المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تاريخ الرسل والملوك(تكملة الجزء الرابع)



عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:31 PM
وكتب إلي السَّري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة مثل ذلك، إلّا أنهما قالا: اشترى هذا الضَّرب رجال من كلّ قبيلة ممن كان له هنالك شيء؛ فأراد مأن يستبدل به فيما يليه، فأخذوا، وجاز لهم عن تراض منهم ومن الناس وإقرار بالحقوق؛ إلّا أنّ الذين لا سابقة لهم ولا قدمة لا يبلغون مبلغ أهل السابقة والقدمة في المجالس والرياسة والحظوة، ثم كانوا يعيبون التفضيل، ويجعلونه جفوة، وهم في ذلك يختفون به ولا يكادون يظهرونه، لأنه لا حجّة لهم والناس عليهم، فكان إذا لحق بهم لاحق من ناشيء أو أعرابي أو محرَّر استحلى كلامهم؛ فكانوا في زيادة، وكان الناس في نقصان حتى غلّب الشرّ.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: صرف حذيفة عن غزو الري إلى غزو الباب مددًا لعبد الرحمن بن ربيعة، وخرج معه سعيد بن العاص، فبلغ معه أذربيجان - وكذلك كانوا يصنعون، يجعلون للناس ردءًا - فأقام حتى قفل حذيفة ثم رجعا.
وفي هذه السنة - أعني سنة ثلاثين - سقط خاتم رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://www.mgtrben.com/portal/redirector.php?url=http%3A%2F%2Far.wikisource.org% 2Fwiki%2F%25D9%2585%25D9%2584%25D9%2581%3A%25D8%25 B5%25D9%2584%25D9%2589_%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2 584%25D9%2587_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9% 2587_%25D9%2588%25D8%25B3%25D9%2584%25D9%2585.svg) من يد عثمان في بئر أريس وهي على ميلين من المدينة، وكانت من أقلّ الآبار ماء، فما أدرك حتى الساعة قعرها.
ذكر الخبر عن سبب سقوط الخاتم من يد عثمان في بئر أريس

حدثني محمد بن موسى الحرشي، قال: حدثنا أبو خلف عبد الله بن عيسى الخزّاز. قال: وكان شريك يونس بن عبيد قال: حدثنا داود ابن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنّ رسول الله ص (http://www.mgtrben.com/portal/redirector.php?url=http%3A%2F%2Far.wikisource.org% 2Fwiki%2F%25D9%2585%25D9%2584%25D9%2581%3A%25D8%25 B5%25D9%2584%25D9%2589_%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2 584%25D9%2587_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9% 2587_%25D9%2588%25D8%25B3%25D9%2584%25D9%2585.svg) أراد أن يكتب إلى الأعاجم كتبًا يدعوهم إلى الله عز وجل؛ فقال له رجل: يا رسول الله؛ إنهم لا يقبلون كتابًا إلا مختومًا، فأمر رسول الله ص (http://www.mgtrben.com/portal/redirector.php?url=http%3A%2F%2Far.wikisource.org% 2Fwiki%2F%25D9%2585%25D9%2584%25D9%2581%3A%25D8%25 B5%25D9%2584%25D9%2589_%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2 584%25D9%2587_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9% 2587_%25D9%2588%25D8%25B3%25D9%2584%25D9%2585.svg) أن يعمل له خاتم من حديد، فجعله في إصبعه، فأتاه جبريل، فقال له؛ انبذه من إصبعك، فنبذه رسول الله ص (http://www.mgtrben.com/portal/redirector.php?url=http%3A%2F%2Far.wikisource.org% 2Fwiki%2F%25D9%2585%25D9%2584%25D9%2581%3A%25D8%25 B5%25D9%2584%25D9%2589_%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2 584%25D9%2587_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9% 2587_%25D9%2588%25D8%25B3%25D9%2584%25D9%2585.svg) من إصبعه، وأمر بخاتم أخر يعمل له، فعمل له خاتم من نحاس، فجعله في إصبعه، فقال له جبريل عليه السلام: انبذه من إصبعك، فنبذه رسول الله ص (http://www.mgtrben.com/portal/redirector.php?url=http%3A%2F%2Far.wikisource.org% 2Fwiki%2F%25D9%2585%25D9%2584%25D9%2581%3A%25D8%25 B5%25D9%2584%25D9%2589_%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2 584%25D9%2587_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9% 2587_%25D9%2588%25D8%25B3%25D9%2584%25D9%2585.svg) من إصبعه، وأمر رسول الله ص (http://www.mgtrben.com/portal/redirector.php?url=http%3A%2F%2Far.wikisource.org% 2Fwiki%2F%25D9%2585%25D9%2584%25D9%2581%3A%25D8%25 B5%25D9%2584%25D9%2589_%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2 584%25D9%2587_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9% 2587_%25D9%2588%25D8%25B3%25D9%2584%25D9%2585.svg) بخاتم من ورق، فصنع له خاتم من ورق فجعله في إصبعه، فأقرّه جبريل، وأمر أن ينقش عليه: محمد رسول الله، فجعل يتختّم به، ويكتب إلى من أراد أن يكتب إليه من الأعاجم، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر. فكتب كتابًا إلى كسرى بن هرمز فبعثه مع عمر بن الخطاب، فأتى به عمر كسرى فقرىء الكتاب، فلم يلتفت إلى كتابه، فقال عمر: يا رسول الله، جعلني الله فداءك! أنت على سري مرمول باللّيف، وكسى بن هرمز على سرير من ذهب، وعليه الديباج! فقال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://www.mgtrben.com/portal/redirector.php?url=http%3A%2F%2Far.wikisource.org% 2Fwiki%2F%25D9%2585%25D9%2584%25D9%2581%3A%25D8%25 B5%25D9%2584%25D9%2589_%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2 584%25D9%2587_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9% 2587_%25D9%2588%25D8%25B3%25D9%2584%25D9%2585.svg) : أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة!. فقال: جعلني الله فداءك! قد رضيت.
وكتب كتابًا آخر، فبعث به مع دحية بن خليفة الكلبي إلى هرق ملك الروم يدعوه إلى الإسلام، فقرأه وضمّه إليه، ووضعه عنده؛ فكان الخاتم في إصبع رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://www.mgtrben.com/portal/redirector.php?url=http%3A%2F%2Far.wikisource.org% 2Fwiki%2F%25D9%2585%25D9%2584%25D9%2581%3A%25D8%25 B5%25D9%2584%25D9%2589_%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2 584%25D9%2587_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9% 2587_%25D9%2588%25D8%25B3%25D9%2584%25D9%2585.svg) يتختّم به حتى قبضه الله عز وجل، ثم استخلف أبو بكر فتختّم به حتى قبضه الله عز وجل، ثم ولى عمر بن الخطاب بعد فجعل يتختّم به حتى قبضه ه، ثم ولى من بعده عثمان ابن عفان، فتختّم به ستّ سنين، فحفر بئرًا بالمدينة شربًا للمسلمين، فقعد على رأس البئر، فجعل يعبث بالخاتم، ويديره بإصبعه، فانسلّ الخاتم من إصبعه فوقع في البئر، فطلبوه في البئر، ونزحوا ما فيها من الماء، فلم يقدروا عليه، فجعل فيه مالًا عظيمًا لمن جاء به، واغتم لذلك غمًا شديدًا، فلما يئس من الخاتم أمر فصنع له خاتم أخر مثله، خلقه من فضّة، على مثاله وشبهه، ونقش عليه: محمد رسول الله؛ فجعله في إصبعه حتى هلك؛ فلما قتل ذهب الخاتم من يده فلم يدر من أخذه.
أخبار أبي ذر رحمه الله تعالى

وفي هذه السنة - أعني سنة ثلاثين - كان ما ذكر من أمر أبي ذرّ ومعاوية، وإشخاص معاوية إيّاه من الشأم إلى المدينة، وقد ذكر في سبب إشخاصه إيّاه منها إليها أمور كثيرة، كرهت ذكر أكثرها.
فأما العاذرون معاوية في ذلك، فإنهم ذكروا في ذلك قصّة كتب إلي بها السري، يذكر أن شعيبًا حدثه عن سيف، عن عطيّة، عن يزيد الفقعسي، قال: لما ورد ابن السوداء الشأم لقي أبا ذرّ، فقال: يا أبا ذر، ألا تعجب إلى معاوية، يقول: المال مال الله! ألا إنّ كلّ شيء لله كأنه يريد أنيحتجنه دون المسلمين، ويمحو اسم المسلمين. فأتاه أبو ذرّ، فقال: ما يدعوك إلى أن تسمّي مال المسلمين مال الله! قال: يرحمك الله يا أبا ذرّ؛ ألسنا عباد الله، والمال ماله، والخلق خلقه، والأمر أمره! قال: فلا تقله، قال: فإني لا أقول: إنه ليس لله، ولكن سأقول: مال المسلمين.
قال: وأتى ابن السوداء أبا الدرّداء، فقال له: من أنت؟ أظنّك والله يهوديًّا! فأتى عبادة بن الصامت فتعلّق به، فأتى به معاوية، فقال: هذا والله الذي بعث عليك أبا ذرّ؛ وقام أبو ذرّ بالشأم وجعل يقول: يا معشر الأغنياء، واسوا الفقراء. بشّر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوٍ من نار تكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم. فمازال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك، وأوجبوه على الأغنياء، وحتى شكا الأغنياء ما يلقون من الناس.
فكتب معاوية إلى عثمان: إنّ أبا ذرّ قد أعضل بي، وقد كان من أمره كيت وكيت. فكتب إليه عثمان: إن الفتنة قد أخرجت خطمها وعينيها، فلم يبق إلا أن تثب. فلا تنكأ الفرح، وجهّز أبا ذر إلي، وابعث معه دليلًا وزوّده، وارفق به، وكفكف الناس ونفسك ما استطعت؛ فإنما تمسك ما استمسكت. فبعث بأبي ذرّ ومعه دليل؛ فلمّا قدم المدينة ورأى المجالس في أصل سلع، قال: بشّر أهل المدينة بغارة شعواء وحرب مذكار.
ودخل على عثمان فقال: يا أبا ذرّ، ما لأهل الشام يشكون ذربك! فأخبره أنه لا ينبغي أن يقال: مال الله، ولا ينبغي للأغنياء أن يقتنوا مالًا. فقال: يا أبا ذرّ؛ علي أن أقضي ما علي، وآخذ ما على الرعيّة، ولا أجبرهم على الزهد، وأن أدعوهم إلى الاجتهاد والاقتصاد.
قال: فتأذن لي في الخروج، فإنّ المدينة ليست لي بدار؟ فقال: أو تستبدل بها إلا شرًّا منها! قال: أمرني رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://www.mgtrben.com/portal/redirector.php?url=http%3A%2F%2Far.wikisource.org% 2Fwiki%2F%25D9%2585%25D9%2584%25D9%2581%3A%25D8%25 B5%25D9%2584%25D9%2589_%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2 584%25D9%2587_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9% 2587_%25D9%2588%25D8%25B3%25D9%2584%25D9%2585.svg) أن أخرج منها إذا بلغ البناء سلعًا؛ قال: فانفذ لما أمرك به. قال: فخرج حتى نزل الربذة، فخطّ بها مسجدًا، وأقطعه عثمان صرمة من الإبل وأعطاه مملوكين، وأرسل إليه: أن تعاهد المدينة حتى لا ترتدّ أعرابيًا؛ ففعل.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عون، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان أبو ذرّ يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الأعرابيّة، وكان يحبّ الوحدة والخلوة. فدخل على عثمان، وعنده كعب الأحبار، فقال لعثمان: لا ترضوا من الناس بكفّ الأذى حتى يبذلوا المعروف؛ وقد ينبغي للمؤدي الزكاة ألّا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان، ويصل القرابات. فقال كعب: من أدّى الفريضة فقد قضى ما عليه. فرفع أبو ذرّ محجنه فضربه فشجّه، فاستوهبه عثمان، فوهبه له، وقال: يا أبا ذرّ، اتق الله واكفف يدك ولسانك، وقد كان قال له: يا بن اليهوديّة؛ ما أنت وما ها هنا! والله لتسمعنّ مني أو لأدخل عليك.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الأشعث بن سوّار، عن محمد بن سيرين، قال: خرج أبو ذرّ إلى الربذة من قِبَل نفسه لما رأى عثمان لا ينزع له، وأخرج معاوية أهله من بعده، فخرجوا إليه ومعهم جراب يثقل يد الرجل، فقال: انظروا إلى هذا الذي يزهّد في الدنيا ما عنده! فقالت امرأته: أما والله ما فيه دينار ولا درهم، ولكنها فلوس كان إذا خرج عطاؤه ابتاع منه فلوسًا لحوائجنا.
ولما نزل أبو ذرّ الربذة أقيمت الصلاة، وعليها رجل يلي الصدقة، فقال: تقدّم يا أبا ذرّ، فقال: لا، تقدّم أنت، فإنّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://www.mgtrben.com/portal/redirector.php?url=http%3A%2F%2Far.wikisource.org% 2Fwiki%2F%25D9%2585%25D9%2584%25D9%2581%3A%25D8%25 B5%25D9%2584%25D9%2589_%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2 584%25D9%2587_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9% 2587_%25D9%2588%25D8%25B3%25D9%2584%25D9%2585.svg) قال لي: " اسمع وأطع، وإن كان عليك عبد مجدّع ". فأنت عبد ولست بأجدع - وكان من رقيق الصدقة؛ وكان أسود يقال له مجاشع.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر بن الفضيل، عن جابر، قال: أجرى عثمان على أبي ذرّ كلّ يوم عظمًا، وعلى رافع ابن خديج مثله، وكانا قد تنحيّا عن المدينة لشيء سمعاه لم يفسّر لهما، وأبصرا وقد أخطئا.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن سوقة، عن عاصم بن كليب، عن سلمة بن نباتة، قال: خرجنا معتمرين، فأتينا الربذة، فطلبنا أبا ذرّ في منزله، فلم نجده، وقالوا: ذهب إلى الماء. فتنحبّينا، ونزلنا قريبًا من منزله، فمرّ ومعه عظم جزور يحمله معه غلام، فسلّم ثم مضى حتى أتى منزله، فلم يمكث إلّا قليلا حتى جاء، فجلس إلينا وقال: إنّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://www.mgtrben.com/portal/redirector.php?url=http%3A%2F%2Far.wikisource.org% 2Fwiki%2F%25D9%2585%25D9%2584%25D9%2581%3A%25D8%25 B5%25D9%2584%25D9%2589_%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2 584%25D9%2587_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9% 2587_%25D9%2588%25D8%25B3%25D9%2584%25D9%2585.svg) قال لي: " اسمع وأطع وإن كان عليك حبشي مجدّع "، فنزلت هذا الماء وعليه رقيق من رقيق مال الله، وعليهم حبشي - وليس بأجدع، وهو ما علمت، وأثنى عليه - ولهم في كلّ يوم جزور؛ ولي منها عظم آكله أنا وعيالي. قلت: مالك من المال؟ قال: صرمة من الغنم وقطيع من الإبل، في أحدهما غلامي وفي الآخر أمتي، وغلامي حرّ إلى رأس السنة. قال: قلت: إنّ أصحابك قبلنا أكثر الناس مالًا، قال: أما إنهم ليس لهم في مال الله حق إلّا ولي مثله.
وأمّا الآخرون، فإنهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة، وأمورًا شنيعة، كرهت ذكرها.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:32 PM
ذكر هرب يزدجرد إلى خراسان

وفي هذه السنة، هرب يزدجرد بن شهريار في قول بعضهم من فارس إلى خراسان.
ذكر من قال ذلك وما قال فيه
ذكر علي بن محمد أنّ مسلمة أخبره عن داود، قال: قدم ابن عامر البصرة، ثمّ خرج إلى فارس فافتتحها، وهرب يزدجرد من جوز - وهي أردشير خرّه - في سنة ثلاثين. فوجّه ابن عامر في أثره مجاشع بن مسعود السلمي، فأتبعه إلى كرمان، فنزل مجاشع السيرجان بالعسكر، وهرب يزدجرد إلى خراسان. قال: وعبد القيس تقول: وجّه ابن عامر هرم ابن حيّان العبدي، وبكر بن وائل تقول: وجّه ابن حسان اليشكري. قال: وأصحّه عندنا مجاشع.
قال علي: وأخبرنا سلمة بن عثمان - وكان فاضلًا - عن مجاشع يزدجرد فخرج من السيرجان، فلما كان عند القصر في بيمند - وهو الذي يقال له قصر مجاشع - أصابهم الثلج والدّمق، فوقع الثلج، واشتدّ البرد، وصار الثلج قامة رمح، فهلك الجند، وسلم مجداشع ورجل كانت معه جارية، فشقّ بطن بعير، فأدخلها فيه وهرب؛ فلما كان من الغد، جاء فوجدها حيّة فحملها، فسمّي ذلك القصر قصر مجاشع؛ لأن جيشه هلكوا فيه؛ وهو على خمسة فراسخ أو ستّة من السيرجان.
قال علي: أخبرنا أبو المقدام، عن بعض مشيخته، قال: خرج مجاشع على وفد أهل البصرة من تستر - وفيهم الأحنف - وأخذ في غداة واحدة على لجام واحد خمسين ألفًا، سبق على الصفراء ابنة الغبراء، فأخذها منه عمر حين قاسم عمّاله الأموال.
قال علي: فقلت للنضر بن إسحاق: إنّ أبا المقدام ذكر هذا الحديث! فقال: صدق، سمعته من عدّة من الحي وغيرهم، وفرسه الصفراء ابنة الغرّاء ابنة الغبراء. وهو مجاشع بن مسعود بن ثعلبة بن عائذ بن وهب بن ربيعة بن يربوع بن سمّال بن عوف بن امرىء القيس بن بهثة بن سلم. ويكنى أبا سليمان.
قال: وفي هذه السنة زاد عثمان النداء الثالث على الزوراء، وصلّى بمنىً أربعًا.
وحجّ بالناس في هذه السنة عثمان رضي الله عنه.
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين

ذكر ما كان فيها من الأحداث المشهورة

فممّا كان فيها من ذلك غزوة المسلمين الروم التي يقال لها:
غزوة الصواري

في قول الواقدي. فأمّا أبو معشر فإنه قال فيما حدثني أحمد بن ثابت الرازي، عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عنه: كانت غزوة الصواري سنة أربع وثلاثين؛ وقال: كانت في سنة إحدى وثلاثين الأساودة في البحر ووقاع كسرى.
وقال الواقدي: غزوة الصواري والأساودة كلتاهما كانتا في سنة إحدى وثلاثين.
ذكر الخبر عن هاتين الغزوتين
ذكر الواقدي أن محمد بن صالح حدثه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أنّ أهل الشأم خرجوا؛ عليهم معاوية بن أبي سفيان، وكانت الشأم قد جمع جمعها لمعاوية بن أبي سفيان.
ذكر السبب في جمعها له
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن عبد الملك والربيع وأبي مجالد وأبي عثمان وأبي حارثة، قالوا: لما حضر أبو عبيدة استخلف على عمله عياض بن غنم - وهو خاله وابن عمّه - وقد كان ولي بالجزيرة عملًا، فعزله عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فلحق بأبي عبيدة بالشأم؛ وكان معه؛ وكان جوادًا مشهورًا بالجود، لا يليق شيئًا، ولا يمنع أحدًا. فكلّم عمر في ذلك، فقيل له: عزلت خالدًا وعتبت عليه العطاء، وعياض أجود العرب وأعطاهم؛ لا يمننع شيئًا يسأله؛ فقال عمر: متى سيمه عياض في ماله حتى يخلص إلى ما لنا! وإني مع ذلك لم أكن مغيّرًا أمرًا قضاه أبو عبيدة. ومات عياض بن غنم بعد أبي عبيدة، فأمر عمر على عمله سعيد بن حذيم الجمحي، ومات سعيد بعد؛ فأمّر عمر مكانه عمير بن سعد الأنصاري؛ ومات عمر ومعاوية على دمشق والأردنّ، وعمير بن سعد على حمص وقنّسرين؛ وإنما مصّر قنّسرين معاوية بن أبي سفيان لمن لحق به من أهل العراقين ومات يزيد بن أبي سفيان، فجعل عمر مكانه معاوية ونعاه لأبي سفيان، فقال: من جعلت على عمله يا أمير المؤمنين؟ فقال: معاوية، فقال: وصلتك رحم؛ فاجتمعت لمعاوية الأردنّ ودمشق؛ ومات عمر ومعاوية على دمشق والأردنّ وعمير بن سعد على حمص وقنّسرين، وعلقمة ابن مجزّزّ على فلسطين وعمرو بن العاص على مصر.
وكتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن مبشّر، عن سالم، قال: كان أوّل عامل استعمله عثمان بن عفان سعد بن أبي وقّاص عن وصيّة عمر. ثمّ إنّ عمير بن سعد طعن فأضنى منها، فاستعفى عثمان واستأذنه في الرجوع إلى أهله؛ فأذن له؛ وضمّ حمص وقنّسرين إلى معاوية.
وكتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان، عن خالد بن معدان؛ قال: لمّا ولي عثمان أقرّ عمال عمر على الشام؛ فلما مات عبد الرحمن بن علقمة الكناني - وكان على فلسطين - ضمّ عمله إلى معاوية، ومرض عمير بن سعد في إمارة عثمان مرضًا طال به، فاستعفاه واستأذنه فأذن له، وضمّ عمله إلى معاوية؛ فاجتمع الشأم على معاوية لسنتين من إمارة عثمان. وكان عمرو بن العاص على مصر زمان عمر، مجتمعة له، فأقرّه عثمان صدرًا من إمارته.
رجع الحديث إلى حديث الواقدي عن خبر الغزوتين اللتين ذكرتهما: إنّ أهل الشام خرجوا، عليهم معاوية بن أبي سفيان؛ وعلى أهل البحر عبد الله بن سعد بن أبي سرح. وقال: وخرج عامئذ قسطنطين بن هرقل لما أصاب المسلمون منهم بإفريقية، فخرجوا في جمع لم يجتمع للرّوم مثله قطّ منذ كان الإسلام، فخرجوا في خمسمائة مركب؛ فالتقوا هم وعبد الله بن سعد، فأمن بعضهم بعضًا حتى قرنوا بين سفن المسلمين وأهل الشرك بينصواريها.
قال ابن عمر: حدثني عيسى بن علقمة، عن عبد الله بن أبي سفيان، عن أبيه، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: كنت معهم، فالنقيا في البحر، فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قطّ؛ وكانت الريح علينا، فأرسينا ساعة، وأرسوا قريبًا منا؛ وسكنت الريح عنّا، فقلنا: الأمن بيننا وبينكم قالوا: ذلك لكم ولنا منكم، ثم قلنا: إن أحببتم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم؛ وإن شئتم فالبحر. قال: فنخروا نخرة واحدة، وقالوا: الماء؛ فدنونا منهم، فربطنا السفن بعضها إلى عبض حتى كنّا يضرب بعضنا بعضًا على سفننا وسفنهم؛ فقاتلنا أشدّ القتال، ووثبت الرجال على الرجال يضطربون بالسيوف على السفن، ويتواجئون بالخناجر، حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركامًا.
قال ابن عمر: فحدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عمّن حضر ذلك اليوم، قال: رأيت الساحل حيث تضرب الريح الموج، وإنّ عليه لمثل الظرب العظيم من جثث الرجال؛ وإنّ الدم لغالب على الماء، ولقد قتل يومئذ من المسلمين بشر كثير، وقتل من الكفار ما لا يحصى، وصبروا يومئذ صبرًا لم يصبروا في موطن قطّ مثله. ثم أنزل الله نصره على أهل الإسلام، وانهزم القسطنطين مدبرًا، فما انكشف إلّا لما أصابه من القتل والجراح؛ ولقد أصابه يومئذ جراحات مكث منها حينًا جريحًا.
قال ابن عمر: حدثني سالم مولى أمّ محمد، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش بن عبد الله الصنعاني، قال: كان أوّل ما سمع من محمد بن أبي حذيفة حين ركب الناس البحر سنة إحدى وثلاثين، لمّا صلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح بالناس العصر، كبر محمد بن أبي حذيفة تكبيرًا ورفع صوته حتى فرغ الإمام عبد الله بن سعد بن أبي سرح؛ فلما انصرف سأل: ما هذا؟ فقيل له: هذا محمد بن أبي حذيفة يكبّر، فدعاه عبد الله بن سعد، فقال له: ما هذه البدعة والحدث؟ فقال له: ما هذه بدعة ولا حدث؛ وما بالتّكبير بأس، قال: لا تعودنّ.
قال: فأسكت محمد بن أبي حذيفة، فلمّا صلّى المغرب عبد الله بن سعد كبّر محمد بن أبي حذيفة تكبيرًا أرفع من الأوّل، فأرسل إليه: إنّك غلام أحمق؛ أما والله لولا أني لا أدري ما يوافق أمير المؤمنين لقاربت بين خطوك. فقال محمد بن أبي حذيفة: والله مالك إلى ذلك سبيل؛ ولو هممت به ما قدرت عليه. قال: فكفّ خير لك؛ والله لا تركب معنا، قال: فأركب مع المسلمين؟ قال: اركب حيث شئت. قال: فركب في مركب وحده ما معه إلى القبط؛ حتى بلغوا ذات الصواري؛ فلقوا جموع الروم في خمسمائة مركب أو ستمائة فيها القسطنطين بن هرقل، فقال: أشيروا علي، قالوا: ننظر الليلة، فباتوا يضربون بالنّواقيس، وبات المسلمون يصلّون ويدعون الله.
ثم أصبحوا وقد أجمع القسطنطين أن يقاتل، فقرّبوا سفنهم، وقرّب المسلمون فربطوا بعضها إلى بعض، وصفّ عبد الله بن سعد المسلمين على نواحي السفن، وجعل يأمرهم بقراءة القرآن، ويأمرهم بالصبر، ووثبت الروم في سفن المسلمين على صفوفهم حتى نقضوها؛ فكانوا يقاتلون على غير صفوف. قال: فاقتتلوا قتالًا شديدًا. ثم إنّ الله نصر المؤمنين، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة لم ينج من الروم إلّا الشريد.
قال: وأقام عبد الله بذات الصواري أيّامًا بعد هزيمة القوم؛ ثم أقبل راجعًا؛ وجعل محمد بن أبي حذيفة يقول للرجل: أما والله لقد تركنا خلفنا الجهاد حقًا، فيقول الرجل: وأي جهاد؟ فيقول: عثمان بن عفان فعل كذا وكذا، وفعل كذا وكذا حتى أفسد الناس. فقدموا بلدهم وقد أفسدهم، وأظهروا من القول ما لم يكونوا ينطقون به.
قال محمد بن عمر: فحدثني معمر بن راشد، عن الزهري، قال: خرج محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر عام خرج عبد الله بن سعد، فأظهرا عيب عثمان وما غيّر وما خالف به أبا بكر وعمر؛ وأنّ دم عثمان حلال. ويقولان: استعمل عبد الله بن سعد؛ رجلًا كان رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) أباح دمه ونزل القرآن بكفره، وأخرج رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) قومًا وأدخلهم، ونزع أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) واستعمل سعيد بن العاص وعبد الله بن عامر. فبلغ ذلك عبد الله بن سعد، فقال: لا تركبا معنا، فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين، ولقوا العدوّ؛ وكانا أكلّ المسلمين قتالًا، فقيل لهما في ذلك، فقالا: كيف نقاتل مع رجل لا ينبغي لنا أن نحكّمه! عبد الله بن سعد استعمله عثمان، وعثمان فعل وفعل؛ فأفسدا أهل تلك لاغزاة، وعابا عثمان أشدّ العيب. فأرسل عبد الله بن سعد إليهما ينهاهما أشدّ النهي، وقال: والله لولا أني لا أدري ما يوافق أمير المؤمنين لعاقبتكما وحبستكما.
قال الواقدي: وفي هذه السنة توفّيَ أبو سفيان بن حرب وهو ابن ثمان وثمانينن سنة.
وفي هذه السنة - أعني سنة إحدى وثلاثين - فتحت في قول الواقدي أرمينية على يدي حبيب بن مسلمة الفهري.
ذكر الخبر عن مقتل يزدجرد ملك فارس

وفي هذه السنة قتل يزدجرد ملك فارس.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:33 PM
ذكر الخبر عن سبب مقتله
اختلف في سبب مقتله؛ وكيف كان قذ؛ فقال علي بن محمد: أخبرنا غياث بن إبراهيم، عن ابن إسحاق، قال: هرب يزدجرد من كرمان في جماعة يسيرة إلى مرو، فسأل مرزبانها مالًا فمنعه، فخافوا على أنفسهم، فأرسلوا إلى الترك يستنصرونهم عليه، فأتوه فبيّتوه، فقتلوا أصحابه، وهرب يزدجرد حتى أتى منزل رجل ينقر الأرجاء على شطّ المرغاب، فأوى إليه ليلًا، فلما نام قتله.
قال علي: وأخبرنا الهذلي، قال: أتى يزدجرد مرو هاربًا من كرمان، فسأل مرزبانها وأهلها مالًا، فمنعوه وخافوه، فبيّتوه ولم يستجيشوا عليه الترك، فقتلوا أصحابه، وخرج هاربًا على رجليه، معه منطقته وسيفه وتاجه؛ حتى انتهى إلى منزل نقّار على شطّ المرغاب، فلما غفل يزدجرد قتله النقار، وأخذ متاعه وألقى جسده في المرغاب، وأصبح أهل مرو فاتّبعوا أثره، حتى خفي عليهم عند منزل النقّار، فأخذوه، فأقرّ لهم بقتله وأخرج متاعه؛ فقتلوا النقّار وأهل بيته، وأخذوا متاعه ومتاع يزدجرد، وأخرجوه من المرغاب فجعلوه في تابوت من خشب.
قال: فزعم بعضهم أنهم حملوه إلى إصطخر فدفن بها في أول سنة إحدى وثلاثين، وسمّيت مرو " خذاه دشمن "، وقد كان يزدجرد وطىء امرأة بها فولدت له غلامًا ذاهب الشقّ - وذلك بعد ما قتل يزدجرد - فسمى المخدج، فولد له أولاد بخراسان، فوجد قتيبة حين افتتح الصغد أو غيرها جاريتين فقيل له: إنّهما من ولد المخدج، فبعث بهما - أو بإحداهما - إلى الحجاج بن يوسف، فبعث بها إلى الوليد بن عبد الملك، فولدت للوليد يزيد بن الوليد الناقص.
قال علي: وأخبرنا روح بن عبد الله، عن خرداذبه الرازي؛ أنّ يزدجرد أتى خراسان ومعه خرّزاذمهر، أخو رستم، فقال لماهويه مرزبان مرو: إني قد سلّمت إليك الملك. ثم انصرف إلى العراق وأقام يزدجرد بمرو، وهمّ بعزل ماهويه، فكتب ماهويه إلى الترك يخبرهم بانهزام يزدجرد وبقدومه عليه، وعاهدهم على مؤازرتهم عليه، وخلّى لهم الطريق.
قال: وأقبل الترك إلى مرو، وخرج إليهم يزدجرد فيمن معه من أصحابه، فقاتلهم ومعه ماهويه في أساورة مرو، فأثخن يزدجرد في الترك، فخشي ماهويه أن ينهزم الترك، فتحوّل إليهم في أساورة مرو، فانهزم جند يزدجرد وقتلوا، وعقر فرس يزدجرد عند المساء، فمضى ماشيًا هاربًا حتى انتهى إلى بيت فيه رحًا على شطّ المرغاب، فمكث فيه ليلتين، فطلبه ماهويه فلم يقدر عليه، فلما أصبح اليوم الثاني دخل صاحب الرحا بيته، فلما رأى هيئة يزدجرد قال: ما أنت؟ إنسي أو جني! قال: إنسي؛ فهل عندك طعام؟ قال: نعم، فأتاه به، فقال: إني مزمزم فأتني بما أزمزم به، فذهب الطحان إلى إسوار من الأساورة، فطلب منه ما يزمزم به، قال: وما تصنع به؟ قال: عندي رجل لم أر مثله قطّ؛ وقد طلب هذا مني. فأدخله على ماهويه، فقال: هذا يزدجرد، اذهبوا فجيئوني برأسه، فقال له الموبذ: ليس ذلك لك، قد علمت أنّ الدين والملك مقترنان لا يستقيم أحدهما إلّا بالآخر، ومتى فعلت انتهكت الحرمة التي لا بعدها. وتكلم الناس وأعظموا ذلك، فشتمهم ماهويه، وقال للأساورة: من تكلم فاقتلوه. وأمر عدّة فذهبوا مع الطحان، وأمرهم أن يقتلوا يزدجرد، فانطلقوا فلما رأوه كرهوا قتله، وتدافعوا ذلك وقالوا للطحان: ادخل فاقتله، فدخل عليه وهو نائم ومعه حجر فشدخ به رأسه، ثم احتزّ رأسه، فدفعه إليهم، وألقى جسده في المرغاب. فخرج قوم من أهل مرو، فقتلوا الطحان، وهدموا رحاه، وخرج أسقف مرو، فأخرج جسد يزدجرد من المرغاب، فجعله في تابوت، وحمله إلى إصطخر، فوضعه في ناووس.
وقال آخرون في ذلك ما ذكر هشام بن محمد؛ أنه ذكر له أن يزدجرد هرب بعد وقعة نهاوند، وكانت آخر وقعاتهم حتى سقط إلى أرض إصبهان، وبها رجل يقال له مطيار من دهاقينها - وهو المنتدب كان لقتال العرب حين نكلت الأعاجم عنها - فدعاهم إلى نفسه، فقال: إن ولّيت أموركم وسرت بكم إليهم ما تجعلون لي؟ فقالوا: نقرّ لك بفضلك. فسار بهم، فأصاب من العرب شيئًا يسيرًا، فحظي به عندهم، ونال به أفضل الدرجات فيهم. فلما رأى يزدجرد أمر إصبهان ونزلها، أتاه مطيار ذات يوم زائرًا، فحجبه بوابه، وقال له: قف حتى أستأذن لك عليه، فوثب عليه فشجّه أنفةً وحميّة لحجبه إيّاه، ودخل البواب على يزدجرد مدمّىً، فلمّا نظر إليه أفظعه ذلك، وركب من ساعته مرتحلًا عن إصبهان، وأشير عليه أن يأتي أقصى مملكته فيكون بها، لاشتغال العرب عنه بما هم فيه إلى يوم. فسار متوجّهًا إلى ناحية الري، فلما قدمها خرج إليه صاحب طبرستان، وعرض عليه بلاده، وأخبره بحصانتها، وقال له: إن أنت لم تجبني يومك هذا ثم أتيتني بعد ذلك لم أقبلك ولم آوك؛ فأبى عليه يزدجرد، وكتب له بالإصبهبذيّة، وكان له فيما خلا عليه درجة أوضع منها.
وقال بعضهم: إنّ يزدجرد مضى من فوره ذلك إلى سجستان، ثمّ سار منها إلى مرو في ألف رجل من الأساورة.
وقال بعضهم: إنّ يزدجرد وقع إلى أرض فارس، فأقام بها أربع سنين، ثم أتى أرض كرمان، فأقام بها سنتين أو ثلاث سنين؛ فطلب إليه دهقان كرمان أن يقيم عنده، فلم يفعل؛ وطلب من الدهقان أن يعطيه رهينة، فلم يعطه دهقان كرمان شيئًا، فلم يعطه ما طلب، فأخذ برجله فسحبه وطرده عن بلاده؛ فوقع منها إلى سجستان، فأقام بها نحوًا من خمس سنين. ثمّ أجمع أن ينزل خراسان فيجمع الجموع فيها ويسير بهم إلى من غلبه على مملكته، فسار بمن معه إلى مرو، ومعه الرهن من أولاد الدهاقين، ومعه من رؤسائهم فرّخزاذ؛ فلما قدم مرو استغاث منهم بالملوك، وكتب إليهم يستمدّهم، وإلى صاحب الصين وملك فرغانة وملك كابل وملك الخزر والدّهقان يومئذ بمرو ماهويه بن مافناه بن فيد أبو براز. ووكّل ماهويه ابنه براز مدينة مرو - وكانت إليه - وأراد يزدجرد دخول المدينة لينظر إليها وإلى قهندزها - وكان ماهويه قد تقدّم إلى ابنه ألّا يفتحها له إن رام دخولها تخوّفًا لمكره وغدره - فركب يزدجرد في اليوم الذي أراد دخولها، فأطاف بالمدينة، فلما انتهى إلى باب من أبوابها، وأراد دخولها منه صاح أبو براز ببراز: أن افتح - وهو في ذلك يشدّ منطقته، ويومىء إليه ألّا يفعل - وفطن لذلك رجل من أصحاب يزدجرد، فأعلمه ذلك، واستأذنه في ضرب عنق ماهويه، وقال: إن فعلت صفت لك الأمور بهذه الناحية؛ فأبى عليه.
وقال بعضهم: بل كان يزدجرد ولّى مرو فرّخزاذ، وأمر براز أن يدفع القهندز والمدينة إليه، فأبى أهل المدينة ذلك؛ لأن ماهويه أبا براز تقدّم إليهم بذلك، وقال لهم: ليس هذا لكم بملك، فقد جاءكم مفلولًا مجروحًا، ومرو لا تحتمل ما يحتمل غيرها من الكور، فإذا جئتكم غدًا فلا تفتحوا الباب. فلما أتاهم فعلوا ذلك، وانصرف فرّخزاذ، فجثا بين يدي يزدجرد، وقال: استصعبت عليك مرو؛ وهذه العرب قد أتتك. قال: فما الرأي؟ قال: الرأي أن نلحق ببلاد الترك ونقيم بها، حتى يتبيّن لنا أمر العرب؛ فإنهم لا يدعون بلدة إلّا دخلوها. قال: لست أفعل؛ ولكني أرجع عودي على بدئي؛ فعصاه ولم يقبل رأيه، وسار يزدجرد، فأتى براز دهقان مرو، وأجمع على صرف الدهقنة إلى سنجان ابن أخيه، فبلغ ذلك ماهويه أبا براز، فعمل في هلاك يزدجرد وكتب إلى نيزك طرخان يخبره أنّ يزدجرد وقع إليه مفلولا، ودعاه إلى القدوم عليه لتكون أيديهما معًا في أخذه، والاستيثاق منه، فيقتلوه أو يصالحوا عليه العرب، وجعل له إن هو أراحه منه أن يفي له كلّ يوم بألف درهم، وسأله أن يكتب إلى يزدجرد مماكرًا له لينحّيَ عنه عامّة جنده، ويحصل في طائفة من عسكره وخواصّه، فيكون أضعف لركنه، وأهون لشوكته، وقال: تعلمه في كتابك إليه الذي عزمت عليه؛ من مناصحته ومعونته على عدوّه من العرب، حتى يقهرهم، وتطلب إليه أن يشتقّ لك اسمًا من أسماء أهل الدرجات بكتاب مختوم بالذهب، وتعلمه أنك لست قادمًا عليه حتى ينحّيَ عنه فرّخزاذ.
فكتب نيزك بذلك إلى يزدجرد، فلمّا ورد عليه كتابه بعث إلى عظماء مرو فاستشارهم، فقال له سنجان: لست أرى أن تنحّيَ عنك جندك وفرّخزاذ لشيء، وقال أبو براز: بل أرى أن تتألّف نيزك وتجيبه إلى ما سأل. فقبل رأيه، وفرّق عنه جنده، وأمر فرّخزاذ أن يأتي أجمة سرخس، فصاح فرّخزاذ، وشقّ جيبه، وتناول عمودًا بين يديه يريد ضرب أبي براز به، وقال: يا قتلة الملوك، قتلتم ملكين، وأظنكم قاتلي هذا! ولم يبرح فرّخزاذ حتى كتب له يزدجرد بخطّ يده كتابًا: هذا كتاب لفرّخزاذ؛ إنك قد سلّمت يزدجرد وأهله وولده وحاشيته وما معه إلى ماهويه دهقان مرو. وأشهد عليه بذلك
فأقبل نيزك إلى موضع بين المروين، يقال له حلسدان؛ فلما أجمع يزدجرد على لقائه والمسير إليه، أشار عليه أبو براز ألّا يلقاه في السلاح فيرتاب به، وينفر عنه؛ ولكن يلقاه بالمزامير والملاهي؛ ففعل فسار فيمن أشار عليه ماهويه، وسمّى له، وتقاعس عنه أبو براز، وكردس نيزك أصحابه كراديس. فلمّا تدانيا استقبله نيزك ماشيًا، ويزدجرد على فرس له، فأمر لنيزك بجنيبة من جنائبه فركبها؛ فلمّا توسط عسكره تواقفا، فقال له نيزك فيما يقول: زوّجني إحدى بناتك وأناصحك، وأقاتل معك عدوّك. فقال له يزدجرد: وعلي تجترىء أيّها الكلب! فعلاه نيزك بمخفقته، وصاح يزدجرد: غدر الغادر! وركض منهزمًا، ووضع أصحاب نيزك سيوفهم فيهم، فأكثروا فيهم القتل.
وانتهى يزدجرد من هزيمته إلى مكان من أرض مرو، فنزل عن فرسه، ودخل بيت طحّان فمكث فيه ثلاثة أيام؛ فقال له الطحّان: أيّها الشقي، اخرج فاطعم شيئًا، فإنك قد جعت منذ ثلاث، قال: لست أصل إلى ذلك إلا بزمزمة وكان رجل من زمازمة مرو أخرج حنطة له ليطحنها، فكلمه الطحان أن يزمزم عند ليأكل، ففعل ذلك؛ فلما انصرف سمع أبا براز يذكر يزدجرد، فسألهم عن حليته؛ فوصفوه له، فأخبرهم أنه رآه في بيت طحّان، وهو رجل جعد مقرون حسن الثنايا، مقرّط مسوّر. فوجّه إليه عند ذلك رجلًا من الأساورة، وأمره إن هو ظفر به أن يخنقه بوتر، ثم يطرحه في نهر مرو؛ فلقوا الطحّان، فضربوه ليدلّ عليه فلم يفعل، وجحدهم أن يكون يعرف أين توجّه. فلما أرادوا الانصراف عنه قال لهم رجل منهم: إنّي أجد ريح المسك؛ ونظر إلى طرف ثوبه من ديباج في الماء، فاجتذبه إليه؛ فإذا هو يزدجرد، فسأله ألّا يقتله ولا يدلّ عليه، ويجعل له خاتمه وسواره ومنطقته؛ قال الآخر: أعطني أربعة دراهم وأخلّي عنك؛ قال يزدجرد: ويحك خاتمي لك، وثمنه لا يحصى! فأبى عليه؛ قال يزدجرد: قد كنت أخبر أني سأحتاج إلى أربعة دراهم؛ وأضطر إلى أن يكون أكلي أكل الهرّ، فقد عاينت، وجاءني بحقيقته؛ وانتزع أحد قرطيه فأعطاه الطحان مكافأة له لكتمانه عليه، ودنا منه كأنه يكلمه بشيء، فوصف له موضعه، وأنذر الرجل أصحابه، فأتوه، فطلب إليهم يزدجرد ألّا يقتلوه وقال: ويحكم! إنّا نجد في كتبنا أنّ من اجترأ على قتل الملوك عاقبه الله بالحريق في الدنيا؛ مع ما هو قادم عليه، فلا تقتلوني وآتوني الدهقان أو سرّحوني إلى العرب؛ فإنهم يستحيون مثلي من الملوك؛ فأخذوا ما كان عليه من الحلي، فجعلوه في جراب، وختموا عليه؛ ثم خنقوه بوتر، وطرحوه في نهر مرو، فجرى به الماء حتى انتهى إلى فوّهة الرزيق، فتعلّق بعود، فأتاه أسقفّ مرو، فحمله ولفّه في طيلسان ممسّك، وجعله في تابوت، وحمله إلى بائي بابان أسفل ماجان، فوضعه في عقد كان يكون مجلس الأسقفّ فيه وردمه، وسأل أبو براز عن أحد القرطين حين افتقده، فأخذ الذي دلّ عليه فضربه حتى أتى على نفسه، وبعث بما أصيب له إلى الخليفة يومئذ، فأغرم الخليفة الدهقان قيمة القرط المفقود.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:33 PM
وقال آخرون: بل سار يزدجرد من كرمان قبل ورود العرب إياها، فأخذ على طريق الطبسين وقهستان، حتى شارف مرو في زهاء أربعة آلاف رجل، ليجمع من أهل خراسان جموعًا، ويكرّ إلى العرب ويقاتلهم، فتلقّاه قائدان متباغضان متحاسدان كانا بمرو؛ يقال لأحدهما براز والآخر سنجان؛ ومنحاه الطاعة، وأقام بمرو، وخصّ براز فحسده ذلك سنجان، وجعل براز يبغي سنجان الغوائل، ويوغل صدر يزدجرد عليه، وسعى بسنجان حتى عزم على قتله؛ وأفشى ما كان عزم عليه من ذلك إلى امرأة من نسائه كان براز واطأها؛ فأرسلت إلى براز بنسوة زعمت بإجماع يزدجرد على قتل سنجان، وفشا ما كان عزم عليه يزدجرد من ذلك. فنذر سنجان، وأخذ حذره، وجمع جمعًا كنحو أصحاب براز، ومن كان مع يزدجرد من الجند، وتوجّه نحو القصر الذي كان يزدجرد نازله. وبلغ ذلك براز، فنكص عن سنجان لكثرة جموعه، ورعب جمع سنجان يزدجرد وأخافه، فخرج من قصره متنكّرًا، ومضى على وجهه راجلًا لينجو بنفسه، فمشى نحوًا من فرسخين حتى وقع إلى رحًا ما، فدخل بيت الرحا، فجلس فيه كالًّا لغبًا، فرآه صاحب الرحا ذا هيئة وطُرّة وبزّة كريمة، ففرش له، فجلس وأتاه بطعام فطعم، ومكث عنده يومًا وليلة، فسأله صاحب الرحا أن يأمر له بشيء، فبذل له منطقة مكلّلة بجوهر كانت عليه؛ فأبى صاحب الرحا أن يقبلها، وقال: إنما كان يرضيني من هذه المنطقة أربعة دراهم كنت أطعم بها وأشرب، فأخبره أنه لا ورق معه، فتملّقه صاحب الرحا؛ حتى إذا غفا قام إليه بفأس له فضرب بها هامته فقتله، واحتزّ رأسه؛ وأخذ ما كان عليه من ثياب ومنطقة، وألقى جيفته في اعلنهر الذي كان تدور بمائه رحاه، وبقر بطنه، وأدخل فيه أصولًا من أصول طرفاء كانت نابته في ذلك النهر لتحبس جثّته في الموضع الذي ألقاه فيه، فلا يسفل فيعرف ويطلب قاتله وما أخذ من سلبه، وهرب على وجهه. وبلغ قتل يزدجرد رجلًا من أهل الأهواز كان مطرانًا على مرو؛ يقال له إيلياء، فجمع من كان قبله من النصارى، وقال لهم: إنّ ملك الفرس قد قتل، وهو ابن شهريار بن كسرى؛ وإنما شهريار ولد شيرين المؤمنة التي قد عرفتم حقّها وإحسانها إلى أهل ملّتها من غير وجه؛ ولهذا الملك عنصر في النصرانيّة مع ما نال النصارى في ملك جدّه كسرى من الشرف؛ وقبل ذلك في مملكة ملوك من أسلافه من الخير؛ حتى بنى لهم بعض البيع، وسدّد لهم بعض ملّتهم؛ فينبغي لنا أن نحزن لقتل هذا الملك من كرامته بقدر إحسان أسلافه وجدّته شيرين، كان إلى النصارى؛ وقد رأيت أنّ أبني له ناووسًا، وأحمل جثّته في كرامة حتى أواريها فيه.
فقال النصارى: أمرنا لأمرك أيّها المطران تبع؛ ونحن لك على رأيك هذا مواطئون. فأمر المطران فبنى في جوف بستان المطارنة بمرو ناووسًا؛ ومضى بنفسه ومعه نصارى مرو حتى استخرج جثّة يزدجرد من النهر وكفّنها، وجعلها في تابوت، وحمله من كان معه من النصارى على عواتقهم حتى أتوا به الناووس الذي أمر ببنائه له وواروه فيه، وردموا بابه؛ فكان ملك يزدجرد عشرين سنة، منها أربع سنين في دعة وست عشرة سنة في تعب من محاربة العرب إيّاه وغلظتهم عليه.
وكان آخر ملك ملك من آل أردشير بن بابك؛ وصفا الملك بعده للعرب.
شخوص عبد الله بن عامر إلى خراسان وما قام به من فتوح

وفي هذه السنة - أعني سنة إحدى وثلاثين - شخص عبد الله بن عامر إلى خراسان ففتح أبرشهر وطوس وبيورد ونسا حتى بلغ سرخس، وصالح فيها أهل مرو.
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر أن ابن عامر لما فتح فارس قام إليه أوس بن حبيب التميمي، فقال: أصلح الله الأمير! إنّ الأرض بين يديك، ولم تفتتح من ذلك إلّا القليل، فسر فإنّ الله ناصرك؛ قال: أولم نأمر بالمسير! وكره أن يظهر أنه قبل رأيه؛ فذكر علي بن محمد أن مسلمة بن محارب أخبره عن السكن بن قتادة العريني، قال: فتح ابن عامر فارس ورجع إلى البصرة، واستعمل على إصطخر شريك بن الأعور الحارثي، فبنى شريك مسجد إصطخر، فدخل على ابن عامر رجل من بني تميم. قال: كنّا نقول: إنه الأحنف - ويقال: أوس بن جابر الجشمي جشم تميم - فقال له: إنّ عدوّك منك هارب؛ وهو لك هائب، والبلاد واسعة؛ فسر فإنّ الله ناصرك، ومعزّ دينه.
فتجهّز ابن عامر، وأمر الناس بالجهاز للمسير، واستخلف على البصرة زيادًا، وسار إلى كرمان؛ ثم أخذ إلى خراسان، فقوم يقولون: أخذ طريق إصبهان؛ ثم سار إلى خراسان.
قال علي: أخبرنا المفضّل الكرماني، عن أبيه، قال: كان أشياخ كرمان يذكرون أنّ ابن عامر نزل المعسكر بالسّيرجان، ثمّ سار إلى خراسان، واستعمل على كرمان مجاشع بن مسعود السلمي، وأخذ ابن عامر على مفازة رابر؛ وهي ثمانون فرسخًا، ثم سار إلى الطبسين يريد أبرشهر؛ وهي مدينة نيسابور، وعلى مقدّمته الأحنف بن قيس، فأخذ إلى قهستان، وخرج إلى أبرشهر فلقيه الهياطلة؛ وهم أهل هراة؛ فقاتلهم الأحنف فهزمهم؛ ثم أتى ابن عامر نيسابور.
قال علي: وأخبرنا أبو مخنف، عن نمير بن وعلة، عن الشعبي، قال: أخذ ابن عامر على مفازة خبيص؛ ثم على خواست - ويقال: على يزد - ثمّ على قهستان؛ فقدّم الأحنف فلقيه الهياطلة، فقاتلهم فهزمهم؛ ثم أتى أبرشهر، فنزلها ابن عامر؛ وكان سعيد بن العاص في جند أهل الكوفة، فأتى جرجان وهو يريد خراسان؛ فلمّا بلغه نزول ابن عامر أبرشهر، رجع إلى الكوفة.
قال علي: أخبرنا علي بن مجاهد، قال: نزل ابن عامر على أبرشهر فغلب على نصفها عنوة، وكان النصف الآخر في يد كنارى، ونصف نساوطوس؛ فلم يقدر ابن عامر أن يجوز إلى مرو، فصالح كنارى، فأعطاه ابنه أبا الصلت ابن كنارى وابن أخيه سليمًا رهنًا، ووجّه عبد الله بن خازم إلى هراة وحاتم بن النعمان إلى مرو، فأخذ ابن عامر ابني كنارى، فصارا إلى النعمان ابن الأفقم النصري فأعتقهما.
قال علي: وأخبرنا أبو حفص الأزدي، عن إدريس بن حنظلة العمبّي، قال: فتح ابن عامر مدينة أبرشهر عنوة؛ وفتح ما حولها طوس وبيورد ونسا وحمران، وذلك سنة إحدى وثلاثين.
قال علي: أخبرنا أبو السري المروزي، عن أبيه، قال: سمعت موسى بن عبد الله بن خازم يقول: أبي صالح أهل سرخس، بعثه إليهم عبد الله بن عامر من أبرشهر وصالح ابن عامر أهل أبرشهر صلحًا، فأعطوه جاريتين من آل كسرى بابونج وطهمبج - أو طمهبج - فأقبل بهما معه، وبعث أمين ابن أحمر اليشكري، ففتح ما حول أبرشهر: طوس وبيورد ونسا وحمران، حتى انتهى إلى سرخس.
قال علي: وأخبرنا الصلت بن دينار، عن ابن سيرين، قال: بعث ابن عامر عبد الله بن خازم إلى سرخس؛ ففتحها وأصاب ابن عامر جاريتين من آل كسرى، فأعطى إحداهما النوشجان؛ وماتت بابونج.
قال علي: وأخبرنا أبو الذيال زهير بن هنيد العدوي، عن أشياخ من أهل خراسان، أنّ ابن عامر سرّح الأسود بن كلثوم العدوي - عدي الرباب - إلى بيهق؛ وهو من أبرشهر، بينها وبين مدينة أبرشهر ستة عشر فرسخًا، ففتحها وقتل الأسود بن كلثوم. قال: وكان فاضلًا في دينه، كان من أصحاب عامر بن عبد الله العنبري وكان عامر يقول بعد ما اخرج من البصرة: ما آسى من العراق على شيء إلّا على مماء الهواجر، وتجاوب المؤذّنين، وإخوان مثل الأسود بن كلثوم.
قال علي: وأخبرنا زهير بن هنيد، عن بعض عمومته، قال: غلب ابن عامر على نيسابور، وخرج إلى سرخس، فأرسل إلى أهل مرو يطلب الصلح؛ فبعث إليهم ابن عامر حاتم بن النعمان الباهلي، فصالح براز مرزبان مرو على ألفي ألف ومائتي ألف.
قال: فأخبرنا مصعب بن حيّان عن أخيه مقاتل بن حيّان، قال: صالحهم على ستة آلاف ألف ومائتي ألف.
وحجّ بالناس في هذه السنة عثمان رضي الله عنه.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:34 PM
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين

ذكر ما كان فيها من الأحداث المذكورة

فمن ذلك غزوة معاوية بن أبي سفيان المضيق، مضيق القسطنطينيّة؛ ومعه زوجته عاتكة ابنة قرطة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف.
وقيل: فاختة؛ حدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق، عن أبي معشر، وهو قول الواقدي.
وفي هذه السنة استعمل سعيد بن العاص سلمان بن ربيعة على فرج بلنجر، وأمدّ الجيش الذي كان به مقيمًا مع حذيفة بأهل الشأم؛ عليهم حبيب بن مسلمة الفهري - في قول سيف - فوقع فيها الاختلاف بين سلمان وحبيب في الأمر، وتنازع في ذلك أهل الشأم وأهل الكوفة.
ذكر الخبر بذلك
فممّا كتب به إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن محمد وطلحة قالا: كتب عثمان إلى سعيد: أن أغز سلمان الباب؛ وكتب إلى عبد الرحمن ابن ربيعة وهو على الباب: إنّ الرعيّة قد أبطر كثيرًا منهم البطنة، فقصّر، ولا تقتحم بالمسلمين؛ فإني خاشٍ أن يبتلوا، فلم يزجر ذلك عبد الرحمن عن غايته، وكان لا يقصّر عن بلنجر، فغزا سنة تسع من إمارة عثمان حتى إذا بلغ بلنجر؛ حصروها ونصبوا عليها المجانيق والعرّادات، فجعل لا يدنو منها أحد إلا أعنتوه أو قتلوه؛ فأسرعوا في الناس؛ وقتل معضد في تلك الأيام.
ثم إنّ الترك اتّعدوا يومًا، فخرج أهل بلنجر؛ وتوافت إليهم الترك فاقتتلوا؛ فأصيب عبد الرحمن بن ربيعة - وكان يقال له ذو النور - وانهزم المسلمون فتفرّقوا، فأمّا من أخذ طريق سلمان بن ربيعة فحماه حتى خرج من الباب، وأمّا من أخذ طريق الخزر وبلادها، فإنه خرج على جيلان وجرجان وفيهم سلمان الفارسي وأبو هريرة، وأخذ القوم جسد عبد الرحمن فجعلوه في سفط، فبقي في أيديهم، فهم يستسقون به إلى اليوم ويستنصرون به.
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن داود بن يزيد، عن الشعبي، قال: والله لسلمان بن ربيعة كان أبصر بالمضارب من الجازر بمفاصل الجزور.
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن الغصن بن القاسم، عن رجل من بني كنانة، قال: لما تتابعت الغزوات على الخزر، وتذامروا وتعايروا وقالوا: كنّا أمة لا يقرن لنا أحد حتى جاءت هذه الأملة القليلة، فصرنا لا نقوم لها. فقال بعضهم لبعض: إنّ هؤلاء لا يموتون؛ ولو كانوا يموتون لما اقتحموا علينا. وما أصيب في غزواتها أحد إلّا في آخر غزوة عبد الرحمن، فقالوا: أفلا تجرّبون! فكمنوا في الغياض، فمرّ بأولئك الكمين مرّار من الجند، فرموهم منها؛ فقتلوهم، فواعدوا رءوسهم، ثمّ تداعوا إلى حربهم؛ ثم اتّعدوا يومًا؛ فاقتتلوا، فقتل عبد الرحمن، وأسرع في الناس فافترقوا فرقين؛ فرق نحو الباب فحماهم سلمان حتى أخرجهم، وفرق أخذوا نحو الخزر؛ فطلعوا على جيلان وجرجان، فيهم سلمان الفارسي وأبو هريرة.
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن المستنير بن يزيد، عن أخيه قيس، عن أبيه: قال كان يزيد بن معاوية وعلقمة بن قيس ومعضد الشيباني وأبو مفزّر التميمي في خباء، وعمرو بن عتبة وخالد بن ربيعة والحلحال بن ذرّي والقرثع في خباء، وكانوا متجاورين في عسكر بلنجر؛ وكان القرثع يقول: ما أحسن لمع الدماء على الثياب! وكان عمرو بن عتبة يقول لقباء عليه أبيض: ما أحسن حمرة الدماء في بياضك! وغزا أهل الكوفة بلنجر سنين من إمارة عثمان لم تئم فيهنّن امرأة، ولم ييتم فيهنّ صبي من قتل، حتى كان سنة تسع؛ فلمّا كان سنة تسع قبل المزاحفة بيومين رأى يزيد بن معاوية أنّ غزالا جىء به إلى خبائه، لم ير غزالًا أحسن منه حتى لفّ في ملحفته، ثم أتيَ به قبر عليه أربعة نفر لم ير قبرًا أشدّ استواء منه ولا أحسن منه، حتى دفن فيه؛ فلمّا تغادى الناس على الترك رمي يزيد بحجر، فهشم رأسه، فكأنما زيّن ثوبه بالدماء زينة، وليس يتلطّخ؛ فكان ذلك الغزال الذي رأى، وكان بذلك الدم على ذلك القباء الحسن، فلما كان قبل المزاحفة بيوم تغادوا، فقال معضد لعلقمة: أعرني بردك أعصّب به رأسي؛ ففعل، فأتى البرج الذي أصيب فيه يزيد؛ فرماهم فقتل منهم، ورمي بحجر في عرّادة، ففضح هامته، واجترّه أصحابه فدفنوه إلى جنب يزيد، وأصاب عمرو بن عتبة جراحة؛ فرأى قباءه كما اشتهى. وقتل؛ فلما كان يوم المزاحفة قاتل القرثع حتى خرّق بالحراب، فكأنما كان قباؤه ثوبًا أرضه بيضاء ووشيه أحمر، ومازال الناس ثبوتًا حتى أصيب، وكانت هزيمة الناس مع مقتله.
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن داود بن يزيد، قال: كان يزيد بن معاوية النخعي رضي الله عنه وعمرو بن عتبة ومعضد أصيبوا يوم بلنجر؛ فأمّا معضد فإنه اعتجر ببرد لعلقمة، فأتاه شظيّة من حجر منجنيق فأمّه، فاستصغره، ووضع يده عليه فمات فغسل دمه علقمة، فلم يخرج؛ وكان يحضر فيه الجمعة، وقال يحرّضني عليه: إنّ فيه دم معضد. فأما عمرو فلبس قباء أبيض، وقال: ما أحسن الدم على هذا! فأتاه حجر فقتله، وملأه دمًا، وأما يزيد فدلّى عليه شيء فتقله، وقد كانوا حفروا قبرًا فأعدّوه؛ فنظر إليه يزيد، فقال: ما أحسنه! وأريَ فيما يرى النائم أنّ غزالًا لم ير غزالٌ أحسن منه، جيء به حتى دفن فيه؛ فكان هو ذلك الغزال. وكان يزيد رقيقًا جميلًا رحمه الله؛ وبلغ ذلك عثمان، فقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون! انتكث أهل الكوفة. اللهمّ تب عليهم وأقبل بهم.
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: استعمل سعيد على ذلك الفرج سلمان بن ربيعة، واستعمل على الغزو بأهل الكوفة حذيفة بن اليمان؛ وكان على ذلك الفرج قبل ذلك عبد الرحمن ابن ربيعة؛ وأمدّهم عثمان في سنة عشر بأهل الشأم؛ عليهم حبيب بن مسلمة القرشي، فتأمّر عليه سلمان، وأبى عليه حبيب؛ حتى قال أهل الشأم: لقد هممنا بضرب سملان، فقال في ذلك الناس: إذًا والله نضرب حبيبًا ونحبسه؛ وإن أبيتم كثرت القتلى فيكم وفينا.
وقال أوس بن مغراء في ذلك:
إن تضربوا سلمان نضرب حبيبكم ** وإن ترحلوا نحو ابن عفّان نرحل
وإن تقسطوا فالثّغر ثغر أميرنا ** وهذا أمير في الكتائب مقبل
ونحن ولاة الثغر كنّا حماته ** ليالي نرمي كلّ ثغر وننكل
فأراد حبيب أن يتأمّر على صاحب الباب كما كان يتأمرّ أمير الجيش إذا جاء من الكوفة؛ فلمّا أحسّ حذيفة أقرّ وأقرّوا؛ فغزاها حذيفة ابن اليمان ثلاث غزوات؛ فقتل عثمان في الثالثة؛ ولقيهم مقتل عثمان، فقال: اللهمّ العن قتلة عثمان وغزاة عثمان وشنأة عثمان. اللهمّ إنا كنّا نعاتبه ويعاتبنا، متى ما كان من قبله يعاتبنا ونعاتبه! فاتّخذوا ذلك سلّمًا إلى الفتنة؛ اللهم لا تمتهم إلّا بالسيوف.
وفي هذه السنة مات عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ زعم الواقدي أنّ عبد الله بن جعفر حدثه بذلك عن يعقوب بن عتبة؛ وأنه يوم مات كان ابن خمس وسبعين سنة.
قال: وفيها مات العبّاس بن عبد المطلب؛ وهو يومئذ ابن ثمان وثمانين سنة؛ وكان أسنّ من رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) بثلاث سنين.
قال: وفهيا مات عبد الله بن زيد بن عبد ربه رحمه الله؛ الذي أري الأذان.
قال: وفيها توفّيَ عبد الله بن مسعود بالمدينة، فدفن بالبقيع رحمه الله فقال قائل: صلّى عليه عمّار، وقال قائل: صلّى عليه عثمان.
وفيها مات أبو طلحة رحمه الله.
ذكر الخبر عن وفاة أبي ذر

قال: وفيها مات أبو ذرّ رضي الله عنه في رواية سيف.
ذكر الخبر عن وفاته
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن عطيّة عن يزيد الفقعسي، قال: لما حضرت أبا ذرّ الوفاة؛ وذلك في سنة ثمان في ذي الحجّة من إمارة عثمان، نزل بأبي ذرّ؛ فلما أشرف قال لابنته: استشرفي يا بنيّة فانظري هل ترين أحدًا! قالت: لا، قال: فما جاءت ساعتي بعد؛ ثم أمرها فذبحت شاة، ثم طبختها، ثم قال: إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم: إنّ أبا ذرّ يقسم عليكم ألّا تركبوا حتى تأكلوا؛ فلمّا نضجت قدرها قال لها: انظري هل ترين أحدًا؟ قالت: نعم؛ هؤلاء ركب مقبلون، قال: استقبلي بي الكعبة. ففعلت، وقال: بسم الله، وبالله، وعلى ملّة رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg). ثم خرجت ابنته فتلقّتهم وقالت: رحمكم الله! اشهدوا أبا ذرّ - قالوا: وأين هو؟ فأشارت لهم إليه وقد مات - فادفنوه، قالوا: نعم ونعمة عين! لقد أركمنا الله بذلك؛ وإذا ركبٌ من أهل الكوفة فيهم ابن مسعود، فمالوا إليه وابن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg): " يموت وحده، ويبعث وحده "؛ فغسلوه وكفّنوه وصلّوا عليه ودفنوه، فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم: إنّ أبا ذر يقرأ عليكم السلام، وأقسم عليكم ألّا تركبوا حتّى تأكلوا، ففعلوا، وحملوهم حتى أقدموهم مكّة، ونعوه إلى عثمان، فضمّ ابنته إلى عياله، وقال: يرحم الله أبا ذرّ، ويغفر لرافع ابن خديج سكونه.
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن القعقاع بن الصلت، عن رجل، عن كليب بن الحلحال، عن الحلحال بن ذرّي، قال: خرجنا مع ابن مسعود سنة إحدى وثلاثين ونحن أربعة عشر راكبًا حتى أتينا على الربذة فإذا امرأة قد تلقّتنا، فقالت: اشهدوا أبا ذرّ - وما شعرنا بأمره ولا بلغنا - فقلنا: وأين أبو ذرّ؟ فأشارت إلى خباء، فقلنا: ماله؟ قالت: فارق المدينة لأمر قد بلغه فيها، ففارقها. قال ابن مسعود: ما دعاه إلى الإعراب؟ فقالت: أما إن أمير المؤمنين قد كره ذلك؛ ولكنه كان يقول: هي بعد، وهي مدينة. فمال ابن مسعود إليه وهو يبكي، فغسلناه وكفنّاه؛ وإذا خباء منضوخ بمسك، فقلنا للمرأة: ما هذا؟ فقالت: كانت مسكة، فلما حضر قال: إن الميّت يحضره شهود يجدون الريح؛ ولا يأكلون، فدوفي تلك المسكة بماء، ثم رشّي بها الخباء فاقريهم ريحها، واطبخخي هذا اللحم؛ فإنه سيشهدني قوم صالحون يلون دفني، فاقريهم، فلما دفنّاه دعتنا إلى الطعام فأكلنا، وأردنا احتمالها، فقال ابن مسعود: أمير المؤمنين قريب، نستأمره؛ فقدمنا مكة فأخبرناه الخبر، فقال: يرحم الله أبا ذرّ، ويغفر له نزوله الربذة! ولما صدر خرج فأخذ طريق الربذة، فضمّ عياله إلى عياله، وتوجّه نحو المدينة، وتوجّهنا نحو العراق؛ وعدّتنا: ابن مسعود وأبو مفزز التميمي، وبرك بن عبد الله التميمي، والأسود بن يزيد النخعي وعلقمة بن قيس النخعي، والحلحال ابن ذرى الضبي والحارث بن سويد التميمي، وعمرو بن عتبة بن فرقد السلمي، وابن ربيعة السلمي، وأبو رافع المزني، وسويد بن مثعبة التميمي، وزياد بن معاوية النخعي، وأخو القرثع الضبي؛ وأخو معضد الشيباني.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:35 PM
فتح مروروذ والطالقان والفارياب والجوزجان وطخارستان

وفي سنة اثنتين وثلاثين فتح ابن عامر مروروذ والطالقان والفارياب والجوزجان وطخارستان.
ذكر الخبر عن ذلك
قال علي: أخبرنا سلمة بن عثمان وغيره، عن إسماعيل بن مسلم، عن ابن سيرين، قال: بعث ابن عامر الأحنف بن قيس إلى مروروذ، فحصر أهلها، فخرجوا إليهم فقاتلوهم، فهزمهم المسلمون حتى اضطروهم إلى حصنهم، فأشرفوا عليهم، فقالوا: يا معشر العرب، ما كنتم عندنا كما نرى؛ ولو علمنا أنّكم كما نرى لكانت لنا ولكم حال غير هذه؛ فأمهلونا ننظر يومنا، وارجعوا إلى عسكركم. فرجع الأحنف، فلما أصبح غاداهم وقد أعدّوا له الحرب؛ فخرج رجلٌ من العجم معه كتاب من المدينة، فقال: إنّي رسول فأمّنوني، فأمّنوه، فإذا رسول من مرزبان مرو ابن أخيه وترجمانه، وإذا كتاب المرزبان إلى الأحنف، فقرأ الكتاب؛ قال: فإذا هو: إلى أمير الجيش؛ إنا نحمد الله الذي بيده الدول، يغير ما شاء من الملك، ويرفع من شاء بعد الذلة، ويضع من شاء بعد الرفعة.
إنه دعاني إلى مصالحتك وموادعتك ما كان من إسلام جدّي، وما كان رأي من صاحبكم من الكرامة والمنزلة؛ فمرحبًا بكم وأبشروا؛ وأنا أدعوكم إلى الصح فيما بينكم وبيننا؛ على أن أؤدّي إليكم خراجًا ستين ألف درهم؛ وأن تقرّوا بيدي ما كان ملك الملوك كسرى أقطع جدّ أبي حيث قتل الحيّة التي أكلت الناس، وقطعت السبُّل من الأرضين والقرى بما فيها من الرجال، ولا تأخذوا من أحد من أهل بيتي شيئًا من الخراج، ولا تخرج المرزبة من أهل بتي إلى غيركم، فإن جعلت ذلك لي خرجت إليك؛ وقد بعثت إليك ابن أخي ماهك ليستوثق منك بما سألت.
قال: فكتب إله الأحنف: بسم الله الرحمن الرحيم، من صخر بن قيس أمير الجيش إلى باذان مرزبان مرووذ ومن معه من الأساورة والأعاجم. سلام على من اتّبع الهدى، وآمن واتّقى. أما بعد؛ فإن ابن أخيك ماهك قدم علي، فنصح لك جهده، وأبلغ عنك؛ وقد عرضت ذلك على من معي من المسلمين، وأنا وهم فيما عليك سواء؛ وقد أجبناك إلى ما سألت وعرضت على أن تؤدّي عن أكرتك وفلّاحيك والأرضين ستّين ألف درهم إلي وإلى الوالي من بعدي من أمراء المسلمين؛ إلّا ما كان من الأرضين التي ذكرت أنّ كسى الظالم لنفسه أقطع جدّ أبيك لما كان من قتله الحيّة التي أفسدت الأرض وقطعت السُّبل. والأرض لله ولرسوله يورثها من يشاء من عباده، وإنّ عليك نصرة المسلمين وقتال عدوّهم بمن معك من الأساورة؛ إن أحبَّ المسلمون ذلك وأرادوه، وإنّ لك على ذلك نصرة المسلمين على من يقاتل من وارءك من أهل بيتك من ذوي الأرحام؛ وإن أنت أسلمت واتبعت الرسول كان لك من المسلمين العطاء والمنزلة والرزق وأنت أخوهم؛ ولك بذلك ذمتي وذمة أبي وذمم المسلمين وذمم آبائهم. شهد على ما في هذا الكتاب جزء ابن معاوية - أو معاوية بن جزء السعدي - وحمزة بن الهرماس وحميد بن الخيار المازنيّان، وعياض بن ورقاء الأسيدي. وكتب كيسان مولى بني ثعلبة يوم الأحد من شهر الله المحرّم. وختم أمير الجيش الأحنف بن قيس. ونقش خاتم الأحنف: نعبد ه.
قال علي: أخبرنا مصعب بن حيّان، عن أخيه مقاتل بن حيّان، قال: صالح ابن عامر أهل مرو، وبعث الأحنف في أربعة آلاف إلى طخارستان فأقبل حتى نزل موضع قصر الأحنف من مرو روذ، وجمه أهل طخارستان، وأهل الجوزجان والطالقان والفارياب؛ فكانوا ثلاثة زحوف، ثلاثين ألفًا. وأتى الأحنف خيرهم وما جمعوا له، فاستشار الناس فاختلفوا؛ فبين قائل: نرجع إلى مرو، وقائل: نرجع إلى أبر مشهر، وقائل: نقيم نستمدّ، وقائل: نلقاهم فنناجزهم.
قال: فلما أمسى الأحنف خرج يمشي في العسكر، ويستمع حديث الناس، فمرّ بأهل خبار ورجل يوقد تحت خزيرة أو يعجن؛ وهم يتحدثون ويذكرون العدوّ؛ فقال بعضهم: الرأي للأمير أن يسير إذا أصبح؛ حتى يلقي القوم حيث لقيهم - فإنه أرعب لهم - فيناجزهم. فقال صاحب الخزيرة أو العجين: إن فعل ذلك مفقد أخطأ وأخطأتم؛ أتأمرونه أن يلقى حدّ العدوّ مصحرًا في بلادهم، فيلقى جمعًا كثيرًا بعدد قليل، فإن جالوا جولة اصطلمونا! ولكنّ الرأي له أن ينزل بين المرغاب والجبل، فيجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره، فلا يلقاه من عدوّه وإن كثروا إلا عدد أصحابه. فرجع الأحنف وقد اعتقد ما قال؛ فضرب عسكره، وأقام فأرسل إليه أهل مرو يعرضون عليه أن يقاتلوا متعه؛ فقال: إني أكره أن أستنصر بالمشركين؛ فأقيموا على ما أعطيناكم؛ وجعلنا بيننا وبينكم؛ فإن ظفرنا فنحن على ما جعلنا لكم؛ وإن ظفروا بنا وقاتلوكم فقاتلوا عن أنفسكم.
قال: فوافق المسلمين صلاة العصر؛ فعالجلهم المشركون فناهضوهم فقاتلوهم؛ وصبر الفريقان حتى أمسوا والأحنف يتمثّل بشعر ابن جؤيّة الأعرجي:
أحقُّ من لم يكره المنيَّه ** حزوّر ليست له ذرَّيه
قال علي: أخبرنا أبو الأشهب العسدي، عن أبيه، قال: لقي الأحنف أهل مرووذ والطالقان والفارياب والجوزجان في المسلمين ليلاُ، فقاتلهم حتى ذهب عامّة الليل، ثم هزمهم ه، فقتلهم المسلمون حتى انتهوا إلى رسكن - وهي على اثني عشر فرسخًا من قصر الأحنف - وكان مرزبان مروروذ، قد تربّص بحمل ما كانوا صالحوه عليه؛ لنظر ما يكون من أمرهم.
قال: فلمّا ظفر الأحنف سرّح رجلين مإلى المرزبان، وأمرهما ألّا يكلّماه حتى يقبضاه. ففعلًا. فعلم أنهم لم يصنعوا ذاك به إلّا وقد ظفروا، فحمل ما كان عليه.
قال علي: وأخبرنا المفضّل الضبي، عن أبيه، قال: سار الأقرع بن حابس إلى الجوزجان؛ بعثه الأحنف في جريدة خيل إلى بقيّة كانت بقيت من الزحوف الذين هزمهم الأحنف، فقاتلهم، فجال المسلمون جولة، مفقتل فرسان من فرسانهم؛ ثم أضفر الله المسلمين بهم فهزموهم وقتلوهم، فقال كثير النهشلي:
سقى مزن السحاب إذا اشتهلّت ** مصارع فتية بالجوزجان
إلى القصرين من رستاق خوط ** أقادهم هناك الأقرعان
وهي طويلة.
ذكر صلح الأحنف مع أهل بلخ

