وسبب نزوله وفقهه بالحبر والحمرة والزرقة، وترجمه بالتفسير الكبير وكتب ختمه أخرى بالذهب مجردة من التفسير، وباقي الخاتمات بالحبر مذهبة الأعشار والأخماس والآيات ورؤوس السور ورؤوس الأجزاء. وما يقتضي الكتاب ذكر هذا وإنما ذكرته لا يستدعي له ممن وقف عليه.

غلام يفدي مولاه

أعود إلى ما تقدم. وفي ذلك اليوم أصاب غلام كان لعمي عز الدولة أبي المرهف نصر رحمه الله يقال له موفق الدولة شمعون طعنه عظيمة التقاها دون عمي عز الدين أبي العساكر سلطان رحمه الله. واتفق ان عمي أرسله رسولاً إلى الملك رضوان بن تاج الدولة تتش إلى حلب، فلما حضر بين يديه قال لغلمانهمثل هذا يكون الغلمان وأولاد الحلال في حق مواليهم. وقال لشمعون حدثهم حديثك أيام والدي وما فعلته مع مولاك. فقاليا مولانا بالأمس حضرت القتال مع مولاي فحمل عليه فارس يطعنه، فدخلت بينه وبين مولاي لأفديه بنفسي فطعنني، قطع من أضلاعي ضلعين وهما - ونعمتك - عندي قمطره. فقال له الملك رضوانوالله ما أعطيك الجواب حتى تنفذ تحضر القمطرة والأضلاع. فأقام عنده وأرسل من أحضر القمطرة وفيها عظمان من أضلاعه. فعجب رضوان من ذلك وقال لأصحابهكذا اعملوا في خدمتي. فأما الأمر الذي سأله عنه أيام والده تاج الدولة فإن جدي سديد الملك أبا الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ رحمه الله سير ولده عز الدولة نصراً رحمه الله إلى خدمته تاج الدولة وهو معسكر بظاهر حلب فقبض عليه واعتقله ووكل به من يحفظه، وكان لا يدخل إليه سوى مملوكه هذا شمعون والموكلون حول الخيمة فكتب عمي إلى أبيه رحمهما الله يقول تنفذ لي في الليلة الفلانيه وعينها قوم من أصحابه ذكرهم وخيل أركبها إلى الموضع الفلاني. فلما كانت تلك الليلة دخل شمعون خلع ثيابه فلبسها مولاه وخرج على الموكلين في الليل، فما أنكره، ومضى إلى أصحابه وركب وسار، ونام شمعون في فراشه. وجرت العادة أن يجيئه شمعون في السحر بوضوئه فكان رحمه الله من الزهاد القائمين ليلهم يتلون كتاب الله تعالى، فلا أصبحوا لم يروا شمعون دخل كعادته دخلوا الخيمة فوجدوا شمعون وعز الدولة قد راح، فانهوا ذلك إلى تاج الدولة فأمر بإحضاره، فلما حضر بين يديه قال كيف عملت؟ قالأعطيت مولاي ثيابي لبسها وراح ونمت أنا في فراشه قالوما خشيت أن أضرب رقبتك؟ قال يا مولاي إذا ضربت رقبتي وسلم مولاي وعاد إلى بيته فأنا السعيد بذلك، ما اشتراني ورباني إلا لأفديه بنفسي. فقال تاج الدولة رحمه الله لحاجبه سلم إلى هذا الغلام خيل مولاة ودابته وخيامه وجميع ركبه وسير يتبع صاحبه وما أنكر عليه وما احنقه ما فعل في خدمت مولاه، فهذا الذي قال له رضوان حدث أصحابي ما عملته أيام والدي مع مولاك. أعود إلى حديث الحرب المقدم ذكرها مع ابن ملاعب.

عم أسامه يطعن في جفن عينه


و جرح عمي عز الدولة رحمه الله في ذلك اليوم عده جراح منها طعنه طعنها في جفن عينيه السفلاني من ناحية المأق، ونشب الرمح في المأزق عند مؤخر العين فسقط الجفن جميعه وبقي معلقا بجلده من مؤخر العين، والعين تلعب لا تستقر، وأنما الجفون التي تمسك العين، فخاطبها الجرائحي وداواها فعادت كحالها الأوله لا تعرف العين المطعونة من الأخرى.

شجاعة عم أسامه ووالده


وكانا رحمهما الله من أشجع قومهما، ولقد شهدتهما يوما وقد خرجا إلى الصيد بالبزاة نحو تل ملح وهناك طير ماء كثير، فما شعرنا إلا وعسكر طرابلس قد أغار على البلد ووقفوا عليه، فرجعنا وكان الوالد من أثر المرض، فأما عمي فخف بمن معه من العسكر وسار حتى عبر المخاض إلى الإفرنج وهم يرونه، وأما الوالد فسار والحصان يخب به وأنا معه صبي وفي يده سفرجله يمتص منها، فلما دنونا من الإفرنج قال لي أمض أنت أدخل من السكر وعبر هو من ناحية الإفرنج. ومره أخرى شاهدته وقد أغارت علينا خيل محمود بن قراجا، ونحن على فسحه من البلد، وخيل محمود أقرب إليه منها، وأنا قد حضرت القتال ومارست الحرب، فلبست كزاغندي وركبت حصاني وأخذت رمحي، وهو رحمه الله على بغله. فقلت يا مولاي ما تركب حصانك! قال بلى وسار كما هو غير منزعج ولا مستعجل، وأنا لخوفي عليه ألح عليه في ركوبه حصانه إلى أن وصلنا إلى البلدة وهو على بغلته، فلما عاد أولئك وأمنا قلت يا مولاي ترى العدو قد حال بيننا وبين البلد وأنت لا تركب بعض جنائبك وأنا أخاطبك فلا تسمع! قال يا ولدي، في طالعي أنني لا ارتاع. وكان رحمه الله له اليد الطولى في النجوم مع ورعه ودينه وصومه الدهر وتلاوة القرآن، وكان يحرضني على معرفة علم النجوم فآبى وأمتنع، فيقول فاعرف أسماء النجوم ما يطلع منها ويغرب. وكان يريني النجوم ويعرفني أسماءها.

مكيدة أفرنجيه على شيرز


ورأيت من أقدام الرجال ونخواتهم في الحرب أنا أصبحنا وقت صلاه الصبح رأينا سربه من الإفرنج نحوا من عشرة فوارس جاءوا إلى باب المدينة قبل أن يفتح فقالوا للبواب أي شيء اسم هذا البلد؟ والباب خشب بينهما عوارض وهو داخل الباب. قال شيزر فرموه بنشاب من خلل الباب ورجعوا وخيلهم تخب بهم. فركبنا فكان عمي رحمه الله أول راكب وأنا معه والإفرنج رائحون غير منزعجين يلحقنا من الجند نفر، فقلت لعمي على أمرك آخذ أصحابنا واتبعهم اقلعهم وهم غير بعيدين. قال لا وكان أخبر مني بالحرب في الشام إفرنجي لا يعرف شيزر؟ هذه مكيدة. ودعا فارسين من الجند على فرسين سوابق وقال أمضيا اكشفا تل ملح وكان مكمنا للإفرنج. فلما شارفاه خرج عليها عسكر انطاكيه جمعيه فأستقبنا متسرعيهم نريد الفرصه فيهم قبل ركود الحرب ومعنا جمعه النميري وابنه محمود وجمعه فارسنا وشيخنا، فوقع ابنه محمود في وسطهم فصاح جمعه يا فرسان الخيل! ولدي! فرجعنا معه في سته عشر فارسا طعنا سته عشر فارسا من الفرنج وأخذنا صاحبنا من بينهم اختلطنا نحن وهم حتى أخذ واحد رأس ابن جمعه تحت إبطه فخلص ببعض تلك الطعنات.

أسامة وجمعة يهزمان ثمانية فرسان


ومع هذا فلا يثق إنسان بشجاعته ولا يعجب بأقدامه، فوالله لقد سرت مع عمي رحمه الله أغرنا على أفامية، وأتفق أن رجالها خرجوا ليسيروا قافلة فسيروها وعادوا، ونحن لقيناهم فقتلنا منهم قدر عشرين رجلاً، ورأيت جمعة النميري رحمه الله وفيه نصف قنطارية قد طعن بها في لبد السرج وخرج الرمح من البداد إلى فخذه ونفذ إلى خلفه فانكسرت القنطارية فيه فراعني ذالك. فقاللا بأس، أنا سالم. ومسك سنان القنطارية وجذبها منه وهو وفرسه سالمان. فقلتيا أبا محمود اشتهي أتقرب من الحصن أبصره. قالسر. فرحت أنا وهو نخب فرسينا، فلما أشرفنا على الحصن إذا من الإفرنج ثمانية من الفرسان وقوف على الطريق وهي مشرفة على الميدان من ارتفاع لا ينزل منه إلا من تلك الطريق. فقال لي جمعة قف حتى أريك ما أصنع فيهم. قلت ما هذا أنصاف، بل نحمل عليهم أنا وأنت. قالسر، فحملنا عليهم فهزمناهم ورجعنا نحن نرى إنا قد فعلنا شيئاً ما يقدر يفعله غيرنا، نحن اثنان قد هزمنا ثمانية فرسان من الإفرنج.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 06:26 PM
ثم يهزمها رويجل


فوقفنا على ذلك الشرف ننظر الحصن، فما راعنا إلا رويجل قد طلع علينا من ذالك السند الصعب معه قوس ونشاب فرمانا، ولا سبيل لنا إليه فهزمنا، والله ما صدقنا نتخلص منه وخيلنا سالمة، ورجعنا، دخلنا مرج أفامية فسقنا منه غنيمة كبيرة من الجواميس والبقر والغنم، وانصرفنا وفي قلبي من ذلك الرجل الذي هزمنا حسرة الذي ما كنا لنا إليه سبيل، وكيف هزمنا راجل ولحد وقد هزمنا ثمانية فرسان من الإفرنج.

المداواة بالعلل


وشهدت يوماًوقد أغارت علينا خيل كفر طالب في قلة ففزعنا إليهم طامعين فيهم لقلتهم، وقد كمنوا لنا كميناً في جماعة منهم، وأنهزم الذين أغاروا فتبعناهم حتى أبعدنا عن البلد، فخرج إلينا الكمين ورجع إلينا الذين كنا نطردهم، فرأينا اننا ان انهزمنا قلعونا كلنا فالتقيناهم مستقلين فنصرنا الله عليهم، فقلعنا منهم ثمانية عشر فارساًمنهم من طعن فمات ومنهم من طعن فوقع وهو سالم ومنهم من طعن حصانه فهو راجل. فجذب الذين في الأرض منهم سالمون، ووقفوا، كل من اجتاز بهم ضربوه. فأجتاز جمعه النميري رحمه الله بواحد منهم فخطا إليه وضربه على رأسه، وعلى رأسه قلنسوة فقطعها وشق جبهته وجرى منها الدم حتى نزح وبقيت مثل فم السمكة مفتوحة، فلقيته ونحن في ما نحن فيه من الإفرنج فقلت له يا أبا محمود ما تعصب جراحك! فقال ما هذا وقت العصائب وشد الجراح. وكان لا يزال على وجهه خرقه سوداء وهو رمد وفي عينيه عروق حمر. فلما أصابه ذلك الجرح وخرج منه الدم الكثير زال ما كان يشكوه من عينيه ولم يعد يناله منهما رمد ولا ألم فربما صحت الأجسام باللعل.

استخلاص ابن عم أسامه من أيدي الإفرنج


وأما الإفرنج فإنهم اجتمعوا بعدما قتلنا منهم من قتلنا ووقفوا مقابلنا. فجاءني ابن عمي ذخيرة الدولة أبو القنا خطام رحمه الله فقاليا ابن عمي معك جنيبتان وأن على هذا الفرس الحطم. قلت للغلامقدم له الحصان الأحمر فقدمه له، فساعة ما أستوىفي سرجه حمل على الإفرنج وحده فافرجوا له حتى توسطهم وطعنوه، رموه وطعنوا الحصان واقبلوا قنطارياتهم وصاروا يركشونه بها، وعليه زرديه حصينه ما تعمل رماحهم فيها، وعليه زرديه حصينه ما تعمل رماحهم فيها، فتصايحنا صاحبكم! صاحبكم! وحملنا عليهم فهزمناهم عنه واستخلصناه وهو سالم، وأما الحصان فمات في يومه، فسبحان المسلم القادر. وتلك الواقعة إنما كانت لسعادة جمعه وشفاء عينيه، فسبحان القائل وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

ضربه سكين تشفي من الاستسقاء


وقد جرى لي مثل ذلك كنت بالجزيرة في عسكر أتابك فدعاني صديق إلى داره ومعي ركابي أسمه غنيم قد أستسقى ودقت رقبته وكبر جوفه وقد تغرب معي فأنا أرعى له ذلك، فدخل بالبغله إلي اصطبل ذلك الصديق هو غلمان الحاضرين، وعندنا شاب تركي سكر وغلب عليه السكر، فخرج إلي الاصطبل، جذب سكينه وهجم على الغلمان فانهزموا وخرجوا. وغنيم لضعفه ومرضه، قد طرح السرج تحت رأسه ونام، فما قام حتى خرج كل من في الاصطبل فضربه ذلك السكران بالسكين تحت سرته فشق من جوفه قدر أربع أصابع فوقع موضعه فحمله الذي دعانا وهو صاحب قلعه باشمرا إلي داري وحمل الذي جرحه وهو مكتوف معه إلى داري فأطلقته، وتردد إليه الجرائحي فصلح ومشى وتصرف، إلا أن الجرح ما ختم، وما يزال يخرج منه مثل القشور وماء أصفر مدة شهرين ثم ختم وضمر جوفه وعاد إلى الصحة، فكان ذلك الجرح سببا لعافيته.

شوكه تشفي عين باز

ورأيت يوما الباز دار قد وقف بين يدي والدي رحمه الله وقال يا مولاي هذا الباز قد لحقه حص وهو يموت وعينيه الواحدة قد تلفت فتصيد به فهو باز شاطر وهو تالف. فخرجنا إلى الصيد وكان معه رحمة الله عدة بزاه، فرمى ذلك الباز على درجه وكان يهجم في النبج، فنبجت الدراجة في أجمة غلفاء، ودخل الباز معها وقد صار على عينه كالنقطه الكبيرة، فضربته شوكه من الغلفاء في تلك النقطة ففقأتها. فجاء به البازدار وعينه قد سالت وهي مطبوقه فقال يا مولاي تلفت عين الباز. فقال كله تألف. ثم من الغد فتح عينه وهي سالمة، وسلم ذلك الباز عندنا حتى قرنص قرناصين فكان من أشطر البزاة ذكرته بما جرى لجمعه وغنيم وان لم يكن موضع ذكر البزاة ورأيت من استسقى وفصدوا جوفه فمات، وغنيم شق ذلك السكران جوفه سلم وعوفي فسبحان القادر.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 06:32 PM
الهزيمة أمام إفرنج إنطاكية

أغار علينا عسكر إنطاكية واصحبنا قد التقوا أوائلهم وجاءوا قدامهم وأنا واقف في طريقهم انتظر وصولهم إلي لعلي أنال منهم فرصة واصحابنا يعبرون علي منهزمين، فعبر علي ممن عبر محمود بن جمعة. فقلتقف يا محمود فوقف لحظة ثم دفع فرسه ومضى عني ووصلني أوائل خيلهم، فاندفعت بين أيديهم وأنا راد رمحي إليهم ملتفت انظرهم لا يتسرع إلى منهم فارس يطعني وبين يدي جماعة من أصحابنا ونحن بين بساتين لها حيطان طوال قعدة الرجل فندس فرسي بصدرها رجل من أصحابنا، فردت راس فرسي على يساري فضربتها بالمهاميز ففزت الحائط، فضبطت حتى صرت أنا والإفرنج مصطفين وبيننا الحائط، فتسرع منهم فارس عليه تشهير حرير اخضر واصفر، فظننت ان تحته درع فتركته حتى تجاوزني وضربت الفرس بمهمازي ففزت الحائط وطعنته، فمال إلى ان وصل رأسه ركابه ووقع ترسه والرمح من يديه والخوذة عن رأسه، ونحن قد وصلنا إلى رجالتنا، ثم عاد انتصب في سرجه وكان عليه زرديه تحت التشهير فما جرحته الطعنه وادركه أصحابه ثم عادوا، وأخذ الرجالة الترس والرمح والخوذة.

جمعة نفسه يهرب


فلما انقضى القتال ورجع الإفرنج جاءني جمعة رحمه الله يعتذر عن ابنه محمودوقال هذا الكلب انهزم عنك. قلتوأي شيء يكون؟ قال ينهزم عنك ولا يكون شيء؟ قلت وحياتك يا أبا محمود وأنت تنهزم عني أيضا. قال يا شين! والله إن موتي أسهل علي من أن انهزم عنك ولم يمضي إلا أيام قلائل حتى أغارت علينا خيل حماه فاخذوا لنا باقورة وحبسوها في الجزيرة تحت الطاحون الجلالي. وطلع الرماة على الطاحون يحمون الباقورة، فوصلتهم أنا وجمعة وشجاع الدولة ماضي مولد لنا وكان رجلاً شجاعا. فقلت لهمانعبر الماء ونأخذ الدواب. فعبرنا. أما ماضي فضربت فرسه نشابة فقتلتها وبالجهد وأوصلته إلى اصحاب، وأما أنا ضربت فرسي نشابة في أصل رقبتها فجاوزت فيها قدر شبر، فو الله ما رمحت وما قلقت ولا كأنها أحست بجرح، وأما جمعة رجع خوفاً على فرسه. فلما عدنا قلتيا أبا محمود ما قلت لك أنك تنهزم عني وأنت تلوم ابنك محموداً؟ قالوالله ما خفت إلى على الفرس، فإنها تعز علي واعتذر.

أسامة يطعن رفيقه خطأ

وقد كنا ذلك اليوم التقينا نحن وخيل حماة وقد سبقهم بعضهم بالباقورة إلى الجزيرة، فاقتتلنا نحن وهم وفيهم فرسان عسكر حماة سرهنك وغازي التلي ومحمود بن بلداجي وحضر الطوط واسباسيلار خطلخ وهم أكثر عدداً منا فحملنا عليهم فهزمناهم وقصدت فارساً أريد اطعنه وإذا هو حضر الطوط. فقال الصنيعة يا فلان! فعدلت عنه إلى أخر فطعنته فوقع الرمح تحت إبطه، فلو تركته ما كان وقع فشد عضده عليه يريد أخذ الرمح والفرس منسدره بي فطار في السرج على رقبة الحصان فوقع، ثم قام وهو على شفير الوادي المنحدر إلى الجلالي فضرب حصانه وساقه بين يديه ونزل، وحمدت الله سبحانه الذي ما ناله ضرر من تلك الطعنه لأنه كان غازي التلي وكان رحمه الله رجل جيداً.

جمعة يستخلص أسيرا


ونزل علينا عسكر إنطاكية في بعض الأيام منزلاً كان ينزله كلما نزل علينا. ونحن ركاب مقابلهم وبيننا النهر، فلم يقصدنا منهم أحد، وضربوا خيامهم ونزلوا فيها ورجعنا نحن نزلنا في دورنا ونحن نراهم من الحصن، فخرج من جندنا نحو من عشرين فارساً إلى بندرقنين، قريه بالقرب من البلد يرعون خيلهم، وقد تركوا رماحهم في دورهم، فخرج من الإفرنج فارساً سار إلى القريب من أولئك الجند الذين يرعون خيلهم فصادفا رجل على الطريق يسوق بهمة فأخذوه وبهيمته ونحن نراهم من الحصن، وركب أولئك الجند ووقفوا ما معهم رماح. فقال عميابصروا الساعة ما يعمل، فلما دنا من الفارسين وهو يركض كفء رأس فرسه وسار خلفهم سترة فلما رأى عمي توقفه عنهما، وهو على روشن في الحصن يراه، دخل من الروشن مغضباً وقالهذا خذلان! وكان توقف جمعة من جورة كانت في يدي الفارسين لا يكون لهم فيها كمين، ولما وصل إلى تلك الجوره وما فيها أحد أغار على الفارسين، خلص الرجل وبهيمته وطردهما إلى الخيام. وكان ابن ميمون صاحب إنطاكية يرى ما جرى، فلما وصل الفارسان أنفذ أخذ ترسيهما جعلهما معالف لدواب ورما خيمتهما وطردهما وقالفارس واحد من المسلمين يطرد فارسين من الإفرنج! ما انتم رجال أنتم نساء. وأما جمعة فوبخه وحرد عليه لوقوفه عنهما أول ما وصلهما، فقال يا مولاي خفت لا يكون لهم في الجورة رابيه القرامطة كمين يخرج علي، فلما كشفتها وما رأيت فيها أحداً استخلصت الرجل والبهيمة وطردتهما حتى دخلا عسكرهما. فلا والله ما قبل عذره ولا رضي عنه.

منزلة الفارس عند الأفرنج

والإفرنج خذلهم الله ما فيهم فضيلة من فضائل الناس سوى الشجاعة ولا عندهم تقدمة ولا منزلة عالية إلا للفرسان، ولا عندهم ناس إلا للفرسان، فهم أصحاب الرأي وهم أصحاب القضاء والحكمة، وقد حاكمتهم مرة على قطعان غنم أخذها صاحب بانياس من الشعراء وبيننا وبينهم صلح، وأنا إذ ذاك بدمشق. فقلت للملك فلك بن فلكهذا تعدى علينا وأخذ دوابنا، وهو وقت ولاد الغنم، فولدت وماتت أولادها وردها علينا بعد أن أتلفها. فقالالملك لستة سبعة من الفرسانقوموا أعملوا له حكماً، فخرجوا من مجلسه وأعتزلوا وتشاوروا حتى أتفق رأيهم كلهم على شيء واحد وعادوا إلى مجلس الملك فقالواقد حكمنا أن صاحب بانياس عليه غرامة ما أتلف من غنمهم، فأمره الملك بالغرامة فتوسل إلي وثقل علي وسألني حتى أخذت منه أربع مائة دينار. وهاذا الحكم بعد أن تعقده الفرسان ما يقدر الملك ولا أحد من مقدمي الأفرنج يغيره ولا ينقصه، فالفارس أمر عظيم عندهم. ولقد قال لي الملك يا فلان وحق ديني لقد فرحت البارحة فرحاً عظيم. وما كنت اعتقد أنك فارس. قلت يا مولاي أنا فارس من جنسي وقومي. وإذا كان الفارس دقيقاً عظيماً كان أعجب لهم.

أمان تنكرد لا قيمة له


وهو أول وكان نزل علينا كندري أصحاب إنطاكية بعد ميمون، فقاتلنا ثم أصلحنا، فنفذ يطلب حصاناً لغلام لعمي عز الدين رحمه الله وكان فرساً جواداً، فنفذه له عمي تحت رجل من أصحابنا كردي يقال له حسنون، وكان من الفرسان الشجعان وهو شاب مقبول الصورة دقيق ليسابق بالحصان بين يدي كندري. فسابق به فسبق الخيل المجراة كلها وحضر بين يدي دنكري فصار الفرسان يكشفون سواعده ويتعجبون من دقته وشبابه، وقد عرفوا أنه فارس شجاع فخلع عليه دنكري. فقال له حسنونيا مولاي أريدك تعطيني أمانك أنك أن ظفرت بي في القتال تصطنعني وتطلقني. فأعطاه أمانة على ما توهم حسنون فأهم لا يتكلمون إلا بالإفرنجية، ما ندري ما يقولونومضى على هذا سنة أو أكثر وأنقضت مدة الصلح، وجاءنا دنكري في عسكر إنطاكية فقاتلنا عند سور المدينة، وكانت خيلنا لقيت أوائلهم، فطعن فيهم رجل يقال له كامل المشطوب من أصحابنا كردي وهو وحسنون نظراء في الشجاعة، وحسنون واقف مع والدي رحمه الله على حجرة له ينتظر حصانه يأتيه به غلامه من عند البيطار ويأتيه كزاغندة، فأبطأ عليه وأقلقه طعن كامل المشطوب فقال والدييا مولاي أمرلي بلباس خفيف. فقال هذه البغال عليها السلاح واقفة مهما صلح لك ألبسه. وأنا إذ ذاك واقف خلف والدي وأنا صبي وهو أول يوم رأيت فيه القتال. فنظر الكزاغندات في عيبها على البغال فما وافقته وهو يغلي يريد يتقدم يعمل كما عمل كامل المشطوب، فتقدم على حجرته وهو معرى فأعترضه فارس منهم فطعن الفرس في قطأتها فعضت على فاس اللجام وحملت به حتى رمته في وسط موكب الأفرنج فأخذوه أسيراً وعذبوه أنواع العذاب وأرادوا قلع عينه اليسرى فقال لهم دنكري لعنه اللهأقلعوا عينه اليمين، حتى إذا حمل الترس أسترت عينه اليسار فلا يبقى يبصر شيئاً. فقلعوا عينه اليمين كما أمرهم وطلبوا منه ألف دينار وحصاناً أدهم كان لوالدي من خيل خفاجة جواداً من أحسن الخيل فاشتراه بالحصان رحمه الله. وكان خرج من شيزر في ذلك اليوم راجل كثير، فحمل عليهم الفرنج فما زعزعوهم من مكانهم، فحرد دنكري وقال أنتم فرساني، وكل واحد منكم له ديوان مثل ديوان مائة مسلم. وهؤلاء سرجند (يغني رجالة) ما تقدرون تقلعون من موضعهم! قالواإنما خوفنا على الخيل وإلا دسناهم وطعناهم قالالخيل لي، من قتل حصانه أخلفته عليه. فحملوا على الناس عدة حملات، فقلت منهم سبعون حصاناً ما قدروا يزحزحونهم من مواقفهم.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 06:42 PM
فارس إفرنجي يهزم أربعة مسلمين


وكان بأفامية فارس من كبار فرسانهم يقال له بدرهوا، فكان أبداً يقولترى ما ألتقي جمعة في القتال؟ وجمعة يقولترى ما ألتقي بدرهوا في القتال؟ فنزل علينا عسكر إنطاكية وضرب خيامه في الموضع الذي كان ينزله وبيننا وبينهم الماء، ولنا موكب واقف على شرف مقابلهم، فركب فارس من الخيام وسار حتى وقف تحت موكبنا والماء بينه وبينهم، وصاح بهمفيكم جمعة؟ قالوالا. والله ما كان حاضر فيهم. وكان ذلك الفارس بدرهوا فالتفت فرأى أربعة فوارس منا من ناحيتهيحيى بن صافي وسهل بن أبي غانم الكردي وحارثة النميري وفارس آخر فحمل عليهم فهزمهم ولحق واحد منهم طعنه طعنة فشلة ما ألحقه حصانه ليمكن الطعن وعاد إلى الخيام. ودخل أولئك النفر إلى البلد فافتضحوا وأستخفهم الناس ولاموهم وأزروا بهم وقالواأربعة فوارس يهزمهم فارس واحد! كنتم افترقتم له فكان طعن واحداً منكم وكان الثلاثة قتلوه، ولا قد افتضحتم. وكان أشد الناس عليهم جمعة النميري. فكأن تلك الهزيمة منحتهم قلوباً غير قلوبهم وشجاعة ما كانوا يطمعون فيها فأنتخوا وقاتلوا اشتهروا في الحرب وصاروا من الفرسان المعدودين بعد تلك الهزيمة. وأما بدرهوا فإنه سار بعد ذالك من أفامية في بعض شغله يريد إنطاكية. فخرج عليه الأسد من غاب في الروج في طريقه فخطفه عن بغلته ودخل به إلى الغاب أكله، لا رحمه الله.

واخر يحمل على عسكر


ومن إقدام الرجل الواحد على الجمع الكثيرفمن ذالك أن اسباسلار مودود رحمه الله نزل بظاهر شيزر يوم الخميس تاسع ربيع الأول سنة خمس وخمس مائة وقد قصده دنكري صاحب إنطاكية في جمع كثير، فخرج إليه عمي ووالدي رحمهما الله وقالاالصواب أن ترحل وتنزل في البلد، ويضرب العسكر خيامهم على السطوحات في المدينة، ونلقى الأفرنج بعد أن تحرز خيامنا وأثقالنا. فرحل ونزل كما قالا له، وأصبحا خرجا إليه وخرج من شيزر خمسة آلاف راجل معدين، ففرح بهم اسباسلار وقويت نفسه. وكان معه رحمه الله رجال جياد فصفوا من قبلي الماء والإفرنج نزول شمالية، فمنعوهم من الشرب والورود نهارهم. فلما كان الليل رحلوا راجعين إلى بلادهم والناس حولهم، فنزلوا على تل الترمسي فمنعوهم الورود كما عملوا بالأمس فرحلوا في الليل ونزلوا على تل التلول والعسكر قد ضايقهم ومنعهم من المسير فاحتاطوا بالماء ومنعوهم من الورود، ورحلوا في الليل متوجهين إلى افامية، ففرغ إليهم العسكر واحتاطوا بهم وهم سائرون، فخرج منهم فارس واحد فحمل على الناس حتى توسطهم فقتلوا حصانه واثخنوه بالجراح، فقاتل وهو راجل حتى وصل أصحابه. ودخل الأفرنج أرضهم، وعاد المسلمون عنهم. ومضى اسباسلار مودود رحمة الله إلى دمشق، فجاءنا بعد اشهر كتاب دنكري صاحب إنطاكية مع فارس معه غلمان وأصحاب يقولهذا فارس محتشم من الأفرنج وصل حج ويريد الرجوع إلى بلاده، وسألني أن أسيره إليكم يبصر فرسانكم وقد نفذته فاستووا به. وكان شاب حسن الصورة حسن اللباس، إلا أن فيه أثار جراح كثيرة وفي وجهه ضربة سيف قد قدت من مفرقه إلى حكمته. فسألت عنه فقالواهذا الذي حمل على عسكر اسباسلار مودود وقتلوا حصانه، وقاتل حتى رجع إلى أصحابه. فتعالى الله القادر على ما يشاء كيف شاء لا يؤخر الأجل إلا حجام ولا يقدمه إلا قدام.

واحد يغزو ثمانية


ومن ذلك ما حكاه لي العقاب الشاعر رجل من أجنادنا من الغرب قالخرج أبي من تدمر يريد سوق دمشق ومعه أربعة فوارس وأربعة رجالة وهم يسوقون ثمانية جمال ليبيعوها. قالبينا نحن نسير إذا فارس مقبل من صدر البرية، فجاء يسير حتى صار بالقرب منا فقالخلوا عن الجمال فصحنا عليه وشتمناه، فأطلق حصانه علينا فطعن منا فارساً رماه عن فرسه وجرحه، فطردناه فسبق، ثم عاد إلينا وقالخلوا عن الجمال! فصحنا عليه وشتمناه، فحمل علينا فطعن راجلاً منا أوثقه بالجرح، وتبعناه فسبقنا، ثم عاد وقد بطل منا رجلان فأطلق علينا فأستقبله رجل منا فطعنه صاحبنا فوقعت الطعنة في قربوس سرجه فأنكسر رمح صاحبنا، وطعنه الفارس فجرحه، ثم حمل علينا فطعن رجلاً منا فصرعه وقالخلوا على الجمال! وإلا أفنيتكم. قلناتعال خذ نصفها قاللا، أحبسوا منها أربعة أتركوها وقوفاً وخذوا أربعة وأمضوا، ففعلنا وما صدقنا نخلص بما سلم معنا، وساق هو تلك الأربعة ونحن نراه ما لنا فيه حيلة ولا طمع، وعاد بالغنيمة وهو وحده ونحن ثمانية رجال.

إفرنجي يستولي على مغار

ومن ذلك أن دنكري صاحب إنطاكية أغار على شيزر فاستاق دواب كثيرة وقتل وسبى، ونزل على قرية يقال لها زلين فيها مغار معلقه لا يوصل إليها في وسط الجبل، ما إليها من فوق منزل ولا إليها من أسفل مطلع، إنما ينزل إليها من يحتمي فيها بالحبال، وذلك يوم الخميس العشرين من ربيع الآخر سنة اثنين وخمس مائة، فجاء شيطان من فرسانهم إلى دنكري فقالاعمل لي صندوقاً من الخشب وأنا أقعد فيه، ودلوني من الجبل إليهم بسلاسل أوثقوها في الصندوق حتى لا يقطعوها بالسيف فأسقط. فعملوا له صندوقاً ودلوه بالسلاسل المعلقات إلى المغار، وأنزل كل من كان فيها إلى دنكري. وذلك أن المغار بهو ما فيه مكان يستتر الناس فيه - وذلك يرميهم بالنشاب فلا تقع نشابة إلا في إنسان لضيق الموضع وكثرت الناس فيه.

عم أسامه يفك أسر مسلمة


وكان ممن أسر في جملة من أسر في ذلك اليوم امرأة كانت من أصل جيد من العرب وصفت لعمي عز الدين أبي العساكر سلطان رحمه الله قبل ذلك وهي في بيت أبيها. فأرسل عمي عجوزاً من أصحابه تبصرها فعادت تصفها وجمالها وعقلها أما لرغبة بذولها لها أما أروها غيرها، فخطبها عمي وتزوجها. فلما دخلت عليه رأى غير ما وصف له منها، ثم هي خرساء، فوفاها مهرها وردها إلى قومها، فأسرت من بيوت قومها ذلك اليوم فقال عميما أدع امرأة تزوجتها وانكشفت علي في أسر الإفرنج. فاشتراها رحمه الله بخمس مائة دينار وسلمها إلى أهلها.

