المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نون المنديل الوردي الجزء الاول



ابوشادي
07-21-2010, 01:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

بين السماء والأرض حيث جميع الحقائق متأرجحة في مكان وسط وفي زمن كثرت فيه الحلول الوسط .
فوق نهر بردى وتحت جسر الهامة قررت صخرة التمرد ..فخرجت كندبة على جبين جبل يعود بأصله للأيام الستة الأولى من عمر الأرض.
بدت كجرح تورم إثر ضربة قاسية بعصا الزمن ضربة موجعة وموجهة بيد القدر,فراحت تبكي دموعاً طاهرة طهارة الثلج في السماء بقطرات هادئة بطيئة رافضة دخول عالم الطهارة وحدها متفردة بطهرها
فحاولت شبه يائسة تعقيم النهر الملوث بأخطاء البشرية منذ وضع أول أدمي قدمه على البسيطة" بل المعقدة"
وستظل حالته تنحدر من سيئ إلى أسؤ حتى يقسم أخر كافر دنّس ترابها أن الصدق هو أكبر كذبة اخترعها جدوده.
هنا في هذا المكان العجيب قرب شجرة البيلسان الصامتة أو الصامدة لا أدري ..!
وعلى العشب الأخضر الهارب من إحدى جنان الله عزّ وجلّ,أتكئ عادة على حجر يعلوه ينبوع صغير يحارب كي يخرج قطرات الماء للنور "كنت أحتاج لدقائق عدّة كي أملئ راحتاي من مائه العذب.
مكان مثالي لأمثالي ,مكان قادر على حمل أحزاني وكافي لأجمع فيه أفراحي ولألملم بخيوط الشمس ذكرياتي
كان هناك طريق سرّي أقضي الوقت الطويل في تمويهه كلما دخلت أو خرجت من مملكتي هذه..
حدثذاك في العاشر من أيلول ..يوم وصلت إلى مملكتي لأتفاجىء بوجود شاب ملتح يبدو في أوائل عقده الثالث,رأيته يلف سيجارة مشبوهة ويحتل مكاناً يجاور مكاني المعتاد واضعاً على يمينه آلة تسجيل صامتة وعدة أشرطة كاسيت ـ لم يعجبني وجود هدٌا الدخيل ـ
كيف سمح لنفسه احتلال صومعتي بهذه الصفاقة ..كيف ..؟
لا أستطيع الادعاء وبدافع من فضولي ربما أني كنت راغباً بتركه يذهب دون أن أتعرف عليه أو على سبب وجوده هنا على أقل تقدير .
أو لعله الشعور بالسعادة ,سعادتي بوجود من يرتاد أمثال هدٌه الأماكن,لست الوحيد في هدٌا العالم ـ كنت واثقاً من ذلك ـ
مكاني ما يزال شاغراً أحسست أنه تعمد دٌلك .آ كان يتوقع قدومي..!
وضعت كأس الشاي على الأرض ومعها بعض الفستق وثلاث خيارات
وجلست أرقب عينيه الحزينتين ,عينيه اللتين تحملان حزن ويأس من توقف عن الحياة أو نفي عن الدنيا مندٌ القرن السابع عشر
سألته بنبرة حادة : من أنت.؟