وفي هذه السنة، جرى صلح بين الأحنف وبين أهل بلخ.
ذكر الخبر بذلك
قال علي: أخبرنا زهير بن الهنيد، عن إياس بن المهلّب، قال: سار الأحنف من مروالرّوذ إلى بلخ فحاصرهم، فصالحه أهلها على أربعمائة ألف، فرضى منهم بذلك، واستعمل ابن عمّه؛ وهو أسيد بن المتشمّس ليأخذ منهم ما صالحوه عليه، ومضى إلى خارزم، فأقام حتى هجم عليه الشتاء، فقال لأصحابه: ما ترون؟ قال له حصين: قد قال لك عمرو بن معد يكرب، قال: وما قال؟ قال: قال:
إذا لم تستطع أمرًا فدعه ** وجاوزه إلى ما تستطيع
قال: فأمر الأحنف بالرّحيل، ثمّ انصرف إلى بلخ، وقد قبض ابن عمّه ما صالحهم عليه؛ وكان وافق وهو يجبيهم المهرجان، فأهدوا إليه هدايا من آنية الذهب والفضّة ودنانير ودراهم ومتاع وثياب، فقال ابن عمّ الأحنف: هذا ما صالحناكم عليه؟ قالوا: لا؛ ولكنّ هذا شيء نصنعه في هذا اليوم بمن ولينا نستعطفه به، قال: وما هذا اليوم؟ قالوا: المهرجان، قال: ما أدري ما هذا؟ وإني لأكره أن أردّه؛ ولعله ممن حقّي؛ ولكن أقبضه وأعزله حتى أنظر فيه؛ فقبضه، وقدم الأحنف فأخبره، فسألهم عنه، فقالوا له مثل ما قالوا لابن عمّه، فقال: آتي به الأمير؛ فحمله إلى ابن عامر، فأخبره عنه، فقال: اقبضه يا أبا بحر؛ فهو لك؟ قال: لا حاجة لي فيه، فقال ابن عامر: ضمّه إليك يا مسمار، قال: قال الحسن: فضمّه القرشي وكان مضمًّا.
قال علي: وأخبرنا عمرو بن محمد المرّي، عن أشياخ من بني مرّة، أنّ الأحنف استعمل على بلخ بشر بن المتشمّس.
قال علي: وأخبرنا صدقة بن حميد، عن أبيه، قال: بعث ابن عامر - حين صالح أهل مرو، وصالح الأحنف أهل بلخ - خليد بن عبد الله الحنفيَّ إلى هراة وباذغيس؛ فافتتحهما، ثم كفروا بعد فكانوا مع قارن.
قال علي: وأخبرنا مسلمة، عن داود، قال: ولما رجع الأحنف إلى ان عامر قال الناس لابن عامر: ما فتح على أحد ما مقد فتح عليك؛ فارس وكرمان وسجستان وعامّة خراسان! قال: لا جرم، لأجعلنّ شكري لله على ذلك أن أخرج محرمًا معمرًا من موقفي هذا. فأحرم بعمرة من نيسابور؛ فلما قدم على عثمان لامه على إحرامه من خراسان، وقال: ليتك تضبط ذلك من الوقت الذي يحرم منه الناس! قال علي: أخبرنا مسلمة، عن السكن بن قتادة العريني، قال: استخلف ابن عامر على خراسان قيس بن الهيثم، وخرج ابن عامر منها في سنة اثنتين وثلاثين. قال: فجمع قارن جمعًا كثيرًا من ناحية الطبسين وأهل باذغيس وهراة وقهستان، فأقبل في أربعين ألفًا، فقال لعبد الله بن خازم: ما ترى؟ قال: أرّى أن تخلّي البلاد فإني أميرها؛ ومعي عهد من ابن عامر؛ إذا كانت حرب بخراسان فأنا أميرها - وأخرج كتابًا قد افتعله عمدًا - فكره قيس مشاغبته، وخلّاه والبلاد؛ وأقبل إلى ابن عامر، فلامه ابن عامر، وقال: تركت البلاد حربًا وأقبلت! قال: جاءني بعهد منك. فقالت له أمّه: قد نهيتك أن تدعهما في بلد، فإنه يشغبعليه.
قال: فسار ابن خازم إلى قارن في أربعة آلاف وأمر الناس فحملوا الودك؛ فلما قرب من عسكره أمر الناس، فقال: ليدرج كلُّ رجل منكم على زجّ رمحه ما كان معه من خرقة أو قطن أو صوف؛ ثم أوسعوه من الودك ممنسمن أو دهن أو زيت أو إهالة. ثم سار حتى إذا أمسى قدّم مقدّمته ستمائة، ثم اتّبعهم، وأمر الناس فأشعلوا النيران في أطراف الرماح، وجعل يقتبس بعضهم من بعض. قال: وانتهت مقدّمته إلى عسكر قارن، فأتوهم نصف الليل؛ ولهم حرس، فناوشوهم، وهاج الناس على دهش، وكانوا آمنين في أنفسهم من البيات، ودنا ابنخازم منهم، فرأوا النيران بمنة ويسرة، وتتقدّم وتتأخرّ، وتتخفض وترتفع؛ فلا يرون أحدًا. فهالهم ذلك، ومقدّمة ابن خازم يقاتلونهم؛ ثم غشيهم ابن خازم بالمسلمين، فقتل قارن، وانهزم العدوّ فأتبعوهم يقتلونهم كيف شاءوا، وأصابوا سبيًا كثيرًا؛ فزعم شيخ من بني تميم، قال: كانت أمّ الصلت بن حريث من سبي قارن، وأمّ زياد بن الربيع منهم، وأمّ عون أبي عبد الله بن عون الفقيه منهم.
قال علي: حدثنا مسلمة، قال: أخذ ابن خازم عسرك قارن بما كان فيه، وكتب بالفتح إلى ابن عامر؛ فرضي وأقرّه على خراسان، فلبث عليها حتى انقضى أمر الجمل، فأقبل إلى البصرة، فشهد وقعة ابن الحضرمي، وكان معه في دار سبيل.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:35 PM
قال علي: وأخبرنا الحسن بن رشيد، عن سليمان بن كثير العمي الخزاعي، قال: جمعقارن للمسلمين جمعًا كثيرًا، فضاق المسلمون بأمرهم، فقال قيس ابن الهيثم لعبد الله بن خازم: ما ترى؟ قال: أرى أنك لا تطيق كثرة من قد أتانا، فاخرج بنفسك إلى ابن عامر فتخبره بكثرة من قد جمعوا لنا، ونقيم نحن في هذه الحصون ونطاولهم حتى تقدم ويأتينا مددكم.
قال: فخرج قيس بن الهيثم، فلما أمعن أظهر ابن خازم عهدًا، وقال: قد ولّاني ابن عامر خراسان؛ فسار إلى قارن، فظفر به، وكتب بالفتح إلى ابن عامر، فأقرّه ابن عامر على خراسان؛ فلم يزل أهل البصرة يغزون من لم يكن صالح من أهل خراسان، فإذا رجعوا خلّفوا أربعة آلاف للعقبة، فكانوا على ذلك مكانت الفتنية.
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين

ففيها كانت غزوة معاوية حصن المرأة من أرض الروم من ناحية ملطية في قول الواقدي.
وفيها كانت غزوة عبد الله بن سعد بن أبي سرح إفريقية الثانية حين نقض أهلها العهد.
وفيها قدّم عبد الله بن عامر الأحنف بن قيس إلى خراسان وقد انتقض أهلها، ففتح المروين: مرو الشاهجان صلحًا، ومرو الروذ بعد قتال شديد، وتبعه عبد الله بن عامر، فنزل أبر شهر، ففتحها صلحًا في قول الواقدي.
وأمّا أبو معشر فإنه قال - فيما حدثني أحمد بن ثابت الرازي "، عمّن حدثه، عن إسحاق بن عيسى، عنه، قال: كانت قبرس سنة ثلاث وثلاثين، وقد ذكرنا قول من خالفه في ذلك، والخبر عن قبرس.
وفيها: كان تسيير عثمان بن عفان من سيّر من أهل العراق إلى الشأم.
ذكر تسيير من سير من أهل الكوفة إليها

اختلف أهل السير في ذلك، فأما سيف فإنّه ذكر فيما كتب به إلي السري عن شعيب عنه، عن محمد وطلحة، قالا: كان سعيد بن العاص لا يغشاه إلّا نازلة أهل الكوفة ووجوه أهل الأيام وأهل القادسيّة وقرّاء أهل البصرة والمتسمِّتون، وكان هؤلاء دخلته إذا خلا، فأما إذا جلس للناس فإنه يدخل عليه كلّ أحد، فجلس للناس يومًا، فدخلوا عليه؛ فبينناهم جلوس يتحدثون قال خنيس بن فلان: ما أجود طلحة بن عبيد الله! فقال سعيد ابن العاص: إنّ من له مثل النشاستج لحقيق أن يكون جوادًا؛ والله لو أنّ لي مثله لأعاشكم الله عيشًا رغدًا. فقال عبد الرحمن بن خنيس - وهو حدث: والله لوددت أنّ هذا الملطاط لك - يعني ما كان لآل كسرى على جانب الفرات الذي يلي الكوفة - قالوا: فضّ الله فاك! والله لقد هممنا قك، فقال: خنيس غلام فلا تجازوه، فقالوا: يتمنى له من سوادنا! قال: ويتمنّى لكم أضعافه، قالوا: لا تيمنى لنا ولا له، قال: ما هذا بكم! قالوا: أنت والله أمرته بها، فثار إليه الأشتر وابن ذي الحبكة وجندب وصعصعة وابن الكواء وكميل بن زياد وعمير بن ضائي؛ فأخذوه فذهب أبوه ليمنع منه فضربوهما حتى غشى عليهما، وجعل سعيد يناشدهم ويأبون، حتى قضوا منهما وطرًا، فسمعت بذلك بنو أسد، فجاءوا وفيهم طليحة فأحاطو بالقصر، وركبت القبائل، فعاذوا بسعيد، وقالوا: أفلتنا وخلَّصنا.
فخرج سعيد إلى الناس، فقال: أيّا الناس، قوم تنازعوا وتهاووا، وقد رزق الله العافية. مثم قعدوا وعادوا في حديثهم، وتراجعوا فساءهم وردّهم، وأفاق الرجلان؛ فقال: أبكما حياة؟ قالا: قتلتنا غاشيتك، مقال: لا يغشوني والله أبدًا، فاحفظ علي ألسنتكما ولاتجرّئا علي النسا. ففعلًا ولما انقطع رجاء أولئك النفر من ذلك قعدوا في بيتوهم، وأقبلوا على الإذاعة حتّى لامه أهلالكوفة في أمرهم؛ فقال: هذا أميركم وقد نهاني أن أحرّك شيئًا، فمن أراد منكم أن يحرّك شيئًا فليحرّكه.
فكتب أشراف أهل الكوفة وصلحاؤهم إلى عثمان في إخراجهم، فكتب: إذا اجتمع ملؤكم على ذلك فألحقوهم بمعاوية. فأخرجوهم، فذلّوا وانقادوا حتى أتوه - هم بضعة عشر - فكتبوا بذلك إلى عثمان، وكتب عثمان إلى معاوية: إنّ أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفرًا خلقوا للفتنة، فرعهم وقم عليهم؛ فإن آنست منهم رشدًا فأقبل منهم؛ وإن أعيوك فازددهم عليهم فلما قدموا على معاوية رّحّب بهم وأنزلهم كنيسة تسمّى مريم، وأجرى عليهم بأمر عثمان ما كان يجري عليهم بالعراق، وجعل لا يزال يتغدّى ويتعشّى معهم، فقال لهم يومًا: إنكم قوم من العرب لكم أسنان وألسنة، وقد أدركتم بالإسلام شرفًا وغلبتم الأمم وحويتم مراتبهم ومواريثهم، وقد بلغني أنكم نقمتم قريشًا؛ وإن قريشًا لو لم تكن عدتم أذلّة كما كنتم، إنّ أئمتكم لكم إلى اليوم جنّة فلا تشذّوا عن جنّتكم؛ وإنّ أئمتكم اليوم يصبرون لكم على الجور، ويحتملون منكم المؤونة؛ والله لتنتهنّ أو ليتلينّكم الله بمن يسومكم؛ ثم لا يحمدكم على الصبر، ثمّ تكونون شركاء لهم فيما جررتم على الرعيّة في حياتكم وبعد موتكم.
فقال رجل من القوم: أمّا ما ذكرت من قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية فتخوّفنا؛ وأما ما ذكرت من الجنّة فإنّ الجنّة إذا اخترقت خلص إلينا.
فقال معاوية: عرفتكم الآن، علمت أنّ الذي أغراكم على هذا قلّة العقول، وأنت خطيب القوم، ولا أرى لك عقلًا، أعظم علكي أمر الإسلام، وأذكرك به، وتذكّرني الجاهلية! موقد وعظتك. وتزعم لما يجنُّك أنه يخترق، ولا ينسب ما يخترق إلى الجنّة؛ أخزى الله أقواماُ أعظموا أمركم، ورفعوا إلى خليفتكم! افقهوا - ولا أظنكم تفقهون - أنّ قريشًا لم تعزّ في جاهلية ولا إسلام إلّا بالله عز وجل، لم تكن بأكثر العرب ولا أشدّهم؛ ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابًا، وأمحضهم أنسابًا، وأعظمهم أخطارًا؛ وأكملهم مروءة، ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس بأكل بعضهم بعضًا إلّا بالله الذي لا يستذّل من أعزّ، ولا يوضع من رفع، فبوّأهم حرمًا آمنا يتخطّف الناس من حولهم! هل تعرفون عربًا أن عجمًا أو سودًا أو حمرًا إلّا قد أصابه الدهر في بلده وحرمته بدولة؛ إلّا ما كان من قريش، فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلّا جعل الله خدّه الأسفل، حتى أراد الله أن ينتقّذ من أكرم واتّبع دينه من هوان الدنيا وسوء مردّ الآخرة، فارتضى لذلك خير خلفه، ثم ارتضى له أصحابًا فكان خيارهم قريشًا، ثم بنى هذا الملك عليهم، وجعل هذه الخلافة فيهم؛ ولا يصلح ذلك إلّا عليهم؛ فكان الله يحوطهم في الجاهليّة وهم على كفرهم بالله؛ أفتراه لا يحوطهم وهم على دينه وقد حاطهم في الجاهلية من الموك الذين كانوا يدينونكم؟ أفٍّ لك ولأصحابك! ول أنّ متكلمًا غيرك تكلّم؛ ولكنك ابتدأت. فأمّا أنت يا صعصعة فإن قريتك شرّ قرى عربيّة؛ انتنها نبتًا، وأعمقها واديًا، وأعرفها بالشرّ، وألأمها جيرانًا، لم يسكنها شريف قطّ ولا وضيع إلّا سبّ بها؛ وكانت عليه هجنة، ثم كانوا أقبح العرب ألقابًا، والأمه أصهارًا، نزّاع الأمم؛ وأنتم جيران الخطّ وفعلة فارس، حتى أصابتكم دعوة النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) ونكبتك دعوته؛ وأنت نزيع شطير في عمان، لم تسكن البحرين فتشركهم في دعوة النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فأنتشرّ قومك، حتى إذا أبرزك الإسلام، وخلطك بالناس، وحملك على الأمم التي كانت عليك؛ أقبلت تبغي دين الله عوجًا؛ وتنزع إلى الللآمة والذلّة. ولا يضع ذلك قريشًا، ولن يضرّهم، ولن يمنعهم من تأدية ما عليهم؛ إنّ الشيطان عمم غير غافل، قد عرفكم بالشرّ من بين أمتكم، فأغرى بكم الناس؛ وهو صارعكم. لقد علم أنه لا يستطيع أن يردّ بكم قضاء قضاه الله، ولا أمرًا أراده الله، ولا تدركون بالشرّ أمرًا أبدًا إلا فتح الله عليكم شرًّا منه وأخزى.
ثم قام وتركهم؛ فتذامروا. فتقاصرت إليهم أنفسهم، فلمّا كان بعد ذلك أتاهم فقال: إني قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم؛ لا والله لا ينفع الله بكم أحدًا ولا يضرّه؛ ولا أنتم برجال منفعة ولا مضرّة؛ ولكنكم رجال نكير. وبعد، فإن أردتم النجاة فألزموا جماعتكم؛ وليسعكم ما وسع الدَّهماء، ولا يبطرنّكم الإنعام، فإن البطر لا يعتري الخيار؛ اذهبوا محيث شئتم، فإني كاتب إلى أمير المؤمنين فيكم.
فلمّا خرجوا دعاهم فقال: إني معيد عليكم. إنّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) كان معصومًا فولّاني، وأدخلني في أمره، ثم استخلف أبو بكر رضي الله عنه فولّاني، ثمّ استخلف عمر فولّاني، ثم استخلف عثمان فولّاني.
فلم أل لأحد منهم مولم يولِّني إلا وهو راضٍ عني؛ وإنما طلب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) للأعمال أهل الجزاء عن المسلمين والغناء؛ ولم يطلب لها أهل اللاجتهاد والجهل بها والضعف عنها؛ وإن الله ذو سطوات ونقمات يمكر بمن مكر به، فلا تعرضوا لأمر وأنتم تعلمون من أنفسكم غير ما تظهرون؛ فإنّ الله غير تارككم حتى يختبركم ويبدي لناس سارئركم؛ وقد قال عزّ وجل: " الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يفتنون ".
وكتب معاوية إلى عثمان: إنه قدم علي أقوام ليست لهم عقول ولا أديان، أثفلهم الإسلام، وأضجرهم العدل؛ لا يريدون الله بشيء، ولا يتكلّمون بحجّة؛ إنما همّهم الفتنة وأموال أهل الذمة؛ والله مبتليهم ومختبرهم، ثم فاضحهم ومخزيهم؛ وليسوا بالذين ينكون أحدًا إلا مع غيرهم، فإنه سعيدًا ومن قبله عنهم؛ فإنهم ليسوا لأكثر من شغب أو نكير.
وخرج القوم من دمشق فقالوا: لا ترجعوا إلى الكوفة، فإنهم يسمتون بكم، وميلوا بنا إلى الجزيرة، ودعوا العراق والشام. فأووا إلى الجزيرة، وسمع بهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد - وكان معاوية قد ولّاه حمص وولى عامل الجزيرة حرّان والرّقة - فدعا بهم، فقال: يا آلة الشيطان، لا مرحبًا بكم ولا أهلًا! قد رجع الشيطان محشورًا وأنتم بعد نشاط؛ خسرر الله عبد الرحمن إن لم يؤدّ بكم حتى يحسركم. يا معش من لا أدري أعرب أم عجم، لكي لا تقولوا لي ما يبلغني أنكمتقولون لمعاوية؛ أنا ابن خالد بن الوليد، أنا ابن من قد عجمته العاجمات، أنا ابن فاقيء الردة، والله لئن بلغني يا صعصعة ابن ذلّ أنّ أحدًا ممن معي دق أنفك ثم أمصّك لأطيرنّ بك طيرة بعيدة المهوى. فأقامهم أشهرًا كلّما ركب أمشاهم، فإذا مرّ به صعصعة قال: يابن الحطيئة، أعلمت أنّ من لم يصلحه الخير أصلحه الشر! مالك لا تقول كما كان يبلغني أنّك تقول لسعيد ومعاوية! فيقول ويقولون: نتوب إلى الله، أقلنا أقالك الله! فما زالوا به حتى قال تاب الله عليكم.
وسرّح الأشتر إلى عثمان، وقال لهم: ما شئتم، إن شئتم فاخرجوا، وإن شئتم فأقيموا. وخرج الأشتر، فأتى عثمانب التوبة والندم ولانزوع عنه وعن أصحابه فقال: سلمكم الله. وقدم سعيد بن العاص، فقال عثمان للأشتر: احلل حيث شئت، فقال: مع عبد الرحمن بن خالد؟ وذكر من فضله، ذاك إليكم، فرجعإلى عبد الرحمن.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:36 PM
وأمّا محمد بن عمر؛ فإنه ذكر أنّ أبا بكر بن إسماعيل حدثه عنأبيه، عن عامر بن سعد، أنّ عثمان بعث سعيد بن العاص إلى الكوفة أميرًا عليها، حين شهد على الوليد بن عقبة بشرب الخمر من شهد عليه، وأمره أن يبعث إليه الوليد بن عقبة. قال: قدم سعيد بن العاص الكوفة، فأرسل إلى الوليد: إنّ أمير المؤمنين يأمرك أن تلحق به. قال: فتضجّع أيامًا، فقال له: انطلق إلى أخيك؛ فإنه قد أمرني أن أبعثك إليه، قال: وما صعد منبر الكوفة حتى أمر به أن يغسل، فناشده رجال من قريش كانوا قد خرجوا معه من بني أميّة، وقالوا: إنّ هاذ قبيح؛ والله لو أراد هذا غيرك لكان حقًّا أن تذبّ عنه؛ يلزمه عار هذا أبدًا. قال: فأبى إلّا أن يفعل، فغسلهوأرسل إلى الوليد أن يتحوّل من دار الإمارة، فتحوّل منها، ونزل دار عمارة بنعقبة، فقدم الوليد على عثمان، فجمع بينه وبين خصمائه، فرأى أن يجلده، فجلده الحدّ.
قال محمّد بن عمر: حدثني شيبان، عن مجالد، عن الشعبي، قال: قدم سعيد بن العاص الكوفة، فجعل يختار وجوه الناس يدخلون عليه ويسمرون عنده؛ وإنه سمر عنده ليلةً وجوه أهل الكوفة، منهم مالك بن كعب الأرجي، والأسود بن يزيد وعلقمة بن قيس النخعيّان، وفيهم مالك الأشتر في رجال، فقال سعيد: إنما هذا السواد بستان لقريش؛ فقال الأشتر: أتزعم أنّ السواد الذي أفاءه الله علينا بأسيافنا بستان لك ولقومك! والله ما يزيد أوفاكم فيه نصيبًا إلا أن يكون كأحدنا، وتكلم معه القوم.
قال: فقال عبد الرحمن الأسدي - وكان على شرطة سعيد: أتردّون على الأمير مقالته! وأغلظ لهم، فقال الأشتر: من ها هنا! لا يفوتنّكم الرجل؛ فوثبوا عليه فوطئوه وطأ شديدًا، حتى غشي عليه ثم جرّ برجله فألقى، فنضح بماء فأفاق، فقال له سعيد: أبك حياة؟ فقا: قتلني من انتخبت - زعمت - للإسلام، فقال: والله لا يسمر منهم عندي أحد أبدًا، فجعلوا يجلسون في مجالسهم وبيوتهم يشتموون عثمان وسعيدًا؛ واجتمع الناس إليهم؛ حتى كثر من يختلف إليهم. فكتب سعيد إلى عثمان يخبره بذلك، ويقول: إنّ رهطًا من أهل الكوفة - سمّاهم له عشرة - يؤلّبون ويجتمعون على عيبك وعيبي والطعن في ديننا، وقد خشيت إن ثبت أمرهم أن يكثروا؛ فكتب عثمان إلى سعيد: أن سيرّهم إلى معاوية - ومعاوية يومئذ على الشأم - فسيرّهم - وهم تسعة نفر - إلى معاوية؛ فيهم مالك الأشتر، وثايت بن قيس بن منقع، وكميل بن زياد النخعي، وصعصعة بن صوحان.
ثم ذكر نحو حديث السري، عن شعيب؛ إلّا أنه قال: فقال صعصعة: فإن اخترقت الجنَّة أفليس يخلص إلينا؟ فقال معاوية: إنّ الجنة لا تخترق، فضع أمر قريش على أحسن ما يحضرك.
وزاد فيه أيضًا: إنّ معاوية لما عاد إليهم من القابلة وذكّرهم، قال فيما يقول: وإني والله ماآمركم بشيء إلا قد بدأت فيه بنفسي وأهل بيتي وخاصّتي؛ وقد عرفت قريش أن أبا سفيان كان أكرمها وابن أكرمها، إلّا ما جعل الله لنبيّه نبي الرحمة http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)؛ فإن الله انتخبه وأكرمه، فلم يخلق في أحد من الأخلاق الصالحة شيئًا إلا أصفاه الله بأكرمها وأحسنها؛ ولم يخلق من الأخلاق السيّئة شيئًا في أحد إلا أكرمه الله عنها ونزّهه؛ وإني لأظن أنّ أبا سفيان لو ولد الناس لم يلد إلا حازمًا. قال صعصعة: كذبت! قد ولدهم خير من أبي سفيان؛ من خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا له، فكان فيهم البرّ والفاجر، والأحمق والكيّس. فخرج تلك الليلة من عندهم، ثم أتاهم القابلة، فتحدث عندهم طويلًا، ثم قال: أيُّها القوم، ردّوا علي خيرًا أو اسكتوا وتفكروا وانظروا فيما ينفعكم وينفع أهليكم، وينفع عشائركم، وينفع جماعة المسلمين؛ فاطلبوه تعيشوا ونعش بكم. فقال صعصعة: لست بأهل ذلك، ولا كرامة لك أن تطاع في معصية الله.
فقال: أوليس ما ابتدأتكم به أن أمرتكم بتقوى الله وطاعته نبيه http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، وأن تعتصموا بحبله جميعًا ولا تفرّقوا! قالوا: بل أمرت بالفرقة وخلاف ما جاء به النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg). قال: فإني آمركم الآن، إن كنت فعلت فأتوب إلى الله، وآمركم بتقواه وطاعته وطاعة نبيه http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) ولزوم الجماعة، وكراهة الفرقة، وأن توقّروا أئمّتكم وتدلُّوهم على كلّ حسن ما قدرتم، وتعظوهم في لين ولطف في شيء إن كان منهم.
فقال صعصعة: فإنّا نأمرك أن تعتزل عملك؛ فإنّ في المسلمين من هو أحقّ به منك، قال: من هو؟ قال: من كان أبوه أحسن قدمًا من أبيك، وهو بنفسه أحسن قدمًا منك في الإسلام، فقال: والله إنّ لي في الإسلام قدمًا، ولغيري كان أحسن قدمًا مني؛ ولكنه ليس في زماني أحد أقوى مني لم يكن لي عند عمر هوادة ولا لغيري، ولم أحدث من الحدث ما ينبغي لي أن أعزل عملي؛ ولو رأى ذلك أمير المؤمنين وجماعة المسلمين لكتب إلي بخطّ يده فاعتزلت عمله؛ ولو قضى الله أن يفعل ذلك لرجوت ألا يعزم له على ذلك إلا وهو خير؛ فمهلًا فإنّ في ذلك وأشباهه ما يتمنّى الشيطان ويأمر؛ ولعمري لو كانت الأمور تقضي على رأيكم وأمانيّكم ما استقامت الأمور لأهل الإسلام يومًا ولا ليلة، ولكن الله يقضيها ويدبّرها؛ وهو بالغ أمره؛ فعادودوا الخبر وقولوه.
فقالوا: لست لذلك أهلًا، فقال: أما والله إنّ لله لسطوات ونقمات، وإني لخائف عليكم أن تتايعوا في مطاوعه الشيطان حتى تحلَّكم مطاوعة الشيطان ومعصية الرحمن دار الهوان من نقم الله في عاجل الأمر، والخزي الدائم في الآجل.
فوثبوا عليه؛ فأخذوا برأسه ولحيته، فقال: مه؛ إنّ هذه ليست بأرض الكوفة، والله لو رأى أهل الشأم ما صنعم بي وأنا أمامهم ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم. فلعمري إنّ صنيعكم ليشبه بعضه بعضًا، ثمّ أقام من عندهم، فقال: والله لا أدخل عليكم مدخلًا ما بقيت.
ثم كتب إلى عثمان: بسم الله الرحمن الرحيم؛ لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان، أمّا بعد يا أمير المؤمنين، فإنك بعثت إلي أقوامًا يتكلّمون بألسنة الشياطين وما يملون عليهم، ويأتون الناس - زعموا - من قبل القرآن، فيشبّهون على الناس، وليس كلّ الناس يعلم ما يريدون؛ وإنما يريدون فرقة، ويقرّبون فتنة؛ قد أثقلهم الإسلام وأضجرهم، وتمكّنت رقي الشيطان من قلوبهم، فقد أفسدوا كثيرًا من الناس ممن كانوا بين ظهرانيهم من أهل الكوفة؛ ولست آمن إن أقاموا وسط أهل الشأم أن يغرّوهم بسحرهم وفجورهم؛ فارددهم إلى مصرهم؛ فلتكن دارهم في مصرهم الذين نجم فيه نفاقهم؛ والسلام.
فكتب إليه عثمان يأمره أن يردّهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة، فردّهم إليه، فلم يكونوا إلّا أطلق ألسنة منهم حين رجعوا.
وكتب سعيد إلى عثمان يضجّ منهم؛ فكتب عثمان إلى سعيدد أن سيّرهم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد؛ وكان أميرًا على حمص.
وكتب إلى الأشتر وأصحابه: أمّا عبد؛ فإني قد سيّرتكم إلى حمص، فإذا أتاكم كتابي هذا فاخرجوا إليها؛ فإنكم لستم تألون الإسلام وأهله شرًّا. والسلام.
فلما قرأ الأشتر الكتاب، قال: اللهمّ أسوأنا نظرًا للرعيّة وأعملنا فيهم بالمعصية؛ فعجِّل له النقمة.
فكتب بذلك سعيد إلى عثمان، وسار الأشتر وأصحابه إلى حمص؛ فأنزلهم عبد الرحمن بن خالد الساحل، وأجري عليهم رزقًا.
قال محمد بن عمر: حدثني عيسى بن عبد الرحمن، عن أبي إسحاق الهمداني، قال: اجتمع نفر بالكوفة - يطعنون على عثمان - من أشراف أهل العراق: مالك بن الحارث الأشتر، وثابت بن قيس النَّخعي، وكميل بن زياد النَّخعي، وزيد بن صوحان العبدي، وجندب بن زهير الغامدي، وجندب بن كعب الأزدي، وعروة بن الجعد، وعمرو بن الحمق الخزاعي.
فكتب سعيد بن العاص إلى عثمان يخبره بأمرهم، فكتب إليهأن سيَّرهم إلى الشأم وألزمهم الدروب.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:36 PM
ذكر الخبر عن تسيير عثمان من سير من أهل البصرة إلى الشام

مما كتب به إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عطيّة، عن يزيد الفقعمي؛ مقال: لما مضى من إمارة اب عامر ثلاث سنين، بلغه أن في عبد القيس رجلًا نازلًا على حكيم بن جبلة، وكان حكيم بن جبلة رجلًا لصًّا، إذا قفل الجيوش خنس عنهم، فسعى في أرض فارس، فيغير على أهل الذمة، ويتنكّر لهم، ويفسد في الأرض، ويصيب ما شاء ثم يرجع. فشكاه أهل الذمّة وأهل القبلة إلى عثمان. فكتب إلى عبد الله بن عامر: أن احبسه، ومن كان مثله فلا يخرجنّ من البصرة حتى تأنسوا منه رشدًا؛ فحبسه فكان لا يستطيع أن يخرج منها. فلما قدم ابن السوداء نزل عليه واجتمع إليه نفر فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرّح، فقبلوا منه، واستعظموه، وأرسل إليه ابن عامر، فسأله: ما أنت؟ فأخبره أنه رجل من أهل الكتاب، رغب في الإسلام، ورغب في جوارك؛ فقال: ما يبلغني ذلك، اخرج عني. فخرج حتى أتي الكوفة فأخرج منها فاستقرّ بمصر، وجعل يكاتبهم ويكاتبونه، ويختلف الرجال بينهم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: إن حمران بن أبان تزوّج امرأة في عدّتها، فنكّل به عثمان، وفرّق بينهما، وسيّره إلى البصرة، فلزم ابن عامر؛ فتذاكروا يومًا الركوب والمرور بعامر ابن عبد قيس - وكان منقبضًا عن الناس - فقال حمران: ألا أسبقكم فأخبره! فخرج فدخل عليه وهو يقرأ في المصحف، فقال: الأمير أراد أن يمرّ بك فأحببت أن أخبرك، فلم يقطع قراءته ولم يقبل عليه، فقام من عنده خارجًا.
فلما انتهى إلى الباب لقيه ابن عامر، فقال: جئتك من عند امرىء لا يرى لآل إبراهيم عليه فضلًا؛ واستأذن ابن عامر، فدخل عليه، وجلس إليه، فأطبق عامر المصحف، وحدثه ساعة، فقال له ابن عامر: ألا تغشانا؟ فقال: سعد بن أبي العرجاء يحبّ الشرف، فقال: ألانستعملك؟ فقال: حصين ابن أبي الحرّ يحب العمل، فقال: ألا نزوّجك! فقال: ربيعة بن عسل يعجبه النساء، قال: إن هذا يزعم أنك لا ترى لآل إبراهيم عليك فضلًا، فتصفّح المصحف؛ فكان أوّلأ ما وقع عليه واففتح منه: " إنَّ الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين "، فلما ردّ حمران تتبّع ذلك منه، فسعى به، وشهد له أقوام فسيّره إلى الشام، فلما علموا علمه أذنوا له فأبى ولزم الشام.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، أنّ عثمان سيّد حمران بن أبان؛ أن تزوَّج امرأة في عدّتها، وفرق بينهما، وضربه وسيّره إلى البصرة؛ فلما أتي عليه ما شاء الله، وأتاه عنه الذي يحبّ، أذن له. فقدم عليه المدينة، وقدم معه قوم سعوا بعامر بن عبد قيس؛ أنه لا يرى التزويج، ولا يأكل اللحم؛ ولا يشهد الجمعة - وكان مععامر انقباض؛ وكان عمله كله خفية - فكتب إلى عبد الله بن عامر بذلك، فألحقه بمعاوية؛ فلما قدم عله وافقه وعنده ثريدة فأكل أكلًا غريبًا؛ فعرف أنّ الرجل مكذوب عليه، فقال: يا هذا، هل تدري فيم أخرجت؟ قال: لا، قال: أبلغ الخليفة أنك لا تأكل اللحم، ورأيتك وعرفت أن قد كذب عليك، وأنك لا ترى التزويج، ولا تشهد الجمعة، قال: أمّا الجمعة فإني أشهدها في مؤخّر المسجد ثم أرجع في أوائل الناس؛ وأمّا التزويج فإني خرجت وأنا يخطب علي؛ وأما اللحم فقد رأيت، ولكني كنت أمرأ لا آكل ذبائح القصّابين منذ رأيت قصابًا يجرّ شاة إلى مذبحها، ثم وضع السكين على مذبحها، فما زال يقول: النَّفاق النَّفاق، حتى وجبت. قال: فارجع، قال: لا أرجع إلى بدل استحلّ أهله مني ما استحلوا ولكني أقيم بهذا البلد الذي اختاره الله لي. وكان يكون في السواحل؛ وكان يلقى معاوية، فيكثر معاوية أن يقول: حاجتك؟ فيقول: لا حاجة لي؛ فلما أكثر معليه، قال: تردّ علي من حرّ البصرة لعلّ الصوم أن يشتدّ علي شيئًا، فإنه يخفّ علي في بلادكم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان، قالا: لما قدم مسيَّرة أهل الكوفة على معاوية، أنزلهم دارًا، ثم خلا بهم، فقال لهم وقالوا له، فلما فرغوا قال: لم تؤتوا إلا الحمق، والله ما أرى منطقًا سديدًا، ولا عذرًا مبينًا، ولا حلمًا ولا قوّة؛ وإنّك يا صعصعة لأحمقهم؛ اصنعوا وقولوا ما شئتم ما لم تدعوا شيئًا من أمر الله؛ فإنّ كلّ شيء يحتمل لكم إلا معصيته، فأما فيما بيننا وبينكم فأنتم أمراء أنفسكم. فرآهم بعد وهم يشهدون الصلاة، ويقفون مع قاصّ الجماعة، فدخل عليهم يومًا وبعضهم يقريء بعضًا، فقال: إنّ في هذا لخلقًا مما قدمتم به علي من النِّزاع إلى أمر الجاهلية؛ اذهبوا حيث شئتم، واعلموا أنكم إن لزمتم جماعتكم سعدتم بذلك دونهم؛ وإن لم تلزموها شقيتم بذلك دونهم؛ ولم تضرُّوا أحدًا، فجزوه خيرًا، وأثنوا عليه، فقال: يا بن الكوّاء، أي رجل أنا؟ قال: بعيد الثرى، كثير المرعى، طيّب البديهة، بعيد الغور، الغالب عليك الحلم، ركن من أركان الإسلام، سدّت بك فرجة مخوفة. قال: فأخبرني عن أهل الإحداث من أهل الأمصار فإنك أعقل أصحابك،؛ قال: كاتبتهم وكاتبوني، وأنكروني وعرفتم؛ فأما أهل الإحداث من أهل الكوفة فإنّهم أنظر الناس في صغير، وأركبه لكبير. وأمّا أهل الإحداث من أهل البصرة، فإنهم يردون جميعًا، ويصدرون شتّى، وأما أهل الإحداث من أهل مصر فهم أوفى الناس بشرّ، وأسرعه ندامة؛ وأما أهل الإحداث من أهل الشأم فأطوع الناس لمرشدهم، وأعصاه لمغويهم.
وحجّ بالناس في هذه السنة عثمان.
وزعم أبو معشر أنّ فتح قبرس كان في هذه السنة، وقد ذكرت من خالفه في ذلك.
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين

ذكر ما كان فيها من الأحداث المذكورة

فزعم أبو معشر أن غزوة الصواري كانت فيها؛ حدثني بذلك أحمد، عمّن حدثن، عن إسحاق، عنه. وقد مضى الخبر عن هذه الغزوة وذكر من خالف أبا معشر في وقتها.
وفيها كان ردّ أهل الكوفة سعيد بن العاص عن الكوفة.
ذكر خبر اجتماع المنحرفين على عثمان

وفي هذه السنة تكاتب المنحرفون عن عثمان بن عفان للاجتماع لمناظرته فيما كانوا يذكرون أنهم نقموا عليه.
ذكر الخبر عن صفة اجتماعهم لذلك وخبر الجرعة
مما كتب إلي به السري، عن شعيب، عن سيف، معنالمستنير بن يزيد، عن قيس بن يزيد النَّخعي، قال: لما رجع معاوية المسيَّرين، قالوا: إنّ العراق والشأم ليسا لنا بدار؛ فعليكم بالجزيرة. فأتوها اختيارًا. فغدا عليهم عبد الرحمن بن خالد، فسامهم الشدّة، فضرعوا له وتابعوه. وسرّح الأشتر إلى عثمان، فدععا به، وقال: اذهب حيث شئت، فقال: أرجع إلى عبد الرحمن، فرجع. ووفد سعيد بن العاص إلى عثمان في سنة إحدى عشرة من إمارة عثمان. وقبل مخرج سعيد بن العاص من الكوفة بسنة وبعض أخرى بعثالأِعث بن قيس على أذربيجان، وسعيد بن قيس على الري؛ وكان سعيد بن قيس على همذان، فعزل وجعل علها لانَُسير العجلي، وعلى إصبهان السائب بن الأقرع، وعلى ماه مالك بن حبيب اليربوعي، وعلى الموصل حكيم بن سلامة الخزامي، وجرير بن عبد الله على قرقيسياء، وسلمان ابن ربيعة على الباب، وعلى الحرب القعقاع بن عمرو، وعلى حلوان عتيبية ابن النهاش؛ وخلت الكوفة من الرؤساء إلّا منزوعًا أو مفتونًا. فخرج يزيد بن قيس وهو يريد خلع عثمان، فدخل المسجد، فجلس فيه، وثاب إليه الذين كان فيه ابن لاسوداء يكاتبهم؛ فانقضّ عليه القعقاع، فأخذ يزيد بن قيس، فقال: إنما نستعفي من سعيد، قال: هذا ما لا يعرض لكم فيه، لا تجلس لهاذ ولا يجتمعنّ إليك، واطلب حاجتك، فلعمري لتعطينّها. فرجع إلى بيته واستأجر رجلًا، وأعطاه دراهم وبغلًا على أن يأتي المسيَّرين. وكتب إليهم: لا تضعوا كتابي من أيديكم حتى تجيئوا، فإنّ أهل المصر قد جامعونا. فانطلق الرجل، فأتى عليهم وقد رجع الأشتر؛ فدفع إليهم الكتاب، فقالوا: ما اسمك؟ قال: بغثر؛ قالوا: ممن؟ قال: من كلب، قالوا: سبع ذليل ببغثر النفوس؛ لا حاجة لنا بك. وخالفهم الأشتر، ورجع عاصيًا، فلما خرج قال أصحابه: أخرجنا أخرجه الله؛ لا نجد بدًّا مما صنع؛ إن علم بنا عبد الرحمن لم يصدّقنا ولم يتسقلّها، فاتَّبعوه فلم يلحقوه؛ وبلغ عبد الرحمن أنّهم قد رحلوا فطلبهم في السواد، فسار الأشتر سبعًا والقوم عشرًا، فلم يفجإ الناس في يوم جمعة إلّا والأشتر على باب المسجد يقول: أيّها لاناس؛ إني قد جئتكم من عند أمير المؤمنين عثمان، وتركت سعيدًا يريده على نقصان نسائكم إلى مائة درهم. وردّ أهل البلاء منكم إلى ألفين، ويقول: ما بال أشراف النساء؛ وهذه العلاوة بين هذين الغدلين! ويزعم أنّ فيئكم بستان قريش؛ وقد سايرته مرحلة، فما زال يرجز بذلك حتى فارقته؛ ميقول:
ويل لأشراف النِّساء منِّي ** صمحمح كأنَّني من جنَِ

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:37 PM
فاستخلف الناس، وجعل أهل الحجي بنهونه فلا يسمع منهم، وكانت نفجة، فخرج يزيد، وأمر مناديًا ينادي: من شاء أن يلحق بيزيد ابن قيس لرد سعيد وطلب أمير غيره فليفعل. وبقي حلماء الناس وأشرافهم ووجوههم في المسجد، وذهب من سواهم، وعمرو بن حريث يومئذ الخليفة، فصعد المنبرفحمد الله وأثنى عليه، وقال: اذكروانعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا، بعد أن كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، فلاتعودوا في شرّ قد استنقذكم الله عز وجل منه. أبعد الإسلام وهديه وسنّته لا تعرفون حقًّا، ولا تصيبون بابه! فقال القعقاع بن عمرو: أتردّ السيل عن عبابه! فاردد الفرات عن أدراجه، هيهات! لا واه لا تسكّن الغوغاء إلا المشرفيّة ويوشك أن تنتضي، ثم يعجّون عجيج العتدان ويتمنّون ما هم فيه فلا يردّه الله عليهم أبدًا. فاصبر؛ فقال: أصبر، وتحوّل إلى منزله، وخرج يزيد ابن قيس حتى نزل الجرعة، ومعه الأشتر، وقد كان سعيد تلبّث في الطريق، فطلع عليهم سعيد وهم مقيمون له معسكرون، فقالوا: لا حاجة لنا بك. فقال: فما اختلفتم الآن؛ إنما كان يكفيكم أن تبعثوا إلى أمير المؤمنين رجلًا وتضعوا إلي رجلًا. وهل يخرج الألف لهم عقول إلى رجل! ثمان صرف عنهم وتحسَّسوا بمولى له على بعير قد حسر، فقال: والله ما كان ينبغي لسعيد أن يرجع. فضرب الأشتر عنقه، ومضى سعيد حتى قدم على عثمان، فأخبره الخبر، فقال: ما يريدون؟ قال: أبا موسى؛ قال: قد أثبتنا أبا موسى عليهم، ووالله لا نجعل لأحد عذرًا، ولا نترك لهم حجّة، ولنصبرنّ كما أمرنا حتى نبلغ مما يريدون. ورجع من قرب علمه من الكوفة، ورجع جرير من قرقيسياء وعتيبة من حلوان. وقام أبو موسى فتكلّم بالكوفة فقال: أيَّها الناس، لا تنفروا في مثل هاذ، ولا تعودوا لمثله، الزموا جماعتكم والطاعة؛ وإيَّاكم والعجلة، اصبروا، فكأنكم بأمير. قالوا: فصلّ بنا، قال لا، إلا على السمع والطاعة لعثمان بن عفان؛ قالوا: على السمع والطاعة لعثمان.
حدثني جعفر بن عبد الله المحمدي، قال: حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة وعلي بن حسين بن عيسى. قالا: حدثنا حسين بن عيسى، عن أبيه، عن هارون بن سعد، عن العلاء بن عبد الله بن زيد العنبري، أنّه قال: اجتمع ناس من المسلمين، فتذاكروا أعمال عثمان وما صنع، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلًا يكلّمه، ويخبره بإحداثه، فأرسلوا إليه عامر ابن عبد الله التميمي ثم العنبري - وهو الذي يدعى عامر بن عبد قيس - فأتاه، فدخل عليه، فقال له: إنّ ناسًا من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك. فوجدوك قد ركبت أمورًاعظامًا، فاتّق الله عز وجل وتب إليه، وانزع عنها. قال له عثمان: انظر إلى هذا، فإنّ الناس يزعمون أنه قارىء.
ثم هو يجيء فيكلّمني في المحقّرات، فو الله ما يدري أين الله! قال عامر: أنا لا أدري أين الله! قال: نعم، والله ما تدري أين الله؛ قال عامر: بلى والله إني لأدري أنّ الله بالمرصاد لك.
فأرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان، وإلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وإلى سعيد بن العاص، وإلى عمرو بن العاص بن وائل السهمي، وإلى عبد الله بن عامر؛ فجمعهم ليشاورهم في أمره وما طلب إليه، وما بلغه عنهم، فلما اجتمعوا عنده قال لهم: إنّ لكلّ امرىء وزراء ونصحاء، وإنّكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي، وقد صنع الناس ما قد رأيتم، وطلبوا إلي أن أعزل عمّالي، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون، فاجتهدوا رأيكم، وأشيروا علي.
فقال له عبد الله بن عامر: رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك. وأن تجمّرهم في المغازي حتى يذلُّوا لك فلا يكون همّة أحدهم إلّا نفسه، وما هو فيه من دبرة دابته، وقمل فروه. ثم أقبل عثمان على سعيد بن العاص فقال له: ما رايك؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن كنت ترى رأينا فاحسم عنك الداء، واقطع عنك الذي تخاف، واعمل برأيي تصب؛ قال: وما هو؟ قال: إنّ لكل قوم قادةً متى تهلك يتفرّقوا، ولا يجتمع لهم أمر، فقال عثمان: إنّ هذا الرأي لولا ما فيه. ثم أقبل معاوية فقال: ما رأيك؟ قال: أرى لك يا أمير المؤمنين أن تردذ عمّالك على الكفاية لما قبلهم، وأنا ضامن لك قبلي.
ثم أقبل على عبد الله بن سعد، فقال: ما رأيك؟ قال: أرى يا أمير المؤمنين أنّ الناس أهل طمع، فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم. ثم أقبل على عمرو بن العاص فقال له: ما رأيك؟ قال: أرى أنك قد ركبت الناس بما يكرهون؛ فاعتزم أن تعتدل، فإن أبيت فاعتزم عزمًا، وامض قدمًا؛ فقال عثمان: مالك قمل فروك؟ أهذا الجدّ منك! فأسكت عنه دهرًا، حتى إذا تفرّق القوم قال عمرو: لا والله يا أمير المؤمنين، لأنت أعزُّ علي من ذلك، ولكن قد علمت أن سيبلغ الناس قول كلّ رجل منا، فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي، فأقود إليك خيرًا، أو أدفععنك شرًّا.
حدثني جعفر، قال: حدثنا عمرو بن حمّاد وعلي بن حسين، قالا: حدثنا حسين، عن أبيه، عن عمرو بن أبي المقدام، عن عبد الملك ابن عمير الزُّهري، أنه قال: جمع عثمان أمراء الأجناد: معاوية بن أبي سفيان، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن عامر، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعمرو بن العاص، فقال: أشيروا علي، فإنّ الناس قد تنممّروا لي، فقال له معاوية: أشيرعليك أن تأمر أمراء أجنادك فكيفيك كلّ رجل منهم ما قبله، وأكفيك أناأهل الشأم؛ فقال لهعبد الله بن عامر: أرى لك أن تجمّرهم في هذه البعوث حتى يهمّ كلّ رجل منهم دبر دابّته، وتشغلهم عن الإرجاف بك، فقال عبد الله بن سعد: أشير عليك أن تنظر ما أسخطهم فترضيهم، ثم تخرج لهم هذا المال فيقسم بينهم.
ثم قام عمرو بن العاص فقال: يا عثمان؛ إنك قد ركبت الناس بمثل بني أمية، فقلت وقالوا، وغت وزاغوا، فاعتدل أو اعتزل، فإن أبيت فاعتزم عزمًا، وامض قدمًا؛ فقال له عثمان: مالك قمل فروك! أهذا الجدّ منك! فأسكت عمرو حتى إذا تفرٌّوا قال: لا والله يا أمير المؤمنين، لأنت أكرم عليَّ من ذلك، ولكني قد علمت أنّ بالباب قومًا قد علموا أنك جمعتنا لنشير عليك، فأحببت أن يلغهم قول، فأقود لك خيرًا، أو أدفع عنك شرًّا. فردّ عثمان عمّاله على أعمالهم، وأمرهم بالتضييق على من قبلهم، وأمرهم بتجمير الناس في البعوث، وعزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه، ويحتاجوا إليه، وردّ سعيد بن العاص أميرًا على الكوفة، فخرج أهل الكوفة عليه بالسلاح، فتلقَّوه فردّوه، وقالوا: لا والله لا بلى علينا حكمًا ما حملنا سيوفنا.
حدثني جعفر، قال: حدثنا عمرو وعلي بن حسين، عن أبيه، عن هارون بن سعد، عن أبي يحيى عمير بن سعد النخعي، أنه قال: كأني أنظر إلى الأشتر مالك بن الحارث النَّخعي على وجهه الغبار، وهو متقلد السيف، وهو يقول: والله لا يدخلها عليها ما حملنا سيوفنا - يعني سعيدًا، وذلك يوم الجرعة، والجرعة مكان مشرف قرب القادسيّة - وهناك تلقاه أهل الكوفة.
حدثني جعفر، قال: حدثنا عمرو وعلي، قالا: حدثنا حسين، عن أبيه، عن هارون بن سعد، عن عمرو بن مرّة الجملي، عنأبي البختري الطائي، عن أبي ثور الحداثي - وحداء حيٌّ من مراد - أنه قال: دفعت إلى حذيفة بن اليمان وأبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري وهما في مسجد الكوفة يوم الجرعة، حيث صنع الناس بسعيد بن العاص ما صنعوا، وأبو مسعود يعظم ذلك، ويقول: ما أرى أن تردّ على عقبيها حتَّى يكون فيها دماء، فقال حذيفة: والله لتردّنّ على عقبيها، ولا يكون فيها محجمة من دم، وما أعلم منها اليوم شيئًا إلّا وقد علمته ومحمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) حي؛ وإنّ الرجل ليصبح على الإسلام ثم يمسي وما معه منه شيء، ثم يقاتل أهل القبلة ويقتله الله غدًا، فينكص قلبه، فتعلوه استه. فقلت لأبي ثور: فلعلّه قد كان، قال: لا ولله ما كان. فلما رجع سعيد بن العاص إلى عثمان مطرودًا، أرسل أبا موسى أميرًا على الكوفة، فأقرُّوه عليها.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن يحيى بن مسلم، عن واقد بن عبد الله، عن عبد الله بن عمير الأشجعي، قال: قام في المسجد في الفتنة ففال: أيّها لاناس، اسكتوا، فإنّي سمعت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يقول: من خرج وعلى الناس إمام - والله ما قال: عادل - ليشقّ عصاهم، ويفرّق جماعتهم، فاقتلوه كائنًا من كان.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لما استعوى يزيد بن قيس الناس على سعيد بن العاص، خرج منه ذكر لعثمان؛ فأقبل إليه القعقاع بن عمرو حتى أخذه، فقال: ما تريد؟ ألك علينا في أن نستعفي سبيل؟ قال: لا، فهل إلّا ذلك؟ قال: لا، قال: فاستعف. واستجلب يزيد أصحابه من حيث كانوا، فردّوا سعيدًا، وطلبوا أبا موسى، فكتب إليهم عثمان: بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد، فقد أمَّرت عليكم من اخترتم، وأعفيتكم من سعيد، والله لأفرشنّكم عرضي، ولأبذلنّ لكم صبري، ولأستصلحنّكم بجهدي، فلا تدعوا شيئًا أحببتموه لا يعصي الله فيه إلّا سألتموه، ولا شيئًا كرهتموه لا يعصي الله فيه إلّا استعفيتم منه؛ أنزل فيه عندما أحببتم، حتى لايكون لكم علي حجّة.
وكتب بمثل ذلك في الأمصار، فقدمت إمارة أبي موسى وغزو حذيفة وتأمّر أبو موسى، ورجع العمَّال إلى أعمالهم، ومضى حذيفة إلى الباب.
وأما الواقدي فإنه زعم أن عبد الله بن محمد حدثه، عن أبيه، قال: لما كانت سنة أربع وثلاثين كتب أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) بعضهم إلى بعض: أن اقدموا، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد وكثّر الناس على عثمان، ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد، وأصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يرون ويسمعون؛ ليس فيهم أحد ينهي ولا يذبّ إلّا نفير؛ منهم زيد بن ثابت، وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت. فاجتمع الناس، وكلّموا علي بن أبي طالب. فدخل علي عثمان، فقال: الناس ورائي، وقد كلّموني فيك، والله ما أدري ما أقول لك، وما أعرف شيئًا تجهله، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه؛ إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلغكه، وما خصصنا بامر دونك، وقد رأيت وسمعت، وصحبت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) ونلت صهره، وما ابن أبي قحافة بألوى بعمل الحقّ منك، ولا بان الخطاب بأولى بشيء من الخير منك، وإنك أقرب إلى رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) رحمًا، ولقد نلت من صهر رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) ما لم ينالا، ولا سبقاك إلى شيء. فالله الله في نفسك، فإنك والله ما تبصر منعمي، ولا تعلَّم من جهل، وإنّ الطريق لواضح بيّن، إنّ أعلام الدين لقائمة. تعلَّم يا عثمان أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل، هدى وهدى، فأقام سنّةً معلومة، وأمات بدعة متروكة، فو الله إنّ كلًّا لبيِّن، وإن السُّننن لقائمة لها أعلام، وإن البدع لقائمة لها أعلام، وإن شرّ الناس عند الله إمام جائر، ضلّ وضلَّ به، فأمات سنَّة معلومة، وأحيا بدعة متروكة، وإنّي سمعت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يقول: يؤتي يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر، فيلقى في جهنم، فيدور في جهنم كما تدور الرحا، ثم يرتطم فيغمرة جهنم. وإني أحذّرك الله، وأحذّرك سطوته ونقامته؛ فإنّ عذابه شديد أليم. وأحذّرك أن تكون إما هذه الأمة المقتول، فإنه يقال: يقتل في هذه الأمة إمام، فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، ولبسَّ أمورها عليها، ويتركهم شعيًا، فلا يبصرون الحقّ لعلوّ بالباطل؛ بموجون فيها موجًا، ويمرجون فيها مرجًا.
فقال عثمان: قد والله علمت، ليقولن الذي قلت، أما والله لو كنت مكاني مما عنّفتك، ولا أسلمتك، ولا عبت عليك، ولا جئت منكرًا أن وصلت رحمًا، وسددت خلّة، وآويت ضائعًا، وولّيت شبيهًا بمن كان عمر يولِّي. أنشدك الله يا علي، هل تعلم أنّ المغيرة بن شعبة ليس هناك! قال: نعم؛ قال: فتعلم أنّ عمر ولّاه؟ قال: نعم، قال: فلم تلومني أن ولّيت ابن عامر في رحمه وقرابته؟ قال علي: سأخبرك، إنّ عمر ابن الخطاب كان كلُّ من ولي فإنما يطأ على صماخه، إنْ بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به أقصى الغابة؛ وأنت لا تفعل، ضعفت ورفقت على أقربائك.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:38 PM
قال عثمان: هم أقرباؤك أيضًا. فقال علي: لعمري إنّ رحمهم منِّي لقريبة، ولكنّ الفضل في غيرهم؛ قال عثمان: هل تعلم أنّ عمر ولي معاوية خلافته كلَّها؟ فقد وليّيته. فقال علي: أنشدك الله هل تعلم أنّ معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر منه؟ قال: نعم. قال علي: فإنّ معاوية يقتطع الأمور دونك وأنت تعلمها، فيقول للناس: هذا أمر عثمان، فيبلغك ولا تغيّر على معاوية. ثم خرج علي من عنده، وخرج عثمان على أثره، فجلس على المنر، فقال: أمّا بعد، فإنّ لكلّ شيء آفة، ولكّ أمر عاهة، وإنّ آفة هذه الأمة، وعاهة هذه النعمة، عيّابون طعّانون، يرونكم ما تحبّو ويسرّون ما تكرهون؛ يقولون لكم وتقولون، أمثال النعام يتعبون أوّلأ ناقع؛ أحبُّ مواردها إليها البعيد، لا يشربون إلّا نغصا ولا يردون إلّا عكرًا، لا يقوم لهم رائد، وقد أعيتهم الأمور، وتتعذّرت عليهم المكاس. ألا فقد والله عبتم علي بما أقررتم لابن الخطاب مثله، ولكنّه وطئكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه، فدنستم له على ما أحببتم أو كرهتم، ولنت لكم، وأوطأت لكم كتفي، وكفففت يدي ولساني عنكم، فاجترأتم علي. أما والله لأنا أعزّ نفرًا، وأقرب ناصرًا وأكثر عددًا، وأقمن إن قلت هلمّ أتي إلي؛ ولقد أعددت لكم أقرانكم، وأفضلت عليكم فضولًا، وكثرت لكم عن نابي، وأخرجتم مني خلقًا لم أكن أحسنه، ومنطقًا لم أنطق به، فكفّوا عليكم ألسنتكم، وطعنكم وعيبكم على ولاتك، فإني قد كففت عنكم من لو كان هو الذي يكلمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا. ألا فما تفقدون من حقكم؟ والله ما قصّرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي، ومن لم تكونوا تختلفون عليه. فضل فضل منمال؛ فما لي لا أصنع في الفضل ماأريد! فلم كنت إمامًا! فقام مروان ابن الحكم، فقال: إن شئتم حكّمنا والله بيننا وبينكم السيف، نحن والله وأنتم كما قال الشاعر:
فرشنا لكم أعراضنا فنبت بكم ** معارسكم تبنون في دمن الثَّرى
فقال عثمان: اسكت لاسكتَّ، دعني وأصحابي، ما منطقك في هذا! ألم أتقدّم إليك ألَا تنطق! فسكت مروان، ونزل عثمان.
وفي هذه السنة مات أبو عبس بن جبر بالمدينة، وهو بدري. ومات أيضًا مسطح بن أثاثة، وعاقل بن أبي البكير من بني سعد بن ليث، حلف لبني عدي، وهما بدريّان.
وحجّ بالناس في هذه السنة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين

ذكر ما كان فيها من الأحداث

فمما كان فيها من ذلك نزول أهل مصر ذا خشب، حدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمن حدثه، عن إسحاق بنعيسى، عن أبي معشر، قال: كان ذو خشب سنة خمس وثلاثين، وكذلك قال الواقدي.
ذكر مسير من سار إلى ذي خشب من أهل مصر وسبب مسير من سار إلى ذي المروة من أهل العراق

فيما كتب به إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عطية، عن يزيد القعسي، قال: كان عبد الله بن سبأ يهوديًّا من أهل صنعاء، أمّه سوداء، فأسلم زمان عثمان، ثم تنقّل في بلدان المسلمين، يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة، ثم الشأم، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشأم، فأخرجوه حتى أتى مصر، فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول: لعجب ممن يزعم أنّ عيسى يرجع، ويكذّب بأنّ محمدًا يرجع، وقد قال الله عز وجل: " إنّ الّذي فرض عيك القرآن لرادُّك إلى معاد ".
فمحمد أحقّ بالرجوع من عيسى. قال: فقبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة، فتكلموا فيها. ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي، ولكلّ نبي وصي، وكان علي وصيَّ محمد؛ ثم قال: محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء، ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يجز وصيّة رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) ووثب على وصي رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، وتناول أمر الأمّة! ثم قال لهم بعد ذلك: إنّ عثمان أخذها بغير حقّ، وهذا وصي رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فانهضوا في هذا الأمر فحرّكوه، وابدءوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر.
فبثّ دعاته، وكاتب من كان استفسد في الأمصر وكاتبوه، ودعوا في السرّ إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم، ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كلّ مصر منهم إلى مصر آخر ما يصنعون؛ فيقرؤه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم، حتى تناولوا بذلك المدينة، وأوسعوا الأرض إذاعة، وهم يريدون غير ما يظهرون، ويسرّون غير ما يبدون، فيوقل أهل كلّ مصر: إنّا لفي عافية مما ابتلى به هؤلاء، إلّا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار، فقالوا إنا لفي عافية مما فيه الناس، وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان، قالوا: فأتوا عثمان، فقالوا: ميا أمير المؤمنين، أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ قال: لا والله، ما جاءني إلّا السلامة، قالوا: فإنا قد أتانا.. وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم؛ قال: فأنتم شركائي وشهود المؤمنين، فأشيروا علي؛ قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالًا ممن تثق بهم إلى المصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم. فدعا محمّد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشأم، وفرّق رجالًا سواهم، فرجعوا جميعًا قبل عمّار، فقالوا: أيها الناس، ما أنكرنا شيئًا، ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامُّهم؛ وقالوا جميعًا: الأمر أمر المسلمين، إلّا أنّ أمراءهم ميقسطون بينهم، ويقومون عليهم. واستبطأ الناس عمّارًا حتى ظنوا أنه قد اغتيل، فلم يفجأهم إلّا كتاب من عبد الله ابن سعد بن أبي سرح يخبرهم أنّ عمارًا قد استماله قوم بمصر، وقد انقطعوا إليه؛ منهم عبد الله بن السوداء، وخالد بن ملجم، وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وعطيّة، قالوا: كتب عثمان إلى أهل الأمصار، أمّا بعد، فإني آخذ العمال بموافاتي في كلّ موسم، وقد سلّطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يرفع علي شيء ولا على أحد من عمالي إلّا أعطيته، وليس لي ولعيالي حقّ قبل الرعيّة إلّا متروك لهم، وقد رفع إلي أهل المدينة أنّ أقوامًا يشتمون، وآخرون يضربون، فيا من ضرب سرًّا، وشتم سرًّا، من ادّعى شيئًا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقّه حيث كان؛ منّي أو من عمالي، أو تصدّقوا فإن الله يجزي المتصدّقين. فلما قرىء في الأمصار أبكي الناس، ودعوا لعثمان وقالوا: إنّ المة لتمخَّض بشرّ. وبعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه: عبد الله بن عامر، ومعاوية، وعبد الله بن سعد؛ وأدخل معهم في المشورة سعيدًا وعمرًا، فقال: ويحكم! ما هذه الشاكية؟ وما هذه الإذعة؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقًا عليكم، وما يعصب هذا إلّا بي؛ فقالوا له: أمل تبعث! لم نرجع إليك الخبر عن القوم! ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء! لا والله ما صدقوا ولا برّوا، ولا نعلم لهذا الأمر أصلًا، وما كنت لتأخذ به أجدًا فيقيمك على شيء؛ وما هي إلا إذاعة لا يحلّ الأخذ بها، ولا الانتهاء إليها.
قال: فأشيروا علي؛ فقال سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السرّ، فيلقى به غير ذي المعرفة، فيخبر به، فيتحدث به في مجالسهم، قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم، ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم.
وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم؛ فإنه خير من أن تدعهم. قال معاوية: قد ولّيتني فوليت قومًا لا يأتيك عنهم إلا الخبر، والرّجلان أعلم بناحيتيهما؛ قال: فما الرأي؟ قال: حسن الأدب، قال: فما ترى يا عمرو؟ قال: أرى أنك قد لنت لهم، وتراخيت عنهم، وزدتهم على ما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريقة مصاحبيك، فتشتدَّ في موضع الشدّة، وتلين في موضع اللين. إن الشدّة تنبغي لمن لا يألوا الناس شرًّا، واللين لمن يخلف الناس بالنصح، وقد فرشتهما جميعًا اللين.
وقام عثمان فحمد الله وأثنى عليه وقال: كلّ ما أشرتم به علي قد سمعت، ولكلّ أمر باب يؤتي منه؛ إنّ هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن، وإنّ بابه الذي يغلق عليه فكيفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة، إلّا في حدود الله تعالى ذكره، التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدهما، فإن سدّه شيء فرفق، فذاك والله ليفتحنّ، وليست لأحد عليَّ حجة حقّ، وقد علم الله أنّي لم آل الناس خيرًا، ولا نفسي. ووالله إن رحا الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها. كفكفوا الناس، وهبوا لهم حقوقهم، واغتفروا لهم، وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها.
فلما نفر عثمان أشخص معاوية وعبد الله بن سعد إلى المدينة، ورجع ابن عامر وسعيد معه. ولما استقلّ عثمان رجز الحادي:
قد علمت ضوامر المطيِّ ** وضامرات عوج القيَِ
أنَّ الأمير بعده عليُّ ** وفي الزُّبير خلف رضيُّ
فقال كعب وهو يسير خلف عثمان: الأمير والله بعده صاحب البغلة - وأشار إلى معاوية.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن بدر بن الخليل بن عثمانبن قطبة الأِسدي، عن رجل من بني أسد، قال: ما زال معاوية يطمع فيها بعد مقدمه على عثمان حين جمعهم، فاجتمعوا إليه بالموسم، ثم ارتحل، فحدا به الراجز:

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:39 PM
إن الأمير بعده عليُّ ** وفي الزبي رخلف رضُّ
قال كعب: كذبت! صاحب الشَّهباء بعده - يعني معاوية - فأخبر معاوية، فسأله عن الذي بلغه، قال: نعم، أنت الأمير بعده، ولكنّها والله لا تصل إليك حتى تكذّب بحديثي هذا. فوقعت في نفس معاوية.
وشاركهم في هذا المكان أبو حارثة وأبو عثمان، عن رجاء بن حيوة وغيره. قالوا: فما ورد عثمان المدينة ردّ الأمراء إلى أعمالهم، فمضوا جميعًا، وأقام سعيد بعدهم، فلما ودّع معاوية عثمان خرج من عنده وعليه ثياب السفر متقلدًا سيفه، متنكّبًا قوسه، فإذا هو بنفر من المهاجرين، فيهم طلحة والزبير وعلي، فقام عليهم، فتوكّأ على قوسه بعد ما سلم عليهم، ثم قال: إنّكم قد علمتم أنّ هذا الأمر كان إذ الناس يتغالبون إلى رجال، فلم يكن منكم أحد إلّا وفي فصيلته من يرئسه، ويستبدّ عليه، ويقطع الأمر دونه، ولا يشهده، ولا يؤامره، حتى بعث الله جلّ وعزّ نبيَّه http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، وأكرم به من اتبعه؛ فكانوا يرئِّسون من جاء من بعده، وأمرهم شورى بينهم، يتفاضلون بالسابقة والقدمة والاجتهاد؛ فإن أخذوا بذلك وقاموا عليه كان الأمر أمرهم، والناس تبع لهم، وإن أصغوا إلى الدنيا وطلبوها بالتغالب سلبوا ذلك، وردّه الله إلى ما كان يرئسهم. وإلّا فليحذروا الغير، فإنّ الله على البدل قادر، وله المشيئة في ملكه وأمره. إنّي قد خلّفت فيكم شيخًا فاستوصوا به خيرًا، وكانفوه تكونوا أسعد منه بذلك. ثم ودّعهم ومضى؛ فقال علي: ما كنت أرى أنّ في هذا خبرًا؛ فقال الزبير: لا والله، ما كان قطّ أعظم في صدرك وصدورنا منه الغداة.
حدثني عبد الله بن أحمد بن شبوبه، قال: حدثني أبي، قال: حدّثني عبد الله، عن إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة، قال: أرسل عثمان إلى طلحة يدعوه؛ مفخرجت معه حتى دخل علي عثمان، وإذ عليُّ وسعد والزبير وعثمان ومعاوية، فحمد الله معاوة وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أنتم أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، وخبرته في الرض، وولاة أمر هذه الأمة، لا يطمع في ذلك أحد غيركم، اخترتم صاحبكم عن غير غلبة ولا طمع، وقد كبرت سنُّه، وولّى عمره، ولو انتظرتم به الهرم كان قريبًا؛ مع أني أرجو أن يكون أكرم على الله أن يبلغ به ذلك، وقد فشت قالة خفتها عليكم، فما عتبتم فيه من شيء فهذه يدي لكم به، ولا تطمعوا الناس في أمركم، فو الله لئن طمعوا في ذلك لا رأيتم فيها أبدًا إلا إدبارًا. قال علي: ومالك وذلك! وما أدراك لا أمَّ لك! قال: دع أمّي مكانها، ليست بشرّ أمّهاتكم، قد أسلمت وبايعت النبييَّ http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، وأجبني فيما أقول لك. فقال عثمان: صدق ابن أخي، إنّي أخبركم عني وعمّا وليت، إنّ صاحبي اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومن كان منهما بسبيل احتسابًا، وإنّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) كان يعطي قرابته، وأنا في رهط أهل عيلة، وقلّة معاش، فبسطت يدي في شيء من ذلك المال، لمكان ما أقوم به فيه، ورأيت أنّ ذلك لي، فإن رأيتم ذلك خطأ فردّوه، فأمري لأمركم تبع. قالوا: أصبت وأحسنت؛ قالوا: أعطيت عبد الله بن خالد بن أسيد ومروان - وكانوا يزعمون أنه أعطى مروان خمسة عشر ألفًا، وابن أسيد خمسين ألفًا - فردّوا منهما ذلك، فرضوا وقبلوا، وخرجوا راضين.
رجع الحديث إلى حديث سيف، عن شيوخه وكان معاوية قد قال لعثمان غداة ودّعه وخرج: يا أمير المؤمنين، انطلق معي إلى الشأم قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به، فإنّ أهل الشأم على الأمر لم يزالوا. فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) بشيء؛ وإن كان فيه قطع خيط عنقي. قال: فأبعث إليك جندًا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياك. قال: أنا أقتِّر على جيران رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) الأرزاق بجند تساكنهم، وأضيّق على أهل دار الهجرة والنصرة! قال: والله يا أمير المؤمنين، لتغتالنَّ أو لتغزينّ؛ قال: حسبي الله ونعم الوكيل. وقال معاوية: يا أيسار الجزور، وأين أيسار الجزور! ثم خرج حتى وقف على النفر، ثم مضى. وقد كان أهل مصر كاتبوا أشياعهم من أهل الكوفة وأهل البصرة وجميع من أجابهم أن يثوروا خلاف أمرائهم. واتّعدوا يومًا حيث شخص أمراؤهم، فلم يستقم ذلك لأحد منهم، ولم ينهض إلا أهل الكوفة، فإنّ يزيد بن قيس الأرحي ثار فيها، واجتمع إليه أصحابه، وعلى الحرب يومئذ القعقاع بن عمر - فأتاه فأحاط النَّاس بهم وناشدوهم؛ فقال يزيد للقعقاع: ما سبيلك علي وعلى هؤلاء! فو الله إني لسامع مطيع، وإني للازم لجماعتي إلا أنّي أستعفي ومن ترى من إمارة سعيد، فقال: استعفي الخاصة من أمر قد رضيته العامة؟ قال: فذاك إلى أمير المؤمني. فتركهم والاستعفاء، ولم يستطيعوا أن يظهروا غير ذلك، فاستقبلوا سعيدًا، فردّوه من الجرعة، واجتمع الناس على أبي موسى، وأقرّه عثمان رضي الله تعالى عنه. ولما رجع الأمراء لم يكن للسّبئيّة سبيل إلى الخروج إلى الأمصار، وكاتبوا أشياعهم من أهل الأمصار أن يتوافوا بالمدينة لنيظروا فيما يريدون، وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف، ويسألون عثمان عن أشياء لتطير في الناس، ولتحقَّق عليه؛ فتوافوا بالمدينة، وأرسل عثمان رجلين: مخزوميًّا وزهريًّا، فقال: انظروا ما يريدون، واعلما علمهم - وكانا ممن قد ناله من عثمان أدبفاصطبرا للحقّ، ولم يضطغنا - فلما رأوهما باثّوهما وأخبروهما بما يريدون، فقالا: من معكم على هذا من أهل المدينة؟ قالوا: ثلاثة نفر، فقالا: هل إلّا؟ قالوا لا! قالا: فكيف تريدون أن تصنعوا؟ قالوا: نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس، ثم نرجع إليهم فنزعم لهم أنا قرّرناه بها، فلم يخرج منها ولم يتب، ثم نخرج كأنا حجّاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه، فإن أبى قتلناه. وكانت إيّاها، فرجعا إلى عثمان بالخبر، فضحك وقال: اللهمّ سلّم هؤلاء، فإنك إن لم تسلّمهم شقوا.
أمّا عمار فحمل على عباس بن عتبة بن أبي لهب وعركه. وأما محمّد ابن أبي بكر فإنه أعجب حتى رأى أنّ الحقوق لا تلزمه، وأمّا ابن سهلة فإنه يتعرّض للبلاء. فأرسل إلى الكوفيين والبصريّين، ونادى: الصلاة جامعة! وهم عنده في أصل المنبر، فأقبل أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) حتى أحاطوا بهم، فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم خبر القوم، وقام الرجلان، فقالوا جميعًا: اقتلهم، فإنّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) قال: " من دعا إلى نفسه أو إلى أحد وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله فاقتلوه ". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا أحلّ لكم إلّا ما قتلتموه وأنا شريككم.
فقال عثمان: بل نعفو ونقبل ونبصّرهم بجهدنا، ولا نحادّ أحدًا حتى يركب حدًّا، أو يبدي كفرًا. إنّ هؤلاء ذكروا أمورًا قد علموا منها مثل الذي علمتم، إلّا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبوها علي عند من لا يعلم.
وقالوا: أتمّ الصلاة في السفر، وكانت لا تتمّ، ألا وإنّي قدمت بلدًا فيه أهلي، فأتممت لهذين الأمرين؛ أو كذلك؟ قالوا: اللهمّ نعم.
وقالوا: وحميت حمىً؛ وإني والله ما حميت، حميَ قبلي، والله ما حموا شيئًا لأحد ما حموا إلّا غلب عليه أهل المدينة، ثم لم يمنعوا من رعية أحدًا، واقتصروا لصدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع، ثم ما منعوا ولا نحّوا منها أحدًا إلّا من ساق درهمًا؛ ومالي من بعير غير راحلتين، ومالي ثاغية ولا راغية، وإنّي قد ولّيت، وإنّي أكثر العرب بعيرًا وشاءً، فمالي اليوم شاة ولا بعير غير بعيرين لحجّي، أكذلك؟ قالوا: اللهمّ نعم.
وقالوا: كان القرآن كتبًا، فتركتها إلّا واحدًا. ألا وإنّ القرآن واحد، جاء من عند واحد؛ وإنما أنا في ذلك تابع لهؤلاء؛ أكذلك؟ قالوا: نعم، وسألوه أن يقيلهم.
وقالوا: إنّي رددت الحكم وقد سيّره رسول الله ص (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، والحكم مكي، سيّره رسول الله ص (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) من مكة إلى الطائف، ثم ردّه رسول الله ص (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)؛ فرسول الله ص (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) سيّره، ورسول الله ص (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) ردّه؛ أكذلك؟ قالوا: اللهمّ نعم.
وقالوا: استعملت الأحداث. ولم أستعمل إلّا مجتمعًا محتملًا مرضيًّا، وهؤلاء أهل عملهم، فسلوهم عنه، وهؤلاء أهل بلده، ولقد ولّى من قبلي أحدث منهم، وقيل في ذلك لرسول الله ص (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) أشدّ مما قيل لي في استعماله أسامة؛ أكذاك؟ قالوا: اللهمّ نعم، يعيبون للناس ما لا يفسّرون.
وقالوا: إنّي أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه. وإني إنما نقلته خمس ما أفاء الله عليه من الخمس، فكان مائة ألف، وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك، فرددته عليهم وليس ذاك لهم، أكذاك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: إني أحبّ أهل بيتي وأعطيهم؛ فأما حبّي فإنه لم يمل معهم على جور، بل أحمل الحقوق عليهم، وأمّا إعطاؤهم فإني ما أعطيهم من مالي، ولا أستحلّ أموال المسلمين لنفسي؛ ولا لأحد من الناس؛ ولقد كنت أعطي العطيّة الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ وأنا يومئذ شحيح حريص، أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي، وفنيَ عمري، وودّعت الذي لي في أهلي، قال الملحدون ما قالوا! وإني والله ما حملت على مصرٍ من الأمصار فضلًا فيجوز ذلك لمن قاله؛ ولقد رددته عليهم، وما قدم علي إلا الأخماس، ولا يحلّ لي منها شيء؛ فولي المسلمون وضعها في أهلها دوني؛ ولا يتلفّت من مال الله بفلس فما فوقه؛ وما أتبلّغ منه ما آكل إلّا مالي.
وقالوا: أعطيت الأرض رجالًا؛ وإنّ هذه الأرضين شاركهم فيها المهاجرون والأنصار أيام افتُتحت؛ فمن أقام بمكان من هذه الفتوح فهو أسوة أهله، ومن رجع إلى أهله لم يذهب ذلك ما حوى الله له؛ فنظرت في الذي يصيبهم مما أفاء الله عليهم فبعته لهم بأمرهم من رجال أهل عقار ببلاد العرب فنقلت إليهم نصيبهم، فهو في أيديهم دوني.
وكان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أميّة، وجعل لوده كبعض من يعطي، فبدأ ببني أبي العاص، فأعطى آل الحكم رجالهم عشرة آلاف، عشرة آلاف، فأخذوا مائة ألف، وأعطى بني عثمان مثل ذلك، وقسم في بني العاص وفي بني العيص وفي بني حرب، ولانت حاشية عثمان لأولئك الطوائف، وأبى المسلمون إلّا قتلهم، وأبى إلَا تركهم؛ فذهبوا ورجعوا إلى بلادهم على أن يغزوه مع الحجّاج كالحجّاج؛ فتكاتبوا وقالوا: موعدكم ضواحي المدينة في شوّال؛ حتى إذا دخل شوّال من سنة اثنتي عشرة، ضربوا كالحجّاج فنزلوا قرب المدينة.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:40 PM
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان، قالوا: لما كان في شوال سنة خمس وثلاثين خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء؛ المقلّل يقول: ستمائة، والمكثّر يقول: ألف. على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر التجيبي، وعروة بن شيبم الليثي، وأبو عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي وسواد بن رومان الأصبحي، وزرع بن يشكر اليافعي، وسودان ابن حمران السكوني، وقتيرة بن فلان السكوني، وعلى القوم جميعًا الغافقي بن حرب العكّي، ولم يتجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب؛ وإنما أخرجوا كالحجّاج، ومعهم ابن السوداء. وخرج أهل الكفة في أربع رفاق، وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصمّ، أحد بني عامر بن صعصعة؛ وعددهم كعدد أهل مصر؛ وعليهم جميعًا عمرو بن الأصمّ. وخرج أهل البصرة في أربع رفاق، وعلى الرفاق حكيم بن جبلة العبدي، وذريح ابن عبّاد العبدي، وبشر بن شريح الحجطم بن ضبيعة القيسي وابن المحرّش ابن عبد بن عمرو الحنفي وعددهم كعدد أهل مصر، وأميرهم جميعًا حرقوص ابن زهير السعدي، سوى من تلاحق بهم من الناس. فأمّا أهل مصر فإنهم كانوا يشتهون عليًّا، وأمّا أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طلحة، وأما أهل الكوفة فإنهم كانوا يشتهون الزبير.
فخرجوا وهم على الخروج جميع. وفي الناس شتى؛ لا تشكّ كلّ فرقة إلّا أنّ الفلج معها، وأنّ أمرها سيتمّ دون الأخريين؛ فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث تقدّم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب، وناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم ناس من أهل مصر، وتركوا عامّتهم بذي المروة. ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعبد الله بن الأصمّ، وقالا: لا تعجلوا ولا تعجلونا حتى ندخل لكم المدينة ونرتاد؛ فإنه بلغنا أنهم قد عسكروا لنا؛ فوالله إن كان أهل المدينة قد خافونا واستحلّوا قتالنا ولم يعلموا علمنا فهم إذا علموا علمنا أشدّ؛ وإنّ أمرنا هذا لباطل؛ وإن لم يستحلّوا قتالنا ووجدنا الذي بلغنا باطلًا لنرجعنّ إليكم بالخبر.
قالوا: اذهبا، فدخل الرجلان فلقيا أزواج النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وعليًّا وطلحة والزبير، وقالا: إنما نأتمّ هذا البيت، ونستعفي هذا الوالي من بعض عمّالنا، ما جئنا إلّا لذلك، واستأذناهم للناس بالدخول، فكلّهم أبى، ونهى وقال: بيض ما يفرخنّ، فرجعا إليهم فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليًّا ومن أهل البصرة نفرٌ فأتوا طلحة، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير؛ وقال كلّ فريق منهم: إن بايعوا صاحبنا وإلا كدناهم وفرّقنا جماعتهم؛ ثم كررنا حتى نبغتهم؛ فأتى المصريون عليًّا وهو في عسكر عند أحجار الزيت؛ عليه حلّة أفواف معتمّ بشقيقة حمراء يمانية، متقلّد السيف، ليس عليه قميص، وقد سرّح الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه. فالحسن جالس عند عثمان، وعلي عند أحجار الزيت، فسلم عليه المصريون وعرّضوا له؛ فصاح بهم واطّردهم، وقال: لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة وذي خشب ملعونون على لسان محمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فارجعوا لا صحبكم الله! قالوا: نعم، فانصرفوا من عنده على ذلك.
وأتى البصريون طلحة وهو في جماعة أخرى إلى جنب علي؛ وقد أرسل ابنيه إلى عثمان، فسلّم البصريّون عليه وعرَضوا له، فصاح بهم واطّردهم، وقال: لقد علم المؤمنون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمّد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg).
وأتى الكوفيون الزبير وهو في جماعة أخرى؛ وقد سرّح ابنه عبد الله إلى عثمان، فسلموا عليه وعرّضوا له، فصاح بهم واطّردهم، وقال: لقد علم المسلمون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فخرج القوم وأروهم أنهم يرجعون؛ فانفشّوا عن ذي خشب والأعوص، حتى انتهوا إلى عساكركم؛ وهي ثلاث مراحل؛ كي يفترق أهل المدينة، ثم يكرُّوا مراجعين. فافترق أهل المدينة لخروجهم.
فلما بلغ القوم عساكرهم كرُّوا بهم، فبغتوهم، مفلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير في نواحي المدينة، فنزلوا في مواضع عساكرهم، وأحاطوا بعثمان، وقالوا: من كفّ يده فهو آمن.
وصلَّى عثمان بالناس أيامًا؛ ولزم الناس بيوتهم، ولم يمنعوا أحدًا من كلام، فأتاهم الناس فكلّموهم، وفيهم علي، فقال: ما مردّكم بعد ذهابكم ورجوعكم عن رأيكم؟ قالوا: أخذنا مع بريد كتابًا بقتلنا؛ وأتاهم طلحة فقال البصريون مثل ذلك، وأتاهم الزبير فقال الكوفيون مثل ذلك، وقال الكوفيون والبصريون: فنحن ننصر إخواننا ونمنعهم جميعًا؛ كأ، ما كانوا على ميعاد.
فقال لهم علي: كيف علمتم يا مأهل الكوفة ويا أهل البصرة بما ملقي أهل مصر؛ وقد سرتم مراحل؛ ثم طويتم نحونا؟ هذا والله أمر أبرم بالمدينة! نقالوا: فضعوه على ما شئتم، لا حاجة لنا في هذا الرجل، ليعتزلنا. وهو في ذلك يصلي بهم، وهم يصلّون خلفه، ويغشى من شاء عثمان وهم في عينه أدقّ من التراب؛ وكانوا لا يمنعون أحدًا من الكلام، وكانوا زمرًا بالمدينة، يمنعون الناس من الاجتماع.
وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدّهم: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أمّا بعد؛ فإنّ الله عز وجل بعث محمدًا بالحق بشيرًا ونذيرًا، فبلّغ عن الله ما أمره به، ثم مضى وقد قضى الذي عليه؛ وخلَّف فينا كتابه، فيه حلاله وحرامه، وبيان الأمور التي قدّر، فأمضاها على ما أحبّ العباد وكرهوا، فكان الخليفة أبو بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه، مثم أدخلت في الشورى عن غير علم ولا مسألة عن ملإ من الأمة، ثم أجمع أهل الشورى عن ملإ منهم ومن الناس علي، على غير طلب مني ولا محبة؛ فعملت فيهم ما يعرفون ولا ينكرون، تابعًا غير مستتبع، متّبعًا غير مبتدع، مقتديًا غير متكلف.
فلما انتهت الأمور، وانتكث الشرُّ بأهله؛ بدت ضغائن وأهواء على غير إجرام ولا ترة فيما مضى إلّا إمضاء الكتاب؛ فطلبوا أمرًا وأعلنوا غيره بغير حجّة ولا عذر، فعابوا علي أشياء مما كانوا يرضون، وأشياء عن ملإ من أهل المدينة لا يصلح غيرها؛ فصبرت لهم نفسي وكففتها عنهم منذ سنين وأنا أرى وأسمع؛ فازدادوا على الله عز وجل جرأة، حتى أغاروا علينا في جوار رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وحرمه وأرض الهجرة، وثابت إليهم الأعراب؛ فهم كالأحزاب أيّام الأحزاب أو من غزانا بأحد إلّا ما يظهرون؛ فمن قدر على اللحاق بنا فليلحق.
فأتى الكتاب أهل الأمصار، فخرجوا على الصعبة والذّلول؛ فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري، وبعث عبد الله بن سعيد معاوية بن حديج السَّكوني، وخرج من أهل الكوفة القعقاع بن عمرو.
وكان المحضّضين بالكوفة على إعانة أهل المدينة عقبة بن عمرو وعبد الله ابن أبي أوفى وحنظلة بن الربيع التميمي، في أمثالهم من أصحاب النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg). وكان المحضّضين بالكوفة من التابعين أصحاب عبد الله سرق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وشريح بن الحارث، وعبد الله بن عكيم؛ في أمثالهم؛ يسيرون فيها، ويطوفون على مجالسها؛ يقولون: يأيها الناس؛ إنّ الكلام اليوم وليس به غدًا، وإنّ النظر يحسن اليوم ويقبح غدًا، وإنّ القتال يحلّ اليوم ويحرم غدًا، انهضوا إلى خليفتكم، وعصمة أمركم.
وقام بالبصرة عمران بن حصين وأنس بن مالك، وهشام بن عامر في أمثالهم من أصحاب النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يقولون مثل ذلك، ومن التابعين كعب بن سور وهرم بن حيّان العبدي، وأشباه لهما يقولون ذلك! وقام بالشأم عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبو أمامة في أمثالهم من أصحاب النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يقولون مثل ذلك؛ ومن التابعين شريك بن خباشة النُّميري، وأبو مسلم الخولاني، وعبد الرحمن بن غنم بمثل ذلك، وقام بمصر خارجة في أشباه له؛ وقد كان بعض المحضّضين قد شهد قدومهم، فلمَّا رأوا حالهم انصرفوا إلى أمصارهم بذلك وقاموا فيهم.
ولما جاءت الجمعة لاتي على أثر نزول المصريين مسجد رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) خرج عثمان فصلَّى بالناس ثم قام على المنبر فقال: يا هؤلاء العدي، الله الله! فو الله؛ إنّ أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)؛ فامحوا الخطايا بالصواب؛ فإن الله عز وجل لا يمحو السيّء إلّا بالحسن.
فقام محمد بن مسلمة، فقال: أنا أشهد بذلك، فأخذه حكيم بن جبلة فأقعهد، فقام زيد بن ثابت فقال: ابغني الكتاب، فثار إليه من ناحية أخرى محمد بن أبي قتيرة فأقعده؛ وقال فأفضع؛ وثار القوم بأجمعهم، فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيًّا عليه، فاحتمل فأدخل داره، وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن يساعدهم إلّا في ثلاثة نفر؛ فإنهم كانوا يراسلونهم: محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، وعمَّار بن ياسر؛ وشمّر أناس من الناس فاستقتلوا؛ منهم سعد بن مالك، وأبو هريرة، وزيد بن ثابت، والحسن بن علي؛ فبعث إليهم عثمان بعزمه لما انصرفوا فانصرفوا، وأقبل عليٌّ عليه السلام حتى دخل على عثمان، وأقبل طلحة حتى دخل عليه، وأقبل الزبير حتى دخل على عثمان، وأقبل طلحة حتى دخل عليه، وأقبل الزبير حتى دخل عليه؛ يعودونه من صرعته؛ ويشكون بثّهم، ثم رجعوا إلى منازلهم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عمرو، عن الحسن، قال: قلت له: هل شهدت حصر عثمان؟ قال: نعم؛ وأنا يومئذ مغلام في أتراب لي في المسجد، فإذا كثر اللغط جثوت على ركبتي أو قمت؛ فأقبل القوم حين أقبلوا حتى نزلوا المسجد وما حوله؛ فاجتمع إليهم أناس من أهل المدينة، يعظمون ما صنعوا. وأقبلوا على أهل المدينة يتوعّدونهم؛ فبينا هم كذلك في لغطهم حول الباب، فطلع عثمان؛ فكأنما كانت نار طفئت، فعمد إلى المنبر فصعده فحمد الله وأثنى عليه، فثار رجل، فأقعده رجل، وقام آخر فأقعده آخر، ثم ثار القوم فحصبوا عثمان حتى صرع، فاحتمل فأدخل، فصلى بهم عشرين يومًا، ثم منعوه من الصلاة.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:41 PM
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان، قالوا: صّلي عثمان بالناس بعد ما نزلوا به في المسجد ثلاثين يومًا، ثم إنهم منعوه الصلاة، فصلّى بالناس أميرهم الغافقي، دان لها المصريون والكوفيّون والبصريون، وتفرّق أهل المدينة في حيطانهم، ولزموا بيوتهم، لا يخرج أحد ولا يجلس إلّا وعليه سيفه يمتنع به من رهق القوم وكان الحصار أربعين يومًا، وفيهنّ كان القتل، ومن تعرَض لهم وضعوا فيه السلاح، وكانوا قبل ذلك ثلاثين يومًا يكفّون.
وأما غير سيف فإنّ منهم من قال: كانت مناظرة القوم عثمان وسبب حصارهم إيّاه ما حدثني به يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا معمر بن سليمان التيمي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو نضرة، عنأبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري. قال: سمع عثمان أنّ وفد أهل مصر قد أقبلوا، قال: فاستقبلهم، وكان في قرية له خارجة من المدينة - أو كما قال - فلمّا سمعوا به، أقبلوا نحوه إلى المكان الذي هو فيه - قال: وكره أن يقدموا عليه المدينة أو نحوًا من ذلك - قال: فأتوه، فقالوا له: ادع بالمصحف، قال: فدعا بالمصحف، قال: فقالوا له: افتح التاسعة - قال: وكانوا يسمون سورة يونس التاسعة - قال: فقرأها حتى أتى على هذه الآية: " قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالًا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ". قال: قالوا له: قف، فقالوا له: أرأيت ما حميت من الحمى؟ آلله أذن لك أم على الله تفتري! قال: فقال: امضه؛ نزلت في كذا وكذا. قال: وأما الحمى فإنّ عمر حمى الحمى قبل لإبل الصدقة، فلما وليت زادت إبل الصدقة فزدت في الحمى لما زاد في إبل الصدقة، امضهه. قال: فجعلوا يأخذونه بالآية، فيقول: امضه، نزلت في كذا وكذا - قال: والذي يتولى كلام عثمان يومئذ في سنّك، قال: يقول أبو نضرة، يقول ذاك لي أبو سعيد، قال أبو نضرة: وأنا في سنك يومئذ، قال: ولم يخرج وجهي يومئذ، لا أدري، ولعله قد قال مرة أخرى: وأنا يومئذ ابن ثلاثين سنة - ثم أخذوه بأشياء لم يكن عنده منها مخرج. قال: فعرفها، فقال: أستغفر الله وأتوب إليه. قال: فقال لهم: ما تريدون؟ قال: فأخذوا ميثاقه - قال: وأحسبه قال: وكتبوا عليه شرطًا - قال: وأخذ عليهم ألَّا يشقوا عصًا، ولا يفارقوا جماعة ما قام لهم بشرطهم - أو كما أخذوا عليه - قال: فقال لهم: ما تريدون؟ قالوا: نريد ألّا يأخذ أهل المدينة عطاء، فإنما هذا لامال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg). قال: فرضوا بذلك، وأقبلوا معه إلى المدينة راضين.
قال: فقام فخطب، فقال: إني ما رأيت والله وفدًا في الأرض هم خير لحوباتي من هذا الوفد الذين قدموا علي. وقد قال مرّة أخرى: خشيت من هذا الوفد من أهل مصر، ألا من كان له زرع فليلحق بزرعه، ومن كان له ضرع فليحتلب؛ ألا إنه لا مال لكم عندنا، إنما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg). قال: فغضب الناس، وقالوا: هذا مكر بني أميّة.
قال: ثم رجع الوفد المصريون راضين؛ فبيناهم في الطريق إذا هم براكب يتعرّض لهم ثم يفارقهم ثم يرجع إليهم، ثمّ يفارقهم ويتبيَّنهم. قال: قالوا له: مالك؟ إن لك لأمرًا! ما شأنك؟ قالك فقال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر؛ ففتَّشوه؛ فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان، عليه خاتمه إلى عامله بمصر أن يصلّبهم أو يقتلهم مأو يقطّع أيديهم وأرجلهم من خرف.
قال: فأقبلوا حتى قدموا المديمة، قال: فأتوا عليًّا، فقالوا: ألم تر إلى عدوّ ه! إنه كتب فينا بكذا وكذا؛ وإنّ الله قد أجلّ دمه، قم معنا إليه، قال: والله لا أقوم معكم؛ إلى أن قالوا: فلم كتبت إلينا؟ فقال: والله ما كتبت إليكم كتابًا قطّ؛ قال: فنظر بعضهم إلى بعض، ثم قال بعضهم لبعض: ألهذا تقاتلون، أو لهذا تغضبون! قال: فانطلق علي، فخرج من المدينة إلى قرية. قال: فانطلقوا حتى دخلوا على عثمان، فقالوا: كتبت فينا بكذا وكذا! قال: فقال: إنما هما اثنتان: أن تقيموا علي رجلين من المسلمين، أو يميني بالله الذي لا إليه إلّا هو ما كتبت ولا أمللت ولا علمت. قال: وقد تعلمون أنّ الكتاب يكتب على لسان الرجل، وقد ينقش الخاتم على الخاتم. قال: فقالوا: فقد والله أحلّ الله دمك، ونقضت العهد والميثاق. قال: فحاصروه.
وأمّا الواقدي فإنه ذكر في سبب مسير المصريين إلى عثمان ونزولهم ذا خشب أمورًا كثيرة، منها ما قد تقدّم ذكريه؛ ومنها ما أعرضت عن ذكره كراهة مني لبشاعته. ومنا ما ذكر أنّ عبد الله بن جعفر حدثه عن أبي عون مولى المسور، قال: كان عمرو بن العاص على مصر عاملًا لعثمان؛ فعزله عن الخراج، واستعمله على الصلاة، واستعمل عبد مه بن سعيد على الخراج؛ ثم جمعهما لعبد الله بن سعد، فلما قدم عمرو بن العاص المدينة جعل يطعن على عثمان، فأرسل إليه يومًا عثمان خاليًا به، فقال: يابن النابغة، ما أسرع ما قمل جربّان جبّتك! إنما عهدك بالعمل عامًا أوّل.
أتطعن علي وتأتيني بوجه وتذهب عني بآخر! والله لولا أكلة ما فعلت ذلك. قال: فقال عمرو: إنّ كثيرًا مما يقول الناس وينقلون إلى ولاتهم باطل؛ فاتّق الله يا أمير المؤمنين في رعيتك! فقال عثمان: والله لقد استعملتك على طلعك، وكثرة القالة فيك. فقال عمرو: قد كنت عاملًا لعمر بن الخطاب، ففارقني وهو عني راض. قال: فقال عثمان: وأنا والله لو آخذتك بما آخذك به عمر لاستقمت؛ ولكني لنت عليك فاجترأت علي، أما والله لأنا أعزُّ منك نفرًا في الجاهليّة؛ وقبل أن ألى هذا السلطان. فقال عمرو: دع عنك هذا، فالحمد الله الذي أكرمنا بمحمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وهدانا به؛ قد رأيت العاصي بن وائل ورأيت أبا عفان، فو الله للعاص كان أشرف من أبيك. قال: فانكسر عثمان، وقال: ما لنا ولذكر الجاهليّة! قال وخرج عمرو ودخل مروان، فقال: يا أمير المؤمنين؛ وقد بلغت مبلغًا يذكر عمرو بن العاص أباك! فقال عثمان: دع هذا عنك، من ذكر آباء الرجال ذكروا أباه.
قال: فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه، يأتي عليًّا مر! ة فيؤلِّبه على عثمان، ويأتي الزبير مرة فيؤلِّبه على عثمان، ويأتي طلحة مرة فيؤلِّبه على عثمان، ويعترض الحاجّ فيخبرهم بما أحدث عثمان، فلمَّا كان حصر عثمان الأوّل؛ خرج من المدينة، حتى أنتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها السبع؛ فنزل في قصر له يقال له العجلان؛ وهو يقول: العجب ما يأتينا عن ابن عفان! قال: فبينا هو جالس في عصره ذلك، ومعه ابناه محمد وعبد الله؛ وسلامة ابن روح الجذامي، إذ مرّ بهم راكب، فناداه عمرو: من أين قدم الرجل؟ فقال: من المدينة، قال: ما فعل الرجل؟ يعني عثمان، قال: تركته محصورًا شديد الحصار. قال عمرو: أنا أبو عبد الله؛ قد يضرط العير والمكواة في النار. فلم يبرح مجلسه ذلك حتى مرّب الله راكب آخر، فناداه عمرو: ما فعلالرجل؟ يعني عثمان، قال: قتل، قال: أنا أبو عبد الله؛ إذا حككت قرحة نكأتها، إن كنت لأحرّض عليه؛ حتى إني لأحرّض عليه الراعي قال: في غنمه في رأس الجبل. فقال له سلامة بن روح: يا معشر قريش؛ إنه كان بينكم وبين العرب باب وثيق مفكسرتموه، فما حملكم على ذلك؟ فقال: أردنا أن نخرج الحقّ من حافرة الباطل، وأن يكون الناس في الحقّ شرعًا سواء. وكانت عند عمرو أخت عثمان لأمِّه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، ففارقها حين عزله.
قال محمد بن عمر: وحدثني عبد الله بن محمد، عن أبيه، قال: كان محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة بمصر يحرّضان على عثمان، فقدم محمد بن أبي بكر وأقام محمد بن أبي حذيفة بمصر؛ فلما خرج المصريون خرج عبد الرحمن بن عديس البلوي في خمسمائة، وأظهروا أنهم يريدون العمرة، وخرجوا في رجلب، وبعث عبد الله بن سعيد رسولًا سار إحدى عشرة ليلة يخبر عثمان أنّ ابن عيديس وأصحابه قد وجّهوا نحوه، وأنّ محمد بن أبي حذيفة شيَّعهم إلى عجرود، ثم رجع وأظهر محمّد أن قال: خرج القوم عمّارًا، وقال في السر: خرج القوم إلى إمامهم فإن نزع وإلّا قتلوه؛ وسار القوم المنازل لم يعدوها حتى نزلوا ذا خشب. وقال عثمان قبل قدومهم حين جاءه رسول عبد الله بن سعد: هؤلاء قوم من أهل مصر يريدون - بزعمهم - العمرة، والله ما أراهم يريدونها؛ ولكن الناس قد دخل بهم؛ وأسرعوا إلى الفتنة، وطال عليهم عمري؛ أما والله لئن فارقتهم ليتمنّون أنّ عمري كان طال عليهم مكان كلّ يوم بسنة مما يرون من الدماء المسفوكة، والإحن والأثرة الظاهرة، والأحكام المغيرة.
قال: فلما نزل القوم ذا خشب جاء الخير أنّ القوم يريدون قتل عثمان إن لم ينزع، وأتى رسولهم إلى علي ليلًا، وإلى طلحة، وإلى عمّار بن ياسر. وكتب محمد بن أبي حذيفة معهم إلى علي كتابًا، فجاءوا بالكتاب إلى علي، فلم يظهر على ما فيه، فلما رأى عثمان ما رأى جاء عليًّا فدخل عليه بيته، فقال: يابن عمّ، إنه ليس لي متَّرك؛ وإن قرابتي قريبة؛ ولي حقٌّ عظيم عليك، وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم، وهم مصبِّحيَّ؛ وأنا أعلم أنّ لك عند الناس قدرًا، وأنهم يسمعون منك، فأنا أحبّ أن تركب إليهم فتردّهم عني، فإني لا أحبّ أن يدخلوا علي؛ فإن ذلك جرأة منهم علي، وليسمع بذلك غرهم. فقال عليَّ: علام أردّهم؟ قال: على أن أصير إلى ما أشرت به علي ورأيته لي؛ ولست أخرج من يديك؛ فقال علي: إني قد كنت كلمتك مرّة بعد مرّة، فكلّ ذلك نخرج فتكلَّم، ونقول وتقول؛ وذلك كله مفعل مروان بن الحكم وسعيد بن العاص وابن عامر ومعاوية؛ أطعتهم وعصيتني.
قال عثمان: فإني أعصيهم وأطيعك.
قال: فأمر الناس، فركبوا معه: المهاجرون والأنصار. قال: وأرسل عثمان إلى عمّار بن ياسر، يكلمه أن يركب مع علي فأبى، فأرسل عثمان إلى سعد بن أبي وقاص، فكلّمه أن يأتي عمارًا فيكلمه أن يركب مع علي؛ قال: فخرج سعد حتى دخل على عمّار، فقال: يا أبا اليقظان، ألا تخرج فيمن يخرج! وهذا علي يخرج فاخرج معه، واردد هؤلاء القوم عن إمامك، فإني لأحسب أنك لم تركب مركبًا هو خير لك منه.
قال: وأرسل عثمان إلى كثير بن الصَّلت الكندي - وكان من أعوان عثمان - فقال: انطلق في إثر سعد فاسمع ما يقول سعد لعمّار، وما يردّ عمّار على سعد، ثم أئتني سريعًا.
قال: فخرج كثير حتى يجد سعدًا عند عمّار مخليًا به، فألقم عينه جحر الباب، فقام إليه عمَّار ولا يعرفه، وفي يده قضيب، فأدخل القضيب الجحر الذي ألقمه كثير عينه، فأخرح كثير عينه من الجحر، وولى مدبرًا متقنّعًا. فخرج عمار فعرف أثره، ونادى: يا قليل ابن أمّ قليلّ مأعلىَّ تطّلع وتستمع حديثي! والله لو دريت أنّك هو لفقأت عينك بالقضيب؛ فإنّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) قد أحلّ ذلك. ثم رجع عمار إلى سعد، فكلمه سعد وجعل يقتله يفتله بكلّ وجه؛ فكان آخر ذلك أن قال عمَّار: والله لا أردّهم عنه أبدًا. فرجع سعد إلى عثمان، فأخبره بقول عمار، فاتّهم عثمان سعدًا أن يكون لم يناصحه، فأقسم له سعد بالله؛ لقد حرّض. فقبل منه عثمان.
قال: وركب علي عليه السلام إلى أهل مصر، فرّدهم عنه، فانصرفوا راجعين.
قال محمد بن عمرك حدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، قال: لما نزلوا ذا خشب، كلم عثمان عليًّا وأصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) أن يردّوهم عنه، فركب علي وركب معه نفر من المهاجرين، فيهم سعيد بن زيد، وأبو جهم الدوي، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، ومروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن عتَّاب بن أسيد؛ وخرج من الأنصار أبو أسيد الساعدي وأبو حميد الساعدي، وزيد بن ثابت، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومعهم من العرب نيار بن مكرم وغيرهم ثلاثون رجلًا؛ وكلّهم علي ومحمد بن مسلمة - وهما اللذان قدما - فسمعوا مقالتهما، ورجعوا. قال محمود: فأخبرني محمد بن مسملة، قال: ما برحنا من ذي خشب حتى رحلوا راجعين إلى مصر، وجعلوا يسلّمون علي، فما أنسى عبد الرحمن بن عديس: أتوصينا يا أبا عبد الرحمن بحاجة؟ قال: قلت: تتّقي الله وحده لا شريك له، وتردّ من قبلك عن إمامه، فإنه قد وعدنا أن يرجع وينزع. قال ابن عديس: أفعل إن شاء الله. قال: فرجع القوم إلى المدينة.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:42 PM
قال محمَّد بن عمر: فحدثني عبد الله بن محمد، عن أبيه، قال: لما رجع علي عليه االسلام إلى عثمان رضي الله عنه، أخبره أنهم قد رجعوا، وكلّمه علي كلاما في نفسه، قال له: اعلم أني قائل فيك أكثر مما قلت.
قال: ثمّ خرج إلى بيته، قال: فمكث عثمان ذلك اليوم؛ حتى إذا كان الغد جاءه مروان، فقال له: تكلّم وأعلم الناس أنّ أهل مصر قد رجعوا، وأنّ ما بلغهم عن إمامهم كان باطلًا، فإنّ خطبتك تسير في لابلاد قبل أن يتحلّب الناس عليك من أمصارهم؛ فيأتيك من لا تستطيع دفعه. قال: فأبى عثمان أن يخرج. قال: فلم يزل به مروان حتى خرج فجلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أمَّا بعد، فإن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم كان باطلًا، فإنّ خطبتك تسير في البلاد مقبل أن يتحلّب الناس عليك من أمصارهم؛ فيأتيك من لا تستطيع دفعه. قال: فأبى عثمان أن يخرج. قال: فلم يزل بن خروان حتى خرج فجلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: فلم يزل به مروان حتى خرج فجلس على مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر؛ فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم. قال: فناداه عمرو بن العاص من ناحية المسجد: اتّق الله يا عثمان؛ فإنك قد ركبت نهابير وركبناها معك؛ فتب إلى الله نتب. قال: فناداه عثمان؛ وإنك هناك يا بن النابغة! فملت والله جبّتك منذ تركتك من العمل. قال: فنودي من ناحية أخرى: تب إلى الله وأظهر التوبة كيف الناس عنك. قال: فرفع عثمان يديه مدًّا واستقبل القبلة، فقال: اللهمّ إني أوّل تائب تاب إليك. ورجع إلى منزله، وخرج عمرو بن العاص حتى نزل منزله بفلسطين، فكان يقول: والله إن كنت لألقى الراعي فأحرّضه عليه.
قال محمد بن عمر: فحدثني علي بن عمر، عنأبيه، قال: ثمّ إن عليًَّا جاء عثمان بعد انصراف المصريين، فقال له: تكلم كلامًا يسمعه الناس منك ويشهدون عليه، ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والإنابة؛ فإن البلاد قد تمخّضت عليك؛ فلا آمن ركبًا آخرين يقدمون من الكوفة، فتقول: يا علي، اركب إليهم؛ ولا أقدر أن أركب إليهم؛ ولا أسمع عذرًا. ويقدم ركب آخرون من البصرة، فتقول: يا علي اركب إليهم؛ فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك، واستخففت بحقك.
قال: فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها، وأعطي الناس من نفسه التوبة، فقام فحمد ه، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد أيها الناس؛ فو الله ما عاب من عاب منكم شيئًا أجهل، وما جئت شيئًا إلّا وأنا أعرفه؛ ولكنّي منّتني نفسي وكذبتني، وضل عني رشدي؛ ولقد سمعت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يقول: من زلّ فليبت، ومن أخطأ فليتب؛ ولا يتماد في الهلكة؛ إنّ من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق، فأنا أوّل من اتَّعظ؛ أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه، فمثلي نزع وتاب؛ فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم؛ فو الله لئن ردّني الحق عبدًا لأستنّ بسنّة العبد، ولأذلّننّ ذلّ العبد، ولأكوننّ كالمرقوق؛ إن ملك صبر، وإن عتق شكر؛ وما عن الله مذهب إلّا إليه، فلا يعجزنّ عنكم خياركم أن يدنوا إلي، لئن أبت يميني لتتابعنِّي شمالي.
قال: فرقَّ الناس له يومئذ، وبكى من بكى منهم، وقام إليه سعيد ابن زيد، فقال: يا أمير المؤمنين، ليس بواصل لك من ليس معك؛ الله الله في نفسك! فأتمم على ما قتل. فلما نزل عثمان وجد في منزله مروان وسعيدًا ونفرًا من بني أميَّة؛ ولم يكونوا شهدوا الخطبة؛ فلما جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين، أتكلّم أم أصمت؟ فقالت نائلة ابنة الفرافصة، امرأة عثمان الكلبيّة: لا بل اصمت، فإنهم والله قاتلوه ومؤثّموه؛ إنه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزععنها. فأقبل عليها مروان، فقال: ما أنت وذاك! فو الله لقد مات أبوك وما يحسن يتوضّأ، فقالت له: مهلًا يا مروان عن ذكر الآباء، تخبر عن أبي وهو غائب تكذب عليه! وإن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه؛ أما واللهلولا أنه عمّه، وأنه يناله غمّه، أخبرتك عنه ما لن أكذب عليه.
قال: فأعرض عنها مروان، ثم قال: يا أمير المؤمنين، أتكلّم أمأصمت؟ قال: بل تكلَّم، فقال مروان: بأبي أنت وأمي! وه لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع منيع فكنت أوّل من رضي بها، وأعان عليها؛ ولكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطُّبيين، وخلف السيل الزُّبي، وحين أعطي الخطّة الذليلة الذليل؛ والله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوّف عليها؛ وإنك إن شئت تقرّبت بالتوبة ولم تقرر بالخطيئة؛ وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس. فقال عثمان: فاخرج إليهم فكلّمهم، فإني أستحيي أن أكلمهم. قال: فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضًا، فقال: ما شأنكم قداجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب! شاهت الوجوه! كلّ إنسان آخذ بأذن صاحبه. ألا من أريد! جئتم تريدون ان تنزعوا ملكنا من أيدينا! اخرجوا عنها، أما والله لئن رمتمونا ليمرّن عليكم منَّا أمر لا يسرّكم؛ ولا تحمدوا غبّ رأيكم. ارجعوا إلى منازلكم؛ فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا.
قال: فرجع الناس موخرج بعضهم حتى أتى عليًّا فأخبره الخبر، فجاء علي عليه السلام مغضبًا، حتى دخل على عثمان، فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرّفك عن دينك وعن عقلك، مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به؛ والله ما مروان بذي رأى في دينه ولا نفسه؛ وايم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك؛ وما أنا بعائد بعد ماقمي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك، وغلبت على أمرك. فلما خرج علي دخلت عليه نائلة ابنة الفرافصة امرأته، فقالت: أتكلّم أو أسكت؟ فقال: تكلمي؛ فقالت: قد سمعت قول علي لك؛ وإنه ليس يعاودك، وقد أطعت مروان يقودك حيث شاء. قال: فما أصنع؟ قالت: تتَّقي الله وحده لا شريك له، وتتّبع سنة صاحبيك من قبلك، فإنك متى أطعت مروان قتلك؛ ومروان ليس له عند لاناس قدر ولا هيبة ولا محبّة؛ وإنما تكك الناس لمكان مروان؛ فأرسل إلي علي فاستصلحه، فإن له قرابة منك، وهو لا يعصي. قال: فأرسل عثمان إلى علي، فأبى أن يأتيه، وقال: قد أعلمته أنِّي لست بعائد.
قال: فبلغ مروان مقالة نائلة فيه، قال: فجاء إلى عثمان فجلس بين يديه، فقال: أتكلم أو أسكت؟ فقال: تكلم، فقال: إن بنت الفرافصة.. فقال عثمان: لا تذكرنّها بحرف فأسوّىء لك وجهك، فهي والله أنصح لي منك.
قال: فكفّ مروان.
قال محمد بن عمر: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، قال: سمعت عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث يذكر مروان بن الحكم، قال: قبّح الله مروان! مخرج عثمان إلى النسا فأعطاهم الرضا، وبكى على المنبر وبكى الناس حتى نظرت إلى لحية عثمان مخضلّة من الدموع، وهو يقول: اللهمّ إنِّي أتوب إليك؛ اللهم إني أتوب إليك، اللهم إني أتوب إليك! والله لئن ردّني الحق إلى أن أكن عبدًا قنًّا لأرضينّ به؛ إذا دخلت منزلي فادخلوا علي؛ فو الله لا أحتجب منكم، ولأعطينّكم الرضا، ولأزيدنّكم على الرضا، ولأنحّينّ مروان وذويه. قال: فلما دخل أبمر بالباب ففتح، ودخل بيته، ودخل عليه ممروان، فلم يزل يفتله في الذِّروة والغارب حتى فتله عن رأيه؛ وأزاله عمّا كان يريد؛ فلقد مكث عثمان ثلاثة أيام ما خجر استحياء من الناس؛ وخرج مروان إلى الناس، فقال: شاهت الوجوه! ألا من أريد! ارجعوا إلى منازلكم؛ فإن يكن لأمير المؤمنين حاجة بأحد منكم يرسل إليه، وإلّا قرّ في بيته. قال عبد الرحمن: فجئت إلى علي فأجده بين القبر والمنبر، وأجد عنده عمّار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وهما يقولان: صنع مروان بالناس وصنع. قال: فأقبل علي عليٌّ، فقال: أحضرت خطبة عثمان؟ قلت: نعم، قال: أفحضرت مقالة مروان للناس؟ قلت: نعم، قال علي: عياذ الله، ياللمسلمين! إنّي إن قعدت في بيتي قال لي: تركتني وقرابتي وحقي؛ وإني إن تكلمت فجاء ما يريد بلعب به مروان، فصار سيّقة له يسوقه حيث شاء بعد كبرالسنّ وصحبة رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg). قال عبد الرحمن بن الأسود: فلم يزل حتى جاء رسول عثمان: ائتني، فقال علي بصوت مرتفع عال مغضب: قل له: ما أنا بداخل عليك ولا عائد.
قال: فانصرف الرسول. قال: فلقيت عثمان بعد ذلك بليلتين خائبًا، فسألت ناتلًا غلامه: من أي جاء أمير المؤمنين؟ فقال: كان عند علي، فقال عبد الرحمن بن الأسود: فغ*** فجلست مع علي عليه السلام، فقال لي: جاءني عثمان البارحة، فجعل يقول: إني غير عائد؛ وإني فاعل؛ قال: فقلت له: بعد ما تكلّمت به على منبر رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، وأعطيت من نفسك، ثم دخلت بيتك، وخرج مروان إلى الناس فشتمهم على بابك ويؤذيهم! قال: فرجع وهو يقول: قطعت رحمي وخذلتني، وجرّأت الناس علي.
فقلت: والله إني لأذبّ الناس عنك؛ ولكني كلّسًا جئتك بهنة أظنّها لك رضًا جاء بأخرى؛ فسمعت قول مروان علي، واستدخلت مروان.
قال: ثمّ انصرف إلى بيته. قال عبد الرحمن بن الأسود: فلم أزل أرى عليًّا منكّبًا عنه لا يفعل ما كان يفعل؛ إلّا أني أعلم أنه قد كلم طلحة حين حصر في أن يدخل عليه الرَّوايا، وغضب في ذلك غضبًا في ذلك غضبًا شديدًا، حتى دخلت الروايا على عثمان.
قال محمد بن عمر: وحدثني عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمد، أنّ عثمان صعد يوم الجمعة المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، فقام رجل، فقال: أقم كتاب الله، فقال عثمان: اجلس، فجلس حتى قام ثلاثًا، فأمر به عثمان فجلس، فتحاثوا بالحصباء حتى ما ترى السماء؛ وسقط عن المنبر، وحمل فأدخل داره مغشيًّا عليه، فخرج رجل من حجّاب عثمان، ومعه مصحف في يده وهو ينادي " إنَّ الَّذين فرَّقوا دينهم وكانوا شعيًا لست منهم في شيء إنَّما أمرهم إلى الله " ودخل علي بن أبي طالب على عثمان رضي الله عنهما وهو مغشيٌّ عليه، وبنو أميّة حوله، فقال: مالك يا أمير المؤمنين؟ فأقبلت بنو أميَّة بمنطق واحد، فقالوا: يا عليُّ أهلكتنا وصنعت هذا الصنيع بأمير المؤمنين! أما والله لئن بلغت الذي تريد لتمرَّنَّ عليك الدنيا. فقام علي مغضبًا.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:42 PM
ذكر الخبر عن قتل عثمان رضي الله عنه

وفي هذه السنة قتل عثمان رضي الله عنه.
ذكر الخبر عن قتله وكيف قتل
قال أبو جعفر رحمه الله: قد ذكرنا كثيرًا من الأسباب التي ذكر قاتلوه أنهم جعلوها ذريعة إلى قتله، فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى الإعراض عنها؛ ونذكر الآن كيف قتل، وما كان بدء ذلك وافتتاحه، ومن كان المتبدىء به والمففتح للجرأة عليه قبل قتله.
ذكر محمد بن عمر أنّ عبد الله بن جعفر حدثه عن أم بكر بنت المسور بن مخرمة، عن أبيها، قال: قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان، فوهبها لبعض بني الحكم، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف، فأرسل إلى المسور ابن مخرمة وإلى عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فأخذاها، فقسمها عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار.
قال محمد بن عمر: وحدثني محمد بن صالح، نمعن عبيد الله بن رافع ابن نقاخة، عن عثمان بن الشَّريد، قال: مرّ عثمان على جبلة بن عمرو الساعدي وهو بفناء داره ومعه جامعة، فقالل: يا نعثل؛ والله لأقتلنّك؛ ولأحملنّك على قولص جرباء، ولأخرجنّك إلى حرّة النار. ثم جاءه مرة أخرى وعثمان على المنبر فأنزله عنه.
حدثني محمد، قال: حدثني أبو بكر بن إسماعيل، عن أبيه، عن عامر بن سعد، قال: كان أوّل من اجترأ على عثمان بالمنطق السيِّء جبلة ابن عمرو الساعدي، مرّ به عثمان وهو جالس في ندي قومه، وفي يد جبلة بن عمرو جامعة، فلما مرَّ عثمان سلَّم، فردّ القوم، فقال جبلة: لم تردون على رجل فعل كذا وكذا! قال: ثم أقبل على عثمان، فقال: والله لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه. قال عثمان: أي بطانة! فو الله إني لأتخيّر الناس؛ فقال: مروان تخيَّرته! ومعاوية تخيّرته! وعبد الله بن عامر بن كريز تخيرّته! وعبد الله بن سعد تخيَّرته! منهم من نزل القرآن بدمه، وأباح رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) دمه.
قال: فانصرف عثمان، فلما زال الناس مجترئين عليه إلى هذا اليوم.
قال محمد بن عمر: وحدثني ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن أبي حبيبة، قال: خطب عثمان الناس في بعض أيامه، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، إنك قد ركبت نهابير وركبناها معك، فتب نتب. فاستقبل عثمان القبلة وشهر يديه - قال أبو حبيبة: فلم أر يومًا أكثر باكيًا ولا باكية من يومئذ - ثم لما كان بعد ذلك خطب الناس، فقالم إليه جهجاه الغفاري؛ فصلح: يا عثمان، ألا إن هذه شارف قد جئنا بها، عليها عباءة وجامعة؛ فانزل فلندرّعك العباءة، ولنطرحك في الجامعة؛ ولنحملك على الشارف؛ ثم نطرحك في جبل الدخان. فقال عثمان: قبحك الله وقبح ما جئت به! قال أبو حبيبة: ولم يكن ذلك منه إلّا عن ملإ ممن الناس؛ وقام إلى عثمان خيرته وشعيته من بني أميّة فحملوها فأدخلوه الدار.
قال أبو حبيبة: فكان آخر ما رأيته فيه.
قال محمد: وحدثني أسامة بن زيد الليثي، عن يحيى بن عبد الرحمن بان حاطب، عن أبيه، قال: أنا أنظر إلى عثمان يخطب على عصا النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) التي كان يخطب معليها وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال له جهجاه: قم يا نعثل؛ فانزل عن هذا المنبر، وأخذ العصا فكسرها على ركبته اليمنى، فدخلت شطيَّة منها فيها؛ فبقي الجرح حتى أصابته الأكلة، فرأيتها تدود، فنزل عثمان وحملوه وأمر بالعصا فشدّوها، فكانت مضبّبة، فما خرج بعد ذلك اليوم إلّا خرجة أو خرجتين حتى حصر فقتل.
حدثني أحمد بن إبراهيم؛ قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، أنّ جهجاهًا الغفاري، أخذ عصًا كانت في يد عثمان، فكسرها على ركبته، فرمى في ذلك المكان بأكله.
حدثني جعفر بن عبد الله المحمدي، قال: حدثنا عمرو، عن محمد ابن إسحاق بن يسار المدني، عن عمّه عبد الرحمن بن يسار، أنه قال: لمّا رأى الناس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) إلى من صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) إلى من بالآفاق منهم - وكانوا قد تفرّقوا في الثغور: إنكم إنما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عز وجل، تطلبون دين محمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)؛ فإن دين محمد قد أفسد من خلفكم وترك، فهلمّوا فأقيموا دين محمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg). فأقبلوا من كلّ أفق حتى قتلوه. وكتب عثمان إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح عامله على مصر - حين تراجع الناس عنه، وزعم أنه تائب - بكتاب في الذين شخصوا من مصر، وكانوا أشدّ أهل الأمصار عليه: أمَّا بعد؛ فانظر فلانًا وفلانًا فاضرب أعناقهم إذا قدموا عليك؛ فانظر فلانًا وفلانًا فعاقبهم بكذا وكذا - منهم نفر من أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، ومنهم قوم من التابعين - فكان روله في ذلك أبو الأعور بن سفيان السُّلمي، حمله عثمان على جمل له، ثم أمره أن يقبل حتى يجخل مصر قبل أن يدخلها القوم، فلحقهم أبو الأعور ببعض الطريق، فسألوه: أين ميريد؟ قال: أريد مصر؛ ومعه رجل من أهل الشأم من خولان؛ فلما رأوه على جمل عثمان، قالوا له: هل معك كتاب؟ قال: لا، قالوا: فيم أرسلت؟ قال: لا علم لي، قالوا: ليس معك كتاب ولا علم لك بما أرسلت! إن أمرك لمريب! ففتَّشوه، فوجدوا معه كتابًا في إداوة يابسة، فنظروا في الكتاب، فإذا فيه قتل بعضهم وعقوبة بعضهم في أنفسهم وأموالهم. فلما رأوا ذلك رجعوا إلى المدينة، فبلغ الناس رجوعهم، والذي كان من أمرهم فتراجعوا من الآفاق كلها، وثار أهل المدينة.
حدثني جعفر، قال: حدثنا عمرو وعلي، قالا: حدثنا حسين، عن أبيه، عن محمد بن السائب الكلبي، قال: إنما ردّ أهل مصر إلى عثمان بعد أنصرافهم عنه أنه أدركهم غلام ملعثمان على جمل له بصحيفة إلى أمير مصر أن يقتل بعضهم، وأن يصلب بعضهم. فلما أتوا عثمان، قالوا: هذا غلامك، قال غلامي انطلق بغير علمي، قالوا: جملك، قال: أخذه من الدار بغير أمير، قالوا: خاتمك، قال: نقش عليه، فقال عبد الرحمن ابن عديس مالتجيبي حين أقبل أهل مصر:
أقبلن من بلييس والصَّعيد ** خوضًا كأمثال القسيِّ قود
مستحقبات حلق الحديد ** يطلبن حقَّ الله في الوليد
وعند عثمان وفي سعيد ** يا ربِّ فارجعنا بما نريد
فلما رأى عثمان ما قد نزل به، وما قد انبعث عليه من الناس، كتب إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشأم: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد؛ فإنّ أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة، ونكثوا البيعة، فابعث إلي من قبلك من مقاتلة أهل الشأم على كلّ صعب وذلول.
فلما جاء معاوية الكتاب تربّص به، وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)؛ وقد علم اجتماعهم؛ فلما أبطأ أمره على عثمان كتب إلى يزيد بن أسد بن كرز، وإلى أهل الشأم يستنفرهم ويعظّم حقَّه عليهم، ويذكر الخلفاء وما أمر الله عز وجل به من طاعتهم ومناصحتهم، ووعدهم أن ينجدهم جند أو بطانة دون الناس، وذكرهم بلاءه عندهم، وصنيعه إليهم، فإن كان عندكم غياث فالعجل العجل؛ فإن القوم معا جليَّ.
فلما قرىء كتابه عليهم قام يزيد بن أسد بن كرز البجلي ثم القسري؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر عثمان، فعظّم حقه، وحضّهم على نصره، وأمرهم بالمسير إليه. فتابعه ناس كثير، وساروا معه حتى إذا كانوا بوادي القرى، بلغهم مقتل عثمان رضي الله عنه، فرجعوا.
وكتب عثمان إلى عبد الله بن عامر؛ أن اندب إلي أهل البصرة؛ نسخة كتابه إلى أهل اشأم.
فجمع عبد الله بن عامر الناس؛ فقرأ كتابه عليهم؛ فقامت خطباء من أهل البصرة يحضّونه على نصر عثمان والمسير إليه؛ فيهم مجاشع بن مسعود السُّلمي؛ وكان أوّل من تكلّم؛ وهو يومئذ سيّد قيس بالبصرة. وقام أيضًا قيس ابن الهيثم السُّلمي، فخطب وحضّ الناس على نصر عثمان؛ فسارع الناس إلى ذلك؛ فاستعمل عليهم عبد الله بن عامر مجاشع بن مسعود فسار بهم؛ حتى إذا نزل الناس الرَّبذة، ونزلت مقدّمته عند صرار - ناحية من المدينة - أتاهم قتل عثمان.
حدثني جعفر، قال: حدثنا عمرو وعلي، قالا: حدثنا حسين، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق بن يسار المدني، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: كتب أهل مصر بالسُّقيا - أو بذي خشب - إلى عثمان بكتاب؛ فجاء به رجل منهم حتى دخل به عليه، فلم يردّ عليه شيئًا، فأمر به فأخرج من الدار؛ وكان أهل مصر الذين ساروا إلى عثمان ستمائة رجل على أربعة ألوية لها رءوس أربعة، مع كلّ رجل منهم لواء؛ وكان جماع أمرهم جيمعًا إلى عرمو بن بديل بن ورقاء الخزاعي - وكان من أصحاب النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) - وإلى عبد الرحمن بن عديس التُّجيبي؛ فكان فيما كتبوا إليه: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أمّا بعد، فاعلم أنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم؛ فالله الله! ثم الله الله! فإنك على دنيا فاستتمَّ إليها معها آخرة، ولا تلبس نصيبك من الآخرة؛ فلا تسوغ لك الدنيا. واعلم أنّا والله لله نغضب، وفي الله نرضى؛ وإنا لن نضعسيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة مصرّحة، أو ضلالة مجلّحة مبلجة؛ فهذه مقالتنا لك، وقضيّتنا إليك، والله عذيرنا منك. والسلام.
وكتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة، ويحتجّون ويقسمون له بالله لا يمسكون عنه أبدًا حتى يقتلوه، أو يعطيهم ما يلزمه من حقّ الله.
فلما خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته، فقال لهم: قد صنع القوم ما قد رأيتم، فما المخرج؟ فأشاروا عليه أن يرسل إلى علي بن أبي طالب فيطلب إليه أن يردّهم عنه، ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه أمداد؛ فقال: إنّ القوم لن يقبولوا التعليل، وهم محمِّلي عهدًا؛ وقد كان منّي في قدمتهم الأولى ما كان؛ فمنتى أعطهم ذلك يسألوني الوفاء به! فقال مروان بن الحكم: يا أمير المؤمنين، مقاربتهم حتى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب، فأعطهم ماسألوك، وطاولهم ما طاولوك؛ فإنما هم بغوا عليك، فلا عهد لهم.
فأرسل إلى علي فدعاه، فلما جاءه قال: يا أبا حسن؛ إنه قد كان من الناس ما قد رأيت، وكان مني ما قد علمت؛ ولست آمنهم على قتلي، فارددهم عني؛ فإن لهم الله عز وجل أن أعتبهم من كل ما يكرهن؛ وأن أعطيهم الحقّ من نفسي ومن غير؛ وإن كان في ذلك سفك دمي. فقال له عليٌّ: الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك؛ وإي لأرى قومًا لا يرضون إلا بالرضا، وقد كنت أعطيتهم في قدمتهم الأولى عهدًا من الله: لترجعنّ عن جميع ما نقم؛ فرددتهم عنك، ثم لم تف هلم بشيء من ذلك، لاتغرّني هذه المرة من شيء فإني معطيهم عيك الحقّ. قال: نعم، فأعطهم، فو الله لأفينّ لهم. فخرج عليٌّ إلى الناس، فقال: أيّها لاناس؛ إنكم إنما طلبتم الحقّ فقد أعطيتموه؛ إنّ عثمان قد زعم أنه منصفكم من نفسه ومن غيره؛ وراجع عن جميع ما تكرهون، فاقبلوا منه ووكدِّوا عليه. قال الناس: قد قبلنا فاستوثق منه لنا، فإنا والله لا نرضى بقول دون فعل. فقال هلم علي: ذلك لكم. ثم دخل عليه فأخبره الخبر، فقالعثمان: اضرب بيني وبينهم أجلًا يكون لي فيه ملهة، فإني لا أقدر على ردّ ما كرهوا في يوم واحد قال له علي: ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصلو أمرك، قال: نعم؛ ولكن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام. قال عليٌّ: نعم، فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك، وكتب بينهم وبين عثمان كتابًا أجله فيه ثلاثًا، على أن يردَّ كلّ مظلمة، ويعزل كلّ عامل كرهوه؛ ثم أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد وميثاق، وأشهد عليه ناسًا من وجوه المهاجرين والأنصار، فكفّ المسلمون عنه ورجعوا إلى أني في لهم بما أعطاهم من نفسه؛ فجعل يتأهّب للقتال، ويستعدّ بالسلاح - وقد كان اتَّخذ جندًا عظمًا من رقيق الخمس - فلما مضت الأيام الثلاثة - وهو على حاله لم يغيّر شيئًا مما كرهوه، ولم يعزل عاملًا - ثار به الناس. وخرج عمرو بن حزم الأنصاري حتى أتى المصريين وهم بذي خشب، فأخبرهم الخبر، وسار معهم حتى قدموا المدينة، فأرسلوا إلى عثمان: ألم نفارقك على أنك زعمت أنك نائب من إحداثك، وراجع عما كرهنا منك؛ وأعطيتنا على ذلك عهد الله وميثاقه! قال: بلى؛ أنا على ذلك، قالوا: فما هذا الكتاب الذي وجدنا مع رسولك؛ وكتبت به إلى عاملك؟ قال: ما فعلت ولا لي علم بما قولون. قالوا: بريدك على جملك، وكتاب كاتبك عليه خاتمك؛ قال: أمّا الجمل فمسروق، وقد يشبه الخطّ الخطّ، موأما الخاتم فانتقش عليه، قالوا: فإنا لا نعجّل عليك؛ إن كنا قد اتّهمناك، اعزل عنّا عمّالك الفسّاق، واستعمل علينا من لا يتّهم على دمائنا وأموالنا، واردد عليها مظالمنا. قال عثمان: ما أراني إذًا في شيء إن كنت أستعمل من هويتم، وأعزل من كرهتم، الأمر إذًا أمركم! قالوا: والله لتفعلنّ أو لتعزلنّ أو لتقتلنّ، فانظر لنفسك أودع. فأبى عليهم وقال: لم أكن لأخلع سربالًا سربلنيه الله، فحصروه أربعين ليلة، وطلحة يصلِّي بالناس.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:43 PM
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أن عون، قال: حدثنا الحسن، قال: أنبأني وثّاب - قال: وكان فيمن أدركه عتق أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، قال: ورأيت بحلقة أثر طعنتين، كأنهما كتبان طعنهما يومئذ يوم الدار - قال: بعثني عثمان، فدعوت له الأشتر، فجاء - قال ابن عون: فأظنّه قال: فطرحت لأمير المؤمنين وسادة وله وسادة - فقال: يا أشتر؛ ما يريد الناس مني؟ قال: ثلاثًا ليس من إحداهن بدٌّ؛ قال: ما هنَّ؟ قال: يخبرونك بين أن تخلع لهم أمرهم فتقول: هذا أمركم فاختاروا له من شئتم، وبين أن تقصَّ من نفسك؛ فإن أبيت هاتين فإنّ القوم قاتلوك. فقال: أما من إحداهن بدٌّ! قال: ما من إحداهنّ بدٌّ، فقال: أمّا أن أخلع لهم أمرهم فما كنت لأخلع سربالًا سربلنيه الله عز وجل - قال: وقال غيره: والله لأن أقدَّم فتضرب عنقي أحبُّ إلي من أن أخلع قميصًاَ قمّصنيه الله وأترك أمّة محمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يعد وبعضها على بعض. قال ابن عون: وهذا أشبه بكلامه - وأمّا أن أقصّ من نفسي؛ فو الله لقد علمت أن صاحبي بين يدي قد كانا يعاقبان وما يقوم بدني بالقصاص، وأما أن تقتلوني، فو الله لئن قتلتموني لا تتحابّون بعدي أبدًا، ولا تصلّون جميعًا بعدي أبدًا، ولا تقاتلون بعدي عدوًّا جميعًا أبدًا. قال: فقام الأشتر فانطلق؛ فمكثنا أيامًا. قال: مثم جاء رويجل كأنه ذئب، فاطّلع من باب، ثم رجع وجاء محمد بن أبي بكر وثلاثة عشر حتى انتهى إلى عثمان، فأخذ بلحيته، فقال بها حتى سمعت وقع أضراسه، وقال: ما أغني عنك معاوية، ما إغني عنك ابن عامر، ما أغنت عنك كتب! قال: أرسل لحيتي يا بن أخي، أرسل لحيتي. قال: وأنا رأيته استعدي رجلًا من القوم بعينه، فقام إليه بمشقص حتى وجأ به في رأسه. قلت: ثم مه؛ قال: تغاووا عليه حتى قتلوه.
وذكر الواقدي أنّ يحيى بن عبد العزيز حدثه عن جعفر بن محمود، عن محمد بن مسلمة، قال: خرجت في نفر من قومي إلى المصريين وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس البلوي، وسودان بن حمران المرادي، وعمرو بن الحمق الخزاعي - وقد كان هذا الاسم غلب حتى كان يقال: حبيس بن الحمق - وابن النِّباع. قال: فدخلت عليهم وهم في خباء لهم أربعتهم، ورأيت الناس لهم تبعًا، قال: فعظّمت حقّ عثمان وما في رقابهم من البيعة، وخوّفتهم بالفتنة، وأعلمتهم أنّ في قتله اختلافًا وأمرًا عظيمًا؛ فلا تكونوا أوّلأ من فتحه، وأنه ينزع عن هذه الخصال التي نقمتم منها عليه، وأنا ضامن لذلك. قال القوم: فإن لم ينزع؟ قال: قلت: فأمركم إليكم. قال: فانصرف القوم وهو راضون، فرجعت إلى عثمان، فقلت: أخلني فأخلاني، فقلت: الله الله يا عثمان في نفسك! إنّ هؤلاء القوم إنما قدموا يريدون دمك، وأنت ترى خذلان أصحابك لك؛ لا بل هم يقوّون عدوّك عليك. قال: فأعطاني الرضا، وجزاني خيرًا. قال: ثمّ خرجت من عنده، فأقمت ما شاء الله أن أقيم.
قال: وقد تكلّم عثمان برجوع المصريين، وذكر أنهم جاءوا لأمر، فبلغهم غيره فانصرفوا، فأردت أن آتيه فأعنِّفه بهما، ثم سكتّ فإذا قائل يقول: قد قدم المصريون وهم بالسُّويداء، قال: قلت: أحقُّ ما تقول؟ قال: نعم، قال: فأرسل إلي عثمان.
قال: وإذا الخير قد جاءه، وقد نزل القوم من ساعتهم ذا خشب، فقال: يا أباعبد الرحمن، هؤلاء القوم قد رجعوا، فما الرأي فيهم؟ قال: قلت: والله ما أردي؛ إلّا أني أظن أنهم لم يرجعوا لخير. قال: فارجع إليهم فارددهم، قال: قلت: لا والله ما أنا بفاعل، قال: ولم؟ قال: لأنّي ضمنت لهم أمورًا تزع عنها فلم تنزع عن حرف واحد منها. قال: فقال: الله المستعان.
قال: وخرجت وقدم القوم وحلوا بالأسواف، وحصروا عثمان.
قال: وجاءني عبد الرحمن بن عبديس ومع سودان بن حمران وصاحباه، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، ألم تعلم أنّك مكلّمتنا وراتنا وعمت أنّ صاحبنا نازعٌ عمّا نكره؟ فقلت بلى، قال: فإذا هم يخرجون إلي صحيفة صغيرة.
قال: وإذا قصبة من رصاص؛ فإذا هم يقولون: وجدنا جملًا من إبلالصدقة عليه غلام عثمان، فأخذنا متاعه ففتّشناه، فوجدنا فيه هذا الكتاب؛ فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أما بعد؛ فإذا قدم عليك عبد الرحمن ابن عديس فاجلده مائة جلدة، واحلق رأسه ولحيته، وأطل حبسه حتى يأتيك أمري؛ وعمرو بن الحمق فافعل به مثل ذلك، وسودان بن حمران مثل ذلك؛ وعروة بن النباع الليثي مثل ذلك. قال: فقلت: وما يدريكم أنّ عثمان كتب بهذا؟ قالوا: فيفتات مروان على عثمان بهذا! فهذا شرّ؛ فيخرج نفسه من هذا الأمر. ثم قالوا: انطلق معنا إليه، فقد كلمنا عليًّا، ووعدنا أن يكلّمه إذا صلى الظهر. وجئنا سعد بن أبي وقّاص، فقال: لا أدخل في أمركم. وجئنا سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فقال مثل هذا؛ فقال محمد: فأين وعدكم علي؟ قالوا: وعدنا إذا صلى الظهر أن يدخل عليه.
قال محمد: فصليت مع علي، قال: ثم دخلت أنا وعلي عليه، فقلنا: إن هؤلاء المصريين بالبا، فأذن لهم - قال: ومروان عنده جالس - قال: فقال مروان: دعني جعلت فداك أكلّمهم! قال: فقال عثمان: فضّ الله فاك! اخرج عني؛ وما كلامك في هذا الأمر! قال: فخرج مروان، قال: وأقبل علي عليه - قالب: وقد أنهى المصريُّون إليه مثل الذي أنهوا إلي - قال: فجعل علي يخبره ما وجدوا في كتابهم. قال: فجعل يقسم بالله ما كتب ولا علم ولا شوور فيه. قال: فقال محمد بن مسلمة: والله إنه لصادق؛ ولكن هذا عمل مروان، فقال علي: فأدخلهم عليك؛ فليسمعوا عذرك، قال: ثم أقبل عثمان على علي، فقال: إنّ لي قرابة ورحمًا؛ والله إنه لصادق؛ ولكن هذا عمل مروان، فقال علي: فأدخلهم عليك؛ فليسمعوا عذرك، قال: ثم أقبل عثمان على علي، فقال: إنّ لي قرابة ورحمًا؛ والله لو كنت في هذه الحلقة لحللتها عنك؛ فاخرج إليهم، فكلِّمهم؛ فإنهم يسمعون منك. قال علي: والله ما أنا بفاعل؛ ولكن أدخلهم حتى تعتذر إليهم؛ قال: فادخلوا.
قال محمد بن مسلمة: فدخلوا يومئذ، فما سلّموا عليه بالخلافة، فعرفت أنه الشرّ بعينه؛ قالوا: سلام عليكم، فقلنا: وعليكم السلام، قال: فتكلَّم القوم وقد قدّموا في كلامهم ابن عديس، فذكر ما صنع ابن سعد بمصر، وذكر تحاملًا منه على المسلمين وأهل الذمّة، وذكر استئثارًا منه في غنائم المسلمين؛ فإذا قيل له في ذلك، قال: هذا كتاب أمير المؤمنين إلي، ثم ذكروا أشياء مما أحدث بالمدنية، وما خالف به صاحبيه. قال: فرحلنا من مصر ونحن لا نريد إلا دمك أو تنزع؛ مفردّنا علي ومحمد مبن مسلمة، وضمن لنا محمد النزوع عن كلّ ما تكلمنا فيه - ثم أقبلوا على محمد بن مسلمة، فقالوا: هل قلت ذاك لنا؟ قال محمد: فقلت: نعم - ثم رجعنا إلى بلادنا نستظهر بالله عز وجل عليك ويكونن حجة لنا بعد حجّة حتى إذا كنا بالبويب أخذنا غلامك فأخذنا كتابك وخاتمك إلى عبد الله بن سعد، تأمره فيه بجلد ظهورنا، والمثل بنا في أشعارنا وطول الحبس لنا؛ وهذا كتابك.
قال: فحمد الله عثمان وأنثى عليه، ثم قال: والله ما كتبت ولا أمرت، ولا شوورت ولا علمت. قال: فقلت وعلي جميعًا: قد صدق. قال: فاستراح إليها عثمان، فقال المصريون: فمن كتبه؟ قال: لا أدري، قال: أفيجترأ عليك فيبعث غلامك وجمل من صدقات لامسلمين، وينقش على خاتمك، ويكتب إلى عاملك بهذه الأمور العظام وأنت لا تعلم! قال: نعم، قالوا: فليس مثلك يلي، اخلع نفسك من هذا الأمر كما خلعك الله منه قال: لا أنزع قميصًا مألبسنيه الله عز وجل. مقال: وكثرت الأصوات واللغط، فما كنت أظنّ أنهم يخرجون حتى يواثبوه. قال: وقام علي فخرج، قال: فلمّا قام علي قمت، قال: وقال للمصريين: اخرجوا، فخرجوا. قال: ورجعت إلى منزلي ورجع علي إلى منزله، فما برحوا محاصريه حتى قتلوه.
قال محمد بن عمر: وحدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل، عن أبيه، عن سفيان بن أبي العوجاء، قال: قدم المصريّون القدمة الأولى، فكلتم عثمان محمد بن مسلمة، فخرج في خمسين راكبًا من الأنصار، فأتوهم بذي خشب فردّهم، ورجع القوم حتى إذا كانوا بالبويب، وجدوا غلامًا لعثمان معه كتاب إلى عبد الله بن سعد، فكرّوا، فانتهوا إلى المدينة، وقد تخلّف بها من الناس الأشتر موحيم بن جمبلة، فأتوا بالكتاب، فأنكر عثمان أن يكون كتبه، وقال: هذا مفتعل، قالوا: فالكتاب كتاب كاتبك! قال: أجل؛ ولكنّه كتبه بغيرأمري، قالوا: فإنّ الرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلامك؛ قال: أجل؛ ولكنه خرج بغير إذني، قالوا: فالجمل جملك، قال: أجل؛ ولكنه أخذ بغير علمي، قالوا: ما أنت إلّا صادق أو كاذب؛ فإن كنت كاذبًا فد استحققت مالخلع لما أمرت به من سفك دمائنا بغير حقها، وإن كنت صادقًا فقد استحققت أنتخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك؛ لأنه لا ينبغي لنا أن نترك على رقابنا من يقتطع مثل هذا الأمر دونه لضعفه وغفلته. وقالوا له: إنّك ضربت رجالًا من أصحاب النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة الحقّ عندما يستنكرون من أعمالك؛ فأقدمن نفسك من ضربته وأنت له ظالم، فقال: الإمام يخطىء ويصيب؛ فلا أقيد من نفسي؛ لأني لو أقدت كلّ من أصبته بخطإ آتي على نفسي؛ قالوا: إنك قد أحدثت أحداثًا عظامًا فاستحققت بها الخلع؛ فإذا كلّمت فيها أعطيت التوبة ثم عدت إليها وإلى مثلها، ثم تدمنا عليك فأعطيتنا التوبة والرجوع إلى الحق؛ ولامنا فيك محمد ابن مسلمة، وضمن لنا ما حدث من أمر، فأخفرته فتبرّأ منك، وقال: لا أدخل في أمره؛ فرجعنا أوّلأ مرة لنقطع محجّتك ونبلغ أقصى الإعذار إليك؛ نستظهر بالله عز وجل عليك؛ فلحقنا كتاب منك إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل والقطع والصلب. وزعمت أنه متب بغير علمك وهو مع غلامك وعلى جملك وبخطّ كاتبك وعليه خاتمك، فقد وقعت عليك بذلك التُّهمة القبيحة، مع ما بلونا منك قبل ذلك ممن الجور في الحكم والأثرة في القسم والعقوبة للأمر بالتبسط من الناس، والإظهار للتوبة، ثمّ الرجوع إلى الخطيئة، ولقد رجعنا عنك وما كان لنا أن نرجع حتى نخلعك ونستبدل بك من أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) من لم يحدث مثل مما جرّبنا منك، ولم يقع عليه من التُّهمة ما وقع عليك؛ فازدد خلافتنا؛ واعتزل أمرنا، فإنّ ذلك أسلم لنا منك، وأسلم لك منا.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:44 PM
فقال عثمان: فرغتم من جميع ما تريدون؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إليه إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدًا عبده ورسلوه؛ أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون. أمّا بعد، فإنكم لم تعدلوا في المنطق، ولم تنصفوا في القضاء؛ أما قولكم: تخلع نفسك، فلا أنزع قميصًا قمَّصنيه الله عز وجل وأكرمني به، وخصّني به على غيري؛ ولكني أتوب وأنزع ولا أعود لشيء عابه المسلمون؛ فإني والله الفقير إلى الله الخائف منه. قالوا: إنّ هذا لو كان أوّلأ حدث أحدثته ثم تبت منه ولم تقم عليه؛ لكان علينا أن نقبل منك، وأن ننصرف عنك؛ ولكنه قد كان منك من الإحداث قبل هذا ما قد علمت، ولقد انصرفنا عنك في المرة الأولى، وما نخشى أن تكتب فينا، ولا من اعتللت به بما وجدنا في كتابك مع غلامك. وكيف نقبل توبتك وقد بلونا منك أنك لا تعطى من نفسك التوبة من ذنب إلّا عدت إليه؛ فلسنا منصرفين حتى نعزلك ونستبدل بك، فإن حال من معك من قومك وذوي مرحمك وأهل الانقطاع إليك دونك بقتال قاتلناهم؛ حتى نخلص إليك فنقتلك أو تلحق أرواحنا بالله. مفقال عثمان: أمَّا أن أتبرَأ من الإمارة؛ فإن تصلبوني أحبّ إلي من أن أتبرّأ من أمر الله عز وجل وخلافته. وأما قولكم: تقاتلون من قاتل دوني؛ فإنّي لا آمر أحدًا بقتالكم، لقد كنت كتبت إلى الأجناد فقادوا الجنود، وبعثوا الرجال، أو لحقت ببعض أطرافي بمصر أو عراق؛ فالله الله في أنفسكم فأبقوا عليها إن لم تبقوا علي؛ فإنكم مجتلبون بهذا الأمر - إن قتلتموني - دمًا. قال: ثمّ انصرفوا عنه وآذنوه بالحرب، وأرسل إلى محمد بن مسلمة فكلّمه أن يردّهم، فقال: والله لا أكذب الله في سنة مرتين.
قال محمد بن عمر: حدثني محمد بن مسلم، عن موسى بن عقبة، عن أبي حبيبة، قال: نظرت إلى سعد بن أبي وقاص يوم قتل عثمان؛ دخل عليه ثم خرج من عنده وهو يسترجع مما يرى على الباب؛ فقال له مروان: الآن تندم! أنت أشعرته. فأسمع سعدًا يقول: أستغفر الله، لم أكن أظنّ الناس يجترئون هذه الجرأة، ولا يطلبون دمه، وقد دخلت عليه الآن فتكلم بكلام لم تحضره أنت ولا أصحابك، فنزع عن كلّ ما كره منه، وأعطى التوبة، وقال: لا أتمادى في الهلكة؛ إنّ من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق؛ فأنا أتوب وأنزع. فقال مروان: إن كنت تريد أن تذبّ عنه؛ فعليك بابن أبي طالب، فإنه متستّر، وهو لا يجبه؛ فخرج سعد حتى أتى عليًّا وهو بين القبر والمنبر، فقال: يا أبا حسن؛ قم فداك أبي وأمّي! جئتك والله بخير ما جاء به أحد قطّ إلى أحد، تصل رحم ابن عمّك، وتأخذ بالفضل عليه، وتحقن دمه، ويرجع الأمر على ما نحبّ، قد أعطى خليفتك من نفسه الرضا. فقال علي: تقبّل الله منه يا أبا إسحاق! والله ما زلت أذبّ عنه حتى إني لأستحي؛ ولكن مروان ومعاوية وعبد الله بن عامر وسعيد ابن العاص هم صنعوا به ما ترى؛ فإذا نصحته وأمرته أن ينحّيهم استغشّني حتى جاء ما ترى. قال: فبينا هم كذلك جاء محمد بن أبي بكر. فسارّ عليًّا؛ فأخذ علي بيدي، ونهض علي وهو يقول: وأي خير توبته هذه! فوالله ما بلغت داري حتى سمعت الهائعة؛ أن عثمان قد قتل؛ فلم نزل والله في شرّ إلى يومنا هذا.
قال محمد بن عمر: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، قال: لما خرج المصريّون إلى عثمان رضي الله عنه، بعث عبد الله بن سعد رسولًا أسرع السير يعلم عثمان بمخرجهم، ويخبره أنهم يظهرون أنهم يريدون العمرة. فقدم الرسول على عثمان بن عفان، يخبرهم فتكلم عثمان، وبعث إلى أهل مكة يحذّر من هناك هؤلاء المصريين، ويخبّرهم أنهم قد طعنوا على إمامهم. ثمّ إن عبد الله بن سعد خرج إلى عثمان في آثار المصريين - وقد كان كتب إليه يستأذنه في القدوم عليه، فأذن له - فقدم ابن سعد؛ حتى إذا كان بأيلة بلغه أنّ المصريين قد رجعوا إلى عثمان، وأنهم قد حصروه، ومحمد بن أبي حذيفة بمصر؛ فلما بلغ محمدًا حصر عثمان وخروج عبد الله بن سعد عنه غلب على مصر، فاستجابوا له، فأقبل عبد الله بن سعد يريد مصر، فمنعه ابن أبي حذيفة، فوجّه إلى فلسطين، فأقام بها حتى قتل عثمان رضي الله عنه، وأقبل المصريون حتى نزلوا بالأسواف، فحصروا عثمان، وقدم حكيم بن جبلة من البصرة في ركب، وقدم الأشتر في أهل الكوفة، فتوافوا بالمدينة، فاعتزل الأشتر؛ فاعتزل حكيم بن جبلة، وكان ابن عديس وأصحابه هم الذين يحصرون عثمان، فكانوا خمسمائة، فأقاموا على حصاره تسعة وأربعين يومًا، حتى قتل يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة مضت من ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين.
قال محمد: وحدثني إبراهيم بن سالم، عن أبيه، عن بسر بن سعيد، قال: وحدثني عبد الله بن عيّاش بن أبي ربيعة، قال: دخلت على عثمان رضي الله عنه، فتحدثت عنده ساعة، فقال: يا بن عياش، تعال. فأخذ بيدي، فأسمعني كلام من على باب عثمان، فسمعنا كلامًا؛ منهم من يقول: ما تنتظرون به؟ ومنهم من يقول: انظروا علسى أن يراجع، فبينا أنا وهو واقفان إذ مرّ طلحة بن عبيد الله؛ فوقف فقال: أين ابن عديس؟ فقيل: ها هو ذا، قال: فجاءه ابن عديس، فناجاه بشيء، ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحدًا يدخل على هذا الرجل؛ ولا يخرج من عنده. قال: فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله. ثم قال عثمان: اللهمّ اكفني طلحة بن عبيد الله، فإنه حمل علي هؤلاء وألّبهم؛ والله إني لأرجو أن يكون منها صفرًا، وأن يسفك دمه، إنه انتهك مني ما لا يحلّ له، سمعت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يقول: " لا يحلّ دم امرىء مسلم إلا في إحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه فيقتل، أو رجل زنى بعد إحصانه فيرجم، أو رجل قتل نفسًا بغير نفس "، ففيم أقتل! قال: ثم رجع عثمان. قال ابن عياش: فأردت أن أخرج فمنعوني حتى مرّ بي محمد بن أبي بكر فقال: خلّوه، فخلّوني.
قال محمد: حدثني يعقوب بن عبد الله الأشعري، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: رأيت اليوم الذي دخل فيه على عثمان، فدخلوا من دار عمرو بن حزم خوخة هناك حتى دخلوا الدار، فناوشوهم شيئًا من مناوشة ودخلوا، فوالله ما نسينا أن خرج سودان بن حمران، فأسمعه يقول: أين طلحة بن عبيد الله؟ قد قتلنا ابن عفان! قال محمد بن عمر: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، عن أبي حفصة اليماني، قال: كنت لرجل من أهل البادية من العرب، فأعجبته - يعني مروان - فاشتراني واشترى امرأتي وولدي فأعتقنا جميعًا؛ وكنت أكون معه، فلما حصر عثمان رضي الله عنه، شمّرت معه بنو أمية، ودخل معه مروان الدار. قال: فكنت معه في الدار، قال: فأنا والله أنشبت القتال بين الناس؛ رميت من فوق الدار رجلًا من أسلم فقتلته؛ وهو نيار الأسلمي، فنشب القتال، ثم نزلت، فاقتتل الناس على الباب، وقاتل مروان حتى سقط فاحتملته، فأدخلته بيت عجوز، وأغلقت عليه، وألقى الناس النيران في أبواب دار عثمان، فاحترق بعضها، فقال عثمان: ما احترق الباب إلّا لما هو أعظم منه، لا يحرّكنّ رجل منكم يده؛ فوالله لو كنت أقصاكم لتخطّوكم حتى يقتلوني، ولو كنت أدناكم ما جاوزوني إلى غيري، وإني لصابر كما عهد إلي رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، لأصرعنّ مصرعي الذي كتب الله عز وجل. فقال مروان: والله لا تقتل وأنا أسمع الصوت، ثم خرج بالسيف على الباب يتمثّل بهذا الشعر:
قد علمت ذات القرون الميل ** والكفّ والأنامل الطفول
أنّي أروع أوّل الرعيل ** بفارةٍ مثل قطا الشليل
قال محمد: وحدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل، عن أبيه، عن أبي حفصة، قال: لما كان يوم الخميس دلّيت حجرًا من فوق الدار، فقتلت رجلًا من أسلم يقال له نيار، فأرسلوا إلى عثمان: أن أمكنّا من قاتله. قال: والله ما أعرف له قاتلًا، فباتوا ينحرفون علينا ليلة الجمعة بمثل النيران، فلما أصبحوا غدوا، فأوّل من طلع علينا كنانة بن عتّاب، في يده شعلة من نار على ظهر سطوحنا، قد فتح له من دار آل حزم، ثم دخلت الشعل على أثره تنضح بالنّفط؛ فقاتلناهم ساعة على الخشب، وقد اضطرم الخسب، فأسمع عثمان يقول لأصحابه: ما بعد الحريق شيء! قد احترق الخشب، واحترقت الأبواب، ومن كانت لي عليه طاعة فليمسك داره؛ فإنما يريدني القوم، وسيندمون على قتلي؛ والله لو تركوني لظننت أني لا أحبّ الحياة؛ ولقد تغيّرت حالي، وسقط أسناني، ورقّ عظمي.
قال: ثم قال لمروان: اجلس فلا تخرج، فعصاه مروان، فقال: والله لا تقتل، ولا يخلص إليك، وأنا أسمع الصوت، ثم خرج إلى الناس. فقلت: ما لمولاي متّرك! فخرجت معه أذبّ عنه، ونحن قليل، فأسمع مروان يتمثّل:
قد علمت ذات القرون الميل ** والكفّ والأنامل الطفول
ثم صاح: من يبارز؟ وقد رفع أسفل درعه؛ فجعله في منطقته. قال: فيثب إليه ابن النباع فضربه ضربة على رقبته من خلفه فأثبته؛ حتى سقط، فما ينبض منه عرق، فأدخلته بيت فاطمة ابنة أوس جدّة إبراهيم بن العدي. قال: فكان عبد الملك وبنو أميّة يعرفون ذلك لآل العدي.
حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن شريك، قال: حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن الأخنس، عن ابن الحراث بن أبي بكر، عن أبيه أبي بكر بن الحارث بن هشام، قال: كأني أنظر إلى عبد الرحمن بن عديس البلوي وهو مسند ظهره إلى مسجد نبي الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وعثمان بن عفان رضي الله عنه محصور، فخرج مروان بن الحكم، فقال من يبارز؟ فقال عبد الرحمن بن عديس لفلان ابن عروة: قم إلى هذا الرجل، فقام إليه غلام شابّ طوال؛ فأخذ رفرف الدرع فغرزه في منطقته، فأعور له عن ساقه، فأهوى له مروان وضربه ابن عروة على عنقه، فكأني أنظر إليه حين استدار. وقام إليه عبيد بن رفاعة الزرفي ليدفّف عليه، قال: فوثبت عليه فاطمة ابنة أوس جدّة إبراهيم ابن عدي - قال: وكانت أرضعت مروان وأرضعت له - فقالت: إن كنت إنما تريد قتل الرجل فقد قتل؛ وإن كنت تريد أن تلعب بلحمه فهذا قبيح. قال: فكفّ عنه. فما زالوا يشكرونها لها، فاستعلموا ابنها إبراهيم بعد.
وقال ابن إسحاق: قال عبد الرحمن بن عديس البلوي حين سار إلى المدينة من مصر:
أقبلن من بلبيس والصّعيد ** مستحقبات حلق الحديد
يطلبن حقّ الله في سعيد ** حتى رجعن بالذي نريد
حدثني جعفر بن عبد الله المحمدي، قال: حدثنا عمرو بن حماد وعلي بن حسين، قالا: حدثنا حسين بن عيسى، عن أبيه، قال: لما مضت أيام التشريق أطافوا بدار عثمان رضي الله عنه، وأبى إلّا الإقامة على أمره، وأرسل إلى حشمه وخاصّته فجمعهم، فقام رجل من أصحاب النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يقال له نيار بن عياض - وكان شيخًا كبيرًا - فنادى: يا عثمان؛ فأشرف عليه من أعلى داره؛ فناشده الله، وذكّره الله لمّا اعتزلهم! فبينا هو يراجعه الكلام إذ رماه رجل من أصحاب عثمان فقتله بسهم، وزعموا أنّ الذي رماه كثير بن الصلت الكندي؛ فقالوا لعثمان عند ذلك: ادفع إلينا قاتل نيار بن عياض فلنقتله به، فقال: لم أكن لأقتل رجلًا نصرني وأنتم تريدون قتلي؛ فلمّا رأوا ذلك ثاروا إلى بابه فأحرقوه؛ وخرج عليهم مروان بن الحكم من دار عثمان في عصابة، وخرج سعيد بن العاص في عصابة، وخرج المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زُهرة في عصابة؛ فاقتتلوا قتالًا شديدًا؛ وكان الذي حداهم على القتال أنه بلغهم أن مددًا من أهل البصرة قد نزلوا صرارًا - وهي من المدينة على ليلة - وأن أهل الشام قد توجّهوا مقبلين، فقاتلوهم قتالًا شديدًا على باب الدار، فحمل المغيرة بن الأخنس الثقفي على القوم وهو يقول مرتجزًا:

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:44 PM
قد علمت جارية عطبول ** لها وشاح ولها حجول
أتى بنصل السيف خنشليل
فحمل عليه عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وهو يقول:
إن تك بالسّيف كما تقول ** فاثبت لقرن ماجد يصول
بمشرفي حدّه مصقول
فضربه عبد الله فقتله، وحمل رفاعة بن رافع الأنصاري ثم الزرقي على مروان بن الحكم، فضربه فصرعه، فنزل عنه وهو يرى أنه قتله؛ وجرح عبد الله بن الزبير جراحات، وانهزم القوم حتى لجئوا إلى القصر، فاعتصموا ببابه، فاقتتلوا عليه قتالًا شديدًا، فقتل في المعركة على الباب زياد بن نعيم الفهري في ناس من أصحاب عثمان، فلم يزل الناس يقتتلون حتى فتح عمرو ابن حزم الأنصاري باب داره وهو إلى جنب دار عثمان بن عفان، ثمّ نادى الناس فأقبلوا عليه من داره، فقاتلوهم في جوف الدار حتى انهزموا، وخلّى لهم عن باب الدار؛ فخرجوا هرّابًا في طرق المدينة؛ وبقي عثمان في أناس من أهل بيته وأصحابه فقتلوا معه؛ وقتل عثمان رضي الله عنه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا معتمر بن سليمان التيمي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري، قال: أشرف عليهم عثمان رضي الله عنه ذات يوم، فقال: السلام عليكم، قال: فما سمع أحدًا من الناس ردّ عليه إلّا أن يردّ رجل في نفسه، فقال: أنشدكم بالله هل علمتم أني اشتريت رومة من مالي يستعذب بها، فجعلت رشائي منها كرشاء رجل من المسلمين! قال: قيل: نعم. قال: فما يمنعني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر! قال: أنشدكم الله هل علمتم أنّي اشتريت كذا وكذا من الأرض فزدته في المسجد؟ قيل: نعم، قال: فهل علمتم أحدًا من الناس منع أن يصلّي فيه قبلي! قال: أنشدكم الله، هل سمعتم نبي الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يذكر كذا وكذا؛ أشياء في شأنه، وذكر الله إياه أيضًا في كتابه المفصّل. قال: ففشا النهى.
قال: فجعل الناس يقولون: مهلًا عن أمير المؤمنين، قال: وفشا النهي. قال: وقام الأشتر - قال: ولا أدري يومئذ أو في يوم آخر - فقال: لعله قد مكر به وبكم! قال: فوطئه الناس، حتى لقي كذا وكذا، قال: فرأيته أشرف عليهم مرّة أخرى، فوعظهم وذكّرهم، فلم تأخذ فيهم الموعظة. وكان الناس تأخذ فيهم الموعظة أوّل ما يسمعونها؛ فإذا أعيدت عليهم لم تأخذ فيهم. قال: ثم إنه فتح الباب ووضع المصحف بين يديه. قال: وذاك أنه رأى من الليل أنّ نبي الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يقول: " أفطر عندنا الليلة ".
قال أبو المعتمر: فحدثنا الحسن: أنّ محمد بن أبي بكر دخل عليه فأخذ بلحيته. قال: فقال له: قد أخذت منّا مأخذًا، وقعدت مني مقعدًا ما كان أبو بكر ليقعده أو ليأخذه. قال: فخرج وتركه. قال: ودخل عليه رجل يقال له الموت الأسود. قال: فخنقه تم خفقه. قال: ثم خرج فقال: والله ما رأيت شيئًا قطّ ألين من حلقه؛ والله لقد خنقته حتى رأيت نفسه يتردّد في جسده كنفس الجانّ. قال: فخرج.
قال في حديث أبي سعيد: دخل على عثمان رجل، فقال: بيني وبينك كتاب الله - قال: والمصحف بين يديه - قال: فيهوي له بالسيف، فاتّقاه بيده، فقطعها، فقال: لا أدري أبانها أم قطعها ولم يبنها. قال: فقال: أما والله إنها لأوّل كفّ خطّت المفصّل. وقال في غير حديث أبي سعيد: فدخل عليه التجيبي، فأشعره مشقصًا فانتضح الدم على هذه الآية: " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ". قال: فإنها في المصحف ما حكّت.
قال: وأخذت ابنة الفرافصة - في حديث أبي سعيد - حليها فوضعته في حجرها، وذلك قبل أن يقتل، قال: فلما أشعر - أو قال: قتل - ناحت عليه. قال: فقال بعضهم: قاتلها الله! ما أعظم عجيزتها! قال: فعلمت أن عدوّ الله لم يرد إلّا الدنيا.
وأما سيف، فإنه قال - فيما كتب إلى السري، عن شعيب، عنه: ذُكر عن بدر بن عثمان، عن عمّه، قال: آخر خطبة خطبها عثمان رضي الله عنه في جماعة: إنّ الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إنّ الدنيا تفنى، والآخرة تبقى؛ فلا تبطرنّكم الفانية، ولا تشغلنّكم عن الباقية؛ فآثروا ما يبقى على ما يفنى؛ فإن الدنيا منقطعة؛ وإنّ المصير إلى الله. اتقوا الله جلّ وعزّ، فإنّ تقواه جنّة من بأسه، ووسيلة عنده؛ واحذروا من الله الغير، والزموا جماعتكم، لا تصيروا أحزابًا، " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا ".
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان، قالوا: لما قضى عثمان في ذلك المجلس حاجاته وعزم وعزم له المسلمون على الصبر والامتناع عليهم بسلطان الله، قال: اخرجوا رحمكم الله فكونوا بالباب، وليجامعكم هؤلاء الذين حبسوا عني. وأرسل إلى طلحة والزبير وعلي وعدّة: أن ادنوا. فاجتمعوا فأشرف عليهم، فقال: يأيّها الناس؛ اجلسوا، فجلسوا جميعًا؛ المحارب الطارىء، والمسالم المقيم، فقال: يا أهل المدينة؛ إنّي أستودعكم الله، وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي؛ وإنّي والله لا أدخل على أحد بعد يومي هذا حتى يقضي الله في قضاءهه؛ ولأدعنّ هؤلاء وما وراء بابي غير معطيهم شيئًا يتّخذونه عليكم دخلا في دين الله أو دنيا حتى يكون الله عز وجل الصانع في ذلك ما أحبّ. وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم، فرجعوا إلّا الحسن ومحمدًا وابن الزبير وأشباهًا لهم؛ فجلسوا بالباب عن أمر آبائهم؛ وثاب إليهم ناس كثير، ولزم عثمان الدار.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان ومحمد وطلحة، قالوا: كان الحصر أربعين ليلة والنزول سبعين، فلما مضت من الأربعين ثمان عشرة، قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من قد تهيّأ إليهم من الآفاق: حبيب من الشأم، ومعاوية من مصر، والقعقاع من الكوفة، ومجاشع من البصرة؛ فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان؛ ومنعوه كلّ شيء حتى الماء؛ وقد كان يدخل علي بالشيء مما يريد. وطلبوا العلل فلم تطلع عليهم علّة، فعثروا في داره بالحجارة ليرموا؛ فيقولوا: قوتلنا - وذلك ليلًا - فناداهم: ألا تتّقون الله! ألا تعلمون أنّ في الدار غيري! قالوا: لا والله ما رميناك. قال: فمن رمانا؟ قالوا: الله، قال: كذبتم؛ إنّ الله عز وجل لو رمانا لم يخطئنا وأنتم تخطئوننا. وأشرف عثمان على آل حزم وهم جيرانه؛ فسرّح ابنًا لعمرو إلى علي بأنهم قد منعونا الماء، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئًا من الماء فافعلوا. وإلى طلحة وإلى الزبير، وإلى عائشة رضي الله عنها وأزواج النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)؛ فكان أوّلهم إنجادًا له علي وأمّ حبيبة؛ جاء علي في الغلس، فقال: يأيّها الناس؛ إنّ الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين؛ لا تقطعوا عن هذا الرجل المادّة؛ فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي؛ وما تعرّض لكم هذا الرجل؛ فبم تستحلّون حصره وقتله! قالوا: لا والله ولا نعمة عين؛ لا نتركه يأكل ولا يشرب؛ فرمى بعمامته في الدار بأنّي قد نهضت فيما أنهضتني؛ فرجع. وجءات أم حبيبة على بغلة لها برحالة مشتملةً على إداوة، فقيل: أم المؤمنين أم حبيبة، فضربوا وجه بغلتها، فقالت: إنّ وصايا بني أميّة إلى هذا الرجل، فأحببت أن ألقاه فأسأله عن ذلك كيلا تهلك أموال أيتام وأرامل. قالوا: كاذبة، وأهووا لها وقطعوا حبل البغلة بالسيف، فندّت بأمّ حبيبة، فتلقّاها الناس، وقد مالت رحالتها، فتعلّقوا بها وأخذوها وقد كادت تقتل، فذهبوا بها إلى بيتها. وتجهزّت عائشة خارجة إلى الحجّ هاربة، واستتبعت أخاها، فأبى؛ فقالت: أما والله لئن استطعت أن يحرمهم الله ما يحاولون لأفعلنّ.
وجاء حنظلة الكاتب حتى قام على محمد بن أبي بكر، فقال: يا محمد، تستتبعك أم المؤمنين فلا تتبعها، وتدعوك ذؤبان العرب إلى ما لا يحلّ فتتبعهم! فقال: ما أنت وذاك يا بن التميمّية! فقال: يا بن الخثعميّة؛ إن هذا الأمر إن صار إلى التغالب غلبتك عليه بنو عبد مناف، وانصرف وهو يقول:
عجبت لما يخوض الناس فيه ** يرومون الخلافة أن تزولا
ولو زالت لزال الخير عنهم ** ولاقوا بعدها ذلًّا ذليلا
وكانوا كاليهود أو النصارى ** سواء كلّهم ضلّوا السبيلا
ولحق بالكوفة. وخرجت عائشة وهي ممتلئة غيظًا على أهل مصر، وجاءها مروان بن الحكم فقال: يا أمّ المؤمنين؛ لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل، فقالت: أتريد أن يصنع بي كما صنع بأمّ حبيبة، ثم لا أجد من يمنعني! لا والله ولا أعيّر ولا أدري إلام يسلم أمر هؤلاء! وبلغ طلحة والزبير ما لقي علي وأم حبيبة، فلزموا بيوتهم، وبقي عثمان يسقيه آل حزم في الغفلات، عليهم الرقباء، فأشرف عثمان على الناس، فقال: يا عبد الله بن عباس - فدعى له - فقال: اذهب فأنت على الموسم - وكان ممّن لزم الباب - فقال: والله يا أمير المؤمنين لجهاد هؤلاء أحبّ إلي من الحج؛ فأقسم عليه لينطلقنّ. فانطلق ابن عباس على الموسم تلك السنة؛ ورمى عثمان إلى الزبير بوصيّته، فانصرف بها - وفي الزبير اختلاف: أأدرك مقتله أو خرج قبله - وقال عثمان: " يا قوم لا يجرمنّكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح.. " الآية، اللهم حل بين الأحزاب وبين ما يأملون كما فعل بأشياعهم من قبل.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، قال: بعثت ليلى ابنة عميس إلى محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر، فقالت: إنّ المصباح يأكل نفسه، ويضيء للناس؛ فلا تأثما في أمر تسوقانه إلى من لا يأثم فيكما؛ فإنّ هذا الأمر الذي تحاولون اليوم لغيركم غدًا، فاتّقوا أن يكون عملكم اليوم حسرة عليكم؛ فلجّا وخرجا مغضبين يقولان: لا ننسى ما صنع بنا عثمان؛ وتقول: ما صنع بكما! ألّا ألزمكما الله! فلقيهما سعيد بن العاص، وقد كان بين محمد بن أبي بكر وبينه شيء، فأنكره حين لقيه خارجًا من عند ليلى، فتمثل له في تلك الحال بيتًا:
استبق ودّك للصّديق ولا تكن ** فيئًا يعضّ بخاذل ملجاجا
فأجابه سعيد متمثلًا:

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:46 PM
ترون إذًا ضربًا صميمًا من الذي ** له جانب ناءٍ عن الجرم معور
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان، قالوا: فلمّا بويع الناس جاء السابق فقدم بالسلامة، فأخبرهم من الموسم أنهم يريدون جميعًا المصريين وأشياعهم، وأنهم يريدون أن يجمعوا ذلك إلى حجّهم؛ فلمّا أتاهم ذلك مع ما بلغهم من نفور أهل الأمصار، أعلقهم الشيطان، وقالوا: لا يخرجنا مما وقعنا فيه إلّا قتل هذا الرجل؛ فيشتغل بذلك الناس عنّا، ولم يبق خصلة يرجون بها النجداة إلا قتله. فراموا الباب؛ فمنعهم من ذلك الحسن وابن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص ومن كان من أبناء الصحابة أقام معهم، واجتلدوا، فناداهم عثمان: الله الله! أنتم في حلٍّ من نصرتي فأبوا، ففتح الباب، وخرج ومعه الترس والسيف لينهنههم؛ فلما رأوه أدبر المصريون، وركبهم هؤلاء، ونهنههم فتراجعوا وعظم على الفريقين، وأقسم على الصحابة ليدخلنّ، فأبوا أن ينصرفوا، فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين - وقد كان المغيرة بن الأخنس بن شريق فيمن حجّ، ثم تعجّل في نفر حجّوا معه، فأدرك عثمان قبل أن يقتل وشهد المناوشة، ودخل الدار فيمن دخل وجلس على الباب من داخل؛ وقال: ما عذرنا عند الله إن تركناك ونحن نستطيع ألّا ندعهم حتى نموت! فاتّخذ عثمان تلك الأيام القرآن نحبًا، يصلّى وعنده المصحف؛ فإذا أعيا جلس فقرأ فيه - وكانوا يرون القراءة في المصحف من العبادة - وكان القوم الذين كفكفهم بينه وبين الباب؛ فلما بقي المصريون لا يمنعهم أحد من الباب ولا يقدرون على الدخول جاءوا بنار، فأحرقوا الباب والسقيفة، فتأجّج الباب والسقيفة؛ حتى إذا احترق الخشب خرّت السقيفة على الباب، فثار أهل الدار وعثمان يصلّي؛ حتى منعوهم الدخول؛ وكان أول من برز لهم المغيرة بن الأخنس، وهو يرتجز:
قد علمت جارية عطبول ** ذات وشاح ولها جديل
أنّي بنصل السيف خنشليل ** لأمنعنّ منكم خليلي
بصارم ليس بذي فلول
وخرج الحسن بن علي وهو يقول:
لا دينهم ديني ولا أنا منهم ** حتى أسير إلى طمار شمام
وخرج محمد بن طلحة وهو يقول:
أنا ابن من حامى عليه بأحد ** وردّ أحزابًا على رغم معدّ
وخرج سعيد بن العاص وهو يقول:
صبرنا غداة الدار والموت واقب ** بأسيافنا دون ابن أروى نضارب
وكنّا غداة الروع في الدار نصرة ** نشافههم بالضّرب والموت ثاقب
فكان آخر من خرج عبد الله بن الزبير؛ وأمره عثمان أن يصير إلى أبيه في وصيّة بما أراد، وأمره أن يأتي أهل الدار فيأمرهم بالانصراف إلى منازلهم؛ فخرج عبد الله بن الزبير آخرهم؛ فما زال يدّعي بها، ويحدث الناس عن عثمان بآخر ما مات عليه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان، قالوا: وأحرقوا الباب وعثمان في الصلاة، وقد افتتح " طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " - وكان سريع القراءة، فما كرثه ما سمع، وما يخطىء وما يتتعتع حتى أتى عليها قبل أن يصلوا إليه - ثم عاد فجلس إلى عند المصحف وقرأ: " الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ".
وارتجز المغيرة بن الأخنس وهو دون الدار في أصحابه:
قد علمت ذات القرون الميل ** والحلي والأنامل الطفول
لتصدقنّ بيعتي خليلي ** بصارم ذي رونق مصقول
لا أستقيل إن أقلت قيلي
وأقبل أبو هريرة، والناس محجمون عن الدار إلا أولئك العصبة، فدسروا فاستقتلوا، فقام معهم، وقال: أنا إسوتكم؛ وقال هذا يوم طاب امضرب - يعني أنه حلّ القتال، وطاب وهذه لغة حمير - ونادى: يا قوم، مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار! وبادر مروان يومئذ ونادى: رجل رجل، فبرز له رجل من بني ليث يدعى النباع؛ فاختلفا، فضربه مروان أسفل رجليه، وضربه الآخر على أصل العنق فقلبه، فانكبّ مروان، واستلقى، فاجترّ هذا أصحابه، واجترّ الآخر أصحابه؛ فقال المصريون: أما والله لولا أن تكونوا حجة علينا في الأمة لقد قتلناكم بعد تحذير، فقال المغيرة: من يبارز؟ فبرز له رجل فاجتلد، وهو يقول:
أضربهم باليابس ** ضرب غلام بائس
من الحياة آيس
فأجابه صاحبه** وقال الناس: قتل المغيرة بن الأخنس، فقال الذي قتله: إنا لله! فقال له عبد الرحمن بن عديس: مالك؟ قال: إني أتيت فيما يرى النائم، فقيل لي: بشّر قاتل المغيرة بن الأخنس بالنار؛ فابتُليت به، وقتل فباث الكناني نيار بن عبد الله الأسلمي، واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملئوها ولا يشعر الذين بالباب، وأقبلت القباس على أبنائهم؛ فذهبوا بهم إذ غلبوا على أميرهم، وندبوا رجلًا لقتله، فانتدب له رجل، فدخل عليه البيت، فقال: اخلعها وندعك، فقال: ويحك! والله ما كشفت امرأة في جاهليّة ولا إسلام، ولا تغنّيت ولا تمنّيت، ولا وضعت يميني على عورتي منذ بايعت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)؛ ولست خالعًا قميصًا كسانيه الله عز وجل، وأنا على مكاني حتى يكرم الله أهل السعادة، ويهين أهل الشقاء.
فخرج وقالوا: ما صنعت؟ فقال: علقنا والله؛ والله ما ينجينا من الناس إلا قتله، وما يحلّ لنا قتله؛ فأدخلوا عليه رجلًا من بني ليث، فقال: ممن الرجل؟ فقال: ليثي؛ فقال: لستَ بصاحبي، قال: وكيف؟ فقال: ألست الذي دعا لك النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) في نفر أن تحفظوا يوم كذا وكذا؟ قال: بلى، قال: فلن تضيع؛ فرجع وفارق القوم، فأدخلوا عليه رجلًا من قريش، فقال: يا عثمان؛ إني قاتلك، قال: كلّا يا فلان، لا تقتلني، قال: وكيف؟ قال: إنّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) استغفر لك يوم كذا وكذا؛ فلن تقارف دمًا حرامًا. فاستغفر ورجع، وفارق أصحابه فأقبل عبد الله بن سلام حتى قام على باب الدار ينهاهم عن قتله، وقال: يا قوم لا تسلّوا سيف الله عليكم؛ فوالله إن سللتموه لا تغمدوه، ويلكم! إنّ سلطانكم اليوم يقوم بالدّرّة؛ فإن قتلتموه لا يقوم إلا بالسيف. ويلكم! إنّ مدينتكم محفوفة بملائكة الله؛ والله لئن قتلتموه لتتركنّها؛ فقالوا: يا بن اليهودية؛ وما أنت وهذا! فرجع عنهم.
قالوا: وكان آخر من دخل عليه ممن رجع إلى القوم محمد بن أبي بكر، فقال له عثمان: ويلك! أعلى الله تغضب! هل لي إليك جرم إلّا حقّه أخذته منك! فنكل ورجع.
قالوا: فلما خرج محمد بن أبي بكر وعرفوا انكساره، ثار قتيرة وسودان ابن حمران السكونيّان والغافقي؛ فضربه الغافقي بحديدة معه، وضرب المصحف برجله فاستدار المصحف، فاستقرّ بين يديه؛ وسالت عليه الدماء؛ وجاء سودان بن حمران ليضربه، فانكبّت عليه نائلة ابنة الفرافصة، واتّقت السيف بيدها، فتعمّدها، ونفح أصابعها، فأطنّ أصابع يدها وولّت؛ فغمز أوراكها، وقال: إنها لكبيرة العجيزة، وضرب عثمان فقتله، ودخل غلمة لعثمان مع القوم لينصروه - وقد كان عثمان أعتق من كفّ منهم - فلمّا رأوا سودان قد ضربه، أهوى له بعضهم فضرب عنقه فقتله، ووثب قتيرة على الغلام فقتله، وانتهبوا ما في البيت؛ وأخرجوا من فيه، ثم أغلقوه على ثلاثة قتلى. فلما خرجوا إلى الدار، وثب غلام لعثمان آخر على قتيرة فقتله، ودار القوم فأخذوا ما وجدوا؛ حتى تناولوا ما على النساء، وأخذ رجل ملاءة نائلة - والرجل يدعى كلثوم بن تجيب - فتنحّت نائلة، فقال: ويح أمّك من عجيزة ما أتمّك! وبصر به غلام لعثمان فقتله وقتل، وتنادى القوم: أبصر رجل من صاحبه، وتنادوا في الدار: أدركوا بيت المال لا تسبقوا إليه؛ وسمع أصحاب بيت المال أصواتهم؛ وليس فيه إلّا غرارتان، فقالوا: النجاء؛ فإن القوم إنّما يحاولون الدنيا، فهربوا وأتوا بيت المال فانتهبوه، وماج الناس فيه، فالتّانىء يسترجع ويبكي، والطارىء يفرح. ندم القوم، وكان الزبير قد خرج من المدينة، فأقام على طريق مكة لئلّا يشهد مقتله، فلما أتاه الخبر بمقتل عثمان وهو بحيث هو، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! رحم الله عثمان. وانتصر له؛ وقيل: إنّ القوم نادمون؛ فقال: دبّروا دبّروا، " وحيل بينهم وبين ما يشتهون.. " الآية. وأتى الخبر طلحة، فقال: رحم الله عثمان! وانتصر له وللإسلام؛ وقيل له: إن القوم نادمون، فقال تبًّا لهم! وقرأ: " فلا يستطيعون توصيةً ولا إلى أهلهم يرجعون ". وأتى عليٌّ فقيل: قتل عثمان، فقال رحم الله عثمان، وخلف علينا بخير! وقيل: ندم القوم، فقرأ: " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر.. "، الآية. وطلب سعد، فإذا هو في حائطه، وقد قال: لا أشهد قتله، فلما جاءه قتله قال: فررنا إلى المدنية تدنينا؛ وقرأ: " الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا ". اللهمّ أندمهم ثم خذهم.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:49 PM
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن لامجالد، عن الشعبي، عن المغيرة بن شعبة، قال: قلت لعلي: إنّ هذا الرجل مقتول؛ وإنّه إن قتل وأنت بالمدينة اتّخذوا فيك، فاخرج فكن بمكان كذا وكذا؛ فإنك إن فعلت وكنت في غار باليمن طلبك الناس؛ فأبى وحصر عثمان اثنين وعشرين يومًا؛ ثم أحرقوا الباب؛ وفي الدار أناس كثير؛ فيهم عبد الله بن الزبير ومروان، فقالوا: ائذن لنا؛ فقال: إنّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) عهد إلي عهدًا، فأنا صابر عليه؛ وإنّ القوم لم يحرقوا باب الدار إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه؛ فأحرّج على رجل يستقتل ويقاتل؛ وخرج الناس كلهم؛ ودعا بالمصحف يقرأ فيه والحسن عنده، فقال: إنّ أباك الآن لفي أمر عظيم، فأقسمت عليك لما خرجت! وأمر عثمان أبا كرب - رجلًا من همدان - وآخر من الأنصار أن يقوما على باب بيت المال؛ وليس فيه إلا غرارتان من ورق؛ فلما أطفئت النار بعد ما ناوشهم ابن الزبير ومروان، وتوعّد محمد بن أبي بكر ابن الزبير ومروان؛ فلما دخل على عثمان هربا. ودخل محمد بن أبي بكر على عثمان؛ فأخذ بلحيته، فقال: أرسل لحيتي؛ فلم يكن أبوك ليتناولها. فأرسلها؛ ودخلوا عليه؛ فمنهم من يجؤه بنعل سيفه، وآخر يلكزه؛ وجاءه رجل بمشاقص معه، فوجأه في ترقوته، فسال الدم على المصحف وهم في ذلك يهابون في قتله؛ وكان كبيرًا؛ وغشي عليه. ودخل آخرون فلما رأوه مغشيًّا عليه جرّوا برجله؛ فصاحت نائلة وبناته؛ وجءا التجيبي مخترطًا سيفه ليضعه في بطنه، فوقته نائلة، فقطع يدها، واتّكأ بالسيف عليه في صدره. وقتل عثمان رضي الله عنه قبل غروب الشمس، ونادى مناد: ما يحلّ دمه ويحرج ماله؛ فانتهبوا كلّ شيء، ثم تبادروا بيت المال، فألقى الرجلان المفاتيح ونجوا، وقالوا: الهرب الهرب! هذا ما طلب القوم.
وذكر محمد بن عمر، أنّ عبد الرحمن بن عبد العزيز حدثه عن عبد الرحمن ابن محمد، أنّ محمد بن أبي بكر تسوّر على عثمان من دار عمرو بن حزم، ومعه كنانة بن بشر بن عتّاب، وسودان بن حمران، وعمرو بن الحمق؛ فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف في سورة البقرة، فتقدّمهم محمد بن أبي بكر؛ فأخذ بلحية عثمان، فقال: قد أخزاك الله يا نعثل! فقال عثمان: لست بنعثل؛ ولكني عبد الله وأمير المؤمنين. قال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان! فقال عثمان: يا بن أخي، دع عنك لحيتي؛ فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه. فقال محمد: لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك؛ وما أريد بك أشدّ من قبضي على لحيتك؛ قال عثمان: أستنصر الله عليك وأستعين به. ثم طعن جبينه بمشقص في يده. ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده، فوجأ بها في أصل أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقه، ثمّ علاه بالسيف حتى قتله؛ فقال عبد الرحمن: سمعت أبا عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدّم رأسه بعمود حديد، فخرّ لجبينه، فضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خرّ لجبينه فقتله.
قال محمد بن عمر: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزنّاد، عن عبد الرحمن ابن الحراث، قال: الذي قتله كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي. وكانت امرأة منظور بن سيار الفزاري تقول: خرجنا إلى الحجّ؛ وما علمنا لعثمان بقتل؛ حتى إذا كنّا بالعرج سمعنا رجلًا يتغنّى تحت الليل:
ألا إنّ خير الناس بعد ثلاثة ** قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
قال: وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان، فجلس على صدره وبه رمق، فطعنه تسع طعنات. قال عمرو: فأما ثلاث منهنّ فإني طعنتهنّ إيّاه لله؛ وأما ستّ فإني طعنتهن إيّاه لما كان في صدري عليه.
قال محمد: وحدثني إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة، قال: رأيت عروة بن شيَيْم ضرب مروان يوم الدار بالسيف على رقبته، فقطع إحدى علباويه، فعاش مروان أوقص؛ ومروان الذي يقول:
ما قلت يوم الدار للقوم حاجزوا ** رويدًا ولا استبقوا الحياة على القتل
ولكنّي قد قلت للقوم ماصعوا ** بأسيافكم كيما يصلن إلى الكهل
قال محمد الواقدي: وحدثني يوسف بن يعقوب، عن عثمان بن محمد الأخنسي، قال: كان حصر عثمان قبل قدوم أهل مصر، فقدم أهل مصر يوم الجمعة، وقتلوه في الجمعة الأخرى.
وحدثني عبد الله بن أحمد المروزوي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن حرملة بن عمران، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، قال: وليَ قتلَ عثمان نهران الأصبحي، وكان قاتل عبد الله بن بسرة؛ وهو رجل من بني عبد الدار.
قال محمد بن عمر: وحدثني الحكم بن القاسم، عن أبي عون مولى المسور بن مخرمة، قال: مازال المصرّيون كافّين عن دمه وعن القتال؛ حتى قدمت أمداد العراق من البصرة ومن الكوفة ومن الشأم؛ فلما جاءوا شجعوا القوم؛ وبلغهم أنّ البعوث قد فصلت من العراق ومن مصر من عند ابن سعد؛ ولم يكن ابن سعد بمصر قبل ذلك؛ كان هاربًا قد خرج إلى الشأم، فقالوا: نعاجله قبل أن تقدم الأمداد.
قال محمد: وحدثني الزبير بن عبد الله، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: أشرف عثمان عليهم وهو محصور؛ وقد أحاطوا بالدّار من كلّ ناحية، فقال: أنشدكم بالله جلّ وعزّ؛ هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يخير لكم، وأن يجمعكم على خيركم! فما ظنّكم بالله! أتقولونه: لم يستجب لكم، وهنتم على الله سبحانه، وأنتم يومئذ أهل حقّه من خلقه، وجميع أموركم لم تتفرق! أم تقولون: هان على الله دينه فلم يبال من ولّاه، والدّين يومئذ يعبد به الله ولم يتفرّق أهله؛ فتوكّلوا أو تخذلوا، وتعاقبوا! أم تقولون: لم يدر الله ما عاقبة أمري؛ فكنت في بعض أمري محسنًا، ولأهل الدين رضًا، فما أحدثت بعد في أمري ما يسخط الله، وتسخطون مما لم يعلم الله سبحانه يوم اختارني وسربلني سربال كرامته! وأنشدكم بالله، هل تعلمون لي من سابقة خير وسلف خير قدّمه الله لي، وأشهدنيه من حقه! وجهاد عدوّه حقّ على كلّ من جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلها. فمهلًا، لا تقتلوني؛ فإنه لا يحلّ إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إسلامه، أو تقل نفسًا بغير نفس فيقتل بها؛ فإنكم إن قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم؛ ثم لم يرفعه الله عز وجل عنكم إلى يوم القيامة. ولا تقتلوني فإنكم إن قتلتموني لم تصلّوا من بعدي جميعًا أبدًا، ولم تقتسموا بعدي فيئًا جميعًا أبدًا، ولن يرفع الله عنكم الاختلاف أبدًا.
قالوا له: أمّا ما ذكرت من استخارةِ الله عز وجل الناس بعد عمر رضي الله عنه فيمن يولّون عليهم، ثم ولّوك بعد استخارة الله؛ فإنّ كلّ ما صنع الله الخيرة؛ ولكن الله سبحانه جعل أمرك بليّةً ابتلى بها عباده. وأما ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فإنك قد كنت ذا قدمٍ وسلفٍ، وكنت أهلًا للولاية؛ ولكن بدّلت بعد ذلك، وأحدثت ما قد علمت. وأما ما ذكرت مما يصيبنا إن نحن قتلناك من البلاء؛ فإنه لا ينبغي ترك إقامة الحقّ عليك مخافة الفتنة عامًا قابلًا. وأما قولك: إنه لا يحلّ إلّا قتل ثلاثة؛ فإنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سمّيت؛ قتل من سعى في الأرض فسادًا، وقتل من بغى ثم قاتل لعى بغيه، وقتل من حال دون شيء من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه؛ وقد بغيت، ومنعت الحقّ، وحلت دونه؛ وكابرت عليه؛ تأبى أن تقيد من نفسك من ظلمت عمدًا، وتمسّكت بالإمارة علينا وقد جرت في حكمك وقسمك! فإن زعمت أنك لم تكابرنا عليه، وأنّ الذين قاموا دونك ومنعوك منّا إنما يقاتلون بغير أمرك؛ فإنما يقاتلون لتمسّكك بالإمارة؛ فلو أنّك خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال دونك.
ذكر بعض سير عثمان بن عفان رضي الله عنه

حدثني زياد بن أيّوب، قال: حدثنا هشيم، قال: زعم أبو المقدام، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: دخلت المسجد؛ فإذا أنا بعثمان بن عفان متّكئًا على ردائه، فأتاه سقّاءان يختصمان، فقضى بينهما.
وفيما كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمارة بن القعقاع، عن الحسن البصري، قال: كان عمر بن الخطاب قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلّا بإذن وأجلٍ، فشكوه فبلغه، فقام فقال: ألا إنّي قد سننت الإسلام سنّ البعير؛ يبدأ فيكون جذعًا، ثم ثنيًّا، ثم رباعيًّا، ثم سديسًا، ثم بازلا، ألا فهل ينتظر بالبازل إلا النقصان! ألا فإنّ الإسلام قد بزل. ألا وإنّ قريشًا يريدون أن يتّخذوا مال الله معونات دون عباده، ألا فأما وابن الخطاب حي فلا؛ إني قائم دون شعب الحرّة، آخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: فلما ولي عثمان لم يأخذهم بالذي كان يأخذهم به عمر، فانساحوا في البلاد، فلما رأوها ورأوا الدنيا، ورآهم الناس، انقطع إليهم من لم يكن له طول ولا مزيّة في الإسلام؛ فكان مغمومًا في الناس، وصاروا أوزاعًا إليهم وأمّلوهم، وقتدّموا في ذلك فقالوا: يملكون فنكون قد عرفناهم، وتقدّمنا في التقرّب والانقطاع إليهم، فكان ذلك أوّل وهنٍ دخل على الإسلام؛ وأوّل فتنة كانت في العامّة، ليس إلا ذلك.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، قال: لم يمت عمر رضي الله عنه حتى ملّته قريش، وقد كان حصرهم بالمدينة، فامتنع عليهم، وقال: إنّ أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد؛ فإن كان الرجل ليستأذنه في الغزو - وهو ممن حبس بالمدينة من المهاجرين؛ ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة - فيقول: قد كان في غزوك مع رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) ما يبلّغك؛ وخير لك من الغزو اليوم ألّا ترى الدنيا ولا تراك، فلما ولي عثمان خلّى عنهم، فاضطربوا في البلاد، وانقطع إليهم الناس، فكان أحبّ إليهم من عمر.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشر بن الفضيل، عن سالم بن عبد الله، قال: لما ولي عثمان حجّ سنواته كلها إلا آخر حجّة، وحجّ بأزواج رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) كما كان يصنع عمر؛ فكان عبد الرحمن بن عوف في موضعه؛ وجعل في موضع نفسه سعيد بن زيد؛ هذا في مؤخّر القطار، وهذا في مقدّمه، وأمن الناس؛ وكتب في الأمصار أن يوافيه العمّال في كلّ موسم ومن يشكونهم. وكتب إلى الناس إلى الأمصار؛ أن ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، ولا يذلّ المؤمن نفسه، فإني مع الضعيف على القوي ما دام مظلومًا إن شاء الله. فكان الناس بذلك، فجرى ذلك إلى أن اتّخذه أقوامٌ وسيلةً إلى تفريق الأمة.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لم تمض سنة من إمارة عثمان حتى اتّخذ رجال من قريش أموالًا في الأمصار، وانقطع إليهم الناس، وثبتوا سبع سنين، كلّ قوم يحبّون أن يليَ صاحبهم. ثم إنّ ابن السوداء أسلم، وتكلّم وقد فاضت الدنيا، وطلعت الأحداث على يديه، فاستطالوا عمر عثمان رضي الله عنه.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عثمان بن حكيم ابن عبّاد بن حنيف، عن أبيه، قال: أوّل منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا، وانتهى وسع الناس طيران الحمام والرّمي على الجلاهقات، فاستعمل عليها عثمان رجلًا من بني ليث سنة ثمان، فقصّها وكسر الجلاهقات.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:52 PM
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله، عن عمرو بن شعيب، قال: أوّل من منع الحمام الطيّارة والجلاهقات عثمان؛ ظهرت بالمدينة فأمرّ عليها رجلًا، فمنعهم منها.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، عن أبيه نحوًا منه؛ وزاد: وحدث بين الناس النشو. قال: فأرسل عثمان طائفًا يطوف عليهم بالعصا، فمنعهم من ذلك، ثم اشتدّ ذلك فأفشى الحدود، ونبّأ ذلك عثمان، وشكاه إلى الناس، فاجتمعوا على أن يجلدوا في النبيذ، فأخذ نفر منهم فجلدوا.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر بن الفضيل، عن سالم بن عبد الله، قال: لما حدثت الأحداث بالمدينة خرج منها رجال إلى الأمصار مجاهدين، وليدنوا من العرب؛ فمنهم من أتى البصرة، ومنهم من أتى الكوفة، ومنهم من أتى الشام، فهجموا جميعًا من أبناء المهاجرين بالأمصار على مثل ما حدث في أبناء المدينة إلّا ما كان من أبناء الشام، فرجعوا جميعًا إلى المدينة إلّا من كان بالشام، فأخبروا عثمان بخبرهم؛ فقام عثمان في الناس خطيبًا، فقال: يا أهل المدينة؛ أنتم أصل الإسلام؛ وإنّما يفسد الناس بفسادكم، ويصلحون بصلاحكم؛ والله والله والله لا يبلغني عن أحد منكم حدث أحدثه إلّا سيّرته؛ ألا فلا أعرفنّ أحدًا عرض دون أولئك بكلام ولا طلب، فإنّ من كان قبلكم كانت تقطع أعضاؤهم دون أن يتكلم أحد منهم بما عليه ولا له. وجعل عثمان لا يأخذ أحدًا منهم على شرّ أو شهر سلاح: عصًا فما فوقها إلّا سيّره؛ فضجّ آباؤهم من ذلك حتى بلغه أنهم يقولون: ما أحدث التسيير إلّا أنّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) سيّر الحكم بن أبي العاص، فقال: إنّ الحكم كان مكيًّا، فسيّره رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) منها إلى الطائف، ثم ردّه إلى بلده؛ فرسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) سيّره بذنبه، ورسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) ردّه بعفوه. وقد سيّر الخليفة من بعده؛ وعمر رضي الله عنه من بعد الخليفة، وايمُ الله لآخذنّ العفو من أخلاقكم، ولأبذلنّه لكم من خلقي؛ وقد دنت أمور، ولا أحبّ أن تحلّ بنا وبكم؛ وأنا على وجلٍ وحذر، فاحذروا واعتبروا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد بن ثابت ويحيى بن سعيد، قالا: سأل سائل سعيد بن المسيّب عن محمد بن أبي حذيفة: ما دعاه إلى الخروج على عثمان؟ فقال: كان يتيمًا في حجر عثمان، فكان عثمان والي أيتام أهل بيته؛ ومحتمل كلّهم؛ فسأل عثمان العمل حين وُلّيَ، فقال: يا بني، لو كنت رضًا ثم سألتني العمل لاستعملتك، ولكن لست هناك! قال: فأذن لي فلأخرج فلأطلب ما يقوتني، قال: اذهب حيث شئت؛ وجهّزه من عنده، وحمله وأعطاه، فلما وقع إلى مصر كان فيمن تغيّر عليه أن منعه الولاية. قيل: فعمّار بن ياسر؟ قال: كان بينه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان، فأورث ذاك بين آل عمّار وآل عتبة شرًا حتى اليوم، وكنى عمّا ضربا عليه وفيه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد بن ثابت، قال: فسألت ابن سليمان بن أبي حثمة، فأخبرني أنه تقاذف.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر، قال: سألت سالم بن عبد الله عن محمد بن أبي بكر: ما دعاه إلى ركوب عثمان؟ فقال: الغضب والطمع، قلت: ما الغضب والطمع؟ قال: كان من الإسلام بالمكان الذي هو به، وغرّه أقوام فطمع. وكانت له دالّة فلزمه حقّ، فأخذه عثمان من ظهره، ولم يدهن؛ فاجتمع هذا إلى هذا، فصار مذمّما بعد أن كان محمّدا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشّر، عن سالم بن عبد الله، قال: لما ولّيَ عثمان لان لهم، فانتزع الحقوق انتزاعًا، ولم يعطّل حقًّا، فأحبّوه على لينه، فأسلمهم ذلك إلى أمر الله عز وجل.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سهل، عن القاسم، قال: كان مما أحدث عثمان فرضي به منه أنه ضرب رجلًا في منازعة استخفّ فيها بالعباس بن عبد المطلب، فقيل له، فقال: نعم، أيفخّم رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) عمّه، وأرخّص في الاستخفاف به! لقد خالف رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) من فعل ذلك، ومن رضي به منه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن رزيق بن عبد الله الرازي، عن علقمة بن مرثد، عن حمران بن أبان؛ قال: أرسلني عثمان إلى العباس بعد ما بويع، فدعوته إليه، فقال: مالك تعبّدتني! قال: لم أكن قطّ أحوج إليك مني اليوم، قال: الزم خمسًا؛ لا تنازعك الأمة خزائمها ما لزمتها، قال: وما هنّ؟ قال: الصبر عن القتل، والتحبّب، والصفح، والمداراة، وكتمان السرّ.
وذكر محمد بن عمر، قال: حدثني ابن أبي سبرة، عن عمرو بن أميّة الضمري، قال: إن قريشًا كان من أسنّ منهم مولعًا بأكل الخزيرة؛ وإني كنت أتعشّى مع عثمان خزيرًا من طبخ من أجود ما رأيت قطّ، فيها بطون الغنم، وأدمها اللبن والسمن، فقال عثمان: كيف ترى هذا الطعام؟ فقلت: هذا أطيب ما أكلت قطّ، فقال: يرحم الله ابن الخطّاب! أكلت معه هذه الخزيرة قطّ؟ قلت: نعم؛ فكادت اللقمة تفرث في يدي حين أهوي بها إلى فمي؛ وليس فيها لحم؛ وكان أدمها السمن ولا لبن فيها. فقال عثمان: صدقت، إنّ عمر رضي الله عنه أتعب والله من تبع أثره؛ وإنه كان يطلب بثنيه عن هذه الأمور ظلفًا. أما والله ما آكله من مال المسلمين؛ ولكني آكله من مالي؛ أنت تعلم أني كنت أكثر قريش مالًا، وأجدّهم في التجارة؛ ولم أزل آكل من الطعام ما لان منه؛ وقد بلغت سنًّا فأحبّ الطعام إلي ألينه؛ ولا أعلم لأحد علي في ذلك تبعةً.
قال محمد: وحدثني ابن أبي سبرة، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر، قال: كنت أفطر مع عثمان في شهر رمضان؛ فكان يأتينا بطعام هو ألين من طعام عمر، قد رأيت على مائدة عثمان الدرمك الجيّد وصغار الضأن كلّ ليلة؛ وما رأيت عمر قطّ أكل من الدقيق منخولا، ولا أكل من الغنم إلّا مسانّها، فقلت لعثمان في ذلك، فقال: يرحم الله عمر! ومن يطيق ما كان عمر يطيق! قال محمد: وحدثني عبد الملك بن يزيد بن السائب، عن عبد الله بن السائب، قال: أخبرني أبي، قال: أوّل فسطاط رأيته بمنىً فسطاط لعثمان، وآخر لعبد الله بن عامر بن كريز، وأوّل من زاد النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء عثمان، وأوّل من نخل له الدقيق من الولاة عثمان رضي الله عنه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: بلغ عثمان أنّ ابن ذي الحبكة النهدي يعالج نيرنجًا - قال محمد بن سلمة: إنما هو نيرج - فأرسل إلى الوليد بن عقبة ليسأله عن ذلك؛ فإن أقرّ به فأوجعه، فدعا به فسأله، فقال: إنما هو رفق وأمر يعجب منه؛ فأمر به فعزّر، وأخبر الناس خبره، وقرأ عليهم كتاب عثمان: إنه قد جدّ بكم، فعليكم بالجدّ؛ وإياكم والهزّال؛ فكان الناس عليه؛ وتعجّبوا من وقوف عثمان على مثل خبره، فغضب، فنفر في الذين نفروا، فضرب معهم، فكتب إلى عثمان فيه، فلما سيّر إلى الشأم من سيّر، سيّر كعب بن ذي الحبكة ومالك ابن عبد الله - وكان دينه كدينه - إلى دنباوند؛ لأنها أرض سحرة، فقال في ذلك كعب بن ذي الحبكة للوليد:
لعرمي لئن طردتني ما إلى التي ** طمعت بها من سقطتي لسبيل
رجوت رجوعي يا بن أروى ورجعتي ** إلى الحقّ دهرًا غال ذلك غول
وإنّ اغترابي في البلاد وجفوتي ** وشتمي في ذات الإله قليل
وإنّ دعائي كلّ يوم وليلة ** عليك بدنباوندكم لطويل
فلما ولي سعيد أقله، وأحسن إليه واستصلحه، فكفره، فلم يزدد إلا فسادًا. واستعار ضابىء بن الحارث البرجمي في زمان الوليد بن عقبة من قوم من الأنصار كلبًا يدعى قرحان، يصيد الظباء، فحبسه عنهم، فنافره الأنصاريون، واستغاثوا عليه بقومه فكاثروه، فانتزعوه منه وردّوه على الأنصار، فهجاهم وقال في ذلك:
تحشّم دوني وفد قرحان خطةً ** تضلّ لها الوجناء وهي حسير
فباتوا شباعًا ناعمين كأنما ** حباهم ببيت المرزبان أمير
فكلبكم لا تتركوا فهو أمّكم ** فإنّ عقوق الأمّهات كبير
فاستعدوا عليه عثمان، فأرسل إليه، فعزّره وحبسه كما كان يصنع بالمسلمين، فاستثقل ذلك، فما زال في الحبس حتى مات فيه. وقال في الفتك يعتذر إلى أصحابه:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ** فعلت وولّيت البكاء حلائله
وقائلة قد مات في السجن ضابىء ** ألا من لخصم لم يجد من يجادله!
وقائلة لا يبعد الله ضابئًا ** فنعم الفتى تخلو به وتحاوله
فلذلك صار عمير بن ضابىء سبئيًا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن المستنير، عن أخيه، قال: والله ما علمت ولا سمعت بأحد غزا عثمان رضي الله عنه، ولا ركب إليه إلّا قتل؛ لقد اجتمع بالكوفة نفر، فيهم الأشتر وزيد بن صوحان وكعب ابن ذي الحبكة وأبو زينب وأبو مورّع وكميل بن زياد وعمير بن ضابىء، فقالوا: لا والله لا يرفع رأس مادام عثمان على الناس؛ فقال عمير بن ضابىء وكميل بن زياد: نحن نقتله. فركبا إلى المدينة؛ فأما عمير فإنه نكل عنه، وأما كميل بن زياد فإنه جسر وثاوره؛ وكان جالسًا يرصده حتى أتى عليه عثمان، فوجأ عثمان وجهه، فوقع على استه، وقال: أوجعتني يا أمير المؤمنين! قال: أولست بفاتك! قال: لا والله الذي لا إله إلّا هو؛ فحلف وقد اجتمع عليه الناس، فقالوا: نفتّشه يا أمير المؤمنين، فقال: لا، قد زرق الله العافية، ولا أشتهي أن أطّلع منه على غير ما قال. وقال: إن كان كما قلت يا كميل فاقتدْ منّي - وجثا - فوالله ما حسبتك إلّا تريدني، وقال: إن كنت صادقًا فأجزل الله، وإن كنت كاذبًا فأذلّ الله. وقعد له على قدميه وقال: دونك! قال: قد تركت. فبقيا حتى أكثر الناس في نجائهما، فلمّا قدم الحجّاج قال: من كان من بعث المهلّب فليواف مكتبه؛ ولا يجعل على نفسه سبيلا. فقام إليه عمير، وقال: إني شيخ ضعيف، ولي ابنان قويّان؛ فأخرج أحدهما مكاني أو كليهما، فقال: من أنت؟ قال: أنا عمير بن ضابىء، فقال: والله لقد عصيت الله عز وجل منذ أربعين سنة؛ ووالله لأنكلّنّ بك المسلمين، غضبت لسارق الكلب ظالمًا، إنّ اباك إذ غل لهمّ؛ وإنّك هممت ونكلت، وإني أهمّ ثم لا أنكل. فضربت عنقه.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:53 PM
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، قال: حدثنا رجل من بني أسد، قال: كان من حديثه أنه كان قد غزا عثمان رضي الله عنه فيمن غزاه؛ فلما قدم الحجّاج ونادى بما نادى به، عرض رجل عليه ما عوض نفسه، فقبل منه، فلما ولّى قال أسماء بن خارجة: لقد كان شأن عمير مما يهمّني، قال: ومن عمير؟ قال: هذا الشيخ، قال:
ذكّرتني الطعن وكنت ناسيًا
أليس فيمن خرج إلى عثمان؟ قال: بلى، قال: فهل بالكوفة أحد غيره؟ قال: نعم، كميل، قال: علي بعمير، فضرب عنقه، ودعا بكميل فهرب؛ فأخذ النخع به، فقال له الأسود بن الهيثم: ما تريد من شيخ قد كفاكه الكبر! فقال: أما والله لتحبسنّ عني لسانك أو لأحسّنّ رأسك بالسيف. قال: أفعل. فلما رأى كميل ما لقي قومه من الخوف وهما ألفا مقاتل، قال: الموت خير من الخوف إذا أخيف ألفان من سبي وحرموا. فخرج حتى أتى الحجّاج، فقال له الحجّاج: أنت الذي أردت ثم لم يكشفك أمير المؤمنين، ولم ترض حتى أقعدته للقصاص إذ دفعك عن نفسه؟ فقال: على أي ذلك تقتلني! تقتلني على عفوه أو على عافيتي؟ قال: يا أدهم بن المحرز، اقتله؛ قال: والأجر بيني وبينك؟ قال: نعم، قال أدهم: بل الأجر لك؛ وما كان من إثم فعلي. وقال مالك بن عبد الله - وكان من المسيّرين:
مضت لابن أروى في كميل ظلامة ** عفاها له والمستقيد يلام
وقال له لا أقبح اليوم مثلةً ** عليك أبا عمرو وأنت إمام
رويدك رأسي والذي نسكت له ** قريش بنا على الكبير حرام
وللعفو أمن يعرف الناس فضله ** وليس علينا في القصاص أثام
ولو علم الفاروق ما أنت صانع ** نهى عنك نهيًا ليس فيه كلام
حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا علي بن محمد، عن سحيم بن حفص، قال: كان ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب شريك عثمان في الجاهليّة، فقال العباس بن ربيعة لعثمان: اكتب لي إلى ابن عامر يسلفني مائة ألف؛ فكتب، فأعطاه مائة ألف وصله بها، وأقطعه داره؛ دار العباس ابن ربيعة اليوم.
وحدثني عمر، قال: حدثنا علي، عن إسحاق بن يحيى، عن موسى ابن طلحة، قال: كان لعثمان على طلحة خمسون ألفًا فخرج عثمان يومًا إلى المسجد، فقال له طلحة: قد تهيّأ مالك فاقبضه، قال: هو لك يا أبا محمد معونةً لك على مروءتك..
وحدثني عمر، قال: حدثنا علي، عن عبد ربّه، عن نافع، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، قال: قال علي لطلحة: أنشدك الله إلّا رددت الناس عن عثمان! قال: لا والله حتى تعطي بنو أمية الحقّ من أنفسها.
وحدثني عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أبو بكر البكري، عن هشام بن حسان، عن الحسن؛ أنّ طلحة بن عبيد الله باع أرضًا له من عثمان بسبعمائة ألف، فحملها إليه، فقال طلحة: إنّ رجلا تتّسق هذه عنده وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله عز وجل لغرير بالله سبحانه! فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسمها حتى أصبح، فأصبح وما عنده منها درهم. قال الحسن: وجاء هاهنا يطلب الدينار والدرهم - أو قال: الصفراء والبيضاء.
وحجّ بالناس في هذه السنة - أعني سنة خمس وثلاثين - عبد الله بن عباس بأمر عثمان إياه بذلك؛ حدثني بذلك أحمد بن ثابت الرازي، عمّن حدثه، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر.
ذكر الخبر عن السبب الذي من أجله أمر عثمان ابن عباس أن يحج بالناس في هذه السنة

ذكر محمد بن عمر الواقدي أنّ أسامة بن زيد حدثه عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما حصر عثمان الحصر الآخر قال عكرمة: فقلت لابن عبّاس: أوكانا حصرين؟ فقال ابن عباس: نعم، الحصر الأوّل، حصر اثنتي عشرة - وقدم المصريون فلقيهم علي بذي خشب؛ فردّهم عنه؛ وقد كان والله علي له صاحب صدق، حتى أوغر نفس علي عليه؛ جعل مروان وسعيد وذووهما يحملونه على علي فيتحمّل؛ ويقولون: لو شاء ما كلّمك أحد؛ وذلك أن عليًّا كان يكلمه وينصحه ويغلظ عليه في المنطق في مروان وذويه، فيقولون لعثمان: هكذا يستقبلك وأنت إمامه وسلفه وابن عمّه وابن عمته؛ فما ظنّك بما غاب عنك منه! فلم يزالوا بعلي حتى أجمع ألّا يقوم دونه؛ فدخلت عليه اليوم الذي خرجت فيه إلى مكة، فذكرت له أنّ عثمان دعاني إلى الخروج فقال لي: ما يريد عثمان أن ينصحه أحدٌ؛ اتّخذ بطانة أهل غشّ ليس منهم أحد إلّا قد تسبّب بطائفة من الأرض يأكل خراجها ويستذلّ أهلها؛ فقلت له: إنّ له رحمًا وحقًّا؛ فإن رأيت أن تقوم دونه فعلت؛ فإنك لا تعذر إلا بذلك.
قال ابن عباس: فالله يعلم أنّي رأيت فيه الانكسار والرّقة لعثمان؛ ثم إني لأراه يؤتى إليه عظيم. ثم قال عكرمة: وسمعت ابن عباس يقول: قال لي عثمان: يا بن عباس، اذهب إلى خالد بن العاص وهو بمكة، فقل له: يقرأ عليك أمير المؤمنين السلام، ويقول لك: إني محصور منذك كذا وكذا يومًا، لا أشرب إلّا من الأجاج من داري، وقد منعت بئرًا اشتريتها من صلب مالي، رومة؛ فإنما يشربها الناس ولا اشرب منها شيئًا، ولا آكل إلّا مما في بيتي، منعت أن آكل مما في السوق شيئًا وأنا محصور كما ترى؛ فأمره وقل له: فليحجّ بالناس؛ وليس بفاعل؛ فإن أبي فاحجج أنت بالناس.
فقدمت الحجّ في العشر، فجئت خالد بن العاص، فقلت له ما قال لي عثمان، فقال لي: هل طاقة بعداوة من ترى؟ فأبى أن يحجّ وقال: فحجّ أنت بالناس: فأنت ابن عمّ الرجل؛ وهذا الأمر لا يفضي إلّا إليه - يعني عليًّا - وأنت أحقّ أن تحمل له ذلك، فحججت بالناس، ثم قفلت في آخر الشهر، فقدمت المدينة وإذا عثمان قد قتل؛ وإذا الناس يتواثبون على رقبة علي بن أبي طالب. فلما رآني علي ترك الناس، وأقبل علي فانتجاني، فقال: ما ترى فيما وقع؟ فإنه قد وقع أمر عظيم كما ترى لا طاقة لأحد به؛ فقلت: أرى أنه لا بدّ للناس منك اليوم؛ فأرى أنه لا يبايع اليوم أحدٌ إلّا اتّهم بدم هذا الرجل، فأبى إلّا أن يبايع فاتّهم بدمه.
قال محمد: فحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: قال لي عثمان رضي الله عنه: إني قد استعملت خالد بن العاص بن هشام على مكة؛ وقد بلغ أهل مكة ما صنع الناس؛ فأنا خائف أن يمنعوه الموقف فيأبى، فيقاتلهم في حرم الله جلّ وعزّ وأمنه. وإن قومًا جاءوا من كلّ فجّعميق، ليشهدوا منافع لهم؛ فرأيت أن أولّيك أمر الموسم. وكتب معه إلى أهل الموسم بكتاب يسألهم أن يأخذوا له بالحقّ ممن حصره. فخرج ابن عباس، فمرّ بعائشة في الصلصل؛ فقالت: يا بن عباس؛ أنشدك الله - فإنك قد أعطيت لسانًا إزعيلا - أن تخذّل عن هذا الرجل، وأن تشكّك فيه الناس؛ فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت، ورفعت لهم المنار، وتحلّبوا من البلدان لأمر قد حمّ؛ وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتّخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح، فإن يل يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر، قال: قلت يا أمّه لو حدث بالرّجل حدث ما فزع الناس إلّا إلى صاحبنا. فقالت: إيهًا عنك! إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك.
قال ابن أبي سبرة: فأخبرني عبد المجيد بن سهيل؛ أنه انتسخ رسالة عثمان التي كتب بها من عكرمة، فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى المؤمنين والمسلمين؛ سلام عليكم، فإنّي أذكّركم بالله جلّ وعزّ الذي أنعم عليكم وعلّمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر، وأراكم البيّنات، وأوسع عليكم من الرزق، ونصركم على العدوّ، وأسبغ عليكم نعمتع؛ فإنّ الله عز وجل يقول وقوله الحق: " وإن تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفَّار ".
وقال عز وجل: " يأيُّها الَّذين آمنوا اتَّقوا الله حقَّ تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون واعتصمموا بحبل الله جميعًا " إلى قوله: " لهم عذاب عظيم ". وقال وقوله الحقّ: " واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الَّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا ". وقال وقوله الحقّ: " يأيُّها الَّذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ " إلى قوله: " فضلًا من الله ونعمة والله عليم حكيم ". وقوله عز وجل: " إنَّ الَّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا " إلى " ولهم عذاب أليم ". وقال وقوله الحق: " فاتٌّقوا الله ما استطعم " إلى " فأولئك هم المفلحون ". وقال وقوله الحق ": " ولاتنقضوا الإيمان بعد توكيدها " إلى قوله: " ولنجزينَّ الَّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ". وقال وقوله الحق: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم " إلى " وأحسن تأويلًا ". وقال وقوله الحق: م " وعد الله الَّذين آمنوا منكم وعملوا الصَّالحات " إلى قوله: " ومن مكفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ". وقال وقوله الحق: " إنَّ الَّذين يبايعونك إنَّما يبايعون الله " إلى " فسيؤتيه أجرًا عظيمًا ".
أما بعد، فإنّ الله عز وجل رضي لكم السمع والطاعة والجماعة، وحذّركم المعصية والفرقة والاختلاف، ونبّأكم ما قد فعله الذين من قبلكم، وتقدّم إليكم فيه ليكون له الحجّة عليكم إن عصيتموه، فاقبلوا نصيحة الله عز وجل واحذروا عذابه؛ فإنكم لن تجدوا أمة هلكت إلّا من بعد أن تختلف؛ إلا أن يكون لها رأس يجمعها، ومتى ما تفعلوا ذلك لا تقيموا الصلاة جميعًا، وسلِّط عليكم عدوّكم، ويستحلّ بعضكم حرم بعض؛ ومتى يفعل ذلك لا يقم لله سبحانه دين، وتكونوا مشيعًا، وقد قال الله جلّ وعزّ لرسوله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg): " إنَّ الَّذين فرَّقوا دينهم وكانوا شعيًا لست منهم في شيء إنَّما أمرهم إلى الله ثمَّ ينبِّئهم بما كانوا يفعلون ". وإني أوصيكم بما أوصاكم الله، وأحذّركم عذابه؛ فإن شعيبًا http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) قال لقومه: " ويا قوم لا يجر منَّكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح " إلى قوله: " رحيم ودود ".
أما بعد؛ فإنّ أقوامًا ممن كان يقول في هذا الحديث، أظهروا للناس أنَّما يدعون إلى كتاب الله عز وجل والحقّ، ولا يريدون الدنيا ولا منازعة فيها؛ فلما عرض عليهم الحقّ إذا الناس في ذلك شتى؛ منهم آخذ للحقّ، ونازع عنه حين يعطاه؛ ومنهم تارك للحقّ ونازل عنه في الأمر، يريد أن يبتزّه بغير الحقّ؛ طال عليهم عمري، وراث عليهم. أملهم الإمرة؛ فاستعجلوا القدر؛ وقد كتبوا إليكم أنهم قد رجعوا بالذي أعطيتهم؛ ولا أعلم أني تركت من الذي عاهدتهم عليه شيئًا؛ كانوا زعموا أنهم يطلبون الحدود، فقلت: أقيموها على من علمتم تعدّاها في أحد، أقيموها على من ظلمكم من قريب أو بعيد. قالوا: كتاب الله يتلى، فقلت: فليتله من تلاه غير غال فيه بغير ما أنزل الله في الكتاب. وقالوا: المحروم يرزق، والمال يوفَّى ليستنّ فيه السنّة الحسنة، ولا يعتدي في الخمس ولا في الصدقة، ويؤمَّر ذو القوّة والأمانة، وتردُّ مظالم مالناس إلى أهلها؛ فرضيت بذلك واصطبرت له؛ وجئت نسوة مالنبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) محتى كلّمتهنّ، فقلت: ما تأمرنني؟ فقلن: تؤمِّر عمرو بن العاص وعبد الله بن قيس وتدع معاوية؛ فإنما أمّره أمير قبلك؛ فإنه مصلح لأرضه، راض به جنده؛ واردد عمرًا؛ فإنّ جنده راضون به، وامّره فليصلح أرضه؛ فكلّ ذلك فعلت. وإنه اعتدى علي بعد ذلك، وعدي على الحقّ.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:53 PM
كتبت إليكم وأصحابي الذين زعموا في الأمر؛ استعجلوا القدر، ومنعوا مني الصلاة، وحالوا بيني وبين المسجد، وابتزُّوا ما قدروا عليه بالمدينة.
كتبت إليكم كتابي هذا؛ موهم يخيّرونني إحدى ثلاث: إما يقيدونني بكلّ رجل أصبتهه خطأ أو صوابًا، غير متروك منه شيء؛ وإمّا أعتزل الأمر فيؤمِّرون آخر غيري، وإمّا يرسلون إلى من أطاعهم من الأجناد وأهل المدينة فيتبرّءون من الذي جعل الله سبحانه لي عليهم من السمع والطاعة. فقلت لهم: إمّا إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطيء وتصيب؛ فلم يستقد من أحد منهم؛ وقد علمت أنما يريدون نفسي؛ وأمّا أن أتبرأ من الإمارة فأن يكلبوني أحبّ إلي من أن أتبرّأ من عمل الله عز وجل وخلافته. وأما قولكم: يرسلون إلى الأجناد وأهل المدينة فيتبرءون من طاعتي؛ فلست عليكم بوكيل؛ ولم أكن استكرهتهم من مقبل على السمع والطاعة؛ ولكن أتوها طائعين، يبتغون مرضاة الله عز وجل وإصلاح ذات البين؛ ومن يكن إنما يريد وجه الله والدار الآخرة وصلاح الأمة وابتغاء مرضات الله عز وجل والسنّة الحسنة التي استنّ بها رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) والخليفتان من بعده رضي الله عنهما؛ فإنما يجزي بذلكم الله؛ وليس بدي جزاؤكم؛ ولو أعطيتكم الدنيا كلها لم يكن في ذلك ثم لدينكم، ولم يغن معنكم شيئًا، فاتقوا الله واحتسبوا ما عنده؛ فمن يرض بالنَّكث منكم فإني لا أرضاه له، ولا يرضي الله سبحانه أن تنكثوا عهده. وأما الذي يخيّرونني فإنما كله النزع والتأمير. فملكت نفسي ومن معي؛ ونظرت حكم الله وتغيير النعمة من الله سبحانه، وكرهت سنَّة السوء وشقاق الأمّة وسفك الدماء؛ فإني أنشدكم بالله والإسلام ألّا تأخذوا إلّا الحق وتعطوه مني وترك البغي على أهله، وخذوا بيننا بالعدل كما أمركم الله عز وجل، فإني أنشدكم الله سبحانه الذي جعل عليكم العهد والموازرة في أمر الله؛ فإنّ الله سبحانه قال وقوله الحق: " وأفووا بالعهد إنَّ العهد كان مسئولًا "، فإنّ هذه معذرة إلى الله ولعلكم تذكّرون.
أما بعد، فإني لا أبرىء نفسي، " إنّ النَّفس لأمَّارة بالسُّوء إلَّا ما رحم ربِّ إنَّ ربِّي غفور رحيم "، وإن عاقبت أقوامًا فما ابتغي بذلك إلّا الخير، وإني أتوب إلى الله عز وجل من كلّ عمل عملته، وأستغفره إنه لا يغفر الذنوب إلّا هو، إنّ رحمة ربي وسعت كلّ شيء، إنه لا يقنط من رحمة الله إلّا القوم الضَّالون، وإنه يقبل التَّوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون. أنا أسأل الله عز وجل أن يغفر لي ولكم، وأن يؤلّف قلوب هذه الأمة على الخير، ويكرّه إليها الفسق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيها المؤمنون والمسلمون.
قال ابن عباس: فقرأت هذا الكتاب عليهم قبل التَّروية بمكة بيوم.
قال: وحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن معبيد الله ابن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: دعاني عثمان، فاستعملني على الحجّ. قال: فخرجت إلى مكة، فأقمت للنّاس الحجّ، وقرأت عليهم كتاب عثمان إليهم؛ ثم قدمت المدينة وقد بويع لعلي.
ذكر الخبر عن الموضع الذي دفن فيه عثمان رضي الله عنه ومن صلي عليه وولى أمره بعد ما قتل إلى فرغ من أمره ودفنه