فطنة فتاة تركية


ومن ذلك ما حدثني به الؤيد الشاعر البغدادي بالموصل سنة خمس وستين وخمس مائة قالاقطع الخليفة والدي ضيعة وهو يتردد إليها وبها جماعة من العيارين يقطعون الطريق ووالدي يصانعهم لخوفه منهم وانتفاعه بشيء مما يأخذونه. فنحن يوماً جلوس بها أقبل غلام تركي على حصانه ومعه بغل رحل عليه خرج وجارية راكبه فوق الخرج فنزل وأنزل الجارية فقاليا فتيان، اسعدوني على حط الخرج، فجئنا حططناه معه وإذا به كله دنانير ذهب ومصاغ، فجلس هو والجارية، أكلا شيئا ثم قالاسعدوني على رفع الخرج، فرفعناه معه فقال لناكيف طريق الأنبار؟ فقال له والديالطريق ها هنا وأشار إلى الطريق ولكن في الطريق ستون عياراً أخاف عليك منهم. فضرط له وقالأنا أخاف من العيارين! فتركه والدي ومضى إلى العيارين أخبرهم خبره وما معه، فخرجوا حتى عارضه في الطريق، فلما رآهم أخرج قوسه وترك فيه سهمًا واستوفاه يريد يرميهم فانقطع الوتر، فهجم عليه العيارون فانهزم، وأخذ البغل والجارية والخرج فقالت لهم الجارية يا شباب بالله لاتهتكوني وبيعوني نفسي والبغل أيضاً بعقد جوهر مع التركي قيمته خمس مائة دينار، وخذوا الخرج وما فيه قالواقد فعلنا. ابعثوا لي بعضكم حتى أتحدث مع التركي وآخذ العقد، فبعثوا معها من يحفظها حتى دنت من التركي وقالت لهلقد اشتريت نفسي والبغل بالعقد التي في ساق موزك خفك اليسار فادفعه لي. قالنعم. وانفسح عنهم وأخرج الساق موزا وإذا فيه وتر قوس، فركبه على قوسه ورجع إليهم. فما زالوا يقاتله وهو يقتل منهم واحدًا واحداً حتى قتل منهم ثلاثة وأربعين رجلاً. ونظر فإذا والدي في جماعة الباقين من العيارين فقالوأنت فيهم! فتشتهي أعطيك نصيبك من النشاب! قاللا. قالخذ هؤلاء السبعة عشر الباقين أمض بهم إلى شحنة البلد يشنقهم واولائك قد زنهروا ورموا سلاحهم. وساق بغله بما عليه ومضى، وقد أرسل الله تعالى على العيارين منه مصيبة وسخطة عظيمة.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 07:51 PM
مغامرات أخرى


ومن ذلك ما حضرته في سنة تسع وخمسمائة وقد خرج والدي رحمه الله بالعسكر إلى اسباسلار برسق رحمه الله وقد وصل بأمر السلطان إلى الغزاة وهو في خلق عظيم وجماعة من الأمراءمنهم أمير الجيوش اوزبه صاحب الموصل، وسنقرد راز صاحب الرحبة والأمير كندغندي، والحاجب الكبير بكتمر، وزنكي بن برسق وكان من الأبطال، وتميرك، وإسماعيل البكجي وغيرهم من الأمراء. فنزلوا على كفر طاب وفيها أخوا ثويفل والإفرنج فقاتلوها ودخلوا الخرسانية في الخندق ينقبون، والإفرنج قد أيقنوا بالهلاك فطرحوا النار بالحصن فأحرقوا السقوف فوقعت على الخيل والدواب والغنم والخنازير والأسارى فاحترق الجميع وبقي الأفرنج معلقين في أعلاه على الحيطان. فوقع لي أن أدخل في النقب أبصره فنزلت في الخندق، والنشاب والحجار مثل المطر علينا ودخلت النقب فرأيت حكمة عظيمة قد نقبوا من الخندق إلى الباشورة وأقاموا في جوانب النقب قائمتين وعليهما عرضية تمنع من تهدم ما فوقها ونظموا النقب بالأخشاب كذلك إلى أساس البشورة وعلقوه وبلغوا أساس البرج وحملوه على الأخشاب ويخرجون نقارة الحجار اولاً فأولاً. وأرض النقب من النقش قد صارت طيناً، فرأيته وخرجت ولم يعرفني الخرسانية، ولو عرفوني ما تركوني أخرج إلا بغرامة كثيرة لهم. وشرعوا في تقطيع الخشب اليابس وحشوا النقب بذلك الخشب واصبحوا طرحوا فيه النار. وقد لبسنا وزحفنا إلى الخندق لنهجم الحصن إذا وقع البرج وعلينا من الحجارة والنشاب بلاء عظيم. فأول ما عملت النار صار يسقط ما بين الحجار من تكحيل الكلس ثم انشق واتسع الشق ووقع البرج، ونحن نظن إذا وقع تمكن من الدخول عليهم، فوقع الوجه البراني وبقي الحائط الجواني كما هو فوقفنا إلى ان خيمت علينا الشمس ورجعنا إلى خيامنا، وقد نالنا من الحجارة أذى كثير.
فمكثنا إلى الظهر وإذا قد خرج من العسكر راجل واحد معه سيفه وترسه فمضى إلى حائط البرج الذي قد وقع وقد صارت جوانبه كدرج السلم فتوقل فيه حتى صعدا أعلاه، فلما رآه رجال العسكر تبعه منهم قدر عشرة رجال تسرعوا بعدتهم فصعدوا واحداً وراء واحد حتى صاروا على البرج والإفرنج لا يشعرون بهم. ولبسنا نحن من الخيام وزحفنا، فكثروا على البرج قبل أن يتكامل الناس عندهم. ففرغ إليهم الإفرنج فرموهم بالنشاب فجرحوا الذي طلع في الأول فنزل. وتتابع الناس في الطلوع وصاروا مع الإفرنج على بدن من الحيطان البرج وبين يديهم برج في بابه فارس لابس ومعه ترسه وقنطاريته يحمي من دخول البرج، وعلى البرج جماعة من الإفرنج يقاتلون الناس بالنشاب والحجارة، فصعد رجل من الأتراك ونحن نراه، ومشى والبلاء يأخذه إلى أن دنا من البرج وضرب الذي عليه بقارورة نفط فرأيته كالشهاب على تلك الحجارة إليهم، وقد رموا نفوسهم إلى الأرض خوفاً من الحريق، ثم عاد. وطلع أخر يمشي على البدن ومعه سيف وترس، فخرج عليه من البرج الذي في بابه الفارس رجل منهم عليه زرديتان وبيده قنطاريه وما معه ترس، فلقيه التركي وفي يده سيفه فطعنه الإفرنجي فدفع سنان قنطارية عنه بالترس ومشى إلى الإفرنجي وقد دخل على الرمح إليه، فولى عنه وأدار ظهره وأمال ظهره كالراكع خوفاً على رأسه، فضربه التركي ما عملت فيه شيئاً، ومشى حتى دخل البرج وقوي عليهم الناس وتكاثروا، فسلموا الحصن ونزل لأسارى إلى الخيام برسق بن برسق. فشاهدت ذلك الذي خرج بقنطاريته على التركي وقد جمعهم في سرادق برسق بن برسق ليقطعوا على نفوسهم ثمنناً يخلصون به، فوقف وكان سرجندياً وقالكم تأخذون مني؟ قالوانريد ستمائة دينار. فضرط لهم وقالأنا سرجندي ديواني كل شهر ديناران، من أين لي ستمائة دينار؟ وعاد جلس بين أصحابه، وكان خلقة عظيمة. فقال الأمير سيد الشريف وكان من كبار الأمراء لوالدي رحمهما اللهيا أخي ترى هؤلاء القوم؟ نعوذ بالله منهم. فقضى سبحانه ان العسكر رحل من كفر طاب إلى دانيث وصحبهم عسكر إنطاكية يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الآخر. وكان تسليم كفر طاب يوم الجمعه ثالث عشر ربيع الأخر، فقتل الأمير سيد رحمه الله وخلق كثير من المسلمين. وعاد الوالد رحمه الله وكنت قد فارقته من كفر طاب وقد كسر العسكر، ونحن في كفر طاب نحرزها نريد نعمرها، وكان اسباسلار سلمها إلينا ونحن نخرج الأسرى كل أثنين في قيد من أهل شيزر وقد احترق نصف ذا وقد بقيت فخذه، وذا قد مات في النار، فرأيت منهم عبرة عظيمة فتركناها وعدنا إلى شيزر مع الوالد رحمه الله، وقد أخذ كل ما كان معه من الخيام والجمال والبغال والبرك والتحمل وتفرق العسكر.


مكيدة لؤلؤ

وكان ما جرى عليهم، بمكيدة من لؤلؤ لخادم صاحب حلب ذلك الوقت، قرر مع صاحب إنطاكية أن يحتال عليهم ويفرقهم ويخرج ذلك من إنطاكية بعسكره يكسرهم. فأرسل إلى اسباسيلار برسق رحمه الله يقولتنفذ لي بعض الأمراء ومعه جماعة من العسكر أسلم إليهم حلب، فإني أخاف من أهل البلد ان لا يطاوعني على التسليم، فأريد أن بكون مع الأمير جماعة أتقوى بهم على الحلبيين. فنفذ إليه أمير الجيوش ارزبة ومعه ثلاثة آلاف فارس وصبحهم رو جار لعنه الله، كسرهم لنفاذ المشيئة. وعاد الإفرنج لعنهم الله إلى كفر طاب عمروها وسكنوها. وقدر الله تعالى ان خلص الأسرى من الفرنج الذين أخذوا من كفر طاب. فإن الأمراء اقتسموهم وأبقوهم معهم ليشتروا أنفسهم إلى ما كان من أمير الجيوش فإنه تقدم الذين طلعوا في سهمه. ضرب رقاب جميعهم قبل أن يتوجه إلى حلب. وافترق العسكر - من سلم منهم من دانيث - وتوجهوا إلى بلادهم، فذلك الرجل الذي طلع وحده إلى برج كفر طاب كان سبب أخذها.

نمير يستولي على مغارة الإفرنج


ومن ذلككان في خدمتي رجل يقال له نمير العلار وزي، راجل شجاع نهض هو وقوم من رجال شيزر إلى الروج إلى الإفرنج، فعثروا في البلد على قافلة من الإفرنج في مغارة. فقال بعضهم لبعضمن يدخل عليهم قال نميرأنا، فدفع إليهم سيفه وترسه وجذب سكينه ودخل عليهم فاستقبله رجل منهم فضربه بالسكين رماه وبرك عليه يقتله وخلفه إفرنجي معه سيف فضربه وعلى ظهر نمير مزود فيه خبز فهو يرد عنه، فلما قتل الرجل الذي تحته ألتفت إلى صاحب السيف يريده فضربه بالسيف في جانب وجهه فقطع حاجبه وجفن عينه وخده وأنفه وشفته العليا، فتدلى جانب وجهه على صدره فخرج من المغارة إلى أصحابه فشدوا جرحه ورجعوا إليه في ليلة باردة ماطرة، فوصل شيزر وهو على تلك الحالة، فخيط وجهه وداوى جراحه فبرأ وعاد إلى مكان عليه، إلا أن عينه تلفت وهو أحد الثلاثة الذين رماهم الإسماعيلية من حصن شيزر وقد تقد ذكرهم.

واحد يهزم قوماً في رفنية

وحدثني الرئيس سهري وكان في خدمت الأمير شمس الخواص التونتاش صاحب رفنية وكان بينه وبين علم الدين علي كرد صاحب حماة عداوة وخلف، قالأمرني شمس الخواص أن أخرج أقدر بلد رفنية وابصر زرعه، فخرجت ومعي قوماً من الجند. قدرت البلد، ونزلت ليلة عند المساء بقرية من قرى الرفنية لها برج صعدنا إلى سطحه تعشينا وجلسنا وخيلنا على باب البرج، فما شعرنا إلى برجل قد أشرف علينا من بين شراشيف البرج فصاح علينا ورمى نفسه إلينا وفي يده سكينه فنهزمنا ونزلنا في السلم الأول وهو خلفنا، ونزلنا في السلم الثاني وهو خلفنا حتى وصلنا الباب فخرجنا وإذا قد رتب لنل رجلاً على الباب فقبضونا جميعنا وأوثقونا رباطًا ودخلوا بنا حماة علي كرد، فما سلمنا من ضرب الرقبة إلا بفسحة الأجل، فحبسنا وغرمنا، وكان الذي فعل بنا ذلك كله رجل واحد.

ابن المرجي يستولي على حصن


ومثل ذلك جرى في حصن الخربة، كانت لصلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني رحمه الله وفيها الحاجب عيسى واليها، وهو حصن منيع على صخرة مرتفعة من جميع جوانبه يطلع إليه بسلم خشب ثم يرفع السلم فلا يبقى إليها طريق، وليس مع الولي في الحصن سوى ابنه وغلامه وبواب الحصن وله صاحب يقال له ابن المرجي يطلع إليه في الوقت بعد الوقت في أشغاله، فتحدث مع الأسماعليية وقرر معهم قراراً أرضاه، من مال واقطاع ويسلم إليهم الحصن الخربة، ثم جاء إلى الحصن فاستأذن وطلع فبدأ بالباب، قتله فلقيا الغلام فقتله ودخل على الوالي قتله وسلمه إلى الإسماعيلية، وقاموا له بما كانوا قرروه له. والرجال إذا قوا أنفسهم على شيء فعلوه.

مروءة مكار نصراني


ومن ذلك تفاضل الرجال في هممهم ونخوتهم، وكان الوالد رحمه الله يقول ليكل جيد من سائر الأجناس، من الرديء من جنسه ما يكون بقيمته، مثل حصان جيد يساوي مائة دينار، خمس حصن رديئة تساوي مائة دينار وكذلك الجمال وكذلك أنواع الملبوس، إلا ابن آدم فإن ألف رجل أرد ياء لا يساوون رجلاً واحداً جيداً . وصدق رحمه الله.
كنت قد نفذت مملوكاً لي في شغل مهم إلى دمشق واتفق أن أتابك زنكي رحمه الله أخذ حماة ونزل على حمص، فاشتدت الطريق على صاحبي فتوجه إلى بعلبك ومنها إلى طرابلس واكترى بغل رجل نصراني يقال له يونان فحمله إلى حيث اكتراه وودعه، ورجع وخرج صاحبي في قافلة يريد يتوصل إلى شيزر من حصون الجبل فلقيهم إنسان فقال لأرباب الدواب لا تمضوا فإن في طريقكم في الموضع الفلاني عقد حرامية في ستين سبعين رجلا يأخذونكم قالفوقفنا لا ندري ما نعمل، ما تطيب نفوسنا بالرجوع ولا نجسر على المسير من الخوف، فنحن كذالك إذا الريس يونان قد أقبل مسرعاً. فقلناما لك يا ريس؟ قالسمعت أن في طريقكم حرامية جئت لأسيركم، سيروا. فسرنا معه إلى ذلك الموضع، وإذا قد نزل من الجبل خلق عظيم من الحرامية يريدون أخذنا فلقيهم يونان وقاليا فتيان موضعكم! أنا يونان وهؤلاء في خفارتي، والله جميعهم عنا وما أكلوا من عندنا رغيف خبز، ومشي معنا يونان حتى أمنا ثم ودعنا وأنصرف.

وفاء بدوي

وحكى لي صاحبي هذا عن أبن صاحب الطور وكان طلع معي من مصر في سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة، قال حدثني أبن والي الطوروهي ولاية لمصر بعيدة، كان الحافظ لدين الله رحمه الله، إذا أراد أبعاد بعض الأمراء ولاه الطور وهو قريب لبلاد الأفرنج. قالوليها والدي وخرجت أنا معه إلى الولاية وكنت مغرى بالصيد فخرجت أتصيد فوقع بي قوم من الإفرنج فأخذوني ومضوا بي إلى بيت جبريل فحبسوني فيه في جب وحدي وقطع علي صاحب بيت جبريل ألفي دينار، فبقيت في الجب سنة لا يسأل عني أحد، فأنا في بعض الأيام في الجب وإذا قد رفع عنه الغطاء ودلي إلي رجل بدوي. فقلتمن أين أخذوك؟ قالمن الطريق، فأقام عندي يويمات وقطعوا عليه خمسين ديناراً، فقال لي يوماً من الأيامتريد تعلم أن ما يخلصك من هذا الجب إلا أنا؟ فخلصني حتى أخلصك. فقلت في نفسي رجل قد وقع في شدة يريد لروحه الخلاص، فما جاوبته. ثم بعد أيام أعاد على ذلك القول. فقلت في نفسيوالله لأسعين في خلاصه لعل الله يخلصني بثوابه. فصحت بالسجن فقلت لهقل للصاحب أشتهي أتحدث معك. فعاد وأطلعني من الجب وأحضرني عند الصاحب. فقلت لهلي في حبسك سنة ما سأل أحد عني ولا يدري أنا حي أو ميت، وقد حبست عندي هذا البدوي وقطعت عليه خمسين ديناراً أجعلها زيادة على قطيعتي ودعني أسيره إلى أبي حتى يفكني. قالافعل. فرجعت عرفت البدوي وخرج ودعني ومضى. فانتظرت ما يكون منه شهرين فما رأيت له أثراً ولا سمعت له خبراً فيئست منه فما راعني ليلة من الليالي إلا وهو قد خرج علي من نقب في جانب الجب، وقالقم والله لي خمسة أشهر أحفر هذا السرب من قرية خربة حتى وصلت إليك. فقمت معه وخرجنا من ذالك السرب وكسر قيدي وأوصلني إلى بيتي فما أدري مم أعجب من حسن وفائه أو من هدايته حتى طلع نقبه من جانب الجب. وإذا قضى الله سبحانه بالفرج فما أسهل أسبابه.

أسامة يفتدي الأسرى

كنت أتردد إلى ملك الأفرنج في الصلح بينه وبين جمال الدين محمد بن تاج الملوك رحمه الله ليد كانت للوالد رحمه الله على بغدوين الملك والد الملكة امرأة الملك فلك بن فلك، فكان الإفرنج يسوقون أسراهم إلي لأشتريهم، فكنت أشتري منهم من سهل الله تعالى خلاصه. فخرج شيطان منهم يدعى كليوم جيبا في موكب له يغزي فأخذ مركباً فيه حجاج من المغاربة نحو أربع مائة نفس رجال ونساء. فكان يجيء أقوام مع مالكهم فأشتري منهم من قدرت على شراه، وفيهم رجل شاب يسلم ويقعد لا يتكلم، فسألت عنه فقيل لي هو رجل زاهد صاحب دباغ. فقلت له بكم تبيعني هذه، قالوحق ديني ما أبيعه إلا هو وهذا الشيخ جملة كما أشتريتهما بثلاثة وأربعين ديناراً، فأشتريتهما اشتريت لي منهم نفراً، اشتريت للأمير معين رحمه الله منهم نفراً بمائة وعشرين ديناراً ووزنت ما كان معي وضمنت علي الباقي. وجئت إلى دمشق فقلت للأمير معين الدين رحمه اللهلقد اشتريت لك أسارى أختصك بهم، وما كان معي ثمنهم. والآن قد وصلت إلى بيتي إن أردتهم وزنت ثمنهم وإلا وزنته أنا. قاللا بل أنا أزن والله ثمنهم وأنا أرغب الناس في ثوابهم. وكان رحمه الله أسرع الناس إلى فعل خير وكسب مثوبة ووزن ثمنهم. وعدت بعد أيام إلى عكا. وقد بقي من الأسرى عند كليوم جيبا ثمانية وثلاثون أسيراً وفيهم امرأة لبعض الذين خلصهم الله تعالى على يدي فاشتريتها منه، وما وزنت ثمنها، فركبت إلى داره لعنه الله، وقلتتبيعني منهم عشرة؟ قال وحق ديني ما أبيع إلا الجميع. قلتما معي ثمن الجميع، وأنا أشتري بعضهم، والنوبة الأخرى أشتري الباقي. قالما أبيعك إلا الجميع. فانصرفت وقدر الله سبحانه أنهم هربوا في تلك الليلة جميعهم وسكان ضياع عكا كلهم من المسلمين إذا وصل إليهم الأسير آخوه وأوصلوه إلى بلاد الإسلام. وتطلبهم ذلك الملعون فما ظفر منهم بأحد وأحسن الله سبحانه خلاصهم، وأصبح يطالبني بثمن المرأة التي كنت أشتريتها وما وزنت ثمنها وقد هربت في من هرب. فقلتسلمها إلي وخذ ثمنها. قالثمنها لي من أمس قبل أن تهرب. وألزمني بوزن ثمنها، فوزنته وهان ذالك علي لمسرتي بخلاص أولئك المساكين.

عجائب السلامة في آمد

ومن عجائب السلامة إذا جرى بها القدر وسبقت بها المشيئة أن الأمير فخر الدين قرا أرسلان بن سقمان بن أرتق رحمه الله، عمل على مدينة آمد عدة مرار وأنا بخدمته، ولا يبلغ منها مقصوده. وكان أخر ما عمل عليها ان أمير من الأكراد كان مديوناً بآمد رسالة ومعه جماعة من أصحابه وقرر الأمر ان يصله العساكر في ليلة تواعدوا إليها ويطلعهم بالحبال ويملك آمد. فعول فخر الدين في ذلك المهم على خادم له إفرنجي يقال له ياروق والعسكر كله يمقته ويكرهه لسوء أخلاقه، فركب في بعض العسكر وتقدم، وركب باقي الأمراء فتبعوه وتوان هو في السير فسبقه الأمراء إلى آمد، فأشرف عليهم ذلك الأمير الكردي وأصحابه من بروج ودلوا إليهم الحبال وقالوااطلعوا - ما طلع منهم أحد. فنزلوا كسروا أقفال باب المدينة وقالوا أدخلوا - ما دخلوا. كل ذلك لأعتماد فخر الدين على صبي جاهل في هذا المهم العظيم دون الأمراء الكبار. وعلم بذلك الأمير كمال الدين علي بن نيسان والبلدية والجند ففرغوا إليهم فقتلوا بعضهم ورمى بعضهم نفسه وقبضوا بعضهم. ومد بعض الذين رموا نفوسهم وهو نازل بالهواء، يده كأنه يريد شيء يتمسك به، فوقع في يده حبل من تلك الحبال التي دلوها أول الليل وما طلعوا فيها فتعلق بها ونجا دون أصحابه إلا أن كفيه انسلختا من الحبل، هذا وأنا حاضر. وأصبح صاحب آمد يتبع الذين عملوا عليه فقتلهم، وسلم ذلك من دونهم فسبحانه من إذا قدر السلامة أنقذ الإنسان من لهاة الأسد فذلك حق لامثل.

الإنقاذ من لهاة الأسد

كان في حصن الجسر رجل من أصحابنا من بني كنانة يعرف بابن الأحمر ركب فرسه من حصن الجسر يريد كفرطاب لشغل له، فاجتاز بكفر نبوذا وقافلة عابرة على الطريق فرأوا الأسد ومع ابن الأحمر حربة تلمع، فصاح إليه أهل القافلة يا صاحب الخشب البراق دونك الأسد! فحمله الحياء من صياحهم أن حمل على الأسد فحاصت به الفرس فوقع فجاء فبرك عليه. وكان لما يريد الله من سلامته، الأسد شبعان فألتقم وجهه وجبهته فجرح وجهه وصار يلحس الدم وهو بارك عليه لا يؤذيه. فقالففتحت عيني فأبصرت لها الأسد، ثم جذبت نفسي من تحته ورفعت فخذه عني وخرجت، تعلقت بشجرة بالقرب منه وصعدت فيها، فراني وجاء خلفي، فسبقت وطلعت في الشجرة، فنام الأسد تحت الشجرة وعلاني من الذر شيء عظيم على تلك الجراح والذر يطلب جريح الأسد كما يطلب الفأر جريح النمر. قالفرأيت الأسد قد قعد وأنصب آذانه كأنه يتسمع، ثم قام يهرول، فإذا قافلة قد أقبلت على الطريق كأنه سمع حسها. فعرفوه وحملوه على بيته، وكان أثر أنياب السبع في جبهته وخديه كوسم النار فسبحان المسلم.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 07:52 PM
العقل والقتال

قلت تفاوضنا يوما في ذكر القتال ومؤدبي الشيخ العالم ابو عبد الله محمد بن يوسف المعروف بابن المنيرة رحمه الله يسمع. فقلت لهيا أستاذ لو ركبت حصاناً ولبست كزاغندا وخوذة وتقلدت سيفاً وحملت رمحاً وترساً ووقفت عند مشهد العاصي موضع ضيق كان الإفرنج لعنهم الله يجتازون به مل كان يجوزك أحد منهم. قالبلى والله موكلكم قلتكانوا يهابونك ولا يعرفونك. قالسبحان الله! فأنا ما أعرف نفسي! ثم قال لي يا فلان ما يقاتل عاقل. قلت يا أستاذ تحكم على فلان وفلان وعددت له رجالاً من أصحابنا من شجعان الفرسان انهم مجانين! قالماذا قصدت إنما العقل لا يحضر وقت القتال. ولو حضرما كان لأنسان يلقي بوجهه السيوف وبصدره الرماح والسهام، ما هذا شيء يقضي به العقل. وكان رحمه الله بالعلم أخبر مما هو بالحبر، فأن العقل هو الذي يحمل على الأقدام على السيوف والرماح والسهام انفه من موقف الجبان وسوء الاحوثة. ودليل ذلك ان الشجاع يلحقه الزمع والرعدة وتغير اللون قبل دخوله في الحرب لما يفكر قيه وتحدث به نفسه مما يريد يعمله ويباشره من الخطر، والنفس ترتاع لذلك وتكرهه، فإذا دخل في الحرب وخاض غمارها ذهب عنه ذلك الزمع والرعدة وتغير اللون. وكل أمر لا يحضره العقل يظهر فيه الخطأ والزلل.

الذهول وعواقبه


ومن ذلك أن الفرنج نزلوا مرة حماة في ازوارها، وفيها زرع مخصب، فضربوا خيامهم في ذلك الزرع، وخرج من شيزر جماعة من الحرامية يدورون بعسكر الفرنج يسرقون منه، فرأوا الخيام بالزرع، فأصبح بعضهم أخبر صاحب حماة وقالالليلة أحرق عسكر الإفرنج كله. قالإن فعلت خلعت عليك. فلما أمسى خرج ومعه نفر على رأيه. قالطرحوا النار غربي الخيام في الزرع لتسوقها الرياح إلى خيامهم، فصار الليل بضوء النار كالنهار، فرآهم الإفرنج فقصدوهم فقتلوا أكثرهم، وما نجى منهم إلا من رمى نفسه بالماء وسبح إلى الجانب الأخر، فهذه أثار الجهل وعواقبه. ورأيت مثل ذلك، وإن لم يكن بالحرب، وقد عسكر الإفرنج على بانياس في جمع كثير ومعه البطرك، وقد ضرب خيمة كبيرة جعلها كنيسة يصلون فيها يتولى خدمتها شيخ شماس منهم وقد فرش أرضها بالحلفاء والحشيش لتحترق البراغيث، فطرح فيه النار وقد يبس، فارتفعت ألسنتها وعلقت بالخيمة فتركتها رماداً فهذا لم يحضره العقل.

حاضر الذهن تحت الأسد


وضده أننا ركبنا في بعض الأيام من شيزر إلى الصيد وعمي رحمه الله معنا وجماعة من العسكر، فخرج علينا السبع من قصباء دخلناها لصيد الدراج. فحمل عليه رجل كردي يقال له زهر الدولة بختيار القبرصي سمي بذلك للطف خلقته وكان رحمه الله من فرسان المسلمين فستقبله السبع فحاص به الحصان فرماه، وجاء السبع وهو ملقى، فرفع رجله فتلقمها السبع وبادرناه فقتلنا السبع واستخلصناه وهو سالم. فقلنا له يا زهر الدولة لما رفعت رجلك إلى فم السبع؟ فقالجسمي كما ترونه ضعيف نحيف، وعلي ثوب وغلالة وما في أكسا من رجلي أن يفرج الله تعالى. فهذا حضره العقل في موضع تزول فيه العقول وأولئك ما حضرهم العقل. فلإنسان أحوج إلى العقل من كل ما سواه، وهو محمود عند العاقل والجاهل.

عم أسامة وحسن إدارته

ومن ذلك أن روجار صاحب إنطاكية كتب إلى عمي يقولقد نفذت فارس من فرساني في شغل مهم إلى القدس، أسأل أن تنفذ خيلك تأخذه أفامية ويوصلنه إلى رفنية. فركب وأرسل إليه من أحضره فلا لقيه قالقد نفذني صاحبي في شغل وسر له، لكنني لقيتك رجلاً عقلاً فأنا أحدثك به فقال له عميمن أين عرفت أني عاقل وما رأيتني قبل الساعة؟ قاللأني رأيت البلاد التي مشيت فيها خربه وبلدك عامر فعرفت أنك ما عمرتها إلا بعقلك وسياستك، وحدثه ما جاء فيه.

تعقل صاحب ديار بكر

وحدثني الأمير فضل بن أبي الهيجاء صاحب أربل قالحدثني أبو الهيجاء قالبعثني السلطان ملك شاه لما وصل الشام إلى الأمير ابن مروان صاحب ديار بكر يقول أريد ثلاثين ألف دينار، فاجتمعت به واعدت عليه الرسالة. فقالتستريح ونتحدث، واصبح أمر ان يدخلوني الحمام ونف آلة الحمام جميعها فضة ونفذ لي بدلة ثياب. وقالوا لفراشيكل آلة الحمام لكم. فلما خرجت لبست ثيابي ورددت جميع الحوائج، فتركني أيام ثم أمر لي بحمام وما أنكر رد الحوائج، وحملوا معي آلة الحمام افضل من الآلة الأولة وبدلة الثياب أفضل من البدلة الاولة وقال القراش لفراشي كما قال اولاً. فلما خرجت لبست ثيابي ورددت الحوائج والثياب، فتركني ثلاثة أربعة أيام ثم عاد ادخلني ثم عاد وادخلني إلى الحمام وحملوا معي الآت فضه أفضل من الآلة وبدلة ثياب افضل من الاولة. فلما خرجت لبست ثيابي ورددت الجميع. فلما حضرت عند الأمير قال لييا ولدي نفذت إليك ثياب ما لبستها، وآلة حمام ما قبلتها ورددتها، أي شيء سبب هذا؟ قلتيا مولاي جئت برسالة السلطان في شغل ما انقضى، اقبل ما تفضلت به وارجع وما انقضى شغل السلطان فكأني ما جئت إلا في حاجتي؟ قاليا ولدي ما رأيت عمارت بلادي وكثرة خيرها وبساتينها وكثرة فلاحيها وعمارة ضياعها؟ أتراني أتلف هذا كله من أجل ثلاثين ألف دينار؟ والله إن الذهب قد كيسته من وقت وصولك، وإنما انتظرت ان يتجاوز السلطان بلادي وتلحقه بالمال خوفاً من أن استقبله بالذي طلب فيطلب مني إذا دنا من بلادي أضعافه فلا تشغل قلبك، فشغلك قد انقضى، ثم نفذ لي ثلاث بدلات التي كان نفذها لي في الثلاث دخلات فقبلتها. ولما تجاوز السلطان ديار بكر أعطاني المال فحملته ولحقت به السلطان.

حسن سياسة صاحب بدليس


وفي حسن السياسة ربح كثير من عمارة البلاد. فمن ذلك ان أتابك زنكي رحمه الله خطب بنت صاحب خلاط وقد مات أبوها وأمها مدبرت البلدي. ونفذ حسام الدولة بن دلماج خطبها لأبنه وهو صاحب بدليس. فسار أتابك بعسكر حسن إلى خلاط على غير الطريق المسلوك لأجل درب بدليس. فسلك فيها الجبال فكنا ننزل بغير خيام، وكل واحد في موضعه من طريق حتى وصلنا خلاط، فخيم أتابك عليها ودخلنا قلعتها وكتبنا المهر. فلما انقضى الشغل فأمر صلاح الدين معظم العسكر ويسري إلى بدليس يقاتلها. فركبنا أول الليل وسرنا وأصبحنا على بدليس، فخرج إلينا حسام الدولة صاحبها فلقينا على فسحة من البلد وأنزل صلاح الدين في الميدان وحمل إليه الضيافة الحسنة، وخدمه وشرب عنده في الميدان وقال يا مولايأي شيء ترسم؟ تعنيت وتعبت في مجيئك. قال أتابك احنقه خطبتك للبنت التي كان خطبها، وأنت بذلت لهم عشرة آلاف دينار نريدها منك. قال السمع والطاعة. فعجل له بعض المال واستمهله بباقيه أياماً عينها، ورجعنا وبلده بحسن سياسته عامر ما دخل عليه خلل.

وصاحب قلعة جعبر

وهذا قريب ممن جرى لنجم الدولة مالك بن سالم رحمه الله. وذلك ان جوسلين أغار على الرقة والقلعة فأخذ كل ما عليها وسبى وساق غنائم كثيرة ونزل مقابل القلعة وبينهم الفرات، فركب نجم الدولة مالك في زورق ومعه ثلاثة أربعة من غلمانه وعبر الفرات إلى جوسلين وبينهما معرفة قديمة، ولما مالك عليه جميل. وظن جوسلين ان في الزرق رسولاً من مالك، فجائه واحد من الإفرنج وقالهذا مالك في الزورق قالما هو صحيح. فأته أخر قالقد نزل مالك من الزورق وهو جاءني يمشي. فقام جوسلين والتقاه وأكرمه ورد عليه جميع ما كان أخذه من الغنائم والسبي، ولولا سياسة نجم الدولة كان خرب بلده.

الشدة التي لا تنفع


إذا أنقضت المدة لم تنفع الشجاعة ولا الشدة.
شاهدت يوماًوقد زحف إلينا عسكر الإفرنج يقاتلنا، ومضى بعضهم مع طغدكين أتابك إلى الحصن الجسر يقاتله. وكان أتابك اجتمع هو وإيلغازي بن أرتق والإفرنج في افامية لمحاربة عساكر السلطان. وكان وصل بها إلى الشام اسباسلار برسق بن برسق وقد نزل حماة يوم الأحد تاسع عشر محرم سنة تسع وخمس مائة. فأما نحن فما قتلونا بالقرب من سور المدينة، فاستظهرنا عليهم ودفعناهم وانبسطنا معهم، فشاهدت رجلاً من أصحابنا يقال له محمد بن سرايا شاب شديد ايد قد حمل عليه فارس من الإفرنج لعنه الله فطعنه في فخذه فنفذ القنطارية فيها، فمسكها محمد وهي في فخذه، وجعل الإفرنجي بجذبها ليأخذها ومحمد يجذبها ليأخذها فترجع في فخذه حتى قورت فخذه. واستلب القنطارية بعد أن تلف فخذه، ومات بعد يومين رحمه الله.


إنقاذ فارس


ورأيت في ذلك اليوم وأنا في جانب الناس في القتال، فارساً قد حمل على فارس منا طعن حصانه قتله، وصاحبنا راجل في الأرض ولا أدري من هو لعبد ما بيننا، فدفعت حصاني إليه خوفاً عليه من الإفرنجي الذي طعنه، وقد بقيت القنطارية في الحصان وهو ميت قد خرجت مصارينه، والإفرنجي الذي طعنه، وقد بقيت القنطارية في الحصان وهو ميت قد خرجت مصارينه، فلا وصلته وجدته ابن عمي ناصر الدولة كامل بن مقلد رحمه الله فوقفت عليه واخليت له ركابي وقلت اركب فلما ركب رددت رأس الحصان إلى المغرب والمدينة من شرقنا. قال ليإلى أين تروح؟ قلت إلى هذا الذي طعن حصانك فهو فرصة. فمد يده وقبض
على عنان الحصان وقالما تطاعن وعلى حصانك لابسان، إذا أوصلتني ارجع طاعنه. فمضيت أوصلته وعدت إلى ذلك الكلب وقد دخل في أصحابه.