فرد ببرود يثير الغضب وهو يتابع لف سيجارته المشبوهة :أنت القادم ..وهذا السؤال من حقي أنا..
بشيء من الغضب قلت له :إنه مكاني أولاً في طيات زواياه تترامى ذكرياتي وكل حجر فيه يشهد بدٌلك
اسأل تلك /المليسا/ تخبرك عن الليالي التي قضيناها معاً في نيسان القادم ستزهر بما رويتها من دموعي وابتساماتي"حاولت إشعاره أن المكان ملكي وأنه هو من تهجم على غابات الخصوصية في ذاتي ..لا أنا"
أطلق ضحكة ًعجيبة ثم قال :نيسان القادم ..! ومن سيعيش حتى يزهر نيسان
بالمناسبة هل تعرف كيف تلف السجائر
ـ أنا أشرب العرق ، يمكنك التدخين من سجائري."قلتها وأنا أقلب أشرطة جوليا ومارسيل ونورا رحال الخاصة به"
ـ حمراء وقصيرة أيضاً .!
ـ هل تكره هذا النوع من التبغ؟
ـ لا"وعاد للضحك" هو أفضل من المالبورو "وقهقهة بقوة"
راودني شعور أن هذا الشاب شيوعي لا أدري لماذا ..
أنهى لف سيجارته وأشعلها بينما كنت أشرب العرق,ما إن دخن حتى بدأ بالسعال ثم ضحك إلى أن زرفت عيناه الدموع.
ثم ما لبث أن أخرج شريطاً من جيبه ليضعه في آلة التسجيل ويستلقي كمن يعد نفسه للكلام أو للصمت..
أثار فضولي الرجل والشريط معاً.
الشريط الذي فاجأني بموسيقا عجيبة وغريبة ليست عربية ولا غربية أشبه بقرقعة آلات تجميع المعادن المهترءة
وجاءت الطامة الكبرى يوم بدأ المطرب أو المطربة ـ لم أستطع التحديد لخشونة الصوت ـ بالغناء أو الزعيق فما كان مني إلا وقد سحبت الشريط من الآلة لأرميه في النهر" كأن النهر كان ينقصه المزيد من الأوساخ"
لم يهتز الشاب للتعديّ الوقح على خصوصياته ,بل ضحك قائلاً:معك حق سنسمع زياد الرحباني.
ـ هل أنت شيوعي "كنت وقحاً في سؤالي "ولكن قبل أن أعتذر جاوبني
ـ وما المهم في ذلك ..إذا كانت كل أحزاب الأرض قد تنصلت لمبادئها.ما رأيك بتبديل المواقع..!
ـ أنا لا أشرب الحشيش..
ـ حسنٌ ! مكانٌ طاهرٌ يحتاج لموسيقى راقية ,آليس كذلك !"قالها وهو يضع شريطاً جديداً في الآلة"
أخذ الفضول يدفعني مجدداً لأسأله:لماذا جئت إلى هنا ..؟ من أين جئت بكل هذا الحزن لتصبغ به وجهك.؟
ـ يالك من فضولي ..من أنت.?
ـ الأسماء اختراع فاشل أنا لا أؤمن به , فاختر لي اسمًا نادني به.
ـ معك حق.. أنا مؤمن.
ـ لماذا؟!
ـ المؤمنون هم من يمارسون الإيمان وأنا ما أزال مؤمناً بالحب .ما رأيك أن تسمع قصتي ..
ـ بأية صفة
ـ ولنكن أصدقاء إن شئت