حدثني جعفر بن عبد الله المحمّدي، قال: حدثنا عمرو بن حمّاد وعلي ابن حسين، قالا: حدثنا حسين بن عيسى، عن أبيه، عن أبي ميمونة، عن أبي بشير العابدي، قال: نبذ عثمان رضي الله عنه ثلاثة أيام لا يدفن، ثم إن حكيم بن حزام القرشي ثم أحد بني أسد بن عبد العزّي، وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، كلّما عليًّا في دفنه، وطلبًا إليه أن يأذن لأهله في ذلك، ففعل، وأذن لهم علي، فلما سمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله؛ وهم يريدون به حائطًا بالمدينة، ياقل له: حشّ كوكب. كانت اليهود تدفن فيه موتاهم؛ فلما خرج به على الناس رجموا سريره، وهمّوا بطرحه، فبلغ ذلك عييًّا، فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفّنّ عنه، ففعلوا، فانطلق حتى دفن رضي الله عنه في حشّ كوكب؛ فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى أفضى به إلى البقيع؛ فأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتّصل ذلك بماقبرالمسلمين.
وحدثني جعفر، قال: حدثنا عمرو وعلي قالا: حدثنا حسين، عن أبيه، عن المجالد بن سعيد الهمداني، عن يسار بن أبي كرب، عن أبيه.
وكان أبو كرب عاملًا على بيت مال عثمان، قال: دفن عثمان رضي الله عنه بين المغرب والعتمة؛ ولم يشهد جنازته إلّا مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة، فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه، وأخذ الناس الحجارة وقالوا: نعثل نعثل! وكادت ترجم؛ فقالوا: الحائط الحائط؛ فدفن في حائط خارجًا.
وأما الواقدي فإنه ذكر أنّ سعد بن راشد حدثه عن صالح بن كيسان، أنه قال: لم قتل عثمان رضي الله عنه قال رجل: يدفن بدير سلع مقبرة اليهود، فقال حيكم بن حزام: والله لا يكون هذا أبدًا وأحد من ولد قصي حيُّ؛ حتى كاد الشرّ يلتحم، فقال ابن عديس البلوي: أيّها الشيخ، وما يضرّك أين يدفن! فقال حكيم بن حزام: لا يدفن إلا ببقيع الغرقد حيث دفن سلفه وفرطه؛ فخرج به حكيم بن حزام في أثني عشر رجلًا، وفيهم الزبير، فصلّى عليه حكيم بن حزام. قال الواقدي: الثبت عندنا أنه صلّى عليه جبير بن مطعم.
قال محمد بن عمر: وحدثني الضحّاك بن عثمان، عن مخرمة عن سليمان الوالبي، قال: قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة ضحوة، فلميقدروا على دفنه، وأرسلت نائلة ابنة الفارفصة إلى حويطب بن عبد العزَّي وجبير بن مطعم وأبي جهم بن حذيفة وحكيم بن حزام ونيار الأسلمي، فقالوا: إنّا لا نقدر أن نخرج به نهارًا، وهؤلاء المصريّون على الباب، فأمهلوا محتى كان بين المغرب والعشاء، فدخل القوم، فحيل بينهم وبينه، فقال أبو جهم: والله لا يحول بيني وبينه أحد إلامتّ دونه؛ احملوه، فحمل إلى البقيع؛ قال: وتبعتهم نائلة بسراج الستسرجته بالبقيع وغلام لعثمان، حتى انتهوا إلى نخلات عليها حائط؛ فدقّوا الجدار، ثم قبروه في تلك النَّخلات، وصلّى عليه جبير ابن مطعم، فذهبت نائلة تريد أن تتكلم، فزبرها القوم، وقالو: إنا نخاف عليه من هؤلاء الغوغاء أن ينبشوه، فرجعت نائلة إلى منزلها.
قال محمد: وحدثني معبد الله بن يزيد الهذلي، عن عبد الله بن ساعدة، قال: لبث عثمان بعد ما قتل ليلتين لا يستطيعون دفنه، ثم حمله أربعة: حكيم بن حزام، وجبير بن مطعم، ونيار بن مكرم، وأبو جهم بن حذيفة؛ فلما وضع ليصلَّي عيه، جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه، فيهم أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي، وأبو حيّة المازني، في عدّة؛ ومنعوهم أن يدفن بالبقيع؛ فقال أبو جهم: ادفنوه، فقد صلى الله عليه وملائكته، فقالوا لا والله، لا يدفن في مقابر المسلمين أبدًا، فدفنوه في حشّ كوكب. فلما ملكت بنو أميّة أدخلوا ذلك الحشّ في البقيع؛ فهو اليوم مقبرة بني أميّة.
قال محمد: وحدثني عبد الله بن موسى المخزومي، قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه أرادوا حزَّ رأسه، فوقعت عليه نائلة وأمّ النين، فمنعنهم، وصحن وضربن الوجوه، وخرقن ثيابهنّ، فقال ابن عديس: اتركوه؛ فأخرج عثمان ولم يغسل إلى البقيع، وأرادوا أن يصلّوا عليه في موضع الجنائز؛ فأبت الأنصار، وأقبل عمير بن ضابيء وعثمان موضوع على باب، فنزا عليه، فكسر ضلعًا من أضلاعه، وقال: سجنت ضابئًا حتى مات في السجن.
وحدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا أبو بكر ابن عبد الله بن أبي أويس، قال: حدثني عمّ جدّي الربيع بن مالك بن أبي عامر، عن أبيه، قال: كنت أحد حملة عثمان رضي الله عنه حين قتل: حملناه على باب، وإن رأسهع لتقرع الباب لإسراعنا به؛ وإنّ بنا من الخوف لأمرًا عظيمًا حتى واريناه في قبره في حشّ كوكب.
وأما سيف، فإنه روى فيما كتب به إلي السري، عن شعيب، عنه، عن أبي حارثة وأبي عثمان ومحمد وطلحة؛ أنّ عثمان لما قتل أرسلت نائلة إلى عبد الرحمن ابن عديس، فقالت له: إنك أمسّ القوم رحمًا، وأولاهم بأن تقوم بأمري؛ أغرب عنِّي هؤلاء الأموات. قال فشتمها وزجرها؛ حتى إذا كان في جوف الليل خرج مروان حتى أتي دار عثمان، فأتاه زيد بن ثابت وطلحة بن عبيد الله وعلي والحسن وكعب بن مالك وعامّة من ثمَّ من صحابه، فتوا في إلى موضع الجنائز صبيان ونساء؛ فأخرجوا عثمان فصلّى عليه مروان، ثمّ خرجوا به حتى انتهوا إلى البقيع، فدفنوه فيه مما يلي حشّ كوكب؛ حتى إذا أصبحوا أتوا أعبد عثمان الذين قتلوا معه فأخرجوهم فرأوهم فمنعوهم من أن يدفنوا، فأدخلوهم حشّ كوكب؛ فلما أمسوا خرجوا بعبدين منهم فدفنوهما إلى جنب عثمان، ومع كلّ واحد منهما خمسة نفر وامرأة؛ فاطمة أم إبراهيم بن عدي. ثم رجعوا فأتوا كنانة بن بشر، فقالوا: إنك أمسّ القوم بنا رحمًا، فأمر بهاتين الحيفيتين اللتين في الدار أن تخرجا، فكلّمهم في ذلك، فأبوا، فقال: أنا جار لآل عثمان من أهل مصر ومن لفّ لفهم، فأخرجوهما فارموا بهما؛ فجرّا بأرجلهما فرمى بهما على البلاط، فأكلتهما الكلاب؛ وكان لاعبدان اللذان قتلا يوم الدار يقال لهما نجيع وصبيح؛ فكان أسماهما الغالب على الرقيق لفضلهما وبلائهما؛ ولم يحفظ الناس اسم الثالث، ولم يغسل عثمان، وكفِّن في ثيابه ودمائه ولا غسل غلاماه.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبي قال: دفن عثمان رضي الله عنه من الليل، وصلّى عليه مروان بن الحكم، وخرجت ابنته تبكي في أثره، ونائلة ابنة الفرافصة، رحمهم الله.
ذكر الخبر عن الوقت الذي قتل فيه عثمان رضي الله عنه

اختلف في ذلك بعد إجماع جميعهم على أنه قتل في ذي الحجّة، فقال بعضهم: قتل لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين من الهجرة، فقال الجمهور منهم: قتل لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين.
ذكر الرواية بذلك عن بعض من قال إنه قتل في سنة ست وثلاثين: حدثني الحارث بن محمد، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد ابن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن عثمان بن محمد الأخنسي، قال الحارث: وحدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن يعقوب بن زيد، عن أبيه، قال: قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين بعد العصر، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة غير اثني عشر يومًا؛ وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.
وقال أبو بكر: أخبرنا مصعب بن عبد الله، قال: قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين بعد العصر.
وقال آخرون: قتل في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين لثماني عشرة ليلة خلت منه.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:54 PM
ذكر من قال ذلك
حدثني جعفر بن عبد الله، قال: حدثنا عمرو بن حماد وعلي، قالا: حدثنا حسن، عن أبيه، عن المجالد بن سعيد الهمداني، عن عامر الشعبي، أنه قال: حصر عثمان بن عفان رضي الله عنه في الدار اثنتين وعشرين ليلة، وقتل صبحة ثماني عشر ليلة مضت من ذي الحجّة سنة خمس وعشرين من وفاة رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg).
وحدثني أحمد بن ثابت الرازي، عمّن حدثه، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر، قال: قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلّا اثني عشر يومًا.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان، قالوا: قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين على رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرًا واثنين وعشرين يومًا من مقتل عمر رضي الله عنه.
وحدثّت عن زكرياء بن عدي، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن ابن عقيل، قال: قتل عثمان رضي الله عنه سنة خمس وثلاثين.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان ومحمد وطلحة، قالوا: قتل عثمان رضي الله عنه لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجّة يوم الجمعة في آخر ساعة.
وقال آخرون: قتل يوم الجمعة ضحوة.
ذكر من قال ذلك
ذكر عن هشام بن الكلبي، أنه قال: قتل عثمان رضي الله عنه صبيحة الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، فكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا ثمانية أيام.
حدثنا الحارث، عن ابن سعد، عن محمد بن عمر، قال: حدثني الضحاك بن عثمان؛ عن مخرمة بن سلمان الوالبي، قال: قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة ضحوة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين.
وقال آخرون: قتل في أيام التشريق.
ذكر من قال ذلك
حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبي أبو خيثمة، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: سمعت أبي قال: سمعت يونس بن زيد الأيلي، عن الزُّهري، قال: قتل عثمان رضي الله عنه، فزعم بعض الناس أنه قتل في أيام التشريق.
وقال بعضهم: قتل يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة.
ذكر الخبر عن قدر مدة حياته

اختلف السلف قبلنا في ذلك، فقال بعضهم كانت مدّة ذلك اثنتين وثمانين سنة.
ذكر من قال ذلك
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر؛ أنّ عثمان رضي الله عنه قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.
قال محمد بن عمر: وحدثني الضحاك بن عثمان، عن مخرمة بن سليمان الوالبي، قال: قتل عثمان رضي الله عنه وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.
قال محمد: وحدثني سعد بن راشد عن صالح بن كيسان، قال: قتل عثمان رضي الله عنه وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وأشهر.
وقال آخرون: قتل وهو ابن تسعين أو ثمان وثماني.
ذكر من قال ذلك
حدثت عن الحسن بن موسى الأشيب، قال: حدثنا أبو هلال؛ عن قتادة: أنّ عثمان رضي الله عنه قتل وهو ابن تسعين أو ثمان وثمانين سنة.
وقال آخرون: قتل وهو ابن خمس وسبعين سنة؛ وذلك قول ذكر عن هشام بن محمد.
وقال بعضهم: قتل وهو ابن ثلاث وستين، وهذا قول نسبه سيف بن عمر إلى جماعة. كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، أن أبا حارثة وأبا عثمان ومحمدًا وطلحة، مقالوا: قتل عثمان رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وقال آخرون: قتل وهو ابن ستّ وثمانين.
ذكر من قال ذلك
حدثني محمد بن موسى الحرشي، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، قال: قتل عثمان رضي الله عنه وهو ابن ستّ وثمانين.
ذكر الخبر عن صفة عثمان

حدثني زياد بن أيُّوب، قال: حدثنا هشيم، قال: زعم أبو المقدام، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: دخلت المسجد؛ فإذا أنا بعثمان رضي الله عنه متكئًا على ردائه، فنظرت إليه؛ فإذا رجل حسن الوجه؛ وإذا بوجهه نكتات من جدري؛ وإذا شعره قد كسا ذراعيه.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: سألت عمرو بن عبد الله بن عنبسة وعروة بن خالد بن عبد الله ابن عمرو بن عثمان وعبد الرحمن بن أبي الزناد عن صفة عثمان، فلم أر بينهم اختلافًا، قالوا: كان رجلًا ليس بالقصير ولا بالطويل، حسن الوجه، رقيق البشرة، كثّ اللحية عظيمها؛ أسمر اللون، عظيم الكراديس؛ عظيم ما بين المنكبين، كثير شعر الرأس، يصفّر لحيته.
وحدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا وهب بن جرير بن حازم، قال: سمعت أبي يقول: سمعت يونس بن يزيد الأيلي، عن الزُّهري، قال: كان عثمان رجلًا مربوعًا، حسن الشعر، حسن الوجه، أصلع أروح الرجلين.
ذكر الخبر عن وقت إسلامه وهجرته

حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: كان إسلام عثمان قديمًا قبل دخول رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) دار الأرقم. قال: وكان ممن هاجر من مكة إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية، ومعه فيهما جميعًا امرأته رقيّة بنت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg).
ذكر الخبر عما كان يكنى به عثمان بن عفان رضي الله عنه

حدثني الحارث بن محمد، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد ابن عمر أنّ عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما كان في الإسلام ولد له من رقيّة بنت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) غلام فسّماه عبد الله، واكتنى به، فكناه المسلمون أبا عبد الله؛ فبلغ عبد الله ستة سنين، فنقره ديك على عينه، فمرض فمات في جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة، فصلّى عليه رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، ونزل في حفرته عثمان رضي الله عنه.
وقال هشام بن محمد: كان يكنى أبا عمرو.
ذكر نسبه

هو عثمان بن عفان بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وأمه أروى ابنة كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأمّها أم حكيم بنت عبد المطلب.
ذكر أولاده وأزواجه

رقيّة وأم كلثوم ابنتا رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)؛ ولدت له رقيّة عبد الله.
وفاختة ابنة غزوان بن جابر بن نسيب بن وهيب بن زيد بن مالك ابن عبد بن عوف بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر. ولدت له ابنًا فسماه عبد الله؛ وهو عبد الله الأصغر، هلك.
وأمّ عمرو بنت جندب بن عمرو بن حممة بن الحارث بن رفاعة بن سعد بن ثعلبة بن لؤي بن عامر بن غنم بن دهمان بن منهب بن دوس، من الأزد؛ ولدت له عمرًا وخالدًا وأبانًا وعمر ومريم.
وفاطمة ابنة الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ولدت له الوليد وسعيدًا وأمَّ سعيد، بني عثمان.
وأمّ البنين بنتعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري؛ ولدت له عبد الملك بن عثمان، هلك.
ورملة ابنة شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي؛ ولدت له عائشة وأمّ أبان وأمّ عمرو، بنات عثمان.
ونائلة ابنة الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن كلب؛ ولدت له مريم ابنة عثمان.
وقال هشام بن الكلبي: ولدت أمّ البنين بنت عيينة بن حصن لعثمان عبد الملك وعتبة. وقال أيضًا: ولدت نائلة عنبسة.
وزعم الواقدي أن لعثمان ابنة تدعى أمّ البنين بنت عثمان من نائلة، قال: وهي التي كانت عند عبد الله بن يزيد بن أبي سفيان.
وقتل عثمان رضي الله عنه وعنده رملة ابنة شيبة ونائلة وأمّ البنين بنت عيينة وفاختة ابنة غزوان؛ غير أنه - فيما زعم علي بن محمد - طلَق أمّ البنين وهو محصور.
فهؤلاء أزواجه اللواتي كنّ له في الجاهليّة والإسلام وأولاده: رجالهم ونساؤهم.
ذكر أسماء عمال عثمان رضي الله عنه في هذه السنة على البلدان

قال محمد بن عمر: قتل عثمان رضي الله عنه وعمّاله على الأمصار - فيما حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد - على مكة عبد الله بن الحضرمي، وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثَّقفي، وعلى صنعاء يعلي بن منية، وعلى

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:54 PM
الجند عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى البصرة عبد الله بن عامر بن كريز - خرج منها فلم يولِّ عليها عثمان أحدًا - وعلى الكوفة سعيد بن العاص - أخرج منها فلم يترك يدخلها - وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح - قدم على عثمان، وغلب محمد بنأبي حذيفة عليها. وكان عبد الله بن سعد استخلف على مصر السائب ابن هشام بن عمرو العامري، فأخرجه محمد بن أبي حذيفة - وعلى الشأم معاوية ابن أبي سفيان. وفيما كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان، قالا: مات عثمان رضي الله عنه وعلى الشأم معاوية، وعامل معاوية على حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعلى قنَّسرين حبيب بن مسلمة، وعلى الأردنّ أبو الأعور بن سفيان، وعلى فلسطين علقمة بن حكيم الكناني، وعلى البحر عبد الله بن قيس الفزاري. وعلى القضاء أبو الدرداء.
وتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عطيّة، قال: مات عثمان رضي الله عنه وعلى الكوفة رضي الله عنه وعلى الكوفة، على صلاتها أبو موسى، وعلى خراج السَّواد جابر بن عمرو المزني - وهو صاحب المسنَاة إلى جانب الكوفة - وسماك الأنصاري.
وعلى حربها القعقاع بن عمرو، وعلى قرقيسياء جرير بن عبد الله، وعلى أذربيجان الأشعث بن قيس، وعلى حلوان عتيبة بن النَّهَاس، وعلى ماه مالك بن حبيب، وعلى همذان النُّسير، وعلى الري سعيد بن قيس، وعلى إصبهان السائب بن الأقرع، وعلى ما سبذان حبيش، وعلى بيت المال عقبة ابن عمرو. وكان على قضاء عثمان يومئذ زيد بن ثابت.
ذكر بعض خطب عثمان رضي الله عنه

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن القاسم بن محمد، عن عون بن عبد الله بن عتبة، قال: خطب عثمان الناس بعدما بويع، فقال:
أمَّا مبعد؛ فإني قد حمِّلت وقد قبلت؛ ألا وإني متّبع ولست بمتبتدع؛ ألا وإنّ لكم علي بعد كتاب الله عز وجل وسنَّة نبيه http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) ثلاثًا: اتّباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم، وسنُّ سنة أهل الخير فيما لم تسنُّوا عن ملإ، والكفّ عنكم إلّا فيما استوجبتم. ألا وإن الدنيا خضرة قد شهّيت إلى الناس، ومال إليها كثير منهم، فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها، فإنها ليست بثقة، واعلموا أنها غير تاركة إلا من تركها.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن بدر بن عثمان، عن عمّه، قال: آخر خطبة خطبها عثمان رضي الله عنه في جماعة: إن الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها؛ إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى، فلا تبطرنَّكم الفانية، ولا تشغلنَّكم عن الباقية، فآثروا ما يبقى على ما يفنى؛ فإنّ الدنيا منقطعة؛ وإنّ المصير إلى الله. اتّقوا الله جلّ وعزّ؛ فإن تقواه جنّة من بأسه، ووسيلة عنده؛ واحذروا من الله الغير، والزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا، " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا ".
إلى آخر القصّة.
ذكر الخبر عمن كان يصلي بالناس في مسجد رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) حين حصر عثمان

قال محمد بن عمر: حدثني ربيعة بن عثمان: جاء المؤذن، سعد القرظ إلى علي بن أبي طالب في ذلك اليوم، فقال: من يصلّي بالناس؟ فقال علي: ناد خالد بن زيد، فنادى خالد بن زيد، فصلّى بالناس - فإنه لأوّل يوم عرف أن أبا أيُّوب خالد بن زيد - فكان يصلّي بهم أيامًا، ثم صلى علي بعد ذلك بالناس.
قال محمد: وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: جاء المؤذّن إلى عثمان فآذنه بالصّلاة، فقال: لا أنزل أصلّي؛ اذهب إلى من يصلي. فجاء المؤذن إلى علي، فأمر سهل بن حنيف، فصلّى اليوم الذي حصر فيه عثمان الحصر الآخر؛ وهو ليلة رثى هلال ذي الحجّة، فصلى بهم؛ حتى إذا كان يوم العيد صلى علي العيد، ثم صلى بهم حتى قتل رضي الله عنه.
قال: وحدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: لما حصر عثمان صلى بالناس أبو أيُّوب أيامًا، ثم صلى بهم علي الجمعة والعيد، حتى قتل رضي الله عنه.
ذكر ما رثي به من الأشعار

وتقاول الشعراء بعد مقتله فيه؛ فمن مادح وهاج، فمن مادح وهاج، ومن نائح باك، ومن سار فرح؛ فكان ممّن يمدحه حسّان بن ثابت وكعب بن مالك الأنصاريّان وتميم بن أبي بن مقبل في آخرين غيرهم. مما مدحه به وبكاه حسان وهجا به قاتله:
أتركتم غزو الدُّروب وراءكم ** وغزوتمونا عند قبر محمَّد!
فلبئس هدى المسلمين هديتم ** ولبئس أمر الفاجر المتعمِّد!
إن تقدموا نجعل قرى سرواتكم ** حول المدينة كلَّ لين مذود
أو تدبروا فلبئس مما سافرتم ** ولمثل أمر أميركم لم يرشد
وكأن أصحاب النبِّي عشيَّة ** بدن تذبَّح عند باب المسجد
أبكى أبا عمرو لحسن بلائه ** أمسى مقيمًا في بقيع الغرقد
وقال أيضًا:
إن تمس دار ابن أروى منه خاوية ** باب صريع وباب محرق خرب
فقد يصادف باغي الخير حاجته ** فيها ويهوى إليها الذِّكر والحسب
يأيُّها الناس أبدوا ذات أنفسكم ** لا يستوي الصدق عند الله والكذب
قوموا بحقِّ مليك الناس تعترفوا ** بغارة عصب من خلفها عصب
فيهم حبيب شهاب الموت يقدمهم ** مستلئمًا قال بدا في وجهه الغضب
وله فيه أشعار كثيرة. وقال كعب بن مالك الأنصاري:
يا للرِّجال للبِّك المخطوف ** ولدمعك المترقرق المنزوف
ويح لأمر قد أتاني رائع ** هدَّ الجبال فانقضت برجوف
قتل الخليفة كان أمرًا مفظعًا ** قامت لذاك بليَّة التخويف
قتل الإمام له النجوم خواضع ** والشمس بازغة له بكسوف
يا لهف نفسي إذ تولَّوا غدوة ** بالنعش فوق عواتق وكتوف!
ولَّوا ودلَّوا في الضَّريح أخاهم ** ماذا أجنَّ ضريحه المسقوف!
من نائل أو سودد وحمالة ** سبقت له في الناس أو معروف
كم من يتيم كان جبر عظمه ** أمسى بمنزله الضَّياع يطوف
مازال يقبلهم ويرأب ظلمهم ** حتى سمعت برنَّة التَّلهيف
أمسى مقيمًا بالبقيع وأصبحوا ** متفرِّقين قد أجمعوا بخفوف
النار موعدهم بقتل إمامهم ** عثمان ظهرا في البلاد عفيف
النار موعدهم بقتل إمامهم ** عثمان ظهرًا في البلاد، عفيف
جمع الحمالة بعد حلم راجح ** والخير فيه مبيَّن معروف
يا كعب لا تنفك تبكي مالكًا ** ما دمت حيًّا في البلاد تطوف
فأبكى أبا عمرو عتيقًا واصلًا ** ولواءهم إذ كان غير سخيف
وليبكه عند الحفاظ لمعظم ** والخيل بين مقانب وصفوف
قتلوك يا عثمان غير مدنَّس ** قتلًا لعمرك واقفًا بسقيف
وقال حسَّان:
من سرَّه الموت صرفًا لا مزاج له ** فليأت مأسدة في دار عثمانا
مستشعري حلق الماذي قد شفعت ** قبل المخاطيم بيض زان أبدانا
صبرًا فدىً لكم أمي وما ولدت ** قد ينفع الصَّبر في المكروه أحيانًا
فقد رضينا أهل الشأم نافرة ** وبالأمير وبالإخوان إخوانا
إنِّي لمنهم وإن غابوا وإن شهدوا ** ما دمت حيًّا وما مّيت حسَّانا
لتسمعنَّ وشيكًا في ديارهم ** الله أكبر يا ثارات عثمانا
يا ليت شعري وليت الطير تخبرني ** ما كان شأن علي وابن عفانا!
وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط يحرّض عمارة بن عقبة:
ألا إنَّ خير الناس بعد ثلاثة ** قتيل التُّجيبي الذي جاء من مصر
فإن يك ظنِّي بابن أمِّي صادقًا ** عمارة لا يطلب بذحل ولا وتر
يبيت وأوتار ابن عفان عنده ** مخيمة بين الخورنق والقصر

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:55 PM
فأجابه الفضل بن عباس:
أتطلب ثأرًا لست منه ولا له ** وأين ابن ذكوان الصَّفوري من عمرو!
كما اتَّصلت بنت الحمار بأمِّها ** وتنسى أباها إذ تسامى أولى الفخر
ألا إنَّ خير الناس بعد محمَّد ** وصلىّ النَّبي المصطفى عند ذي الذِّكر
وأوَّل من صلّى وصنو نبيّه ** وأوَّل من أردى الغواة لدى بدر
فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمِّكم ** لكانوا له من ظلمه حاضري النَّصر
كفى ذاك عيبًا أن يشيروا بقتله ** وأن يسلموه للأحابيش من مصر
وقال الحباب بن يزيد المجاشعي، عمّ الفرزدق:
لعمر أبيك فلا تجز عن ** لقد ذهب الخير إلّا قليلًا
لقد سفه الناس في دينهم ** وخلى ابن عفان شرًّا طويلًا
أعاذل كلُّ امرىء هالك ** فسيرى إلى الله سيرًا جميلًا
خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

وفي هذه السنة بويع لعلي بن أبي طالب بالمدينة بالخلافة
ذكر الخبر عن بيعة من بايعه والوقت الذي بويع فيه

اختلف السلف من أهل السِّير في ذلك، فقال بعضهم: سأل عليًّا أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) أن يتقلّد لهم وللمسلمين، فأبى عليهم؛ فلما أبوا عليه، وطلبوا إليه، تقلد ذلك لهم.
ذكر الرواية بذلك عمن رواه
حدثني جعفر بن عبد الله ما لمحمّدي، قال: حدثنا عمرو بن حمّاد وعلي ابن حسين، قالا: حدثنا حسين عن أبيه، عن عبد الملك بن أبي سليمان الفزاري، عن سالم بن أبي الجعد الأشجعي، عن محمّد الحنفيّة، قال: كنت مع أبي حين قتل عثمان رضي الله عنه، فقام فدخل منزله، فأتاه أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فقالوا: إنّ هذا الرجل قد قتل، ولا بدّ الناس من إمام، ولا نجد اليوم أحدًا أحقَّ بهذا الأمر منك؛ لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg). فقال: لا تفعلوا، فإني أكون وزيرًا خير من أن أكون أميرًا؛ فقالوا: لا، والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك؛ قال: ففي المسجد، فإنّ بيعتي لا تكون حفيًّا، ولا تكون إلّا عن رضا المسلمين. قال سالم بن أبي الجعد: فقال عبد الله بن عباس: فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب عليه؛ وأبى هو إلا المسجد، فلمّا دخل دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه، ثم بايعوه الناس.
وحدثني جعفر، قال: حدثنا عمرو وعلي، قالا: حدثنا حسين، عن أبيه، عن أبي ميمونة، عن أبي بشير العابدي، قال: كنت بالمدينة حين قتل عثمان رضي الله عنه، واجتمع المهاجرون والأنصار، فيهم طلحة والزُّبير، فأتوا عليًّا فقالوا: يا أبا حسن؛ هلمّ نبايعك، فقال: لا حاجة لي في أمركم، أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به، فاختاروا والله فقالوا: ما نختار غيرك؛ قال: فاختلفوا إليه بعد ما قتل عثمان رضي الله عنه مرارًا، ثمّ أتوه في آخر ذلك، فقالوا له: إنه لا يصلح الناس إلّا بإمرة، وقد طال الأمر، فقال لهم: إنكم قد اختلفتم إلي وأتيتم، وإنّي قائل لكم قولًا إن قبلتموه قبلت أمركم، وإلّا فلا حاجة لي فيه. قالوا: ما قلت من شيء قبلناه إن شاء الله. فجاء فصعد المنبر، فاجتمع الناس إليه، فقال: إني قد كنت كارهًا لأمركم، فأبيتم إلّا أن أكون عليكم؛ ألا وإنه ليس لي أمر دونكم، إلّا أن مفاتيح ما لكم معي، ألا وإنه ليس لي أن آخذ منه درهمًا دونكم، رضيتم؟ قالوا: نعم؛ قال: اللهمّ اشهد عليهم، ثمّ بايعهم على ذلك.
قال أبو بشير: وأنا يومئذ عند منبر رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) قائم أسمع ما يقول.
وحدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: أخبرنا أبو بكر الهذلي، عن أبي المليح، قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه، خرج علي إلى السوق، وذلك يوم السبت لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، فاتّبعه الناس وبهشوا في وجهه، فدخل حائط بني عمرو بن مبذول، وقال لأبي عمرة بن عمرو بن محصن: أغلق الباب، فجاء الناس فقرعوا الباب، فدخلوا، فيهم طلحة والزّبير، فقالا: يا علي ابسط يدك. فبايعه طلحة والزّبير، فنظر حبيب بن ذؤيب إلى طلحة حين بايع، فقال: أوّل من بدأ بالبيعة يد شلّاء؛ لا يتمّ هذا الأمر! وخرج عليٌّ إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار وطاق وعمامة خزّ، ونعلاه في يده، متوكئًا على قوس؛ فبايعه الناس. وجاءوا بسعد، فقال علي: بايع، قال: لا أبايع حتى يبايع الناس، والله ما عليك مني بأس؛ قال: خلّوا سبيله. وجاءوا بابن عمر، فقال: بايع، قال: لا أبايع حتى يبايع الناس، قال: ائتني بحميل، قال: لا أرى حميلًا، قال الأشتر: خلِّ عنّي أضرب عنقه، قال علي: دعوه، أنا حميله، إنك - ما علمت - لسيِّيء الخلق صغيرًا وكبيرًا.
وحدثني محمد بن سنان القزّاز، قال: حدثنا إسحاق بن إدريس، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حميد، عن الحسن، قال: رأيت الزبير ابن العوّام بايع عليًا في حشّ من حشّان المدينة.
وحدثني أحمد بن زهير، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا وهب ابن جرير، قال: سمعت أبي، قال: سمعت يونس بن يزيد الأيلي، عن الزُّهري، قال: بايع الناس علي بن أبي طالب، فأرسل إلى الزبير وطلحة فدعاهم إلى البيعة، فتلكّأ طلحة، فقام مالك الأشتر وسلّ سيفه وقال: والله لتبايعنّ أو لأربنّ به ما بين عينيك، فقال طلحة: وأين المهرب عنه! فبايعه، وبايعه الزبير والناس. وسأل طلحة والزّبير أن يؤمّرهما على الكوفة والبصرة، فقال: تكونان عندي فأتحمَّل بكما، فإني وحش لفراقكما. قال الزهري: وقد بلغنا أنه قال لهما: إن أحببتما أن تبايعا لي وإن أحببتما بايعتكما، فقالا: بل نبايعك؛ وقالا بعد ذلك: إنما صنعنا ذلك خشية على أنفسنا، وقد عرفنا أنه لم يكن ليبايعنا. فظهرا إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر.
وحدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو مخنف، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سالم بن أبي الجعد، عن محمد بن الحنفيَّة، قال: كنت أمسي مع أبي حين قتل عثمان رضي الله عنه حتى دخل بيته، فأتاه ناس من أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فقالوا: إنّ هذاالرجل قد قتل، ولا بدّ من إمام للناس، قال: أو تكون شورى؟ قالوا: أنت لنا رضًا، قال: فالمسجد إذًا يكون عن رضًا من الناس. فخرج إلى المسجد فبايعه من بايعه؛ وبايعت الأنصار عليًّا إلّا نفيرًا يسيرًا، فقال طلحة: ما لنا من هذا الأمر إلا كحسَّة أنف الكلب.
وحدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: أخبرنا شيخ من بني هاشم، عن عبد الله بن الحسن، قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه بايعت الأنصار عليًّا إلّا نفيرًا يسيرًا، منهم حسّان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومسلمة بن مخلَّد، وأبو سعيد الخدري، ومحمد بن مسلمة، والنعمان بن بشير، وزيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وفضالة بن عبيد، وكعب بن عجرة، كانوا عثمانيّة. فقال رجل لعبد الله بن حسن: كيف أبي هؤلاء بيعة علي! وكانوا عثمانية. قال: أما حسّان فكان شاعرًا لا يبالي ما يصنع؛ وأما زيد ابن ثابت فولّاه عثمان الديوان وبيت المال، فلما حصر عثمان؛ قال: يا معشر الأنصار، كونوا أنصارًا لله.. مرّتين، فقال أبو أيُّوب: ما تنصره إلا أنه أكثر لك من العضدان. فأما كعب بن مالك فاستعمله على صدقة مزينة وترك ما أخذ منهم له.
قال: وحدثني من سمع الزهري يقول: هرب قوم من المدينة إلى الشام ولم يبايعوا عليًّا، ولم يبايعه قدامة بن مظعون، وعبد الله بن سلام، والمغيرة بن شعبة. وقال آخرون: إنما بايع طلحة والزبير عليًّا كرهًا.
وقال بعضهم: لم يبايعه الزبير.
ذكر من قال ذلك
حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان؛ قال: حدثني عبد ه، عن جرير بن حازم، قال: حدثني هشام ابن أبي هشام مولى عثمان بن عفان، عن شيخ من أهل الكوفة، يحدثه عن شيخ آخر، قال: حصر عثمان وعلي بخيبر، فلما قدم أرسل إليه عثمان يدعوه، فانطلق، فقلت: لأنطلقنّ معه ولأسمعنّ مقالتهما، فلما دخل عليه كلّمه عثمان، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّ لي عليك حقوقًا؛ محقّ الإسلام، وحقّ الإخاء - وقد علمت أن رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) حين آخى بين الصحابة آخى بيني وبينك - وحقّ القرابة والصِّهر، وما جعلت لي في عنقك من العهد والميثاق، فوالله لو لم يكن من هذا شيء ثم كنّا إنما نحن في جاهليّة، لكان مبطَّأ على بني عبد مناف أن يبتزّهم أخو بني تيم ملكهم.
فتكلم عليٌّ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فكلّ ما ذكرت من حقّك عليَّ على ما ذكرت، أمّا قولك: لو كنا في جاهليّة لكان مبطَّأ على بني عبد مناف أن يبتزّهم أخو بني تيم ملكهم فصدقت، وسيأتيك الخبر. ثمّ خرج فدخل المسجد فرأى أسامة جالسًا، فدعاه، فاعتمد على يده، فخرج يمشي إلى طلحة وتبعته، فدخلنا دار طلحة بن عبيد الله وهي دحاس من الناس، فقام إليه، فقال: يا طلحة، ما هذا الأمر الّذي وقعت فيه؟ فقال: يا أبا حسن، بعد ما مسّ الحزام الطبيين! فانصرف علي ولم يحر إليه شيئًا حتى أتى بيت المال، فقال: افتحوا هذا الباب، فلم يقدر على المفاتيح، فقال: اكسروه؛ فكسر باب بيت المال، فقال: أخرجوا المال، فجعل بعطي الناس فبلغ الذين في دار طلحة الذي صنع علي، فجعلوا يتسلّلون إليه حتى ترك طلحة وحده. وبلغ الخبر عثمان، فسرّ بذلك، ثمّ أقبل طلحة يمشي عائدًا إلى دار عثمان، فقلت: والله لأنظرنّ ما يقول هذا؛ فتبعته، فاستأذن على عثمان، فلمّا دخل عليه قال: يا أمير المؤمنين، أستغفر الله وأتوب إليه، أردت أمرًا فحال الله بيني وبينه، فقال عثمان: إنك والله ما جئت تائبًا، ولكنك جئت مغلوبًا، الله حسيبك يا طلحة! وحدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه، عن سعد، قال: قال طلحة: بايعت والسيف فوق رأسي - فقال سعد: لا أدري والسيف على رأسه أم لا، إلّا أني أعلم أنه بايع كارهًا - قال وبايع الناس عليًّا بالمدينة، وتربّص سبعة نفر فلم يبايعوه؛ منهم: سعد بن أبي وقّاص، ومنهم ابن عمر، وصهيب، وزيد بن ثابت، ومحمد ماب مسلمة، وسلمة بن وقش، وأسامة بن زيد، ولم يتخلَّف أحد من الأنصار إلّا بايع فيما نعلم.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:56 PM
وحدثنا الزبير بن بكّار، قال: حدثني عمي مصعب بن عبد الله، قال: حدثني أبي عبد الله بن مصعب، عن موسى بن عقبة، عن أبي حبيبة مولى الزبير، قال: لما قتل الناس عثمان رضي الله عنه وبايعوا عليًّا، جاء عليٌّ إلى الزبير فاستأذن عليه، فأعلمته به، فسلّ السيف ووضعهتحت فراشه، ثم قال: ائذن له، فأذنت له، فدحل فسلّم على الزبير وهو واقف بنحره، ثمّ خرج. فقال الزبير، لقد دخل المرء ما أقصاه، قم في مقامه فانظر هل ترى من السيف شيئًا؟ فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف، فأخبرته فقال: ذاك أعجل الرجل. فلما خرج علي سأله الناس، فقال: وجدت أبرّ ابن أخت وأوصله. فظنّ الناس خيرًا، فقال علي: إنه بايعه.
ومما كتب به إلي السري، عن شعيب، عن سيف بن عمر، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سواد بن نويرة، وطلحة بن الأعلم، وأبو حارثة، وأبو عثمان، قالوا: بقيت المدينة بعد قتل عثمان رضي الله عنه خمسة أيام، وأميرها الغافقي بن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه، يأتي المصريّون عليًّا فيختبىء منهم ويلوذ بحيطان المدينة، فإذا لقوه باعدههم وتبرّأ منهم ومن مقالتهم مرّة بعد مرّة؛ ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه، فأرسلوا إليه حيث هو رسلًا، فباعدهم وتبرّأ من مقالتهم؛ ويطلب البصريّون طلحة فإذا لقيهم باعدهم وتبرّأ من مقالتهم؛ مرّة بعد مرّة؛ وكانوا مجتمعين على قتل عثمان مختلفين فيمن يهوون، فلما لم يجدوا ممالئًا ولا مجيبًا جمعهم الشرّ على أولّ من أجابهم، وقالوا: لا نولّى أحدًا من هؤلاء الثلاثة، فبعثوا إلى سعد بن أبي وقّاص وقالوا: إنك من أهل الشورى فرأينا فيك مجتمع، فاقدم نبايعك، فبعث إليهم: إني وابن عمر خرجنا منها فلا حاجة لي فيها على حال؛ وتمثّل:
لا تخلطنَّ خبيثات بطيِّبة ** واخلع ثيابك منها وانج عريانا
ثمّ إنهم أتوا ابن عمر عبد الله، فقالوا: أنت ابن عمر فقم بهذا الأمر، فقال: إنّ لهذا الأمر انتقامًا والله لا أتعرّض له، فالتمسوا غيري. فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون والأمر أمرهم.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، قال: كانوا إذا لقوا طلحة أبى وقال:
ومن عجب الأيام والدّهر أنني ** بقيت وحيدًا لا أمرّ ولا أحلي
فيقولون: إنّك لتوعدنا. فيقومون فيتركونه، فإذا لقوا الزبير وأرادوه أبى وقال:
متى أنت عن دار بفيحان راحل ** وباحتها تخنو عليك الكتائب
فيقولون: إنك لتوعدنا! فإذا لقوا عليًّا وأرادوه أبى، وقال:
لو أنّ قومي طاوعتني سراتهم ** أمرتهم أمرًا يديخ الأعاديا
فيقولون: إنك لتوعدنا! فيقومون ويتركونه.
وحدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن المدائني، قال: أخبرنا مسلمة بن محارب، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه أتى الناس عليًّا وهو في سوق المدينة، وقالوا له: ابسط يدك نبايعك، قال: لا تعجلوا فإنّ عمر كان رجلًا مباركًا، وقد أوصى بها شورى، فأمهلوا يجتمع الناس ويتشاورون. فارتدّ الناس عن علي؛ ثم قال بعضهم: إن رجع الناس إلى أمصارهم بقتل عثمان ولم يقم بعده قائم بهذا الأمر لم نأمن اختلاف الناس وفساد الأمة، فعادوا إلى علي، فأخذ الأشتر بيده فقبضها علي، فقال: أبعد ثلاثة! أما والله لئن تركتها لتقصرنّ عنيتك عليها حينًا، فبايعته العامّة. وأهل الكوفة يقولون: إنّ أوّل من بايعه الأشتر.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان، قالا: لما كان يوم الخميس على رأس خمسة أيام من مقتل عثمان رضي الله عنه، جمعوا أهل المدينة فوجدوا سعدًا والزّبير خارجين، ووجدوا طلحة في حائط له، ووجدوا بني أميّة قد هربوا إلّا من لم يطق الهرب، وهرب الوليد وسعيد إلى مكة في أوّل من خرج، وتبعهم مروان، وتتابع على ذلك من تتابع، فلما اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر: أنتم أهل الشورى، وأنتم تعقدون الإمامة، وأمركم عابر على الأمة، فانظروا رجلًا تنصّبونه، ونحن لكم تبع. فقال الجمهور: علي بن أبي طالب نحن به راضون.
وأخبرنا علي بن مسلم، قال: حدثنا حبّان بن هلال، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن عوف، قال: أما أنا فأشهد أني سمعت محمد بن سيرين يقول: إنّ عليًّا جاء فقال لطلحة: ابسط يدك، قال: فبسط علي يده فبايعه.
وكتب إلي السري عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: فقالوا لهم: دونكم يا أهل المدينة فقد أجّلناكم يومين، فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلنّ غدًا عليًّا وطلحة والزّبير وأناسًا كثيرًا. فغشى الناس عليًّا فقالوا: نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام؛ وما ابتلينا به من ذوي القربى، فقال علي: دعوني والتمسوا غيري فإنّا مستقبلون أمرًا له وجوه وله ألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول. فقالوا: ننشدك الله ألا ترى ما نرى! ألا ترى الإسلام! ألا ترى الفتنة! ألا تخاف الله! فقال: قد أجبتكم لما أرى، واعلموا إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم، إلّا أني أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم. ثمّ افترقوا على ذلك واتّعدوا الغد. وتشاور الناس فيما بينهم وقالوا: إن دخل طلحة والزبير فقد استقامت. فبعث البصريّون إلى الزبير بصريًّا، وقالوا: احذر لاتحادّه - وكان رسولهم حكيم بن جبلة العبدي في نفر - فجاءوا به يحدّونه بالسيف. وإلى طلحة كوفيًا وقالوا له: احذر لاتحادّه، فبعثوا الأشتر في نفر فجاءوا به يحدّونه بالسيف. وأهل الكوفة وأهل البصرة شامتون بصاحبهم، وأهل مصر فرحون بما اجتمع عليه أهل المدينة، وقد خشّع أهل الكوفة وأهل البصرة أن صاروا أتباعًا لأهل مصر وحشوة فيهم، وازدادوا بذلك على طلحة والزّبير. غيظًا، فلما أصبحوا من يوم الجمعة حضر الناس المسجد، وجاء علي حتى صعد المنبر، فقال: يأيّها الناس - عن ملإ وإذن - إنّ هذا أمركم ليس لأحد فيه حقّ إلّا من أمرتم، وقد افترقنا بالأمس على أمر، فإن شئتم قعدت لكم، وإلّا فلا أجد على أحد. فقالوا: نحن على ما فارقناك عليه بالأمس. وجاء القوم بطلحة فقالوا: بايع، فقال: إني إنّما أبايع كرهًا، فبايع - وكان به شلل - أوّل الناس، وفي الناس رجل يعتاف، فنظر من بعيد، فلما رأى طلحة أوّل من بايع قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! أوّل يدٍ بايعت أمير المؤمنين يدٌ شلّاء، لا يتمّ هذا الأمر! ثم جىء بالزّبير فقال مثل ذلك وبايع - وفي الزبير اختلاف - ثمّ جىء بقوم كانوا قد تخلّفوا فقالوا: نبايع على إقامة كتاب الله في القريب والبعيد، والعزيز والذّليل، فبايعهم؛ ثمّ قام العامّة فبايعوا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي زهير الأزدي، عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه، قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه واجتمع الناس على علي، ذهب الأشتر فجاء بطلحة، فقال له: دعني أنظر ما يصنع الناس، فلم يدعه وجاء به يتلّه تلًّا عنيفًا، وصعد المنبر فبايع.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، عن الحارث الوالبي، قال: جاء حكيم بن جبلة بالزّبير حتى بايع؛ فكان الزبير يقول: جاءني لصّ من لصوص عبد القيس فبايعت واللّجّ على عنقي.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وبايع الناس كلهم.
قال أبو جعفر: وسمح بعد هؤلاء الذين اشترطوا الذين جىء بهم، وصار لأمر أمر أهل المدينة، وكانوا كما كانوا فيه، وتفرّقوا إلى منازلهم لولا مكان النزّاع والغوغاء فيهم.
اتساق الأمر في البيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام

وبويع علي يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجّة - والناس يحسبون من يوم قتل عثمان رضي الله عنه - فأوّل خطبة خطبها علي حين استخلف - فيما كتب به إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سليمان بن أبي المغيرة، عن علي بن الحسين - حمد الله وأثنى عليه، فقال: إنّ الله عز وجل أنزل كتابًا هاديًا بيّن فيه الخير والشرّ، فخذوا بالخير ودعوا الشرّ. الفرائض أدّوها إلى الله سبحانه يؤدكم إلى الجنّة. إنّ الله حرّم حرمًا غير مجهولة، وفضّل حرمة المسلم على الحرم كلّها، وشدّ بالإخلاص والتوحيد المسلمين. والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده إلا بالحقّ، لا يحلّ أذى المسلم إلّا بما يجب. بادروا أمر العامة، وخاصّة أحدكم الموت، فإنّ الناس أمامكم، وإنّ ما من خلفكم الساعة تحدوكم. تخفّفوا تلحقوا، فإنما ينتظر الناس أخراهم. اتّقوا الله عباده في عباده وبلاده، إنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله عز وجل ولا تعصوه، وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشرّ فدعوه، " واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض ".
ولما فرغ علي من خطبته وهو على المنبر قال المصريون:
خذها.. واحذرًا أبا حسن ** إنّا نمرّ الأمر إمرار الرسن
وإنما الشعر:
خذها إليك واحذرًا أبا حسن
فقال علي مجيبًا:
إني عجزت عجزة ما أعتذر ** سوف أكيس بعدها وأستمر
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: ولما أراد علي الذهاب إلى بيته قالت السبئيّة:
خذها إليك واحذرًا أبا حسن ** إنّا نمرّ الأمر إمرار الرسن
صولة أقوام كأسداد السفن ** بمشرفيّات كغدران اللبن
ونطعن الملك بلين كالشّطن ** حتى يمرّنّ على غير عنن
فقال علي وذكر تركهم العسكر والكينونة على عدة ما منّوا حين غمزوهم ورجعوا إليهم، فلم يستطيعوا أن يمتنعوا حتى..
إنّي عجزت عجزةً لا أعتذر ** سوف أكيس بعدها وأستمر
أرفع من ذيلي ما كنت أجرّ ** وأجمع الأمر الشتيت المنتشر
إن لم يشاغبني العجول المنتصر ** أو يتركوني والسّلاح يبتدر
واجتمع إلى علي بعد ما دخل طلحة والزّبير في عدّة من الصحابة، فقالوا: يا علي، إنّا قد اشترطنا إقامة الحدود، وإنّ هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلّوا بأنفسهم. فقال لهم: يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون، ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاءوا، فهل ترون موضعًا لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا: لا، قال: فلا والله لا أرى إلّا رأيًا ترونه إن شاء الله؛ إنّ هذا الأمر أمر جاهليّة، وإنّ لهؤلاء القوم مادّة؛ وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قطّ فيبرح الأرض من أخذ بها أبدًا. إنّ الناس من هذا الأمر إن حرّك على أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ الحقوق، فاهدءوا عني وانظروا ماذا يأتيكم، ثمّ عودوا.
واشتدّ على قريش، وحال بينهم وبين الخروج على حال، وإنما هيّجه على ذلك هرب بني أميّة. وتفرّق القوم؛ وبعضهم يقول: والله لئن ازداد الأمر لا قدرنا على انتصار من هؤلاء الأشرار؛ لترك هذا إلى ما قال علي أمثل. وبعضهم يقول: نقضي الّذي علينا ولا نؤخّره، ووالله إنّ لعيّا لمستغنٍ برأيه وأمره عنا، ولا نراه إلّا سيكون على قريش أشدّ من غيره. فذكر ذلك لعلي فقام فحمد الله وأثنى عليه وذكر فضلهم وحاجته إليهم ونظره لهم وقيامه دونهم، وأنه ليس له من سلطانهم إلّا ذلك، والأجر من الله عز وجل عليه، ونادى: برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه. فتذامرت السبئيّة والأعراب، وقالوا: لنا غدًا مثلها، ولا نستطيع نحتجّ فيهم بشيء.
وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: خرج علي في اليوم الثالث على الناس، فقال: يأيّها الناس، أخرجوا عنكم الأعراب. وقال: يا معشر الأعراب، الحقوا بمياهكم. فأبت السبئيّة وأطاعهم الأعراب. ودخل علي بيته ودخل عليه طلحة والزّبير وعدّة من أصحاب النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فقال: دونكم ثأركم فاقتلوه؛ فقالوا: عشوا عن ذلك، قال: هم والله بعد اليوم أعشى وآبى. وقال:
لو أنّ قومي طاوعتني سراتهم ** أمرتهم أمرًا يديخ الأعاديا

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:56 PM
وقال طلحة: دعني فلآت البصرة فلا يفجؤك إلّا وأنا في خيل، فقال: حتى أنظر في ذلك. وقال الزبير: دعني آت الكوفة فلا يفجؤك إلّا وأنا في خيل، فقال: حتى أنظر في ذلك؛ وسمع المغيرة بذلك المجلس فجاء حتى دخل عليه، فقال: إنّ لك حقّ الطاعة والنصيحة، وإنّ الرأي اليوم تحرز به ما في غد، وإنّ الضياع اليوم تضيّع به ما في غد؛ أقرر معاوية على عمله، وأقرر ابن عامر على عمله، وأقرر العمّال على أعمالهم، حتى إذا أتتك طاعتهم وبيعة الجنود استبدلت أو تركت. قال: حتى أنظر.
فخرج من عنده وعاد إليه من الغد، فقال: إني أشرت عليك بالأمس برأي، وإنّ الرأي أن تعاجلهم بالنزوع، فيعرف السامع من غيره ويستقبل أمرك؛ ثمّ خرج وتلقّاه ابن عباس خارجًا وهو داخل، فلما انتهى إلى علي قال: رأيت المغيرة خرج من عندك ففيم جاءك؟ قال: جاءني أمس بذيّة وذيّة، وجاءني اليوم بذيّة وذيّة، فقال: أمّا أمس فقد نصحك، وأما اليوم فقد غشّك. قال: فما الرأي؟ قال: كان الرأي أن تخرج حين قتل الرجل أو قبل ذلك، فتأتي مكة فتدخل دارك وتغلق عليك بابك، فإن كانت العرب جائلة مضطربة في أثرك لا تجد غيرك؛ فأمّا اليوم فإنّ في بني أميّة من يستحسنون الطلب بأن يلزموك شعبة من هذا الأمر، ويشبّهون على الناس، ويطلبون مثل ما طلب أهل المدينة، ولا تقدر على ما يريدون ولا يقدرون عليه، ولو صارت الأمور إليهم حتى يصيروا في ذلك أموت لحقوقهم؛ وأترك لها إلا ما يعجّلون من الشبهة. وقال المغيرة: نصحته والله، فلما لم يقبل غششته. وخرج المغيرة حتى لحق بمكة.
حدثني الحارث، عن ابن سعد، عن الواقدي، قال: حدثني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: دعاني عثمان فاستعملني على الحجّ، فخرجت إلى مكة فأقمت للناس الحجّ، وقرأت عليهم كتاب عثمان إليهم، ثمّ قدمت المدينة وقد بويع لعلي؛ فأتيته في داره فوجدت المغيرة بن شعبة مستخليًا به، فحبسني حتى خرج من عنده، فقلت: ماذا قال لك هذا؟ فقال: قال لي قبل مرّته هذه: أرسل إلى عبد الله بن عامر وإلى معاوية وإلى عمّال عثمان بعهودهم تقرّهم على أعمالهم ويبايعون لك الناس، فإنّهم يهدّئون البلاد ويسكّنون الناس؛ فأبيت ذلك عليه يومئذ وقلت: والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي، ولا ولّيت هؤلاء ولا مثلهم يولّى.
قال: ثمّ انصرف من عندي وأنا أعرف فيه أنه يرى أني مخطىء؛ ثمّ عاد إلي الآن فقال: إنّي أشرت عليك أوّل مرّة بالذي اشرت عليك وخالفتني فيه، ثمّ رأيت بعد ذلك رأيًا، وأنا أرى أن تصنع الذي رأيت فتنتزعهم وتستعين بمن تثق به، فقد كفى الله، وهم أهون شوكة مما كان. قال ابن عباس: فقلت لعلي: أما المرّة الأولى فقد نصحك، وأما المرّة الآخرة فقد غشّك؛ قال له علي: ولم نصحني؟ قال ابن عباس: لأنّك تعلم أن معاوية وأصحابه أهل دنيا، فمتى تثبتهم لا يبالوا بمن ولي هذا الأمر، ومتى تعزلهم يقولوا: أخذ هذا الأمر بغير شورى، وهو قتل صاحبنا؛ ويؤلّبون عليك فينتقض عليك أهل الشأم وأهل العراق، مع أني لا آمن طلحة والزّبير أن يكرّا عليك. فقال علي: أمّا ما ذكرت من إقرارهم فوالله ما أشكّ أنّ ذلك خير في عاجل الدنيا لإصلاحها، وأما الذي يلزمني من الحقّ والمعرفة بعمّال عثمان فوالله لا أولّي منهم أحدًا أبدًا؛ فإن أقبلوا فذلك خير لهم: وإن أدبروا بذلت لهم السيف. قال ابن عباس: فأطعني وادخل دارك، والحق بمالك بينبع، وأغلق بابك عليك، فإنّ العرب تجلو جولة وتضطرب ولا تجد غيرك، فإنك والله لئن نهضت مع هؤلاء اليوم ليحملنّك الناس دم عثمان غدًا. فأبى علي، فقال لابن عباس: سر إلى الشأم فقد ولّيتكها؛ فقال ابن عباس: ما هذا برأي؛ معاوية رجلٌ من بني أميّة وهو ابن عمّ عثمان وعامله على الشأم، ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان، أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني فيتحكّم علي. فقال له علي: ولم؟ قال: لقرارة ما بيني وبينك، وإنّ كلّ ما حمل عليك حمل علي، ولكن اكتب إلى معاوية فمنّه وعده. فأبى علي وقال: والله لا كان هذا أبدًا.
قال محمّد: وحدثني هشام بن سعد، عن أبي هلا، قال: قال ابن عبّاس: قدمت المدينة من مكة بعد قتل عثمان رضي الله عنه بخمسة أيام، فجئت عليًّا أدخل عليه، فقيل لي: عنده المغيرة بن شعبة؛ فجلست بالباب ساعة، فخرج المغيرة فسلّم علي فقال: متى قدمت؟ فقلت: الساعة. فدخلت على علي فسلّمت عليه، فقال لي: لقيت الزبير وطلحة؟ قال: قلت: لقيتهما بالنّواصف. قال: من معهما؟ قلت: أبو سعيد بن الحارث بن هشام في فئة من قريش. فقال علي: أما إنهم لن يدعوا أن يخرجوا يقولون: نطلب بدم عثمان؛ والله نعلم أنهم قتلة عثمان. قال ابن عبّاس: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن شأن المغيرة، ولم خلا بك؟ قال: جاءني بعد مقتل عثمان بيومين، فقال لي: أخلني، ففعلت؛ فقال: إنّ النصح رخيص وأنت بقيّة الناس، وإني لك ناصح، وإني أشير عليك بردّ عمال عثمان عامك هذا؛ فاكتب إليهم بإثباتهم على أعمالهم، فإذا بايعوا لك واطمأن الأمر لك عزلت من أحببت وأقررت من أحببت. فقلت: والله لا أدهن في ديني ولا أعطي الدني في أمري. قال: فإن كنت قد أبيت علي فانزع من شئت واترك معاوية، فإنّ لمعاوية جرأة، وهو في أهل الشأم يسمع منه، ولك حجّة في إثباته؛ كان عمر بن الخطاب قد ولّاه الشأم كلها، فقلت: لا والله، لا أستعمل معاوية يومين أبدًا. فخرج من عندي على ما أشار به، ثمّ عاد فقال لي: إنّي أشرت عليك بما أششرت به فأبيت علي، ثمّ نظرت في الأمر فإذا أنت مصيب، لا ينبغي لك أن تأخذ أمرك بخدعة، ولا يكون في أمرك دلسة. قال: فقال ابن عباس: فقلت لعلي: أمّا أوّل ما أشار به عليك فقد نصحك، وأما الآخر فغشّك؛ وأنا أشير عليك بأن تثبت معاوية، فإن بايع لك فعلي أن أقلعه من منزله. قال علي: لا والله، لا أعطيه إلّا السيف. قال: ثم تمثّل بهذا البيت:
ما ميتة إن متّها غير عاجز ** بعار إذا ما غالت النفس غولها
فقلت: يا أمير المؤمنين، أنت رجل شجاع لست بأرب بالحرب، أما سمعت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يقول: " الحرب خدعة "! فقال علي: بلى، فقال ابن عباس: أما والله لئن أطعتني لأصدرنّ بهم بعد ورد، ولأتركنّهم ينظرون في دبر الأمور لا يعرفون ما كان وجهها، في غير نقصان عليك ولا إثم لك. فقال: يا بن عباس، لست من هنيئاتك وهنيات معاوية في شيء، تشير علي وأرى، فإذا عصيتك فأطعني. قال: فقلت: أفعل، إنّ أيسر مالك عندي الطاعة.
مسير قسطنطين ملك الروم يريد المسلمين

وفي هذه السنة - أعني سنة خمس وثلاثين - سار قسطنطين بن هرقل - فيما ذكر محمد بن عمر الواقدي عن هشام بن الغاز، عن عبادة بن نسي - في ألف مركب يريد أرض المسلمين، فسلّط الله عليهم قاصفًا من الريح فغرّقهم، ونجا قسطنطين بن هرقل، فأتى صقلّيّة، فصنعوا له حمّامًا فدخله فقتلوه فيه؛ وقالوا: قتلت رجالنا.
ثم دخلت سنة ست وثلاثين

تفريق علي عماله على الأمصار

ولمّا دخلت سنة ستّ وثلاثين فرّق علي عمّاله؛ فممّا كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: بعث علي عماله على الأمصار، فبعث عثمان بن حنيف على البصرة، وعمارة بن شهاب على الكوفة، وكانت له هجرة؛ وعبيد الله بن عباس على اليمن، وقيس بن سعد على مصر، وسهل بن حنيف على الشأم؛ فأمّا سهل فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيته خيل، فقالوا: من أنت؟ قال: أمير، قالوا: على أي شيء؟ قال: على الشأم، قالوا: إن كان عثمان بعثك فحيّهلًا بك، وإن كان بعثك غيره فارجع! قال: أوما سمعتم بالذي كان؟ قالوا: بلى؛ فرجع إلى علي. وأما قيس بن سعيد فإنه لما انتهى إلى أيلة لقيته خيل، فقالوا: من أنت؟ قال: من فالّة عثمان، فأنا أطلب من آوى إليه وأنتصر به، قالوا: من أنت؟ قال: قيس بن سعد، قالوا: امض؛ فمضى حتى دخل مصر، فافترق أهل مصر فرقًا؛ فرقة دخلت في الجماعة وكانوا معه، وفرقة وقفت واعتزلت إلى خربتا وقالوا: إن قتل قتلة ععثمان فنحن معكم، وإلّا فنحن على جديلتنا حتى نحرّك أو نصيب حاجتنا؛ وفرقة قالوا: نحن مع علي ما لم يقد إخواننا، وهم في ذلك مع الجماعة؛ وكتب قيس إلى أمير المؤمنين بذلك. وأمّا عثمان بن حنيف فسار فلم يردّه أحد عن دخول البصرة ولم يوجد في ذلك لابن عامر رأي ولا حزم ولا استقلال بحرب. وافترق الناس بها، فاتّبعت فرقة القوم، ودخلت فرقة في الجماعة، وفرقة قالت: ننظر ما يصنع أهل المدينة فنصنع كما صنعوا. وأما عمارة فأقبل حتى إذا كان بزبالة لقيه طليحة بن خويلد؛ وقد كان حين بلغهم خبر عثمان خرج يدعو إلى الطلب بدمه ويقول: لهفي على أمر لم يسبقني ولم أدركه!
يا ليتني فيها جذع ** أكر فيها وأضع
فخرج حين رجع القعقاع من إغاثة عثمان فيمن أجابه حتى دخل الكوفة، فطلع عليه عمارة قادمًا على الكوفة، فقال له: ارجع فإنّ القوم لا يريدون بأميرهم بدلًا، وإن أبيت ضربت عنقك. فرجع عمارة وهو يقول: احذر الخطر ما يماسّك، الشر خير من شرّ منه.
فرجع إلى علي بالخبر. وغلب على عمارة بن شهاب هذا المثل من لدن اعتاصت عليه الأمور إلى أن مات. وانطلق عبيد الله بن عباس إلى اليمن، فجمع يعلى بن أميّة كلّ شيء من الجباية وتركه وخرج بذلك وهو سائر على حاميته إلى مكة فقدمها بالمال. ولما رجع سهل بن حنيف من طريق الشأم وأتته الأخبار ورجع من رجع، دعا علي طلحة والزّبير، فقال: إنّ الذي كنت أحذّركم قد وقع يا قوم، وإنّ الأمر الذي وقع لا يدرك إلا بإماتته، وإنها فتنة كالنار؛ كلّما سعّرت ازدادت واستنارت. فقالا له: فأذن لنا أن نخرج من المدينة، فإمّا أن نكابر وإما أن تدعنا، فقال: سأمسك الأمر ما استمسك؛ فإذا لم أجد بدًّا فآخر الدواء الكي.
وكتب إلى معاوية وإلى أبي موسى. وكتب إليه أبو موسى بطاعة أهل الكوفة وبيعتهم، وبيّن الكاره منهم للّذي كان، والرّاضي بالذي قد كان، ومن بين ذلك حتى كأن عليًّا على المواجهة من أمر أهل الكوفة. وكان رسول علي إلى أبي موسى معبد الأسلمي؛ وكان رسول أمير المؤمنين إلى معاوية سبرة الجهني، فقدم عليه فلم يكتب معاوية بشيء ولم يجبه وردّ رسوله، وجعل كلما تنجّز جوابه لم يزد على قوله:

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:57 PM
أدم إدامة حصن أو خدًا بيدي ** حربًا ضروسًا تشبّ عالجزل والضّرما
في جاركم وابنكم إذ كان مقتله ** شنعاء شيّبت الأصداغ واللّمما
أعيا المسود بها والسّيّدون فلم ** يوجد لها غيرنا مولىً ولا حكما
وجعل الجهني كلما تنجّز الكتاب لم يزده على هذه الأبيات؛ حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر، دعا معاوية برجل من بني عبس، ثم أحد بني رواحة يدعى قبيصة، فدفع إليه طومارًا مختومًا، عنوانه: من معاوية إلى علي. فقال: إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار، ثمّ أوصاه بما يقول وسرّح رسول علي. وخرجا فقدما المدينة في ربيع الأوّل لغرّته، فلما دخلا المدينة رفع العبسي الطومار، ففضّ خاتمه فلم يجد في جوفه كتابةً، فقال للرّسول: ما وراءك؟ قال: آمن أنا؟ قال: نعم، إنّ الرسل آمنة لا تقتل؛ قال: ورائي أني تركت قومًا لا يرضون إلا بالقود، قال: ممن؟ قال: من خيط نفسك، وتركت ستين ألف شيخ يبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم، قد ألبسوه منبر دمشق. فقال: منّي يطلبون دم عثمان! ألست موتورًا كترة عثمان! اللهمّ إني أبرأ إليك من دم عثمان؛ نجا والله قتلة عثمان إلّا أن يشاء الله، فإنّه إذا أراد أمرًا أصابه؛ اخرج؛ قال: وأنا آمن؟ قال: وأنت آمن. فخرج العبسي وصاحت السبئيّة قالوا: هذا الكلب، هذا وافد الكلاب، اقتلوه! فنادى: يا آل مضر، يا آل قيس، الخيل والنّبل، إني أحلف بالله جلّ اسمه ليردّنّها عليكم أربعة آلاف خصي، فانظروا كم الفحولة والرّكاب! وتعاووا عليه ومنعنه مضر، وجعلوا يقولون له: اسكت، فيقول: لا والله، لا يفلح هؤلاء أبدًا، فلقد أتاهم ما يوعدون. فيقولون له: اسكت، فيقول: لقد حلّ بهم ما يحذرون، انتهت والله أعمالهم، وذهبت ريحهم، فوالله ما أمسوا حتى عرف الذلّ فيهم.
استئذان طلحة والزبير عليا

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: استأذن طلحة والزّبير عليًّا في العمرة، فأذن لهما، فلحقا بمكة؛ وأحبّ أهل المدينة أن يعلموا ما رأى علي في معاوية وانتقاضه، ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة؛ أيجسر عليه أو ينكل عنه! وقد بلغهم أنّ الحسن بن علي دخل عليه ودعاه إلى القعود وترك الناس، فدسّوا إليه زياد بن حنظلة التميمي - وكان منقطعًا إلى علي - فدخل عليه فجلس إليه ساعةً ثمّ قال له علي: يا زياد، تيسّر؛ فقال: لأي شيء؟ فقال: تغزو الشأم، فقال زياد: الأناة والرفق أمثل، فقال:
ومن لا يصانع في أمور كثيرة ** يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم
فتمثّل علي وكأنه لا يريده:
متى تجممع القلب الذكي وصارمًا ** وأنفًا حميًّا تجتنبك المظالم
فخرج زياد على الناس والناس ينتظرونه، فقالوا: ما وراءك؟ فقال: السيف يا قوم، فعرفوا ما هو فاعل. ودعا عليٌّ محمد بن الحنفيّة فدفع إليه اللواء، وولّى عبد الله بن عباس ميمنته، وعمر بن أبي سلمة - أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد - ولّاه ميسرته، ودعا أبا ليلى بن عمر بن الجرّاح؛ ابن أخي أبي عبيدة بن الجرّاح، فجعله على مقدّمته، واستخلف على المدينة قثم بن عبّاس، ولم يولّ ممن خرج على عثمان أحدًا، وكتب إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشأم، وإلى عثمان بن حنيف وإلى أبي موسى مثل ذلك، وأقبل على التهيّؤ والتجهّز، وخطب أهل المدينة فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الفرقة، وقال: إنّ الله عز وجل بعث رسولًا هاديًا مهديًّا بكتاب ناطق وأمر قائم واضح؛ لا يهلك عنه إلا هالك، وإنّ المبتدعات والشبهات هنّ المهلكات إلّا من حفظ الله، وإنّ في سلطان الله عصمة أمركم، فأعطوه طاعتكم غير ملويّة ولا مستكره بها، والله لتفعلنّ أو لينقلنّ الله عنكم سلطان الإسلام ثمّ لا ينقله إليكم أبدًا حتى يأرز الأمر إليها، انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون يفرّقون جماعتكم، لعلّ الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق، وتقضون الذي عليكم. فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكة بنحو آخر وتمام على خلاف، فقام فيهم بذلك؛ فقال: إنّ الله عز وجل جعل لظالم هذه الأمة العفو والمغفرة، وجعل لمن لزم الأمر واستقام الفوز والنّجاة، فمن لم يسعه الحقّ أخذ بالباطل. ألا وإنّ طلحة والزّبير وأمّ المؤمنين قد تمالئوا على سخط إمارتي، ودعوا الناس إلى الإصلاح، وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم، وأكفّ إن كفّوا، وأقتصر على ما بلغني عنهم.
ثمّ أتاه أنهم يريدون البصرة لمشاهدة الناس والإصلاح، فتعبّى للخروج إليهم، وقال: إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين وما كان عليهم في المقام فينا مؤونة ولا إكراه. فاشتدّ على أهل المدينة الأمر، فتثاقلوا، فبعث إلى عبد الله بن عمر كميلا النخعي، فجاء به فقال: انهض معي، فقال: أنا مع أهل المدينة، إنما أنا رجل منهم وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلت معهم لا أفارقهم، فإن يخرجوا أخرج وإن يقعدوا أقعد. قال: فأعطني زعيمًا بألّا تخرج، قال: ولا أعطيك زعيمًا، قال: لولا ما أعرف من سوء خلقك صغيرًا وكبيرًا لأنكرتني، دعوه فأنا به زعيم. فرجع عبد الله بن عمر إلى المدينة وهم يقولون: لا والله ما ندري كيف نصنع، فإنّ هذا الأمر لمشتبه علينا، ونحن مقيمون حتى يضيء لنا ويسفر.
فخرج من تحت ليلته وأخبر أمّ كلثوم بنت علي بالذي سمع من أهل المدينة، وأنه يخرج معتمرًا مقيمًا على طاعة علي ما خلا النهوض؛ وكان صدوقًا فاستقرّ عندها؛ وأصبح علي فقيل له: حدث البارحة حدث هو أشدّ عليك من طلحة والزبير وأمّ المؤمنين ومعاوية. قال: وما ذلك؟ قال: خرج ابن عمر إلى الشأم؛ فأتى علي السوق ودعا بالظّهر فحمل الرجال وأعدّ لكل طريق طلّابًا. وماج أهل المدينة، وسمعت أمّ كلثوم بالذي هو فيه، فدعت ببغلتها فركبتها في رحل ثمّ أتت عليًا وهو واقف في السوف يفرّق الرجال في طلبه، فقالت: مالك لا تزنّد من هذا الرجل؟ إنّ الأمر على خلاف ما بلّغته وحدثته. قالت: أنا ضامنة له، فطابت نفسه وقال: انصرفوا، لا والله ما كذبت ولا كذب، وإنه عندي ثقة فانصرفوا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: ولما رأى علي من أهل المدينة ما رأى لم يرض طاعتهم حتى يكون معها نصرته، قام فيهم وجمع إليه وجوه أهل المدينة، وقال: إنّ آخر هذا الأمر لا يصلح إلّا بما صلح أوّله، فقد رأيتم عواقب قضاء الله عز وجل على من مضى منكم، فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم أمركم. فأجابه رجلان من أعلام الأنصار؛ أبو الهيثم بن التيّهان - وهو بدري - وخزيمة بن ثابت؛ وليس بذي الشهادتين؛ مات ذو الشهادتين في زمن عثمان رضي الله عنه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن عبيد الله، عن الحكم، قال: قيل له: أشهد خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الجمل؟ فقال: ليس به، ولكنّه غيره من الأنصار؛ مات ذو الشهادتين في زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبي، قال: بالله الذي لا إله إلّا هو؛ ما نهض في تلك الفتنة إلّا ستّة بدريّين ما لهم سابع، أو سبعة ما لهم ثامن.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبي، قال: بالله الذي لا إله إلّا هو ما نهض في ذلك الأمر إلّا ستة بدرّيين ما لهم سابع. فقلت: اختلفتما. قال: لم نختلف، إنّ الشعبي شكّ في أبي أيوب: أخرج حيث أرسلته أمّ سلمة إلى علي بعد صفين، أم لم يخرجّ إلّا أنه قدم عليه فمضى إليه، وعلي يومئذ بالنّهروان.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد ابن ثابت، عن رجل، عن سعيد بن زيد، قال: ما اجتمع أربعة من أصحاب النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) ففازوا على الناس بخير يحوزونه إلّا وعلي بن أبي طالب أحدهم.
ثم إنّ زياد بن حنظلة لما رأى تثاقل الناس عن علي ابتدر إليه وقال: من تثاقل عنك فإنا نخفّ معك ونقاتل دونك. وبينما عليٌّ يمشي في المدينة إذ سمع زينب ابنة أبي سفيان وهي تقول: ظلامتنا عند مدمّم وعند مكحلة، فقال: إنها لتعلم ما همّا لها بثأر.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة؛ أن عثمان قتل في ذي الحجة لثمان عشرة خلت منه، وكان على مكة عبد الله بن عامر الحضرمي. وعلى الموسم يومئذ عبد الله بن عباس، بعثه عثمان وهو محصور، فتعجّل أناس في يومين فأدركوا مع ابن عباس، فقدموا لامدينة بعد ما قتل وقبل أن يبايع علي، وهرب بنو أميّة فلحقوا بمكة، وبويع علي لخمس بقين من ذي الحجّة يوم الجمعة؛ وتساقط الهرّاب استخبرتهم فأخبروها أن قد قتل عثمان رضي الله عنه ولم يجبهم إلى التأمير أحد؛ فقالت عائشة رضي الله عنها: ولكن أكياس، هذا غبّ ما كان يدور بينكم من عتاب الاستصلاح؛ حتى إذا قضت عمرتها وخرجت فانتهت إلى سرف لقيها رجل من أخوالها من بني ليث - وكانت واصلة لهم، رفيقة عليهم - يقال له عبيد بن أبي سلمة يعرف بأمّه أمّ كلاب، فقالت: مهيم! فأصمّ ودمدم، فقالت: ويحك! علينا أو لنا؟ فقال: لا تدري، قتل عثمان وبقوا ثمانيًا، قالت: ثمّ صنعوا ماذا؟ فقال: أخذوا أهل المدينة بالاجتماع على علي، والقوم الغالبون على المدينة. فرجعت إلى مكة وهي لاتقول شيئًا ولا يخرج منها شيء، حتى نزلت على باب المسجد وقصدت للحجر فستّرت فيه، واجتمع الناس إليها فقالت: يأيّها الناس، إنّ الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا أن عاب الغوغاء على هذا المقتول بالأمس الإرب واستعمال من حدثت سنّه، وقد استعمل أسنانهم قبله، ومواضع من مواضع الحمى حماها لهم، وهي أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها، فتابعهم ونزع لهم عنها استصلاحًا لهم، فلما لم يجدوا حجّةً ولا عذرًا خلجوا وبادوا بالعدوان ونبا فعلهم عن قولهم؛ فسفكوا الدم الحرام واستحلّوا البلد الحرام وأخذوا المال الحرام، واستحلّوا الشهر الحرام. والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم. فنجاة من اجتماعكم عليهم حتى ينكل بهم غيرهم ويشرّد من بعدهم، ووالله لو أن الّذي اعتدّوا به عليه كان ذنبًا لخلّص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء. فقال عبد الله بن عامر الحضرمي: هأنذا لها أوّل طالب - وكان أوّل مجيب ومنتدب.
حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن المدائني، قال: حدثنا سحيم مولى وبرة التميمي، عن عبيد بن عمرو القرشي، قال: خرجت عائشة رضي الله عنها وعثمان محصور، فقدم عليها مكّة رجل يقال له أخضر، فقالت: ما صنع الناس؟: فقال: قتل عثمان المصريين، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون! أيقتل قومًا جاءوا يطلبون الحقّ وينكرون الظلم! والله لا نرضى بهذا. ثمّ قدم آخر فقالت: ما صنع الناس؟ قال: قتل المصرّيون عثمان، قالت: العجب لأخضر، زعم أنّ المقتول هو القاتل!. فكان يضرب به المثل: " أكذب من أخضر ".
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبي، قال: خرجت عائشة رضي الله عنها نحو المدينة من مكّة بعد مقتل عثمان، فلقيها رجل من أخوالها، فقالت: ما وراءك؟ قال: قتل عثمان واجتمع الناس على علي، والأمر أمر الغوغاء. فقالت: ما أظنّ ذلك تامًّا ردّوني. فانصرفت راجعة إلى مكة، حتى إذ دخلتها أتاها عبد الله ابن عامر الحضرمي - وكان أمير عثمان عليها - فقال: ما ردّك يا أمّ المؤمنين؟ قالت: ردّني أنّ عثمان قتل مظلومًا، وأنّ الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر، فاطلبوا بدم عثمان تعزّوا الإسلام. فكان أوّل من أجابها عبد الله بن عامر الحضرمي، وذلك أوّل ما تكلمت بنو أميّة بالحجاز ورفعوا رءوسهم، وقام معهم سعيد بن العاص، والوليد بن عقبة، وسائر بني أميّة. وقد قدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة؛ ويعلى بن أميّة من اليمن، وطلحة والزّبير من المدينة، واجتمع ملؤهم بعد نظر طويل في أمرهم على البصرة، وقالت: أيّها الناس، إنّ هذا حدث عظيم وأمر منكر، فانهضوا فيه إلى إخوانكم من أهل البصرة فأنكروه، فقد كفاكم أهل الشأم ما عندهم، لعلّ الله عز وجل يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: كان أوّل من أجاب إلى ذلك عبد الله بن عامر وبنو أميّة؛ وقد كانوا سقطوا إليها بعد مقتل عثمان، ثم قدم عبد الله بن عامر، ثمّ قدم يعلى بن أميّة، فاتّفقا بمكة، ومع يعلى ستمائة بعير وستمائة ألف، فأناخ بالأبطح معسكرًا؛ وقدم معهما طلحة والزّبير، فلقيا عائشة رضي الله عنها، فقالت: ما وراءكما؟ فقالا: وراءنا أنا تحملنا بقلّيّتنا هرّابًا من المدينة من غوغاء وأعراب، وفارقنا قومًا حيارى لا يعرفون حقًّا ولا ينكرون باطلًا ولا يمنعون أنفسهم. قالت: فائتمروا أمرًا؛ ثمّ انضهوا إلى هذه الغوغاء. وتمثّلت:
ولو أنّ قومي طاوعتني سراتهم ** لأنقذتهم من الحبال أو الخبل