مؤمن تنقذه العناية الإلهية


وشاهدت من لطف الله تعالى وحسن دفاعه أن الإفرنج لعنهم الله نزلوا علينا بالفارس والراجل. وبيننا وبينهم العاصي وهو زائد زيادة عظيمة لا يمكنهم أن يجوزا إلينا ولا نقدر
نحن أن نجوز إليهم، فنزلوا على الجبل بخيامهم ونزل منهم قوم إلى البساتين وهي من جانبهم، هملوا خيلهم بالقصيل وناموا، فتجرد شباب من رجال شيزر وخلعوا ثيابهم وأخذوا سيوفهم وسبحوا إلى أولئك النيام فقتلوا بعضهم وتكاثروا على اصحبنا، فرموا نفوسهم إلى الماء وجازوا، وعسكر الفرنج قد ركب من الجبل مثل السيل، ومن جانبهم مسجد يعرف بمسجد أبي المجد بن سمية فيه رجل يقال له حسن الزاهد، وهو واقف على السطح يتوب في المسجد، يصلي وعليه ثياب سود صوف - ونحن نراه ومالنا إليه سبيل وقد جاء الأفرنج فنزلوا على باب المسجد وصعدوا إليه ونحن نقوللاحول ولا قوة إلى بلله! الساعة يقتلونه. فلا والله ما قطع صلاته ولازال من مكانه يصلي ولا نشك ان الله سبحانه أعماهم عنه وستره عن أبصارهم، فسبحان القادر الرحيم.


محسن يفك أسيراً

ومن ألطاف الله تعالى ان ملك الروم لما نزل على شيزر في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة خرج من شيزر جماعة من الرجالة للقتال فاقتطعهم الروم فقتلوا بعضاً وأسروا بعضاً فكان في جملة من أسروا زاهد من بني كردوس من الصالحية من مولدي محمود بن صالح صاحب حلب. فلما عاد الروم كان معهم مأسورا فوصل القسطنطينية، فهو في بعض الأيام إذ لقيه إنسان فقالأنت ابن كردوس؟ قالنعم قالسر معي أوقفني على صاحبك فسار معه حتى أراه صاحبه. فقاوله على ثمنه حتى تقرر بينه وبين الرومي مبلغ أرضاه فوزن له الثمن وأعطى ابن كردوس نفقة وقالتبلغ بها أهلك وأمض في دعة الله تعالى. فخرج من قسطنطينية وتوصل إلى ان عاد شيزر وذلك من فرج الله تعالى وخفي لطفه، ولا يدري من الذي شراه واطلقه.

ملاك يغيث أسامة


وقد جرى لي ما يشبه ذلك لما خرج علينا الإفرنج في طريق مصر وقتلوا عباس بن أبي الفتوح وابنه نصراً الكبير، انهزمن نحن إلى جبل قريب منا، فصعد الناس فيه رجالة يمشون يجرون خيلهم وأنا على أكديش ولا أستطيع المشي فصعدت وأنا راكب وسفوح ذلك الجبل كلها نقارة وحصى كلما وطئه الفرس انهر تحت قوائمه، فضربت الأكديش ليطلع فما استطاع، تنزل والحصاة والنقارة تنزل به، فترجل عنه وأقمته ووقفت لا أقدر على المشي، فنزل إلي رجل من الجبل ومسك يدي وبرزوني في يدي الأخرى حتى أطلعني، ولا ولله ما أدري من هو ولا عدت رأيته. وقد كان في ذلك الوقت الصعب يمتن فيه بيسير الإحسان ويطلب المكافأة عنه ولقد شربت من بعض الأتراك شربة ماء أعطيته عنها دينارين، ومازال بعد وصولنا دمشق يقتضي حوائجه ويتوصل بي إلى أغراضه لأجل تلك الشربة التي ساقنيها، وما كان ذلك الذي أعانني إلا ملاكاً رحمني الله تعالى فأغاثني به.

من يقاتل في سبيل الله


ومن الناس من يقاتل كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يقاتلون للجنة لا لرغبة ولا لسمعة
ومن ذلك أن ملك الأمان الإفرنجي لعنه الله لما وصل الشام اجتمع إليه كل من بالشام من الإفرنج وقصد دمشق، فخرج عسكر دمشق وأهلها لقتالهم وفي جملتهم الفقيه الفندلاوي والشيخ الزاهد عبد الرحمن الحلحولي رحمهما الله، وكان من خيار المسلمين. فلما قاربوهم قال الفقيه لعبد الرحمنما هؤلاء الروم، قال بلى قالفإلى متى نحن وقوف؟ قالسر على أسم الله تعالى. فتقدما قاتلا حتى قتلا رحمهما الله في مكان واحد.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 08:17 PM
يقاتل لرد الجميل


ومن الناس من يقاتل للوفاء فمن ذلك رجلاً من الأكراد يقال له فارس وكان كإسمه فارس وأي فارس، فحضر أبى وعمي رحمهما الله وقعة كانت بينهما وبين سيف الدولة خلف بن ملاعب. عمل عليهم فيها وغدر بهم، وقد حشد وجمع وهم غير متأهبين لما جرى، وسبب ذلك انه راسلهم وقالنمضي إلى أسفونا وفيها الفرنج نأخذها. فسبقه أصحابنا إليها وترجلوا وزحفوا
إلى الحصن نقبوهم وهم في القتال وابن ملاعب وصل، فأخذ خيل من كان ترجل من أصحابنا ووقع القتال بينهم بعدما كان للإفرنج واشتد بينهم القتال. فقاتل فارس الكردي قتالاً عظيماً وجرح عدة جراح، ومازال يقاتل ويجرح حتى اثخن بالجراح وانفصل القتال، فاجتاز أبى وعمي رحمهما الله وهو محمول بين الرجال فوقفا عليه وهنآه بالسلامة فقالوالله ما قتلت أريد السلامة لكن لكم علي جميل وفضل كثير، وما رأيتكم في شدة مثل هذا اليوم فقلتأقاتل بين أيديكم وأجازيكم عن جميلكم وأقتل قدامك. وقضى سبحانه وتعالى أن عوفي من تلك الجراح ومضى إلى جبله وفيها فخر الملك بن عمار وفي الاذقية الإفرنج، فخرجت خيل من جبلة تريد الغارة على الاذقية، وخرجت خيل من الاذقية تريد الغارة على جبلة، فنزل الفريقان في الطريق وبينهما رابية. فطلع فارس من الإفرنج من جانبهم يكشف الرابية وطلع فارس كردي من الجانب الأخر يكشف لأصحابه. فألتقى الفارسان على متن الرابية وكل واحد منهما على صاحبه فاختلفا طعنتين فوقعا ميتين وبقيت الحصون تتواصل على الرابية والفارسان قتيلان. وكان لفارس هذا عندنا ولد علان من الجند له خيل الملاح والعدة الحسنة، ولكن ما كان كأبيه. فنزل علينا دنكري صاحب إنطاكية يوماً وقاتلنا قبل ضرب الخيام، وهذا علان بن فارس على حصان مليح باغز من لأحسن الخيل وهو واقف على رفعة من الأرض، فحمل عليه فارس من الإفرنج وهو كالغافل فطعن حصانه في رقبته ونفذ القنطارية، فشب الحصان ورمى علان وعاد الإفرنجي والحصان معارضه والقنطارية في رقبته كأنه تجنبه، يتمختر بغنيمة حسنة.


الخيول الصبورة والضعيفة


وعلى ذكر الخيل ففيها الصبور كالرجال وفيها الخوار، فمن ذلك انه كان في جندنا رجل كردي يقال له كامل المشطوب في الشجاعة والدين والخير رحمه الله ولحصانه أدهم أصم مثل الجمل، فألتقى هو وفارس من الإفرنج فطعن الإفرنجي حصانه في موضع القلادة فمالت رقبته من شدت الطعن وخرجت القنطارية من أصل رقبة الحصان فضربت فخذ كامل المشطوب وخرجت من الجانب الأخر، وما تزعزع الحصان من تلك الطعنة ولا فارسه. وكنت أرى ذلك الجرح الذي في فخذه بعدما اندمل وختم وهو كأكبر ما يكون من الجراح، وسلم الحصان وعاد حضر عليه القتال. فالتقى هو وفارس من الإفرنج فطعن الحصان في جبهته خسفها ولم يتزعزع، وسلم من تلك الطعنة الثانية فكانت بع ان ختمت إذا اطبق الإنسان كفه وأدخلها في جبهة الحصان في موضع الجرح وسعها. وكان من طريف ما جرى في ذلك الحصان أن أخي عز الدولة أبا الحسن علياً رحمه الله اشتراه من كامل المشطوب، وكان ثقيل العدو فأخرجه في ضمان قرية كانت بيننا وبين فارس من إفرنج كفر طاب، فبقي عنده سنة ثم عاد مات فأرسل إلينا يطلب ثمنه قلنااشتريته وركبته ومات عندك، كيف تطلب ثمنه؟ قالانتم سقيتموه شيئاً يموت منه بعد سنة. فعجبنا من جهله وسخافة عقله. وجرح تحتي حصان عل حمص شقت الطعنة قلبه وأصابه عدة سهام، فأخرجني من المعركة ومنخراه يدميان بالدم كالغزلتين، وما أنكرت منه شيئاً وبعد وصولي إلا أصحابي مات. وجرح تحتي حصان في بلدة شيزر في حرب محمود بن قراجا ثلاثة جراح وأنا أقاتل عليه ولا أعلم، وله أنه قد جرح، لاني ما انكرت منه شيئاً. وأما خورها وضعفها على الجراح فإن عسكر دمشق نزل على حماة وهي لصلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني ودمشق لشهاب الدين محمود بن بوري بن طغدكين وأنا بها، زحفوا إلينا في جمع كثير، ووالي حماة شهاب الدين أحمد بن صلاح الدين وهو على تل مجاهد، فجاءه الحاجب غازي التلي فقالقد انتشرت الرجالة والخوذ تتلامع بين الخيام، والساعة يحملون على الناس يهلكونهم فقالامضي ردهم فقالوالله ما يردهم إلا أنت أو فلان يعنيني فقال ليتخرج تردهم فقلتزردية كانت على الغلام لي لبستها وخرجت ردت الناس بالدبوس وتحتي حصاناً أشقر من أجود الخيل واتلعها، فلما رددت الناس زحفوا إلينا، وما برى من سور حماة فارس غيريمنهم من دخل المدينة وايقنوا انهم مأخوذون، ومنهم من هو مترجل في ركابي، فإذا حملوا علينا أخرت الحصان بعنانه وأنا مستقبلهم، وإذا عادوا مشيت خلفهم سترة لضيق المجال وازدحام الناس، فضربت حصاني نشابة في ساقه خمشته فوقع بي وقام ووقع وأنا أضربه حتى قال لي الرجال الذين في ركابي ادخل إلى البشورة إركب غيره فقلتوالله ما أنزل نه فرأيت من ضعف ذلك الحصان ما لم أره من غيره.
ومن حسن صبر الخيل طراد بن وهيب النمري حضر القتال بين بتي نمير، وقد قتلوا علي بن شمس الدولة سالم بن مالك والي الرقة وملوكها والحرب بينهم وبين أخيه شهاب الدين مالك بن شمس الدولة وتحت طراد بن وهيب حصان له من أجود الخيل له قيمة كبيرة فطعن في خاصرته فخرجت مصارينه، فشدها طراد السموط لا يدوسها فيقطعها، وقاتل حتى انقضى القتال، فدخل به إلى الرقة فمات.


استعدد دائم للقتال


قلت اذكرني ذكر الخيل بأمر جرى لي مع صلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني رحمه الله نزل إلى دمشق في سنة ثلاثين وخمس مائة بأرض داريا. وقد راسله صاحب بعلبك جمال الدين محمد ابن بوري بن طغدكين رحمه الله في الوصول إليه، وخرج من بعلبك متوجه إلى خدمت أتابك، فبلغه ان عسكر دمشق خرج يريد أخذه. فأمر صلاح الدين ان نركب للقائه ودفع الدمشقيين عنه. فجاءني رسوله يقولاركب وخيمتي إلى جانب خيمته، وهو قد ركب ووقف عند خيمته، فركبت في الوقت فقال كنت قد علمت بركوبي. قلتلا والله. قالالساعة نفذت إليك فركبت في الوقت. قلت يا مولاي حصاني شعيرة، ويلجمه الركابي ويقعد وهو في يده على باب الخيمة وأنا ألبس عدتي وأتقلد سيفي وأنام. فلا جاءني رسولك ما كان لي ما يعوقني
فوقف إلى أن اجتمع عنده جماعة من العسكر وقالألبسوا سلاحكم وقد لبس أكثر الحاضرين وأنا إلى جانبه ثم قالكم أقول ألبسوا سلاحكم، قلت يا مولاي لاتكون تعنني. قالنعم قلت والله ما أقدر ألبس، نحن في أول الليل، وكزاغندي فيه زرديتان مطبقة وإذا رأيت العدو لبسته. فسكت.
وسرنا فأصبحان عند الضمير. فقال لي ما ننزل نأكل شيئاً؟ فقد جعت من السهر. قلت الأمر لك. فنزلنا فما استقر على الأرض حتى قالأين كزاغندك؟ فأمرت الغلام فأحضره أسرجته من عيبته واسرجت السيكن فتقته عند صدره أظهرت جانب الزرديتين، وكان فيه زردية إفرنجية إلى ذيله وفوقها أخرى إلى وسطه على كل زردية البطائن واللبد واللاسين ووبر الأرنب. فالتفت إلى غلام له كلمه بالتركي ولا ادري ما يقول فاحضر بين يديه حصاناً كميتاً كان أطاعاه إياه أتابك في تلد الأيام كالصخرة الصماء قدت من قنة الجبل. فقال هذا الحصان يصلح لهذا الكزاغند، سلمه إلى الغلام فلان فسلمه إلى غلامي.


حضور الذهن

قلت كان عمي عزالدين رحمه الله يتفقد مني حضور فكري في القتال ويمنحني بالمسألة، فنحن يوماًفي بعض الحرب التي كانت بيننا وبين صاحب حماة وقد حشد وجمع ووقف على ضيعة من ضياع شيزر يحرق وينهب. فجرد عمي من العسكر نحواً من ستين سبعين فارساً وقال لي خذهم وسر إليهم فمضينا نتراكض والتقينا بوادر خيلهم فكسرناهم وطعنا فيهم وقلعناهم من موضعهم الذي كانوا عليه. ونفذت فارساً من أصحابي إلى عمي وأبي رحمهما الله وهما واقفان ومعهما باقي العسكر وراجل كثير أقول لهماسيرا بالرجالة فقد كسرتهم. فسارا إلى فلما قربا حملنا عليهم كسرناهم، ورموا خيلهم في الشاروف وعبروه سباحة وهو زائد، ومضوا وعدنا بالنصر. فقال لي عميأي شيء نفذت تقول لي؟ قلتمع رجب العبد. قالصدقت، ما أراك كنت إلا حاضر القلب، ما ادهشك القتال. ومرة أخرى اقتتلنا نحن وعسكر حماة، وكان محمود بن قراجا قد استعانا على قتلنا بعسكر أخيه خير خان بن قراجا صاحب حمص، وكان قد ظهر لهم في ذلك الزمان حمل الرماح المؤلفة بوصل الرمح إلى بعض رمح آخر بحيث يصير طوله عشرين ذراعاً أو ثمانية عشر ذراعاً. فوقف مقابلي موكب منهم وأنا في سربة نحو من خمس عشر فارساً فحمل علينا منهم علوان العراقي وهو من فرسانهم وشجعانهم. فلما دنا منا ما تزعزعنا رجع ورد رمحه إلى خلفه، فرأيته كالحبل مطروحاً على الأرض لا يقدر يرفعه، فأطلقت حصاني عليه فطعنته وقد وصل إلى أصحابه، وعدت وراياتهم على رأسي، فلقيهم أصحابي وفيهم أخي بهاء الدولة منقذ رحمه الله فردهم وقد انقطع نصف يرقي في كزاغندة علوان ونحن بالقرب من عمي وهو يراني. فلما انفصل القتال قال لي عميأين طعنت علوان العراقي قلتأردت ظهره، فمال الهواء بالبيرق فوقع الرمح في جانبه. قالصدقت. ما كنت إلا حاضر القلب ذلك الوقت.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 08:39 PM
مكافحة الأسود وسائر الضواري

حياة أسامة البينية


وما رأيت الوالد رحمه الله نهاني عن قتال ولا راكبو خطر مما كان يرى في وأري من إشفاقه وايثاره لي، ولقد رأيته يوماً وكان عندنا بشيزر رهائن عن بغدوين ملك الإفرنج على قطيعة قطعها لحسام الدين تمرتاش بن إيغازي رحمه الله فرسان إفرنج وأرمن. فلما وفوا ما عليهم وأردوا الرجوع إلى بلادهم نفذ خيرخان صاحب حمص خيلاً كمنوا لهم في ظاهر شيزر. فلما توجه الرهائن خرجوا عليهم أخذوهم ووقع الصائح، فركب عمي وأبي رحمهما الله ووقفا وكل من يصل إليهما قد سيراه من خلفهم. واستخلصوا رهائنكم. فتبعتهم وأدركتهم بعد ركض اكثر النهار واستخلصت من كان معهم وأخذتهم بعض خيل حمص. وعجبت من قولهارموا نفوسكم عليهم. ومرة كنت معه رحمه الله وهو واقف في قاعة داره وإذا حية عظيمة قد أخرجت رأسها على إفريز رواق القناطر التي في الدار فوقف يبصرها، فحملت سلماً كان في جانب الدار أسندته تحت الحية وصعدت إليها، وهو يراني فلا ينهاني، وأخرجت سكيناً صغيرة من وسطي وطرحتها على رقبة الحية وهي نائمة وبين وجهي وبينها دون ذراع وجعلت أخرز رأسها - وخرجت التفت على يدي - إلى ان قطعت رأسها وألقيتها إلى الدار وهي ميتة. بل رأيته رحمه الله وقد خرجنا يوماً لقتال أسد ظهر على الجسر. فلما وصلناه حمل علينا من أجمة كان فيها، فحمل على الخيل ثم وقف وأنا وأخي بهاء الدولة منقذ رحمه الله بين الأسد وبين موكب فيه أبي وعمي رحمهما الله ومعهما جماعة من الجند، والأسد قد ربض على حرف النهر يتضرب بصدره على الأرض ويهدر فحملت عليه، فصاح علي أبي رحمه الله لا تستقبله يا مجنون فيأخذك! فطعنته، فلا والله ما تحرك من مكانه، فمات موضعه. فما رأيته ينهاني عن قتال منذ ذلك اليوم.

جرح سطحي


خلق الله عز وجل خلقه اطواراً مختلفين الخلق والطبائع الأبيض والأسود والجميل والقبيح، والطويل والقصير، والقوي والضعيف، والشجاع والجبان، بمقتضى حكمته وعموم قدرته. رأيت بعض أولاد الأمراء التركمان الذين كانوا في خدمة ملك الأمراء أتابك زنكي رحمه الله أصابته نشابة ما دخلت في جلده مقدار شعيرة فاسترخا وانحلت أعضائه وانقطع كلامه وغاب ذهنه وهو رجل مثل الأسد، أجسم ما يكون من الرجال، فاحضروا له الطبيب والجرائحي. فقال الطبيب ما به بأس. بل متى جرح ثانية مات، فهدأ وركب وتصرف كما كان، ثم أصابته نشابة أخرى بعد مدة أحقر من الأولى وأقل نكاية، فمات.

طحان يموت من لسعة زنبور


ورأيت ما يقرب ذلك أيضاً كان عندنا بشيزر أخوان يقال لهما بنو ماجوج، لواحد اسمه أبو المجد ولآخر محاسن وهمت ضمان رحاة الجسر بثمان مائة دينار. وعند الرحا مذبح فيه جزاروا البلد ويجتمع الزنابير على أثار الدم. فاجتاز محاسن بن مجادو يوماً إلى الرحا فلسعه زنبور فانفلج وانقطع كلامه وأشرف على الموت، وبقي كذلك مدة، ثم أفاق وانقطع عن الرجا مدة فعاتبه أخوه أبو المجد وقال له يا أخي معنا هذه الرحى بثمان مائة دينار ولا تشرف عليها ولاتبصرها؟ وغداً ينكسر علينا ضمانها ونموت في الحبس. فقال له محاسن أنت مقصودك ان يلسعني زنبور آخر فيقتلني. واصبح جاء إلى الرحا فلسعه زنبور فمات. فأيسر الأشياء يقتل إذا فرغ الأجل، والفأل موكل بالمنطق.

حوادث الأسود


فمن ذلك أنه ظهر عندنا بأرض شيزر سبع، فركبنا إليه فوجدنا غلاماً للأمير سابق بن وثاب بن محمود بن صالح في ذلك المكان يرعى فرسه اسمه شماس فقال له عمي أين الأسد؟ قال في تلك الغلفاء. قال سر قدامي إليها. قال أنت مقصودك ان يخرج الأسد يأخذني. ومشى قدامه. فخرج الأسد كأنه مرسل إلى شماس فأخذه فقتله دون الناس وقتل الأسد. وشاهدت من الأسد ما لم أكن لأظنه، ولا اعتقد ان الأسد كالناس فيها الشجاع وفيها الجبان. وذلك ان جوبان الخيل جاءنا يوماً كان يركض وقال في أجمة تل التلول ثلاثة سباع. فركبنا فخرجنا إليها، وإذا لبوءة خلفها أسدان، فدرنا في تلك الأجمة، فخرجت علينا اللبوءة خلفها أسدان، فدرنا في تلك الأجمة، فخرجت علينا اللبوءة فحملت على الناس ووقفت فحمل عليها أخي بهاء الدولة أبو المغيث منقذ رحمه الله طعنها قتلها وتكسر رمحه فيها. ورجعنا إلى الأجمة فخرج علينا أحد السبعين فطرد الخيل، ووقفت أنا وأخي بهاء الدولة في طريقه عند عودته من طرد الخيل. فإن الأسد إذا خرج من موضع لا بد له من الرجوع إليه شبهة، وجعلنا إعجاز خيلنا إليه، ورددنا رماحنا نحوه ونحن نعتقد انه يقصدنا فننشب الرماح فيه فنقتله، فما راعنا إلا وهو عابر علينا كالريح إلى رجل من أصحابنا يقال له سعد الله الشيباني فضرب فرسه فرماها فطعنته وسطت القنطارية فيه فمات مكانه. ورجعنا إلى الأسد الآخر ومعنا نحو من عشرين راجلاً من الأرمن الأجياد رماة. فخرج السبع الأخر وهو أعظمها خلقة يمشي وعارضه الأرمن بالنشاب، وأنا معارض الأرمن انتظره يحمل عليهم يأخذ واحداً منهم فطعنه وهو يمشي. وكلما وقعت به نشابة قد هدر ولوح بذنبه فأقول الساعة يحمل ثم يعود يمشي. فما زال كذلك حتى وقع ميتاً، فرأيت من ذلك الأسد شيئاً ما ظننته. ثم شاهدت من الأسد أعجب من ذلك. كان بمدينة دمشق جرو أسد قد رباه سباع معه حتى كبر وصار يطلب الخيل وتأذى الناس به فقيل للأمير معين الدين رحمه الله وأنا عنده هذا السبع قد آذا الناس والخيل تنفر منه وهو في الطريق. وكان على مصطبة بالقرب من دار معين الدين رحمه الله في النهار والليل. فقال قولوا للسباع يجيء به. فقال للخوان سلار أخرج من ذبائح المطبخ خاروفاً إلى قاعة الدار حتى نبصر كيف يكسره السبع. فاخرج خاروفاً إلى قاعة الدار، ودخل السباع ومعه السبع. فساعة رآه الخروف، وقد أرسله السباع من السلة التي في رقبته حمل عليه فنطحه فانهزم السبع وأخذ يدور حول البركة والخاروف خلفه يطرده وينطحه، ونحن قد غلبنا الضحك عليه. فقال الأمير معين الدين رحمه الله هذا السبع منحوس! أخرجوه اذبحوه واسلخوه وهاتوا جلده. فذبحوه وسلخوه وأعتق ذلك الخروف من الذبح.
ومن عجيب أمور السباع أن أسداً ظهر عندنا في أرض شيزر، فخرجنا إليه ومعنا رجالة من أهل شيزر فيهم غلاماً للمعبد الذي كان يطيعه أهل الجبل ويكاد يعبد. ومع ذلك الغلام كلب له. فخرج الأسد على الخيل فجلت قدماه جافلة ودخل في الرجالة، فأخذ ذلك الغلام وبرك عليه، فوثب الكلب على ظهر الأسد فنفر عن الرجل وعاد إلى الأجمة. وخرج الرجل بين يدي والدي رحمه الله يضحك وقال يا مولاي ما جرحني ولا آذاني وقتلوا الأسد ودخل الرجل فمات تلك الليلة من غير جرح أصابه إلا أنه انقطع قلبه. فكنت أعجب من إقدام ذلك الكلب على الأسد وكل حيوان ينفر من الأسد ويتجنبه. ولقد رأيت رأس الأسد يحمل إلى بعض دورنا فترى السنانير تهرب من تلك الدار وترمي نفوسها من السطوحات، وما رأت الأسد قط، وكنا نسلخ الأسد ونرميه من الحصن إلى سفح الباشورة فلا يقربه الكلاب ولاشيء من الطير. وإذا رأت القيقان اللحم نزلت إليه ثم دنت منه صاحت وطارت. وما أشبه هيبت الأسد على الحيوان بهيبة العقاب قط فيصبح وينهزم، هيبة ألقها الله تعالى في قلوب الحيوان لهذين الحيوانين. وعلى ذكر السباع كان عندنا أخوان من أصحابنا يقال لهما بنو الرعام رجال يترادون من شيزر إلى اللاذقية واللاذقية لعمي عز الدولة أبى المرهف نصر، وفيها أخوه عز الدين أبو العساكر سلطان رحمهما الله. بالكتب بينهما قال اخرجنا من اللاذقية فأشرفنا من عقبة المنة وهي عقبه عالية تشرف على ما تحتها من الوطا، فرأينا السبع وهو رابض على النهر تحت العقبة، فوقفنا مكاننا ما نجسر على النزول من خوف الأسد، فرأينا رجلاً قد أقبل فصحنا إليه ولوحنا بثيابنا إليه نحذره من الأسد فما سمعنا، وأوتر قوسه وطرح فيه نشابة ومشى، فرآه الأسد فوثب إليه فضربه ما أخطاء قلبه فقتله، ومشى إليه فتمم قتله، وأخذ نشابته وجاء إلى ذلك النهر ونزع زربوله وقلع ثيابه ونزل اغتسل في الماء، ثم طلع لبس ثيابه ونحن نراه، وجعل ينفض شعره لينشفه من الماء، ثم لبس فردة زربوله واتكى على جنبه وطول في الاتكاء، فقلنا والله ما قصر، ولكن على من يتيه؟ ونزلنا إليه وهو على حاله فوجدناه ميتاً ما ندري ما أصابه، فنزعنا فردة الزربول من رجله وإذا فيه عقرب صغير قد لسعته في إبهامه فمات لوقته، فعجبنا من ذلك الجبار الذي قتل الأسد وقتلته عقرب مثل الإصبع، فسبحان الله القادر النافذ المشيئة في الخلق.
قد تقاتلت السباع في عدة مواقف لا احصيها، وقتلت عدة منها ما شاركني في قتلها أحد سوى ما شاركني فيه غيري. فمن ذلك أن الأسد مثل سواه من البهائم يخاف ابن أدم ويهرب منه وفيه غفلة وبله ما لم يجرح فحينئذ هو الأسد، وذلك الوقت يخاف منه وإذا خرج من غاب أو أجمة وحمل على الخيل فلابد له من الرجوع إلى الأجمة التي خرج منها، ولو أن النيران في طريقه. وكنت أنا قد عرفت هذا بالتجربة، فمتى حمل على الخيل وقفت في طريق رجوعه قبل أن يجرح، فإذا رجع تركته إلى أن يتجاوزني وطعنته قتلته.


حوادث النمور


أما النمور فقتالها أصعب من قتال الأسد لخفتها وبعد ثباتها، وهي تدخل في الغارات والمحاجر كما تدخل الضباع، والأسد ما تكون إلى في الغابات والآجام وقد كان ظهر عندنا نمر في قرية يقال لها معرزوف من أعمال شيزر. فركب إليه عمي عز الدين رحمه الله وأرسل إلي فارساً وأنا راكب في شغل لي يقول ألحقني إلى معرزوف، فلحقته وجئنا إلى الموضع الذي زعموا أن النمر فيه، فما رأينه وكان هنا جب، فنزلت عن حصاني ومعي قنطارية وجلست على فم الجب، وهو قصير نحو القامة وفي جانبه خرق كل حجر، فحركت القنطارية في ذلك الخرق الذي في الجب فخرج النمر برأسه من ذلك الخرق ليأخذ القنطارية فلما علمنا انه في ذلك الموضع نزل معي بعض أصحابنا، وصار بعضنا يحرك ذلك الموضع بالرمح حتى قتلناه، وكان خلقة عظيمة، إلا أنه كان أكل من دواب القرية حتى عجز عن نفسه، وهو دون سائر الحيوان يقفز إلى فوق أربعين ذراعاً.
وقد كان في كنيسة حناك طاقة في ارتفاع أربعين ذراعاً، فكان يأتيها نمر في الهاجرة يثب إليها ينام فيها إلى أخر النهار ويثب منها ينزل ويمضي ومقطع حناك ذلك الوقت فارس إفرنجي يقال له سير آدم من شياطين الإفرنج فأخبروه خبر النمري فقال إذا رأيتموه أعلموني. فجاء النمر كعادته وثب على تلك الطاقة. فجاء بعض الفلاحين أخبر السير آدم، فلبس درعه وركب حصانه، وأخذ ترسه ورمحه وجاء إلى الكنيسة وهي خراب، وإنما هي حائط قائم فيه تلك الطاقة. فلما رآه النمر وثب من الطاقة عليه وهو فوق حصانه، فكسر ظهره وقتله ومضى. فكان فلاحو حناك يسمونه النمر المجاهد.
ومن خواص النمر انه إذا جرح إنسان وبالت عليه فأر مات. ولا ترد الفأرة عن جريح النمر، حتى انه يعمل له سرير يجلس في الماء ويربط حوله السنانير خوفاً عليه من الفأر. والنمر لا يكاد يألف بالناس ولا يستأنس بهم. وقد كنت مرة مجتازاً بمدينة حيفا من الساحل وهي للإفرنج. فقال لي إفرنجي منهم تشتري مني فهداً جيداً؟ قلت نعم. فجاءني بنمر قد رباه حتى صار قد الكلب. قلت لا ما يصلح لي، هذا نمر ما هو فهد، فعجبت من أنسه وتصرفه مع الإفرنجي. والفرق بين النمر والفهد ان وجه النمر طويل مثل وجه الكلب وعيناه زرق والفهد وجهه مدور وعيناه سود. وقد كان بعض الحلبيين أخذ نمراً وجاء به في عدل إلى صاحب القدموس وهو لبعض بني محرز وهو يشرب، ففتح العدل فخرج النمر على من في المجلس. فأما الأمير فكان عند طاقة في البرج قد دخل منها وغلق عليه الباب. وجال النمر في البيت قتل بعضهم وجرح بعضهم إلى أن قتلوه. وسمعت وما رأيت في السباع الببر وما كنت أصدق ذلك. فحدثني الشيخ الإمام حجة الدين أبو هاشم محمد بن محمد بن ظافر رحمه الله قال سافرت من المغرب ومعي غلام شيخ كان لوالدي سافر وجرب الأمور، ففرغ الماء الذي كان معنا وعطشنا وليس معنا ثالث، إنما نحن أنا وهو على نجيبين، فصدنا ماء في طريقنا فوجدنا عليه ببر وهو نائم فاعتزلنا عنه. ونزل صاحبي عن جمله وأعطاني زمامه وأخذ سيفه وترسه وقربه معنا وقال لي احتفظ برأس النجيب ومشي إلى الماء. فلما رآه الببر قام ووثب مستقبله حتى تجاوزه، ثم صاح فثارت إليه مجريات له عدواً لحقوه. وما عارضنا ولا آذانا، فشربنا واسقينا ثم مضينا. هكذا حدثني رحمه الله وكان من خيار المسلمين في دينه وعلمه.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 08:54 PM
اختبارات حربية

ضرب شيزر بالمنجنيق

ومن عجيب الآجال لما نزل الروم إلى شيزر سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة نصبوا عليها مجانيق هائلة جاءت معهم من بلادهم ترمي الثقل، وتبلغ حجرها ما لا تبلغه النشابة، وترمي الحجر عشرين وخمسة وعشرين رطلاً ولقد رموا مرة دار صاحب لي يقال له يوسف بن أبي الغريب رحمه الله بقلب فوق فهدمت علوها وسفلها بحجر واحد. وكان على برج في دار الأمير قنطارية فيها راية منصوبة، وطريق الناس في الحصن من تحتها، فضرب القنطارية حجر المنجنيق كسرها من نصفها، وانقلب كسرها الذي فيه السنان تنكس ووقع في الطريق، ورجل من أصحابنا عابر، فوقع السنان من تلك العلو وكان فيه نصف القنطارية في تروقته خرج إلى الأرض وقتله. وحدثني خطلخ مملوك لوالدي رحمه الله قال كنا في حصار الروم جلوساً في دهليز الحصن بعددنا وسيفنا فجاءنا شيخ يعدوا وقال يا مسلمون الحريم، دخل الروم معنا، فأخذنا سيوفنا وخرجنا وجدناهم قد طلعوا من ثغرة في السور ثغرتها المجانيق فضربناهم بالسيوف حتى أخرجناهم، وخرجنا خلفهم حتى أوصلناهم إلى أصحابهم وعدنا فتفرقنا، وبقيت أنا وذلك الشيخ الذي إستفزعنا فوقف وأدار وجهه إلى الحائط يريق الماء فأعرضت عنه فسمعت وجبة فالتفت وإذا الشيخ قد ضربت رأسه حجر المنجنيق كسرته وألصقته بالحائط ومخه قد سال على الحائط فحملته وصلينا عليه ودفناه في مكانه رحمه الله. وضربت حجر المنجنيق رجلاً من أصحابنا رجله فحملوه بين يدي عمي وهو جالس في دهليز الحصن، فقال هاتوا المجبر وكان بشيزر رجل صانع يقال له يحيى صانع في التجبير، فحضر وجلس يجبر رجله وهو في سترة خارج باب الحصن، فضربت الرجل المكسور حجر في رأسه طيرته، فدخل المجبر إلى الدهليز فقال عميما أسرع ما جبرته! قال يا مولاي جاءته حجر ثانية اغنته عن التجبير.

