المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدمعة الخرساء



عاشق الوطنية
07-06-2010, 02:21 AM
سمعت عويل النائحات عشية في الحيّ يبتعث الأسى و يثير يبكين في جنح الظلام صبيّة إنّ البكاء على الشباب مرير فتجهّمت و تلفّتت مرتاعة كالظبي أيقن أنّه مأسور و تحيّرت في مقلتيها دمعة خرساء لا تهمي و ليس تغور فكأنّها بطل تكنّفه العدى بسيوفهم و حسامه مكسور و جمت ، فأمسى كلّ شيء واجما ألنور ، و الأظلال ، و الديجور ألكون أجمع ذاهل لذهولها حتى كأنّ الأرض ليس تدور لا شيء ممّا حولنا و أمامنا حسن لديها و الجمال كثير سكت الغدير كأنّما التحف الثرى وسها النسيم كأنّه مذعور و كأنّما الفلك المنوّر بلقع و الأنجم الزهراء فيه قبور كانت تمازحني و تضحك فانتهى دور المزاح فضحكها تفكير ...
قالت وقد سلخ ابتسامتها الأسى : صدق الذي قال الحياة غرور أكذا نموت و تنقضي أحلامنا في لحظة ، و إلى التراب نصير ؟ و تموج ديدان الثرى في أكبد كانت تموج بها المنى و تمور خير إذن منّا الألى لم يولدوا و من الأنام جلامد و صخور و من العيون مكاحل و مراود و من الشفاه مساحيق و ذرور و من القلوب الخافقات صبابة قصب لوقع الريح فيه صفير ! ...
و توقّفت فشعرت بعد حديثها أن الوجود مشوّش مبتور ألصيف ينفث حرّه من حولنا و أنا أحسّ كأنّني مقرور ساقت إلى قلبي الشكوك فنغّصت ليلي ، و ليس مع الشكوك سرور و خشيت أن يغدو مع الرّيب الهوى كالرسم لا عطر و فيه زهور و كدميه المثّال حسن رائع ملء العيون و ليس ثمّ شعور فأجبتها : لتكن لديدان الثرى أجسامنا إنّ الجسوم قشور لا تجزعي فالموت ليس يضيرنا فلنا إياب بعده و نشور إنّا سنبقى بعد أن يمضي الورى و يزول هذا العالم المنظور فالحب نور خالد متجدد لا ينطوي إلاّ ليسطع نور و بنو الهوى أحلامهم ورؤاهم لا أعين و مراشف و نحور فإذا طوتنا الأرض عن أزهارها و خلا الدجى منّا و فيه بدور فسترجعين خميلة معطارة أنا في ذراها بلبل مسحور يشدو لها و يطير في جنباتها فتهشّ إذ يشدو و حين يطير أو جدولا مترقرقا مترنّما أنا فيه موج ضاحك و خرير أو ترجعين فراشة خطّارة أنا في جناحيها الضحى الموشور أو نسمة أنا همسها و حفيفها أبدا تطوّف في الذرى و تدور تغشى الخمائل في الصباح بليلة و تؤوب حين تؤوب و هي عبير أو نلتقي عند الكثيب ، على رضى و قناعة ، صفصافة و غدير تمتدّ فيه و في ثراه عروقها و يسيل تحت فروعها و يسير و يغوص فيه خيالها فيلفه و يشفّ فهو المنطوي المنشور يأوي إذا اشتدّ الهجير إليهما ألناسكان : الظبي و العصفور لهما سكينتها ووارف ظلّها و الماء إن عطشا لديه وفير أعجوبتان – زبرجد متهدل نام تدفّق تحته البلّور لا الصبح بينهما يحول و لا الدجى فكلاهما بكليهما مغمور تتعاقب الأيّام و هي نضيره مخضرّة الأوراق ، و هو نمير فالدهر أجمعه لديهما غبطة فالدهر أجمعه لديها حبور ...
فتبسّمت و بدا الرضى في وجهها إذ راقها التمثيل و الصوير عالجتها بالوهم فهي قريرة و لكم أفاد الموجع التخدير ثمّ افترقنا ضاحكين إلى غد و الشهب تهمس فوقنا و تشير هي كالمسافر آب بعد مشقّة و أنا كأنّي قائد منصور لكنّني لمّا أويت لمضجعي خشن الفراش عليّ و هو وثير و إذا سراجي قد وهت و تلجلجت أنفاسه فكأنّه المصدور و أجلت طرفي في الكتاب فلاح لي كالرسم مطموسا و فيه سطور و شربت بنت الكرم أحسب راحتي فيها : فطاش الظنّ و التقدير فكأنّني فلك وهت أمراسها و البحر يطغى حولها و يثور سلب الفؤاد رواه و الجفن الكرى همّ عرا ، فكلاهما موتور حامت على روحي الشكوك كأنّها و كأنّهن فريسة و صقور و لقد لجأت إلى الرجاء فعقّني أما الخيال فخائب مدحور يا ليل أين النور ؟ إنّي تائه مر ينبثق ، أم ليس عندك نور ؟ ...
" أكذا نموت و تنقضي أحلامنا في لحظة و إلى التراب نصير ؟ " " خير إذن منّا الألى لم يولدوا و من الأنام جنادل و صخور "