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:57 PM
وقال القوم فيما ائتمروا به: الشأم. فقال عبد الله بن عامر: قد كفاكم الشأم من يستمرّ في حوزته، فقال له طلحة والزّبير: فأين؟ قال: البصرة، فإنّ لي بها صنائع ولهم في طلحة هولًا، قالوا: قبحك الله! فوالله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب، فهلّا أقمت كما أقام معاوية فنكتفي بك، ونأتي الكوفة فنسدّ على هؤلاء القوم المذاهب! فلم يجدوا عنده جوابًا مقبولًا، حتى إذا استقام لهم الرأي على البصرة قالوا: يا أمّ المؤمنين، دعي المدينة فإنّ من معنا لا يقرنون لتلك الغوغاء التي بها، واشخصي معنا إلى البصرة، فإنّا نأتي بلدًا مضيّعًا، وسيحتجون علينا فيه ببيعة علي بن أبي طالب فتنهضينهم كما أنهضت أهل مكّة ثم تقعدين، فإن أصلح الله الأمر كان الذي تريدين، وإلّا احتسبنا ودفعنا عن هذا الأمر بجهدنا حتى يقضي الله ما أراد.
فلما قالوا ذلك لها - ولم يكن ذلك مستقيمًا إلّا بها - قالت: نعم؛ وقد كان أزواج النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) معها على قصد المدينة، فلمّا تحوّل رأيها إلى البصرة تركن ذلك؛ وانطلق القوم بعدها إلى حفصة، فقالت: رأيي تبعٌ لرأي عائشة؛ حتى إذا لم يبق إلّا الخروج قالوا: كيف نستقلّ وليس معنا مال نجهّز به الناس! فقال يعلى بن أميّة: معي ستمائة ألف وستمائة بعير فاركبوها؛ وقال ابن عامر: معي كذا وكذا فتجهّزوا به. فنادى المنادي: إنّ أمّ المؤمنين وطلحة والزّبير شاخصون إلى البصرة، فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلّين والطلب بثأر عثمان ومن لم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز فهذا جهاز وهذه نفقة، فحملوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة سوى من كان له مركب - وكانوا جميعًا ألفا - وتجهّزوا بالمال، ونادوا بالرّحيل واستقلّوا ذاهبين. وأرادت حفصة الخروج فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد، فقعدت وبعثت إلى عائشة: أن عبد الله حال بيني وبين الخروج، فقالت: يغفر الله لعبد الله! وبعثت أمّ الفضل بنت الحارث رجلًا من جهينة يدعى ظفرًا، فاستأجرته على أن يطوي ويأتي عليًّا بكتابها، فقدم على علي بكتاب أمّ الفضل بالخبر. حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا علي، عن أبي مخنف، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبيه، قال: قال أبو قتادة لعلي: يا أمير المؤمنين، إنّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) قلّدني هذا السيف وقد شمته فطال شيمه، وقد أنَى تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لم يألوا الأمّة غشًّا، فإن أحببت أن تقدّمني، فقدّمني. وقامت أمّ سلمة فقال: يا أمير المؤمنين، لولا أن أعصي الله عز وجل وأنك لا تقبله منّي لخرجت معك؛ وهذا ابني عمر - والله لهو أعزّ علي من نفسي - يخرج معك فيشهد مشاهدك. فخرج لم يزل معه، واستعمله على البحرين ثم عزله، واستعمل النعمان بن عجلان الزرقي.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا مسلمة، عن عوف، قال: أعان يعلى بن أميّة الزبير بأربعمائة ألف، وحمل سبعين رجلًا من قريش، وحمل عائشة رضي الله عنها على جمل يقال له عسكر، أخذه بثمانين دينارًا، وخرجوا. فنظر عبد الله بن الزبير إلى البيت؛ فقال: ما رأيت مثلك بركة طالب خير، ولا هارب من شرّ.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمّد وطلحة، قالا: خرج المغيرة وسعيد بن العاص معهم مرحلةً من مكّة، فقال سعيد للمغيرة: ما الرأي؟ قال: الرأي والله الاعتزال، فإنّهم ما يفلح أمرهم، فإن أظفره الله أتيناه، فقلنا: كان هوانا وصغونا معك؛ فاعتزلا فجلسا، فجاء سعيد مكة فأقام بها، ورجع معهما عبد الله بن خالد بن أسيد.
حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا وهب بن جرير بن حازم، قال: سمعت أبي، قال: سمعت يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، قال: ثمّ ظهرا - يعني طلحة والزّبير - إلى مكة بعد قتل عثمان رضي الله عنه بأربعة أشهر وابن عامر بها يجرّ الدنيا، وقدم يعلى بن أميّة معه بمال كثير، وزيادة على أربعمائة بعير، فاجتمعوا في بيت عائشة رضي الله عنها فأرادوا الرأي، فقالوا: نسير إلى علي فنقاتله، فقال بعضهم: ليس لكم طاقة بأهل المدينة، ولكنّا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة، ولطلحة بالكوفة شيعةٌ وهوىً، وللزّبير بالبصرة هوىً ومعونة. فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى ابصرة وإلى الكوفة، فأعطاهم عبد الله بن عامر مالًا كثيرًا وإبلا، فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكة، ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل، فبلغ عليًّا مسيرهم، فأمّر على المدينة سهل ابن حنيف الأنصاري، وخرج فسار حتى نزل ذاقار، وكان مسيره إليها ثمان ليال، ومعه جماعة من أهل المدينة.
حدثني أحمد بن منصور، قال: حدثني يحيى بن معين، قال: حدثنا هشام بن يوسف قاضي صنعاء، عن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن موسى بن عقبة، عن علقمة بن وقّاص الليثي، قال: لما خرج طلحة والزّبير وعائشة رضي الله عنههم عرضوا الناس بذات عرق، واستصغروا عروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فردّوهما.
حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: أخبرنا أبو عمرو، عن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، قال: لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق، فقال: أين تذهبون وثأركم على أعجاز الإبل! اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم؛ قالوا: بل نسير فلعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعًا. فخلا سعيد بطلحة والزّبير، فقال: إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني؛ قالا: لأحدنا أيّنا اختاره الناس. قال: بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه، قالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم! قال: أفلا أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف. فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد، فقال المغيرة بن شعبة: الرأي ما رأى سعيد، من كان ها هنا من ثقيف فليرجع؛ فرجع ومضى القوم، معهم أبان بن عثمان والوليد بن عثمان، فاختلفوا في الطريق فقالوا: من ندعو لهذا الأمر؟ فخلا الزبير بابنه عبد الله، وخلا طلحة بعلقمة بن وقّاص الليثي - وكان يؤثره على ولده - فقال أحدهما: ائت الشأم، وقال الآخر: ائت العراق، وحاور كلّ واحد منهما صاحبه ثم اتّفقا على البصرة.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، عن الأغرّ، قال: لما اجتمع إلى مكّة بنو أميّة ويعلى بن منية وطلحة والزّبير، ائتمروا أمرهم، وأجمع ملؤهم على الطلب بدم عثمان وقتال السبئيّة حتى يثأروا وينتقموا؛ فأمّرتهم عائشة رضي الله عنها بالخروج إلى المدينة، واجتمع القوم على البصرة وردّوها عن رأيها، وقال لها طلحة والزّبير: إنا نأتي أرضًا قد أضيعت وصارت إلى علي، وقد أجبرنا علي على بيعته، وهم محتجّون علينا بذلك وتاركو أمرنا إلّا أن تخرجي فتأمري بمثل ما أمرت بمكة، ثمّ ترجعي. فنادى المنادي: إن عائشة تريد البصرة وليس في ستمائة بعير ما تغنون به غوغاء وجلبة الأعراب وعبيدًا قد انتشروا وافترشوا أذرعهم مسعدين لأوّل واعية. وبعثت إلى حفصة، فأرادت الخروج، فعزم عليها ابن عمر فأقامت؛ فخرجت عائشة ومعها طلحة والزّبير، وأمّرت على الصلاة عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد، فكان يصلّي بهم في الطريق وبالبصرة حتى قتل، وخرج معها مروان وسائر بني أميّة إلّا من خشع، وتيامنت عن أوطاس؛ وهم ستمائة راكب سوى من كانت له مطيّة، فتركت الطريق ليلةً وتيامنت عنها كأنهم سيّارة ونجعة، مساحلين لم يدن من المنكدر ولا واسط ولا فلج منهم أحد، حتّى أتوا البصرة في عام خصيب. وتمثّلت:
دعي بلاد جموع الظلم إذ صلحت ** فيها المياه وسيري سير مذعور
تخيّري النبت فارعي ثمّ ظاهرة ** وبطن واد من الضمّار ممطور
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن عمر بن راشد اليمامي، عن أبي كثير السحيمي، عن ابن عباس، قال: خرجد أصحاب الجمل في ستمائة، معهم عبد الرحمن بن أبي بكرة وعبد الله بن صفوان الجمحي، فلما جاوزا بئر ميمون إذا هم بجزور قد نحرت ونحرها ينثعب، فتطيّروا. وأذّن مروان حين فصل من مكة ثمّ جاء حتى وقف عليهما، فقال: أيّكما أسلّم بالإمرة وأؤذّن بالصّلاة؟ فقال عبد الله بن الزبير: على أبي عبد الله، وقال محمد بن طلحة: على أبي محمد. فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان فقالت: مالك؟ أتريد أن تفرّق أمرنا! ليصلّ ابن أختي، فكان يصلّي بهم عبد الله بن الزبير حتى قدم البصرة، فكان معاذ بن عبيد الله يقول: والله لو ظفرنا لافتتنّا ما خلّى الزبير بين طلحة والأمر، ولا خلّى طلحة بين الزبير والأمر.
خروج علي إلى الربذة يريد البصرة

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، قال: جاء عليًّا الخبر عن طلحة والزّبير وأمّ المؤمنين، فأمّر على المدينة تمّام بن العباس، وبعث إلى مكّة قثم بن العباس، وخرج وهو يرجو أن يأخذهم بالطريق وأراد أن يعترضهم، فاستبان له بالرّبذة أن قد فاتوه، وجاءه بالخبر عطاء بن رئاب مولى الحارث بن حزن.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: بلغ عليًّا الخبر - وهو بالمدينة - باجتماعهم على الخروج إلى البصرة وبالّذي اجتمع عليه ملؤهم؛ طلحة والزّبير وعائشة ومن تبعهم، وبلغه قول عائشة، وخرج علي يبادرهم في تعبيته التي كان تعبّى بها إلى الشام، وخرج معه من نشط من الكوفيّين والبصريّين متخفّفين في سبعمائة رجل، وهو يرجو أن يدركهم فيحول بينهم وبين الخروج، فلقيه عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه، وقال: يا أمير المؤمنين، لا تخرج منها؛ فوالله لئن خرجت منها لا ترجع إليها ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبدًا. فسبّوه، فقال: دعو الرجل؛ فنعم الرجل من أصحاب محمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)! وسار حتى انتهى إلى الربذة فبلغه ممرّهم، فأقام حين فاتوه يأتمر بالرّبذة.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:58 PM
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن خالد بن مهران البجلي، عن مروان بن عبد الرحمن الخميسي، عن طارق بن شهاب، قال: خرجنا من الكوفة معتمرين حين أتانا قتل عثمان رضي الله عنه، فلما انتهينا إلى الربذة - وذلك في وجه الصبح - إذا الرفاق وإذا بعضهم يحدو بعضًا، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: أمير المؤمنين، فقلت: ما له؟ قالوا: غلبة طلحة والزّبير، فخرج يعترض لهم ليردّهما، فبلغه أنهما قد فاتاه، فهو يريد أن يخرج في آثارهما، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون! آتي عليًّا فأقاتل معه هذين الرجلين وأمّ المؤمنين أو أخالفه! إنّ هذا لشديد. فخرجت فأتيته، فأقيمت الصلاة بغلس، فتقدّم فصلّى، فلما انصرف أتاه ابنه الحسن فجلس فقال: قد أمرتك فعصيتني، فتقتل غدًا بمضيعة لا ناصر لك، فقال علي: إنك لا تزال تخنّ خنين الجارية! وما الّذي أمرتني فعصيتك؟ قال: أمرتك يوم أحيط بعثمان رضي الله عنه أن تخرج من المدينة فيقتل ولست بها، ثمّ أمرتك يوم قتل ألا تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمممصار والعرب وبيعة كلّ مصر، ثمّ أمرتك حين فعل هذان الرجلان مما فعلا أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا، فإن كان الفساد كان على يدي غيرك؛ فعصيتني في ذلك كله. قال: أي بني، أمّا قولك: لو خرجت من الممدينة حين أحيط بعثمان؛ فولله لقد أحيط بنا كما أحيط به. وأما قولك: لا تبايع حتى تأتي بيعة الأمصار، فإنّ الأمر أمر أهل المدينة، وكرهنا أن يضيع هذا الأمر. وأما قولك حين خرج طلحة والزّبير، فإنّ ذلك كان وهنًا على أهل الإسلام، ووالله ما زلت مقهورًا مذ وليت، منقوصًا لا أصل إلى شيء مما ينبغي. وأما قولك: اجلس في بيتك، فكيف لي بما قد لزمني! أو من تريدني؟ أتريد أن أكون مثل الضبع التي يحاطب ها ويقال: دباب دباب! ليست ها هنا حتى يحلّ عرقوباها ثم تخرج؛ وإذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر ويعنيني فمن ينظر فيه! فكفّ عنك أي بني.
شراء الجمل لعائشة رضي الله عنها وخبر كلاب الحوءب

حدثني إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا علي بن عابس الأزرق، قال: حدثنا أبو الخطّاب الهجري، عن صفوان بن قبيضة الأحمسي، قال: حدثني العرني صاحب الجمل، قال: بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال: يا صاحب الجمل، تبيع جملك؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت: بألف درهم، قال: مجنون أنت! جملٌ يباع بألف درهم! قال: قلت: نعم، جملي هذا، قال: وممّ ذلك؟ قلت: ما طلبت عليه أحدًا قطّ إلّا أدركته، ولا طلبني وأنا عليه أحد إلا فتّه. قال: لو تعلم لمن نريده لأحسنت بيعنا، قال: قلت: ولمن تريده؟ قال: لأمّك، قلت: لقد تركت أمي في بيتها قاعدة ما تريد براحا، قال: إنما أريده لأمّ المؤمنين عائشة، قلت: فهو لك، فخذه بغير ثمن، قال: لا، ولكن ارجع معنا إلى الرحل فلنعطك ناقة مهريّة ونزيدك دراهم، قال: فرجعت فأعطوني ناقةً لها مهرّية، وزادوني أربعمائة أو ستمائة درهم، فقال لي: يا أخا عرينة، هل لك دلالة بالطريق؟ قال: قلت: نعم، أنا من أدرك الناس، قال: فسر معنا، فسرت معهم فلا أمرّ على واد ولا ماء إلّا سألوني عنه؛ حتى طرقنا ماء الحوءب فنبحتنا كلابها، قالوا: أي ماء هذا؟ قلت: ماء الحوءب، قال: فصرخت عائشة بأعلى صوتها، ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، ثم قالت: أنا والله صاحبة كلاب الحوءب طروقًا، ردّوني! تقول ذلك ثلاثًا. فأناخت وأناخوا حولها وهم على ذلك، وهي تأبى حتى كانت الساعة التي أناخوا فيها من الغد. قال: فجاءها ابن الزبير فقال: النجاء النجاء، فقد أدرككم والله علي بن أبي طالب! قال: فارتحلوا وشتموني، فانصرفت، فما سرت إلّا قليلًا وإذا أنا بعلي وركب معه نحو من ثلثمائة، فقال لي علي: يأيّها الراكب! فأتيته فقال: أين أتيت الظعينة؟ قلت: في مكان كذا وكذا، وهذه ناقتها، وبعتهم جملي، قال: وقد ركبته؟ قلت: نعم؛ وسرت معهم حتى أتينا ماء الحوءب فنبحت عليها كلابها، فقالت كذا وكذا، فلما رأيت اختلاط أمرهم انفتلت وارتحلوا؛ فقال علي: هل لك دلالة بذي قار؟ قلت: لعلي أدلّ الناس، قال: فسر معنا؛ فسرنا حتى نزلنا ذا قار، فأمر علي بن أبي طالب بجوالقين فضمّ أحدهما إلى صاحبه، ثم جىء برحل فوضع عليهما، ثم جاء يمشي حتى صعد عليه، وسدل رجليه من جانب واحد، ثمّ حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على محمّد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، ثم قال: قد رأيتم ما صنع هؤلاء القوم وهذه المرأة. فقام إليه الحسن فبكى، فقال له علي: قد جئت تخنّ خنين الجارية! فقال: أجل، أمرتك فعصيتني، فأنت اليوم تقتل بمضيعة لا ناصر لك، قال: حدث القوم بما أمرتني به، قال: أمرتك حين سار الناس إلى عثمان ألّا تبسط يدك ببيعة حتى تجول جائلة العرب، فإنهم لن يقطعوا أمرًا دونك، فأبيت علي، وأمرتك حين سارت هذه المرأة وصنع هؤلاء القوم ما صنعوا أن تلزم المدينة وترسل إلى من استجاب لك من شيعتك، قال علي: صدق والله، ولكن والله يا بني ما كنتُ لأكون كالضّبع تستمع للّدم، إنّ النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) قبض وما أرى أحدًا أحقّ بهذا الأمر مني، فبايع الناس أبا بكر، فبايعت كما بايعوا، ثم إن أبا بكر رضي الله عنه هلك وما أرى أحدًا أحقّ بهذا الأمر مني، فبايع الناس عمر بن الخطاب، فبايعت كما بايعوا، ثمّ إنّ عمر رضي الله عنه عنه هلك وما أرى أحدًا أحقّ بهذا الأمر منّي، فجعلني سهمًا من ستّة أسهم، فبايع الناس عثمان فبايعت كما بايعوا، ثم سار الناس إلى عثمان رضي الله عنه فقتلوه، ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين، فأنا مقاتل من خالفني بمن اتّبعني حتى يحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين.
قول عائشة والله لأطلبن بدم عثمان وخروجها وطلحة والزبير فيمن تبعهم إلى البصرة

كتب إلي علي بن أحمد بن الحسن العجلي أن الحسين بن نصر العطار، قال: حدثنا أبي نصر بن مزاحم العطار، قال: حدثنا سيف بن عمر، عن محمد بن نويرة وطلحة بن الأعلى الحنفي. قال: وحدثنا عمر بن سعد، عن أسد بن عبد الله، عمّن أدرك من أهل العلم؛ أنّ عائشة رضي الله عنها لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكة، لقيها عبد بن أمّ كلاب - وهو عبد بن أبي سلمة، ينسب إلى أمه - فقالت له: مهيم؟ قال: قتلوا عثمان رضي الله عنه، فمكثوا ثمانيًا؛ قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع، فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز؛ اجتمعوا على علي بن أبي طالب. فقالت: والله ليت أنّ هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لصاحبك! ردّوني ردّوني، فانصرفت إلى مكّة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلومًا، والله لأطلبنّ بدمه، فقال لها ابن أمّ كلاب: ولم؟ فوالله إنّ أول من أمال حرفه لأنت! ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلًا فقد كفر؛ قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأوّل؛ فقال لها ابن أمّ كلاب:
فمنك البداء ومنك الغير ** ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام ** وقلت لنا إنّه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله ** وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا ** ولم تنكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تدرإ ** يزيل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحرب أثوابها ** وما من وفى مثل من قد غدر
فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر، فستّرت واجتمع إليها الناس، فقالت: يأيّها الناس، إنّ عثمان قتل مظلومًا، ووالله لأطلبنّ بدمه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: كان علي في همّ من توجه القوم لا يدري إلى أين يأخذون! وكان أن يأتوا البصرة أحبّ إليه. فلما تيقّن أنّ القوم يعارضون طريق البصرة سرّ بذلك، وقال: الكوفة فيها رجال العرب وبيوتاتهم، فقال له ابن عباس: إنّ الذي يسرّك من ذلك ليسوؤني، إنّ الكوفة فسطاط فيه أعلام من أعلام العرب، ولا يحملهم عدّة القوم، ولا يزال فيهم من يسمو إلى أمر لا يناله؛ فإذا كان كذلك شغب علي الذي قد نال حتى يفشأه فيفسد بعضهم على بعض. فقال علي: إن الأمر ليشبه ما تقول، ولكنّ الأثرة لأهل الطاعة وألحق بأحسنهم سابقة وقدمة، فإن استووا أعفيناهم واجتبرناهم، فإن أقنعهم ذلك كان خيرًا لهم، وإن لم يقنعهم كلّفونا إقامتهم وكان شرًّا على من هو شرّ له. فقال ابن عباس: إن ذلك لأمر لا يدرك إلّا بالقنوع.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لمّا اجتمع الرأي من طلحة والزّبير وأمّ المؤمنين ومن بمكة من المسلمين على السير إلى البصرة والانتصار من قتلة عثمان رضي الله عنه، خرج الزبير وطلحة حتى لقيا ابن عمر ودعواه إلى الخفوف، فقال: إني امرؤ من أهل المدينة، فإن يجتمعوا على النهوض أنهض، وإن يجتمعوا على القعود أقعد، فتركاه ورجعا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سعيد بن عبد الله، عن ابن أبي مليكة، قال: جمع الزبير بنيه حين أراد الرحيل، فودّع بعضهم وأخرج بعضهم، وأخرج ابني أسماء جميعًا، فقال: يا فلان أقم، يا عمرو أقم. فلما رأى ذلك عبد الله بن الزبير، قال: يا عروة أقم، ويا منذر أقم، فقال الزبير: ويحك! أستصحب ابني وأستمتع منهما، فقال: إن خرجت بهم جميعًا فاخرج، وإن خلّفت منهم أحدًا فخلّفهما ولا تعرّض أسماء للثّكل من بين نسائك. فبكى وتركهما، فخرجوا حتى إذا انتهوا إلى جبال أوطاس تيامنوا وسلكوا طريقًا نحو البصرة، وتركوا طريقها يسارًا، حتى إذا دنوا منها فدخلوها ركبوا المنكدر.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن ابن الشهيد، عن ابن أبي مليكة، قال: خرج الزبير وطلحة ففصلا، ثمّ خرجت عائشة فتبعها أمّهات المؤمنين إلى ذات عرق، فلم ير يوم كان أكثر باكيًا على الإسلام أو باكيًا له من ذلك اليوم، كان يسمّى يوم النحيب. وأمّرت عبد الرحمن بن عتّاب، فكان يصلّي بالناس، وكان عدلًا بينهم.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 05:59 PM
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله، عن يزيد بن معن السلمي، قال: لما تيامن عسكرها عن أوطاس أتوا على مليح بن عوف السلمي، وهو مطلع ما له، فسلّم على الزبير، وقال: يا أبا عبد الله، ما هذا؟ قال: عدي على أمير المؤمنين رضي الله عنه فقتل بلا ترة ولا عذر، قال: ومن؟ قال: الغوغاء من الأمصار ونزّاع القبائل، وظاهرهم الأعراب والعبيد، قال: فتريدون ماذا؟ قال: ننهض الناس فيدرك بهذا الدم لئلّا يبطل، فإن في إبطاله توهين سلطان الله بيننا أبدًا؛ إذا لم يفطم الناس عن أمثالها لم يبق إمام إلّا قتله هذا الضرب، قال: والله إنّ ترك هذا لشديد، ولا تدرون إلى أين ذلك يسير! فودّع كلّ واحد منهما صاحبه، وافترقا ومضى الناس.
دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: ومضى الناس حتى إذا عاجوا عن الطريق وكانوا بفناء البصرة، لقيهم عمير ابن عبد الله التميمي، فقال: يا أمّ المؤمنين، أنشدك بالله أن تقدمي اليوم على قوم تراسلي منهم أحدًا فيكفيكهم! فقالت: جئتني بالرأي، امرؤ صالح، قال: فعجّلي ابن عامر فليدخل، فإنّ له صنائع فليذهب إلى صنائعه فليلقوا الناس حتى تقدمي ويسمعوا ما جئتم فيه. فأرسلته فاندسّ إلى البصرة، فأتى القوم. وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى رجال من أهل البصرة، وكتبت إلى الأحنف بن قيس وصبرة بن شيمان وأمثالهم من الوجوه، ومضت حتى إذا كانت بالحفير انتظرت الجواب بالخبر؛ ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران بن حصين - وكان رجل عامّة - وألزّه بأبي الأسود الدؤلي - وكان رجل خاصّة - فقال: انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من معها، فخرجا فانتهيا إليها وإلى الناس وهم بالحفير، فاستأذنا فأذنت لهما، فسلّما وقالا: إنّ أميرنا بعثنا إليك نسألك عن مسيرك، فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت: والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ولا يغطّى لبنيه الخبر. إنّ الغوغاء من أهل الأمصار ونزّاع القبائل غزوا حرم رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وأحدثوا فيه الأحداث، وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله، مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلّوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلّوا البلد الحرام، والشهر الحرام، ومزّقوا الأعراض والجلود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارّين مضرّين، غير نافعين ولا متّقين؛ لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا. وقرأت: " لا خير في كثير من نجواهم إلّا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ". ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)؛ الصغير والكبير والذّكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به، ونحضّكم عليه، ومنكر ننهاكم عنه، ونحثّكم على تغييره.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: فخرج أبو الأسود وعمران من عندها فأتيا طلحة فقالا: ما أقدمك؟ قال: الطلب بدم عثمان، قالا: ألم تبايع عليًّا؟ قال: بلى، واللّجّ على عنقي، وما أستقيل عليًّا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان، ثمّ أتيا الزبير فقالا: ما أقدمك؟ قال: الطلب بدم عثمان، قالا: ألم تبايع عليًّا؟ قال: بلى، واللجّ على عنقي، وما أستقيل عليًّا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان. فرجعا إلى أمّ المؤمنين فودّعاها فودّعت عمران، وقالت: يا أبا الأسود إيّاك أن يقودك الهوى إلى النار، " كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط.. " الآية. فسرّحتهما؛ ونادى مناديها بالرّحيل، ومضى الرجلان حتى دخلا على عثمان بن حنيف، فبدر أبو الأسود عمران فقال:
يا بن حنيف قد أتيت فانفر ** وطاعن القوم وجالد واصبر
وابرز لهم مستلئمًا وشمّر
فقال عثمان: إنا لله وإنا إليه راجعون! دارت رحا الإسلام وربّ الكعبة؛ فانظروا بأي زيفان تزيف! فقال عمران: إي والله لتعركنّكم عركًا طويلًا ثم لا يساوي ما بقي منكم كثير شيء؛ قال: فأشر علي يا عمران، قال: إني قاعد فاقعد، فقال عثمان: بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين علي، قال عمران: بل يحكم الله ما يريد، فانصرف إلى بيته، وقام عثمان في أمره، فأتاه هشام بن عامر فقال: يا عثمان، إنّ هذا الأمر الذي تروم يسلم إلى شرٍّ مما تكره، إنّ هذا فتق لا يرتق، وصدع لا يجبر، فسامحهم حتى يأتي أمر علي ولا تحادّهم، فأبى ونادى عثمان في الناس وأمرهم بالتّهيّؤ، ولبسوا السلاح، واجتمعوا إلى المسجد الجامع، وأقبل عثمان على الكيد فكاد الناس لينظر ما عندهم، وأمرهم بالتهيّؤ، وأمر رجلًا ودسّه إلى الناس خدعًا كوفيًّا قيسيًّا، فقام فقال: يأيّها الناس، أنا قيس بن العقدّية الحميسي، إنّ هؤلاء القوم الذين جاءوكم إن كانوا جاءوكم خائفين فقد جاءوا من المكان الذي يأمن فيه الطير، وإن كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان رضي الله عنه فما نحن بقتلة عثمان. أطيعوني في هؤلاء القوم فردّوهم من حيث جاءوا. فقام الأسود ابن سريع السعدي، فقال: أو زعموا أنّا قتلة عثمان رضي الله عنه! فإنما فزعوا إلينا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا، فإن كان القوم أخرجوا من ديارهم كما زعمت، فمن يمنعهم من إخراجهم الرجال أو البلدان! فحصبه الناس، فعرف عثمان أنّ لهم بالبصرة ناصرًا ممن يقوم معهم، فكسره ذلك. وأقبلت عائشة رضي الله عنها فيمن معها، حتى إذا انتهوا إلى المربد ودخلوا من أعلاه أمسكوا ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه، وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يخرج إليها ويكون معها، فاجتمعوا بالمربد وجعلوا يثوبون حتى غصّ بالناس.
فتكلّم طلحة وهو في ميمنة المربد ومعه الزبير وعثمان في ميسرته، فأنصتوا له، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر عثمان رضي الله عنه وفضله والبلد وما استحلّ منه، وعظّم ما أتي إليه، ودعا إلى الطلب بدمه، وقال: إنّ في ذلك إعزاز دين الله عز وجل وسلطانه، وأما الطلب بدم الخليفة المظلوم فإنه حدّ من حدود الله، وإنّكم إن فعلتم أصبتم وعاد أمركم إليكم، وإن تركتم لم يقم لكم سلطان، ولم يكن لكم نظام.
فتكلم الزبير بمثل ذلك. فقال من في ميمنة المربد: صدقا وبرًا، وقالا الحق، وأمرا بالحقّ. وقال من في ميسرته: فجرا وغدرا، وقالا الباطل، وأمرا به، قد بايعا ثم جاءا يقولان ما يقولان! وتحاثى الناس وتحاصبوا وأرهجوا. فتكلّمت عائشة - وكانت جهوريّة يعلو صوتها كثرة كأنّه صوت امرأة جليلة - فحمدت الله جلّ وعزّ وأثنت عليه، وقالت: كان الناس يتجنون على عثمان رضي الله عنه ويزرون على عمّاله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنهم، ويرون حسنًا من كلامنا في صلاح بينهم، فننظر في ذلك فنجده بريًّا تقيًّا وفيًّا ونجدهم فجرة كذبة يحاولون غير ما يظهرون. فلما قووا على المكاثرة كاثروه فاقتحموا عليه داره، واستحلوا الدم الحرام، والمال الحرام، بلا ترة ولا عذر، ألا إن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره، أخذ قتلة عثمان رضي الله عنه وإقامة كتاب الله عز وجل: " ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ".
فافترق أصحاب عثمان ابن حنيف فرقتين، فقالت فرقة: صدقت والله وبرت؛ وجاءت والله بالمعروف؛ وقال الآخرون: كذبتم والله ما نعرف ما تقولون، فتحاثوا وتحاصبوا وأرهجوا، فلما رأت ذلك عائشة انحدرت وانحدر أهل الميمنة مفارقين لعثمان حتى وقفوا في المربد في موضع الدبّاغين، وبقي أصحاب عثمان على حالهم يتدافعون حتى تحاجزوا، ومال بعضهم إلى عائشة، وبقي بعضهم مع عثمان على فم السكة. وأتى عثمان ابن حنيف فيمن معه، حتى إذا كانوا على فم السكة، سكة المسجد عن يمين الدباغين استقبلوا الناس فأخذوا عليهم بفمها.
وفيما ذكر نصر بن مزاحم، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم ابن محمد، قال: وأقبل جارية بن قدامة السعدي، فقال: يا أمّ المؤمنين؛ والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح! إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك وأبحت حرمتك، إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك، وإن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتنا مستكرهةً فاستعيني بالناس. قال: فخرج غلام شاب من بنس سعد إلى طلحة والزّبير، فقال: أمّا أنت يا زبير فحواري رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، وأمّا أنت يا طلحة فوقيت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) بيدك، وأرى أمّكما معكما فهل جئتما بنسائكما؟ قالا: لا، قال: فما أنا منكما في شيء، واعتزل. وقال السعدي في ذلك:
صنتم حلائلكم وقدتم أمّكم ** هذا لعمرك قّلة الإنصاف
أمرت بجر ذيولها في بيتها ** فهوت تشقّ البيد بالإيجاف
غرضًا يقاتل دونها أبناؤها ** بالنّبل والخطّي والأسياف
هتكت بطلحة والزُّبير ستورها ** هذا مالمخبر عنهم والكافي
وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة - وكان محمد رجلًا عابدًا - فقال أخبرني عن قتلة عثمان! فقال: نعم، دم عثمان ثلاثة أثلاث، ثلث على صاحبة الهودج - يعني عائشة - وثلث على صاحب الجمل الأحمر - يعني طلحة، وثلث على علي بن أبي طالب؛ وضحك الغلام وقال: ألا أراني على ضلال! من ولحق بعلي، وقال في ذلك مشعرًا:
سألت ابن طلحة عن هالك ** بجوف المدينة لم يقبر
فقال ثلاثة رهط هم ** أماتوا ابن عفّان واستعبر
فثلث على تلك في خدرها ** وثلث على راكب الأحمر
وثلث على ابن أبي طالب ** ونحن بدوّيّة قرقر
فقلت صدقت على الأوّلين ** وأخطأت في الثالث الأزهر

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:02 PM
رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة. قال: فخرج أبو الأسود وعميان وأقبل حكيم بن جبلة؛ وقد خرج وهو على الخيل، فأنشب القتال، وأشرع أصحاب عائشة رضي الله عنها رماحهم وأمسكوا ليمسكوا فلم ينته ولم يثن، فقاتلهم وأصحاب عائشة كافّون إلّا ما دافعوا عن أنفسهم، وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها، ويقول: إنها قريش ليردينّها جبنها والطيّش، واقتتلوا على فم السكة، وأشرف أهل الدور ممن كان له في واحد من الفريقين هوى، فرموا باقي الآخرين بالحجارة، وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن، فوقفوا بها مليًّا، وثار إليهم الناس، فحجز الليل بينهم. فرجع عثمان إلى القصر، ورجع الناس إلى قبائلهم، وجاء أبو الجرباء؛ أحد بني عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم إلى عائشة وطلحة والزّبير، فأشار عليهم بأمثل من مكانهم فاستنصحوه وتابعوا رأيه، فساروا من مقبرة بني مازن فأخذوا على مسنّاة البصرة من قبل الجبَّانة حتى انتهوا إلى الزابوقة، ثم أتوا مقبرة بني حصن وهي متنحيّة إلى دار الرزق، فباتوا يتأهّبون، وبات الناس يسيرون إليهم، وأصبحوا وهم على رجل في ساحة دار الرق، وأصبح عثمان بن حنيف فغاداهم، وغدا حكيم بن جبلة وهو يبربر وفي يده الرمح، فقال له رجل من عبد القيس: من هذا الذي تسبّ وتقول له ما أسمع؟ قال: عائشة، قال: يا بن الخبيثة، ألأمّ المؤمنين تقول هذا! فوضع حكيم السنان بين ثدييه فقتله. ثمّ مرّ بامرأة وهو يسبّها - يعني عائشة - فقالت: من هذا الذي ألجأك إلى هذا؟ قال: عائشة، قالت: يابن الخبيثة، ألأمّ المؤمنين تقول هذا! فطعنها بين ثدييها فقتلها. ثمّ سار، فلما اجتمعوا واقفوهم، فاقتتلوا بدار الرزق قتالًا شديدًا من حين بزغت الشمس إلى أن زال النهار وقد كثر القتلى في أصحاب ابن حنيف وفشت الجراحة في الفريقين، ومنادى عائشة يناشدهم ويدعوههم إلى الكفّ فيأبون، حتى إذا مسّهم الشرّ وعضَهم نادوا أصحاب عائشة إلى الصلح والمتات. فأجابوهم وتواعدوا، وكتبوا بينهم كتابًا على أن يبعثوا رسولًا إلى المدينة؛ وحتى يرجع الرسول من المدينة، فإن كانا أكرها خرج عثمان عنهما وأخلى لهما البصرة، وإن لم يكونا أكرها خرج طلحة والزّبير:
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما اصطلح عليه طلحة والزّبير ومن معهما من المؤمنين والمسلمين، وعثمان بن حنيف ومن معه من المؤمنين والمسلمين.
إنّ عثمان يقيم حيث أدركه الصلح على ما في يده، وإنّ طلحة والزّبير يقيمان حيث أدركهما الصلح على ما في أيديهما، حتى يرجع أمين الفريقين ورسولهم كعب بن مسور من المدينة. ولا يضارّ واحدٌ من الفريقين الآخر في مسجد ولا سوق ولا طيريق ولا فرضة، بينهم عيبة مفتوحة حتى يرجع كعب بالخبر؛ فإن رجع بأنّ القوم أكرهوا طلحة والزّبير فالأمر أمرهما، وإن شاء عثمان خرج حتى يلحق بطيّته، وإن شاء دخل معهما؛ وإن رجع بأنّهما لم يكرها فالأمر أمر عثمان، فإن شاء طلحة والزّبير أقاما على طاعة علي وإن شاءا خرجا حتى يلحقا بطيّتهما؛ والمؤمنون أعوان الفالح منهما.
فخرج كعب حتى يقدم المدينة، فاجتمع الناس لقدومه، وكان قدومه يوم جمعة، فقام كعب فقال: يا أهل المدينة، إني رسول أهل البصرة إليكم؛ أأكره هؤلاء القوم هذيه الرجلين على بيعة علي، أم أتياها طائعين؟ فلم يجبه أحد من القوم إلّا ما كان من أسامة بن زيد، فإنه قام فقال: اللهم إنهما لم يبايعا إلّا وهما كارهان. فأمر به تمّام، فواثبه سهل بن حنيف والناس، وثار صهيب بن سنان وأبو أيّوب بن زيد، في عدّة من أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فيهم محمد بن مسلمة، حين خافوا أن يقتل أسامة، فقال: اللهم نعم؛ فانفرجوا عن الرجل؛ فانفرجوا عنه، وأخذ صهيب بيده حتى أخرجه فأدخله منزله، وقال: قد علمت أن أمّ عامر حامقة، أما وسعك ما وسعنا من السكوت! قال: لا والله، ما كنت أرى أن الأمر يترامى إلى ما رأيت وقد أبسلنا لعظيم. فرجع كعب وقد اعتدّ طلحة والزّبير فيما بين ذلك بأشياء كلها كانت مما يعتدّ به، منها أنّ محمد بن طلحة - وكان صاحب صلاة - قام مقامًا قريبًا من عثمان بن حنيف، فخشى بعض الزطّ والسيابجة أن يكون جاء لغير ما جاء له، فنحيّاه، فبعثا إلى عثمان، هذه واحدة.
وبلغ عليّا الخبر الذي كان بالمدينة من ذلك، فبادر بالكتاب إلى عثمان يعجّزه ويقول: والله ما أكرها إلا كرهًا على فرقة، ولقد أكرها على جماعة وفضل، فإن كانا يريدان الخلع فلا عذر لهما، وإن كانا يريدان غير ذلك نظرنا ونظرا. فقدم الكتاب على عثمان بن حنيف، وقدم كعب فأرسلوا إلى عثمان أن اخرج عنا، فاحتجّ عثمان بالكتاب وقال: هذا أمر آخر غير ما كنا فيه؛ فجمع طلحة والزّبير الرجال في ليلة مظلمة باردة ذات رياح ونجى. ثمّ قصدا المسجد فوافقا صلاة العشاء - وكانوا يؤخّرونها - فأبطأ عثمان بن حنيف فقدّ ما عبد الرحمن بن عتاب، فشهر الزطّ والسيابجة السلاح ثم وضعوه فيهم. فأقبلوا عليهم فاقتتلوا في المسجد وصبروا لهم، فأناموهم وهم أربعون، وأدخلوا الرجال على عثمان ليخرجوه إليهما، فلما وصل إليهما توطّؤوه وما بقيت في وجههه شعرة، فاسعظما ذلك، وأرسلا إلى عائشة بالذي كان، واستطلعا رأيها. فأرسلت إليهما أن خلّوا سبيله فليذهب حيث شاء ولا تحبسوه، فأخرجوا الحرس الذين كانوا مع عثمان في القصر ودخلوه، وقد كانوا يعتقبون حرس عثمان في كلّ يوم وفي كلّ ليلة أربعون، فصلّى عبد الرحمن بن عتاب بالناس العشاء والفجر، وكان الرسول مفيما بين عائشة وطلحة والزّبير هو، أتاها بالخبر، وهو رجع إليهما بالجواب، فكان رسول القوم.
حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن عن أبي مخنف، عن يوسف بن يزيد، عن سهل بن سعد، قال: لماأخذوا عثمان بن حنيف أرسلوا أبان بن عثمان إلى عائشة يستشيرونها في أمره، قالت: اقتلوه، فقالت لها امرأة: نشدتك بالله يا أمّ المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)! قالت: ردّوا أبانًا، فردّوه، فقالت: احبسوه ولا تقتلوه، فقال: لو علمت أنّك تدعينني لهذا لم أرجع، فقال لهم مجاشع بن مسعود: اضربوه وانتفوا شعر لحيته، فضربوه أرعين سوطًا، ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه.
حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثناأبي، قال: حدثني وهب بن جرير بن حازم، قال: سمعت يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهرّي، قال بلغني أنه لما بلغ طلحة والزّبير منزل علي بذي قار انصرفوا إلى البصرة، فأخذوا على المنكدر، فسمعت عائشة رضي الله عنه نباح الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ فقالوا: الحوءب، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعوه! إني لهيه، قد سمعت رسول صه http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يقول وعنده نساؤه: ليت شعري أيّتكنّ تنبحها كلاب الحوءب!. فأرادت الرجوع، فأتاها عبد الله بن الزبير فزعم أنه قال: كذب من قال إنّ هذا الحوءب. ولم يزل حتى مضت، فقدموا البصرة وعليها عثمان بن حنيف، فقال لهم عثمان: ما نقمتم على صاحبكم؟ فقالوا: لم نره أولى بها منّا، وقد صنع ما صنع، قال: فإنّ الرجل أمرني فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم له، على أن أصلّي بالناس حتى يأتينا كتابه، فوقفوا عليه وكتب، فلم يلبث إلّا يومين حتى وثبوا عليه فقاتلوه بالزّابوقة عند مدينة الرزق، فظهروا، وأخذوا عثمان فأرادوا قتله، ثم خشوا غضب الأنصار، فنالوه في شعره وجسده. فقام طلحة والزّبير خطيبين فقالا: يا أهل البصرة، توبة بحوبة، إنما أردنا أن يستعتب أمير المؤمنين عثمان ولم نرد قتله، فغلب سفهاء الناس الحلماء حتى قتلوه. فقال الناس لطقحة: يا أبا محمد، قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا، فقال الزبير: فهل جاءكم مني كتاب في شأنه؟ ثمّ ذكر قتل عثمان رضي الله عنه وما أتي إليه، وأظهر عيب علي. فقام إليه رجل من عبد القيس فقال: أيّها الرجل، أنصب حتى نتكلّم، فقال عبد الله بن الزبير: ومالك وللكلام! فقال العبدي: يا معشر المهاجرين، أنتم أوّل من أجاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فكان لكم بذلك فضل، ثم دخل الناس في الإسلام كما دخلتم، فلما توفي رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) بايعتم رجلًا منكم، والله ما استأمرتمونا في شيء من ذلك فرضينا واتّبعناكم، فجعل الله عز وجل للمسلمين في إمارته بركة، ثمّ مات رضي الله عنه واستخلف عليكم رجلًا منكم، فلم تشاورونا في ذلك، فرضينا وسلّمنا، فلمّا توفي الأمير جعل الأمر إلى ستّة نفر، فاخترتم عثمان وبايعتموه عن غيرمشورة منا، ثمّ أنكرتم من ذلك الرجل شيئًا، فقتلتموه عن غير مشورة منا، ثمّ باعيتم عليًّا عن غير مشورة منا، فما الذي نقمتم عليه فنقاتله؟ هل استاثر بفيء، أو علم بغير الحقّ؟ أو عمل شيئًا تنكرونه فنكون معكم عليه! وإلّا فما هذا! فهمّوا بقتل ذلك الرجل، فقال من دونه عشيرته؛ فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه، فقتلوا سبعين رجلًا.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:02 PM
رجع الحديث إلى حديث سيف، عن محمد وطلحة. قالا: فأصبح طلحة والزّبير وبيت مالمال والحرس في أيديهما، والناس مععنما، ومن لم يكن معهما مغمور مستسرّ، وبعثا حين أصبحا بأن حكيمًا في الجمع، فبعثت: لا تحبسا عثمان ودعاه. ففعلا، فخرج عثمان فمضى لطلبته، وأصبح حكيم بن جبلة في خيله على رجل فيمن تبعه من عبد القيس ومن نزع إليهم من أفناء ربيعة، ثمّ وجّهوا نحو دار الرزق وهو يقول: لست بأخيه إن لم أنصره، وجعل يشتم عائشة رضي الله عنه، فسمعته امرأة من قومه فقالت: يابن الخبيثة. أنت أولى بذلك! فطعنها فتقلها، فغضبت عبد القيس إلّا من كان اغتمر منهم، فقالوا: فعلت بالأمس وعدت لمثل ذلك اليوم! والله لندعنّك حتى يقيدك الله. فرجعوا وتركوه، ومضى حكيم بن جبلة فيمن غزا معه عثمان بن عفان وحصره من نزّاع القبائل كلها، وعرفوا أن لا مقام لهم بالبصرة، فاجتمعوا إليه، فانتهى بهم إلى الزابوقة عند دار الرزق، وقالت عائشة: لا تقتلوا إلّا من قاتلكم، ونادوا من لم يكن من قتلة عثمان رضي الله عنه فليكفف عنا، فإنا لا نريد إلا قتله معثمان ولا نبدأ أحدًا، فأنشب حكيم القتال ولم يرع للمنادى، فقال طلحة والزّبير: الحمد الله الذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة، اللهمّ لا تبق منهم أحدًا، وأقد منهم اليوم فاقتلهم. فجادّ وهم القتال فاقتتلوا أشدّ قتال ومعه أربعة قواد، فكان حكيم بحيال طلحة، وذريج بحيال الزبير، وابن المحرّش بحيال عبد الرحمن بن عتاب، وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فزحف طلحة لحكم وهو في ثلثمائة رجل، وجعل حكيم يضرب بالسيف ويقول:
أضربهم باليابس ** ضرب غلام عابس
من الحياة آيس ** في الغرفات نافس
فضرب رجل رجله فقطعها، فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه، فأصاب جسده فصرعه، فأتاه حتى قتله، ثم أتّكأ عليه وقال:
يا فخذ لن تراعى ** إنّ معي ذراعي
أحمى بها كراعي وقال وهو يرتجز:
ليس علي أن أوت عار ** والعار في الناس هو الفرار
والمجد لا يفضحه الدمار
فأتى عليه رجل وهو رثيث، رأسه على الآخر، فقال: مالك يا حكيم؟ قال: قتلت، قال من قتلك؟ قال: وسادتي؛ فاحتمله فضمّه في سعين من أصحابه، فتكلم يومئذ حكيم وإنه لقائم على رجل، وإن السيوف لتأخذهم فما يتعتع، مويقول: إنا خلّفنا هذين وقد بايعا عليًّا وأعطياه الطاعة، ثم أقبلا مخالفين محاربين يطلبان بدم عثمان بن عفان، فففرّقا بيننا، ونحن أهل دار وجوار. اللهمّ إنهما لم يريدا عثمان. فنادى مناد: يا خبيث، جزعت حين عضّك نكال الله عز وجل إلى كلام من نصّبك وأصحابك بما ركبتم من الإمام المظلوم، وفرّقتم من الجماعة، وأصبتم من الدماء، ونلتم من الدنيا! فدق وبال الله عز وجل وانتقامه، وأقيموا فيمن أنتم.
وقتل ذريح ومن معه، وأفلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجئوا إلى قومهم، ونادى منادي الزبير وطلحة بالبصرة: ألا من كان فيهم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم. فجيء بهم كما يجاء بالكلاب، فقتلوا فما أفلت منهم من أهل البصرة جميعًا إلّا حرقوص بن زهير؛ فإنّ بني سعد منعوه، وكان من بني سعد، فمسّهم في ذلك أمر شديد، وضربوا لهم فيه أجلًا وخشنّوا صدور بني سعد وإنّهم لعثمانية حتى قالوا: نعتزل؛ وغضبت عبد القسيس حين غضبت سعد لمن قتل منهم بعد الوقعة ومن كان هرب إليهم إلى ما هم عليه من لزوم طاعة علي، فأمرا للنّاس بأعطياتهم وأرزاقهم وحقوقهم، وفضّلا بالفضل أهل السمع والطاعة. فخرجت عبد القيس وكثير من بكر بن وائل حين زووا عنهم الفضلو، فبادروا إلى بيت المال، وأكبّ عليهم الناس فأصابوا منهم، وخرج القوم حتى نزلوا على طريق علي، وأقام طلحة والزّبير ليس معهما بالبصرة ثأر إلّا حرقوص، وكتبوا إلى أهل الشأم بما صنعوا وصاروا إليه: إنا خرجنا لوضع مالحرب، وإقامة كتاب الله عز وجل بإقامة حدوده في الشريف والوضيع والكثير والقليل، حتى يكون الله عز وجل هو الذي يردّنا عن ذلك، فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم؛ وخالفنا شرارهم ونزّاعهم، فردّونا بالسلاح وقالوا فيما قالوا: نأخذ أمّ المؤمنين رهينة؛ أن أمرتهم بالحقّ وحثّتهم عليه. فأعطاهم الله عز وجل سنّة المسلمين مرّة بعد مرّة، حتى إذا لم يبق حجّة ولا عذر استبسل قتلة أمير المؤمنين فخرجوا إلى مضاجعهم فلم يفلت منهم مخبر إلّا حرقوص بن زهير، والله سبحانه مقيده إن شاء الله. وكانوا كما وصف الله عز وجل؛ وإنا نناشدكم الله في أنفسكم إلّا نهضتم بمثل ما نهضنا به؛ فنلقى الله عز وجل وتلقونه وقد أعذرنا وقضينا الذي علينا.
وبعثوا به مع سيّار العجلي، وكتبوا إلى أهل الكوفة بمثله مع رجل من بني عمرو بن أسد يدعى مظفّر بنم معرَض. وكتبوا إلى أهل المدينة معابن قدامة القشيري، فدسّه إلى أهل المدينة.
وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى أهل الكوفة مع رسولهم: أمّا بعد فإني أذكركم الله عز وجل والإسلام، أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه، اتقوا الله واعتصموا بحبله، وكونوا مع كتابه، فإنا قدمنا البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله بإقامة حدوده، فأجابنا الصالحون إلى ذلك؛ واسقبلنا من لا خير فيه بالسلاح، وقالوا: لنتبعنّكم عثمان، ليزيدوا الحدود تعطيلًا، فعاندوا فشهدوا علينا بالكفر وقالوا لنا لامنكر، فقرأنا عليهم: " ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ". فأذعن لي بعضهم، واختلفوا بينهم، فتركناهم وذلك، فلم يمنع ذلك من كان ممنهم على رأيه الأوّل من وضع مالسلاح في أصحابي، وعزم عليهم عثمان بن حنيف إلّا قاتلوني حتى منعني الله عز وجل بالصّالحين، فردّ كيدهم في نحورهم، فمكثنا ستّا وعشرين ليلة ندعوهم إلى كتاب الله وإقامة حدوده - وهو حقن الدماء أن تهراق دون من قد حلّ دمه - فأبوا واحتجوا بأشياء، فاصطلحنا عليها، فخافوا وغدروا وخانوا، فجمع عز وجل لعثمان رضي الله عنه ثأرهم، فأقادهم فلم يفلت منهم إلّا رجل، وأرد أنا ه، ومنعنا منهم بعمير ابن مرثد ومرثد بن قيس، ونفر من قيس، ونفر من الرباب والأزد.
فالزموا الرضا إلّا عن قتلة عثمان بن عفان حتى يأخذ الله حقّه، ولا تخاصموا الخائنين ولا تمنعوهم، ولا ترضوا بذوي حدود الله فتكونوا من الظالمين.
فكتبت إلى رجال بأسمائهم. فثبّطوا الناس عن منع هؤلاء القوم ونصرتهم واجلسوا في بيتوتكم؛ فإنّ هؤلاء القوم لم يرضوا بما صنعوا بعثمان بن عفان رضي الله عنه، وفرّقوا بين جماعة الأمة، وخالفوا الكتاب والسنّة، حتى شهدوا علينا فيما أمرناهم به، وحثثناهم عليه من إقامة كتاب الله وإقامة حدوده بالكفر، وقالوا لنا المنكر، فأنكر ذلك الصالحون وعظّموا ما قالوا، وقالوا لنا المنكر، فأنكر ذلك الصالحون وعظّموا ما قالوا، وقالوا: ما رضيتم أن قتلتم الإمام حتى خرجتم على زوجة نبيكم http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وأئمة المسلمين! فعزموا وعثمان بن حني مععم على من أطاعهم من جهّال الناس وغوغائهم على زطّهم وسيابجهم، فلذنا منهم بطائفة من الفسطاط؛ فكان ذلك الدأب ستة وعشرين يومًا ندعوهم إلى الحقّ وألّا يحولوا بيننا وبين الحقّ فغدروا وخانوا فلم نقايسهم، واحتجّوا ببيعة طلحة والزّبير؛ فأبردوا بريدًا فجاءهم بالحجّة فلم يعرفوا الحقّ، ولم يصبروا عليه؛ فغادوني في الغلس ليقتلوني؛ والذي يحاربهم غيري، فلم يبرحوا حتى بلغوا سدّة بيتي ومعهم هاد يهديهم إلي، فوجدوا نفرًا على باب بيتي؛ منهمعمير بن مرثد، ومرثد بن قيس، ويزيد بن عبد الله بن مرثد؛ ونفر من قيس، ونفر من الرباب والأزد، فدارت عليهم الرحا، فأطاف بهم المسلمون فقتلوهم، وجمع الله عز وجل كلمة أهل البصرة على ما أجمع عليه الزبير وطلحة؛ فإذا قتلنا بثأرنا وسعنا العذر. وكانت الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخر سنة ست وثلايين. وكتب عبيد بن كعب في جمادى.
حدثنا معمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، عن عامر بن حفص، عن أشياخه، قال: ضرب عن حكيم بن جبلة رجل من الحدّان يقال له صخيم، فمال رأسه، فتعلّق بجلده، فصار وجههه في قفاه. قال ابن المثني الحدّاني: الذي قتل حكيمًا يزيد بن الأسحم الحداني، وجد حكيم قتيلًا بين يزيد بن الأسحم وكعب بن الأسحم، وهما مقتولان.
حدثني عمر، قال: حدثني أبو الحسن، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن أبي المليح، قال: لما قتل حكيم بن جبلة أرادوا أن يقتلوا عثمان بن حنيف، فقال: ما شئتم، أما إن سهل بن حنيف وال على المدينة، وإن قتلتموني انتصر. فخلّوا سبيله. واختلفوا في الصلاة، فأمّرت عائشة رضي الله عنها عبد الله ابن الزبير فصلّى بالناس، وأراد الزبير أن يعطي الناس أرزاقهم ويقسم ما في بيت المال، فقال عبد الله ابنه: إن ارتزق الناس تفرّقوا. واصطلحوا على عبد الرحمن بن أبي بكر، فصيّروه على بيت المال.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن علي، عن أبي بكر الهذلي، عن الجارود بن أبي سبرة، قال: لمّا كانت الليلة التي أخذ فيها عثمان بن حنيف، وفي رحبة مدينة الرزق طعام يرتزقه الناس، فأراد عبد الله أن يرزقه أصحابه وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان، فقال: لست أخاف الله إن لم أنصره، فجاء في جماعة من عبد القيس وبكر بن وائل وأكثرهم عبد القيس، فأتي ابن الزبير مدينة الرزق، فقال: مالك يا حكيم؟ قال: نريد أن نرتزق من هذا الطعام، وأن تخلّوا عثمان فيقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم علي، والله لو أجد أعوانًا عليكم أخبطكم بهم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلتم، ولقد أصبحتم وإنّ دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا، أما تخافون الله عز وجل! بم تستحلون سفك الدماء! قال: بدم عثمان ابن عفان، قال: فالّذين قتلتموهم قتلوا عثمان! أما تخافون مقت الله؟ فقال له عبد الله بن الزبير: لا نرزقكم من هذا الطعام، ولا نخلي سبيل عثمان ابن حنيف حتى يخلع عليًّا، قال حكيم: اللهمّ إنك حكم عدل فاشهد. وقال لأصحابه: إنّي لست في شكّ من قتال هؤلاء، فمن كان في شكّ فلينصرف. وقاتلهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وضرب رجل ساق حكيم فأخذ حكيم ساقه فرماه بها، فأصاب عنقه فصرعه ووقذه ثم حبا إليه فقتله واتّكأ عليه، فمرّ به رجل فقال: من قتلك؟ قال: وسادتي، وقتل سبعون رجلًا من عبد القيس. قال الهذلي: قال حكيم حين قطعت رجله:
أقول لما جدّ بي زماعي ** للرّجل يا رجلي لن تراعي

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:03 PM
إنّ معي من نجدة ذراعي
قال عامر ومسلمة: قتل مع حكيم ابنة الأشرف وأخوه الرعل بن جبلة.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا المثنّى بن عبد الله، عن عوف الأعرابي، مقال: جاء رجل إلى طلحة والزّبير وهما في المسجد بالبصرة، فقال: نشدتكما مبالله في مسيركما! أعهد إليكما فيه رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) شيئًا! فقام طلحة ولم يجبه، فناشد الزبير فقال: لا، ولكن بلغنا أنّ عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا سليمان بن أرقم، عن قتادة، عن أبي عمرة ملوى الزبير، قال: لما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة، قال الزبير: إلا ألف فارس أسير بهم إلى علي، فإما بيّتّه وإما صبّحته، لعلّي أقتله قبل أن يصل إليها! فلم يجبه أحد، فقال: إنّ هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها؛ فقال له مولاه: أتسميّها فتنة وتقاتل فيها! قال: ويحك! إنا نبصّر ولا نبصر، ما كان أمر قطّ إلّا علمت موضع قدمي فيه، غير هذا الأمر فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر! حدثني أحمد بن منصور، قال: حدثني يحيى بن معين، قال: حدثنا هشام بن يوسف، قاضي صنعاء، عن عبد الله بن مصعب بن ثابت ابن عبد الله بن الزبير، عن موسى بن عقبة، عن علقمة بن وقّاص الليثي، قال: لما خرج طلحة والزّبير وعائشة رضي الله عنه رأيت طلحة وأحبّ المجالس إليه أخلاها، وأنت ضارب بلحيتك على زورك؛ إن كرهت شيئًا فاجلس. قال: فقال لي: يا علقمة بن وقّاص، بينا نحن يد واحدة على من سوانا، إذ صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضًا، إنه كان منّي مفي عثمان شيء ليس توبتي إلّا أن يسفك دمي في طلب دمه. قال: قلت: فردّ محمد ابن طلحة فإنّ لك ضيعة وعيالًا؛ فإن يك شيء يخلفك؛ فقال: ما أحبّ أن مأرى أحدًا يخفّ في هذا الأمر فأمنعه. قال: فأتيت محمد بن طلحة فقلت له: لو أقمت، فإن حدث به حدث كنت تخلفه في عياله وضيعته، قال: ما أحبّ أن أسأل الرجال عن أمره.
حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو مخنف، عن مجالد بن سعيد، قال: لما قدمت عائشة رضي الله عنه البصرة كتبت إلى زيد بن صوحان: من عائشة ابنة أبي بكر أمّ المؤمنين حبيبة رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أمّا بعد: فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم؛ فانصرنا على أمرنا هذا، فإن لم تفعل فخذّل الناس عن علي.
فكتب إليها: من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبي بكر الصدّيق حبيبة رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، أمّا بعد: فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت هذا الأمر ورجعت إلى بيتك، وإلّا فأنا أوّل من نابذك. قال زيد ابن صوحان: رحم الله أمّ المؤمنين! أمرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل، فتركت ما أمرت به وأمرتنا به، وصنعت ما أمرنا ونهتنا عنه!
ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة

مما كتب به إلي السري، أن شعيبًا حدثه، قال: حدثنا سيف، عن عبيدة بن معتّب، عن يزيد الضخم، قال: لما أتي عليًّا الخبر وهو بالمدينة بأمر عائشة وطلحة والزّبير أنهم قد توجّهوا نحن العراق، خرج يبادر وهو يرجو أن يدركهم ويردّهم، فلما انتهى إلى الربذة أتاه عنهم أنهم قد أمعنوا، فأقام بالرّبذة أيامًا، وأتاه عن القوم أنهم يريدون البصرة، فسرّي بذلك عنه، وقال: إنّ أهل الكوفة أشدّ إلي حبًّا، وفيهم رءوس العرب وأعلامهم. فكتب إليهم: إنّي قد اخترتكم على الأمصار وإنّي بالأثرة.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن بشير بن عاصم، عن محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، قال: كتب علي إلى أهل الكوفة: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإني اخترتكم والنزول بين أظهركم لما أعرف من مودّتكم وحبكم لله عز وجل ولرسوله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فمن جاءني ونصرني فقد أجاب الحقّ وقضى الذي عليه.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن. قال: حدثنا حبّان بن موسى، عن طلحة بن الأعلم موبشر بن عاصم، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه قال: بعث محمد بن أبي بكر إلى الكوفة ومحمّد بن عون، فجاء الناس إلى أبي موسى يستشيرونه في الخروج، فقال أبو موسى: أمّا سبيل الآخر فأن تقيموا، وأمّا سبيل الدنيا فأن تخرجوا، وأنتم أعلم. وبلغ المحمّدين قول أبي موسى، فبايناه وأغلظا له، فقال: أما والله إنّ بيعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكما الذي أرسلكما، إن أردنا أن نقاتل لا نقاتل حتى لا يبقى أحد من قتلة عثمان إلا قتل حيث كان. وخر ج علي من المدينة في آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين، فقالت أخت علي بن عدي من بني عبد العزّى ابن عبد شمس:
لاهم مفاعقر بعلي جمله ** ولا تبارك في بعير حمله
ألا علي بن عدي ليس له
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن أبي مخنف، عن نمير ابن وعلة، عن الشعبي؛ قال: لمّا نزل عليٌّ بالرّبذة أتته جماعة من طيّىء، فقيل لعلي: هذه جماعة من طيّء قد أتتك، منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد التسليم عليك؛ قال: جزى الله كلّا خيرًا وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا. ثمّ دخلوا عليه فقال علي: ما شهدتمونا به؟ قالوا: شهدناك بكلّ ما تحبّ، قال: جزاكم الله خيرًا! فقد أسلمتم طائعين وقاتلتم المرتدين ووافيتم بصدقاتكم المسلمين. فنهض سعيد بن عبيد الطائي فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ من الناس من يعبّر لسانه عما في قلبه، وإني والله ما كلّ ما أجد في قلبي يعبّر عنه لساني وسأجهد وبالله التوفيق، أمّا أنا فسأنصح لك في السرّ والعلانية وأقاتل عدوّك في كلّ موطن وأرى لك من الحقّ ما لا أراه لأحد من أهل زمانك لفضلك وقرابتك. قال: رحمك الله! قد أدّى لسانك عما يجنّ ضميرك. فقتل معه بصفّين رحمه الله.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لما قدم علي الربذة أقام بها وسرّح منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر؛ وكتب إليهم: إني اخترتكم معلى الأمصار وفزعتت إليكم لما حدث، فكونوا لدين الله أعوانًا وأنصارًا، وأيّدونا وانهضوا إلينا فالإصلاح ما نريد، لتعود الأمة إخوانًا، ومن أحبّ ذلك وآثره فقد أحبّ الحقّ وآثره، ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحقّ وغمصه.
فمضى الرجلان وبقى علي بالرّبذة يتهيّأ، وأرسل إلى المدينة فلحقه ما أراد ما دابّة وسلاح، وأمر أمره وقام في الناس فخطبهم؛ وقال: إنّ الله عز وجل أعزّنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانًا بعد ذلّة وقلّة وتباغض وتباعد؛ فجرى الناس على ذلك ما شاء الله؛ الإسلام دينهم والحقّ فيهم والكتاب إمامهم، حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة، ألا إنّ هذه الأمّة لا بدّ مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم، فنعوذ بالله من شرّ ما هو كائن. ثمّ عاد ثانية، فقال: إنه لا بدّ مما هو كائن أن يكون، ألا وأنّ هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة؛ شرّها فرقة تنتحلى ولا تعمل بعملي، فقد أدركتم ورأيتم فالزموا دينكم واهدوا بهدى نبيّكم http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، وأتّبعوا سنته، واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن، فما عرفه القرآن فالزموه وما أنكره فردّوه، وارضوا بالله جلّ وعزّ ربّا وبالإسلام دينًا وبمحمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) نبيًّا، وبالقرآن حكمًا وإمامًا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لما أردا علي الخروج من الربذة إلى البصرة قام إليه ابن لرفاعة بن رافع، فقال: يا أمير المؤمنين، أي شيء تريد؟ وإلى أين تذهب بنا؟ فقال: أمّا الذي نريد وننوي فالإصلاح؛ إن قبلوا منّا وأجابونا إليه، قال: فإن لم يجيبوا إليه؟ قال: ندعهم بعذرهم ونعطيهم الحقّ ونصبر؛ قال: فإن لم يرضوا؟ قال ندعهم ما تركونا، قال: فإن لم يتركونا؟ قال: امتعنا منهم، قال: فنعم إذًا. وقام الحجّاج بن غزّية الأنصاري فقال: لأرضينّك بالفعل كما أرضيتني بالقول. وقال:
دراكها دراكها قبل الفوت ** وانفر بنا واسم بنا نحو الصوت
لا وألت نفسي إن هبت الموت والله لأنصرنّ الله عز وجلّ كما سمّانًا أنصارًا. فخرج أمير المؤمنين وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمر بن الجرّاح، والرّاية مع محمّد بن الحنفيّة، وعلى الميمنة عبد الله بن عباس، وعلى الميسرة عمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد، وخرج علي وهو في سبعمائة وستين؛ وراجز علي يرجز به:
سيروا أبابيل وحثّوا السيرا ** إذ عزم السير وقولوا خيرا
حتّى يلاقوا وتلاقوا خيرا ** نغزو بها طلحة والزّبيرا
وهو أمام أمير المؤمنين، وأمير المؤمنين علي على ناقة له حمراء يقود فرسًا كميتًا. فتلقّاهم بفيد غلام من بني سعد بن ثعلبة بن عامر يدعى مرّة، فقال: من هؤلاء؟ فقيل: أمير المؤمنين، فقال: سفرة فانية فيها دماء من نفوس فانية، فسمعها علي فدعاه، فقال: ما اسمك؟ قال: مرّة، قال: أمرّ الله عيشك، كاهن سائر اليوم؟ قال: بل عائف؛ فلما نزل بفيد أتته أسد وطيّيء فعرضوا عليه أنفسهم، فقال: الزموا قراركم، في المهاجرين كفاية. وقدم رجل من أهل الكوفة فيد قبل خروج علي فقال: من الرجل؟ قال: عامر بن مطر، قال: الليثي؟ قال الشيباني: قال: أخبرني عما وراءك، قال: فأخبره حتى سأله عن أبي موسى، مفقال: إن أردت الصلح مفأبو موسى صاحب ذلك، وإن أردت القتال فأبو موسى ليس بصاحب ذلك، قال: والله ما أريد إلا الإصلاح حتى يردّ علينا، قال: قد أخبرتك لخبر، وسكت وسكت علي.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن أبي محمد، عن عبد الله بن عمير، معن محمد بن الحنفيّة. قال: قدم عثمان بن حنيف على علي بالرّبذة وقد نتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه، فقال: يا أمير المؤمنين، يعثتني ذا لحية وجئتك أمرد، قال: أصبت أجرًا وخيرًا، إنّ الناس وليهم قبلي رجلان، فعملا بالكتاب، ثمّ وليهم ثالث، فقالوا وفعلوا، ثم بايعوني، وبايعني طلحة والزّبير، ثمّ نكثًا بيعتي وألبّا الناس علي، ومن العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما علي، والله إنهما ليعلمان أني لست بدون رجل ممن قد مضى، اللهم فاحلل ما عقدا، ولا تبرم ما قد أحكما في أنفسهما وأرهما المساءة فيما قد عملًا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: ولمّا نزل علي الثعلبيّة أتاه الّذي لقي عثمان بن حنيف وحرسه فقام وأخبر القوم الخبر، وقال: اللهمّ عافني مما ابتليت به طلحة والزّبير من قتل المسلمين، وسلّمنا منهم أجمعين. ولما انتهى إلى الإساد أتاه ما لقي حكيم بن جبلة وقتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال: الله أكبر، ما ينجيني من طلحة والزّبير إذ أصابا ثأرهما أو ينجيهما! وقرأ: " ما أصاب من مصيبة في الأرض مولا في أنفسكم إلّا في كتاب من قبل أن نبرأها ". وقال:
دعا حكيم دعوة الزماع ** حلّ بها منزلة النزاع