قصد الفرنج دمشق


ومن نفاذ المشيئة في الآجال والأعمار ان الإفرنج خذلهم الله، اجمع رأيهم على ان يقصدوا دمشق ويأخذوها، فاجتمع منهم خلق كثير وسار إليهم صاحب الرها وتل باشر وصاحب إنطاكية، فنزل صاحب إنطاكية على شيزر في طريقه إلى دمشق، وقد تبايعوا بينهم دور دمشق وحماماتها وقياسيرها واشتراها البرجاسية ووزنوا لهم أثمانها، وما عندهم شك في فتحها وملكها. وكفر طاب إذ ذاك لصاحب إنطاكية، فجرد من عسكره مائة فارس انتخبهم وأمره بالمقام بكفر طاب مقابلنا ومقابل حماة فلما سار إلى دمشق اجتمع من بالشام من المسلمين لقصد كفرطاب وانفذوا رجلاً من أصحابنا يقال له قنيب بن مالك فجس لهم كفرطاب في الليل فوصلوها دارها وعاد وقالابشروا بالغنيمة والسلامة. فسار المسلمون عليهم فالتقوا على مثكير، فنصر الله سبحانه الإسلام وقتلوا الإفرنج جميعهم. وكان قنيب الذي جس لهم كفرطاب قد رأى في خندقها دواب كثيرة. فلما ظفروا في الإفرنج وقتلوهم طمع في أخذ تلك الدواب التي في الخندق ورجا ان يأخذ الغنيمة وحده، فمضى يركض إلى الخندق فرمى عليه رجل من الإفرنج حجراً فقتله. وكانت له عندنا والدة عجوز كبيرة تندب في مأتمنا ثم تندب ولدها. فكانت إذا ندبت على ابنها قنيب تتدفق ثدياها بالبن حتى تغرق ثيابها، وإذا فرغت من الندب عليه وسكنت لوعتها عادات ثديها كالجلدتين ما فيهما قطرة لبن، من أشرب القلوب الحنة على الأولاد. ولما قيل لصاحب إنطاكية وهو على دمشققد قتل المسلمون أصحابك قالما هو صحيح، قد تركت بكفرطاب مائة فارس تلتقي المسلمين كلهم. وقضى الله سبحانه ان المسلمين بدمشق نصروا على الإفرنج وقتلوا منهم مقتله عظيمة وأخذوا جميع دوابهم فرحلوا عن دمشق أسوأ رحيل وأذله - والحمد لله رب العالمين.

كردي يتأبط رأس أخيه

ومن عجائب ما جرى في تلك الواقعة بالإفرنج انه كان في عسكر حماة أخوان كرديان اسم الواحد بدر وأسم الأخر عناز. وكان هذا عناز ضعيف النظر. فلما كسر الإفرنج قطعوا رأسهم وشدوهم في سموط خيلهم، وقطع عناز رأساً في سموطه، فرآه قوم من عسكر حماة فقالوا لهيا عناز أي شيء هذا الرأس معك؟ قال سبحان الله لما يجري بيني وبينه حتى قتلته. قالوا له يا رجل هذا رأس أخيك بدر فنظر وتأمله، فإذا هو رأس أخيه فأستحيى من الناس وخرج من حماة، فما ندري اين قصد ولا عدنا نسمع له خبراً وكان أخوه قتل في تلك المعركة قتله الإفرنج، خذلهم الله تعالى.

ضربة سيف تشق رأس إسماعيلي


اذكرني ضربة حجر المنجنيق رأس ذلك الشيخ رحمه الله ضرب السيف الماضية. فمن ذلك ان رجلاً من أصحابنا يقال له همام الحاج التقى هو ورجل من الإسماعيلية، لما عملوا على حصن شيزر بالرواق في دار عمي رحمه الله، في يد الإسماعيلي سكين والحاج في يده سيف، فهجم عليه الباطني بالسكين فضربه همام بالسيف فقطع قحف مخه على الأرض فأنبسط عليها وتطاير، فوضع همام السيف من يده وتقيأ ما في بطنه لما لحقه من نظر ذلك المخ من الغثيان، ولقيني في ذلك اليوم واحد منهم في يده سيخ وفي يدي سيف لي، فهجم علي بالسيخ فضربته في وسط ساعده والسيخ بيده قبضته ونصله لاسق بساعده فقطع قدر أربع أصابع من نصل السيخ وقطع الساعد من نصفه فأبانه، وبقي أثر فم السيخ في حد السيف، فرآه صانع عندنا فقالأنا أخرج هذا الثلم منه. قلتدعه كما هو فهو أحسن ما فيه، وهو إلى الآن إذا رآه إنسان علم انه أثر سكين. ولهذا السيف خبر أنا ذاكره.

تقطع وأخرى نعلاً ومرفقاً


كان للوالد ركابي يقال له جامع فأغار الفرنج علينا، فلبس الوالد كزاغنده وخرج من داره ليركب، فما وجد حصانه فوقف ساعة ينتظره، فوصل جامع الكابي بالحصان وقد أبطأ، فضربه الوالد بهذا السيف وهو في غمده متقلد به، فقطع الجهاز والنعل الفضة وبشتا كان على الركابي وصوفية وعظم مرفقه فرميت يده، فكان رحمه الله يقوم به بأولاده بعد تلك الضربة، وكان السيف يسمى الجامعي بأسم الركابي.

ضربتان تقتل رجلين


ومن ضربتا السيف المذكورة ان أربعة اخوة من أنساب الأمير افتخار الدولة أبي الفتوح بن عمرون صاحب حصن أبو قبيس صعدوا إليه إلى الحصن وهو نائم وأوثقوه بالجراح، وما معه بالحصن غير ابنه، ثم خرجوا وهم يظنون أنهم قتلوه يريدون ابنه، وكان هذا افتخار أعطاه الله من القوة أمراً عظيماً، فقام من فراشه عرياناً وسيفه معلق في بيته معه فأخذه وخرج إليهم فلقيه واحد منهم وهو مقدمهم وشجاعهم، فضربه افتخار الدولة في السيف وقفز من مقابله خوفاً من أن يصله بسكين كانت في يده، ثم التفت إليه فوجده ملقى فقد قتله بتلك الضربه، وصار إلى الأخر ضربه قتله، وانهزم الاثنين الباقيان فرميا أنفسهما من الحصن فمات أحدهما ونجا الأخر.
واتانا الخبر إلى شيزر فأنفذنا من هنأه بالسلامة، وطلعنا بعد ثلاثة أيا إلى حصن أبو قبيس لعيادته، فإن أخته كانت عند عمي عز الدين وله منها أولاد. فحدثنا حديثه وكيف كان أمره. ُم قال متن كتفي يحكني وما أصل إليه. ودعا غلاماً له ليبصر ذلك الموضع أي شيء قرصه فيه. فنظر فإذا هو جرح وفيه رأس دشن قد انكسر بظهره، وما معه به علم ولا أحس به، فلما قاح أحكه. وكان من قوة هذا الرجل انه كان يمسك رسغ رجل البغل ويضرب البغل فلا يقدر يخلص رجله من يده، ويأخذ مسمار البيطاري بين أصابعه وينفذ في دق خشب البلوط، وكان أكله مثل قوته بل أعظم.


بطولة النساء


قد ذكرت شيئاً من أفعل الرجال وسأذكر شيئاً من أفعال النساء بعد بساط اقدامه.

بالدون يعقب روجر في إنطاكية


وذلك أن إنطاكية كانت لشيطان من الإفرنج يقال له روجار، فمضى يحج إلى بيت المقدس، وصاحب البيت المقدس بغدوين البرونس وهو رجل شيخ، وروجار شاب فقال لبغدوينإجعل بيني وبينك شرطاً إن مت قبلك كانت إنطاكية لك وإن مت قبلي كان بيت المقدس لي. فتاعقدا وتواثقا على ذلك. وقدر الله تعالى أن نجم الدين إيلغازي بن أرتق رحمه الله، لقي روجار بدانيث يوم الخميس الخامس من جمادى الأولى سنة ثلاثة عشر وخمسمائة فقتله وقتل جميع عسكره، ولم يدخل إنطاكية منهم دون العشرين رجلاً وسار بغدوين إلى إنطاكية فتسلمها. وضرب مع نجم الدين مصافاً بعد أربعين يوماً. وكان إلغازي إذا شرب النبيذ يخمر عشرين يوماً، فشرب بعد كسر الفرنج وقتلهم دخل في الخمار فما أفاق حتى وصل الملك بغدوين البرنس إلى إنطاكية بعسكره.

طغدكين يقطع رأس روبرت


فكان المصاف الثاني بينهما على السواءكسر بعض الفرنج بعض المسلمين وكسر بعض المسلمين بعض الفرنج، وقتل من هؤلاء وهؤلاء جماعة. واسر المسلمين روبرت صاحب صهيون وبلاطنس وتلك الناحية، وكان صديقاً لأتابك طغدكين صاحب دمشق ذلك الوقت، وكان مع نجم الدين إيلغازي لما أجتمع بالإفرنج في افاميا عندما وصل عساكر الشرق مع برسق بن برسق فقال هذا روبرت الأبرص لأتابك طغدكينما أدري بأي شيء أضيفك، ولكن قد أبحتك بلادي، أنفذ خيلك تغير عليها وتأخذ كلما وجدوه، بلى لا يسبوا ولا يقتلوا، الدواب والمال والغة لهم يأخذون ذلك مباحاً لهم. فلما أسر روبرت وأتابك طغدكين حاضر المصاف في معونة إيلغازي، قطع روبرت على نفسه عشرة آلاف دينار، فقال إيلغازيأمضوا به إلى أتابك لعله يفزعه فيزيدنا بالقطيعة. فمضوا به وأتابك في خيمته يشرب. فلما رآه مقابلاً قام شمر أذبال قبائه في البند وأخذ سيفه وخرج إليه وضرب رقبته، فنفذ إليه إيلغازي يعتب عليه وقالنحن محتاجون لدينار واحد للتركمان، وهذا كان قد قطع على نفسه عشرة آلاف دينار نفذته إليك تفزعه لعله يزيدنا في القطيعة قتلته! قالأنا ما أحسن افزع إلا كذا.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 09:07 PM
بالدون يسامح عم أسامة بقطيعة

ثم ملك بغدوين البرونس إنطاكية، وكان لأبي وعمي رحمهما الله، جميل كبير حيث كان أسره نور الدولة بلك رحمه الله، وصار بعد قتل بلك إلى حسام الدين تمرتاش بن إيلغازي فحمله إلينا إلى شيزر ليتوسط أبي وعمي رحمهما الله بيعه فاحسنا إليه. فلما ملك كانت لصاحب إنطاكية علينا قطيعة سامحنا بها صار أمرنا في إنطاكية نافذاً

ويتنازل عن إنطاكية لأبن ميمون

فهو فيما فيه وعنده رسول من أصحابنا إذ وصل مركب إلى السويدية فيه صبي عليه أخلاق، فحضر عنده وعرفه ابن ميمون فسلم إنطاكية إليه وخرج إليها وضرب خيمة في ظهرها، فحلف لنا رسولنا الذي كان عنده انه يعني الملك بغدوين أشترى عليق خيله تلك الليلة من السوق، واهراء إنطاكية ملآى من الغلة، ورجع بغدوين إلى القدس.

ابن ميمون يهاجم شيزر

وخرج من ذلك الشيطان ابن ميمون بلية عظيمة فنزل علينا يوماً من الأيام بعسكره فضرب خيامه، ونحن قد ركبنا مقابلهم، فما خرج منهم أحد ونزلوا في خيامهم، ونحن ركاب على شرف نبصرهم، وبيننا وبينهم العاصي فنزل من بيننا إبن عمي ليث الدولة يحيى بن مالك بن حميد رحمه الله يسير إلى العاصي ظنناه يسقي فرسه، فخاض الماء وعبر وسار نحو موكب الإفرنج واقف بالقرب من خيامهم. فلما دنى منهم نزل إليه فارس واحد، فحمل كل واحد منهما على صاحبه، وراغ كل واحد منهما عن طعنه الأخر فتسرعت أنا وأمثالي من الشباب في ذلك الوقت إليهم، ونزل ذلك الموكب وركب ابن ميمون وعسكره وجائوا كالسيل وصاحبنا قد طعنت فرسه، فالتقت أوائل خيلنا وأوائل خيلهم، وفي أجنادنا رجل كردي يقال له ميكائيل وقد جاء في أوائل خيلهم منهزماً وخلفه فارس إفرنجي قد لزه. وللكردي بين يديه ضجيج وصياح عال فلقيته، فمال عن ذلك الكردي وزل عن طريقي وقصد خيل لنا في جماعة على الماء واقفين مما يلينا، وأنا خلفه أجهد أن يلحقه حصاني فأطعنه فلا يلحقه، ولا الإفرنجي يلتفت إلي إلا يريد تلك الخيل المجتمعة إلى أن وصل إلى خيلنا وأنا تابعه، فطعن أصحابي حصانه طعنة أوثقته وأصحابه في أثره في جمع ما لنا بهم قوة. فرجع الفارس وحصانه في أخر رمقه فردهم جميعهم وعاد وهم معه. وكان الفارس ابن ميمون صاحب إنطاكية وهو صبي قد امتلأ قلبه من الرعب، ولو ترك أصحابه هزمونا إلى أن يدخلونا المدينة.

قصة بريكة

كل ذلك وأمة عجوز يقال لها بريكة مملوكة لرجل كردي من أصحابنا يقال له علي بن محبوب واقفه بين الخيل على شط النهر وفي يدها شربة تسقي بها وتسقي الناس، وأكثر أصحابنا الذين كانوا على الشرف لما رأوا الإفرنج مقبلين في ذلك الجمع إندفعوا نحو المدينة وتلك الشيطانه واقفة لا يروعها ذلك الأمر العظيم. وأنا ذاكر شيئاً من أمر هذه بريكة، وإن لم يكن موضعه، لكن الحديث شجون. كان مولاها علي يثدين ولا يشرب الخمر. فقال لوالدي يوماًوالله يا أمير لا أستحل ما آكل من الديوان وما آكل من كسب بريكة، وهو الجاهل يظن ان ذلك السحت الحرام أحل من الديوان الذي هو مستأجر به. وكانت هذه الأمه لها ولد أسمه نصر رجل كبير وكيلاً في ضيعة للوالد رحمه الله وهو رجل يقال له بقية بن الأصيفر. حدثني قالدخلت في الليل البلد أريد الدخول إلى داري في شغل لي. فلما دنوت من البلد بين المقابر في ضوء القمر شخصاً ما هو آدمي ولا هو وحش فوقفت عليه وتهيبته. ثم قلت في نفسيما أنا بقية! ما هذا الخوف من واحد؟ فوضعت سيفي ودروقتي والحربة التي معي ومشيت قليلاً قليلاً وأنا أسمع لذلك الشخص زجلاً وصوتاً فلما قربت منه وثبت عليه وفي يدي دشني فقبضته، وإذا بها بريكة مكشوفة الرأسي وقد نفشت شعرها وهي راكبة قصبة تصهل بين المقابر وتجول. قلتويحكي أي شيء تعملين في هذا الوقت ها هنا؟ قالتأسحر قلتقبحك الله وقبح سحرك وصنعتك من بين الصنائع!

امرأة تقاتل في شيزر

اذكرني قوة نفس هذه الكلبة بأمور جرت للنساء في الواقعة التي كانت بيننا وبين الأسماعليية، وإن لم تكن سواء. لقي في ذلك اليوم مقدم القوم علوان ابن حرار ابن عمي سنان الدولة شبيب ابن حامد بن حميد رحمه الله في الحصن وهو تربى فيه. ولدت أنا وهو في يوم واحد السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثمانية وثمانين وأربع مائة إلا انه ما باشر الحرب ذلك اليوم وأنا كنت قطبها. فأراد علوان اصطناعها. فقال لهارجع إلى بيتك احمل منه ما تقدر عليه ورح لا تقتل، فالحصن قد ملكناه. فرجع إلى الدار وقالمن كان له شيئاً يعطيني إياه يقول ذلك لعمته ونساء عمه، فكل منهم أعطاه شيئاً، فهو في ذلك إذاً إنسان وقد دخل الدار عليه زردية وخوذة ومعه سيف وترس. فلما رآه ايقن بالموت، فوضع الخوذة وإذا هي ابن عمه ليث الدولة يحيى رحمه الله. فقالتأي شيئاً تريد تعمل؟ قالآخذ ما قدرت عليه، وانزل من الحصن بحبل وأعيش بالدنيا. قالتبئس ما تفعل، تخلي بنات عمك وأهلك للحلاجين وتروح؟ أي عيش يكون عيشك إذا افتضحت في أهلك انهزمت عنهم؟ أخرج قاتل عن أهلك حتى تقتل بينهم، فعل الله بك وفعل. ونعته رحمها الله من الهرب، وكان من الفرسان المعدودين بعد ذلك.

والدة أسامة في القتال

وفي ذلك اليوم فرقت والدتي رحمها الله سيوفي وكزاغنداتي، وجاءت إلى أخت لي كبيرة في السن وقالتألبسي خلفك وإزارك. فلبست وأخذتها إلى روشن في داري يشرف على الوادي من الشرق أجلستها عليه وجلست إلى باب الروشن، ونصرنا الله سبحانه عليهم. وجأت إلى داري أطلب شيئاً من سلاحي ما وجدت إلى جهازات السيوف وعيب الكزاغندات. قلتيا أمي أين سلاحي؟ قالتيا بني أعطيت السلاح لمن يقاتل عن، وما ظننتك سالماً قلتوأختي أي شيء تعمل هاهنا؟ قالتيا بني أجلستها على الروشن وجلست براً منها. إذا رأيت الباطنية وصلوا إلينا دفعتها رميتها إلى الوادي فأراها قد ماتت ولا أراها مع الفلاحين والحلاجين مأسورة. فشكرتها على ذلك وشكرتها الأخت وجزتها خيراً، فهذه النخوة أشد من نخوات الرجال.

عجوز تضرب بالسيف


وتلثمت في ذلك اليوم عجوز من جواري جدي الأمير أبي الحسن علي رحمه الله يقال لها فنون فأخذت سيفاً وخرجت إلى القتال وما زالت كذلك حتى صعدنا وتكاثرنا عليهم.
وما ينكر للنساء الكرام الأنفة والنخوة والإصابة في الرأي.


جدة أسامة تنصحه


ولقد خرجت يوماً من الأيام مع الوالد رحمه الله إلى الصيد، وكان مشغوفاً بالصيد عنده من البزاة والشواهين والصقور والفهود والكلاب الزغارية ما لا يكاد يجتمع عند غيره، ويركب في أربعين فارساً من أولاده ومماليكه كل منهم خبير بالصيد عارف بالقنص، وله بشيزر مصيدانيوماً يركب إلى غربي البلد إلى أزوار وأنهار فيتصيد الدراج والطير الماء والأرنب والغزلان ويقتل الخنازير، ويماً يركب إلى الجبل قبلي البلد يتصيد الحجل والأرانب. فنحن في الجبل يوماً وقد حانت صلاة العصر فنزل ونزلنا نصلي فرادى، وإذا غلام قد جاء يركض قالهذا الأسد! فسلمت قبل الوالد رحمه الله لكيلا يمنعني من قتال الأسد وركبت ومعي رمحي فحملت عليه فأستقبلني وهدر، فحاص بي الحصان ووقع الرمح من يدي لثقله وطردني شوطاً جيداً، ثم رجع إلى سفح الجبل ووقف عليه وهو من أعظم السباع كأنه قنطرة جائع وكلما دنون منه نزل من الجبل، طرد الخيل وعاد إلى مكانه، وما ينزل نزلة إلا يؤثر في أصحابنا.
ولقد رأيته راكباً مع رجل من غلامان عمي يقال له بستكين غرزة على وركي حصانه وخرق بمخالبه ثيابه ورانته وعاد إلى الجبل، فما كان لي فيه حيلة إلا أن صعدت فوقه في سفح الجبل. ثم حدرت حصاني عليه فطعنته فنفذت الرمح فيه وتركته في جانبه، فتقلب إلى أسفل الجبل والرمح فيه، فمات الأسد وانكسر الرمح، والوالد رحمه الله واقف يرانا معه أولاد أخيه عز الدين يبصرون ما يجري وهم صبيان. وحملنا الأسد ودخلنا البلد العشاء، وإذا جدتي لأبي رحمها الله جاءتني في الليل وفي يدها شمعة - وهي عجوز كبيرة قاربت من العمر مائة سنة. فما شككت أنها قد جاءت تهنئني بالسلامة وتعرفني مسرتها بما فعلت. فلقيتها وقبلت يدها فقالتلي بغيظ وغضبيا بني أيش يحملك على هذه المصائب التي تخاطر فيها بنفسك وحصانك وتكسر سلاحك ويزداد قلب عمك منك وحشة ونفوراً.؟ قلتيا ستي أنما أخاطر بنفسي في هذا ومثله لأتقرب إلى قلب عمي. قالتلا والله ما يقربك هذا منه وانه يزيدك منه بعداً ويزيده منك وحشاً ونفوراً. فعلمت أنها نصحتني في قولها وصدقتني، ولعمري إنهن أمهات رجال.
ولقد كانت هذه العجوز رحمها الله من صالحي المسلمين من الدين والدقة والصوم والصلاة على أجمل طريقة، ولقد حضرتها ليلة النصف من شعبان وهي تصلي عند والدي، وكان رحمه الله من أحسن من يتلو كتاب الله تعالى، ووالدته تصلي بصلاته، فأشفق عليها فقاليا أمي لو جلست صليت من قعودة. قالتيا بني بقي لي من العمر ما أعيش إلى ليلة مثل هذه الليلة؟ لا ولله ما أجلس، وكان الوالد قد بلغ السبعين سنة وهي قد شارفت المائة سنة رحمها الله.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 09:10 PM
مسلمة تقتل زوجها

وشاهدت من نخوات النساء عجباً. وهو أن رجلاً من أصحاب خلف بن ملاعب يقال له علي عبد بن أبي الريداء كان قدر رزقه الله تعالى من النظر ما رزق زرقاء اليمامة، فكان ينهض مع ابن ملاعب يبصر القوافل على المسيرة يوم كامل. ولقد حدثني رجل من رفاقه يقال له سالم العجازي انتقل إلى خدمة والدي بعد ما قتل خلف بن ملاعب قالنهضنا يوماً وأرسلنا علياً عبد ابن أبى الريداء بكرة يديب لنا، فجاءنا وقالابشروا بالغنيمة! هذه قافلة كثيرة مقبلة. فنظرنا ما رأينا شيئاً، فقلناما نرى قافلة ولا غيرها. قالوالله، إني لأرى قافلة وقدامها فرسان معينان ينفضان معارفهما. فأقمن في الكمين إلى العصر فوصلتنا القافلة والفرسان المعينان قدامها فخرجنا أخذنا القافلة. وحدثني سالم العجازي فقالنهضنا يوماً وصعد علي عبد ابن أبي الريداء يديب لنا، فنام وما درى إلا وقد أخذه تركي من سربة أتراك ناهضة وقالواأي شيء أنت؟ قال أنا رجل صعلوك قد أركيت جملي لرجل من التجار في القافلة، أعطني يدك أنك تعطيني جملي حتى أدلك على القافلة. فأعطاه مقدمة يده، فمشى بين أيديهم إلى أن أوصلهم إلينا إلى الكمين، فخرجنا عليهم أخذناهم، وتعلق هو في الذي كان بين يديه أخذ فرسه وعدته، وغنمنا منهم غنيماً حسنة. فلما قتل ابن ملاعب انتقل علي ابن أبي الريداء إلى خدمت توفيل الإفرنجي صاحب كفرطاب، فكان ينهض بالإفرنج إلى المسلمين يغنمهم ويبالغ في أذى المسلمين وأخذ مالهم وسفك دمهم حتى قطع سبل المسافرين، وله امرأة معه في كفر طاب تحت يدي الإفرنج تنكر عليه فعله وتنهاه فلا ينتهي. فنفذت أحضرت نسيب لها من بعض الضياع وأظنه أخاها، وأخفته في البيت إلى الليل. واجتمعت هي وهو على زوجها علي ابن أبى الريداء قتلاه واحتملاه يجمع مالها. وأصبحت عنا في شيزر وقالتغضبت للمسلمين مما كان يفعل بهم هذا الكافر. فأرحت الناس من هذا الشيطان، ورعينا لها ما فعلت وكانت عندنا في الكرامة والاحترام.

إفرنجية تجرح مسلماً

وكان في أمراء مصر رجل يقال له ندى الصليحي في وجهه ضربتان الواحة من حاجبه الأيمن إلى حد شعر رأسه والأخرى من حاجبه الأيسر إلى حد شعر رأسه. فسألته عنهما فقالكنت انهض وأنا شاب من عسقلان وأنا راجل، فنهضت يوماً في طريق بيت المقدس أريد حجاج الإفرنج، فصادفنا قوماً منهم فلقيت رجلاً معه قنطارية وخلفه امرأته معها كوز خشب فيه ماء. فطعنني الرجل هذه الطعنة الواحدة وضربته قتلته، فمشت إلي امرأته وضربتني بالكوز الخشب في وجهي، جرحتني هذا الجرح الأخر فوسما وجهي.

شيزرية تأسر ثلاثة إفرنج


ومن إقدام النساء ان جماعة من الإفرنج الحجاج حجوا وعادوا إلى رفنية، وكانت ذلك الوقت لهم، وخرجوا منها يريدون أفامية، فتاهوا في الليل وجائوا شيزر وهي إذ ذك بغير سور، ودخلوا المدينة وهم في نحو سبع مائة ثمان مائة من رجال ونساء وصبيان. وكان عسكر شيزر قد خرجوا مع عمي عز الدين أبي العساكر سلطان وفخر الدين أبى كامل شافع رحمهما الله ليلقيا عروسين قد تزوجاهما من بني الصوفي الحلبيين أختين. ووالدي رحمه الله في الحصن. فخرج رجل من المدينة في شغل له في الليل فرأى إفرنجياً، وعاد أخذ سيفه وخرج قتله، ووقع الصياح في البلد، وخرج الناس فقتلوهم وغنموا ما كان معهم من النساء والصبيان والفضة والبهائم. وفي شيزر امرأة من نساء أصحابنا يقال لها نصرة بنت بوز رماط خرجت مع الناس أخذت إفرنجي أدخلته بيتها، وخرجت أخذت آخر أدخلته بيتها، وعادت خرجت أخذت أخر. فاجتمع عندها ثلاثة من الإفرنج، فأخذت ما كان معهم وما صلح لها من سلبهم وخرجت، دعت قوماً من جيرانها قتلوهم. ووصل عمي والعسكر في الليل، وقد كان انهزم من الإفرنج ناس وتبعهم رجال من شيزر فقتلوهم في ظاهر البلد. فصارت الخيل تعثر في الليل في القتلى، ولا يدرون بماذا تعثر، حتى ترجل بعضهم وابصر القتلى في الظلام، فهالهم واعتقدوا ان البلد قد كبس.

إفرنجية تؤثر أن تكون زوجة اسكاف

كانت غنيمة ساقها الله عز وجل إلى الناس، فصار إلى دار والدي رحمه الله عدة من جواري سيبهم لعنهم الله، جنس ملعون لا يألفون لغير جنسهم فرأى منهم جارية مليحة شابة فقال لقهرمانة دارهادخلي هذه الحمام وأصلحي كسوتها واعملي شغلها للسفر. ففعلت وسلمها إلى بعض خدامه وسيرها إلى الأمير شهاب الدين مالك بن سالم بن مالك صاحب قلعة جعبر وكان صديقه، وكتب إليه يقولغنمنا من الإفرنجي غنيمة قد نفذت لك سهماً منها. فوافقته وأعجبته فتخذها لنفسه، فولدت له ولداً سماه بدران الولد والرعية وأمه الآمرة الناهية. فواعدت قوماً وتدلت من القلعة بحبل ومضى بها أولئك إلى سروج، وهي إذ ذاك للإفرنج فتزوجت بإفرنجي اسكاف وابنها صاحب قلة جعبر.

إفرنجي يتنصر بعد إسلامه

وكان في أولئك الذين صاروا إلى دار والدي امرأة عجوز ومعها بنت لها امرأة شابة حسنة الخلقة وابن مشتد، فأسلم الابن وحسن إسلامه فيما يرى من صلاته وصومه، وتعلم الترخيم من مرخم كان يرخم دار والدي. فلما طال مقامه زوجه الوالد امرأة من قوماً صالحين وقام له بكل ما احتاجه لعرسه وبيته فرزق منها ولدين وكبا وصار لكل واحد منهما خمس ست سنين، والغلام راؤول أبوهما مسرور بهما، فأخذهما وأمهما، وما في بيته واصبح في افامية عند الإفرنج وتنصر هو وأولاده بعد الإسلام والصلاة والدين. فالله تعالى يطهر الدنيا منهم.

SHARIEF FATTOUH
05-11-2010, 09:35 PM
طبائع الإفرنج وأخلاقهم


سبحان الخالق البارئ إذا خبر الأنسان أمور الإفرنج سبح الله تعالى وقدسه ورأى بهائم فيهم فضيلة الشجاعة والقتال ولا غير، كما في البهائم فضيلة القوة والحمل. وسأذكر شيئاً من أمورهم وعجائب عقولهم. كان في العسكر الملك فلك بن فلك فارس محتشم إفرنجي قد وصل من بلادهم يحج ويعود، فأنس بي وصار ملازمني ويدعوني أخي وبيننا المودة والمعاشرة فلما عزم على التوجه في البحر إلى بلاده قال لييا أخي أني سائر إلى بلادي، وأريدك تنفذ معي أبنك وكان ابني معي وهو ابن أربعة عشر سنه إلى بلادي يبصر الفرسان ويتعلم العقل والفروسية. وإذا رجع كان مثل الرجل عاقل. فطرق سمعي كلام ما يخرج من رأس عاقل. فإن أسر ما بلغ به الأسر اكثر من رواحه إلى بلاد الإفرنج. فقلتوحياتك هذا الذي كان في نفسي. لكن منعني من ذلك ان جدته تحبه وما تركته يخرج معي حتى استحلفتني أن أرده إليها قال أمك تعيش؟ قلتنعم. قال لا تخالفها.
ومن عجيب طبهم ان صاحب المنيطرة كتب إلى عمي يطلب منه إنقاذ طبيب يداوي مرضى من أصحابه، فأرسل إليه طبيباً نصرانياً يقال له ثابت، فما غاب عشرة أيام حتى عاد فقلنا لهما أسرع ما داويت المرضى! قال أحضروا عندي فارساً قد طلعت في رجله دملة وامرأة قد لحقها نشاف، فعملت للفارس لبخة ففتحت الدملة فصلحت، فحميت المرأة ورطبت مزاجها فجاءهم طبيب إفرنجي فقال لهمهذا ما يعرف شيئاً يداويهم. وقال للفارس ايما لك ان تعيش برجل واحدة أو تموت برجلين. قال أعيش برجل واحدة. قال أحضروا لي فارساً قوياً وفأساً قاطعاً. حضر الفارس والفأس وأنا حاضر، فحط ساقه على قرمة خشب وقال للفارس أضرب رجله بالفأس ضرباً واحداً واقطعها. فضربه وأنا أراه ضربة واحداً ما انقطعت، فضربه ضربة ثانية فسال مخ الساق، ومات من ساعته. وأبصر المرأة فقال هذه المرأة في رأسها شيطان قد عشقها، احلقوا شعرها، فحلقوه وعادت تأكل من مأكلهم الثوم والخردل فزاد بها النشاف، فقال الشيطان قد دخل في رأسها. فأخذ الموس وشق الرأس صليب وسلخ وسطه حتى ظهر عظم الرأس وحكه بالملح، فماتت من وقتها. فقلت لهمبقي لكم إلي حاجة؟ قالوا لا. فجئت وتعلمت من طبهم ما لم أكن أعرفه. وقد شاهدت من طبهم خلاف ذلك. كان للملك خازن من فرسانهم يقال له برناد لعنه الله، من ألعن الإفرنج وارجسهم فرحمه حصانه من ساقه فعملت عليه رجله وفتحت في أربعة عشر موضعاً والجراح كلما ختمت موضع فتح موضع وأنا أدعو بهلاكه. فجاء طبيب إفرنجي فأزال عنه تلك المراهم وجعل يغسلها بالخل الحاذق فختمت تلك الجراح وبرأ وقام مثل الشيطان. ومن عجيب طبهم انه كان عندنا بشيزر صانع يقال له أبو الفتوح له ولد قد طلع في رقبة خنازير، وكلما ختم موضع فتح موضع، فدخل إنطاكية في شغل له ومعه ابنه، فرآه راجل إفرنجي فسأله عنه فقال هو ولدي. قال تحلف لي بدينك إن وصفت لك دواء يبرئه لا تأخذ من أحد تداويه به أجرة حتى أصف لك دواء يبرئه؟ فحلف. فقال تأخذ له أشنان غير مطحون تحرقه وتربيه بالزيت والخل الحاذق وتداويه به حتى يأكل الموضع، ثم خذ الرصاص المحرق وربه بالسمن، ثم داوه به فهو يبرئه. فداواه بذلك فبرأ، وختمت تلك الجراح، وعاد ما كان عليه من الصحة. وقد داويت بهذا الدواء من طلع فيه هذا الداء فنفعه وأزال ما كان يشكوه. فكل من هو قريب العهد بالبلاد الإفرنج اجفى أخلاقاً من الذين قد تبلدوا وعاشروا المسلمين.
فمن جفاء أخلاقهم قبحهم الله، أنني إذا زرت بيت المقدس دخلت إلى المسجد الأقصى، وفي جانبه مسجد صغير جعلوه الإفرنج كنيسة. فكنت إذا دخلت المسجد الأقصى وفيه الداوية وهم أصدقائي، يخلون لي ذلك المسجد الصغير اصلي فيه فدخلت يوماً كبرت ووقفت في الصلاة، فهجم علي واحداً من الإفرنج مسكني ورد وجهي إلى الشرق وقال كذا صلي فتبادر إليه قوم من الداوية أخذوه أخرجوه عني، وعدت أنا إلى الصلاة، فأغفلهم وعاد هجم علي ذلك بعينه ورد وجهي إلى الشرق وقال كذا صل! فعاد الداوية دخلوا إليه وأخرجوه واعتذروا إلي وقالواهذا غريب وصل من بلاد الإفرنج هذه الأيام، وما رأى من يصلي لغير الشرق. فقلت حسبي من الصلاة! فخرجت وكنت أعجب من ذلك الشيطان وتغير وجهه ورعدته وما لحقه من نظر الصلاة إلى القبلة. ورأيت واحداً منهم جاء إلى الأمير معين الدين رحمه الله وهو في الصخرة فقال تريد تبصر الله صغيراً؟ قال نعم. فمشى بين أيدينا حتى أرانا صورت مريم والمسيح عليه الصلاة والسلام صغير في حجرها فقال هذا الله صغير - تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً.