ـ موافق "سيجارة ثم شفت عرق" ولكن كيف؟
ـ أنا بحاجة لمرآة حيّة أرمي أحزاني بجوارها لأرى وجهي حقيقياً في عيونها .وأنت فضولي تبحث عن المعرفة
ـ حسنٌ سأكون مرآة ترى وتسمع وتدخن
ـ إذاً استلقي لتسمح لأشعة الشمس الهاربة من بين أغصان شجرة البلوط بمداعبة وجهي
ـ كما تريد ..ولكن
ـ قاطعني قائلاً : المرايا لا تتكلم
ـ هو شرط؟!
ـ طبعاً
ـ موافق فتكلم وسأسمع "سيجارة أخرى وشفت عرق"
بعد أن ملئ المكان بدخان سيجارته قال:
{أنا يا صاحبي جمهورية عشق كاملة ..ولايات حبّ متحدة..يفيض قلبي بنبع الهوى ,ويتخبط كلبّ بركان هائج يطوق للانفجار، أحمل حقيبتي على كتفي وأتجول في كل بقاع الأرض بحثاً عن وطن لعيوني
وحيث يجد فؤادي مبتغاه أحط رحالي , وأسكن قرب ديار من كان في القلب سكناهم
صفعني القدر بيد قاسية ,وأنا لم أزل بعد غضاً طريّ,فأوجع مكان ضرب إلى أن وصلت آلامه سويداء القلب
آه..يا صاحبي أه..!
كان ذاك عندما كنت أعدو في غابة اللوز لما تراءى لي طيفٌ يتمدد على ذاك الجدار الطبيعي المتشكل من اتحاد أشواك العوسج الحزينالمتشابكة ,كأنها تحاول حماية شيء أو منع شيء من الوصول إلى شيء آخر.
دنوت منها بهدوء وأمعنت النظر مستعينً بضوء القمر لأرى زنبقة صغيرة ترنو إلى السماء كأنها تصلي لله حمداً وشكراً
انطلقت بمخيلتي أفكر كيف وجدت هذه الزنبقة الصغيرة الضعيفة مكاناً لها وسط هذا العوسج الحزين القوي؟
هل سمح لها بذلك ,أم أنها تعدت على المكان دون إذن منه ؟
ثم هل يستطيع الحزين بعث الفرح الأمان في صدور وأفئدة الضعفاء..؟
سألت نفسي هذه الأسئلة وأنا أقف مشدوها لهول ما أرى سابحاً في بحر التأمل القرمزي
وبينما أنا غارق في صلواتي هذه رأيت فاتنة من فاتنات الأرض ,بل حوريات من حوريات الجنة ..
آية ًمن آيات الله زرعت في امرأة ,معجزة ً أنزلت في جسد ,أهي من الإنس أم الجان ..؟ وهم أم خيال ؟أهي حقيقة ما أرى....؟!.
تلك التي ترمق السماء باحثة ًعن صورتها في ضوء القمر
سددت ناظري إليها قاطعاً صلاتي بل مغيراً قبلتي فحسب ,فهل في الأرض ما يدل على روعة خلق الله وإبداعه سبحانه كالذي أرى؟
ولله إني لفي شكّ..
أحست بي فسددت سهام ناظرها إلي لتستقر في أعشار قلبي الذي انفطر بالهوى,
بدأت حبات المطر بالهطول كأن الله ـ اعذرني يا رب ـ أراد أن يضيف إلى تلك اللوحة اللاهوتية المزيد من الرومانسية ارتد طرفها عني بحياء "وحياء النساء في الحب ّدعوة"
فأحسست بقوة شمشون تغلي كبركان في صدري ,وروحي قد امتلأت بإصرار المهلهل وفصاحة المتنبي وبلاغة الأصمعي..
فما كان مني إلا أن تقدمت نحوها خطوة واحدة مبادراً إياها بالكلام : مساء الخير
لكنها أثرت الغوص في بحيرة الصمت
في تلك اللحظة أحسست بطيف فيروز يداعب مخيلتي وكأني ولأول مرة أفهم معاني كلماتها وألحانها,فقلت لها وبالعامية وعلى طريقة فيروز :مسا الخير .......ما تردوا المسا.
ارتسمت ابتسامة ٌصغيرة على شفتيها أوأنها كانت شبه ابتسامة تلك التي داعبت ثغرها العذب
ابتسامة رغم ضآلتها كانت كافية ًلتذهب بضوء القمر الذي اختفى خلف غيمه صغيرة كأني به ..تعمد الاختفاء معترفاً بحسنها وبهائها"كما في حضرة الشمس تختفي حتى الأقمار والنجوم"
تابعت حبات المطر غسل وجنتينا المحمرتين خجلاً ..حياء..فرحاً..لا أدري..؟
عدت وبجرأة كبيرة لأسألها: ما الذي جاء بك إلى هنا..
أهو القدر شاء لنا هذا اللقاء..؟ لعله إله الحب أختار لنا أن تلتقي خطانا على درب الهوى ..؟
نظرت إلى ساعتها الفضية كأنها تومي أليّ أن الوقت قد داركنا عليها الرحيل
اعتزمت النهوض وهي تخلع شالها الوردي لتربطه بإحدى أشواك العوسج الحزين ومشت باتزان رهيب دون
أن تلفت رأسها للخلف وهي تختفي وسط الظلام ومنن السماء تزداد سخاءً وكرمّ ?
وأنا أرقبها بعيون قد تعلقت بخطاها وقلب يغلي إلى حدّ أبعد فيه كل إحساس بالبرد عني ولو أن قوى الأرض أجمعها قد صبت في أقدامي ساعتها لما حركت إحداها

ريماس
07-23-2010, 08:30 AM
يعطيك العافية اخي ابو شادي ..

سلمت يمناك على النقل الرائع ..

تحياتي لشخصك الكريم