المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشاعر



عاشق الوطنية
07-06-2010, 07:31 PM
قالت وصفت لنا الرحيق و كوكبها و صريعها و مديرها و العاصرا و الحقل و الفلّاح فيه سائرا عند المسا يرعى القطيع السائرا ووقفت عند البحر يهدر موجه فرجعت بالألفاظ بحرا هادرا صوّرت في القرطاس حتى الخاطرا فخلبتنا و سحرت حتى الساحرا و أريتنا في كلّ قفر روضة و أريتنا في كلّ روض طائرا لكن إذا سأل امروء عنك امرءا أبصرت محتارا يخاطب حائرا من أنت يا هذا ؟ فقلت لها : أنا كالكهرباء أرى خفيّا ظاهرا قالت : لعمرك زدت نفسي ضلّة ما كان ضرّك لو وصفت الشاعرا ؟ ...
فأجبتها : هو من يسئل نفسه عن نفسه في صبحه و مسائه و العين سرّ سهادها و رقادها و القلب سرّ قنوطه و رجائه فيحار بين مجيئه و ذهابه و يحار بين أمامه وورائه و يرى أفول النجم قبل أفوله و يرى فناء الشيء قبل فنائه و يسير في الرّوض الأغنّ فلا ترى عيناه غير الشوك في أرجائه إن نام لم ترقد هواجس روحه و إذا استفاق رأيته كالتائه ما إن يبالي ضحكنا و بكاءنا و يخيفنا في ضحكه و بكائه كالنار يلتهم العواطف عقله فيميتها و يموت في صحرائه ...
قالت : أتعرف من وصفت ؟ فقلت : من ؟ قالت : وصفت الفيلسوف الكافرا يا شاعر الدنيا و فيك حصافة ما كان ضرّك لو وصفت الشاعرا ؟ ...
فقلت : هو امروء يهوى العقارا كما يهوى مغازلة العذارى إذا فرغت من الرّاح الدنان توهّم أتنّما فرغ الزّمان يعاقرها على ضوء الدّراري فإن غربت ، على ضوء النّهار و يحسب مهرجان النّاس مأتم بلا خمر ، و جنّتهم جهنّم ملول لا يدوم على ولاء و لكن لا يدوم على عداء أخو لبّ و لكن لا إرادة وذو زهد و لكن بالزهاده يميل إلى الدّعابة و المزاح و لو بين الأسنّة و الصّفاح و يوشك أن يقهقه في الجنازة و يرقص كالعواصف في المفازه إذا بصرت به عين الأديب فقد وقعت على رجل مريب يعنّفه الصّحاب فلا ينيب و يزجره المشيب فلا يتوب فقالت : جئت بالكم البديع و لكن ما وصفت سوى " الخليع " ...
و خفت إعراضها عنّي فقلت : إذن هو الذي أبدا يبكي من الزمن كأنّما ليس في الدنيا سواه فتى معرّض لخطوب الدّهر و المحن يشكو السّقام و ما في جسمه مرض و السّهد و هو قريب العهد بالوسن و الهجر ، و هو بمرأى من أحبّته و الأسر ، و هو طليق الروح و البدن و لا يرى حسنا في الأرض يألفه أو يشتهيه و كم في الأرض من حسن ينوح في الرّوض و الأشجار مورقه كما ينوح على الأطلال و الدمن فقاطعتني : و قالت : قد بعدت بنا ما ذي الصفات الشاعر الفطن ...
قلت : مهلا إذا ضللت و عذرا ربّما أخطأ الحكيم و ضلّا هو من ترسم الجمال يداه فنراه في الطرس أشهى و أحلى لوذعيّ الفؤاد يلعب بالأل باب لعبا إن شاء أن يتسلى و يرينا ما ليس يبقى سيبقى و يرينا ما ليس يبلى سبيلي يطبع الشّهب للأنام نقودا و هو يشكو الإملاق كيف تولّى أفما ذا من تبتغين و أبغي و صفه ؟ قالت المليحة : كلا ! .. ...
يا هذه إنّي عييت بوصفه و عجزت عن إدراك مكنوناته لا تستطيع الخمر سر صفاتها و الروض وصف زهوره و بناته هو من نراه سائرا فوق الثرى و كأنّ فوق فؤاده خطواته إن ناح فالأرواح في عبراته و إذا شذا فالحبّ في نغماته يبكي مع النائي على أوطانه و يشارك المحزون في عبراته و تغيّر الأيام قلب فتاته و يظلّ ذا كلف بقلب فتاته هو من يعيش لغيره و يظنّه من ليس يفهمه يعيش لذاته !!!