ليس للإفرنج غيرة جنسية


وليس عندهم شيء من النخوة والغيرة، يكون الرجل منهم يمشي هو وامرأته يلقاه رجل أخر يأخذ المرأة ويعتزل بها ويتحدث معها، والزوج واقف ناحية ينتظر فراغها من الحديث، فإذا طولت عليه خلاها مع المتحدث ومضى. ومما شاهدت من ذلك أنى كنت إذا إلى نابلس أنزل في دار رجل يقال له معز داره عمارة المسلمين لها طاقات تفتح إلى الطريق، يقابلها من الجانب الطريق الأخر دار لرجل إفرنجي يبيع الخمر للتجار قد فتح بيته من هذا الخمر، من أراد منها شيئاً فهي من موضع كذا وكذا، واجرته عن ندائه النبيذ الذي في تلك القنينة فجاء يوماً ووجد رجل مع امرأته في الفراش فقال لهأي شيء أدخلك عند امرأتي؟ قال وجدت فراشاً مفروشاً نمت فيه قال والمرأة نائمة معك؟ قال الفراش لها كنت أقدر أن أمنعها من فراشها؟ قال وحق ديني إن عدت فعلتها تخاصمت أنا وأنت. فكان هذا نكيره ومبلغ غيرته.
ومن ذلك انه كان عندنا رجل حمامي يقال له سالم من أهل المعرة في حمام لوالدي رحمه الله قال فتحت حماماً في المعرة أتعيش فيا، فدخل إليها فارس منهم وهم ينكرون على من يشد في وسطه الئزر في الحمام، فمد يده وجذب مئزري من وسطي رماه، فرآني وأنا قريب عهد بحلق عانتي، فقال سالم فتقربت منه، فمد يده على عانتي وقال سالم جيد! وحق ديني أعمل لي كذا واستلقى على ظهره وله مثل لحيته في ذلك الموضع، فحلقته فمر يده عليه فستوطأه فقال سالم بحق دينك اعمل للدام والدام بلسانهم الست يعني امرأته. وقال لغلام لهقل للداما تجيء. فمضى الغلام أحضرها وأدخلها، فاستلقت على ظهرها وقال اعمل كما عملت لي، فحلقت ذلك الشعر وزوجها قاعد ينظرني فشكرني ووهبني حق خدمتي. فانظروا إلى هذا الاختلاف العظيمما فيهم الغيرة والنخوة وفيهم الشجاعته العظيمة، وما تكون الشجاعة إلا من النخوة والأنفة من سوء الأحدوثة. ومما يقارب هذا أنني دخلت الحمام بمدينة صور فجلست في خلوة فيها. فقال لي بعض غلماني في الحما معنا امرأة. فلما خرجت جلست على المسطاب وإذا التي كانت بالحمام قد خرجت وهي مقابلي قد لبست ثيابها وهي واقفه مع أبيها ولم أتحقق أنها امرأة. فقلتبالله أبصر هذه امرأة هي. وأنا أقصد أن يسأل عنها. فمضى وأنا أراه رفع ذيلها وطلع فيها فألتفت إلي أبوها وقال هذه ابنتي ماتت أمها وما لها من يغسل رأسها، فأدخلتها معي الحمام غسلت رأسها. قلتجيد عملت، هذا لك فيه ثواب.


عجائب طبهم أيضاً


ومن عجيب طبهم ما حدثنا به كليما دبور صاحب طبرية وأنا معه، فحدثنا في الطريق فقال كان عندنا في بلادنا فارس كبير القدر فمرض واشرف على الموت، فجئنا إلى قس من قسوسنا قلناتجيء معنا حتى تبصر الفارس فلاناً؟ قال نعم. فمشا معنا ونحن نتحقق انه إذا حط يده عليه عوفي فلما رآه قال أعطوني شمعاً. فاحضرنا له قليل شمع، فلينه وعمله مثل عقد الإصبع، وعمل كل واحدة في جانب أنفه، فمات الفارس فقلنا لهقد مات قال نعم كان يتعذب سددت أنفه حتى يموت ويستريح.
دع ذا وعد القول في هرم.


سباق ومحاكمات

نرجع من حديث مجاريه حضرت في طبرية في عيد من أعيادهم، وقد خرج الفرسان يلعبون بالرماح، وقد خرج معهم عجوزان فانيتان أوقفوهما في رأس الميدان، وتركوا في رأسه الأخر خنزيراً سمطوه وطرحوه على صخرة، وسابقوا بين العجوزين ومع كل واحد منهم سرية من الخيالة يشدون منها، والعجائز يقمن ويقعن على كل خطوة وهم يضحكون حتى سبقت واحده منهن لأخذت ذلك الخنزير في سبقها. وشاهدت يوماً في نابلس وقد حضروا أثنين للمبارزة، وكان سبب ذلك أن كان حرامية من المسلمين كبسوا ضيعة من ضياع نابلس فأتهموا بها رجلا من الفلاحين وقال واهو دل الحرامية على الضيعة فهرب. فنفذ الملك فقبض أولاده فعاد إليه وقال انصفني أنا أبارز الذي قال عني أنى دللت الحرامية على القرية. فقال الملك لصاحب القرية المقطعاحضر من يبارزه فمضى إلى قريته وفيها رجل حداد فأخذه وقال لهتبارز إشفاقا من المقطع على الفلاحيه لا يقتل فيهم واحد لا يقتل منهم واحد فتخرب فلاحته. فشاهدت هذا الحداد وهو شاب قوي إلى انه قد انقطع، يمشي ويجلس ويطلب ما يشربه، وذلك الأخر الذي يطلب البراز شيخ إلا انه قوي النفس يزجر وهو غير محتفل بالمبارزة، فجاء البسكند وهو شحنة البلد، لأعطي كل واحد منها العصا والترس، وجعل الناس حولهم حلقة. والتقيا وكان الشيخ يلز ذلك الحداد وهو يتأخر حتى يلجثه إلى حلقة، ثم يعود إلى الوسط. وقد تضارا حتى بقيا كعامود الدم. فطال الأمر بينهما والبسكند يستعجلهما وهو يقول بالعجلة، ونفع الحاد إدمانه بضرب المطرقة. وأعي ذلك الرجل فضربه الحداد فوقع ووقعت عصاه تحت ظهره، فبرك عليه الحداد يداخل إصبعه في عينه ولا يتمكن من كثرة الدم من عينه، ثم قام عنه وضرب رأسه بالعصا حتى قتله. وطرحوا في رقبته حبلاً وجروه شنقوه. وجاء صاحب الحداد أعطاه غفارته وأركبه خلفه وأخذه وانصرف. وهذا من جملة فقههم وحكمهم لعنهم الله. ومضيت مرة مع الأمير معين الدين رحمه الله إلى القدس، فنزلنا نابلس. فخرج إلى عنده رجل أعمى وهو شاب عليه ملبوس جيد مسلم، وحمل له فاكهة وسأله في أن يأذن له في الوصول إلى خدمته إلى دمشق ففعل، وسألت عنه فخبرت ان أمه كانت مزوجه لرجل إفرنجي فقتلته، وكان ابنه يحتال على حجاجهم ويتعاون هو وأمه على قتلهم، فاتهموه بذلك وعملوا له حكم الإفرنججلسوا بتية عظيمة وملئوها ماء عرضوا عليها دف خشب وكتفوا ذلك التهم وربطوا في أكتافه حبلاً ورموه في البتية - فإن كان برياً غاص في الماء، فحرص ذلك لما رموه في الماء ان يغوص فلما قدر. فوجب عليه حكمهم لعنهم الله فكحلوه. ثم ان رجل وصل إلى دمشق فاجرى له الأمير معين الدين رحمه الله ما يحتاجه. وقال لبعض غلمانهتمضي به إلى البرهان الدين البلخي رحمه الله تقول لهتأمر من يقرئ القرآن وشيئاً من الفقه. فقال له ذلك الأعمىالنصر والغلب! ما كان هذا ظني! قال ما ظننت بي! قال تعطيني الحصان والبغلة والسلاح وتجعلني فارساً قال ما اعتقدت ان أعمى يصير من الفرسان.

ولحم الخنزير

ومن الإفرنج قوم قد تبلدوا وعاشروا المسلمين فهم أصلح من القريب العهد ببلادهم، ولكنهم شاذ لا يقاس عليه. فمن ذلك أنني نفذت صاحباً إلى إنطاكية في شغل، وكان بها الرئيس نادرس بن الصفي وبيني وبينه صداقة، وهو نافذ الحكم في إنطاكية. فقال أصحابي يوماًقد دعاني صديق لي من الإفرنج، تجيء معي تراى زيهم قال فمضيت معه فجئنا إلى دار فارس من الفرسان العتق الذين خرجوا في أول خروج الإفرنج، وقد اعتقى من الديوان والخدمة، وله بإنطاكية ملك يعيش منه، فأحضر مائدة حسنة وطعاماً في غاية النظافة والجودة، ورآني متوقفاً عن الأكل فقال كل طيب النفس، فأنا ما أكل من طعام الأفرنج ولي طباخات مصريات لا أكل إلى من طبخهن، ولا أدخل داري لحم خنزير. فأكلت وأنا محترز وانصرفنا. فأنا بعد مجتازاً في السوق وامرأة إفرنجية تعلقت بي وهي تبربر بلسانهم وما أدري ما تقول. فاجتمع علي خلق من الأفرنج فأيقنت من الهلاك. وإذا ذلك الفارس قد أقبل فرآني، فجاء فقال لتلك المرأة مالك ولهاذ المسلم؟ قالت هذا قتل أخي عرس، وكان هذا عرس فارساً بأفامية قتله بعض جند حماة. فصاح عليهم وقال هذا رجل برجاسي أي تاجر لا يقاتل ولا يحضر قتال وصاح على أولئك المجتمعين، فتفرقوا وأخذ يدي ومضى، فكان تأثير تلك المواكلة خلاصي من القتل.

SHARIEF FATTOUH
05-12-2010, 10:45 AM
اختبارات وملاحظات

الخوف من الفأرة والحية


ومن عجائب القلوب أن الأنسان يخوض المغامرات ويركب الأخطار ولا يرتاع قلبه من ذلك، ويخاف ممن لا يخاف منه الصبيان والنسوان. ولقد رأيت عمي عز الدولة أبا العساكر سلطان رحمه الله وهو من أشجع أهله له مواقع المشهورة والطعنات المذكورة، وهو إذا رأى الفأرة تغيرت صورة وجهه ولحقه كالزمع من نظرها وقام من الموضع الذي يراها فيه. وكان في غلمانه رجلاً شجاع معروف بالشجاعة والأقدام اسمه صندوق يفزع من الحية حتى يخرج عقله. فقال له والدي رحمه الله وهو واقف بين يدي عمي يا صندوق أنت رجل جيد معروف بالشجاعة ما تستحي تفزع من الحية؟ قال يا مولاي أي شيء في هذا من العجب؟ في حمص رجل شجاع بطل من الأبطال يفزع من الفأر ويموت - يعني مولاه. فقال عمي رحمه اللهقبحك الله يا كذا وكذا. ورأيت مملوكاً لولدي يرحمه الله يقال له لؤلؤ، وكان رجلاً جيداً ومقداما. وقد خرجت ليلة من شيزر ومعي بغال كثيرة وبهائم أريد احمل عليها من الجبل خشباً قد قطعته هناك لناعورة لي، فسرنا من ظاهر شيزر ونحن نظن أن الصبح قد دنا، فوصلنا إلى قرية يقال لها دبيس، وما تنصف الليل. فقلت أنزلوا ما ندخل الجبل في الليل. فلما نزلنا واستقرنا سمعنا صهيل حصان فقلناالإفرنج! فركبنا في الظلام وأنا أحدث نفسي ان أطعن رجل واد منهم وآخذ حصانهم ويأخذون دوابنا والرجل الذي مع الدواب، فقلت للؤلؤ وثلاثة من الغلمانتقدمونا اكشفوا هذا الصهيل. فتقدمونا يركضون فلقوا أولئك وهم في جمع وسواد كثير، فسبق إليهم لؤلؤ وقال تكلموا وإلى قتلتكم كلكم وهو رام جيد، فعرفوا صوته وقال وا حاجب لؤلؤ؟ قال نعم. وإذ هم عسكر حماة مع الأمير سيف الدين سوار رحمه الله قد أغار على بلاد الإفرنج وعاد وكان هذه أقدامه على ذلك الجمع، وإذا رأى في بيته حية خرج منهزماً وقال لامرأتهدونك والحية! فتقوم إليها تقتلها.

جرح وضبعة

والمحارب ولو انه الأسد اتلفه واعجز اليسير من العوائق كما أصابني على حمص. خرجت وقتل حصاني وضربت خمسين سيفاً - كل ذلك لنفاذ المشيئة، ثم لتواني الركابي في تركيب عنان اللجام، فإنه عقده في الباشات ولم يشقه. فلما جذبته أريد الخروج من بينهم انحل العنان من عقدته في البشات، فنالني ما نالني. وقد كان صاح صائح يوماً بشيزر من قبله فلبسنا وفزعنا. فكان الصائح كذاباً. فرحل أبي وعمي رحمهما الله ووقفت بعدهما، فوقع الصائح من الشمال من جانب الإفرنج، فركضت حصاني إلى الصائح، فرأيت الناس في المخاض يركب بعضهم بعضاً وقال واالإفرنج! فعبرت المخاض وقلت للناسلا بأس عليكم أنا دونكم! ثم طلعت أركض إلى رابية القرافطة، وإذا الخيل مقبلة في جمع كثير، وقدم تقدم منهم فارس لابس ذردية وخوذة وقد دنا مني فقصدته استفرص بعضه من أصحابي واستقبلني، فحين حركت حصاني إليه انقطع ركابي وما بقي لي مندوحة عن لقائه فقمت إليه بلا ركاب، فلما تدنينا ولم يبقى إلا الطعن سلم علي وخدمني وإذا هو السلار زين الدين إسماعيل بن عمر بن بختيار، وكان نهض مع عسكر حماة إلى بلد كفرطاب، فخرج عليهم الإفرنج فعادوا إلى شيزر منهزمين، وتقدمهم الأمير سوار رحمه الله. فسبيل الرجل المحارب يتفقد عدة حصانه، فإن ايسر الأشياء وأقلها يؤذي ويهلك، كل ذلك مقرون بما يجري به الأقدار والأقضية. وقد شهدت قتال الأسد في مواقف لا يحصيها، وقتلت عدة منها لم يشركني أحد في قتلها، فما نالني من شيء منها أذى. وخرجت يوما مع والدي يرحمه الله إلى الصيد في جبل قريب من البلد نصيد منه الحجل بالبزاة، ولم يكن الوالد رحمه الله ونحن معه والبازيارية على الجبل وبعض الغلمان والبازيارية أسفل من الجبل للتخليص من الزاة والوقوف على النبج، فقامت لنا ضبعة فدخلت مغارة، وفي تلك المغارة محجر دخلت فيه فصحت بغلام لي ركابي اسمه يوسف خلع ثيابه وأخذ سيكنه ودخل في ذلك المحجر، وأنا في يدي قنطارية مستقبل الموضع إذا خرجت طعنتها، فصاح الغلام إليكم قد خرجت! فطعنتها أخطأتها لأن الضبعة رقيقة الحجم. وصاح الغلامعندي ضبعة أخرى! فخرجت في إثرها، فقمت وقفت في باب المغارة وهي ديقة الباب متعليه مقدار قامتين أنظر ما يعمل أصحابنا الذين في الوطا بالضباع التي نزلت إليهم، فخرجت ضبعة ثالثة، وأنا مشغول بالنظر إلى الأوائل، فندستني رمتني من باب المغارة إلى قراره التي تحته فكادت تكسرني فتأذيت بضبعه وما تأذيت بالسباع، فسبحان مقدر الأقدار ومسبب الأسباب.

الخادم والفصاد ونشر الساق وغيره

وشاهدت من ضعف نفوس بعض الرجال وخورهم ما لا كنت أظن بالنساء. فمن ذلك أنني كنت على باب دار والدي رحمه الله وأنا صبي وعمري دون العشر سنين، فلطم غلام لوالدي اسمه محمد العجمي صبياً من خدام الدار فانهزم منه وجاء تعلق بثوبي، فلحقه وهو ماسك بثوبي فلطمه، فضربته بقضيب كان في يدي فدفعني، فجذبت من وسطي سكيناً ضربته بها فوقعت في بزه الأيسر فوقع. وجاءنا غلام كبير لوالدي يقال له القائد أسد فوقف عليه ونظر الجرح وإذا تنفس طلع منه الدم مثل فواقع الماء، فاصفر وارتعد ووقع مغشياً عليه، فحمل إلى داره وكان يسكن معنا في الحصن على تلك الحال، فما أفاق من غشيته إلى آخر النهار، وقد مات المجروح وقبر. ومما يقارب ذلككان يزورنا رجل من أهل حلب فيه فضل وأدب يلعب بالشطرنج طبقة ويلعب بها غائباً يقال له أبو المرجى سالم بن قانت رحمه الله، فكان يقيم عندنا سنة ولأكثر ولأقل، فربما مرض فيصف له الطبيب الفصاد، فإذا حضر الفصاد تغير لونه وأرتعد، فإذا فصده غشي عليه فلا يزال في غشيه حتى يشد فصاده ثم يفيق. ومما يضاد ذلك انه كان في أصحابنا من بني كنانة رجل أسود يقال له عي ابن فرج طلعت في رجله حبة فتخبثت وتناثرت أصابعه وانتنت رجله فقال له الجراحيما لرجلك إلا القطع وإلا تلفت. فحصل عنده منشاراً وجعل ينشر ساقه حتى يغلبه فيض الدم ويغشى عليه، فإذا من أجلد الرجال وأقواهم، فكان يركب في سرجه بركاب واحد، وفي الجانب الأخر سير تكون فيه ركبته، ويحضر القتال ويطاعن الإفرنج وهو في تلك الحال، وكنت أراه رحمه الله لا يستطيع رجل يشابكه ولايقابضه، وكان خفيف الروح مع قوته وشجاعته. فأصبح يوماً من الأيام وهو وبنو كنانة يسكنون حصننا حصن الجسر، أرسل إلى رجال من وجوه بني كنانة فقال اليوم يوم مطير وعندي فضلة نبيذ ومأكول تتفضلون علي بالحضور لنشرب. فاجتمعوا عنده فجلس في باب البيت وقال هل فيكم من يخرج من الباب إن لم أشأ؟ يشير إلى قوته. قال والا والله. قال هذا يوم مطير، وما أصبح في داري دقيق ولا خبز ولا نبيذ، وما فيكم إلا من في داره ما يحتاجه ليومه، أنفذوا إلى دوركم أحضروا طعامكم ونبيذكم، والبيت من عندي، ونجتمع اليوم نشرب ونتحدث. قال وا كلهمنعم ما رأيت يا أبا الحسن! وأنفذوا واحضروا ما في دورهم من طعام وشراب وقضوا نهارهم عنده، وكان رجلاً محترماً، فتعالى من خلق الخلق أطواراً أين جلد هذا وقوة نفسه من خور أولئك وضعف نفوسهم؟ وقريب من هذا ان رجلاً من بني كنانة حدثني بحصن الجسر ان رجلاً في الحصن استسقى فشق بطنه وبرئ وعاد صحيحاً كما كان. فقلت أريد أبصره واستخبره. وكان الذي حدثني رجل من بني كنانة يقال له أحمد بن معبد بن أحمد فاحضر ذلك الرجل عندي فإستخبرته عن حاله وكيف فعل في نفسه فقال أنا رجل صعلوك وحيد استسقى جوفي وكبرت حتى عجزت عن التصرف وتبرمت بالحياة فأخذت موسي فضربت به فوق سرتي في عرض جوفي، شققته فخرج منه قدر طباختين ماء يعني قدرين. وما زال الماء ينزل منه حتى ضمر جوفي، فخيطته وداويت الجرح فبرأ، فزال ما كان بي. وأراني موضع الشق في جوفه أطول من شبر ولا شبهة ان هذا الرجل كان له في الأرض رزق يستوفيه. وإلا فقد رأيت من استسقى وفصد الطبيب جوفه فخرج منه الماء كما خرج من الذي بزل نفسه إلا أنه مات من ذلك الفصد، لكن الأجل حصن حصين.

فرسان الإفرنج يهاجمون شيزر ويفشلون


النصر في الحرب من الله تبارك وتعالى لا بترتيب وتدبير ولا بكثرة نفير ولا نصير، وقد كنت إذا بعثني عمي رحمه الله لقتال أتراك أو إفرنج أقوله لهيا مولاي أمرني بما أتدبر به إذا لقيت العدو. فيقوليا بني الحرب تدبر نفسها وصدق. وكان امرني ان آخذ امرأته وأولاده خاتون بنت تاج الدولة تتش والعسكر وامضي أوصلهم إلى حصن مصياث وهو إذ ذاك له، وكان يشفق عليهم من حر شيزر، فركبت وركب أبي وعمي رحمهما الله معنا إلى بعض الطريق، وعاد وليس معهما إلى المماليك الصغار لجر الجنائب وحمل السلاح والعسكر كله معي. فلما قربا من المدينة سمعا طبل الجسر يضرب. فقال اشيء قد جرى في الجسر فدفعا خيلهما تناقلا ونحباً إلى الجسر. وكان بيننا وبين الإفرنج لعنهم الله هدنة. فنفذوا من كشف لهم مخاضة يعبرون منها إلى مدينة الجسر وهي في الجزيرة لا يعبر إليها إلا من الجسر معقود بالحجر والكلس لا يصل الإفرنج إليه، فدلهم ذلك الجاسوس على مخاضه، فركبوا جميعهم من افامية فأصبحوا إلى ذلك الموضع الذي دلهم عليه، عبروا الماء وملكوا المدينة ونهبوا وسلبوا وقتلوا ونفذوا بعض السبي والنهب إلى افامية وملكوا الدور، وعلم كل واحد منهم صليبه على دار وركز عليه رايته. فلما اشرف ابي وعمي رحمهما الله على الحصن كبر أهل الحصن وصاحوا. فألقى الله سبحانه وتعالى على الإفرنج الرعب والخذلان فذهلوا على الموضع الذي عبروا منه ورموا خيلهم وهم بدروعهم عليها في غير مخاض، فغرق منهم جماعة كثيرة كان الفارس يغوص في الماء فيسقط عن سرجه ويرسب في الماء ويطلع الحصان. ومضى من سلم منهم منهزمين لا يلوي بعضهم عل بعض وهم في جمع كثير، وأبي وعمي معهما عشرة مماليك صبيان. فأقام عمي في الجسر ورجع أبي إلى شيزر، وواصلت أنا أولاد عمي إلى مصياث وعدت من يومي وصلت العشاء فأخبرت بما جرى، فحضرت عندى والدي رحمه الله وشاورته في ان امضي إلى عمي إلى حصن الجسر. قال تصل في الليل وهم نيام. ولكن سر عليهم من بكرة. فأصبحت سرت وحضرت عنده وركبنا وقفنا على ذلك الموضع الذي غرق فيه الإفرنج ونزل إليه جماعة من السباح فأخرجوا جماعة من فرسانهم موتى. فقلت لعمييا مولاي ما نقطع رؤوسهم وننفذها إلى شيزر؟ قال افعل فقطعنا منهم نحو من العشرين رأساً فكان الدم يسيل منهم كأنهم قد قتلوا تلك الساعة ولهم يوم وليلة. وأظن الماء حفظ فيهم دمهم.
وغنم الناس منهم سلاحاً كثيراً من الزرديات والسيوف والقنطاريات والخوذ والكلسات والزرد. ورأيت رجلاً من الفلاحين الجسر حضر عند عمي ويده في ثيابه. فقال له عمي يمزح معهأي شيء أعزلت لي من الغنيمة؟ قال أعزلت لك حصاناً بعدته وزرديته وترساً وسيفاً. ومضى أحضر الجميع، فأخذ عمي العدة وأعطاه الحصان وقال أي شيء بيدك؟ قال يا مولاي تقابضت أنا والإفرنجي ولا معي عدة ولا سيف فرميته ولكمت وجهه وعليه اللثام الزرد حتى أسكرته وأخذت سفه وقتلته به، وتهرأ الجلد على عقد أصابعي وورمت يدي فما تنفعني. وأظهر لنا يده وهي كما قال قد انكشفت عظام أصابعه.
وكان في جند الجسر رجل كردي يقال له أبو الجيش وله بنت اسمها رفول قد سباها الإفرنج، وهو قد توسوس عليها يقول لكل من لقيه يوماً سبيت رفول! فخرجنا من الغد نسير على النهر فرأينا في جانب الماء سواداً فقلنا لبعض الغلمان اسبح ابصر ما هذا السواد. فمضى إليه فإذا ذلك السواد رفول عليها ثوب أزرق وقد رمت نفسها من على فرس الإفرنجي الذي أخذها فغرقت، وعلق ثوبها في شجرة الصفصاف، فسكنت لوعة أبيها أبي الجيش فكانت الصيحة التي وقعت في الإفرنج وهزيمتهم وهلاكهم من لطف الله عز وجل لا بقوة ولا بعسكر. فتبارك الله القادر على ما يشاء. وقد يكون الترهيب في بعض الأوقات نافع في الحرب. من ذلك ان أتابك وصل الشام وأنا معه في سنة تسع وعشرين وخمس مائة وصار قاصداً دمشق. فلما نزلنا القطيفة قال لي صلاح الدين رحمه اللهاركب وتقدمنا إلى فستقة. أقم على الطريق لا يهرب أحد من العسكر إلى دمشق. فتقدمت ساعة وإذا صلاح الدين قد أتى في قلة من الصحابة. فرأينا بعذراء دخاناً فأرسل خيلاً تبصر ما هو دخان. فإذا هم قوم من عسكر دمشق يحرقون التبن الذي في عذراء فانهزموا، فتتبعهم صلاح الدين ونحن معه لعل في ثلاثين أربعين فارساً فوصلنا القصير وإذا عسكر دمشق جميعه في القصير قاطع الجسر ونحن عند الخان فوقفنا مستترين بالخان، ويخرج منا خمسة ستته فوارس حتى يبصرهم عسكر دمشق ويعودون إلى خلف الخان نوهمهم ان لنا كميناً ونفذ صلاح الدين فارساً إلى أتابك يعرفه ما نحن فيه. فرأينا نحوًا من عشرة فوارس مقبلين إلينا مسرعين والعسكر خلفهم متتابع. فوصلنا فإذا هو أتابك قد تقدم والعسكر في إثره. فأنكر على صلاح الدين فعله وقال تسرعت إلى باب دمشق بثلاثين فارساً لتكسر يا موسى ولامه وهم يتكلمون بالتركي ولا أدري ما يقولون. فلما وصلنا أوائل العسكر قلت لصلاح الدينعن آمرك اخذ هؤلاء الذين قد وصلوا وأعبر إلى خيل دمشق الواقفة مقابلهم اقلعهم. قال لا كذا وكذا ممن ينصح في خدمة هذا! ما تسمع أي شيء قد عمل بي؟ ولولا لطف الله تعالى ثم ذلك الترهيب والتخييل كانوا قلعونا. وجرى لي مثل ذلك وقد سرت مع عمي رحمه الله من شيزر يريد كفرطاب ومعنا خلق من الفلاحين والصعاليك لنهب ما على كفرطاب من غلة وقطن. فانتشر الناس بالنهب وخيل كفرطاب قد ركبت ووقفت عند البلد، ونحن بينهم وبين الناس المنتشرين في الزرع والقطن، وإذا فارس من أصحابنا يركض من الطلائع قال جاءت خيل افامية! فقال عمي تقف أنت مقابل خيل كفر طاب، واسير أنا بالعسكر ألقي خيل افامية. فوقفت في عشر فوارس من شجر الزيتون متوارين، ويخرج منا ثلاثة أربعة يخيلون للفرنج ويعودون إلى شجر الزيتون، والإفرنج يعتقدونا اننا في جماعة فيهم يجتمعون ويصيحون ويدفعون خيلهم إلى ان يقربوا منا ونحن لا نتزعزع فيرجعوا، فما زلنا كذلك حتى عاد عمي وانهزموا الإفرنج الذين جاءوا من افامية. فقال له بعض غلمانهيا مولاي ترى ما فعل يعنيني؟ تخلف عنك وما سار معك للقاء خيل افامية. فقال له عميلولا وقوفه في عشرة فوارس مقابل خيل كفرطاب وراجلها كانوا اخذوا هذا العالم كله. فكان الترهيب والتخيل للإفرنج في ذلك الوقت انفع من قتالهم لأننا كنا قلة وهم في جمع كثير.


الخام المسروق وقلة الخبرة


وجرى لي مثل ذالك بدمشق، كنت يوماً مع الأمير معين الدين رحمه الله فأتاه فارس فقال قد أخذ الحرامية قافلة في العقبة حاملة خام فقال لينركب إليهم. فقلت الأمر لك، أمر الشاوشية تستركب العسكر معك. قال أي شيء حاجتنا إلى المعسكر؟ قلتوما يضرنا من ركوبهم؟ قال ما نحتاجهم. وكان رحمه الله من أشجع الفرسان، واكن قوة النفس في بعض المواضع تفريط ومضرة. فركبنا في نحو من عشرين فارساً، فلما أن ضحونا نفذ فارسين كذا وفارسين كذا وفارسين كذا وفارساً كذا يكشفون الطرقات. وسرنا نحن في قلة فحانت صلاة العصر. فقلت ا لغلام لييا سونج أشرف مغرباً إلى ما نصلي. فما سلمنا إلا والغلام يركض. قال هذه الرجالة وعلى رؤوسهم شقاق الخام في الوادي! فقال معين الدين رحمه الله اركبوا. قلتأمهل علينا نلبس كزاغنداتنا فإذا رأيناهم رميناهم برؤوس الخيل وطعناهم فما يدرون كثير نحن أو قليل. قال إذا وصلنا إليهم لبسنا. وركب وسرنا إليهم فلحقناهم في وادي حلبون وهو واد ضيق لعل ما بين الجبلين خمسه أذرع، والجبال من جانبيه وعره رفيعة وطريقه ضيقه إنما يمشي فيها فارس، وهم قي سبعين رجلا بالقسي والنشاب. فلما وصلناهم كان غلماننا خلفنا بسلاحنا لا يصلون إلينا وأولئك قوم منهم في الوادي ومنهم قوم في سفح الجبل، فظننت ان الذين في الوادي من أصحابنا فلاحي الضياع قد فزعوا خلفهم والذين في الجبل هم الحراميه، فجذبت سيفي وحملت على الذين في السفح. فلما طلع الحصان في ذلك الوعر إلا بآخر روحه. فلما صرت إليهم وحصاني قد وقف ما بقي يندفع استوفى واحد منهم نشبته في فوقه ليضربني، فصحت عليه وتهددت فمسك يده عني، وعدت انزلت الحصان وما اصدق اخلص منهم.
وطلع الأمير معين الدين إلى أعلى الجبل يظن أن هناك من الفلاحين من يستفزهم، وصاح إلي من أعلى الجبللا تفارقهم حتى أعود وتراي عنا. فرجعت إلى الذين في الوادي وقد علمت انهم من الحرامية فحملت عليهم وحدي لضيق المكان فانهزما وراموا ما كان معهم من الخام. وخلصت منهم بهيمتين كانت عليهما خام ايضاَ، وطلعوا إلى المغارة في سفح الجبل ونحن نراهم وما لنا إليهم سبيل. وعاد الأمير معين الدين رحمه الله آخر النهار وما وجد من يستفزه، ولو كان معنا العسكر كنا ضربنا رقابهم واستخلصنا كل ما معهم.
وقد جرى لي مرة أخرى مثل هذا والسبب فيه نفاذ المشيئة ثم قلة المخبرة بالحرب، وذلك اننا سرنا مع الأمير قطب الدين خسرو بن تليل من حماة نريد دمشق إلى خدمة الأمير العادل نور الدين رحمه الله فوصلنا إلى حمص. فلما عزم على الرحيل على طريق بعلبك قلت لهأنا أتقدم ابصر الكنيسة بعلبك إلى حين تصل. قال افعل. فركبت ومضية، فأنا في الكنيسة جاءني فارس من عنده يقولقد خرجت رجالة حرامية على قافلة أخذها، فاركب ولقني إلى الجبل فركبت ولقيته، فصعدنا في الجبل فلقينا الحرامية في وادي تحتنا، والجبل الذي نحن عليه محيط بذلك الوادي. فقال له بعض أصحابهتنزل إليهم. قلتلا تفعل، ندور على الجبل ونصير فوق رؤوسهم نحول بينهم وبين طريقهم إلى المغرب ونأخذهم. وكانوا من بلاد الأفرنج، فقال آخرإلى ما ندور على الجبل نكون قد وصلنا إليهم وأخذناهم فنزلنا. فلما رأنا الحرامية صعدوا في الجبل. فقال لياصعد إليهم. فحرصت على الطلوع، فما قدرت. وكان على الجبل من خيالة ستة سبعة فترجلوا إليهم وجاءوا يقدون خيلهم معهم وأولئك في جماعة. فحملوا على أصحابنا فقتلوا منهم فارسين وأخذوا حصانيهما وحصاناً آخر وسلم صاحبه، ونزلوا من جانب الجبل الأخر بالغنية. وعدنا نحن وقد قتل من فارسان وأخذ منا ثلاثة حصن وقافلة. فهذا تغرير لقلة المخبرة بالحرب.

SHARIEF FATTOUH
05-15-2010, 11:32 AM
الحصار



فأما التغرير في الأقدام فما هو للزهد في الحياة، وإنما سببه ان الرجل إذا عرف بالأقدام ووسم بأسم الشجاعة وحضر القتال طالبته همته بفعل ما يذكر به ويعجز عنه سواه، وخافت نفسه الموت وركوب الخطر كادت تغلبه وتصده عما يريد يفعله حتى يضطرها ويحملها على مكروهها، فيعتريه الزمع وتغير اللون لذلك. فإذا دخل في الحرب بطل روعه وسكن جأشه. ولقد حضرت حصار الحصن الصور مع ملك الأمراء أتابك زنكي رحمه الله وتقدم شيء من ذكره، وكان للأمير فخر الدين أرسلان بن داود بن سقمان بن ارتق رحمه الله، وكان محشوناً بالرجال الجرخية. وذلك بعد كسرته على آمد، فأول ما ضربت الخيام نفذ رجلاً من أصحابه صاح تحت الحصنيا جماعة الجرخية، يقول لكم أتابكونعمة السلطان لئن قتل من أصحابي رجلاً واحد بنشابكم لأقطعن أيديكم! ونصب على الحصان المناجيق فهدمت جانباً منه وبلغ الهدم منه بحيث نطلع الرجال، فجاء رجل من جنادرية أتابك من أهل حلب يقال له ابن العريق طلع في تلك الثغرة وضاربهم بسيفه فجرحوه عدة جراح ورموه من البرج إلى الخندق، وتكاثر الناس عليهم في تلك الثغرة فملكوا الحصن، وطلع نواب أتابك إليه فأخذوا مفاتيحه نفذها إلى حسام الدين تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق وأعطاه الحصن. واتفق ان نشابة جرخ ضربت رجلاً من الخرسانية في ركبته قطعت الفلكة التي على المفصل الركبة فمات. فأول ما ملك أتابك الحصن استدعى الجرخية وهم تسعة نفر، فجاءوا وقسيهم موترة على أكتافهم، فأمر بجز إبهاماتهم من زنودهم فاسترخت أيديهم وتلفت.

وأما ابن العريق فداوى جراحه وبرء بعد ان شارف على الموت، وكان رجلاً شجاعاً يحمل نفسه على الأخطار. ورأيت مثل ذلك وقد نزل أتابك على الحصن البارعة وحوله صفا صخر لا تنضرب عليه الخيام، فنزل أتابك في الوطا ووكل به الأمراء بالنوبة. فركب إليه أتابك يوماً والنوبة للأمير أبي بكر الدبيسي وما معه أهبة القتال، فوقف أتابك وقال لأبي بكر تقدم قاتلهم. فزحف بأصحابه يقال له مزيد، لم يكن قبل ذلك من المشهورين بالقتال والشجاعة، فقاتل قتالاً عظيماً وضرب فيهم بسيفه وفرق جمعهم وجرح عدة جراح، فرأيته قد حملوه إلى العسكر وهو في آخر رمقه ثم عوفي، وقدمه أبو بكر الدبيسي وخلع عليه وجعله من جملة جنادريته.


الغسياني يقطع من يشاء نصفين ويسبي المعاهدين




كان أتابك يقول لي ثلاثة غلمان أحدهم يخاف الله تعالى ولا يخافني يعني زين الدين علي كوجك رحمه الله، والأخر يخافني وما يخاف الله تعالى يعني نصير الله صنقر رحمه الله والآخر ما يخاف الله ولا يخافني يعني صلاح الدين محمد بن أيوب الغسياني رحمه الله. وشهدت منه تجاوز الله عنه، ما يحقق قول أتابك، وذلك أنا زحفنا يوماً على حمص وقد أصاب الأرض مطراً عظيم حتى ما بقيت الخيل تتصرف من ثقل الأرض بالوحل والرجالة يتناوشون وصلاح الدين واقف وأنا معه، ونحن نرى الرجالة بين أيدينا، فعدا واحد من الرجالة إلى رجالة حمص أختلط بهم، وصلاح الدين يراه فقال لواحد من أصحابههات ذاك الرجل الذي كان إلى جانبه. فمضى أحضره، فقال لهمن هذا الذي كان انهزم من جانبك دخل إلى حمص؟ قال والله يا مولاي ما اعرفه. قال وسطوه قلتيا مولاي تعتقله وتكشف عن ذلك الرجل فأن كان يعرفه أو مته بنسب ضربت رقبته، وإلا ترى فيه رأيك. فكأنه جنح إلى قولي، فقال غلام له من خلفه يهرب واحد يؤخذ الذي كان في جانبه تضرب رقبته أو يوسط. فأحنقه كلامه وقال وسطوه، فرفسوه كالجاري العادة ووسطوه وما له ذنب إلا اللجاج وقلة مراقبة الله تعالى. وحضرته مرة أخرى بعدما وصلنا من مصاف بغداد، وأتابك يجتهد يظهر تجلداً وقوة وقد أمر صلاح الدين بالمسير إلى الأمير قفجاق يكبسه، فسرنا من الموصل ستة أيام ونحن في غاية الضعف، فوصلنا موضعه وجدناه قد تعلق في جبال كوهستان، فنزلنا على حصن يقال له ماسر ونزلنا عليه طلوع الشمس، وامرأة طلعت من الحصن وقال تمعكم خام؟ قلناأي وقت هذا للبيع والشراء؟ قال تنريد الخام نكفنكم به. فإلى خمسة أيام تمتون كلكم. تريد ان ذلك الموضع وخم. فنزل ورتب الزحف من بكرة وأمر النقابين الدخول تحت البرج من تلك البراج، والحصن كله معمور بالطين، والرجال الذين فيه من الفلاحين، فزحفنا إليه وطلعنا إلى التلة، ونقب الخرسانية برجاً فوقع وعليه إثنان، أما الواحد فمات أما الآخر فأخذوه أصحابنا وجاءوا به إلى صلاح الدين. قال وسطوه. قلت يا مولاي هذا شهر رمضان، وهذا رجلاً مسلم لانتقلد إثمه قال وسطوه حتى يسلموا الحصن قلتيا مولاي الحصن تمتلكه. قال وسطوه، ولج فيه فوسطوه، وأخذنا الحصن في ساعة تلك، فجاء إلى الباب يريد النزول من الحصن، فكان معه جماعة وغلبة. فوكل به قوماً من أصحابه ومضى نزل في خيمته لحظة بقدر ما تفرق العسكر الذي كان معه، ثم ركب وقال لياركب فركبنا وطلعنا إلى الحصن، فجلس وأحضر ناطور الحصن يعرفه بما فيه، وأحضر بين يديه نساء وصبيان نصارى ويهود. فحضرت عجوز كردية فقال ت لذلك الناطوررأيت ابني فلاناً؟ قال قتل ضربته نشابة. قال تفابني فلان؟ قال وسطه الأمير فصاحت وكشفت رأسها وشعرها كالقطنة المندوفة، فقال لها الناطوراسكتي لأجل الأمير. قال توأي شيء بقي للأمير يعمل بي، كان لي ولدان قتلهما فدفعوها.

ومضى الناطور فاحضر شيخاً كبيراً مليح الشيبة يمشي على عصاتين سلم على صلاح الدين قال أي شيء هذا الشيخ؟ قال إمام الحصن. قال تقدم يا شيخ تقدم تقدم حتى جلس بين يديه قبض لحيته فمد يده قبض لحيته وأخرج سكينة مشدودة في بند قبائه وقطع لحيته من حكمته، فبقيت في يده مثل البرجم فقال له ذلك الشيخ يا مولاي بأي شيء أستوجب ان تفعل بي هذا الفعل؟ قال بعصيانك على السلطان. قال والله ما علمت بوصولكم حتى جاء الناطور الساعة اعلمني واستدعاني. ثم رحلنا نزلنا على حصن آخر للأمير قفجاق يقال له الكرخيني أخذناه فوجدوا فيه خزانة ملأى بالثياب خام مخيطة صدقة لفقراء مكة، وسبى من كان في الحصن من النصارى واليهود المعهادين، ونهب ما فيها نهب الروم، فالله سبحانه يتجاوز عنه.

اقف من هذا الفصل عند هذا الحد متمثلاً بقولي


دع ذكر من قتل الهوى فحديثهم



فينا يشيب ذكره المولودا.


وأعود إلى ذكر شيء مما جرى لنا والإسماعيلية في حصن شيزر.


الإسماعيلية تهاجم شيزر


اجتاز في ذلك اليوم ابن عم لي يقال له أبو عبد الله هاشم رحمه الله فرأى رجلاً من الباطنية في برج من دار عمي معه سيفه وترسه والباب مفتوح وبراً منه خلق كثير من أصحابنا وما يجسر أحد أن يدخل إليه، فقال ابن عمي لواحد من أولئك الوقوفادخل إليه، فدخل إليه، فما مهله الباطني ان ضربه فجرحه، فخرج وهو مجروح. فقال لأخر ادخل إليه، فدخل إليه فضربه الباطني فجرحه وخرج كما خرج صاحبه. فقال ابن عمييا رئيس جواد ادخل إليه. فقال له الباطنييا مؤخر أنت ليش ما تدخل؟ تداخل لي الناس وأنت واقف، ادخل حتى تبصر. فدخل إليه الرئيس جواد فقتله. وهذا الجواد حكم في الثقاف رجل شجاع ثقف. وما مر عليه إلا أعوام قليلة حتى رأيته بدمشق سنة أربع وثلاثين وخمس مائة وهو علاف يبيع الشعير والتبن، وقد كبر حتى صار كالشن البالي يعجز عن دفع الفأر عن علفه، فما بال الرجال، فكنت أتعجب من أول أمره، عندما صار عليه آخر أمره، وما أحال من حاله طول عمره.


تأملات أسامة بشأن طول العمر




ولم أدر ان داء الكبر عام يعدي كل من اغفله الحمام. فلما توقلت ذروة التسعين وأبلاني مر الأيام والسنين، صرت كجواد علاف لا لجواد المتلاف. ولصقت من الضعف بالأرض، ودخل من الكبر بعضي ببعض، حتى انكرت نفسي وتحسرت على أمسي، وقلت في وصف حالي




لما بلغت من الحياة إلى المدى



قد كنت أهواه تمنيت الردا

لم يبقى طول العمر مني منة



ألقى بها صرف الزمان إذا اعتدا

ضعفت قواي وخانني الثقتان



من بصري وسمعي حين شارفت المدى

فإذا نهضت حسبت أني حامل



جبلاً وأمشي إن مشيت مقيدا

وأدب في كفي العصا وعهدتها



في الحرب تحمل أسمراً ومهندا

وأبيت في لين المهاد مسهداً



بلغ الكمال وتم عاد كما بدا


وأنا القائل بمصر أذم من العيش الراحة والدعة وما كان أعجل تقضيه وأسرعه


أنظر إلى صرف دهري كيف عودني



بعد المشيب سوى عاداتي الأول

وفي تغاير صرف الدهر معتبر



وأي حال على الأيام لم تحل

قد كنت مسعر حرب كلما خمدت



أذكيتها باقتداح البيض في القلل

همي منازلة الأقران أحسبهم



فراشي فهم مني على وجل

أمضي على الهول من ليل وأهجم من



سيل وأقدم في الهيجاء من أجل

فصرت كالغداة المكسال مضجعها



على الحشايا وراء السجف والكلل

قد كدت أعفن من طول الثواء كما



يصدئ الهند طول اللبث في الخلل

أروح بعد دروع الحرب في حلل



من الدبيقي فبؤساً لي وللحلل

وما الرفاهة من رامي ولا أربي



ولا التنعيم من شأني ولا شغلي

ولست أرضى بلوغ المجد في رفه



ولا العلى دون حطم البيض والأسل


وكنت أظن ان الزمان لايبلي جديده ولا يهي شديده، واني إذا عدت إلى الشام وجدت به أيامي كعهدي ما غيرها الزمان بعدي. فلما عدت كذبتني وعود المطامع، وكان ذلك الظن كالسراب اللامع. اللهم غفرًا هذه جملة اعتراضية عرضت، ونفثة هم اقضت ثم انقضت. أعود إلى المهم وأدع تعسف الليل المدلهم، لوصفت القلوب من كدر الذنوب، فوضت إلى عالم الغيوم، علمت ان ركوب أخطار الحروب، لا ينقص مدة الأجل المكتوب. فأنني رأيت يوم تقاتلنا نحن والإسماعيلية في حصن شيزر معتبراً يوضح للشجاع العاقل والجبان الجاهل، ان العمر موقت مقدر، لا يتقدم أجله ولا يتأخر. وذلك اننا بعد فراغنا ذلك اليوم من القتال، صاح إنسان من جانب الحصنالرجال! وعندي جماعة من أصحابي معهم سلاحهم، فبادرنا إلى الذي صاح فقلناما بالك؟ فقال حس الرجال هاهنا. فجئنا إلى إسطبل خال مظلم فدخلنا فوجدنا رجلين معهما سلاحهما فقتلناهما. ووجدنا رجل من أصحابنا مقتولاً وهو على شيء فرفعناه، ووجدنا تحته رجلاً من الباطنية قد تسجى ورفع المقتول على صدره، فحملنا صاحبنا وقتلنا الذي كان تحته ووضعنا صاحبنا في الجامع بالقرب من ذلك المكان وفيه جراح عظيمة، ولا نشك انه ميت لا يتحرك ولا يتنفس. وأنا والله كنت أحرك رأسه على بلاط الجامع برجلي ولا نشك انه ميت. وكان المسكين يجتاز الأصطبل فسمع حساً فأدخل رأسه ليحقق السماع، فجذبه واحد منهم فضربوه بالسكاكين حتى ظنوا انه قد مات. فقضى الله سبحانه ان خيطت الجراح التي في رقبته وفي جسمه وعوفي وعاد من صحته كما كان عليه. فتبارك الله مقدر الأقدار وموقت الآجال والأعمار. وشاهدت ما يقارب ذلك وهو ان الإفرنج لعنهم الله أغاروا علينا ثلث الليل الآخر. فركبنا نتبعهم فمنعنا عمي عز الدين رحمه الله من اتباعهم وقال هذه مكيدة والإغارة تكون بالليل. وخرج من البلد رجالة خلفهم ما علمنا بهم. فوقع الإفرنج ببعضهم عند رجوعهم، قتلوا وسلم بعضهم. واصبحت أنا واقفاً في بندر قنين قرية عند المدينة فرأيت ثلاثة شخوص مقبلة أما إثنان كالناس، أما الأوسط فما وجهه كوجه الناس. فلما دنوا منا فأما الوسطاني منه قد ضربه إفرنجي بسيف في وسط انفه قطع وجهه إلى أذنيه، وقد استرخى نصف وجهه وصار على صدره. وبين النصفين من وجهه فتح قريب من شبر وهو يمشي بين رجلين، فدخل البلد فخاط الجراحي وجهه وداواه، فالتحم ذلك الجرح وعوفي وعاد إلى ما كان عليه إلى ان مات على فراشه، كان يبيع الدواب ويسمى ابن غازي المشطوب، وإنما سمي بالمشطوب بتلك الضربة. فلا يظن ظان ان الموت يقدمه ركوب المخاطر، ولا يأخره شدة حرر، ففي بقائي أوضح معتبر، فكم لقيت من الأهوال وتقحمت المخاوف والأخطار ولاقيت الفرسان وقتلت الأسود وضربت بالسيوف وطعنت بالرماح وجرحت بالسهام والجروح وأنا من الأجل في حصن حصين - إلى ان بلغت تمام التسعين، فرأيت الصحة والبقاء، كما قال صلى الله عليه وسلمكفى بالصحة داء. فأعقبت النجاة من تلك الأهوال، ما هو أصعب من القتل والقتال. وكان الهلاك في كنه الجيش اسهل من تكاليف العيش، استرجعت مني الأيام بطول الحياة سائر محبوب اللذات، وشاب كدر النكد صفو العيش الرغد فأنا كما قلت


مع الثمانين عاث الدهر في جلدي



وساءني ضعف رجلي واضطراب يدي

فاعجب لضعف جد مضطرب



كخط مرتعش الكفين مرتعد

فاعجب لضعف يدي عن حملها قلماً



من بعد حطم القنا في لبة الأسد

وإن مشيت وفي كفي العصا ثقلت



رجلي كأني أخوض الوحل في الجلد

فقل لمن يتمنى طول مدته



هذي عواقب طول العمر والمدد


ضعفت القوة ووهنت، وتقضت بلهينة العيش وانتهت، ونكسني التعمير بين الأنام، والى الخمول يؤول تسعر الظلام، حتى أصبحت كما قلت


تناستني الآجال حتى كأنني



دريئة سفر بالفلاة حسير

ولما تدع مني الثمانون منة



كأني إذا رمت القيام كسير

أؤدي صلاتي قاعداً وسجودها



علي إذا رمت السجود عسير

وقد أنذرتني هذه الحال أنني



دنوت رحلة مني وحان مسير

مديح صلاح الدين


أعجزني وهن السنين عن خدمة السلاطين، فهجرت مغشى أبوابهم وقطعت اسبابي من اسبابهم واستقلت من خدمتهم ورددت عليهم ما حولوني من نعمهم، لعلمي ان ضعف الهرم لا يقوى على تكاليف الخدم، وان سوق الشيخ الكبير لا ينفق على الأمير. ولزمت داري وجعلت الخمول شعاري ورضيت نفسي بالانفراد في الغربة ومفارقة الأوطان والتربة، إلى ان تسكن نفارتها عن مرارتها وصبرت صبر الأسير على قده، والظمآن ذي الغلة عن ورده. مكاتبة مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، جامع كلام الإيمان قامع عبدة الصلبان، رافع علم العدل والإحسان، محي دولة أمير المؤمنين أبو المظفر يوسف بن أيوب، جمل الله الأسلم والمسلمين بطول بقائه، وأيدهم بماضي سيوفه وأرائه، واضفى عليهم وارف ظله كما أصفى لهم من الأكدار موارد فضله برحمة نقبت عني في البلاد ودوني الحزن والسهل، بمضيعة من الأرض لامال لدي ولا أهل. فأستنقذني من أنياب النوائب براية الجميل وحملني إلى بابه العالي بإنعامه الغامر الجزيل، وجبر ما هاضه الزمان مني، ونفق على كرمه ما كسد عليه من سواه من علو سني، فغمرني بغرائب الرغائب، وانهينني من إنعامه اهنى المواهب حتى رعى لي بفائض الكرم، ما اسلفت سواه من الخدم، فهو يعتد لي بذلك ويرعاه رعاية من كأنه شاهد وراه، فعطاياه تطرقني وأنا راقد وتسري إلي وأنا محتسب قاعد، فأنا من إنعامه كل يوم في مزيد، وإكرام كتكرمة الأهل وأنا أقل العبيد. امنني جميل رأيه حادث الحادثات، وأخلف لي إنعامه ما سلبه الزمان بالنكبات المجحفات، وأفاض علي من نوافل فضله بعد تأدية فرضه وسنته، ما يعجز الأعناق عن حمل ايسر منته. ولم يبقى لي جوده املاً ارجوا نيله، اقضي زماني بالدعاء به نهاره وليله، والرحمة التي تدارك بها العباد، أحيى ببركتها البلاد، والسلطان الذي أحيى سنة الخلفاء الراشدين، واقام عمود الدولة والدين، والبحر الذي لا ينضب لكثرة الواردين مأوه، والجواد الذي لا ينقطع مع تتابع الوافدين عطاؤه. فلا زالت الأمة من سيوفه في حمى منيع، ومن إنعامه في ربيع مريع. ومن عدله في أنوار تكشف عنهم ظلم المظالم، وتكف بسطة يد المعتدي الغانم، ومن دولته القاهرة في ظل وارف، وفي سعود متتابع آنف في أثر سالف، ما تعاقب الليل والنهار، ودار الفلك الدوار

دعوت وقد أمن الحافظان

وذو العرش ممن دعاه قريب
وقد قال سبحانه للعباد

سلوني فإني سميع مجيب
والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين، وحسبنا الله ونعه الوكيل.

SHARIEF FATTOUH
05-15-2010, 11:56 AM
الباب الثاني

أخبار ونوادر




وما بكم من نعمة فمن الله. قال أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمينهذه طرف أخبار حضرت بعضها وحدثني بعضها من اثق به جعلتها إلحاقاً في الكتاب، إذا ليست مما قصدت ذكره فيما تقدم، وابدأت منها بأخبار الصالحين رضي الله عنهم أجمعين.


أخبار الصالحين


بصيرة البصري


حدثني الأمام الخطيب سراج الدين أبو طاهر إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم خطيب مدينة إسعرد بها في ذي القعدة سنة اثنتين وستين وخمس مائة. قال حدثني أبو الفرج البغدادي قال شهدت مجلس الشيخ الإمام أبي عيد الله محمد البصري ببغداد حضرته امرأة فقالت يا سيدي انك كنت ممن شهد في صداقي، وقد فقت كتاب المهر، وأسألك أن تتفضل علي تقيم الشهادة بمجلس الحكم. فقال ما أفعل حتى تأتيني بحلاوة. فوقفت المرأة وهي تظن انه يمزح بقوله. فقال ما أفعل حتى تأتيني بحلاوة. فمضت ثم عادت فأخرجت من جيبها من تحت الإزار قرطاساً فيه حلاوة يابسة. فتعجب أصحابه من طلبه الحلاوة مع زهد ه وتعففه، فأخذ القرطاس وفتحه ورمى بالحلاوة قطعة قطعة حتى فرغ القرطاس، ونظره فإذا هو كتاب صداق المرأة الذي فقدته. فقال خذي صداقك فهذا هو فاستعظم من حضره ذلك. فقال كلوا الحلال وقد فعلتم ذلك وأكثر منه.


سمع ابن قبيس



حدثني الشيخ أبو القاسم الخضر بن مسلم بن قاسم الحموي بها يوم الاثنين سلخ ذي الحجة سنة سبعين وخمس مائة فالقدم علينا رجل شريف من أهل الكوفة فحدثنا قال حدثني أبي قال كنت أدخل على قاضي القضاة الشامي الحموي فيكرمني ويجلني فقال لي يوماً أنا أحب أهل الكوفة لشخص واحد منهم، كنت بحماة وأنا شاب وقد توفي بها عبد الله بن ميمون الحموي رحمه الله. فقال وا لهاوص. فقال إذا أنا مت وفرغتم من جهازي اخرجوني إلى الصحراء ويطلع إنسان إلى الرابية التي تشرف على المقابر ويناديني يا عبد الله بن القبيس مات عبد الله بن ميمون فاحضره وصلي عليه. فلما مات فعلوا ما أمرهم به. فأقبل رجلاً عليه ثوب خام ومئزر صوف من الجانب الذي ناد منه المنادي وجاء حتى صلى عليه، والناس بهتوا لا يكلمونه. فلما فرغ من الصلاة انصرف راجعاً من حيث جاء، فتلاوموا إذ لم يتمسكوا به ويسألونه، فسعوا في إثره ففا تهم ولم يكلمهم كلمة واحدة.


شهوة شيخ ماءت تتحقق



وقد حضرت ما يقارب ذلك في حصن كيفا. وكان في مسجد الخضر رجل يعرف بمحمد السماع له زاوية إلى جانب المسجد يخرج وقت الصلاة يصلي جماعة ويعود إلى زاويته وهو رجل من الأولياء فحضرته وهو بالقرب من منزلي الوفاة فقال كنت اشتهي على الله تعالى ان يحضرني شيخي محمد البستي. فما جمع له جهاز غسله وكفنه إلا وشيخيه محمد البستي عنده فتولى غسله وخرج خلفه تقدمنا صلى عليه. ثم نزل في زاويته فأقام بها مديدة وهو يزورني وأنا أزوره، وكان رحمه الله عالماً زاهداً ما رأيت ولا سمعت مثله، كان يصوم الدهر ولا يشرب الماء ولا يأكل خبزاً ولا شيئاً من الحبوب، إما يفطر على رمانتين أو عنقود عنب أو تفاحتين ويأكل في الشهر مرة أو مرتين لقيمات من لحم مقلي. فقلت له يوماً يا شيخ أبا عبد الله كيف وقع لك ان لا تأكل خبزاً ولا تشرب ماء وأنت صائم أبداً؟ قال صمت فطويت فوجدتني أقوى على ذلك، فطويت ثلثاً وقلتاجعل ما آكله كالميت التي تحل للمضطر بعد ثلث. فوجدتني أقوى على ذلك فتركت الأكل والشرب الماء فألفت النفس ذلك وسكنت إليه فاستمررت على ما أنا عليه. وكان بعض أكابر حصن كيفا قد عمل للشيخ زاوية في بستان جعله له فحضر عندي في شهر رمضان وقال قد جئت مودعاً. قلتوالزاوية التي قد أعدت والبستان؟ قال يا أخي ما لي حاجة فيهما ولا أقيم. وودعني ومضى رحمه الله، وذلك سنة سبعين وخمس مائة.


وهو المعرة يشعر بموت آخر في مكة


وحدثني الشيخ أبو القاسم خضر بن مسلم بن قسيم الحموي بحماة في التاريخ المتقدم ان رجلاً كان يعمل في بستان لمحمد بن مسعر رحمه الله أتى أهله وهم جلوس على أبواب دورهم بالمعرة فقال سمعت الساعة عجباً! قال واوما هو؟ قال مر بي رجل معه ركوة طلب مني فيها فأعطيته فجدد وضوءه، أعطيته خيارتين فأبا أن يأخذها. فقلتان هذا البستان نصفه لي بحق عملي، ولمحمد بن مسعر نصفه بالملك. فقال أحج العام؟ قلتنعم قال البارحة بعد انصرافنا من الوقفة مات وصلينا عليه. فخرجوا في أثره ليستفهموا منه فرأوه على بعد لا يمكنهم لحاقه، فعادوا وورخوا الحديث فكان الأمر كما قال .


علي يداوي قيم مسجده



مولى معز الدولة ابن بويه بالموصل في ثامن عشر شهر رمضان سنة خمس وستين وخمس مائة قال زار المقتفي بأمر الله أمير المؤمين رحمه الله مسجد صندوديا بظاهر الأنبار على الفرات الغربي ومعه الوزير وأنا حاضر، فدخل المسجد وهو يعرف بمسجد أمير المؤمنين علي رضوان الله عليه، وعليه ثوب دمياطي وهو متقلد سيفاً حليته حديد لايدري انه أمير المؤمنين إلا من يعرفه. فجعل في قيم المسجد يدعوا للوزير، فقال الوزيرويحك أدع لأمير المؤمنين. فقال له المقتفي رحمه اللهسله عما ينفع، قل له ما كان المرض الذي في وجهه؟ وكان في وجهه سلعة قد غطت أكثر وجهه فإذا أراد الأكل سدها بمنديل حتى يصل الطعام إلى فمه. فقال القيمكنت كما تعلم وأنا أتردد إلى هذا المسجد من الأنبار، فلقيني إنسان فقال لو كنت تتردد إلى فلان يعني مقدم الأنبار، كما تتردد إلى هذا المسجد لأستدعي لك طبيباً يزيل هذا المرض من وجهك، فخامر قلبي من قوله شيء قد داق به صدري، فنمت تلك الليلة فرأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في المسجد يقول ما هذه الحضرة؟ يعني حضرة في الأرض. فشكوت إليه ما بي، فاعرض عني، ثم راجعته وشكوت إليه ما قال ه لي ذلك الرجل فقال أنت ممن يريد العجلة، ثم استيقظت والسلعة مطروحاً إلى جانبي وقد زال ما كان بي. فقال المقتفي رحمه اللهصدق. ثم قال ليتحدث معه وابصر ما يلتمسه واكتب به توقيعاً واحضره لأعلم عليه. فتحدث معه فقال أنا صاحب عائلة وبنات، وأريد في كل شهر ثلاثة دنانير فكنت عنه مطالعة وعنونها الخادمقيم مسجد علي، فوقع عليها بما طلب وقال ليأمض ثبتها في الديوان. فمضيت ولم أقرأ منها سوىيوقع له بذلك. وكان الرسم ان يكتب لصاحب المطالعة توقيع ويؤخذ منه ما فيه خط أمير المؤمنين. فلما فتحها الكاتب لينقلها وجد تحت قيم مسجد عليبخط المقتفي أمير المؤمنين. صلوات الله عليه. ولو كان طلب أكثر من ذلك لوقع له به.


النبي يرسل فقيراً إلى الملك شاه



وحدثني القاضي الأمام مجد الدين أبو سليمان داود بن محمد بن الحسن بن خالد الخالدي رحمه الله بظاهر حصن كيفا يوم الخميس ثاني وعشرين ربيع الأول سنة ست وستين وخمس مائة عن من حدثه ان شيخاً استأذن على خواجا بزرك رحمه الله. فلما دخل عليه رأه شيخاً مهيباً بهياً فقال من أين الشيخ؟ قال من غربة. قال ألك حجة؟ قال أنا رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى الملك شاه. قال يا شيخ أي شيء هذا الحديث؟ قال ان اوصلتني إليه بلغت الرسالة. وإلا فأنا لا أزول حتى اجتمع به وابلغه ما معي. فدخل الخواجا بزرك على السلطان فاعلمه بما قال الشيخ فقال أحضروه فلما حضر قدم للسلطان مسواكاً ومشطاً وقال لهأنا رجل لي بنات، وأنا فقير لا اقدر على جهازهن وتزويجهن، وكل ليلة ادعو الله تعالى ان يرزقني ما اجهزهن به فنمت ليلة الجمعة من شهر كذا ودعوت الله سبحانه وتعالى بمعونتي عليهن. فرئيت الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم فقال ليأنت تدعوا الله عز وجل ان يرزقك بما تجهز به بناتك؟ قلت نعم يا رسول الله. فقال امضي إلى فلان وسماه بعز ملك شاه - يعني السلطان وقل لهقال لك رسول الله عليه وسلم جهز بناتي. فقلتيا رسول الله ان طلب مني علامة ما أقول له؟ قال قل له بعلامة انك كل ليلة عند النوم تقرأ سورة تبارك. فلما سمع ذلك السلطان فقال هذه علامة صحيحة، وما اطلع عليها غير الله تبارك وتعالى. فإن مؤدبي أمرني ان اقرأها كل ليلة عند النوم وأنا افعل ذلك. ثم أمر له بكل ما اطلبه لتجهيز بناته وأجزل عطيته وصرفه.


وآخر إلى الوزير علي بن عيسى



ويشبه هذا الحديث ما سمعته عن ابي عبد الله محمد بن فاتك المقرئ قال وكنت أقرأ يوماً على ابي بكر بن مجاهد رحمه الله المقرئ ببغداد إذا ورد عليه القاضي ابي بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري الفرضي المعروف بقاضي المارستان انه قال لما حججت بينا أطوف بالبيت إذ وجدت عقداً من اللؤلؤ فشددته في طرف إحرامي. فبعد ساعة سمعت إنساناً ينشده في الحرم وقد جعل لمن يرد عليه عشرين ديناراً، فسألته علاما ما ضاع له فاخبرني فسلمته إليه. فقال ليتجيء معي إلى منزلي لأدفع إليك ما جعلته لك. فقلت ما لي حاجت إلى ذلك، وما دفعته إليك ما جعلته لك. فقلت مالي حاجة إلى ذلك وما دفعته إلي بسب الجعالة، وأنا من الله بخير كثير. فقال لما تدفعه إلى الله عز وجل؟ فقلتنعم. فقال استقبل بنا الكعبة وأمن على دعائي. فاستقبلنا الكعبة فقال الهم اغفر له وارزقني مكافأته، ثم ودعني ومضى. ثم اتفق انني سافرت من مكة إلى ديار مصر فركبت في البحر متوجهاً إلى المغرب. فأخذت الروم المركب وأسرت فيمن أسر فوقعت في نصيب بعض القوم، فلم أزل أخدمه إلى أن دنت وفاته فأوصى بإطلاقي. فخرجت من بلد الروم فصرت إلى بعض بلاد المغرب فجلست أكتب على دكان خباز، وكان ذلك الخباز يعامل بعض تناة تلك المدينة. فلما كان في رأس الشهر جاء غلام ذلك الثاني إلى الخباز فقال سيدي يدعوك لتحاسبه فاستصحبني معه فمضينا إليه فحاسبه على رقاعه. فلما رأى معرفتي في الحساب وخطي طلبني من الخباز فغير ثيابي وسلم الي جباية ملكه وكانت له نعمة ضخمة، أخلى لي بيتاً في جانب داره. فلما مضت مديدة قال لييا أبا بكر ما رأيك في التزويج؟ قلتيا سيدي أنا لا اطيق نفقة نفسي فكيف اطيق النفقة على زوجة قال أنا أقوم عنك بالمهر والمسكن والكسوة وجميع ما يلزمك. فقلتالأمر لك فقال يا والدي إن هذه الزوجة فيها عيوب شتى - ولم يترك شيئاً من العيب في خلقة من رأسها إلى قدمها إلا ذكره لي وأنا أقول رضيت. وباطني في ذلك كظاهري. فقال ليالزوجة ابنتي. واحضر جماعة وعقد العقد. فلما كان بعد أيام قال لي تهيأ لدخول بيتك، ثم أمر لي بكسوة فاخرة ودخلت إلى دار فيها تجميل والآلات، ثم أجلست في المرتبه وأخرجت العروس تحت النمط فقمت لتلقيها. فلما كشفت النمط رأيت صورة ما رأيت في الدنيا أجمل منها، فهربت من الدار خارجاً، فلقيني الشيخ وسألني عن سبب هروبي. . فقلتان الزوجة ما هي التي ذكرت لي فيها من العيوب ما ذكرت. فتبسم وقال يا ولدي هي زوجتك، وليس لي ولد سواها وإنما ذكرت لك ما ذكرت لئلا تستقل ما تراه فعدت وجلبت علي. فلما كان من الغد جعلت أتأمل ما عليها من حلي وجواهر الفاخر، فرأيت من جمله ما عليها العقد الذي وجدته بمكة فعجبت من ذلك واستغرقني الفكر فيه. فلما خرجت من البناء استدعاني وسألني عن حالي وقال جدع الحلال أنف الغيرة، فشكرته على ما فعله معي، ثم استولى علي الفكر في العقد ووصله إليه. فقال لي فيم تفكر. فقلت في العقد الفلاني فاني حججت في السنة الفلانيه فوجدته في الحرم أو عقدا يشبهه. فصاح وقال أنت الذي رددت علي العقد قلت أنا ذاك. فقال ابشر فان الله قد غفر لي ولك، فاني دعوت الله سبحانه في تلك الساعة ان يغفر لي ولك وان يرزقني مكافأتك، وقد سلمت إليك مالي وولدي وما أظن اجلي إلا وقد قرب ثم أوصى الي ومات بعد مديدة قريبه رحمه الله.

SHARIEF FATTOUH
05-15-2010, 11:56 AM
الشفاء بطرق غريبة




وحدثني الأمير سيف الدولة زنكي بن قراجا رحمه الله قال دعانا شاهنشاه بحلب وهو زوج أخته. فلما اجتمعنا عنده نفذنا إلى صاحب لنا كنا نعاشره وننادمه خفيف الروح طيب العشرة فاستدعيناه فحضر، فعرضنا عليه الشراب فقال أنا محتم امرني الطبيب بالحميه أياماً حتى تشق هذه السعلة وكان في مؤخر رقبته سلعة كبيره، فقلنا وافقنا اليوم وتكون الحميه من غد. ففعل وشرب معنا إلى أخر النهار، فطلبنا شاهنشاه شيئا نأكله. فقال ما عندي شيء. فلاججناه حتى أجابنا إلى ان يحضر لنا بيضا نقليه على المنقل فاحضر البيض أحضرنا صحنا وكسرنا البيض وافرغنا ما فيه في الصحن ووضعنا المقلى على المنقل ليحمى، فأشرت إلى ذلك الرجل الذي في رقبته السلعة ان يشرب البيض، فرفع الصحن على فمه ليشرب بعضه فانساب جميع ما في الصحن في حلقه فشربه، وقلنا لصاحب الدار عوضنا عن البيض. فقال والله ما افعل فشربنا ثم افترقنا. فأنا في السحر في فراشي والباب يقرع، فخرجت جاريه تنظر من بالباب فإذا هو صديقنا ذلك. فقلت أحضريه. فجاءني وأنا في فراشي فقال يا مولاي تلك السلعة التي كانت في رقبتي ذهبت وما بقي لها اثر. فنظرت موضعها فإذا هو كغيره من جوانب رقبته. فقلت أي شيء اذهبها قال الله سبحانه ما عرفت انني استعملت سيئا ما كنت استعمله غير شربي لذالك البيض النيء. فسبحان القادر المبلي المعافي. وكان عندنا في شيزر اخوان اسم الأكبر مظفر والآخر مالك بن عياض من أهل كفر طاب وهما تاجران يسافران إلى بغداد، وغيرها من البلاد، ومظفر أدركه قيلة عظيمة فهو منها في تعب، فسار في قافلة على المساوه إلى بغداد، فنزلت القافلة في حي من أحياء العرب فضيفوهم بطيور طبخوها لهم فتعشوا وناموا، فانتبه ابنه رفيقه الذي في جانبه وقال له أنا نائم أو مستيقظ قال مستيقظ لو كنت نائم ما تحدثت. قال تلك القيلة قد ذهبت وما بقي لها اثر. فنظر فإذا هو قد عاد كغيره إلى الصحه. فلما أصبحوا سألوا العرب الذين أضافوهم أي شيء أطعموهم. قال وانزلتم بنا ودوابنا عازبة، فخرجنا أخذنا فراخ غربان طبخناها لكم. فلما وصلوا بغداد دخلوا المارستان وحكوا للمتولي المارستان حكايته، فنفذ حصل فراخ غربان أطعمها لمن به هذا المرض، فلم تنفعه ولا أثرت فيه. فقال تلك الفراخ التي أكلها كان زقها أبوها أفاعي لذلك كان نفعها. ومما يشاكل ذلك ان رجلا أتى يوحنا بن بطلان الطبيب المشهور بالمعرفة والعلم والتقدم بالصنعة الطب وهو دكانه بحلب، فشكى إليه مرضه فرآه قد استحكم به الاستسقاء وكبر بطنه ودقت وتغيرت سحنته. فقال لهيا ولدي ما لي والله فيك حيلة، ولا بقي الطب ينجح فيك فانصرف. ثم بعد مدة اجتاز به وهو في دكانه وقد زال ما به من مرض وضمر جوفه وحسنت حاله، فدعاه ابن بطلان فقال ما أنت الذي حضرت عندي من مدة وبك الاستسقاء وقد كبر بطنك ودقت رقبتك وقلت لك مالي فيك حيلة؟ قال بلى قال بماذا داويت حتى زال ما بك؟ قال والله ما تداويت بشيء، أنا رجل صعلوك ما لي شيء ولا لي من يدور بي سوى والدتي، عجوز ضعيفة كان لها في دنين خل، فكانت كل يوم تطعمني منه بخبز. فقال له بطلانبقي من الخل شيء؟ قال نعم قال امشي معي ارني الدن الذي فيه الخل. فمشى بين يديه إلى البيت أوقفه على دان الخل. فأفزع ابن بطلان ما كان فيه من الخل فوجد في أسفله افعيين قد تهرأتا. فقال لهيا بني ما كان يقدر يداويك بخل فيه افعيان حتى تبرأ إلا الله عز وجل. وكان ابن بطلان إصابات عجيبة في الطب. فمن ذلك ان رجلاً أتاه وهو في دكانه بحلب، والرجل قد انقطع كلامه فلا يكاد بفهم منه إذا تكلم. فقال لهما صنعتك؟ قال أنا مغربل. فقال احضر لي نصف رطل خل حاذق. فأحضره. فقال اشربه. فشربه لحظة فذرعه القيء، فتقيأ طيناً كثيراً في ذلك الخل، فانفتح حلقه واستوى كلامه. فقال ابن بطلان لابنه وتلامذتهلا تداووا بهذا الدواء أحد فتقتلوه. هذا كان قد علق بالمريء من غبار الغربلة تراب ما كان يخرجه إلى الخل. وكان ابن بطلان ملازماً لخدمة جدي الأكبر ابي المتوج مقلد بن نصر بن منقذ. فظهر في جدي الأكبر ابي المتوج مقلد بن نصر بن منقذ. فظهر في جدي ابي الحسن علي بن المقلد بن نصر بن منقذ رحمه الله وضح وهو صبي صغير، فاقلق ذلك اباه وأشفق عليه من البرص، فاحضر ابن بطلان وقال لهابصر ما قد ظهر في جسم علي. فنظره وقال أريد خمس مائة دينار حتى أداويه وأذهب هذا عنه. فقال له جديلو كنت داويت علياً ما كنت رضيت لك بخمس مائة دينار. فلما رأى الغضب من جدي قال يا مولاي أنا خادمك وعبدك وفي فضلك، ما قلت ما قلته إلا على سبيل المزاح، وهذا الذي بعلي بهق الشباب، وإذا أدرك ذهب عنه، فلا تحمل منه هماً ولا يقول لك سوايأنا أداويه ويتسوق عليك، فهذا يزول عند بلوغه. فكان كما قال . وكان في حلب امرأة من وجوه نساء حلب لها برة لحقها برد في رأسها فكانت تعمل عليه القطن العتيق والقلنسوة والمخملة والمناديل حتى تصير على رأسها عمامة كبيرة وهي تستغيث من البرد، فأحضرت ابن بطلان وشكت إليه مرضها فقال حصلي في غد خمسين مثقال اً من كافور رياحي عارية أو مكرى من بعض الطيبين، فهو يعود إليه بأسره. فحصلت له الكافور، ثم اصبح القى كل ما على رأسها وحشا شعرها بذلك الكافور ورد على رأسها ما كان عليه من الدثار وهب تستغيث من البرد، فنامت لحظة وانتبهت تشكو الحر والكرب في رأسها حتى بقي على رأسها قناع واحد، ثم نفض شعرها من ذلك الكافور وذهب عنها البرد وصارت تتقنع بقناع واحد.

وقد جرى لي بشيزر ما يقارب ذلك، لحقني برد شديد وقشعريرة من غير حمى وعلي الثياب الكثيرة والفرو، ومتى تحركت في جلوسي ارتعدت وقام شعر بدني وتجمعت. فأحضر الشيخ ابي الوفاء تميماً الطبيب فشكوت إليه ما أجد. فقال أحضر لي بطيخة هندي. فأحضرت فكسرها فقال يكل منها استطعت. قلت يا حكيم أنا في الموت من البرد والرمان بارد، كيف آكل هذه مع بردها؟ قال كل كما أقول لك. فأكلت، فما انتهى أكلي منها حتى عرقت وزال ما كنت أجده من البرد. فقال ليالذي كان بك من غلبة الصفراء ما كان من برد حقيقي.

وقد تقدم ذكر شيء من غريب الأحلام، وقد أردت في كتاب المترجم بكتاب النوم والأحلام من ذكر النوم والأحلام وما قيل فيها وفي أوقات الرؤيا وفي أقوال العلماء فيها، واستشهدت على أقوالهم بما ورد فيها من أشعار العرب ووسعت الشرح واشبعت فيه المعنى، فما حاجة إلى ذكر شيء منه ها هنا لكنني ذكرت هذا الخبر واستظرفته فأوردته، كان لجدي سديد الملك ابي الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ رحمه الله جارية يقال لها لؤلؤة ربت والدي مجد الدين أبا سلامة مرشد بن علي رحمه الله. فلما كبر وانتقل عن الدار والده انتقلت معه فرزقني، فربتني تلك العجوز إى ان كبرت وتزوجت وانتقلت من دار والدي رحمه الله فانتقلت معي، ورزقت الأولاد فربتهم وكانت رحمها الله من النساء الصالحات صوامة قوامة، وكان يلحقها القولنج وقتاً بعد وقت، فلحقها يوماً من الأيام واشتد بها حتى غاب ذهنها وآيسوها، فبقيت ذلك يومين وليلتين، ثم أفاقت وقالت لاإله إلا الله! ما أعجب ما كنت فيه! لقيت أمواتنا جميعهم وحدثوني بالعجب وقال وا لي في جملة ما قال واإن إن هذا القولنج ما يعود يلحقك. فعاشت بعد ذلك بمدة الطويلة ولم يلحقها قولنج. وعاشت حتى قاربت المائة سنة، وكانت محافظة لصلواتها رحمها الله فدخلت إليها في بيت أفردته لها من داري وبين يديها طست وهي تغسل منديلاً لصلوات. فقلتما هذا يا أمي؟ قالت يا بني قد مسكوا هذا المنديل وأيديهم زفرة من الجبن وكلما غسلته فاحت مته رائحة الجبن. قلتأريني الصابون التي تغسلين بها. فأخرجتها من المنديل فإذا هي قطعة جبن، وهي تظن أنها صابون، وكلما عركت ذلك المنديل بالجبن فاحت روائحه. قلتيا أمي هذه جبنة! ما هي صابونة. فنظرتها وقالت صدقت يا بني ما ظننتها إلا صابوناً، فتبارك الله أصدق القائلينومن نعمره ننكسه في الخلق. الإطالة تجلب الملالة والحوادث والطوارئ اكثر من ان تحصر والرغبة إلى الله عز وجل في الستر والعافية فيما بقي من الحياة، والرحمة والرضوان عند موافاة الوفاة، فانه سبحانه اكرم مسؤول واقرب مأمول. الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله وسلامه.

SHARIEF FATTOUH
05-15-2010, 12:00 PM
الباب الثالث

أخبار الصيد




توكلت على الله تعالى


والله مني جانب لا أضيعه



والله و مني والبطالة جانب


قد ذكرت من أحوال الحرب وما شاهدته من الوقعات والمصافات والأخطار حضرني ذكره ولم ينسنيه الزمان ومره، فإن العمر طال ولزمت الانفراد والاعتزال، والنسيان من ارث ما تقدم من أبينا آدم صلى الله عليه وسلم. وأنا ذاكر فصلاً فيما حضرته وشاهدته من الصيد والقنص والجوارح. فمن ذلك ما حضرته مع ملك الأمراء أتابك زنكي بن آق سنقر رحمه الله، ومن ذلك ما حضرته بدمشق مع شهاب الدين محمود بن تاج الملوك رحمه الله، ومن ذلك ما حضرته بمصر، ومن ذلك ما حضرته مع الملك العادل نور الدين ابي المظفر محمود بن أتابك زنكي رحمه الله، ومن ذلك ما حضرته بديار بكر مع الأمير فخر الدين قرا ارسلان بن داود بن ارتق رحمه الله.


الصيد بسورية والجزيرة ومصر


الصيد في سورية

فأما ما كان في شيزر فكان مع الوالد رحمه الله، وكان مشغوفاً بالصيد لهجاً به ويجمع الجوارح، وما يستكثر ما يغرمه عليه لفرجته، فإنه كان نزهته فليس له شغل سوى الحرب وجهاد الأفرنج ونسخ كتاب الله عز وجل عند فراغه من أشغال أصحابه، وهو رحمه الله صائم الدهر مواظب على تلاوة القرآن. فكان الصيد كما جاء في الخبرروح القلوب تعي الذكر. فما رأيت قط مثل صيده وتربيته. وقد شاهدت صيد ملك الأمراء أتابك زنكي رحمه الله، وكان له جوارح كثيرة، فرأيته ونحن نسير على الأنهار فيتقدم البازدارية بالبزاة ترميها على الطيور الماء وتدق الطبول كجاري العادة فتتصيد منها ما تصيد وتخطئ ما تخطئ وورائهم الشواهين الكوهية على أيدي البازدارية. فإذا اصطادت البزاة وأخطأت أرسلوا الشواهين الكوهية على الطيور وقد أبعدت دشب خبز فتلحق وتصيد، وترسل على الحجل في طلوعها في سفح الجبل فتصيد، فإنها من سرعة الطيران على صفة عجيبة. وشاهدت يوماً ونحن في المغرقة بظاهر الموصل نسير في باذنجان وبين يدي أتابك بازيار على يد باشق، فطار ذكر دراج فارسله عليه فأخذه ونزل. فلما صار في الأرض فرط الدراج من كفه وطار. فلما ارتفع انتقل الباز من الأرض أخذه ونزل وقد ثبته. ورأيته وهو في صيد الوحش دفعات، إذا اجتمعت الحلقة واجتمع فيها الوحش شيء رموه، وكان من أيرمى الناس، فكان إذا دنا منه الغزال رماه، فنزاه كأنه قد عثر فيقع ويذبح، وكان أول غزال يضربه في كل صيد أحضره ينفذه لي مع غلام من غلمانه وأنا معه. وشاهدته وقد اجتمعت الحلقة ونحن في أرض نصيبين على الهرماس وقد ضربوا الخيام، فوصل الوحش إلى الخيام، فخرج الغلمان بالعصي والعمد، فضربوا منها شيئاً كثيراً، واجتمعوا في حلقة ذيب فوثب في وسطها على غزال أخذه وبرك عليه فقتل وهو عليه. وشاهدته يوماً ونحن بسنجار وقد جاءه فارس من أصحابه فقالها هنا ضبعة نائمة! فسار ونحن معه إلى واد هناك، والضبعة نائمة على صخرة في سفح الوادي، فترجل أتابك ومشى حتى وقف مقابلها وضربها بنشابة رماها إلى أسفل الوادي، ونزلوا جاءوا بها إلى بين يديه وهي ميتة. ورأيته أيضاً بظاهر سنجار وقد جلوا أرنباً. فأمر فاستدارت الخيل حولها وأمر غلاماً خلفه يحمل الوشق كما يحمل الفهد، فتقدم أرسله على الأرنب فدخلت بين قوائم الخيل وما تمكن منها. وما كنت رأيت الوشق قبل ذلك يصيد. ورأيت الصيد بدمشق أيام شهاب الدين محمود بن تاج الملوك للطير والغزلان وحمر الوحش واليحامير، فرأيته يوماً وقد دخلنا إلى شعراء بانياس وفي الأرض عشب عظيم، فتصدينا كثير من اليحامير، وضربت الخيام حلقة ونزلنا، فقام من وسط الحلقة يحمور كان نائماً في العشب فأخذ في وسط الخيام. ورأيت ونحن عائدون رجلاً قد رأى سنجاباً في شجرة فأعلم به شهاب الدين فجاء وقف تحته ورماه مرتين او ثلاثاً فما أصابه، فتركه وسار شبه المغتاظ الذي لم يصبه. فرأيت رجلاً من الأتراك جاء رماه فوسط النشابة فيه، فاستخرت يداه وبقي متعلقاً برجليه والنشابة فيه حتى هزوا الشجرة فوقع، ولو كانت تلك النشابة في ابن آدم كان مات لوقته، فسبحان خالق الخلق.

الصيد في مصر

ورأيت الصيد في مصر، كان للحافظ لدين الله عبد المجيد ابي ميمون رحمه الله جوارح كثيرة من البزاة والصقور والشواهين البحرية، فكان لهم زمام يخرج بهم في الجمعة يومين وأكثرهم رجالة على أيديهم الجوارح، فكنت أركب يوم خروجهم إلى الصيد لأتفرج بنظر صيدهم، فمضى الزمام إلى الحافظ وقال لهان الضيف فلاناً يخرج معنا - كأنه يستطلع أمره في ذلك. فقالاخرج معه يتفرج على الجوارح. فخرجنا يوماً ومع بعض البازيارية باز مقرنص بيت احمر العينين فرأينا كراكي. فقال له الزمامتقدم ارمي عليها الباز الأحمر العينين. فتقدم رماه وطارت الكراكي فلحق منها واحداً على بعد منا فحطه. فقلت لغلام لي على حصان جيدأدفع الحصان إليه وانزل أغرز منقار الكراكي في الأرض وأكتفه واترك رجليه تحت رجليك إلى ان نصلك. فمضى وعمل ما قلت له، ووصل البازيار ذبح الكركي واشبع الباز. فلما دخل الزما حدث الحافظ بما جرى وما قلته للغلام وقاليا مولانا حديثه حديث صياد. قالوأي شيء شغل هذا إلى القتال والصيد؟ وكان معهم صقور يرسلونها على البلاشيب وهي طائرة، فإذا رأى البلشوب الصقر دار وارتفع، والصقر يدور في جانب آخر حتى يرتفع على البلشوب، ثم ينقلب عليه يأخذه. وفي تلك البلاد طيور يسمونها البج مثل النحام يصيدونها أيضاً، وطيور الماء في مقطعات النيل سهلة الصيد، والغزال عندهم قليل. بل في تلك البلاد بقرب بني إسرائيل وهي بقر صفر قرونها مثل قرون البقر وهي أصغر من البقر تعدو عدواً عظيماً، وتخرج لهم من النيل دابة يسمونها فرس البحر مثل البقرة الصغيرة عيناها صغيرتان وهي جرداء مثل الجاموس ولها أنياب طوال في فكها الأسفل وفي فكها الأعلى خروق لأنيابها تخرج رؤوسها من تحت عينيها وصياحها مثل صياح الخنزير، ولا تبرح في بركة لها ماء وتأكل الخبز والحشيش والشعير.

الصيد في عكا

وكنت قد مضيت مع الأمير معين الدين رحمه الله إلى عكا إلى عند ملك الإفرنج فلك بن فلك فرأينا رجل من الجنوية وقد وصل من بلاد الإفرنج ومعه باز كبير مقرنص يصيد الكركي ومعه كلبة صغيرة إذا أرسل الباز على الكركي عدت تحته، فإذا أخذ الكركي وحطه عضته فلا يقدر على الخلاص منها. وقال لنا ذلك الجنوي إن الباز عندنا إذا كان ذنبه ثلاث عشر ريشة اصطاد الكركي. فعددنا ذنب ذلك الباز فكان كذلك. فطلب الأمير معين الدين رحمه الله فأخذه من ذلك الجنوي هو والكلبة وأعطاه للأمير معين الدين فجاء معنا، فرأيته في الطريق يثب على الغزلان كما يثب إلى اللحم، ووصلنا به إلى دمشق، فما طال عمره بها ولا صاد شيئاً ومات.

في حصن كيفا

وشاهدت الصيد في حصن كيفا مع الأمير فخر الدين قرا أرسلان بن داود رحمه الله. وهناك الحجل والزرخ كثير والدراج، فأما طير الماء فهو في الشط وهو واسع ما يتمكن الباز منها، وأكثر صيدهم الاراوي ومعزى الجبل يعملونا لها شباكاً ويمدونها في الأودية ويطردون الأراوي فتقع في تلك الشباك وهي كثيرة عندهم وقريبة المتصيد وكذلك الأرانب.

مع نور الدين

وشهدت الصيد مع الملك العادل نور الدين رحمه الله فحضرته ونحن بأرض حماة وقد جلوا له أرانباً فضربها بنشابة كشماء، وقامت وسبقت إلى محجر دخلته فركضنا خلفها، ووقف عليها نور الدين وناولني الشريف السيد بهاء الدين رحمه الله رجلها قد قطعته النشابة من فوق العرقوب وشقت جوفها قرنة النصلة فوقع منها بيت الولد وسبقت بعد هذا وانجحرت، فأمر نور الدين بعض الوشاقية. نزل وقلع خفافه ودخل خلفها وما وصل إليها، وقلت للذي معه بيت الأولاد وفيه خرنقانشقه واطمرهم بالتراب ففعل، فتحركوا وعاشوا. وحضرته يوماًوقد أرسل كلبة على ثعلب ونحن على قرى حصار بأرض حلب فركض خلفه وأنا معه، فلحقت الكلبة وأخذت ذنب الثعلب فرجع إليه برأسه فعض خيشومها، فصارت الكلبة تعوي ونور الدين يضحك، ثم خلاها وانجحر، فما قدرنا عليه. وجاءه يوماُ ونحن ركاب تحت قلعة حلب من شمالي البلد باز فقال لنجم الدين أبي طالب بن علي كرد رحمه اللهقل لفلان يعنيني يأخذ هذا الباز يلعب به. فقال ليفقلت ما أحسن له. فقال نور الدينانتم بالصيد ما كنتم تزالون، ما تحسن تصلح للباز؟ قلتما كنا نصلحها نحن كان لنا بازيارية وغلمان يصلحونها ويتصيدون بها قدامنا، وما أخذت الباز.

SHARIEF FATTOUH
05-15-2010, 12:01 PM
والد أسامة صياداً


شاهدت من الصيد مع هؤلاء الأكبر شيئاً كثيراً ما اتسع لي الوقت لذكره مفصلاً وكانوا قادرين على ما يحاولونه من صيد وآلته وغيره، وما رأيت مثل صيد والدي رحمه الله، فما أدري كنت أراه بعين المحبة كما قال القائلوكل ما يفعل المحبوب محبوب. ما أدري أكان نظري فيه على تحقيق، وأنا أذكر من شيئاً من ذلك ليحكم فيه من يقف عليه. وذلك ان والدي رحمه الله كان قد فرغ زمانه لتلاوة القرآن والصيام والصيد في نهاره، وفي الليل ينسخ كتاب الله تعالى، كان قد نسخ ستاً وأربعين ختمة بخطة رحمه الله منها ختمتان بالذهب جميع القرآن، ويركب إلى الصيد يوماً ويستريح دوماً وهو صائم الدهر. ولنا بشيزر متصيدانمتصيد للحجل والأرانب في الجبل قبلي البلد ومتصيد لطير الماء والدراج والأرانب والغزلان على النهر في الأزوار من غربي البلد. وكان يتكلف في تسير قوم من أصحابه إلى البلاد لشرى البازة، حتى أنه انفذ إلى القسطنطينية احضر له منها بازة، وحملوا الغلمان معهم من الحمام ما ظنوا انه يكفي البزاة التي معهم فتغير عليهم البحر وتعوقوا حتى فرغ ما معهم من طعم البزاة، فاضطروا إلى أن صاروا يطعموا البزاة لحم السمك، فأثر ذلك في أجنحتها صار ريشها ينكسر ويتقصف. فلما وصلوا بها إلى شيزر كان فيها بزاة نادرة. وفي خدمت الوالد بازيار طويل اليد في إصلاح البزاة وعلاجها يقال له غنائم، فوصل أجنحتها واصطاد بها وقرنص بعضها عنده.


مصايد البزاة

وكان أكثر ما يستدعي البزاة ويشتريها من وادي ابن الأحمر بالغلاء فأحضر قوماً من أهل الجبل القريب من شيزر من أهل بشيلا ويسمالخ وحلة عار وتحدث معهم في أن يعملوا في مواضعهم مصايد للبازة ووهبهم وكساهم، فمضوا وعملوا بيوت الصيد، فاصطادوا بزاة كثيرة فراخاً ومقرنصة وزرارق، فحملوها إلى الوالد وقالوايا مولانا نحن قد بطلنا معايشنا وزراعتنا في خدمتك، ونشتهي أن تأخذ منا كل ما نصيده وتقرر لنا ثمناً نعرفه لاتجاذب فيه. فقرر ثمن الباز الفرخ خمسة عشر ديناراً، وثمن زرق الفرخ نصفها وثمن الباز المقرنص عشرة دناني وثمن الزرق المقرنص نصفها، وانفتح للجبليين أخذ الدنانير بغير كلفة ولا تعب. وإنما يعمل له بيتاً بحجارة وعلى قدر خلقته، ويغطيه بعيدان ويسترها بقش وحشيش ويجعل نافذة، ويأخذ طير حمام يجمع رجليه على قضيب ويشدها إليه ويخرجه من تلك النافذة، يحرك العود فيتحرك الطير ويفتح اجنحته، فيراه الباز ينقلب عليه يأخذه، فإذا أحس به الصياد جذب القضيب إلى النافذة ومد يده قبض ورجلي الباز وهو قابض لطير الحمام، وأنزله إليه وخيط عينيه. ويصبح من الغد يصلنا به، يأخذ ثمنه ويعود إلى بيته بعد يومين. فكثر الصيادون وكثرت البزاة حتى صارت عندنا مثل الدجاج. فيها ما يتصيد به وفيها ما يموت على الكنادر من كثرتها. وكان في خدمة الوالد بازيار وصقارون وكلابزية، وعلم قوماً من مماليكه إصلاح البزاة فمهروا فيها. وكان يخرج إلى الصيد ونحن أولاده معه في أربعة رجال ومعنا غلماننا وجنائبنا وسلاحنا. فأنا ما كنا نأمن من الفرنج لقربهم منا، ويخرج معنا بزاة كثيرة وما حولها ومعه صقاران وفهدان وكلاب زيان، مع أحدهما كلاب سلوقية ومع الأخر كلاب زغارية، فيوم خروجه إلى الجبل لصيد الحجل وهو بعيد من الجبل يقول لنا إذا خرج إلى طريق الجبل تفرقوا، كل من عليه قراءة يقرأها. ونحن أولاده حفاظ القرآن. فنفترق نقرأ حتى يصير إلى مكان الصيد يأمر من يستدعينا فبسألنا كم قرأ كل واحد منا فإذا أخبرناه يقولأنا قرأت مائة آية أو نحوها، وكان رحمه الله يقرأ القرآن كما أنزل. فإذا صرنا في المتصيد أمر الغلمان فيفرق بعضهم مع البازيارية، فكيف طارت الحجل كان في ذلك الجانب باز يرسل عليه ومعه من مماليكه وأصحابه أربعون فارساً أخبر الناس بالصيد، فلا يكاد يطير طير أو يثور أرنب ولا غزال لإ صدناه، وننتهي في الجبل نصيد إلى العصر ثم نعود إلى البلد بعد عتمة. فإذا ركبنا إلى طير الماء والدراج كان ذلك يوم فرجتنا نقع في الصيد من باب المدينة ثم نصل إلى الأزوار فيقف الفهود والصقور براً من الزور وندخل إليه بالبزاة، فإن طارت دراجة أخذها الباز، ولإن قفزت أرنب أرسلنا عليها بعض البزاة، فإن أخذها وإلا خرجت عند الفهود أرسلوا عليها، وإن قفز غزال خرج إلى الفهود أرسلوا عليه، فإن أخذ وإلا أرسلوا عليه الصقور فما يكاد يفلت منا صيد إلا بفسحة الأجل. وفي الأزوار خنازير كثيرة تخرج فنركض عليها ونقتلها فيكون فرحنا بقتلها أكثر من فرحة الصيد. وكن له ترتيب في الصيد كأنه ترتيب الحرب والأمر المهم لا يشتغل أحد بحديث مع صاحبه ولا لهم إلا التبختر في الأرض لنظر الأرنب أو الطير في أوكارها.

الأرمن يرسلون بزاة


وكان قد صار بيننا وبين بني روبال - تروس ولاون لأرمن من أصحاب المصيصة وانطرطوس واذنة والدروب - مصادقة ومكاتبة أكبر أسبابها رغبته في البزاة او ما حولها على أيدي رجالة أرمن بازيارية وينفذون الكلاب الزغارية، وينفذ لهم هو الحصن والطيب ومن كسوة مصر، فكان يجيئنا من عندهم بزاة ملاح نادرة فأجتمع عندنا بعض السنين بزاة قد جاءت من الدروب فيها باز فرخ مثل العقاب وبزاة دونه. وجاءنا من الخيل عدة بزاة فيها باز كأنه صقر عريض فرخ ما يلحق بتلك البزاة، والبازيار غنائم يقولما في هذه البزاة كلها مثل هذا الباز اليحشور ما يترك شيئاً إلى يصيده ونحن لا نصدقه. ثم أصلح ذلك الباز فكان كما ظن فيه من أفره البزاة واطيرها واشطرها، وقرنص عندنا وخرج من القرناص أجود مما كان. وعمر ذلك الباز وفرض عندنا ثلاثة عشر سنة. فكان قد صار كأنه من أهل البيت يصطاد للخدمة لا لما جرت به عادة الجوارح أن يصيدوا لنفوسهم. وكان مقامه عند الوالد رحمه الله لا يتركه عندا البازيار إنما يحمل الباز في الليل ويجوعه حتى يصطاد به، وذلك الباز كان يكفي من نفسه ويعمل ما يراد منه. فكنا نخرج إلى صيد الحجل ومعنا عدة بزاة فيدفعه الوالد إلى بعض البازيارية ويقولاعتزل به ولا ترسله بالحملة وتسير في الجبل فكلما خلوا أبصروا حجلة لابدة من شجرة قد أعلموه بها يقول هاتوا اليحشور. ساعة يقيم يده له قد طار من على يد البازيار وقع على يده بغير دعو، ثم يستشرف برأسه ورقبته فيقف على الحجلة النائمة ويرميها بقضيب في يده فتطير ويرسل عليها اليحشور فيأخذها في عشرة أذرع، ثم يقول للبازيارأشبعه فيقول لهاعتزل به. فإذا رأوا حجلة أخرى لابدة عمل بها ذلك، حتى يصيد خمس أو ست حجلات - كذا يأخذها في عشرة أذرع، ثم يقول للبازيارأشبعه فيقول لهيا مولاي ما تدعه نتصيد به؟ يا بني معنا عشرة بزاة نتصيد بها وهذا قد أصاد، هذه الاطلاق تقطع عمره. فيشبعه ويعتزل به البازيار فإذا أنهينا في الصيد وأشبعنا الزاة وحططناها على الماء شربت واستحمت، واليحشور على يد البازيار، فإذا استقبلنا البلد راجعين ونحن في الجبل قالهات اليحشور حمله على يده وسار، إن طارة حجلة من بين يديه أرسله عليها صادها حتى يصيد عشرة اطلاق أو أكثر قدر ما يطير له من الحجل، وهو شبعان لا يحيط منسرة في مذبح حجلة ولا يذق دمها. فإذا دخلنا الدار قالهاتوا طاسة ماء، فجاءوا بطاسة فيها ماء فقدمها إليه وهو على يده رحمه الله فيشرب منها، وإن كان يريد يستحم خضخض منسره في الماء فيدري انه يريد يستحم، فيأمر بإحضار جفنه كبيرة فيها ماء ويقدمها ليها، فيطير ينزل في وسطها ويدف في الماء حتى يكتفي من السباحة ثم يطلع فيحطه على قفاز خشب قد عمل له كبير، ويقرب منه منقل النار، فيتمشق ويتدهن حتى ينشف من الماء، ثم يضع له فرواً مطوياً فينزل إليه ينام عليه، فلا يزال بيننا على ذلك الفرو نائماً حتى يتهرول الليل ويريد الوالد يدخل إلى دار الحرم فيقول لأحدناأحمله فيحمل كما هو نائم على الفرو حتى يحط إلى جانب فراش الوالد رحمه الله. وكان من عجائب هذا الباز وعجائبه كثيرة وأنا أذكر منها ما يحضرني ذكره فإن الأمد قد طال وأنستني السنون كثيراً من أحواله، إن كان في دار الوالد حمام وطيور ماء خضر وأناثها وبيضانيات من التي تكون بين البقر تلقط الذبان في الدار، وكان يدخل الوالد وهذا الباز على يده يجلس على دكة في الدار والباز على قفاز إلى جانبه فلا يطلب شيئاً من تلك الطيور ولا يثب إليها، ولا كأنه مما جرت عادته بصيدها. وكانت المياه تكثر في ظاهر شيزر في الشتاء فيصير براً من سورها نقاع كبئار ماء وفيها الطيور، فيأمر الوالد البازيار وغلاماً معه يخرجا إلى قريب من تلك الطيور، ويأخذ اليحشور على يده ويقف به على الحصن يريه الطيور وهو شرقي البلد والطيور غربيها، فإذا أبصرها أرسله فينزل يشف على البلد حتى يخرج منه إلى الطيور، فيدق له البزيار الطبل فتطير الطيور فيصيد منها وبينها وبين موضع أرسل منه مسافة بعيدة. وكنا نخرج إلى صيد طير الماء والدراج ونرجع بعد عتمة نسمع صوت الطيور في خلجانكبار بالقرب من البلد. فيقول الوالدهات اليحشور، فيأخذه وهو شبعان ويتقدم إلى الطيور يدق الطبل حتى تطير الطيور ثم يرميها عليها. فإن أصاد وقع بيننا نزل إليه البازيار ذبح في رجله ورفعه، وإن لم يصد وقع على أكناف النهر فما نراه وما ندري أين وقع، فنخليه وندخل إلى البلد. ويصبح البازيار من سحر يخرج إليه يأخذه ويطلعبه إلى الحصن إلى عند الوالد رحمه الله. ويقول له يا مولاي قد صقل هذا الصقيع قفاه طوال الليل، وقد أصبح يقط البلاذ فاركب ابصر أيش يعمل اليوم! وما كان يفوت هذا الباز شيء من الصيد من السمانة إلى الوز السمند والأرنب، وكان البازيار يشتهي أن يصيد به الكراكي والحرجل ما يتركه الوالد ويقولالحرجل والكراكي تصيدها بالصقور. وكان هذا الباز قد قصر عما نعهده من صيد سنة من السنين حتى أنه كان إذا أرسل وأخطأ لا يجيء إلى الدعو وهو عاجز ولا يستحم ولا ندري ما به، ثم صلح عما كان من تقصيره وصاد.
وأستحم يوماًفرفعه البازيار من الماء وقد تفرق ريشه بالبب عن جانبه، وإذا في جانبه سلعة قد اللوزة، فأحضره البازيار بين يدي الوالد وقاليا مولاي هذه التي قصرت بالباز وكادت تهلكه ثم مسك الباز وعصرها خرجت مثل اللوزة يابسة وختم موضعها، وعاد الباز إلى الطيور بالسيف والنطعوكان شهاب الدين محمود بن قراجا صاحب حماة ينفذ كل سنة يطلب الباز اليحشور يمضي إليه مع البازيار يقيم عنده عشرين يوماً يتصيد به وبأخذه البازيار ويعود، فمات الباز بشيزر. واتفق أنني كنت قد زرت شهاب الدين إلى حماة، وأصبحت يوماً وأنا بحماة وقد حضر القراء والمكبرون وخلق عظيم من أهل البلد. فسألت من قد مات؟ قالوابنت لشهاب الدين. فأردت الخروج خلف الجنازة فما حكني شهاب الدين ومنعني، وخرجوا في قبروا الميت في تل صقرون، فلما عادوا قال لي شهاب الدينتدري من هو الميت؟ قلتقالواقالوا ولد لك. قال لا والله بل هو الباز اليحشور، سمعت انه قد مات، انفذت اخذته وعملت له تابوتاًوجنازة وقبرته، فإنه كان يستحق ذلك. وكان للوالد رحمه الله فهدة في الفهود مثل اليحشور في البزاة اصطادها وهي وحشية من أكبر ما يكون من الفهود، فأخذها الفهاد وقرمها واستجابها. وكانت تركب ولا تريد الصيد، وكانت تصرع كما يصرع المصاب بعقله وتزبد، ويقدم لها الخشف فلا تطلبه ولا تريده حتى إذا شمته وعضته. وبقيت كذلك مدة طويلة نحواً منسنة، فخرجنا يوماً إلى الأزوار، فدخلت الخيل إلى الزور وأنا واقف في فم الزور، والفهاد في هذه الفهدة يقرب مني، فقام من الزور غزال وخرج إلي، فدفعت حصاناً كان تحتي من اجود الخيل اريد ارده إلى الفهدة، وعاجله الحصان، ندسه بصدره رماه، فوثبت الفهدة صادته فكأنها كانت نائمة وانتبهت وقالتخذوا الصيد ما اردتم! فكانت مهما قام لها من الغزلاناخذته، ولا يستطيع الفهاد ضبطها فتجذبه ترميه، ولا تقف كما تقف الفهود في طردها بل وقت أن يقول قد وقفت تجدد عدواً أو تأخذ الغزال. وصيدنا بشيزر الغزال الادمي وهو غزال كبير، فكنا إذا خرجنا بها إلى العلاة والأرض الشرقية وفيها الغزال الأبيض، لاتترك الفهاد يركض بها حتى يمكننها ألا تجذبه ترميه، وتغير على الغزلان كأنها كانت ترى أنهم خشوف لصغر الغزال الأبيض. وكانت هذه الفهد دون باقي الفهود في دار الوالد رحمه الله وله جارية تخدمها ولها في جانب الدار قطيفة مطوية تحتها حشيش يابس، وفي الحائط سكة مضروبة يجيء الفهاد بها من الصيد إلى الباب الدار يحطها وفيها المرتفه وتدخل إلى الدار إلى ذلك المكان المفروش لها فتنام فيه، وتجيء الجارية تربطها إلى السكة المضروبة بالحائط وفي الدار والله، نحوى من عشرين غزال ادمي وأبيض وفحول ومعزي وخشوف قد توالدت في الدار فلا تطلبهم ولا تروعهم، ولاتزول عن موضعها وتدخل إلى الدار وهي مسيبة فلا تلفت إلى الغزلان. وشاهدت الجارية التي كانت تدور بها وهي تسرح جسمها بالمشط فلا تمنع ولاتنفر، ورأيتها يوماًوقد بالت على تلك القطيفة المفروشة لها وهي تتلتلها وتضربها حيث بالت على القطيفة ولا تهر عليها ولا تضربها. ورأيتها يوماً وقد أثارت من بين يدي الفهاد ارنبين، وقد لحقت الواحدة وأخذتها عضتها بفمها وتبعت الأخرى فلحقتها وجعلت تضربها بيدها وفمها مشغول في الأرنب الأولة، فوقفت عنها بعد ان ضربتها بيديها عدة ضربات ومضت الأرنب. وحضر معنا في الصيد الشيخ العلم ابو عبيد الله الطليطلي النحوي رحمه الله، وكان في النحو سيبويه زمانه، قرأت عليه النحو نحواً من عشر سنين وكان متولي دار العلم بطرابلس.
فلما أخذ الإفرنج طرابلس نفذ الوالد والعم رحمهما الله استخلصا الشيخ ابو عبد الله هذا ويانس الناسخ، وكان قريب الطبقة في الخط من طريقة ابو البواب، اقام عندنا بشيزر مدة ونسخ للوالد رحمه الله ختمتين. ثم انتقل إلى مصر ومات بها. وشاهدت من الشيخ عبد الله عجباً. دخلت عليه يوماً لأقراء له فوجدته بين يديه كتب النحوكتاب سيبويهو كتاب الخصائص لإبن جني وكتاب الأيضاح لأبي علي الفارسي وكتاب اللمع وكتاب الجمل فقلتيا شيخ أبو عبد الله قرأت هذه الكتب كلها؟ قرأتها؟ لا والله إلا كتبتها في اللوح وحفظتها، تريد تدريخذ جزءاً وافتحه وأقرأ من أول الصفحة سطراً واحداً. فأخذت جزءاًوفتحته وقرأت منه سطراً، فقرأ الصفحة بأجمعها حفظاًحتى أتى على تلك الأخزاء جميعها، فرأيت منه أمراً عظيماًما هو في طاقة البشر. هذه جملة إعتراضية لا موضع لها من سياقة الحديث. وقد حضر معنا صيد هذه الفهدة وهو راكب في رجليه افدام، وفي الأرض شوك كثير وقد ضرب رجليه أدماها، وهو مشغول ينظر صيد الفهدة ولا يحس بتألم رجليه - مشغول بما يراه من تسللها إلى الغزلان وعدوها وحسن صيدها.

SHARIEF FATTOUH
05-15-2010, 12:12 PM
باز أحمر العينين

وكان الوالد رحمه الله محظوظاً من الجوارح النادرة الفارهة، وذلك انها كانت عنده كثيرة فيندر منها الجراح الفاره، وكان عنده في بعض السنين باز مقرنص بيت أحمر العينين، فكان من أفره البازة، فوصل كتاب عمي تاج الأمراء أبي المتولد مقلد رحمه الله من مصر وكان مقامه بها في خدمة الآمر بأحكام الله يقولسمعت في مجلس الأفضل ذكر الباز الأحمر العينين، والأفضل يستخبر المحدث عنه وعن صيده. فنفذه الوالد رحمه الله مع بازياره إلى الأفضل. فلما حضر بين يديه قال لههذا هو الباز الأحمر العينين؟ قال نعم يامولاي قال أي شيء يصيد؟ قاليصيد السمانة والحرجلة وما بينهما من صيد فبقي هذا الباز بمصر مدة ثم أفلت وراح وبقي سنة في البرية في شجر الجميز وقرنص في البرية، ثم عاد اصطادوه وتصيدوا به. وقد أرسل على طير منه مصيبة عظيمة.

باز إفرنجي

وكان يوماً عند الوالد رحمه الله، وقد جاء إنسان من من فلاحي معرة النعمان معه باز مقرنص مكسر ريش الأجنحه والذنب في قدر العقاب الكبير، ما رأيت قط باز مثله وقاليا مولاي كنت اصلي للدلم بالنادوف فضرب هذا الباز على دلمة في النادوف فأخذته وحملته إليك. فأخذه واحسن إلى الذي اهداه. ووصل البازيار ريشه وحمله واستجابه، وإذا الباز صائد مطابق مقرنص بيت قد افلت من الإفرنج وقرنص في جبل المعرة، فكان من أفره الجوارح واشطرها.

فرخ شاهين

وشاهدته يوماًوقد خرجنا معه رحمه الله إلى الصيد واستقبلنا على بعد رجل معه شيء ما نتحققه. فلما دنا منا وإذا معه شاهين فرخ من أكبر الشواهين واحسنها وقد خمش يده وهو حامله، فدلاه ومسك ساقيه ورجليه - والشاهين مدلي منشور الأجنحة. فلما وصلنا قاليا مولاي أصدت هذا الطير وقد جئت به إليك فسلمه الوالد إلى البازيار فأصلحه ما انكسر من ريشه. ولم يخرج مخبره مثل منظره، كان قد اتلفه الصياد بما عمل به. والشاهين هو الميزان ادنى شيء يعيبه ويفسده. وكان هذا البازيار صانعاًمجوداً في إصلاح الشواهين. كنا نخرج من باب المدينة إلى الصيد ومعنا جميع آلة الصيد حتى الشباك والفؤوس والمجارف والكلاليب لما ينجحر من الصيد، ومعنا الجوارح والبزاة والصقور والشواهين والفهود والكلاب، فإذا خرج إحداهما عن القصد تنحنح البازيار وأشار بيديه إلى النحو الذي يريده فيرجع والله الشاهين من وقته إلى ذلك النحو ورأيته وقد أدار الشاهيناً على قطعة من الصلاصل نازلة لي مرج فلما أخذ الشاهين طبقته دق له الطبل فطارت وانقلب عليها الشاهين ضرب رأس صلصلة قطعه، وأخذها ونزل. فدرنا والله على ذلك الرأس ما وجدناه، وأثره قد وقع على بعد في الماء لأننا كنا بالقرب من النهر. وقال له غلام يقال له أحمد بن مجير لم يكن ممن يركب معهيا مولاي اشتهيت أبصر الصيد. قالقدموا لأحمد فرساًيركبه ويخرج معنا. فخرجنا إلى صيد الدراج، فطار ذكر وتنر كما جرت العادة، وعلى يد الوالد رحمه الله اليحشور فأرسله عليه، فطار على الأرض والحشيش يضرب صدره والدراج قد ارتفع ارتفاعاً كبيرا. فقال له أحمديا مولاي وحياتك كان يتلاه به حتى أخذه.

كلاب صيد

وكان يجيئه من بلاد الروم الزغارية كلاب جياد ذكور وأناث. فكانت تتوالد عندنا وصيدها الطير طبع فيها. شاهدت منها جروة صغيرة قد خرجت خلف الكلاب التي مع الكلابزي، فأرسل بازاً على دراجة فبنجت في غلفاء في جرف النهر فأرسلوا الكلاب على الغلفاء لتطير الدراجة، وتلك الجروة واقفة على الجرف. فلما طارت الدراجة وثبت الجروة خلفها من على ذلك الجرف. فوقعت في وسط النهر، وما تعرف الصيد وما صادت قط. ورأيت كلباً من هذه الزغارية وقد بنجت حجلة في الجبل في بمج صعب وقد إليه الكلب وأبطأ. ثم سمعنا حشكة في داخل البنج. فقال الوالد رحمه اللهفي البنج وحش وقد قتل الكلب. ثم بعد ساعة خرج الكلب يجر رجل ابن آوى، وكان في البنج قد قتله وجره أخرجه إلينا. وكان الوالد رحمه الله قد خرج إلى اصبهان إلى دركات السلطان ملك شاه رحمه الله فحكى لي قاللما قضيت أشغالي من عند السلطان وأردت السفر أردت أن استطحب معي جارحاً اتفرج به في طريقي، فجاءوني ببزاة ومعها ابن عرس معلم يخرج الطيور من البنج، فأخذت صقوراًتصيد الأرانب والحبارى، واستصعبت مداراة السلوقية كلاب جياد، ارسل يوماً الصقور على الغزلان والأرض غب مطر ثقيلة بالوحل، وأنا معه صغير على برذون لي، وخيلهم قد وقفت من الركض في الطين وبرذوني لخفتي عليه مستظهر، وقد صرعت الصقور والكلاب والغزال. فقال لييا أسامة الحق الغزال ونزل أمسك من رجليه إلى أن نجيء ففعلت، ووصل هو يرحمه الله فذبح الغزال ومعه كلبة صفراء جواد يسمونها الحموية وخرج يهرول بها حتى رأت الغزلان، وأرسلها عليها اصطادت غزالاً آخر. وكان رحمه الله مع ثقل جسمه وكبر سنه وأنه لا يزال صائماًيركض نهاره كله. وكان لا يتصيد إلى على الحصان أو اكديش جواد ونحن معه أربعة أولاده نتعب ونكل وهو يضعف لا يكل ولا يتعب ولا يقدر وشاقي ولا صاحب جنيب ولا حامل سلاح يقصر في الركض على الصيد. وكان لي غلام اسمه يوسف معه رمحي ودقتي ويجنب حصاني فلا يركض على الصيد ولا يتعبه، فيحرد الوالد عليه، فعل ذلك مرة بعد مرة. فقال له الغلاميا مولاي ما ينفعك احد من الحاضرين، والعياذ بالله مثل ابنك هذا، فدعني اكون خلفه بحصانه وسلاحه، ان احتجته وجدته، واحسب اني ما أنا معكم فما عاد يلومه ولا ينكر عليه كونه ما يركض على الصيد.

والد أسامة يتوقف عن الصيد ليراقب الإفرنج


ونزل علينا صاحب انطاكية وقاتلنا ورحل عن غير صلح، فركب الوالد رحمه الله إلى الصيد واخرهد ماابعد عن البلد فتبعتهم خيلنا، فعادوا عليهم والوالد قد ابعد عن البلد. ووصل الإفرنج إلى البلد والوالد قد طلع على تل سكين يراهم وهم بينه وبين البلد، وما زال واقفاً على التل إلى ان انصرفوا عن البلد وعاد إلى الصيد.

الفرق بين الخيول العربية والبراذين


وكان رحمه الله يطرد اليحامير في ارض حصن الجسر فصرع منها يوماً خمسة او ستة على فرس له دهماء تسمى فرس خرجي باسم صاحبها الذي باعها كان اشتراه الوالد منه بثلاثمانة وعشرين ديناراً، فطرد آخر اليحامير فوقعت يدها في حفرة مما يحفر للخنازير فانقلبت عليه كسرت تروقته، ثم قامت ركضت قدر عشرين ذراعاً وهو مطروح، ثم عادت وقفة عند رأسه تنحب وتصهل حتى قام وجاءه الغلمان اركبوه، فهذا فعل الخيل العربية. وخرجت معه رحمه الله الى نحو الجبل لصيد الحجل، فنزل غلام له اسمه لؤلؤ رحمه الله لبعض شغله، ونخن قريب من البلد من بكره وتحته برذون، فراى ظل تركشه اجفل منه فرماه وانفلت، فركضت والله عليه انا وبعض الغلمان من بكره الى بعد العصر الى ان ألجأناه الى جشار في بعض الازوار، وقام الجشاريه مدوا له الحبل وقبضوه كما يقبض الوحش، وأخذته وعدت والوالد رحمه الله واقف في ظاهر البلد ينتظرني ما يصيد ولا ينزل في داره، فالبراذين بالوحش اشبه مما هي بالخيل.

شيخ يعترض على صيد الطيور

حكى لي رحمه الله قال كنت اخرج الى الصيد ويخرج معي الرئيس ابو تراب حيدره بن قطر متر رحمه الله وكان شيخ الذي حفظ عليه القرأن وقرأ عليه العربيه. فكنا اذا وصلنا موضع الصيد ينزل عن الفرس ويجلس على صخره يقرا القران ونحن نتصيد حوله، فاذا فرغنا من الصيد ركب وسار معنا فقال يوما يا سيدنا انا جالس على صخره واذا حجله قد جاءت وهي تتهنكف وهي معيية إلى تلك الصخرة التي أنا عليها، دخلت وإذا الباز قد أتى خلفها وهي بعيدة منها، فنزل مقابلي ولؤلؤ يصيحعينك عينك يا سيدنا، وجاء وهو يركض وأنا أقولاللهم استر عليها. فقاليا سيدنا أين الحجلة؟ قلت ما رئية شيئاً، ما جائت إلى ها هنا، وترجل عن فرسه ودار حول الصخرة وطلع تحتها فرأها. فقالأقول الحجلة ها هنا تقول لا! وأخذها يا سيدنا كسر رجليها ورماها إاى الباز، وقلبي ينقطع عليها.

SHARIEF FATTOUH
05-15-2010, 12:14 PM
صيد الأرانب

وكان هذا لؤلؤ رحمه الله أخبر الناس بالصيد، شاهدته يوماً وكانت جاءتنا من البرية أرانب جالية، فكنا نخرج نصطاد منها شيئاً كثيراً، وكانت أرانب صغار حمر! فشاهدته يوماً وقد جلى عشرة أرانب طعن التسعة بالبالة اخذها، ثم جلى أرنب عاشرة. فقال له الوالد رحمه اللهدعها، تقيمها الكلاب تنفرج عليها. فأقاموها وأرسلوا عليها الكلاب، فسبقت الأرنب وسلمت. فقال لؤلؤ يا مولاي لو كنت تركتني طعنتها وأخذتها. وشاهدت يوماً أرنباً تورناها وأرسلنا عليها الكلاب فانجرحت في الأرض الحبيبت، فدخلت كلبة سوداء خلفها بالمحجر، ثم خرجت في الحال وهي تتعوص، ثم وقعت فماتت. فما إنصرفنا عنها حتى تفسخت وماتت وتهرأت، وذالك أنها لسعتها حية في المحجر.

باز يصطاد زرزوراً


ومن عجيب ما رئيت من صيد البزاة انني خرجت مع والوالد رحمه الله عقيب مطرقد تتابع ومنعنا من الركوب أياما. فأمسك المطر فخرجنا بالبزاة نريد طير الماء، فرأينا طيور ممرجة في المرج تحت شرف، فتقدم الوالد فأرسل عليها بازاً مقرنصاً بيت فطلع مع الطيور فصاد منه ونزل فما رأينا معه شيء من الصيد فنزلنا عنده فإذا هو اصطاد زرزوراً وطبق كفه عليه فما جرحه ولا أذاه فنزل البازيار خلصه وهو سال.

صيد الوز والحباري

ورأيت من الوز السمند حمية وشجاعة كحمية الرجال وشجاعتهم، وذلك أننا أرسلنا الصقور على رف وز سمند ودققنا الطبول فطار، ولحقت الصقور وزة حطتها من بين الوز، ونحن بعيداً منها فصاحت، فترحل من الوز إليها خمسة ستة طيور يضربون الصقور بأجنحتها، فلولا نبادرهم كانوا خلصوا الوزة وقصوا أجنحة الصقور بمناقيرهم. وهذا ضد حمية البارى، فإنها إذا قرب منها الصقر نزلت إلى الأرض وكيف دار استقبلته بذنبها، فإذا دنا منها سلحت عليه، بلت ريشه وملأت عينيه وطارت، وإن أخطأته بما تفعله أخذها.

صيد اليمة

ومن أغرب ما صاده الباز مع الوالد رحمه الله انه كان على يديه باز غطراففرخ وعلى خليج ماء عيمة وهي طير كبير مثل لون البلشون إلا أنها اكبر من الكركي - من طرف جناحها إلى الطرف الآخر اربعة عشر شبراً فجعل الباز يطلبه، فأرسله عليه ودق الطبل فطار ودخل فيه الباز، أخذه ووقع في الماء. فكان ذلك سبب سلامة الباز، وإلا كان قتله بمنقاره، فرمى غلام من الغلمان نفسه بالماء بثيابه وعدته مسك العيمة وأطلعها. فلما صارت على الأرض صار الباز يبصرها ويصيح وطار عنها وما عاد يعرض لها، ولا رأيت باز سوى ذلك اصطادها، فإنها كما قال أبو العلاء بن سليمان في العنقاءأرى العنقاء تكبر إن تصطاد.

سبع يخاف أجراس الباز

وكان الوالد رحمه الله يمضي إلى حصن الجسر وهو كثير الصيد فيقيم به أياماً ونحن معه نصيد الحجل والدراج وطير الماء واليحامير والغزلان والأرانب. فمضى يوماً إليه فركبنا إلى صيد الدراج فأرسل باز يحمله ويصلحه مملوك أسمه قولا على دراجة ومضى نقولا يركض وراءه وقد بنج الدرج في غلفاء، وإذا صياح نقولا قد ملأ الأسماع وعاد يركض. قلنا مالك؟ قالالسبع خرج من الغلفاء التي وقع فيها الدراج فخليت الباز وانهزمت. وإذا السبع أيضاً ذليل مثل نقولا لما سمع أجراس الباز خرج من الغلفاء منهزماً إلى الغاب.

صيد السمك

وكنا نصيد ونعود ننزل على بوشمير نهر صغير بالقرب من الحصن وننفذ نحضر صيادي السمك فنرى منهم العجب، فيهم من معه قصبة في رأسها حربة لها جبة مثل الخشوت، ولها في الجبت ثلاثة شعب حديد طول كل جعبة ذراع. وفي رأس القصبة خيط طويل مشدود إلى يده يقف على جرف النهر وهو ضيق المدى ويبصر السمكة فيزرقها في تلك التي فيها الحديد فما يخطئها، ثم يجذبها بذلك الخيط فتطلع والسمكة فيها، وآخر من الصيادين معه عود قدر قبضه فيه شوكة وفي طرفه الأخر خيط مشدود إلى يده، ينزل يسبح في الماء يبصر السمكة يخطفها بتلك الشوكة ويخليها فيها ويطلع ويجذبه بذلك الخيط يطلع الشوكة والسمكة وآخر ينزل ويسبح ويمر يده تحت الشجر في الشطوط من الصفصاف على السمكة حتى يدخل أصابعه في خواشيم السمكة وهي لاتتحرك ولا تنفر ويأخذها ويطلع، فكانت تكون فرجتنا عليهم كفرجتنا على صيد البزاة.

SHARIEF FATTOUH
05-15-2010, 12:17 PM
غنائم البازيار


وتوالى المطر والهواء علينا أياماً ونحن في حصن الجسر، ثم أمسك المطر لحظة فجاءنا غنائم البازيلر وقال للوالدالبزاة جياع جيدة للصيد. وقد طابت وكف المطر، ما تركب؟ قالبلى فركبنا فما كان بأكثر من أن خرجنا إلى الصحراء وتفتحت أبواب السماء بالمطر. فقلنا للغنائمأنت زعمت إنها طابت وصحت حتى اخرجتنا في هذا المطر! قالما كان لكم عيون تبصر الغيم ودلائل المطر؟ كنتم قلتم لي تكذب في لحيتك ما هي طيبة ولا صاحية! وكان هذا غنائم صانعاً جيداًفي إصلاح الشواهين والبزاة خبير بالجوارح، ظريف الحديث طيب العشرة، قد رأى من الجوارح ما يعرف وما لا يعرف. خرجنا يوماً إلى الصيد من حصن شيزر فرأينا عند الرحا الجلالي شيئاً وإذا كركي مطروح على الأرض، فنزل غلام قلبه وإذا هو ميت وهو حار ما برد بعد فآه غنائم فقالهذا قد اصطاده اللزيق. فتش تحت جناحه وإذا جانب الكركي مثقوب وقد أكل قلبه. فقالغنائمهذا جارح مثل العوسق يلحق الكركي يلصق تحت جناحه يثقب أضلاعه ويأكل قلبه.
وقضى الله سبحانه وتعالى أنتقل إلى خدمت أتابك زنكي رحمه الله. فجاءه جارح مثل العوسق أحمر المنسر والرجلين جفونه عينيه حمر وهو من أحسن الجوارح فقالواهذا البزيق. مابقي عنده إلا أياماً قلائل وقرض السيور بمنسره وطار.


صيد حمير الوحش

وخرج الوالد رحمه الله إلى صيد الغزلان وأنا معه صغير فوصل وادي القناطر وإذا فيه عبيد حرامية يقطعون الطريق فأخذهم وكتفهم وسلمهم إلى قوم من غلمانه يوصلوهم إلى حبس في شيزر. فأخذت أنا خشت من بعضهم وسرنا في الصيد، وإذا عانة حمير وحش. فقلت للوالديا مولاي ما أبصرت حمير الوحش قبل اليوم، عن أمرك أركض أبصرهم. فقالإفعل. وتحتي فرس شقراء من أجود الخيل، فركضت وفي يدي ذلك الخشت الذي أخذته من الحرامية، فصرت وسط العانة فأخذت منها حماراً وصرت أطعنه بذلك الخشت فلا يعمل فيه شيئاًلضعف يدي وقلة مضاء الحربة. فرددت الحمار حتى ردته إلى أصحابي فأخذوه. فعجب والدي ومن معه من عدوا تلك الفرس. فقضى الله سبحانه أنني خرجت يوماً أتفرج على نهر شيزر وهي تحتي ومعي مقرىء ينشد مرة ويقرأ مرة ويغني مرة، فنزلت تحت الشجرة ودفعت الفرس إلى الغلام فعمل فيها شكلاً. وكان إلى جانب النهر فنقرت فوقعت في النهر على جنبها. وكلما أردت تقوم تعود تقع في الماء لأجل الأشكال. وكان الغلام صغيراًلايقدر على تخليصها. ونحن لا نعلم ولا ندري. فلما قاربت الموت صاح بنا فجئناها وهي في آخر رمقفقطعنا شكالها وأطلعناها فماتت، وما كان الماء يصل إلى عضدها إنما الشكال أهلكها.

يخاف على الباز من الغرق


وخرج يوماً الوالد رحمه الله إلى الصيد وخرج معه أمير يقال له الصمصام من أصحاب فخر الدين الملك بن عمار صاحب طرابلس على سبيل الخدمة وهو رجل قليل المخبرة بالصيد. فأرسل الوالد بازاً على طير الماء فأخذ منها طيراً ووقع في وسط النهر، فجعل الصمصام يدق يداً على يد ويقوللا حول ولا قوة إلى بلاه، كيف كان خروجي في هذا اليوم؟ فقلت لهياصمصام تخاف على الباز أن يغرق؟ قال نعم قد غرق بطة هوحتى يقع في الماءولا يغرق؟ فضحكت وقلتالساعة يطلع. فأخذ الباز رأس الطير وسبح وهو معه حتى طلع به. فبقى الصمصام يتعجب من ذلك ويسبح الله سبحانه ويحمده على سلامة الباز.

لكل حيوان أجله

ومنايا الحيوان مختلفه الالوان قد كان الوالد رحمه الله أرسل زرقا أبيض على درجه، فوقعت الدراجه في غلفاء ودخل معها الزرق، وفي الغلفاء ابن اوى أخذ الزرق قطع رأسه، وكان من خيار الجوارح وافرهها. ورايت من منايا الجوارح وقد ركبت يوما وبين يدي غلام لي معه باشق فرماه على عصافير فأخذ عصفورا. وجاء الغلام ذبح العصفور في رجل الباشق فنفض الباشق رأسه وتقيأ دما ووقع ميتا، والعصفور في تلفه مذبوح فسبحان مقدر الاجال. واجتزت يوما من باب فتحناه في الحصن لعماره كانت هناك ومعي زر بطانه فرأيت عصفورا على حائط انا واقف تحته فرميته ببندقيه فأخطأته وطار العصفور وعيني الى البندقيه، فنزلت مع الحائط وقد أخرج عصفورا رأسه من نقب في الحائط فوقعت البندقيه على رأسه فقتلته ووقع بين يديفذبحته، وما كان صيده عن قصد ولا أعتماد. وأرسل رحمه الله يوما الباز على أرنب قامت لنا في زور كثير الشوك فأخذها وانفرطت منه فجلس على الارض وراحت الارانب، فركضت أنا فرسا دهماء تحتي من جياد الخيل لأرد الأرنب، فوقت يد الفرس في حفره فانقلبت علي، فملأت يدي ووجهي من ذلك الشوك وانفسخت رجل الفرس. ثم انتقل الباز من الأرض بعدما أبعدت الأرنب لحقها اصادها! فكأنه كان قصده اتلاف فرسي واذيتي بالوقوع في الشوك

صيد الخنزير


فأصبحنا يوما في اول يوم من رجب صياما، فقلت للوالد رحمه الله اشتهي أخرج أتشاغل بالصيد عن الصيام. قال أخرج، فخرجت انا وأخي بهاء الدوله ابو المغيث منقذ رحمه الله ومعنا بعض البزاه الى الأزوار فدخلنا في سوس، فقام لنا خنزير ذكر فطعنه أخي، جرحه ودخل ذلك السوس فقال أخي الساعه يكربه الجرح ويخرج استقبله اطعنه اقتله. قلت لاتفعل يضرب فرسك يقتلها. نحن نتحدث والخنزير خرج يريد زورا أخر، فالتقاه أخي طعنه في سنامه أنكسرت فيه عاليه القنطاريه التي طعنه بها ودخل تحت فرس شقراء تحته عشراء محجله شعلاء ضربها رماها ورماه. فأما الفرس فأنفست فخذها وتلفت، وأما هو فأنفكت اصبعه الخنصر وانكسر خاتمه. وركضت انا خلف الخنزير فدخل في سوس مخصب وخناث فيه باقوره نائمه ما أراها من ذلك الغاب فقام منها ثور في صدر حصاني فندسه، فوقعت ووقع الحصان وانكسر لجامه وقمت أخذت الرمح وركبت ولحقته وقد رمى نفسه في النهر، فوقفت على جرف النهر ورزقته بالرمح فوقع فيه وأنكسر منه قدر ذراعين وبقيت الحربه فيه وسبح الى ناحيه النهر، فصحنا بقوم من ذالك الجانب يضربون لبنا لعمارت بيوت في قريه لعمي، فجاءوا ووقفوا عليه وهو تحت جرف لايقدر يطلع منه فجعلوا يرمونه بالحجاره الكبار حتى قتلوه وقلت لركابي لي أنزل اليه، فقلع عدته وتعرى وأخذ سيفه وسبح اليه ثم قتله وسحب برجله وأتى به وهو يقول غرفكم الله بركات صيام رجب! استفتحناه بنجس الخنزير. ولو كان للخنزير ظفر ناب مثل الاسد كان أشد بأسا من الاسد فلقد رأيت منها خنزيره قد أقمناها عن جريات لها وواحد يضرب حافر فرس غلام معي بفمه وهو في قد جرو القط، فأخذ الغلام من تركشه نشابه ومال اليه طعنه بها ورفعه بالنشابه، فعجبت من قتاله وضربه حافزا لفرس وهو بحيث يحمل في سهل نشاب.

صيد الحجل


كان من عجائب الصيد اننا كنا نخرج الى الجبل الى صيد الحجل ومعنا عشره بزاه نتصيد بها النهار كله، والبازياريه مفترقه في الجبل ومع كل بازيار فارسان ثلاثه من المماليك، ومعنا كلابزيان اسم الواحد بطرس ولآخر زرزور باديه وكلما ارسل البازيار على حجله وبنجت قد صاحوا يا بطرس! يعدو اليهم مثل الهجين. كذالك النهار كله يعدو من جبل الى جبل هو ورفيقه، فاذا اشبعنا البزاه ورجعنا أخذ بطرس قلاعه وعدا خلف واحد من المماليك ضربه بها، اخذ الغلام قلاعه وضرب بطرس. فلا يزال يطارد الغلمان وهم ركاب وهو راجل ويرميهم باقلاع من الجبل الى باب المدينه ما كأنه كان نهاره كله يعدو من جبل الى جبل.

الكلاب الزغارية

ومن عجائب الكلاب الزغارية أنها ما تأكل الطيور ولا تأكل منها إلى رؤوسها وأرجلها التي ما عليها لحم والعظام التي أكلت البزات لحمها. وكان للوالد رحمه الله كلبة سوداء زغارية يضع الغلملن بالليل عاى رأسها السراج ويقعدون يلعبون بالشطرنج وهي لا تتحرك ولا تزول حتى عمشت عيناهاوكان الوالد يحرد على الغلمان ويقولقد أعميتم هذه الكلبة! ولا ينتهون عنها. وأهدى الأمير شهاب الدين مالك بن سالم بن مالك صاحب القلعة للوالد كلبة عروفاً ترسل تحت الصقور على الغزلان فكنا نرى منهم العجب.

الصيد بموجب النظام

وصيد الصقور بالترتيب يرسل في الأول المقدم فيعلق بأذن غزال يضربه، ويرسل العون بعده فيضرب غزالآً آخر، ويرسل العون الأخر فيفعل كذلك، ويرسل الرابع فيضرب كل صقر منها على غزال، فيأخذ المقدم أذن غزال ويفرده من الغزلان فترجع الصقور جميعها إليه وتترك تلك الغزلان التي كانت تضربها. وهذه الكلبة تحت الصقور فيتفق أن يظهر العقاب فتحل الصقور عن الغزال فيمضي الغزال وتدور الصقور. فكنا نرى تلك تلك الكلبة قد رجعت عن الغزلان وقت رجوع الصقور وهي تدور تحت الصقور في الأرض كما تدور الصقور في الهواء حلقة، ولا تزال تدورتحتها حتى تنزل الصقور إلى الدعو، فحينئذ تقف وتمشي خلف الخيل.

صيد الغزلان والدراج


وكان بين شهاب الدين مالك وبين والدي رحمهما الله مودة ومواصلة بالمكاتبات والرسل، فنفذ إليه يوماً يقول خرجت إلى صيد الغزلان فاصطدنا منها ثلاثة آلاف خشف يوم. وذلك أن غزلان عندهم في أرض القلعة كثيره وهم يخرجون وقت ولاد الغزلان خيالة ورجالة فيلأخذون منها ما قد ولد تلك الليلة وقبلها بليلة وثلاث ويقشنها كما يقش الحطب والعشب. والدراج عندهم كثير في الأزوار عاى الفرات. وإذا شق جوفه الدراجة وأزيل ما فيه وحشي بالشعر لا تتغير رائحتها أياماً كثيرة. ورأيت يوماً دراجة قد شق جوفها وأخرجت قانصتها وفيها حية قد أكلت نحو من شبر. وقتلنا مرة ونحن نصيد حية قد شق جوفها وخرجت قانصتها وفيها حية قد أكلتها نحو من شبر. وقتلنا مرة ونحن في الصيد حية خرج من جوفها حية قد بلعتها صحيحة دونها بيسير. ففي طباع جميع الحيوان اعتداء القوي على الضعيف

والظلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفة فلعلة لا يظلم

حصر المصيد ذكر الصيد وقد شهدته سبعين سنو من عمري غير ممكن ولا مستطاع وتضييع الأوقات في الخرافات، من أعظم عوارض الآفات، وأنا أستغفر الله تعالى من تضييع الصبابة الباقية من العمر، في غير طاعة واكتساب ثواب وأجر، وهو تبارك وتعالى يغفر الخطية، ويجزل من رحمته العطية، فهو الكريم الذي لا يخيب آمله، ولا يرد سائله.
آخر الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وعلى آله الطاهرين أجمعين وسلم تسليما وحسبنا الله ونعم الوكيل
وكان في آخر الكتاب ما مثاله قرأت هذا الكتاب من أوله إلى آخره في عدة مجالس على مولاي جدي الأمير الأجلّ العالم الفاضل الصدر الكامل عضد الدين جليس الملوك والسلاطين حجّة العرب خالصة أمير المؤمنين أدام الله سعادته وسألته أن يجريني روايته عنه فأجابني إلى ذلك وسطر خطه الكريم به وذلك في يوم الخميس ثالث عشر صفر سنة عشرة وستمائة صحيح ذلك وكتب جدّه مرهف بن أسامة بن المنقذ حامدا ومصليا.

SHARIEF FATTOUH
05-15-2010, 12:29 PM
السلام عليكم
أخواتي و اخواني الأفاضل
هذا الكتاب مما أعجبني لما فيه من تنوع عن حكم و معرفة من تاريخ الأولين
و حضاراتهم و مهاراتهم و ما كان في زمانهم
أصدقائي لقد نقلت لكم هذا الموضع راجياً منكم الفائدة منه
و أكون شاكراً لكم إن كان هنالك اي خطأ و نبهني له أحد و أنا إنشاء الله سأكون من احرص الناس على مصداقية المعلومات
و سأقوم بتصحيح الخطأ راجياً لكم الفائدة
و لا تنوسنا من بركة دعائكم
أخوكم سيف الحبيب محمد
:z025:
اللهم انصر الأمة على ايدينا