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:04 PM
ولما اتهوا إلى ذي قار انتهى إليه فيها عثمان بن حنيف، وليس في وجهه شعر، فلما رآه علي نظر إلى أصحابه فقال: انطلق هذا من عندنا وهو شيخ، فرجع إلينا وهو شابّ. فلم يزل قار يتلوّم محمدًا ومحمدًا، وأتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس ونزلوهم بالطريق، فقال: عبد القيس خير ربيعة، في كلّ ربيعة خير. وقال:
يا لهف نفس على ربيعة ** ربيعة السامعة المطيعة
قد سبقتني فيهم الوقيعة ** دعا علي دعوة سميعة
حلّوا بها المنزلة الرفيعة
قال: وعرضت عليه بكر بن وائل، فقال لهم مثل ما قال لطيّء وأسد.
ولما قدم محمد ومحمد على الكوفة وأتيا أبا موسى بكتاب أمير المؤمنين، وقاما في الناس بأمره، لم يجابا إلى شيء، مفلما أمسوا دخل ناس من أهل الحجي على أبي موسى، فقالوا: ما ترى في الخروج؟ فقال: كان الرأي بالأمس ليس باليوم، إنّ الّذي تهاونتم به فيما مضى هو الذي جرّ عليكم ما ترون؛ وما بقي إنما هما أمران: القعود سبيل الآخرة والخروج سبيل الدنيا، فاختاروا. فلم ينفر إليه أحد، فغضب الرجلان وأغلظا لأبي موسى، فقال أبو موسى: والله إنّ بيعة عثمان رضي الله عنه لفي عنقي وعنق صاحبكما، فإن لم يكن بدّ من قتال لا نقاتل أحدًا حتى يفرغمن قتلة عثان حيث كانوا فانطلقا إلى علي قوافياه بذي قار وأخبراه الخبر، وقد خرج مع الأشتر وقد كان يعجل إلى الكوفة، فقال علي: يا أشتر، أنت صاحبنا في أبي موسى والمعترض في كلّ شيء، اذهب أنت وعبد الله بن عبّاس فأصلح ما أفسدت.
فخرج عبد الله بن عباس ومعه الأشتر، فقدما الكوفة وكلّما أبا موسى واستعانا عليه بأناس من الكوفة، فقال الكوفيين: أنا صاحبكم يوم الجرعة وأنا صاحبكم ماليوم؛ فجمع الناس فخطبهم وقال: يأيّها الناس، إنّ أصحاب النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) الّذين صحبوه في المواطن أعلم بالله جلّ وعزّ وبرسوله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) ممّن لم يصحبه، وإنّ لكم علينا حقًّا فأنا مؤدّيه إليكم.
كان الرأي ألّا تستخفّوا بسلطان الله عز وجل ولا تجترثوا على الله عز وجل، وكان لارّأي الثاني أن تأخذوا من قدم عليكم من المدينة فتردّوهم إليها حتى يجتمعوا، وهم أعلم بمن تصلح له الإمامة منكم، ولا تكلّفوا الدخول في هذا، فأمّا إذ كان ما كان فإنها فتنة صمّاء، النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان فيها خير من القاعد، والقاعد خير من القائم، والقائم خير من الراكب، فكونوا جرثومة من جراثيم العرب، فاغمدوا السيوف، وأنصلوا الأسنّة، واقطعوا الأوتار، وآووا المظلوم والمضطهد حتى يلتئم هذا الأمر، وتنجلي هذه الفتنة.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: ولما رجع ابن عباس إلى علي بالخبر دعا الحسن بن علي فأرسله، فأرسل معه عمّار بن ياسر، فقال له: انطلق فأصلح ما أفسدت؛ فأقبلا حتى دخلا المسجد، فكان أوّل من أتاهما مسروق بن الأجدع، فسلّم عليهما، وأقبل على عمّار فقال: يا أبا اليقظان، علام قتلتم عثمان رضي الله عنه؟ قال: على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا؟ فقال: والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لكان خيرًا للصّابرين. فخرج أبو موسى، فلقى الحسن فضمّه إليه، وأقبل على عمّار فقال: يا أبا اليقظان، أع*** فيمن عدا على أمير المؤمنين، فأحللت نفسك مع الفجار؟ فقال: لم أفعل، ولم تسوؤني؟ وقطع عليهما الحسن، فأقبل علي أبي موسى، فقال: يا أبا موسى، لم تثبّط الناس عنا؟ فو الله ما أردنا إلّا الإصلاح، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء. فقال: صدقت بأبي أنت وأمي؟ ولكنّ المستشار مؤتمن، سمعت رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يقول: إ، ها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب؛ قد جعلنا الله عز وجل إخوانًا، وحرّم عليها أموالنا مودماءنا، وقال: " يأيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل "، " ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيما ". وقال جلّ وعزّ: " ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم ". فغذب عمار وساءه وقام وقال: يأيّها الناس، إنما قال له خاصّة، أنت فيها قاعدًا خير منك قائمًا. وقام رجل من بني تمين، فقال لعمّار: اسكت أيّها العبد، أنت أمس معمالغوغاء واليوم تسافه أميرنا؛ وثار زيد بن صوحان وطبقثه وثار الناس، وجعل أبو موسى يكفكف الناس، ثمّ انطلق حتى أتي المنبر، وسكن الناس، وأقبل زيد على حمار حتى وقف بباب المسجد ومعه الكتابان من عائشة رضي الله عنه إليه وإلى أهل الكوفة، وقد كان طلب كتاب العامّة فضمّه إلى كتابه، فأقبل بهما ومعه كتاب الخاصة وكتاب العامّة: أمّا بعد، فثبّطوا أيّها الناس اجلسوا في بيوتكم إلّا عن قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
فلما فرغ من الكتاب قال: أمرت بأمر وأمرنا بأمر؛ أمرت أن تقرّ في بيتها، وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة، فأمرتنا بما مرت به وركبت ما أمرنا به. فقام إليه شبث بن ربعي فقال: يا عماني - وزيد من عبد القيس عمان وليس من أهل البحرين - سرقت بجلولاء فقطعك الله، وعصيت أم المؤمنين فقتلك الله! ما أمرت إلا بما أمر الله عز وجل به بالإصلاح بين الناس؛ فقلت: وربّ الكعبة؛ وتهاوى الناس. وقام أبو موسى فقال: يا أيّها الناس، أطيعوني تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوي إليكم المظلم ويأمن فيكم الخائف، إنّا أصحاب محمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) أعلم بما سمعنا، إن الفتنة إذا أقبلت شبّهت وإذا أدبرت بيّنت، وإنّ هذه الفتنة باقرة كداء البطن تجري بها الشمال والجنوب والصّبا والدّبور، فتسكن أحيانًا فلا يدري من أين تؤتي، تذر الحليم كابن أمس، شيموا سيوفكم وقصّدوا رماحكم، وأرسلوا سهامكم، واقطعوا أوتاركم، والزموا بيوتكم. خلّوا قريشًا - إذ أبوا إلا الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم بالإمرة - ترتق فتقها، وتشعب صدعها، فإن فعلت فلأنفسها سعت، وإن أبت فعلى أنفسها منبت سمنها تهريق في أديمها؛ استنصحوني ولا تستغشّوني، وأطيعوني يسلم لكم دينكم ودنياكم، ويشقى بحرّ هذه الفتنة من جناها.
فقام زيد فشال يده المقطوعة فقال: يا عبد الله بن قيس؛ ردّ الفرات عن دراجده، اردده من حيث يجيء حتى يعود كما بدأ، فإن قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد، فدع عنك ما لست مدركه. ثمّ قرأ: " الم أحسب الناس مأن يتركوا " إلى آخر الآيتين؛ سيروا إلى أمير المؤمنين وسيّد المسلمين، وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحقّ.
فقام القعقاع بن عمرو فقال: إني لكم ناصح، وعليكم شفيق، أحبّ أن ترشدوا، ولأقولنّ لكم قولًا هو الحقّ، أمّا ما قال الأمير فهو الأمر لو أنّ إليه سبيلًا، وأمّا ما قال زيد فزيد في الأمر فلا تستنصحوه فإنّه لا ينتزع أحد من الفتنة طعن فيها وجرى إليها؛ والقول الذي هو القول إنه لا بدّ من إمارة تنظم الناس وتزع الظالم ويعزّ المظلوم، وهذا علي يلي بما ولي، وقد أنصف في الدعاء وإنما يدعو إلى الإصلاح، فانفروا وكونوا من هذا الأمر بمرأيى ومسمع.
وقال سيحان: أيّها الناس، إنه لا بدّ لهذا الأمر وهؤلاء الناس من وال يدفع الظالم ويعزّ المظلوم ويجمع الناس، وهذا وإليكم يدعوكم لينظر فيما بينه وبين صاحبيه، وهو المأمون على الأمّة، الفقيه في الدين، فمن نهض إليه فإنا سائرون ممعه. ولان عمّار بعد نزوته الأولى. فلما فرغ سيحان من خطبته، تكلم عمار فقال: هذا ابن عمّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) يستنفركم إلى زوجة رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وإلى طلحة والزّبير، وإني أشهد أنّها زوجته في الدينا والآخرة، فانظروا ثمّ انظروا في الحق فقاتلوا معه؛ فقال رجل: يا أبا اليقظان، لهو مع من شهدت له بالجنّة على من لم تشهد له. فقال الحسسن: اكفف عنّا يا عمار، فإنّ للإصلاح أهلًا.
وقام الحسن بن علي، فقال: يأيّها الناس؛ أجيبوا دعوة أميركم؛ وسيروا إلى أخوانكم، فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، والله لأن يليه أول النهى أمثل في العاجلة وخير في العاقبة، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم. فسامح الناس وأجابوا ورضوا به. وأتى قوم من طيّء عديًّا فقالوا: ماذا ترى وماذا تأمر؟ فقال: ننتظر ما يصنع الناس، فأخبر بقيام الحسن وكلام من تكلم، فقال: قد بايعنا هذا الرجل، وقد دعانا إلى جميل، وإلى هذا الحدث العظيم لننظر فيه، ونحن سائرون وناظرون.
وقام هند بن عمرو، فقال: إنّ أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا رسله حتى جاءنا ابنه، فاسمعوا إلى قوله، وانتهوا إلى أمره، وانفروا إلى أميركم فانظروا معه في هذا الأمر وأعينوه برأيكم.
وقام حجر بن عدي، فقال: أيّها الناس أجيبوا أمير المؤمنين وانفروا خفافًا وثقا لامروا، أنا أولكم. وقام الأشتر فذكروا الجاهليّة وشدّتها، والإسلام ورخاءه، وذكر عثمان رضي الله عنه. فقام إليه المقطّع بن الهيثم بن فجيع العامري ثم البكائي، فقال: اسكت قبحك الله! كلب خلّى والنّباح، فثار الناس فأجلسوه.
وقام المقطّع، فقال: إنا والله لا نحتمل بعدها أن يبوء أححد بذكر أحد من أئمّتنا، وأنّ عليّا عندنا لمقنع، والله لئن يكن هذا الضرب لا يرضى بعلي. فعضّ امرؤ على لسانه في مشاهدنا؛ فأقبلوا على أحثّاكم.
فقال الحسن: صدق الشيخ، وقال الحسن: أيّها الناس، إنّي غاد فمن شاء منكم أن يخرج معي على الظهر، ومن شاء فليخرج في الماء فنفر معه تسعة آلاف، فأخذ بعضهم البرّ، وأخذ بعضهم الماء وعلى كل سبع رجل؛ أخذ البرّ ستة آلاف ومائتان، وأخذ الماء ألفان وثمانمائة.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:05 PM
وفيما ذكر نصر بن مزاحم العطار، عن عمر بن سعيد، عن أسد بن عبد الله، عمّن أدرك من أهل العلم: أن عبد خير الخيواني قام إلى أبي موسى فقال: يا أبا موسى، هل كان هذا الرجلان - يعني طلحة والزبير - ممن بايع عليّا؟ قال: نعم، قال: هل أحدث حدثًا يحلّ به نقض بيعته؟ قال: لا أدري، قال: لا دربت، فإنا تاركوك حتى تدري! يا أبا موسى هل تعلم أحدًا خارجًّا من هذه الفتنة التي تزعم أنها هي فتنة؟ إنما بقي أربع فرق: علي بظهر الكوفة، وطلحة والزبير بالبصرة، ومعاوية بالشأم، وفرقة أخرى بالحجاز، لا يجبي بها فيء، ولا يقاتل بها عدوّ؛ فقال له أبو موسى: أولئك خير الناس، وهي فتنة؛ فقال له عبد خير: يا أبا موسى، غلب عليك غشّك.
قال: وقد كان الأشتر قام إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد بعثت إلى أهل الكوفة رجلًا قبل هذين فلم أره أحكم شيئًا ولا قدر عليه، وهذان أخلق من بعثت أن ينشب بهم الأمر على ما تحبّ، ولست أدري ما يكون، فإن رأيت - أكرمك الله - يا أمير المؤمنين أن تبعثي في أثرهم، فإنّ أهل المصر أحسن شيء لي طاعة، وإن قدمت عليهم رجوت ألّا يخالفني منهم أحجد. فقال له علي: الحق بهم؛ فأقبل الأشتر حتى جخل الكوفة وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم، فجعل لا يمرّ بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلّا دعاهم ويقول: اتّبعوني إلى القصر، فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس، فاقتحم القصر فدخله وأبو موسى قائم في المسجد يخطب الناس ويثبّطهم، يقول: أيّها الناس، إنّ هذه فتنة عمياء صماء تطأ خطامها النائم فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من لاماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراكب؛ إنها فتنة باقرة كداء البطن، أتتكم من قبل مأمنكم، تدع الحليم فيها حيران كابن أمس. إنا معاشر أصحاب محمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) أعلم بالفتنة، إنها إذا أقبلت شبّهت وإذا أدبرت أسفرت. وعمّار يخاطبه والحسن يقول له: اعتزل عملنا لا أمّ لك! وتنحّ عن منبرنا. وقال له عمار: أنت سمعت هذا من رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)؟ فقال أبو موسى: هذه يدي بما قلت، فقال له عمّار: إنما قال لك رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) هذا خاصة، فقال: أنت فيها قاعدًا خير منك قائمًا، ثمّ قال عمّار: غلب الله من غلالبه وجاحده.
قال نصر بن مزاحم: حدثنا عمر بن سعيد، قال: حدثني رجل، عن نعيم، عن أبي مريم الثقفي، قال: والله إني لفي المسجد يومئذ وعمّار يخاطب أبا موسى ويقول له ذلك القول، إذ خرج علينا غلمان لأبي موسى يشتدّون ينادون: يا أبا موسى، هذا الأشتر قد دخل القصر فضربنا وأخرجنا؛ فنزل أبو موسى، فدخل القصر، فصاح به الأشتر: اخرج من قصرنا لا أمّ لكّ أخرج الله نفسك، فو الله إنك لمن المنافقين قديمًا، قال: أجّلني هذه العشيّة، فقال: هي لك، ولا تبينّ في القصر الليلة. ودخل الناس ينتهبون متاع مأبي موسى؛ فمنعهم الأشتر وأخرجهم من القصر، وقال: إني قد أخرجته، فكفّ الناس عنه.
نزول أمير المؤمنين ذا قار

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، قال: لما التقوا بذي قار تلقّاهم علي في أناس، فيهم ابن عباس فرحّب بهم، وقال: يا أهل الكوفة، أنتم ولّيتم شوكة العجم وملوكهم، وفضضتم جموعهم؛ حتى صارت إليكم مواريثهم، فأغنيتم حوزتكم، وأعنتم الناس على عدوّهم، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة؛ فإن يرجعوا فذاك ما نيريد وإن يلجّوا داويناهم بالرفق، وباينّاهم حتى يبدءونا بظلم، ولن ندع أمرًا فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله، ولا قوّة إلا بالله.
فاجتمع بذي قار سبعة آلاف ومائتان، وعبد القيس بأسرها في الطريق بين علي وأهل البصرة ينتظرون مرور علي بهم، وهم آلاف - وفي الماء ألفان وأربعمائة.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة بإسنادها قالا: لما نزل علي ذا قار أرسل ابن عباس والأشتر بعد محمد بن أبي بكر ومحمد ابن جعفر، وأرسل الحسن بن علي وعمرًا بعد ابن عباس والأشتر، فخفّ في ذلك الأمر جميع من كان نفر فيه، ولم يقدم فيه الوجوه أتباعهم فكانوا خمسة آلاف أخذ نصفهم في البرّ ونصفهم في البحر، وخفّ من لم ينفر فيها ولم يعمل لها. وكان على طاعته ملازمًا للجماعة فكانوا أربعة آلاف، فكان رؤساء الجماعة: القعقاع بن عمرو وسعر بن مالك وهند بن عمرو والهيثم ابن شهاب؛ وكان رؤساء النفّار: زيد بن صوحان، والأشتر مالك بن الحارث، وعدي بن حاتم، والمسيّب بن نجبة، ويزيد بن قيس ومعهم أتباعهم وأمثال هلم لسوا دونهم إلّا أنهم لم يؤمّروا؛ منهم حجر بن عدي وابن محدوج البكري؛ وأشباه لهما لم يكن في أهل الكوفة أحد على ذلك الرأي غيرهم. فبادروا في الوقعة إلا قليلًا، فلما نزلوا على ذي قار دعا القعقاع بن عمرو فأرسله إلى أهل البصرة وقال له: الق هذيه الرجلين يا بن الحنظليّة - وكان القعقاع من أصحاب النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) - فادعهما إلى الألفة والجماعة، وعظّم عليهما الفرقة، وقال له: كيف أنت صانع فيما جاءك منهما مما ليس عندك فيه وصاة منّي؟ فقال: نلقاهم بالّذي أمرت به، فإذا جاء منهما أمر ليس عندنا منك فيه رأي اجتهدنا الرأي وكلّمناهم على قدر ما نسمع ونرى أنه ينبغي. قال: أنت لها. فخرج القعقاع حتى قدم البصرة، فبدأ بعائشة رضي الله عنه فسلّم عليها، وقال: أي أمّه؛ ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بني، إصلاح بين الناس، قال: فابعثي إلى طلحة والزّبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما، فبعثت إليهما فجاءا، فقال: إني سألت أمّ المؤمنين: ما أشخصها وأقدمها هذه البلاد؟ فقالت: إصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما؟ أمتابعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان، قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ فو الله لئن عرفنا لنصلحنّ، ولئن أنكرناه لا نصلح. قالا: قتلة عثمان رضي الله عنه، فإن هذا إن ترك كان تركًا للقرآن؛ وإن علم به كان إحياء للقرآن. فقال: قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة، وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة إلّا رجلًا، فغضب لهم ستة آلاف. واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم ذلك الّذي أفلت - يعني حرقوص بن زهير - فمنعه ستة آلاف وهم على رجل، فإن تركتموه كنتم تاركين لما تقولان؛ وإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا عليكن فالّذي حذرتم وقربتم به هذا الأمر أعظم ممّا أراكم تكروهون؛ وأنتم أحميتم مضر وربيعة من هذه البلاد، فاجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحدث العظيم والذنب الكبير. فقالت أمّ المؤمنين: فتقول أنت ماذا؟ قال: أقول هذا الأمر دواؤه التسكين، وإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة ودرك بثأر هذا الرجل، وعافية وسلامة لهذه الأمة، وإن أنتم أبيتم إلّا مكابرة هذا الأمر واعتسافه، كانت علامة شرّ، وذهاب هذا الثأر، وبعثة الله في هذه الأمة هزاهزها، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم تكونون، ولا تعرضونا للبلاء ولا تعرّضوا له فيصرعنا وإياكم. وأيم الله إني لأقول هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف إلّا يتمّ حتى يأخذ الله عز وجل حاجته من هذه الأمة مالت قلّ متاعها ونزل بها ما نزل، فإنّ هذا الأمر الّذي حدث أمر ليس يقدّر، وليس كالأمور، ولا كقتل الرجل الرجل، ولا النفر الرجل، ولا القبيلة الرجل.
فقالوا: نعم، إذًا قد أحسنت وأصبت المقالة؛ فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر. فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح؛ كثره ذلك من كرهه، ورضيه من رضيه.
وأقبلت وفود البصرة نحو علي حين نزل بذي قار، فجاءت وفود تميم وبكر قبل رجوع القعقاع لنظروا ما رأى إخوانهم من أهل الكوفة، وعلى أي حال نهضوا إليهم، وليعلموهم أنّ الذي عليه رأيهم الإصلاح، ولا يخطر لهم قتال على بال. فلمّا لقوا عشائرهم من أهل الكوفة بالذي بعثهم فيه عشائرهم من أهل البصرة وقال لهم الكوفيون مثل مقالتهم، وأدخلوهم على علي فأخبروه خبرهم؛ سأل علي بن شرس عن طلحة والزّبير، فأخبره عن دقيق أمرهما وجليله حتى تمثل له:
ألا أبلغ بني بكر رسولا ** فليس إلي بني كعب سبيل
سيرجع ظلمكم منكم عليكم ** طويل الساعدين له فضول
وتمثل علي عندها:
ألم تعلم أبا سمعنا أنّا ** نردّ الشيخ مثلك ذا الصداع!
ويذهل عقله بالحرب حتى ** يقوم فيستجيب ليغير داع
فدافع عن خزاعة جمع بكر ** وما بك يا سراقة من دفاع
قال أبو جعفر: أخرج إلي زياد بن أيوب كتابًا فيه أحاديث عن شيوخ ذكر أنه سمعها منهم؛ قرأ علي بعضها ولم يقرأ علي بعضها، فممّا لم يقرأ علي من ذلك فكتبته منه؛ قال: حدثنا مصعب بن سلام التميمي، قال: حدثنا محمد بن سوقة، عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، قال: رأيت فيما يرى النائم في زمان عثمان بن عفان أنّ رجلًا يلي أمور الناس مريًا على فراشه وعند رأسه امرأة؛ والناس يريدونه ويبهشون إليه، فلو نهتهم المرأة لانتهوا؛ ولكنها لم تفعل، فأخذوه فقتلوه. فكنت أقصّ رؤياي على الناس في الحضر ولاسفر، فيعجبون ولا يدرون ما تأوليها! فلما قتل عثمان رضي الله عنه أتانا الخبر ونحن راجعون من غزاتنا؛ فقال أصحابنا: رؤياك يا كليب. فانتهينا إلى البصرة فلم نلبث إلّا قليلًا حتى قيل: هذا طلحة والزّبير معهما أمّ المؤمنين؛ فراع ذلك الناس وتعجّبوا، فإذا هم يزعمون للناس أنهم إنما خرجوا غضبًا لعثمان وتوبة مما صنعوا من خذلانه، وإنّ أمّ المؤمنين تقول: غضبنا لكم على عثمان في ثلاث: إمارة الفتي، وموقع الغمامة، وضربة السوط والعصا، فما أنصفنا إن لم نغضب له عليكم في ثلاث جررتموها إليه: حرمة الشهر، والبلد، والدم. فقال الناس: أفلم تبايعوا عليًّا وتدخلوا في أمره! فقالوا: دخلنا واللّجّ على أعناقنا. وقيل هبذا علي قد أظلّكم، فقال قومنا لي ولرجلين معي: انطلقوا حتى تأتوا عليًّا وأصحابه فسلوهم عن هذا الأمر الّذي قد اختلط علينا؛ فخرجنا حتى إذا دنونا من العسكر طلع علينا رجل جميل على بغلة، فقلت لصاحبي: أرأيتم المرأة التي كنت أحدثكم عنها أنها كانت عند رأس الوالي؟ فإنها أشبه الناس بهذا، ففطن أنّا نخوص فيه، فلما انتهى إليها قال: قفوا، ما الّذي قلتم حين رأيتموني؟ فأبينا عليه، فصاح بنا وقال: والله لا تبرحون حتى تخبروني، فدخلتنا منه هيبة، فأخبرناه فجاوزنا وهو يقول: والله لقد رأيت عجبًا، فقلنا لأدنى أهل العسكر إلينا: من هذا؟ فقال: محمّد بن أبي بكر، فعرفنا أن تلك المرأة عائشة رضي الله عنه، فازددنا لأمرها كراهية، وانتهينا إلى علي فسلمنا عليه، ثم سألناه عن هذا الأمر، فقال: عدا الناس على هذا الرجل وأنا معتزل فقتلوه، ثمّ ولّوني وأنا كاره ولولا خشية على الدين لم أجبهم، ثمّ طفق هذان في النكث فأخذت عليهما وأخذت عهودهما عند ذلك، وأذنت لهما في العمرة، فقدما على أمّها حليلة رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) فرضيا لها ما رغبا لنسائهما عنه، وعرّضاها لما لا يحلّ لهما ولا يصلح؛ فاتّبعتهما لكيلا يفتقوا في الإسلام فتقًا، ولا يخرقوا جماعة.
ثم قال أصحابه: والله ما نريد قتالهم إلّا أن يقاتلوا وما خرجنا إلّا لإصلاح0. فصاح بنا أصحاب علي: بايعوا بايعوا، فبايع صاحبي، وأمّا أنا فأمسكت وقلبت: بعثني قومي لأمر، فلا أحدث شيئًا حتى أرجع إليهم. فقال علي: فإن لم يفعلوا؟ فقلت: لم أفعل، فقال: أرأيت لو أنهم بعثوك رائدًا فرجعت إليهم، فأخبرتهم عن الكلإ والماء فحالوا إلى المعاطش والجدوبة ما كنت صانعًا؟ قال: قلت: كنت تاركهم ومخالفهم إلى الكلإ والماء، قال: فمدّ يدك، فو الله ما استطعت أن أمتنع، فبسطت يدي فبايعته. وكان يقول: علي من أدهى العرب. وقال: ما سمعت من طلحة والزّبير؟ فقلت: أما الزبير فإنه يقول: بايعنا كرهًا، وأمّا طلحة فمقبل على أن يتمثّل الأشعار، ويقول:
ألا أبلغ بني بكر رسولًا ** فليس إلى بني كعب سبيل
سيرجع ظلمكم منكم عليكم ** طويل الساعدين له فضول
فقال: ليس كذلك، ولكن:
ألم تعلم أبا سمعان أنّا ** نصمّ الشيخ مثلك ذا الصداع
ويذهل عقله بالحرب حتى ** يقوم فيستجيب لغير داع
ثم سار حتى نزل إلى جانب البصرة؛ وقد خندق طليحة والزّبير، فقال لنا أصحابنا من أهل البصرة: مما سمعتم إخواننا من أهل الكوفة يريدون ويقولون؟ فقلنا: يقولون خرجنا للصّلح وما نريد قتالًا؛ فبينا هم على ذلك لا يحدثون أنفسهم بغيره، إذ خرج صبيان العسكرين فتسابّوا ثم تراموا، ثم تتابع عبيد العسكرين، ثم ثلَّث السفهاء، ونشبت الحرب، وألجأتهم إلى الخندق، فاقتتلوا عليه حتى أجلوا إلى موضع القتال؛ فدخل منه أصحاب علي وخرج الآخرون.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:05 PM
ونادى علي: ألا لا نتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تدخلوا الدور، ونهى الناس، ثم بعث إليهم أن اخرجوا للبيعة، فبايعهم على الرايات وقال: من عرف شيئًا فليأخذه، حتى ما بقي في العسكرين شيء إلّا قبض، فانتهى إليه قوم من قيس شباب، فخطب خطيبهم، فقال: أين أمراؤكم؟ فقال الخطيب: أصيبوا تحت نظّار الجمل؛ ثم أخذ في خطبته، فقال علي: أما إنّ هذا لهو الخطيب السحسح. وفرغ من البيعة؛ واستعمل عبد الله ابن عباس وهو يريد أن يقيم حتى يحكم أمرها. فأمرني الأشتر أن أشتري له أثمن بعير بالبصرة ففعلت، فقال: ائت به عائشة، وأقرئها مني السلام، ففعلت، فدعت عليه وقالت: اردده عليه؛ فأبلغته، فقال: تلومني عائشة أن أفلتّ ابن أختها؟ وأتاه الخبر باستعمال علي ابن عباس فغضب وقال: غلام قتلنا الشيخ! إذ اليمن لعبيد الله، والحجاز لقثم، والبصرة لعبد الله، والكوفة لعلي. ثم دعا بدابتّه فركب رجعًا. وبلغ ذلك عليًّا فنادى الرحيل، ثم أجدّ السير فلحق به فلم يره أنه قد بلغه عنه وقال: ما هذا السير؟ سفتنا! وخشي إ، ترك والخروج أن يوقع في أنفس الناس شرًّا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لما جاءت وفود أهل البصرة إلى أهل الكوفة ورجع القعقاع من عند أمّ المؤمنين وطلحة الزبير بمثل رأيهم، جمع علي الناس، ثمّ قام على الغرائر، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg). وذكر الجاهلية وشقاءها والإسلام والسعادة وإنعام الله على الأمّة بالجماعة بالخليفة بعد رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، ثمّ الذي يليه، ثمّ حدث هذا الحدث الّذي جرّه على هذه الأمّة أقوام طلبوا هذه الدنيا، حسدوا من أفاءها الله عليه على الفضيلة، وأرادوا ردّ الأشياء على أدبارها، والله بالغ أمره، ومصيب ما أراد. ألا وإنّ راحل غدًا فارتحلوا، ألا ولا يرتحلنّ غدًا أحد أعان على عثمان بشيء في شيء من أمور الناس، وليغن السفّهاء عني أنفسهم.
فاجتمع نفر، منهم علباء بن الهيثم، وعدي بن حاتم، وسالم بن ثعلبة العبسي، وشريح بن أوفى بن ضبيعة، والأشتر؛ في عدّة ممن سار إلى عثمان، ورضيَ بسير من من سار، وجاء معهم المصرّيون: ابن السوداء وخالد بن ملجم وتشاوروا، فقالوا: ما الرأي؟ وهذا والله علي، وهو أبصر الناس بكتاب الله وأقرب ممّن يطلب قتلة عثمان وأقربهم إلى العمل بذلك، وهو يقول ما يقول، ولم ينفر إليه إلّا هم والقليل من غيرهم، فكيف به إذا شامّ القوم وشامّوه، وإذا رأوا قلّتنا في كثرتهم! أنتم والله ترادون، وما أنتم بأنجى من شيء. فقال الأشتر: أمّا طلحة والزّبير فقد عرفنا أرمهما، وأمّا علي فلم نعرف أمره حتى كان اليوم، ورأي الناس فينا والله واحد، وإن يصطلحوا وعلي فعلى دمائنا؛ فهلمّوا فلنتواثب على علي فنلحقه بعثمان؛ فتعود فتنة يرضى منّا فيها بالسّكون.
فقال عبد الله بن السوداء: بئس الرأي رأيت! أنتم يا قتلة عثمان من أهل الكوفة بذي قار ألفان وخمسمائة أو نحو من ستمائة، وهذا ابن الحنظليّة وأصحابه في خمسة آلاف بالأشواق إلى أن يجدوا إلى قتالكم سبيلًا، فارقأ على ظلعك.
وقال علباء بن الهيثم: انصرفوا بنا عنهم ودعوهم، فإن قلّوا كان أقوى لعدّوهم عليهم، وإن كثروا كان أحرى أن يصطلحوا عليكم؛ دعوهم وارجعوا فتعلّقوا ببلد من البلدان حتى يأتيكم فيه من تتّقون به، وامتنعوا من الناس. فقال عدي بن حاتم: والله ما رضيت ولا كرهت، ولقد عجبت من تردّد من تردّد عن قتله في خوض اعلحديث، فأمّا إذ وقع ما وقع ونزل من الناس بهذه المنزلة، فإنّ لنا عتادًا من خيول وسلاح محمودًا، فإن أقدمتم أقدمنا وإن أمسكتم أحجمنا. فقال ابن السوداء: أحسنت!
وقال سالم بن ثعلبة: من كان أراد بما أتى الدنيا فإنّي لم أرد ذلك، والله لئن لقيتهم غدًا لا أرجع إلى بيتي، ولئن طال بقائي إذا أنا لاقيتهم لا يزد على جزر جزور، وأحلف بالله إنكم لتفرقون السيوف فرق قوم لا تصير أمورهم إلّا إلى السيف. فقال ابن السوداء: قد قال قولًا.
وقال شريح بن أوفى: أبرموا أموركم قبل أن تخرجوا، ولا تؤخّروا أمرًا ينبغي لكم تعجيله؛ ولا تعجّلوا أمرًا ينبغي لكم تأخيره؛ فإنّا عند الناس بشرّ المنازل، فلا أدري ما الناس صانعون غدًا إذا ما هم التقوا! وتكلّم ابن السوداء فقال: يا قوم، إنّ عزّكم في خلطة الناس، فصانعوهم، وإذا التقى الناس غدًا فأنشبوا القتال، ولا تفرّغوهم للنظر، فإذا من أنتم معه لا يجد بدًّا من أن يمتنع؛ ويشغل الله عليًّا وطلحة والزبير ومن رأى رأيهم عمّا تكرهون. فأبصروا الرأي، وتفرّقوا عليه والناس لا يشعرون.
وأصبح علي على ظهر، فمضى ومضى الناس حتى إذا انتهى إلى عبد القيس نزل بهم وبمن خرج من أهل الكوفة وهم أمام ذلك، ثم ارتحل حتى نزل على أهل اعلكوفة وهم أمام ذلك، والناس متلاحقون به وقد قطعهم، ولما بلغ أهل البصرة رأيهم ونزل عليٌّ بحيث نزل، قام أبو الجرباء إلى الزبير بن العوّام فقال: إنّ الرأي أن تبعث الآن ألف فارس فيمسّوا هذا الرجل ويصبّحوه قبل أن يوافي أصحابه؛ فقال الزبير: يا أبا الجرباء، إنا لنعرف أمور الحرب؛ ولكنهم أهل دعوتنا؛ وهذا أمر حدث في أشياء لم تكن قبل اليوم، هذا أمر من لم يلق الله عز وجل فيه بعذر انقطع عذره يوم القيامة؛ ومع ذلك إنه قد فارقنا وافدهم على أمر، وأنا أرجو أن يتمّ لنا الصح؛ فأبشروا واصبروا، وأقبل صبرة بن شيمان فقال: يا طلحة، يا زبير، انتهزا بنا هذا الرجل فإنّ الرأي في الحرب خير من الشدّة. فقالا: يا صبرة إنا وهم مسلمون، وهذا أمر لم يكن قبل اليوم فينزل فيه قرآن، أو يكون فيه من رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) سنّة، إنما هو حدث. وقد زعم قوم أنه لا ينبغي تحريكه اليوم. وهمّ علي ومن معه، فقلنا: نحن لا ينبغي لنا أن نتركه اليوم ولا نؤخّره. فقال علي: هذا الّذي ندعوكم إليه من إقرار هؤلاء القوم شرّ وهو خير من شرّ منه، وهو كأمر لا يدرك، وقد كاد أن يبين لنا، وقد جاءت الأحكام بين المسلمين بإيثار أعمّها منفعةً وأحوطها. وأقبل كعب بن سور فقال: ما تنتظرون يا قوم بعد تورّدكم أوائلهم! اقطعوا هذا العنق من هؤلاء. فقالوا: يا كعب، إنّ هذا أمر بيننا وبين إخواننا، وهو أمر ملتبس، لا والله ما أخذ أصحاب محمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) مذ بعث الله عز وجل نبيّه طريقًا إلّا علموا أين مواقع أقدامهم؛ حتى حدث هذا فإنهم لا يدرون أمقبلون هم أم مدبرون! إن الشيء يحسن عندنا اليوم ويقبح عند إخواننا؛ فإذا كان من الغد قبح عندنا وحسن عندهم؛ وإنا لنحتجّ عليهم بالحجّة فلا يرونها حجّة، ثم يحتجّون بها على أمثالها، ونحن نرجو الصلح إن أجابوا إليه وتمّوا، وإلّا فإن آخر الدواء الكي.
وقام إلى علي بن أبي طالب أقوام من أهل الكوفة يسألونه عن إقدامهم على القوم، فقام إليه فيمن قام الأعور بن بنان المنقري؛ فقال له علي: على الإصلاح وإطفاء النائرة، لعلّ الله يجمع شمل هذه الأمة بنا ويضع حربهم؛ وقد أجابوني، قال: فإن لم يجيبونا؟ قال: تركناهم ما تركونا، قال: فإن لم يتركونا؟ قال: دفعناهم عن أنفسنا، قال: فهل لهم مثل ما عليهم من هذا؟ قال: نعم.
وقام إليه أبو سلامة الدألاني فقال: أترى لهؤلاء القوم حجّة فيما طلبوا من هذا الدم، إن كانوا أرادوا الله عزّ وجل بذلك؟ قال: نعم، قال: فترى لك حجّة بتأخيرك ذلك؟ قال: نعم، إنّ الشيء إذا كان لا يدرك فالحكم فيه أحوطه وأعمّه نفعًا، قال: فما حالنا وحالكم إن ابتلينا غدًا؟ قال: إنّي لأرجو ألّا يقتل أحد نقّى قلبه لله منّا ومنهم إلا أدخله الله الجنّة.
وقام إليه مالك بن حبيب، فقال: ما أنت صانع إذا لقيت هؤلاء القوم؟ قال: قد بان لنا ولهم أنّ الإصلاح الكفّ عن هذا الأمر، فإن بايعونا فذلك، فإن أبوا وأبينا إلّا القتال فصدع لا يلتئم؛ قال: فإن ابتلينا فما بال قتلانا؟ قال: من أراد الله عز وجل نفعه ذلك وكان نجاءه.
وقام علي، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: يأيّها الناس، املكوا أنفسكم، كفّوا أيديكم وألسنتكم عن هؤلاء القوم، فإنهم إخوانكم واصبروا على ما يأتيكم، وإياكم أن تسبقونا فإنّ المخصوم غدًا من خصم اليوم.
ثم ارتحل وأقدم ودفع تعبيته التي قدم فيها حتى إذا أطلّ على القوم بعث إليهم حكيم بن سلامة ومالك بن حبيب: إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع ابن عمرو فكفّوا وأقرّونا ننزل وننظر في هذا الأمر.
فخرج إليه الأحنف بن قيس وبنو سعد مشمّرين؛ قد منعوا حرقوص ابن زهير، ولا يرون القتال مع علي بن أبي طالب. فقال: يا علي، إنّ قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم غدًا أنك تقتل رجالهم وتسبي نساءهم. فقال: ما مثلي يخاف هذا منه، وهل يحلّ هذا إلّا ممّن تولّى وكفر، ألم تسمع إلى قول الله عز وجل: " لست عليهم بمصيطر، إلّا من تولّى وكفر "، وهم قوم مسلمون! هل أنت مغنٍ عني قومك؟ قال: نعم، واختر مني واحدة من ثنتين، إمّا أن أكون آتيك فأكون معك بنفسي، وإمّا أن أكفّ عنك عشرة آلاف سيف. فرجع إلى الناس فدعاهم إلى القعود وقد بدأ فقال فقال: يال خندف، فأجابه ناس، ثمّ نادى يال تميم! فأجابه ناس، ثم نادى: يال سعد؛ فلم يبق سعدي إلّا أجابه، فاعتزل بهم، ثم نظر ما يصنع الناس، فلما وقع القتال وظفر علي جاءوا وافرين، فدخلوا فيما دخل فيه الناس.
وأما الّذي يرويه المحدثون من أمر الأحنف، فغير ما رواه سيف عمن ذكر من شيوخه. والذي يرويه المحدثون من ذلك ما حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت حصينًا يذكر عن عمرو بن جأوان، عن الأحنف بن قيس، قال: قدمنا المدينة ونحن نريد الحجّ، فإنا لبمنازلنا نضع رحالنا إذ أتانا آت فقال: قد فزعوا وقد اجتمعوا في المسجد، فانطلقنا فإذا الناس مجتمعون على نفر في وسط المسجد، وإذا علي والزّبير وطلحة وسعد بن أبي وقّاص، وإنا لكذلك إذ جاء عثمان بن عفان؛ فقيل: هذا عثمان قد جاء وعليه مليئة له صفراء قد قنّع بها رأسه، فقال: أهاهنا علي؟ قالوا: نعم، قال: أهاهنا الزبير؟ قالوا: نعم، قال: أهاهنا طلحة؟ قالوا: نعم، قال أنشدكم بالله الذي لا إله إلّا هو؛ أتعلمون أنّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) قال: من يبتع مربد بني فلان غفر الله له؛ فابتعته بعشرين أو بخمسة وعشرين ألفًا، فأتيت النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) فقلت: يا رسول الله، قد ابتعته، قال: " اجعله في مسجدنا وأجره لك "! قالوا: اللهمّ

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:06 PM
نعم، وذكر أسشياء من هذا النوع. قال الأحنف: فلقيت طلحة والزّبير فقلت: من تأمراني به وترضيانه لي؟ فإني لا أرى هذا الرجل إلّا مقتولًا، قالا: علي؟ قلت: أتأمراني به وترضيانه لي؟ قالا: نعم، فانطلقت حتى قدمت مكة، فبينا نحن بها إذ أتانا قتل عثمان رضي الله عنه وبها عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، فلقيتها فقلت: من تأمريني أن أبايع؟ قالت: علي، قلت: تأمرينني به وترضينه لي؟ قالت: نعم؛ فمررت على علي بالمدينة فبايعته، ثمّ رجعت إلى أهلي بالبصرة ولا أرى الأمر إلّا قد استقام، قال: فبينا أنا كذلك؛ إذ آتاني آت فقال: هذه عائشة وطلحة والزّبير قد نزلوا جانب الخريبة، فقلت: ما جاء بهم؟ قالوا: أرسلوا إليك يدعونك يستنصرون بك على دم عثمان رضي الله عنه، فأتاني أفظع أمر أتاني قطّ! فقلت: إنّ خذلاني هؤلاء ومعهم أمّ المؤمنين وحواري رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) لشديد، وإنّ قتالي رجلًا ابن عمّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) قد أمروني ببيعته لشديد. فلما أتيتهم قالوا: جئنا لنستنصر على دم عثمان رضي الله عنه، قتل مظلومًا؛ فقلت: علي؟ فقلت: أتأمرينني به وترضينه لي؟ قلت نعم! قالت: نعم، ولكنه بدّل. فقلت: يا زبير يا حواري رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، يا طلحة، أنشدكما الله، أقلت لكما: ما تأمراني فقلتما: علي؟ فقلت: أتأمراني به وترضيانه لي؟ فقلتما نعم! قالا: نعم، ولكنه بدّل. فقلت: والله لا أقاتلكم ومعكم أمّ المؤمنين وحواري رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) ولا أقاتل رجلًا ابن عمّ رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، أمرتموني ببيعته؛ اختاروا مني واحدةً من ثلاث خصال: إما أن تفتحوا لي الجسر فألحق بأرض الأعاجم حتى يقضي الله عز وجل من أمره ما قضى، أو أعتزل فأكون قريبًا. قالوا: إنا نأتمر، ثم نرسل إليك. فائتمروا فقالوا: نفتح له الجسر ويخبرهم بأخباركم! ليس ذاكم برأي، اجعلوه ها هنا قريبًا حيث تطئون على صماخه وتنظرون إليه. فاعتزل بالجلحاء من البصرة على فرسخين، فاعتزل معه زهاء على ستة آلاف. ثم التقى القوم فكان أوّل قتيل طلحة رضي الله عنه، وكعب بن سور معه المصحف يذكّر هؤلاء وهؤلاء؛ حتى قتل من قتل منهم، ولحق الزبير بسفوان، من البصرة كمكان القادسيّة منكم، فلقيه النعر؛ رجل من مجاشع، فقال: أين تذهب يا حواري رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)؟ إلي فأنت في ذمتي لا يوصل إليك؛ فأقبل معه؛ فأتى الأحنف خبره فقيل: ذاك الزبير قد لقي بسفوان فما تأمر؟ قال: جمع بين المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيوف ثم يلحق ببيته، فسمعه عمير بن جرموز وفضالة بن حابس، ونفيع؛ فركبوا في طلبه، فلقوه مع النعر، فأتاه عمير بن جرموز من خلفه وهو على فرس له ضعيفة، فطعنه طعنةً خفيفة، وحمل عليه الزبير وهو على فرس له يقال له ذو الخمار، حتى إذا ظنّ أنه قاتله نادى عمير بن جرموز: يا نافع، يا فضالة، فحملوا عليه فقتلوه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: معتمر بن سليمان، قال: نبّأني أبي، عن حصين، قال: حدثنا عمرو بن جأوان؛ رجل من بني تميم، وذاك أنى قلت له: أرأيت اعتزال الأحنف ما كان؟ فقال: سمعت الأحنف يقول: أتيت المدينة وأنا حاجّ؛ فذكر نحوه. الحمد لله على ما قضى وحكم.
بعثة علي بن أبي طالب من ذي قار ابنه الحسن وعمار بن ياسر ليستنفرا له أهل الكوفة

حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا بشير بن عاصم، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه، قال: خرج هاشم بن عتبة إلى علي بالرّبذة؛ فأخبره بقدوم محمد بن أبي بكر وقول أبي موسى، فقال: لقد أردت عزله، وسألني الأشتر أن أقرّه فردّ علي هاشمًا إلى الكوفة وكتب إلى أبي موسى: إنّي وجّهت هاشم بن عتبة لينهض من قبلك من المسلمين إلي، فأشخص الناس فإنّي لم أولّك الذي أنت به إلّا لتكون من أعواني على الحقّ. فدعا أبو موسى السائب بن مالك الأشعري، فقال له: ما ترى؟ قال: أرى أن تتبع ما كتب به إليك، قال: لكني لا أرى ذلك. فكتب هاشم إلى علي: إني قد قدمت على رجل غال مشاقّ ظاهر الغلّ والشنآن. وبعث بالكتاب مع المحلّ بن خليفة الطائي. فبعث علي الحسن بن علي وعمّار بن ياسر يستنفران له الناس، وبعث قرظة بن كعب الأنصاري أميرًا على الكوفة، وكتب معه: إلى أبي موسى: أما بعد، فقد كنت أرى أن بعدك من هذا الأمر الّذي لم يجعل الله عز وجل لك منه نصيبًا سيمنعك من ردّ أمري، وقد بعثت الحسن بن علي وعمّار بن ياسر يستنفران الناس، وبعثت قرظة بن كعب واليًا على المصر، فاعتزل عملنا مذمومًا مدحورًا، فإن لم تفعل فإنّي قد أمرته أن ينابذك، فإن نابذته فظفر بك أن يقطّعك آرابًا.
فلما قدم الكتاب على أبي موسى اعتزل، ودخل الحسن وعمار المسجد فقالا: أيّها الناس، إنّ أمير المؤمنين يقول: إني خرجت مخرجي هذا ظالمًا أو مظلومًا؛ وإني أذكّر الله عز وجل رجلًا رعى لله حقًّا إلا نفر، فإن كنت مظلومًا أعانني، وإن كنت ظالمًا أخذ مني، والله إنّ طلحة والزّبير لأوّل من بايعني، وأوّل من غدر، فهل استأثرت بمال، أو بدّلت حكمًا! فانفروا، فمروا بمعروف وانهوا عن منكر.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو مخنف، عن جابر، عن الشعبي، عن أبي الطفيل، قال: قال علي: يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل، فقعدت على نجفة ذي قار، فأحصيتهم فما زادوا رجلًا، ولا نقصوا رجلًا.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن بشير بن عاصم، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه، قال: خرج إلى علي اثنا عشر ألف رجل، وهم أسباع: على قريش وكنانة وأسد وتميم والرّباب ومزينة معقل بن يسار الرياحي، وسبع قيس عليهم سعد بن مسعود الثقفي، وسبع بكر بن وائل وتغلب عليهم وعلة بن مخدوج الذهلي، وسبع مذحج والأشعرين عليهم حجر ابن عدي، وسبع بجيلة وأنمار وخثعم والأزد عليهم مخنف بن سليم الأزدي.
نزول علي الزاوية من البصرة

حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، عن مسلمة بن محارب، عن قتادة، قال: نزل علي الزاوية وأقام أيامًا، فأرسل إليه الأحنف: إن شئت أتيتك، وإن شئت كففت عنك أربعة آلاف سيف، فأرسل إليه علي: كيف بما أعطيت أصحابك من الاعتزال! قال: إنّ من الوفاء لله عز وجل قتالهم، فأرسل إليه: كفّ من قدرت على كفّه. ثم سار علي من الزاوية، وسار طلحة والزبير وعائشة من الفرضة، فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله - أو عبد الله - بن زياد، فلما نزل الناس أرسل شقيق بن ثور إلى عمرو بن مرحوم العبدي: أن اخرج، فإذا خرجت فمل بنا إلى عسكر علي. فخرجا في عبد القيس وبكر بن وائل، فعدلوا إلى عسكر أمير المؤمنين، فقال الناس: من كان هؤلاء معه غلب، ودفع شقيق بن ثور رايتهم إلى مولىً له يقال له: رشراشة، فأرسل إليه وعلة بن محدوج الذهلي: ضاعت الأحساب، دفعت مكرمة قومك إلى رشراشة، فأرسل شقيق: أن أغن شأنك؛ فإنا نغني شأننا. فأقاموا ثلاثة أيام لم يكن بينهم قتال، يرسل إليهم علي، ويكلّمهم ويردعهم.
حدثنا عمر، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن قتادة، قال: سار علي من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة، وساروا من الفرضة يريدون عليًا فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله بن زياد في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين يوم الخميس، فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح، فقيل لعلي: هذا الزبير؛ قال: أما إنه أحرى الرجلين إن ذكّر بالله أن يذكره، وخرج طلحة، فخرج إليهما علي، فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابّهم، فقال علي: لعمري لقد أعددتما سلاحًا وخيلًا ورجالًا، إن كنتما أعددتما عند الله عذرًا فاتّقيا الله سبحانه، ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثًا. ألم أكن أخاكما في دينكما، تحرّمان دمي وأحرّم دماءكما! فهل من حدث أحلّ لكما دمي؟ قال طلحة: ألّبت الناس على عثمان رضي الله عنه، قال علي: " يومئذ يوفّيهم الله دينهم الحقّ ويعلمون أنّ الله هو الحقّ المبين "؛ يا طلحة، تطلب بدم عثمان رضي الله عنه! فلعن الله قتلة عثمان. يا زبير، أتذكر يوم مررت مع رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) في بني غنم، فنظر إلي فضحك وضحكت إليه، فقلت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg): " صه، إنه ليس به زهو، ولتقاتلنه وأنت له ظالم "؟ فقال: اللهمّ نعم، ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا، والله لا أقاتلك أبدًا.
فانصرف علي إلى أصحابه، فقال: أمّا الزبير فقد أعطى الله عهدًا ألّا يقاتلكم، ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنت في موطن منذ عقلت إلّا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا، قالت: فما تريد أن تضنع؟ قال: أريد أن أدعهم وأذهب؛ فقال له ابنه عبد الله: جمعت بين هذين الغارين، حتى إذا حدّد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب! أحسست رايات ابن أبي طالب، وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد؛ قال: إني قد حلفت ألّا أقاتله، وأحفظه ما قال له، فقال: كفّر عن يمينك، وقاتله، فدعا بغلام له يقال له مكحول، فأعتقه، فقال عبد الرحمن بن سليمان التيمي:
لم أر كاليوم أخا إخوان ** أعجب من مكفّر الأيمان
بالعتق في معصية الرحمن
وقال رجل من شعرائهم:
يعتق مكحولا لصون دينه ** كفّارة لله عن يمينه
والنّكث قد لاح على جبينه
رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة: فأرسل عمران ابن حصين في الناس يخذّل من الفريقين جميعًا، كما صنع الأحنف، وأرسل إلى بني عدي فيمن أرسل، فأقبل رسوله حتى نادى على باب مسجدهم: ألا إنّ أبا نجيد عمران بن الحصين يقرئكم السلام، ويقول لكم: والله لأن أكون في جبل حضن مع أعنز خضر وضأن، أجزّ أصوافها، وأشرب ألبانها، أحبّ إلي من أن أرمي في شيء من هذين الصفين بسهم، فقالت بنو عدي جميعًا بصوت واحد: إنا والله لا ندع ثقل رسول الله ص (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) لشيء - يعنون أمّ المؤمنين.
حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا أبو نعامة العدوي، عن حجير بن الربيع، قال: قال لي عمران بن حصين: سر إلى قومك أجمع ما يكونون، فقم فيهم قائمًا، فقل: أرسلني إلأيكم عمران بن حصين صاحب رسول الله ص (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، يقرأ عليكم السلام ورحمة الله، ويحلف بالله الذي لا إله إلّا هو، لأن يكون عبدًا حبشيًا مجدّعًا يرعى أعنزًا حضنيّات في رأس جبل حتى يدركه الموت، أحبّ إلي من أن يرمي بسهم واحد بين الفريقين؛ قال: فرفع شيوخ الحي رءوسهم إليه، فقالوا: إنا لا ندع ثقل رسول الله ص (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) لشيء أبدًا.
رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة: وأهل البصرة فرق: فرقة مع طلحة والزبير، وفرقة مع علي، وفرقة لا ترى القتال مع أحد من الفريقين، وجاءت عائشة رضي الله عنها من منزلها الذي ساحتهم، ورأس الأزد يومئذ صبرة بن شيمان، فقال له كعب بن سور: إنّ الجموع إذا تراءوا لم تستطع، وإنما هي بحور تدفّق، فأطعني ولا تشهدهم، واعتزل بقومك، فإني أخاف ألّا يكون صلح، وكن وراء هذه النطفة، ودع هذين الغارين من مضر وربيعة، فهما أخوان، فإن اصطلحا فالصّلح ما أردنا، وإن اقتتلا كنا حكّامًا عليهم غدًا - وكان كعب في الجاهليّة نصرانيًّا - فقال صبرة: أخشى أن يكون فيك شيء من النصرانيّة؛ أتأمرني أن أغيب عن إصلاح بين الناس، وأن أخذل أم المؤمنين وطلحة والزبير إن ردّوا عليهم الصلح، وأدع الطلب بدم عثمان! لا والله لا أفعل ذلك أبدًا، فأطبق أهل اليمن على الحضور.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الضريس البجلي، عن ابن يعمر، قال: لما رجع الأحنف بن قيس من عند علي لقيه هلال بن وكيع بن مالك بن عمرو، فقال: ما رأيك؟ قال: الاعتزال، فما رأيك؟ قال: مكانفة أمّ المؤمنين، أفتدعنا وأنت سيّدنا! قال: إنما أكون سيّدكم غدًا إذا قتلت وبقيت؛ فقال هلال: هذا وأنت شيخنا! فقال: أنا الشيخ المعصي، وأنت الشابّ المطاع. فاتّبعت بنو سعد الأحنف، فاعتزل بهم إلى وادي السباع، واتّبعت بنو حنظلة هلالًا، وتابعت بنو عمرو أبا الجرباء فقاتلوا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن أبي عثمان، قال: لما أقبل الأحنف نادى: يا لأدّ، اعتزلوا هذا الأمر، وولّوا هذين الفريقين كيسه وعجزه، فقام المنجاب بن راشد فقال: يال الرباب! لا تعتزلوا، واشهدوا هذا الأمر، وتولوا كيسه، ففارقوا. فلما قال: يال تميم؛ اعتزلوا هذا الأمر وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه، قام أبو الجرباء - وهو من بني عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم - فقال: يال عمرو، لا تعتزلوا هذا الأمر وتولّوا كيسه. فكان أبو الجرباء على بني عمرو بن تميم، والمنجاب بن راشد على بني ضبّة، فلما قال: يال زيد مناة، اعتزلوا هذا الأمر، وولّوا هذين الفريقين كيسه وعجزه قال هلال بن وكيع: لا تعتزلوا هذا الأمر؛ ونادى: يال حنظلة توّلوا كيسه؛ فكان هلال على حنظلة، وطاوعت سعد الأحنف، واعتزلوا إلى وادي السباع.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: كان على هوازن وعلى بني سليم والأعجاز مجاشع بن مسعود السلمي، وعلى عامر زفر بن الحارث، وعلى غطفان أعصر بن النعمان الباهلي، وعلى بكر بن وائل مالك بن مسمع، واعتزلت عبد القيس إلى علي إلّا رجلًا فإنه أقام، ومن بكر بن وائل قيّام، واعتزل منهم مثل من بقي منهم، عليهم سنان، وكانت الأزد على ثلاثة رؤساء: صبرة بن شيمان، ومسعود، وزياد ابن عمرو، والشواذب عليهم رجلان: على مضر الخرّيت بن راشد، وعلى قضاعة والتوابع الرعبي الجرمي - وهو لقب - وعلى سائر اليمن ذو الآجرة الحميري.
فخرج طلحة والزبير فنزلا بالناس من الزابوقة، في موضع قرية الأرزاق، فنزلت مضر جميعًا وهم لا يشكّون في الصلح، ونزلت ربيعة فوقهم جميعًا وهم لا يشكّون في الصلح، ونزلت اليمن جميعًا أسفل منهم، وهم لا يشكّون في الصلح، وعائشة في الحدّان، والناس في الزابوقة، على رؤسائهم هؤلاء وهم ثلاثون ألفًا، وردّوا حكيمًا ومالكًا إلى علي؛ بأنّا على ما فارقنا عليه القعقاع فاقدم. فخرجا حتى قدما عليه بذلك، فارتحل حتى نزل عليهم بحيالهم، فنزلت القبائل إلى قبائلهم؛ مضر إلى مضر، وربيعة إلى ربيعة، واليمن إلى اليمن، وهم لا يشكّون في الصلح، فكان بعضهم بحيال بعض، وبعضهم يخرج إلى بعض، ولا يذكرون ولا ينوون إلّا الصلح، وخرج أمير المؤمنين فيمن معه، وهم عشرون ألفًا، وأهل الكوفة على رؤسائهم الذين قدموا معهم ذا قار، وعبد القيس على ثلاثة رؤساء: جذيمة وبكر على ابن الجارود، والعمور على عبد الله بن السوداء، وأهل هجر على ابن الأشجّ، وبكر بن وائل من أهل البصرة على ابن الحارث بن نهار، وعلى دنور بن علي الزط والسيابجة، وقدم علي ذا قار في عشرة آلاف، وانضمّ إليه عشرة آلاف.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:07 PM
حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، عن بشير بن عاصم، عن فطر بن خليفة، عن منذر الثوري، عن محمد بن الحنفيّة، قال: أقبلنا من المدينة بسبعمائة رجل، وخرج إلينا من حولنا ألفان، أكثرهم بكر بن وائل، ويقال: ستة آلاف.
رجع الحديث إلى حديث محمد وطلحة: قالا: فلما نزل الناس واطمأنوا، خرج علي وخرج طلحة والزبير، فتواقفوا، وتكلموا فيما اختلفوا فيه، فلم يجدوا أمرًا هو أمثل من الصلح ووضع الحرب حين رأوا الأمر قد أخذ في الانقشاع، وأنه لا يدرك، فافترقوا عن موقفهم على ذلك، ورجع علي إلى عسكره، وطلحة والزبير إلى عسكرهما.
أمر القتال

وكتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وبعث علي من العشي عبد الله بن عبّاس إلى طلحة والزبير، وبعثاهما من العشي محمد بن طلحة إلى علي، وأنم يكلم كل واحد منهما أصحابه، فقالوا: نعم، فلما أمسوا - وذلك في جمادى الآخرة - أرسل طلحة والزّبير إلى رؤساء أصحابهما، وأرسل علي إلى رؤساء أصحابه، ما خلا أولئك الّذين هضّوا عثمان، فباتوا على الصلح، وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه، والنّزوع عمّا اشتهى الذين اشتهوا، وركبوا ما ركبوا، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشرّ ليلة باتوها قطّ، قد أشرفوا على الهلكة، وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلّها، حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السرّ، واستسرّوا بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشرّ، فغدوا مع الغلس، وما يشعر بهم جيرانهم، انسلّوا إلى ذلك الأمر انسلالا، وعليهم ظلمة، فخرج مضريّهم إلى مضريّهم، وربعيهم إلى ربعيّهم، ويمانيهم إلى يمانيّهم، فوضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة، وثار كلّ قوم في وجوه أصحابهم الذين بهتوهم، وخرج الزبير وطلحة في وجوه الناس من مضر فبعثا إلى الميمنة، وهم ربيعة يعبؤها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وإلى الميسرة عبد الرحمن بن عتاب ابن أسيّد، وثبتا في القلب، فقال: ما هذا؟ قالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلًا، فقالا: قد علمنا أنّ عليًّا غير منته حتى يسفك الدماء، ويستحلّ الحرمة، وأنه لن يطاوعنا، ثم رجعا بأهل البصرة، وقصف أهل البصرة، أولئك حتى ردّوهم إلى عسكرهم، فسمع علي وأهل الكوفة الصوت، وقد وضعوا رجلًا قريبًا من علي ليخبره بما يريدون، فلما قال: ما هذا؟ قال: ذاك الرجل ما فجئنا إلّا وقوم منهم بيّتونا، فرددناهم من حيث جاءوا، فوجدنا القوم على رجل فركبونا، وثار الناس، وقال علي لصاحب ميمنته: ائت الميمنة، وقال لصاحب ميسرته: ائت الميسرة، ولقد علمت أنّ طلحة والزّبير غير منتهيين حتى يسفكا الدماء، ويستحلّا الحرمة، وأنهما لن يطاوعانا، والسّبئيّة لا تفتر إنشابًا. ونادى علي في الناس: أيها الناس، كفّوا فلا شي، فكان من رأيهم جميعًا في تلك الفتنة ألّا يقتتلوا حتى يبدءوا؛ يطلبون بذلك الحجّة، ويستحقون على الآخرين، ولا يقتلوا مدبرًا، ولا يجهزوا على الحجّة، ويستحقون على الآخرين، ولا يقتلوا مدبرًا، ولا يجهزوا على جريح، ولا يتبعوا. فكان مما اجتمع عليه الفريقان ونادوا فيما بينهما.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأبي عمرو، قالوا: وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة رضي الله عنها، فقال: أدركي فقد أبى القوم إلّا القتال، لعلّ الله يصلح بك. فركبت، وألبسوا هودجها الأدراع، ثم بعثوا جملها، وكان جملها يدعى عسكرًا، حملها عليه يعلى بن أميّة، اشتراه بمائتي دينار، فلما برزت من البيوت - وكانت بحيث تسمع الغوغاء - وقفت، فلم تلبث أن سمعت غوغاء شديدة، فقالت: ما هذا؟ قالوا: ضجّة العسكر؛ قالت: بخير أو بشرّ؟ قالوا: بشرّ. قالت: فأي الفريقين كانت منهم هذه الضجّة فهم المهومون. وهي واقفة، فوالله ما فجئها إلّا الهزيمة، فمضى الزبير من سننه في وجهه، فسلك وادي السباع، وجاء طلحة سهم غرب يخلّ ركبته بصفحة الفرس، فلما امتلأ موزجه دمًا وثقل قال لغلامه: اردفني وأمسكني، وابغني مكانًا أنزل فيه، فدخل البصرة وهو يتمثّل مثله ومثل الزبير:
فإن تكن الحوادث أقدتني ** وأخطأهنّ سهمي حين أرمى
فقد ضيّعت حين تبعت سهمًا ** سفاهًا مّا سفهت وضلّ حلمي
ندمت ندامة الكسعي لمّا شريت رضا بني سهمٍ برغمي
أطعتهم بفرقة آل لأيٍ ** فألقوا للسّباع دمي ولحمي
خبر وقعة الجمل من رواية أخرى

قال أبو جعفر: وأما غير سيف فإنه ذكر من خبر هذه الوقعة وأمر الزبير وانصرافه عن الموقف الذي كان فيه ذلك اليوم غير الذي ذكر سيف عن صاحبيه، والذي ذكر من ذلك بعضهم ما حدثنيه أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبي أبو خيثمة، قال: حدثنا وهب بن جرير بن حازم، قال: سمعت أبي قال: سمعت يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، في قصة ذكرها من خبر علي وطلحة والزبير وعائشة في مسيرهم الذي نحن في ذكره في هذا الموضع، قال: وبلغ الخبر عليًّا - يعني خبر السبعين الذين قتلوا مع العبدي بالبصرة - فأقبل - يعني عليًّا - في اثني عشر ألفًا، فقدم البصرة، وجعل يقول:
يا لهف نفسي على ربيعة ** ربيعة السامعة المطيعه
سنّتها كانت بها الوقيعة
فلما تواقفوا خرج علي على فرسه، فدعا الزبير، فتواقفا، فقال علي للزبير: ما جاء بك؟ قال: أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلًا، ولا أولى به منّا؛ فقال علي: لست له أهلًا بعد عثمان! قد كنا نعدّك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرّق بيننا وبينك؛ وعظّم عليه أشياء، فذكر أن النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) مرّ عليهما فقال لعلي: " ما يقول ابن عمتك؟ ليقاتلنّك وهو لك ظالم ". فانصرف عنه الزبير، وقال: فإني لا أقاتلك. فرجع إلى ابنه عبد الله فقال: ما لي في هذه الحرب بصيرة، فقال له ابنه: إنك قد خرجت على بصيرة، ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب، وعرفت أن تحتها الموت، فجبنت. فأحفظه حتى أرعد وغضب، وقال: ويحك! إني قد حلفت له ألّا أقاتله، فقال له ابنه: كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس، فأعتقه، وقام في الصفّ معهم، وكان علي قال للزّبير: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته! سلّط الله على أشدّنا عليه اليوم ما يكره. وقال علي: يا طلحة، جئت بعرس رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) تقاتل بها وخبّأت عرسك في البيت! أما بايعتني! قال: بايعتك وعلى عنقي اللج، فقال علىّ لأصحابه: أيّكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه، فإن قطعت يده أخذه بيده الأخرى، وإن قطعت أخذه بأسنانه؟ قال فتىً شابّ: أنا، فطاف علي على أصحابه يعرض ذلك عليهم، فلم يقبله إلّا ذلك الفتى، فقال له علي: اعرض عليهم هذا، وقل: هو بيننا وبينكم من أوّله إلى آخره، والله في دمائنا ودمائكم. فحمل على الفتى وفي يده المصحف، فقطعت يداه، فأخذه بأسنانه حتى قتل، فقال علي: قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم، فقتل يومئذ سبعون رجلًا، كلهم يأخذ بخطام الجمل، فلما عقر الجمل وهزم الناس، أصابت طلحة رمية فقتلته، فيزعمون أن مروان بن الحكم رماه، وقد كان ابن الزبير أخذ بخطام جمل عائشة، فقالت: من هذا؟ فأخبرها؛ فقالت: واثكل أسماء! فجرح، فألقى نفسه في الجرحى، فاستخرج فبرأ من جراحته، واحتمل محمد بن أبي بكر عائشة، فضرب عليها فسطاط، فوقف علي عليها فقال: استفززت الناس وقد فزّوا، فألّبت بينهم، حتى قتل بعضهم بعضا.. في كلام كثير. فقالت عائشة: يا بن أبي طالب، ملكت فأسجح، نعم ما أبليت قومك اليوم! فسرّحها علي، وأرسل معها جماعةً من رجال ونساء، وجهزّها، وأمر لها باثني عشر ألفًا من المال؛ فاستقلّ ذلك عبد الله بن جعفر، فأخرج لها مالًا عظيمًا، وقال: إن لم يجزه أمير المؤمنين فهو علي. وقتل الزبير، فزعموا أن ابن جرموز لهو الذي قتله، وأنه وقف بباب أمير المؤمنين؛ فقال لحاجبه: استأذن لقاتل الزبير؛ فقال علي: ائذن له، وبشّره بالنار.
حدثني محمد بن عمارة، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا فضيل، عن سفيان بن عقبة، عن قرّة بن الحارث، عن جون بن قتادة. قال قرّة بن الحارث: كنت معالأحنف بن قيس، وكان جون ابن قتادة ابن عمّي مع الزبير بن العوام، فحدثني جون بن قتادة، قال: كنت مع الزبير رضي الله عنه، فجاء فارس يسير - وكانوا يسلّمون على الزبير بالإمرة - فقال: السلام عليك أيّها الأمير؛ قال: وعليك السلام؛ قال: هؤلاء القوم قد أتوا مكان كذا وكذا، فلم أر قومًا أرثّ سلاحًا، ولا أقلّ عددًا، ولا أرعب قلوبًا من قوم أتوك، ثمّ انصرف عنه. قال: ثمّ جاء فارس فقال: السلام عليك أيّها الأمير؛ قال: وعليك السلام؛ قال: هؤلاء القوم قد أتوا مكان كذا وكذا، فلم أر قومًا أرثّ سلاحًا، ولا أقلّ عددًا، ولا أرعب قلوبًا من قوم أتوك، ثمّ انصرف عنه. قال: ثمّ جاء فارس فقال: السلام عليك أيّها الأمير؛ فقال: وعليك السلام، قال: جاء القوم حتى أتوا مكان كذا وكذا، فسمعوا بما جمع الله عز وجل لكم من العدد والعدّة والحدّ، فقذف الله في قلوبهم الرعب، فولّوا مدبرين؛ قال الزبير: إيهًا عنك الآن؛ فوالله لو لم يجد ابن أبي طالب إلاالعرفج لدبّ إلينا فيه؛ ثم انصرف. ثم جاء فارس وقد كادت الخيول أن تخرج من الرهج فقال: السلام عليك أيّها الأمير، قال: وعليك السلام، قال: هؤلاء القوم قد أتوك، فلقيت عمّارًا فقلت له وقال لي؛ فقال الزبير: إنه ليس فيهم، فقال: بلى والله إنه لفيهم؛ قال: والله ما جعله الله فيهم، فقال: والله لقد جعله الله فيهم. قال: والله ما جعله الله فيهم؛ فلمّا رأى الرجل يخالفه قال لبعض أهله: اركب فانظر: أحقّ ما يقول! فركب معه، فانطلقا وأنا أنظر إليهما حتى وقفا في جانب الخيل قليلا، ثم رجعا إلينا، فقال الزبير لصاحبه: ما عندك؟ قال: صدق الرجل؛ قال الزبير: يا جدع أنفاه - أو يا قطع ظهراه؟ - قال محمد بن عمارة: قال عبيد الله: قال فضيل: لا أدري أيذهما قال - ثم أخذه أفكل، فجعل السلاح ينتفض، فقال جون: ثكلتني أمي، هذا الذي كنت أريد أن أموت معه، أو أعيش معه، والذي نفسي بيده ما أخذ هذا ما أرى إلّا لشيء قد سمعه أو رآه من رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg). فلمّا تشاغل الناس انصرف فجلس على دابته، ثم ذهب، فانصرف جون فجلس على دابّته، فلحق بالأحنف، ثم جاء فارسان حتى أتيا الأحنف وأصحابه، فنزلا، فأتيا فأكبّا عليه، فناجياه ساعة، ثم انصرفا. ثم جاء عمرو بن جرموز إلى الأحنف، فقال: أدركته في وادي السباع فقتلته، فكان يقول: والذي نفسي بيده إن صاحب الزبير الأحنف.
حدثني عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا بشير ابن عاصم، عن الحجّاج بن أرطاة، عن عمار بن معاوية الدهني - حي من أحمس بجيلة - قال: أخذ علي مصحفًا يوم الجمل، فطاف به في أصحابه، وقال: من يأخذ هذا المصحف، يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول؟ فقام إليه فتىُ من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشوّ، فقال: أنا، فأعرض عنه، ثم قال: من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول؟ فقال الفتى: أنا، فأعرض عنه، ثم قال: من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول؟ فقال الفتى: أنا؛ فدفعه إليه، فدعاهم فقطعوا يده اليمنى، فأخذه بيده اليسرى، فدعاهم فقطعوا يده اليسرى، فأخذه بصدره والدماء تسيل على قبائه، فقتل رضي الله عنه، فقال علي: الآن حلّ قتالهم، فقالت أمّ الفتى بعد ذلك فيما ترثي:
لا همّ إنّ مسلمًا دعاهم ** يتلو كتاب الله لا يخشاهم
وأمّهم قائمة تراهم ** يأتمرون الغي لا تنهاهم
قد خضبت من علق لحاهم

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:09 PM
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو مخنف، عن جابر، عن الشعبي، قال: حملت ميمنة أمير المؤمنين على ميسرة أهل البصرة، فاقتتلوا، ولاذ الناس بعائشة رضي الله عنها، أكثرهم ضبّة الأزد، وكان قتالهم من ارتفاع النهار إلى قريب من العصر؛ ويقال: إلى أن زالت الشمس، ثم انهزموا، فنادى رجل من الأزد: كرّوا، فضربه محمد بن علي فقطع يده، فنادى: يا معشر الأزد فرّوا، واستحرّ القتل بالأزد، فنادوا: نحن على دين علي بن أبيس طالب؛ فقال رجل من بني ليث بعد ذلك:
سائل بنا يوم لقينا الأزدا ** والخيل تعدو أشقرًا ووردا
لمّا قطعنا كبدهم والزّندا ** سحقًا لهم في رأيهم وبعدا!
حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، قال: حمل عمّار على الزبير يوم الجمل، فجعل بنحوزه بالرمح، فقال: أتريد أن تقتلني؟ قال: لا، انصرف؛ وقال عامر بن حفص: أقبل عمارٌ حتى حاز الزبير يوم الجمل بالرمح، فقال: أتقتلني يا أبا اليقظان! قال: لا يا أبا عبد الله.
رجع الحنديث إلى حديث سيف، عن محمد وطلحة: قالا: ولما انهزم الناس في صدر النهار، نادى الزبير: أنا الزبير، هلمّوا إلي أيّها الناس، ومعه مولىً له ينادي: أعن حواري رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) تنهزمون! وانصرف الزبير نحو وادي السباع، واتّبعه فرسان، وتشاغل الناس عنه بالناس، فلما رأى الفرسان تتبعه عطف عليهم، ففرّق بينهم، فكرّوا عليه، فلمّا عرفوه قالوا: الزبير! فدعوه، فلما نفر فيهم علياء بن الهيثم؛ ومرّ القعقاع في نفر بطلحة وهو يقول: إلي عباد الله، الصبر الصبر! قال له: يا أبا محمد؛ إنك لجريح، وإنك عمّا تريد لعليل؛ فادخل الأبيات، فقال: يا غلام، أدخلني وابغني مكانًا. فأدخل البصرة ومعه غلام ورجلان، فافتتل الناس بعده، فأقبل الناس في هزيمتهم تلك وهم يريدون البصرة. فلمّا رأوا الجمل أطافت به مضر عادوا قلبًا كما كانوا حيث التفوا، وعادوا إلى أمر جديد، ووقفت ربيعة البصرة، منهم ميمنة ومنهم ميسرة، وقالت عائشة: خلّ يا كعب عن البعير؛ وتقدّم بكتاب الله عز وجل فادعهم إليه، ودفعت إليه مصحفًا. وأقبل القوم وأمامهم السبئيّة يخافون أن يجرى الصلح، فاستقبلهم كعب بالمصحف، وعلي من خلفهم يزعهم ويأبون إلّا إقدامًا، فلما دعاهم كعب رشقوه رشقًا واحدًا، فقتلوه، ورموا عائشة في هودجها، فجعلت تنادي: يا بني، البقيّة البقيّة - وبعلو صوتها كثرة - الله الله، اذكروا الله عز وجل والحساب، فيأبون إلّا إقدامًا، فكان أوّل شيء أحدثته حين أبوا أن قالت: أيّها الناس، العنوا قتلة عثمان وأشياعهم، وأقبلت تدعو.
وضجّ أهل البصرة بالدعاء، وسمع علي بن أبي طالب الدعاء فقال: ما هذه الضجّة؟ فقالوا: عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان وأشياعهم، فأقبل يدعو ويقول: اللهم العن قتلة عثمان وأشياعهم. وأرسلت إلى عبد الرحمن ابن عتّاب وعبد الرحمن بن الحارث: اثبتا مكانكما، وذمرت الناس حين رأت أنّ القوم لا يريدون غيرها، ولا يكفّون عن الناس، فازدلفت مضر البصرة، فقصفت مضر الكوفة حتى زوحم علي، فنخس علي قفا محمد، وقال: أحمل، فنكل، فأخوى علي إلى الراية ليأخذها منه، فحمل، فترك الراية في يده، وحملت مضر الكوفة، فاجتلدوا قدّام الجمل حتى ضرسوا، والمجنّبات على حالها، لا تصنع شيئًا، ومع علي أقوام غير مضر، فمنهم زيد بن صوحان، فقال له رجل من قومه: تنحّإلى قومك، مالك ولهذا الموقف! ألست تعلم أن مضر بحيالك، وأنّ الجمل بين يديك، وأن الموت دونه! فقال: الموت خير من الحياة، الموت ما أريد؛ فأصيبوأخوه سيحان، وارتث صعصعة، واشتدّت الحرب. فلما رأى ذلك علي بعث إلى اليمن وإلى ربيعة: أن اجتمعوا على من يليكم، فقام رجل من عبد القيس فقال: ندعوكم إلى كتاب الله عز وجل؛ قالوا: وكيف يدعونا إلى كتاب الله من لا يقيم حدود الله سبحانه، ومن قتل داعي الله كعب بن سور! فرمته ربيعة رشقًا واحدًا فقتلوه، وقام مسلم بن عبد الله العجلي مقامه، فرشقوه رشقًا واحدًا، فقتلوه، ودعت يمن الكوفة يمن البصرة فرشقوهم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: كان القتال الأوّل يستحرّ إلى انتصاف النهار، وأصيب فيه طلحة رضي الله عنه، وذهب فيه الزبير، فلما أووا إلى عائشة وأبى أهل الكوفة إلّا القتال، ولم يريدوا إلّا عائشة، ذمرتهم عائشة، فاقتتلوا حتى تنادوا فتحاجزوا، فرجعوا بعد الظهر فاقتتلوا، وذلك يوم الخميس في جمادى الآخرة، فاقتتلوا صدر النهار مع طلحة والزبير، وفي وسطه مع عائشة، وتزاحف الناس، فهزمت يمن البصرة يمن الكوفة، وربيعة البصرة ربيعة الكوفة، ونهد علي بمضر الكوفة إلى مضر البصرة، وقال: إن الموت ليس منه فوت، يدرك الهارب، ولا يترك المقيم.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو عبد الله القرشي، عن يونس بن أرقم، عن علي بن عمرو الكندي، عن زيد بن حساس، قال: سمعت محمد بن الحنفيّة يقول: دفع إلي أبى الراية يوم الجمل، وقال: تقدّم؛ فتقدّمت حتى لم أجد متقدّمًا إلّا على رمح؛ قال: تقدّم لا أمّ لك! فتكاكأت وقلت: لا أجد متقدّمًا إلّا على سنان رمح، فتناول الراية من يدي متناول لا أدري من هو! فنظرت فإذا أبى بين يدي وهو يقول:
أنت الّتي غرّك منّي الحسنى ** يا عيش إنّ القوم قوم أعدا
الخفض خير من قتال الأبنا
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: اقتتلت المجنّبتان حين تزاحفتا قتالًا شديدًا، يشبه ما فيه القلبان، واقتتل أهل اليمن، فقتل على راية أمير المؤمنين من أهل الكوفة عشرة، كلما أخذها رجل قتل خمسة من همدان وخمسة من سائر اليمن، فلما رأى ذلك يزيد بن قيس أخذها، فثبتت في يده وهو يقول:
قد عشت يا نفس وقد غنيت ** دهرًا فقطك اليوم ما بقيت
أطلب طول العمر ما حييت
وإنما تمثّلها وهو قول الشاعر قبله. وقال نمران بن أبي نمران الهمذاني:
جرّدت سيفي في رجال الأزد ** أضرب في كهولهم والمزد
كلّ طويل الساعدين نهد
وأقبلت ربيعة، فقتل على راية الميسرة من أهل الكوفة زيد، وصرع صعصعة، ثم سيحان، ثم عبد الله بن رقبة بن المغيرة، ثم أبو عبيدة بن راشد بن سلمى وهو يقول: اللهمّ أنت هديتنا من الضلالة، واستنقذتنا من الجهالة، وابتليتنا بالفتنة، فكنّا في شبهة وعلى ريب؛ حتى قتل، ثمّ الحصين ابن معبد بن النعمان، فأعطاها ابنه معبدًا، وجعل يقول: يا معبد، قرّب لها بوّها تحدب، فثبتت في يده.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: لما رأت الكماة من مضر الكوفة ومضر البصرة الصبر تنادوا في عسكر عائشة وعسكر علي: يأيها الناس، طرّفوا إذا فرغ الصبر، ونزع النصر. فجعلوا يتوجّئون الأطراف: الأيدي والأرجل، فما رئيت وقعة قطّ قبلها ولا بعدها، ولا يسمع بها أكثر يدًا مقطوعة ورجلًا مقطوعة منها، لا يدري من صاحبها. وأصيبت يد عبد الرحمن بن عتّاب يومئذ قبل قتله، وكان الرجل من هؤلاء وهؤلاء إذا أصيب شيء من أطرافه استقتل إلى أن يقتل.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بن عطيّة ابن بلال، عن أبيه، قال: اشتدّ الأمر حتى أرزت ميمنة الكوفة إلى القلب، حتى لزقت به، ولزقت ميسرة البصرة بقلبهم، ومنعوا ميمنة أهل الكوفة أن يختلطوا بقلبهم، وإن كانوا إلى جنبهم، وفعل مثل ذلك ميسرة الكوفة وميمنة البصرة، فقالت عائشة - رضي الله عنها - لمن عن يسارها: من القوم؟ قال صبرة بن شيمان: بنوك الأزد، قالت: يآل غسّان! حافظوا اليوم جلادكم الذي كنا نسمع به، وتمثّلت:
وجالد من غسّان أهل حفاظها ** وهنب وأوس جالدت وشبيب
وقالت لمن عن يمينها: من القوم؟ قالوا: بكر بن وائل؛ قالت: لكم يقول القائل:
وجاءوا إلينا في الحديد كأنّهم ** من العزّة القعساء بكر بن وائل
إنما بإزائكم عبد القيس. فاقتتلوا أشدّ القتال من قتالهم قبل ذلك، وأقبلت على كتيبة بين يديها، فقالت: من القوم؟ قالوا: بنو ناجية، قالت: بخ بخ! سيوف أبطحيّة، وسيوف قرشيّة، فجالدوا جلادًا يتفادى منه. ثم أطافت بها بنو ضبّة، فقالت: ويهًا جمرة الجمرات! حتى إذا رقّوا خالطهم بنو عدي، وكثروا حولها، فقالت: من أنتم؟ قالوا: بنو عدّي، خالطنا إخواننا، فقالت: مازال رأس الجمل معتدلا حتى قتلت بنو ضبّة حولي، فأقاموا رأس الجمل، ثم ضربوا ضربًا ليس بالتعذير، ولا يعدّلون بالتطريف؛ حتى إذا كثر ذلك وظهر في العسكرين جميعًا. راموا الجمل وقالوا: لا يزال القوم أو يصرع. وأرزت مجنّبتا علي فصارتا في القلب، وفعل ذلك أهل البصرة، وكره القوم بعضهم بعضًا. وتلاقوا جميعًا بقلبيهم، وأخذ ابن يثربي برأس الجمل وهو يرتجز، وادّعى قتل علباء ابن الهيثم وزيد بن صوحان وهند بن عمرو، فقال:
أنا لمن ينكرني ابن يثربي ** قاتل علباء وهند الجملي
وابن لصوحان علي دين علي
فناداه عمّار: لقد لعمري لذت بحريز، وما إليك سبيل، فإن كنت صادقًا فاخرج من هذه الكتيبة إلي؛ فترك الزمام في يد رجل من بني عدي حتى كان بين أصحاب عائشة وأصحاب علي، فزحم الناس عمّارًا حتى أقبل إليه، فاتّقاه عمار بدرقته، فضربه انتشب سيفه فيها، فعالجه فلم يخرج، فخرج عمّار إليه لا يملك من نفسه شيئًا، فأسفّ عمار لرجليه فقطعهما، فوقع على استه، وحمله أصحابه، فارتثّ بعد، فأتى به علي، فأمر بضرب عنقه. ولما أصيب ابن يثربي ترك ذلك العدوي الزمام، ثم خرج فنادى: من يبارز؟ فخنّس عمّار، وبرز إليه ربيعة العقيلي - والعدوي يدعى عمرة بن بجرة، أشدّ الناس صوتًا، وهو يقول:
يا أمّنا أعقّ أمّ نعلم ** والأمّ تغذو ولدًا وترحم
ألا ترين كم شجاع يكلم ** وتخلي منه يد ومعصم
ثم اضطربا، فأثخن كلّ واحد منهما صاحبه، فماتا.
وقال عطيّة بن بلال: ولحق بنا من آخر النهار رجل يدعى الحارث، من بني ضبّة، فقام مقام العدوي، فما رأينا رجلًا قطّ أشدّ منه، وجعل يقول:
نحن بني ضبّة أصحاب الجمل ** ننعى ابن عفان بأطرفاف الأسل
الموت أحلى عندنا من العسل ** ردّوا علينا شيخنا ثمّ بجل
حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، عن المفضّل بن محمد، عن عدي بن أبي عدي، عن أبي رجاء العطاردي، قال: إني لأنظر إلى رجل يوم الجمل وهو يقلّب سيفًا بيده كأنه مخراق، وهو يقول:

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:09 PM
نحن بني ضبّة أضحاب الجمل ** ننازل الموت إذا الموت نزل
والموت أشهى عندنا من العسل ** ننعى ابن عفّان بأطراف الأسل
ردّوا علينا شيخنا ثمّ بجل
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن الهذلي، قال: كان عمرو بن يثربي يحضّض قومه يوم الجمل، وقد تعاوروا الخطام يرتجزون:
نحن بني ضبّة لا نفرّ ** حتى نرى جماجمًا تخرّ
يخرّ منها العلق المحمرّ
يا أمّنا يا عيش لن تراعى ** كلّ بنيك بطل شجاع
يا أمّنا يا زوجة النبي ** يا زوجة المبارك المهديّ
حتى قتل على الخطام أربعون رجلًا، وقالت عائشة رضي الله عنها: ما زال جملي معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبّة. وقتل يومئذ عمرو بن يثربي علياء بن الهيثم السدوسي، وهند بن عمرو الجملي، وزيد بن صوحان وهو يرتجز ويقول:
أضربهم ولا أرى أبا حسن ** كفى بهذا حزنًا من الحزن
إنا نمرّ الأمر إمرار الرسن
فزعم الهذلي أنّ هذا الشعر تمثّل به يوم صفّين. وعرض عمار لعمرو بن يثربي - وعمار يومئذ ابن تسعين سنة، عليه فرو قد شدّ وسطه بحبل من ليف - فبدره عمرو بن يثربي فنحّى له درقته فنشب سيفه فيها، ورماه الناس حتى صرع وهو يقول:
إن تقتلوني فأنا ابن يثربي ** قاتل علباء وهند الجملي
ثمّ ابن صوحان على دين علي
وأخذ أسيرًا حتى انتهي به إلى علي، فقال: استبقني. فقال: أبعد ثلاثة تقبل عليهم بسيفك تضرب به وجوههم! فأمر به فتقل.
وحدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو مخنف، عن إسحاق بن راشد، عن عبّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: مشيت يوم الجمل وبي سبع وثلاثون جراحة من ضربة وطعنة، وما رأيت مثل يوم الجمل قط، ما ينهزم منا أحد، وما نحن إلّا كالجبل الأسود، وما يأخذ بخطام الجمل أحد إلّا قتل، فأخذه عبد الرحمن بن عتاب فقتل، فأخذه الأسود بن أبي البختري فصرع، وجئت فأخذت بالخطام، فقالت عائشة: من أنت؟ قلت: عبد الله بن الزبير. قالت: واثكل أسماء! ومرّ بي الأشتر، فعرفته فعانقته، فسقطنا جميعًا، وناديت: " اقتلوني ومالكًا "؛ فجاء ناس منا ومنهم، فقاتلوا عنا حتى تحاجزنا، وضاع الخطام، ونادى علي: اعقروا الجمل، فإنه إن عقر تفرّقوا؛ فضربه رجلٌ فسقط، فما سمعت صوتًا قطّ أشدّ من عجيج الجمل.
وأمر علي محمد بن أبي بكر فضرب عليها قبّة، وقال: انظر، هل وصل إليها شيء؟ فأدخل رأسه، فقالت: من أنت؟ ويلك! فقال: أبغض أهلك إليك، قالت: ابن الخثعميّة؟ قال: نعم؛ قالت: يأبي أنت وأمي! الحمد لله الذي عافاك.
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: سمعت أبا بكر بن عيّاش يقول: قال علقمة: قلت للأشتر: قد كنت كارهًا لقتل عثمان رضي الله عنه. فما أخرجك بالبصرة؟ قال: إنّ هؤلاء بايعوه، ثم نكثوا - وكان ابن الزبير هو الذي أكره عائشة على الخروج - فكنت أدعو الله عز وجل أن يلقّينيه، فلقيني كفّةً لكفّة، فما رضيت بشدّة ساعدي أن قمت في الركاب فضربته على رأسه فصرعته. قلنا فهو القائل: " اقتلوني ومالكًا "؟ قال: لا، ما تركته وفي نفسي منه شيء، ذاك عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد، لقيني فاختلفنا ضربتين، فصرعتني وصرعته، فجعل يقول: " اقتلوني ومالكًا "، ولا يعلمون من مالك، فلو يعلمون لقتلوني.
ثم قال أبو بكر بن عياش: هذا كتابك شاهده.
حدثني به المغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قلت للأشتر: حدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن طلحة بن النضر، عن عثمان بن سليمان، عن عبد الله بن الزبير، قال: وقف علينا شابّ، فقال: احذروا هذين الرجلين؛ فذكره - وعلامة الأشتر أنّ إحدى قدميه بادية من شيء يجد بها - قال: لما التقينا قال الأشتر: لما قصد لي سوّى رمحه لرجلي، قلت: هذا أحمق، وما عسى أن يدرك منى لو قطعها! ألست قاتله! فلما دنا مني جمع يديه في الرمح، ثم التمس به وجهي، قلت: أحد الأقران.
حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، عن أبي مخنف، عن ابن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه، عن جدّه، قال: كان عمرو ابن الأشرف أخذ بخطام الجمل، لا يدنو منه أحدٌ إلا خبطه بسيفه، إذ أقبل الحارث بن زهير الأزدي وهو يقول:
يا أمّنا يا خير أم نعلم ** أما ترين كم شجاع يكلم!
وتختلي هامته والمعصم!
فاختلفا ضربتين، فرأيتهما يفحصان الأرض بأرجلهما حتى ماتا فدخلت على عائشة رضي الله عنها بالمدينة، فقالت: من أنت؟ قلت: رجل من الأزد، أسكن الكوفة؛ قالت: أشهدتنا يوم الجمل؟ قلت: نعم؛ قالت: ألنا أم علينا؟ قلت: عليكم؛ قالت: أفتعرف الذي يقول:
يا أمّنا يا خير أم نعلم
قلت: نعم، ذاك ابن عمّي، فبكت حتى ظننت أنها لا تسكت.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن أبي ليلى، عن دينار بن العيزار، قال: سمعت الأشتر يقول: لقيت عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد، فلقيت أشدّ الناس وأروغه، فعانقته، فسقطنا إلى الأرض جميعًا، فنادى: " اقتلوني ومالكًا ".
حدثني عمر قال: حدثنا أبو الحسن، عن أبي ليلى، عن دينار بن العيزار، قال: سمعت الأشتر يقول: رأيت عبد الله بن حكيم بن حزام معه راية قريش؛ وعدّي بن حاتم الطائي وهما يتصاولان كالفحلين، فتعاورناه فقتلناه - يعني عبد الله - فطعن عبد الله عديًّا ففقأ عينه.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن أبي مخنف، عن عمّه محمّد بن مخنف، قال: حدثني عدّة من أشياخ الحي كلّهم شهد الجمل، قالوا: كانت راية الأزد من أهل الكوفة مع مخنف بن سليم، فقتل يومئذ، فتناول الراية من أهل بيته الصقعب وأخوه عبد الله بن سليم، فقتلوه، فأخذها العلاء بن عروة، فكان الفتح، وهي في يده، وكانت راية عبد القيس من أهل الكوفة مع القاسم بن مسلم، فقتل وقتل معه زيد بن صوحان وسيحان ابن صوحان؛ وأخذ الراية عدّة منهم فقتلوا؛ منهم عبد الله بن رقية، وراشد. ثم أخذها منقذ بن النعمان، فدفعها إلى ابنه مرّة بن منقذ، فانقضى الأمر وهي في يده، وكانت راية بكر بن وائل من أهل الكوفة في بني ذهل، كانت مع الحارث بن حسّان بن خوط الذهلي، فقال أبو العرفاء الرقاشي: أبق على نفسك وقومك، فأقدم وقال: يا معشر بكر بن وائل، إنّه لم يكن أحدٌ له من رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) مثل منزلة صاحبكم، فانصروه، فأقدم، فقتل وقتل ابنه وقتل خمسة إخوة له، فقال له يومئذ بشر بن خوط وهو يقاتل:
أنا ابن حسّان بن خوط وأبي ** رسول بكر كلها إلى النبي
وقال ابنه:
أنعى الرئيس الحارث بن حسّان ** لآل ذهل ولآل شيبان
وقال رجل من ذهل:
تنعى لنا خير امرىء من عدنان ** عند الطعان ونزال الأقران
وقتل رجال من بني محدوج، وكانت الرياسة لهم من أهل الكوفة، وقتل من بني ذهل خمسة وثلاثون رجلًا، فقال رجل لأخيه وهو يقاتل: يا أخي، ما أحسن قتالنا إن كنّا على حقّ! قال: فإنا على الحقّ، إن الناس أخذوا يمينًا وشمالًا، وإنما تمسّكنا بأهل بيت نبيّنا؛ فقاتلا حتى قتلا. وكانت رياسة عبد القيس من أهل البصر - وكانوا مع علي - لعمرو بن مرحوم، ورياسة بكر بن وائل لشقيق بن ثور، والرّاية مع رشراشة مولاه، ورياسة الأزد من أهل البصرة - وكانوا مع عائششة - لعبد الرحمن بن جشم بن أبي حنين الحمّامي - فيما حدثني عامر بن حفص، ويقال لصبرة بن شيمان الحدّاني - والراية مع عمرو بن الأشرف العتكي، فقتل وقتل معه ثلاثة عشر رجلًامن أهل بيته.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا أبو ليلى، عن أبي عكّاشة الهمداني، عن رفاعة البجلي، عن أبي البختري الطائي، قال: أطافت ضبّة والأزد بعائشة يوم الجمل، وإذا رجال من الأزد بعائشة يوم الجمل، وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل فيفتّونه ويشمّونه، ويقولون: بعر جمل أمّنا ريحه ريح المسك؛ ورجل من أصحاب علي يقاتل ويقول:
جرّدت سيفي في رجال الأزد ** أضرب في كهولهم والمرد
كلّ طويل الساعدين نهده
وماج الناس بعضهم في بعض، فصرخ صارخ: اعقروا الجمل؛ فضربه بجير بن دلجة الضبي من أهل الكوفة، فقيل له: لم عقرته؟ فقال: رأيت قومي يقتلون، فخفت أن يفنوا، ورجوت إن عقرته أن يبقي لهم بقيّة.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا الصلت بن دينار، قال: انتهى رجل من بني عقيل إلى كعب بن سور - رحمه الله - وهو مقتول، فوضع زجّ رمحه في عينه، ثم خضخضه، وقال: ما رأيت مالًا قطّ أحكم نقدًا منك.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا عوانة، قال: اقتتلوا يوم الجمل يومًا إلى الليل، فقال بعضهم:
شفى السيف من زيد وهند نفوسنا ** شفاء ومن عيني عدي بن حاتم
صبرنا لهم يومًا إلى الليل كلّه ** بصمّ القنا والمرهفات الصوارم
وقال ابن صامت:
يا ضبّ سيرى فإنّ الأرض واسعة ** على شمالك إن الموت بالقاع
كتيبة كشعاع الشمس إذ طلعت ** لها أتي إذا ما سال دفّاع
إذًا نقيم لكم في كلّ معترك ** بالمشرفيّة ضربًا غير إبداع
حدثنا العباس بن محمد، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا روح، عن أبي رجاء، قال: رأيت رجلًا قد اصطلمت أذنه، قلت: أخلقة، أم شيء أصابك؟ قال: أحدثك؛ بينا أنا أمشي بين القتلى يوم الجمل، فإذا رجل يفحص برجله، وهو يقول:
لقد أوردتنا حومة الموت أمّنا ** فلم ننصرف إلّا ونحن رواء
أطعنا قريشًا ضلّة من حلومنا ** ونصرننا أهل الحجاز عناء

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:10 PM
قلت: يا عبد الله، قل لا إله إلّا الله، قال: ادن مني، ولقّنّي فإنّ في أذني وقرًا، فدنوت منه، فقال لي: ممن أنت؟ قلت: رجل من الكوفة؛ فوثب علي، فاصطلم أذني كما ترى، ثمّ قال: إذا لقيت أمك فأخبرها أن عمير بن الأهلب الضبّي فعل بك هذا.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا المفضّل الراوية وعامر بن حفص وعبد المجيد الأسدي، قالوا: جرح يوم الجمل عمير بن الأهلب الضبي، فمرّ به رجلٌ من أصحاب علي وهو في الجرحى، فقال له عمير: ادن منى، فدنا منه، فقطع أذنه، وقال عمير بن الأهلب:
لقد أوردتنا حومة الموت أمّنا ** فلم ننصرف إلا ونحن رواء
لقد كان عن نصر ابن ضبّة أمّه ** وشيعتها مندوحة وغناء
أطعنا بني تيم بن مرّة شقوة ** وهل تيم إلّا أعبد وإماء!
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن المقدام الحارثي، قال: كان منّا رجل يدعي هانىء بن خطّاب، وكان ممن غزا عثمان، ولم يشهد الجمل، فلمّا سمع بهذا الرج. - يعني رجز القائل:
نحن بني ضبّة أصحاب الجمل
في حديث الناس، نقض عليه وهو بالكوفة:
أبت شيوخ مذجح وهمدان ** ألا يردّوا نعثلًا كما كان
خلقًا جديدًا بعد خلق الرحمن
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بن عطيّة، عن أبيه، قال: جعل أبو الجرباء يومئذ يرتجز ويقول:
أسامع أنت مطيع لعلي ** من قبل أن تذوق حدّ المشرفي
وخاذل في الحقّ أزواج النبي ** أعرف قومًا لست فيه بعنى
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: كانت أمّ المؤمنين في حلقة من أهل النجدات والبصائر من أفناء مضر، فكان لا يأخذ أحد بالزمام إلّا كان يحمل الراية واللواء لا يحسّن تركها، وكان لا يأخذه إلّا معروف عند المطيفين بالجمل فينتسب لها: أنا فلان بن فلان، فوالله إن كانوا ليقاتلون عليه؛ وإنه للموت لا يوصل إليه إلا بطلبة وعنت، وما رامه أحد من أصحاب علي إلّا قتل أو أفلت، ثم لم يعد. ولما اختلط الناس بالقلب جاء عدي بن حاتم فحمل عليه، ففقئت عينه ونكل، فجاء الأشتر فحامله عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد وإنه لأقطع منزوف، فاعتنقه، ثم جلد به الأرض عن دابّته، فاضطرب تحته، فأفلت وهو جريض.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان لا يجىء رجل فيأخذ بالزّمام حتى يقول: أنا فلان بن فلان يا أمّ المؤمنين، فجاء عبد الله بن الزبير، فقالت حين لم يتكلم: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله، أنا ابن أختك، قالت: واثكل أسماء! - تعنى أختها - وانتهى إلى الجمل الأشتر وعدي بن حاتم، فخرج عبد الله ابن حكيم بن حزام إلى الأشتر، فمشى إليه الأشتر، فاختلفا ضربتين، فقتله الأشتر، ومشى إليه عبد الله بن الزبير، فضربه الأشتر على رأسه، فجرحه جرحًا شديدًا، وضرب عبد الله الأشتر ضربة خفيفة، واعتنق كلّ واحد منهما صاحبه، وخرّا إلى الأرض يعتركان، فقال عبد الله بن الزبير: " اقتلوني ومالكًا ".
وكان مالك يقول: ما أحبّ أن يكون قال: " والأشتر " وأنّ لي حمر النعم. وشدّ أناس من أصحاب علي وأصحاب عائشة فافترقا، وتنقّذ كلّ واحد من الفريقين صاحبه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بن عطيّة، عن أبيه، قال: وجاء محمد بن طلحة فأخذ بزمام الجمل، فقال: يا أمّتاه، مريني بأمرك. قالت: آمرك أن تكون كخير بني آدم إن تركت. قال: فحمل فجعل لا يحمل عليه أحد إلّا حمل عليه ويقول: " حم لا ينصرون "، واجتمع عليه نفر، فكلّهم ادّعى قتله: المكعبر الأسدي، والمكعبر الضبي، ومعاوية بن شدّاد العبسي، وعفّان بن الأشقر النصري، فأنفذه بعضهم بالرّمح، ففي ذلك يقول قاتله منهم:
وأشعث قوّام بآيات ربّه ** قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
هتكت له بالرمح جيب قميصه ** فخرّ صريعًا لليدين وللفم
يذكّرني حم والرمح شاجر ** فهلا تلا حم قبل التقدّم!
على غير شيء غير أن ليس تابعًا ** عليًا ومن لا يتبع الحقّ يندم
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بن عطيّة، عن أبيه، قال: قال القعقاع بن عمرو للأشتر يؤلّبه يومئذ: هل لك في العود؟ فلم يجبه. فقال: يا أشتر، بعضنا أعلم بقتال بعض منك. فحمل القعقاع، وإنّ الزمام مع زفر بن الحارث، وكان آخر من أعقب في الزمام، فلا والله ما بقي من بني عامر يومئذ شيخ إلّا أصيب قدّام الجمل، فقتل فيمن قتل يومئذ ربيعة جدّ إسحاق بن مسلم، وزفر يرتجز ويقول:
يا أمّنا يا عيش لن تراعي ** كلّ بنيك بطل شجاع
ليس بوهّام ولا براعي
وقام القعقاع يرتجز ويقول:
إذا وردنا آجنًا جهرناه ** ولا يطاق ورد ما منعناه
تمثّلها تمثّلًا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: كان من آخر من قاتل ذلك اليوم زفر بن الحارث، فزحف إليه القعقاع، فلم يبق حول الجمل عامري مكتهل إلّا أصيب، يتسرّعون إلى الموت، وقال القعقاع: يا بحير بن دلجة، صح بقومك فليعقروا الجمل قبل أن يصابوا وتصاب أمّ المؤمنين؛ فقال: يال ضبة، يا عمرو بن دلجة، ادع بي إليك؛ فدعا به، فقال: أنا آمن حتى أرجع؟ قال: نعم. قال: فاجتثّ ساق البعير، فرمى بنفسه على شقّه وجرجر البعير. وقال القعقاع لمن يليه: أنتم آمنون. واجتمع هو وزفر على قطع بطان البعير، وحملا الهودج فوضعاه، ثم أطافا به، وتفارّ من وراء ذلك من الناس.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بن عطيّة، عن أبيه، قال: لما أمسى الناس وتقدّم علي وأحيط بالجمل ومن حوله، وعقره بجير بن دلجة، وقال: إنكم آمنون؛ كفّ بعض الناس عن بعض. وقال علي في ذلك حين أمسى وانخنس عنهم القتال:
إليك أشكو عجري وبجري ** ومعشرًا غشّوا علي بصري
قتلت منهم مضرًا بمضري ** شفيت نفسي وقتلت معشري
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، قال: قال طلحة يومئذ: اللهمّ أعط عثمان منّي حتى يرضى؛ فجاء سهم غرب وهو واقف، فخلّ ركبته بالسرج، وثبت حتى امتلأ موزجه دمًا، فلما ثقل قال لمولاه: اردفني وابغني مكانًا لا أعرف فيه، فلم أر كاليوم شيخًا أشيع دمًا مني. فركب مولاه وأمسكه وجعل يقول: قد لحقنا القوم، حتى انتهى به إلى دار من دور البصرة خربة، وأنزله في فيئها، فمات في تلك الخربة، ودفن رضي الله عنه في بني سعد.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن البختري العبدي، عن أبيه، قال: كانت ربيعة مع علي يوم الجمل ثلث أهل الكوفة، ونصف الناس يوم الوقعة، وكانت تعبيتهم مضر ومضر، وربيعة وربيعة، واليمن واليمن؛ فقال بنو صوحان: يا أمير المؤمنين، ائذن لنا نقف عن مضر؛ ففعل، فأتى زيد فقيل له: ما يوقفك حيال الجمل وبحيال مضر! الموت معك وبإزائك، فاعتزل إلينا؛ فقال: الموت نريد. فأصيبوا يومئذ، وأفلت صعصعة من بينهم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بن عطية، قال: كان رجل منا يدعى الحارث، فقال يومئذ: يال مضر؛ علام يقتل بعضكم بعضًا! تبادرون لا ندري إلّا أنّا إلى قضاء، وما تكفون في ذلك.
حدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله بن المبارك، عن جرير، قال: حدثني الزبير بن الخرّيت، قال: حدثني شيخ من الحرامين يقال له أبو جبير، قال: مررت بكعب بن سور وهو آخذ بخطام جمل عائشة رضي الله عنها يوم الجمل، فقال: يا أبا جبير، أنا والله كما قالت القائلة:
بني لا تبن ولا تقاتل
فحدثني الزبير بن الخرّيت، قال: مرّ به علي وهو قتيل، فقام عليه فقال: والله إنك - ما علمت - كنت لصليبًا في الحقّ، قاضيًا بالعدل، وكيت وكيت؛ فأثنى عليه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن ابن صعصعة المزني - أو عن صعصعة - عن عمرو بن جأوان، عن جرير بن أشرس، قال: كان القتال يومئذ في صدر النهار مع طلحة والزبير، فانهزم الناس وعائشة توقّع الصلح، فم يفجأها إلّا الناس، فأحاطت بها مضر، ووقف الناس للقتال، فكان القتال نصف النهار مع عائشة. وعلي.. كعب بن سور أخذ مصحف عائشة وعلي فبدر بين الصفين يناشدهم الله عز وجل في دمائهم، وأعطى درعه فرمى بها تحته، وأتى بترسه فتنكبّه، فرشقوه رشقًا واحدًا، فقتلوه رضي الله عنه، ولم يمهلوهم أن شدّوا عليهم، والتحم القتال، فكان أول مقتول بين يدي عائشة من أهل الكوفة.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مخلد بن كثير، عن أبيه، قال: أرسلنا مسلم بن عبد الله يدعو بنى أبينا، فرشقوه - كما صنع القلب بكعب - رشقًا واحدًا، فقتلوه، فكان أوّل من قتل بين يدي أمير المؤمنين وعائشة رضي الله عنها، فقالت أمّ مسلم ترثيه:
لا همّ إنّ مسلمًا أتاهم ** مستسلمًا للموت إذ دعاهم
إلى كتاب الله لا يخشاهم ** فرمّلوه من دم إذ جاهم
وأمّهم قائمة تراهم ** يأتمرون الغي لا تنهاهم
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بن حكيم ابن شريك، عن أبيه، عن جدّه، قال: لما انهزمت مجنّبتا الكوفة عشيّة الجمل، صاروا إلى القلب - وكان ابن يثربي قاضي البصرة قبل كعب بن سور، فشهدهم هو وأخوه يوم الجمل، وهما عبد الله وعمرو، فكان واقفًا أمام الجمل على فرس - فقال علي: من رجل يحمل على الجمل؟ فانتدب له هند بن عمرو المرادي، فاعترضه ابن يثربي، فاختلفا ضربتين، فقتله ابن يثربي، ثم حمل سيحان بن صوحان، فاعترضه ابن يثربي، فاختلفا ضربتين فقتله ابن يثربي، ثم حمل علباء بن الهيثم، فاعترضه ابن يثربي، فقتله، ثم حمل صعصعة فضربه، فقتل ثلاثة أجهز عليهم في المعركة: علباء، وهند، وسيحان، وارتثّ صعصعة وزيد، فمات أحدهما، وبقى الآخر.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:11 PM
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبي، قال: أخذ الخطام يوم الجمل سبعون رجلًا من قريش، كلّهم يقتل وهو آخذ بالخطام، وحمل الأشتر فاعترضه عبد الله بن الزبير، فاختلفا ضربتين، ضربه الأشتر فأمّه، وواثبه عبد الله، فاعتنقه فخرّ به، وجعل يقول: اقتلوني ومالكًا - وكان الناس لا يعرفونه بمالك، ولو قال: والأشتر، وكانت له ألف نفس ما نجا منها شئ - وما زال يضطرب في يدي عبد الله حتى أفلت، وكان الرجل إذا حمل على الجمل ثم نجا لم يعد. وجرح يومئذ مروان وعبد الله بن الزبير.
حدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني عمّي، قال: حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن جرير بن حازم، قال: حدثني محمد بن أبي يعقوب وابن عون، عن أبي رجاء، قال: قال يومئذ عمرو بن يثربي الضبي؛ وهو أخو عميرة القاضي:
نحن بني ضبّة أصحاب الجمل ** ننزل بالموت إذا الموت نزل
وزاد ابن عون - وليس في حديث ابن أبي يعقوب:
القتل أحلى عندنا من العسل ** ننعى ابن عفّان بأطراف الأسل
ردّوا علينا شيخنا ثمّ بجل
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن داود بن أبي هند، عن شيخ من بني ضبة، قال: ارتجز يومئذ ابن يثربي:
أنا لمن أنكرني ابن يثربي ** قاتل علباء وهند الجملي
وابن لصوحان على دين علي
وقال: من يبارز؟ فبرز له رجل، فقتله، ثم برز له آخر فقتله، وارتجز وقال:
اقتلهم وقد أرى عليًّا ** ولو أشا أوجرته عمريًّا
فبرز له عمّار بن ياسر؛ وإنه لأضعف من بارزه، وإنّ الناس ليسترجعون حين قام عمار، وأنا أقول لعمار من ضعفه: هذا والله لاحق بأصحابه، وكان قضيفًا، حمش الساقين، وعليه سيف حمائله تشفّ عنه قريب من إبطه، فيضربه ابن يثربي بسيفه، فنشب في حجفته، وضربه عمار وأوهطه، ورمى أصحاب علي ابن يثربي بالحجارة حتى أثخنوه وارتثّوه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن حمّاد البرجمي، عن خارجة بن الصلت، قال: لما قال الضبّي يوم الجمل:
نحن بني ضبّة أصحاب الجمل ** ننعى ابن عفّان بأطراف الأسل
ردّوا علينا شيخنا ثمّ بجل
قال عمير بن أبي الحارث:
كيف نردّ شيخكم وقد قحل ** نحن ضربنا صدره حتّى انجفل!
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه، قال: عقر الجمل رجل من بني ضبّة يقال له: ابن دلجة - عمرو أو بجير - وقال في ذلك الحارث بن قيس - وكان من أصحاب عائشة:
نحن ضربنا ساقه فانجلا ** من ضربة بالنّفر كانت فيصلا
لو لم نكوّن للرّسول ثقلا ** وحرمة لاقتسمونا عجّلا
وقد نحل ذلك المثنّى بن مخرمة من أصحاب علي.
شدة القتال يوم الجمل وخبر أعين بن ضبيعة واطلاعه في الهودج

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن نويرة، عن أبي عثمان، قال: قال القعقاع: ما رأيت شيئًا أشبه بشيء من قتال القلب يوم الجمل بقتال صفّين، لقد رأيتنا ندافعهم بأسنّتنا ونتّكئ على أزجّتنا، وهم مثل ذلك حتى لو أنّ الرجال مشت عليها لاستقلّت بهم.
حدثني عيسى بن عبد الرحمن المروزي، قال: حدثنا الحسن بن الحسين العرني، قال: حدثنا يحيى بن يعلي الأسلمي، عن سليمان بن قرم، عن الأعمش، عن عبد الله بن سنان الكاهلي، قال: لما كان يوم الجمل ترامينا بالنّبل حتى فنيت، وتطاعنّا بالرّماح حتى تشبّكت في صدورنا وصدورهم، حتى لو سيّرت عليها الخيل لسارت، ثم قال علي: السيوف يا أبناء المهاجرين. قال الشيخ: فما دخلت دار الوليد إلا ذكرت ذلك اليوم.
حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: حدثنا أبو فقيم، قال: حدثنا فطر، قال: سمعت أبا بشير قال: كنت مع مولاي زمن الجمل، فما مررت بدار الوليد قطّ، فسمعت أصوات القصّارين يضربون إلّا ذكرت قتالهم.
حدثني عيسى بن عبد الرحمن المروزي، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، قال: حدثنا يحيى بن يعلي، عن عبد الملك بن مسلم، عن عيسى ابن حطّان قال: حاص الناس حيصة، ثم رجعنا وعائشة على جمل أحمر، في هودج أحمر، ما شبّهته إلا بالقنفذ من النبل.
حدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي؛ قال: حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله، قال: حدثني ابن عون، عن أبي رجاء، قال: ذكروا يوم الجمل فقلت: كأنّي أنظر إلى خدر عائشة كأنه قنفذ مما رمى في من النبل، فقلت لأبي رجاء: أقاتلت يومئذ؟ قال: والله لقد رميت بأسهم فما أدري ما صنعن.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن راشد السلمي، عن ميسرة أبي جميلة، أنّ محمد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر أتيا عائشة وقد عقر الجمل، فقطعا غرضة الرحل، واحتملا الهودج، فنحّياه حتى أمرهما علي فيه أمره بعد؛ قال: أدخلاها البصرة، فأدخلاها دار عبد الله بن خلف الخزاعي.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: أمر علي نفرًا بحمل الهودج من بين القتلى، وقد كان القعقاع وزفر بن الحارث أنزلاه عن ظهر البعير، فوضعاه إلى جنب البعير، فأقبل محمد ابن أبي بكر إليه ومعه نفر، فأدخل يده فيه، فقالت: من هذا؟ قال: أخوك البرّ، قالت: عقوق. قال: عمّار بن ياسر: كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أمّه؟ قالت: من أنت؟ قال: أنا ابنك البارّ عمّار؛ قالت: لست لك بأمّ؛ قال: بلى، وإن كرهت. قالت: فخرتم أن ظفرتم، وأتيتم مثل ما نقمتم، هيهات؛ والله لن يظفر من كان هذا دأبه. وأبرزوها بهودجها من القتلى، ووضعوها ليس قربها أحد، وكأنّ هودجها فرخ مقصّب مما فيه من النبل، وجاء أعين بن ضبيعة المجاشعي حتى اطّلع في الهودج، فقالت: إليك لعنك الله! فقال: والله ما أرى إلّا حميراء؛ قالت: هتك الله سترك، وقطع يدك، وأبدى عورتك! فقتل بالبصرة وسلب، وقطعت يده، ورمى به عريانّا في خربة من خربات الأزد، فانتهى إليها علي، فقال: أي أمّه، يغفر الله لنا ولكم؛ قالت: غفر الله لنا ولكم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الصعب بن حكيم ابن شريك، عن أبيه، عن جده، قال: انتهى محمد بن أبي بكر ومعه عمّار، فقطع الأنساع عن الهودج، واحتملاه، فلما وضعناه أدخل محمد يده وقال: أخوك محمد، فقالت: مذّمم، قال: يا أخيّة، هل أصابك شئ؟ قالت: ما أنت من ذاك؟ قال: كيف أنت يا أمّه؟ قالت: بخير، قال: يغفر الله لك. قالت: ولك.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: ولما كان من آخر الليل خرج الليل خرج محمد بعائشة حتى أدخلها البصرة، فأنزلها في دار عبد العزّي بن عثمان بن عبد الدار، وهي أمّ طلحة الطلحات بن عبد الله ابن خلف.
وكانت الوقعة يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ستّ وثلاثين، في قول الواقدي.
مقتل الزبير بن العوام رضي الله عنه

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الوليد بن عبد الله، عن أبيه، قال: لما انهزم الناس يوم الجمل عن طلحة والزّبير، ومضى الزبير رضي الله عنه حتى مرّ بعسكر الأحنف، فلما رآه وأخبر به قال: والله ما هذا بخيار، وقال للناس: من يأتينا بخبره؟ فقال عمرو بن جرموز لأصحابه: أنا، فأتبعه، فلما لحقه نظر إليه الزبير - وكان شديد الغضب - قال: ما وراءك؟ قال: إنما أردت أن أسألك؛ فقال غلام للزّبير يدعى عطية كان معه: إنه معدّ؛ فقال: ما يهولك من رجل! وحضرت الصلاة، فقال ابن جرموز: الصلاة؛ فقال: الزبير: الصلاة، فنزلا، واستدبره ابن جرموز فطعنه من خلفه في جربّان درعه، فقتله، وأخذ فرسه وخاتمه وسلاحه، وخلّى عن الغلام، فدفنه بوادي السباع؛ ورجع إلى الناس بالخبر. فأما الأحنف فقال: والله ما أدري أحسنت أم أسأت! ثمّ انحدر إلى علي وابن جرموز معه، فدخل عليه، فأخبره، فدعا بالسيف، فقال: سيف طالما جلّى الكرب عن وجه رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)! وبعث بذلك إلى عائشة، ثم أقبل على الأحنف فقال: تربّصت؛ فقال: ما كنت أراني إلّا قد أحسنت، وبأمرك كان ما كان يا أمير المؤمنين، فارفق فإنّ طريقك الذي سلكت بعيد، وأنت إلي غدًا أحوج منك أمس، فاعرف إحساني، واستصف مودّتي لغد، ولا تقولنّ مثل هذا، فإني لم أزل لك ناصحًا.
من انهزم يوم الجمل فاختفى ومضى في البلاد

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: ومضى الزبير في صدر يوم الهزيمة راجلًا نحو المدينة، فقتله ابن جرموز، قالا: وخرج عتبة بن أبي سفيان وعبد الرحمن ويحيى ابنا الحكم يوم الهزيمة، قد شجّجوا في البلاد، فلقوا عصمة بن أبير التيمي، فقال: هل لكم في الجوار؟ قالوا: من أنت؟ قال: عصمة بن أبير. قالوا: نعم، قال: فأنتم في جواري إلى الحول؛ فمضى بهم، ثم حماهم وأقام عليهم حتى برءوا، ثم قال: اختاروا أحبّ بلد إليكم أبلغكموه، قالوا: الشأم، فخرج بهم في أربعمائة راكب من تيم الرباب، حتى إذا وغلوا في بلاد كلب بدومة قالوا: قد وفّيت ذمّتك وذممهم، وقضيت الذي عليك فارجع، فرجع.
وفي ذلك يقول الشاعر:
وفي ابن أبير والرّماح شوارع ** بآل أبي العاصي وفاء مذكّرا
وأما ابن عامر فإنه خرج أيضًا مشجّجًا، فتلقاه رجل من بني حرقوص يدعى مريًّا، فدعاه للجوار، فقال: نعم، فأجاره وأقام عليه، وقال: أي البلدان أحبّ إليك؟ قال: دمشق، فخرج به في ركب من بي حرقوص حتى بلغوا به دمشق. وقال حارثة بن بدر - وكان مع عائشة، وأصيب في الوقعة ابنه أو أخوه زراع:
أتاني من الأنباء أنّ ابن عامر ** أناخ وألقي في دمشق المرسيا
وأوى مروان بن الحكم إلى أهل بيت من عنزة يوم الهزيمة، فقال لهم: أعلموا مالك بن مسمع بكاني، فأتوا مالكًا فأخبروه بمكانه، فقال لأخيه مقاتل: كيف نصنع بهذا الرجل الذي قد بعث إليها يعلمنا بمكانه؟ قال: ابعث ابن أخي فأجره، والتمسوا له الأمان من علي، فإن آمنه فذاك الذي نحبّ وإن لم يؤمنه خرجنا به وبأسيافنا؛ فإن عرض له جالدنا دونه بأسيافنا، فإمّا أن نسلم، وأمّا أن نهلك كرامًا. وقد استشار غيره من أهله من قبل في الذي استشار فيه مقاتلًا، فنهاه، فأخذ برأي أخيه، وترك رأيهم، فأرسل إليه فأنزله داره، وعزم على منعه إن اضطر إلى ذلك، وقال: الموت دون الجوار وفاء، وحفظ لهم بنو مروان ذلك بعد، وانتفعوا به عندهم، وشرّفوهم بذلك، وأوى عبد الله بن الزبير إلى دار رجل من الأزد يدعى وزيرًا؛ وقال: ائت أمّ المؤمنين فأعلمها بمكاني، وإيّاك أن يطّلع على هذا محمد بن أبي بكر، فأتى عائشة رضي الله عنها فأخبرها، فقالت: علي بمحمد، فقال: يا أمّ المؤمنين، إنه قد نهاني أن يعلم به محمد، فأرسلت إليه فقالت: اذهب مع هذا الرجل حتى تجيئني بان أختك؛ فانطلق معه فدخل بالأزدي على ابن الزبير، قال: جئتك والله بما كرهت، وأبت أمّ المؤمنين إلّا ذلك، فخرج عبد الله ومحمد وهما يتشاتمان، فذكر محمد عثمان فشتمه وشتم عبد الله محمدًا حتى انتهى إلى عائشة في دار عبد الله بن خلف - وكان عبد الله ابن خلف قبل يوم الجمل مع عائشة، وقتل عثمان أخوه علي - وأرسلت عائشة في طلب من كان جريحًا فضمّت منهم ناسًا، وضمّت مروان فيمن ضمّت، فكانوا في بيوت الدار.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:12 PM
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وغشى الوجوه عائشة وعلي في عسكره، ودخل القعقاع بن عمرو على عائشة في أوّل من دخل، فسلّم عليها، فقالت: إني رأيت رجلين بالأمس اجتلدا بين يدي واتجزا بكذا، فهل تعرف كوفيّك منهما؟ قال: نعم، ذاك الذي قال: أعقّ أمّ نعلم، وكذب والله، إنك لأبرّ أمّ نعلم، ولكن لم تطاعي. فقالت: والله لوددت أني متّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة. وخرج فأتى عليًّا فأخبره أنّ عائشة سألته، فقال: ويحك! من الرجلان؟ قال: ذلك أبو هالة الذي يقول:
كيما أرى صاحبه عليّا
فقال: والله لوددت أني متّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة، فكان قولهما واحدًا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وتسلّل الجرحى في جوف الليل، ودخل البصرة من كان يطيق الانبعاث منهم، وسألت عائشة يومئذ عن عدّة من الناس، منهم من كان معها، ومنهم من كان عليها، وقد غشيها الناس، وهي في دار عبد الله بن خلف، فكلما نعى لها منهم واحد قالت: يرحمه الله، فقال لها رجل من أصحابها: كيف ذلك؟ قالت: كذلك قال رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg): فلان في الجنة، وفلان في الجنة. وقال علي بن أبي طالب يومئذ: إني لأرجو ألّا يكون أحد من هؤلاء نقّي قلبه إلّا أدخله الله في الجنّة.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عطيّة، عن أبي أيّوب، عن علي، قال: ما نزّل على النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) آية أفرح له من قول الله عز وجل: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير "، فقال http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg): " ما أصاب المسلم في الدنيا من مصيبة في نفسه فبذنب، وما يعفو الله عز وجل عنه أكثر، وما أصابه في الدنيا فهو كفّارة له وعفو منه لا يعتدّ عليه فيه عقوبة يوم القيامة، وما عفا الله عز وجل عنه في الدنيا فقد عفا عنه، والله أعظم من أن يعدو في عفوه ".
توجع علي على قتلى الجمل ودفنهم وجمعه ما كان في العسكر والبعث به إلى البصرة

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وأقام علي بن أبي طالب في عسكره ثلاثة أيام لا يدخل البصرة، وندب الناس إلى موتاهم، فخرجوا إليهم فدفنوهم، فطاف علي معهم في القتلى، فلما أتى بكعب بن سور قال: زعمتم أنما خرج معهم السفهاء، وهذا الحبر قد ترون. وأتى علي عبد الرحمن بن عتّاب فقال: هذا يعسوب القوم - يقول الذي كانوا يطيفون به - يعني أنهم قد كانوا اجتمعوا عليه، ورضوا به لصلاتهم. وجعل علي كلما مرّ برجل فيه خير قال: زعم من زعم أنه لم يخرج إلينا إلّا الغوغاء، هذا العابد المجتهد. وصلّى على قتلاهم من أهل البصرة، وعلا قتلاهم من أهل الكوفة؛ وصلى على قريش من هؤلاء وهؤلاء، فكانوا مدنيّين ومكيّين، ودفن علي الأطراف في قبر عظيم، وجمع ما كان في المعسكر من شئ، ثم بعث به إلى مسجد البصرة؛ أن من عرف شيئًا فليأخذه، إلّا سلاحًا كان في الخزائن عليه سمة السلطان، فإنه لمّا بقي لم يعرف، خذوا ما أجلبوا به عليكم من مال الله عز وجل، لا يحلّ لمسلم من مال المسلم المتوفىّ شئ، وإنما كان ذلك السلاح في أيديهم من غير تنفيل من السلطان.
عدد قتلى الجمل

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: كان قتلى الجمل حول الجمل عشرة آلاف؛ نصفهم من أصحاب علي، ونصفهم من أصحاب عائشة؛ من الأزد ألفان، ومن سائر اليمن خمسمائة، ومن مضر ألفان، وخمسمائة من قيس، وخمسمائة من تميم، وألف من بني ضبّة، وخمسمائة من بكر بن وائل. وقيل: قتل من أهل البصرة في المعركة الأولى خمسة آلاف، وقتل من أهل البصرة في المعركة الثانية خمسة آلاف، فذلك عشرة آلاف قتيل من أهل البصرة، ومن أهل الكوفة خمسة آلاف. قالا: وقتل من بني عدي يومئذ سبعون شيخًا، كلهم قد قرأ القرآن، سوى الشباب ومن لم يقرأ القرآن.
وقالت عائشة رضي الله عنها: ما زلت أرجو النصر حتى خفيت أصوات بني عدي.
دخول علي على عائشة وما أمر به من العقوبة فيمن تناولها

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: ودخل علي البصرة يوم الاثنين، فانتهى إلى المسجد، فصلى فيه، ثم دخل البصرة، فأتاه الناس، ثم راح إلى عائشة على بغلته، فلما انتهى إلى دار عبد الله بن خلف وهي أعظم دار بالبصرة، وجد النساء يبكين على عبد الله وعثمان ابنى خلف مع عائشة، وصفيّة ابنة الحارث مختمرة تبكي، فلما رأته قالت: يا علي، يا قاتل الأحبّة، يا مفرّق الجمع، أيتم الله بنيك منك كما أيتمت ولد عبد الله منه! فلم يردّ عليها شيئًا، ولم يزل على حاله حتى دخل على عائشة، فسلّم عليها، وقعد عندها، وقال لها: جبهتنا صفيّة، أما إني لم أرها منذ كانت جارية حتى اليوم، فلما خرج علي أقبلت عليه فأعادت عليه الكلام، فكفّ بغلته وقال: أما لهممت - وأشار إلى الأبواب من الدار - أن أفتح هذا الباب واقتل من فيه، ثم هذا فأقتل من فيه، ثم هذا فأقتل من فيه - وكان أناس من الجرحى قد لجئوا إلى عائشة، فأخبر علي بمكانهم عندها، فتغافل عنهم - فسكتت. فخرج علي، فقال رجل من الأزد: والله لا تفلتنا هذه المرأة. فغضب وقال: صه! لا تهتكنّ سترًا، ولا تدخلنّ دارًا، ولا تهيّجنّ امرأة بأذى، وإن شتمن أعراضكم، وسفّهن أمراءكم وصلحاءكم، فإنهنّ ضعاف؛ ولقد كنا نؤمر بالكفّ عنهنّ، وإنهنّ لمشركات، وإن الرجل ليكافئ المرأة ويتناولها بالضّرب فيعيّر بها عقبه من بعده، فلا يبلغنّي عن أحد عرض لامرأة فأنكّل به شرار الناس. ومضى علي، فلحق به رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، قام رجلان من لقيت على الباب، فتناولا من هو أمضّ لك شتيمة من صفيّة. قال: ويحك! لعلها عائشة. قال: نعم، قام رجلان منهم على باب الدار فقال أحدهما:
جزيت عنّا أمّنا عقوقا
وقال الآخر:
يا أمّنا توبي فقد خطيت
فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب، فأقبل بمن كان عليه، فأحالوا على رجلين، فقال: اضرب أعناقهما، ثم قال: لأنهكنّهما عقوبة. فضربهما مائة مائة، وأخرجهما من ثيابهما.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي الكنود، قال: هما رجلان من أزد الكوفة يقال لهما عجل وسعد ابنا عبد الله.
بيعة أهل البصرة عليا وقسمه ما في بيت المال عليهم

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: بايع الأحنف من العشي لأنه كان خارجًا هو وبنو سعد، ثم دخلوا جميعًا البصرة، فبايع أهل البصرة على راياتهم، وبايع علي أهل البصرة حتى الجرحى والمستأمنة، فلما رجع مروان لحق بمعاوية. وقال قائلون: لم يبرح المدينة حتى فرغ من صفين.
قالا: ولما فرغ علي من بيعة أهل البصرة نظر في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف وزيادة، فقسمها على من شهد معه الوقعة، فأصاب كلّ رجل منهم خمسمائة خمسمائة، وقال: لكم إن أظفركم الله عز وجل بالشأم مثلها إلى أعطياتكم. وخاض في ذلك السبئيّة، وطعنوا على علي من وراء وراء.
سيرة علي فيمن قاتل يوم الجمل

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن راشد، عن أبيه، قال: كان في سيرة علي ألّا يقتل مدبرًا ولا يذفّف على جريح، ولا يكشف سترًا، ولا يأخذ مالًا؛ فقام قوم يومئذ: ما يحلّ لنا دماءهم، ويحرم علينا أموالهم؟ فقال علي: القوم أمثالكم، من صفح عنّا فهو منّا، ونحن منه، ومن لجّ حتى يصاب فقاتله منّى على الصدر والنّحر، وإنّ لكم في خمسه لغنى، فيومئذ تكلّمت الخوارج.
بعثة الأشتر إلى عائشة بجمل اشتراه لها وخروجها من البصرة إلى مكة

حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عيّاش، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، قال: لما فرغوا يوم الجمل أمرني الأشتر فانطلقت فاشتريت له جملًا بسبعمائة درهم من رجل من مهرة، فقال: انطلق به إلى عائشة فقل لها: بعث به إليك الأشتر مالك ابن الحارث، وقال: فهذا عوض من بعيرك، فانطلقت به إليها، فقلت: مالك يقرئك السلام ويقول: إنّ هذا البعير مكان بعيرك؛ قالت: لا سلّم الله عليه؛ إذ قتل يعسوب العرب - تعني ابن طلحة - وصنع بابن أختي ما صنع! قال: فرددته إلى الأشتر، وأعلمته، قال: فأخرج ذراعين شعراوين؛ وقال: أرادوا قتلي فما أصنع!
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: قصدت عائشة مكة فكان وجهها من البصرة، وانصرف مروان والأسود بن أبي البختري إلى المدينة من الطريق، وأقامت عائشة بمكّة إلى الحجّ، ثم رجعت إلى المدينة.
ما كتب به علي بن أبي طالب من الفتح إلى عامله بالكوفة كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وكتب علي بالفتح إلى عامله بالكوفة حين كتب في أمرها وهو يومئذ بمكة: من عبد الله علي أمير المؤمنين. أمّا بعد، فإنا التقينا في النصف من جمادى الآخرة بالخريبة - فناء من أفنية البصرة - فأعطاهم الله عز وجل سنّة المسلمين، وقتل منّا ومنهم قتلى كثيرة، وأصيب ممّن أصيب منا ثمامة بن المثني، وهند بن عمرو، وعلباء بن الهيثم، وسيحان وزيد ابنا صوحان، ومحدوج.
وكتب عبيد الله بن رافع. وكان الرسول زفر بن قيس إلى الكوفة بالبشارة في جمادى الآخرة.
أخذ علي البيعة على الناس وخبر زياد بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن أبي بكرة

وكان في البيعة: عليك عهد الله وميثاقه بالوفاء لتكوننّ لسلمنا سلما، ولحربنا حربًا، ولتكفّنّ عنّا لسانك ويدك. وكان زياد بن أبي سفيان من اعتزل ولم يشهد المعركة، قعد. وكان في بيت نافع بن الحارث، وجاء عبد الرحمن ابن أبي بكرة في المستأمنين مسلّمًا بعد ما فرغ علي من البيعة، فقال له علي: وعمّك المتربصّ المقاعد بي! فقال: والله يا أمير المؤمنين، إنه لك لوادّ، وإنه على مسرّتك لحريص، ولكنه بلغني أنه يشتكي، فأعلم لك علمه ثم آتيك. وكتم عليًّا مكانه حتى استأمره، فأمره أن يعلمه فأعلمه، فقال علي: امش أمامي فاهدني إليه، ففعل؛ فلما دخل عليه قال: تقاعدت عني، وتربّصت - ووضع يده على صدره، وقال: هذا وجع بيّن - فاعتذر إليه زياد، فقبل عذره واستشاره. وأراده علي على البصرة، فقال: رجل من أهل بيتك يسكن إليه الناس؛ فإنه أجدر أن يطمئنّوا أو ينقادوا، وسأكفيكه وأشير عليه. فافترقا على ابن عباس، ورجع علي إلى منزله.
تأمير ابن عباس على البصرة وتولية زياد الخراج

وأمّر ابن عبّاس على البصرة، وولّى زيادًا الخراج وبيت المال، وأمر ابن عباس أن يسمع منه، فكان ابن عباس يقول: استشرته عند هنة كانت من الناس، فقال: إن كنت تعلم أنك على الحقّ، وأنّ من خالفك على الباطل، أشرت عليك بما ينبغي، وإن كنت لا تدري، أشرت عليك بما ينبغي كذلك. فقلت: إنّي على الحقّ، وإنهم على الباطل، فقال: اضرب بمن أطاعك من عصاك ومن ترك أمرك، فإن كان أعزّ للإسلام وأصلح له أن يضرب عنقه فاضرب عنقه. فاستكتبته، فلما ولّى رأيت ما صنع، وعلمت أنه قد اجتهد لي رأيه، وأعجلت السبئيّة عليًّا عن المقام، وارتحلوا بغير إذنه، فارتحل في آثارهم ليقطع عليهم أمرًا إن كانوا أرادوه، وقد كان له فيها مقام.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: علم أهل المدينة بيوم الجمل يوم الخميس قبل أن تغرب الشمس من نسر مرّ بما حول المدينة، معه شئ متعلّقة، فتأمّله الناس فوقع، فإذا كفّ فيها خاتم، نقشه عبد الرحمن بن عتّاب، وجفل من بين مكة والمدينة من أهل البصرة، من قرب من البصرة أو بعد، وقد علموا بالوقعة مما ينقل إليهم النسور من الأيدي والأقدام.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:13 PM
تجهيز علي عليه السلام عائشة رضي الله عنها من البصرة

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وجهّز علي عائشة بكلّ شئ ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع، وأخرج معها كلّ من نجا ممّن خرج معها إلّا من أحبّ المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وقال: تجهّز يا محمّد، فبلّغها، فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه، جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس، فخرجت على الناس وودّعوها وودّعتهم، وقالت: يا بني، تعتّب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة، فلا يعتدّنّ أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك؛ إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلّا ما يكون بين المرأة وأحمائها؛ وإنه عندي على معتبّي من الأخيار. وقال علي: يا أيها الناس، صدقت والله وبرّت، ما كان بيني وبينها إلّا ذلك، وإنها لزوجة نبيّكم http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) في الدنيا والآخرة.
وخرجت يوم السبت لغرّة رجب سنة ست وثلاثين، وشيّعها علي أميالا، وسرّح بنيه معها يومًا.
ما روي من كثرة القتلى يوم الجمل

حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا محمد ابن الفضل بن عطيّة الخراساني، عن سعيد القطعي، قال: كّنا نتحدث أنّ قتلى الجمل يزيدون على ستّة آلاف.
حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا سليمان بن صالح، قال: حدثني عبد الله، عن جرير بن حازم، قال: حدثني الزبير بن الخرّيت، عن أبي لبيد لمازة بن زياد، قال: قلت له: لم تسبّ عليًّا؟ قال: ألا أسبّ رجلًا قتل منا ألفين وخمسمائة، والشمس ها هنا! قال جرير بن حازم: وسمعت ابن أبي يعقوب يقول: قتل علي بن أبي طالب يوم الجمل ألفين وخمسمائة؛ ألف وثلثمائة وخمسون من الأزد وثمانمائة من بني ضبّة، وثلثمائة وخمسون من سائر الناس.
وحدثني أبي، عن سليمان، عن عبد الله، عن جرير، قال: قتل المعرّض بن علاط يوم الجمل، فقال أخوه الحجّاج:
لم أر يومًا كان أكثر ساعيًا ** بكفّ شمال فارقتها يمينها
قال معاذ: وحدثني عبد الله، قال: قال جرير: قتل المعرّض بن علاط يوم الجمل، فقال أخوه الحجّاج:
لم أر يومًا كان أكثر ساعيًا ** بكفّ شمال فارقتها يمينها
ما قال عمار بن ياسر لعائشة حين فرغ من الجمل

حدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، عن سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن جرير بن حازم، قال: سمعت أبا يزيد المديني يقول: قال عمّار بن ياسر لعائشة - رضي الله عنها - حين فرغ القوم: يا أمّ المؤمنين، ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك! قالت: أبو اليقظان! قال: نعم، قالت: والله إنّك - ما علمت - قوّال بالحق؛ قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانك.
آخر حديث الجمل - بعثة علي بن أبي طالب قيس بن سعد بن عبادة أميرا على مصر

وفي هذه السنة - أعني سنة ستّ وثلاثين - قتل محمد بن أبي حذيفة، وكان سبب قتله أنه لما خرج المصريّون إلى عثمان مع محمد بن أبي بكر، أقام بمصر، وأخرج عنها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وضبطها، فلم يزل بها مقيمًا حتى قتل عثمان رضي الله عنه، وبويع لعلي، وأظهر معاوية الخلاف، وبايعه على ذلك عمرو بن العاص، فسار معاوية وعمرو إلى محمد بن أبي حذيفة قبل قدوم قيس بن سعد مصر، فعالجا دخول مصر، فلم يقدرا على ذلك، فلم يزالا يخدعان محمد بن أبي حذيفة حتى خرج إلى عريش مصر في ألف رجل، فتحصّن بها، وجاءه عمرو فنصب المنجنيق عليه حتى نزل في ثلاثين من أصحابه وأخذوا وقتلوا رحمهم الله.
وأما هشام بن محمد فإنه ذكر أن أبا مخنف لوط بن يحيى بن سعيد ابن مخنف بن سليم، حدثه عن محمد بن يوسف الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج، عن عبّاس بن سهل الساعدي أنّ محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف هو الذي كان سرّب المصريّين إلى عثمان بن عفان، وإنهم لما ساروا إلى عثمان فحصروه وثب هو بمصر على عبد الله بن سعد بن أبي سرح أحد بني عامر بن لؤي القرشي، وهو عامل عثمان يومئذ على مصر، فطرده منها، وصلّى بالناس، فخرج عبد الله ابن سعد من مصر فنزل على تخوم أرض مصر مما يلي فلسطين، فانتظر ما يكون من أمر عثمان، فطلع راكب فقال: يا عبد الله، ما وراءك؟ خبّرنا بخبر الناس خلفك؛ قال: أفعل، قتل المسلمون عثمان رضي الله عنه، فقال عبد الله بن سعد: " إنّا لله وإنّا إليه راجهون! "، يا عبد الله، ثم صنعوا ماذا؟ قال: ثم بايعوا ابن عم رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) علي بن أبي طالب، قال عبد الله بن سعد: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون "، قال له الرجل: كأنّ ولاية علي بن أبي طالب عدلت عندك قتل عثمان! قال: أجل. قال: فنظر إليه الرجل، فتأملّه فعرفه وقال: كأنّك عبد الله بن أبي سرح أمير مصر! قال: أجل؛ قال له الرجل: فإن كان لك في نفسك حاجة فالنّجاء النجاء، فإنّ رأى أمير المؤمنين فيك وفي أصحابك سيّئ، إن ظفر بكم قتلكم أو نفاكم عن بلاد المسلمين، وهذا بعدي أمير يقدم عليك. قال له عبد الله: ومن هذا الأمير؟ قال: قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري؛ قال عبد الله بن سعد: أبعد الله محمد بن أبي حذيفة! فإنه بغى على ابن عمّه، وسعى عليه، وقد كان كفله ورّباه وأحسن إليه، فأساء جواره، ووثب على عمّاله، وجهز الرجال إليه حتى قتل، ثم ولى عليه من هو أبعد منه ومن عثمان، لم يمتّعه بسلطان بلاده حولا ولا شهرًا، ولم يره لذلك أهلًا، فقال له الرجل: انج بنفسك، لا تقتل. فخرج عبد الله بن سعد هاربًا حتى قدم على معاوية ابن أبي سفيان دمشق.
قال أبو جعفر: فخبر هشام هذا يدلّ على أن قيس بن سعد ولى مصر ومحمد بن أبي حذيفة حي.
وفي هذه السنة بعث علي بن أبي طالب على مصر قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، فكان من أمره ما ذكر هشام بن محمد الكلبي، قال: حدثني أبو مخنف، عن محمد بن يوسف بن ثابت، عن سهل بن سعد، قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه وولى علي بن أبي طالب الأمر، دعا قيس ابن سعد الأنصاري فقال له: سر إلى مصر فقد ولّيتكها، واخرج إلى رحلك، واجمع إليك ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتى تأتيها ومعك جند، فإن ذلك أرعب لعدوّك وأعزّ لولّيك، فإذا أنت قدمتها إن شاء الله فأحسن إلى المحسن، واشتدّ على المريب، وارفق بالعامة والخاصّة، فإنّ الرفق يمن.
فقال له قيس بن سعد: رحمك الله يا أمير المؤمنين! فقد فهمت ما قلت، أمّا قولك: اخرج إليها بجند، فوالله لئن لم أدخلها إلّا بجند آتيها به من المدينة لا أدخلها أبدًا، فأنا أدع ذلك الجند لك، فإن أنت احتجت كانوا عدّة لك، وأنا أصير إليها بنفسي وأهل بيتي. وأمّا ما أوصيتني به من المرفق والإحسان، فإنّ الله عز وجل هو المستعان على ذلك.
قال: فخرج قيس بن سعد في سبعة نفر من أصحابه حتى دخل مصر، فصعد المنبر، فجلس عليه، وأمر بكتاب معه من أمير المؤمنين فقرئ على أهل مصر:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أمّا بعد، فإنّ الله عز وجل بحسن صنعه وتقديره وتدبيره، اختار الإسلام دينًا لنفسه وملائكته ورسله، وبعث به الرسل عليهم السلام إلى عباده، وخصّ به من انتخب من خلقه، فكان مما أكرم الله عز وجل به هذه الأمّة، وخصّهم به من الفضيلة أن بعث إليهم محمدًا http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فعلّمهم الكتاب والحكمة والفرائض والسنّة، لكيما يهتدوا، وجمعهم لكيما لا يتفرّقوا، وزكّاهم لكيما يتطّهروا، ورفّههم لكيما لا يجوروا، فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله عز وجل صلوات الله عليه ورحمته وبركاته. ثم إنّ المسلمين استخلفوا به أميرين صالحين، عملا بالكتاب والسنّة، وأحسنا السيرة، ولم يعدوا السنّة، ثم توفّاهما الله عز وجل، رضي الله عنهما. ثم ولى بعدهما وال فأحدث أحداثًا، فوجدت الأمة عليه مقالًا فقالوا، ثم نقموا عليه فغيّروا، ثم جاءوني فبايعوني، فأستهدي الله عز وجل بالهدى، وأستعينه على التقوى. ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنّة رسوله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، والقيام عليكم بحقه والتنفيذ لسنّته، والنّصح لكم بالغيب، والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وقد بعثت إليكم قيس بن سعد بن عبادة أميرًا، فوازروه وكانفوه، وأعينوه على الحقّ، وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم، والشدّة على مريبكم، والرّفق بعوامّكم وخواصّكم، وهو ممّن أرضى هديه، وأرجو صلاحه ونصيحته. أسأل الله عز وجل لنا ولكم عملًا زاكيًا، وثوابًا جزيلًا، ورحمة واسعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكتب عبيد الله بن أبي رافع في صفر سنة ست وثلاثين.
قال: ثمّ إنّ قيس بن سعد قام خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، وقال: الحمد لله الذي جاء بالحقّ، وأمات الباطل، وكبت الظالمين. أيّها الناس، إنا قد بايعنا خير من نعلم بعد محمد نبينا http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فقوموا أيّها الناس فبايعوا على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، فإن نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم.
فقام الناس فبايعوا، واستقامت له مصر، وبعث عليها عمّاله، إلّا أن قرية منها يقال لها: خربتا فيها أناس قد أعظموا قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبها رجل من كنانة ثم من بنى مدلج يقال له يزيد بن الحارث من بني الحارث بن مدلج. فبعث هؤلاء إلى قيس بن سعد: إنّا لا نقاتلك فابعث عمّالك، فالأرض أرضك، ولكن أقرّنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس.
قال: ووثب مسلمة بن مخلّد الأنصاري، ثمّ من ساعده من رهط قيس ابن سعد، فنعى عثمان بن عفان رضي الله عنه، ودعا إلى الطلب بدمه، فأرسل إليه قيس بن سعد: ويحك، علي تثب! فوالله ما أحبّ أنّ لي ملك الشأم إلى مصر وأني قتلتك. فبعث إليه مسلمة: إني كافّ عنك ما دمت أنت والي مصر.
قال: وكان قيس بن سعد له حزم ورأي، فبعث إلى الذين بخربتا: إنّي لا أكرهكم على البيعة، وأنا أدعكم وأكفّ عنكم. فهادنهم وهادن مسلمة بن مخلّد، وجبى الخراج، ليس أحد من الناس ينازعه.
قال: وخرج أمير المؤمنين إلى أهل الجمل وهو على مصر، ورجع إلى الكوفة من البصرة وهو بمكانه، فكان أثقل خلق الله على معاوية بن أبي سفيان لقربه من الشأم، مخافة أن يقبل إليه علي في أهل العراق، ويقبل إليه قيس بن سعد في أهل مصر، فيقع معاوية بينهما.
وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد - وعلي بن أبي طالب يومئذ بالكوفة قبل أن يسير إلى صفّين:
من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد. سلام عليك، أمّا بعد، فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان بن عفان رضي الله عنه في أثرة رأيتموها، أو ضربة سوط ضربها، أو شتيمة رجل، أو في تسييره آخر، أو في استعماله الفتي، فإنكم قد علمتم - إن كنتم تعلمون - أنّ دمه لم يكن يحلّ لكم، فقد ركبتم عظيمًا من الأمر، وجئتم شيئًا إدًّا، فتب إلى الله عز وجل يا قيس ابن سعد. فإنك كنت في المجلبين على عثمان بن عفان - إن كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئًا - فأمّا صاحبك فإنا استيقنّا أنّه الذي أغرى به الناس، وحملهم على قتله حتى قتلوه، وأنه لم يسلم دمه عظم قومك، فإن استطعت يا قيس أن تكون ممّن يطلب بدم عثمان فافعل. تابعنا على أمرنا، ولك سلطان العراقين إذا ظهرت ما بقيت، ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان، وسلني غير هذا مما تحبّ، فإنّك لا تسألني شيئًا إلا أوتيته، واكتب إلي برأيك فيما كتبت به إليك. والسلام.
فلما جاءه كتاب معاوية أحبّ أن يدافعه ولا يبدي له أمره، ولا يتعجّل له حربه، فكتب إليه: أمّا بعد، فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه من قتل عثمان، وذلك أمر لم أقارفه، ولم أطف به. وذكرت أنّ صاحبي هو أغرى الناس بعثمان، ودسّهم إليه حتى قتلوه، وهذا ما لم أطّلع عليه، وذكرت أن عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان، فأوّل الناس كان فيه قيامًا عشيرتي. وأمّا ما سألتني من متابعتك، وعرضت علي من الجزاء به، فقد فهمته، وهذا أمر لي فيه نظر وفكرة، وليس هذا مما يسرع إليه، وأنا كافّ عنك، ولن يأتيك من قبلي شئ تكرهه حتى ترى ونرى إن شاء الله، والمستجار الله عز وجل، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال: فلما قرأ معاوية كتابه، لم يره إلّا مقاربًا مباعدًا، ولم يأمن أن يكون له في ذلك مباعدًا مكايدًا، فكتب إليه معاوية أيضًا: أمّا بعد، فقد قرأت كتابك، فلم أرك تدنو فأعدّك سلمًا، ولم أرك تباعد فأعدّك حربًا، أنت فيما هاهنا كحنك الجزور، وليس مثلي يصانع المخادع، ولا ينتزع للمكايد، ومعه عدد الرجال، وبيده أعنّة الخيل؛ والسلام عليك.
فلما قرأ قيس بن سعد كتاب معاوية، ورأى أنه لا يقبل معه المدافعة والمماطلة، أظهر له ذات نفسه، فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. من قيس بن سعد، إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد، فإنّ العجب من اغترارك بي، وطمعك في، واستسقاطك رأيي. أتسومني الخروج من طاعة أولى الناس بالإمرة، وأقولهم للحق، وأهداهم سبيلًا، وأقربهم من رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وسيلة، وتأمرني بالدّخول في طاعتك، طاعة أبعد الناس من هذا الأمر، وأقولهم للزّور، وأضلّهم سبيلًا، وأبعدهم من الله عز وجل ورسوله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وسيلة، ولد ضالّين مضلّين، طاغوت من طواغيت إبليس! وأمّا قولك إني مالئ عليك مصر خيلًا ورجلًا فوالله إن لم أشغلك بنفسك حتى تكون نفسك أهمّ إليك؛ لذو جدّ، والسلام. فلما بلغ معاوية كتاب قيس أيس منه، وثقل عليه مكانه.
حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: حدثني أبي قال: حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال: كانت مصر من حين علي، عليها قيس بن سعد بن عبادة وكان صاحب راية الأنصار مع رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، وكان من ذوي الرأي والبأس، وكان معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص جاهدين على أن يخرجاه من مصر ليلغبا عليها، فكان قد امتنع فيها بالدّهاء والمكايدة، فلم يقدرا عليه، ولا على أن يفتتحا مصر؛ حتى كاد معاوية قيس بن سعد من قبل علي، وكان معاوية يحدث رجالًا من ذوي الرأي من قريش يقول: ما ابتدعت مكايدة قطّ كانت أعجب عندي من مكايدة كدت بها قيسًا من قبل علي وهو بالعراق حين امتنع منّي قيس. قلت لأهل الشأم: لا تسبّوا قيس بن سعد، ولا تدعوا إلى عزوه، فإنه لنا شيعة، يأتينا كيّس نصيحته سرًّا. ألا ترون ما يفعل بإخوانكم الذين عنده من أهل خربتا، يجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم، ويؤمّن سربهم؛ ويحسن إلى كلّ راكب قدم عليه منكم، لا يستنكرونه في شئ!.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:13 PM
قال معاوية: وهممت أن أكتب بذلك إلى شيعتي من أهل العراق، فيسمع بذلك جواسيس علي عندي وبالعراق. فبلغ ذلك عليًّا، ونماه إليه محمد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر بن أبي طالب. فلما بلغ ذلك عليًّا اتهم قيسًا، وكتب إليه يأمره بقتال أهل خربتا - وأهل خربتا يومئذ عشرة آلاف - فأبى قيس بن سعد أن يقاتلهم، وكتب إلى علي: إنهم وجوه أهل مصر وأشرافهم، وأهل الحفاظ منهم، وقد رضوا منّي أن أؤمّن سربهم، وأجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم، وقد علمت أنّ هواهم مع معاوية، فلست مكايدهم بأمر أهون علي وعليك من الذي أفعل بهم، ولو أني غزوتهم كانوا لي قرنًا، وهو أسود العرب، ومنهم بسر بن أبي أرطأة، ومسلمة بن مخلّد، ومعاوية بن حديح، فذرني فأنا أعلم بما أداري منهم. فأبى علي إلّا قتالهم، وأبى قيس أن يقاتلهم.
فكتب قيس إلى علي: إن كنت تتهمني فاعزلني عن عملك، وابعث إليه غيري. فبعث علي الأشتر أميرًا إلى مصر، حتى إذا صار بالقلزم شرب شربة عسل كان فيها حتفه. فبلغ حديثهم معاوية وعمرا، فقال عمرو: إن لله جندًا من عسل.
فلما بلغ عليًّا وفاة الأشتر بالقلزم بعث محمد بن أبي بكر أميرًا على مصر. فالزّهري يذكر أنّ عليًّا بعث محمد بن أبي بكر أميرًا على مصر بعد مهلك الأشتر بقلزم، وأما هشام بن محمد، فإنه ذكر في خبره أنّ عليًّا بعث بالأشتر أميرًا على مصر بعد مهلك محمد بن أبي بكر.
رجع الحديث إلى حديث هشام بن أبي مخنف: ولما أيس معاوية من قيس أن يتابعه على أمره، شقّ عليه ذلك، لما يعرف من حزمه وبأسه، وأظهر للناس قبله؛ أنّ قيس بن سعد قد تابعكم، فادعوا الله له، وقرأ عليهم كتابه الذي لان له فيه وقاربه. قال: واختلق معاوية كتابًا من قيس بن سعد، فقرأه على أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم، للأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد، سلام عليك، فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّي لمّا نظرت رأيت أنه لا يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلمًا محرّمًا برًّا تقيًّا، فنستغفر الله عز وجل لذنوبنا، ونسأله العصمة لديننا. ألا وأنّي قد ألقيت إليكم بالسّلم، وإني أجبتك إلى قتال قتلة عثمان، إمام الهدى المظلوم، فعوّل علي فيما أحببت من الأموال والرجال أعجّل عليك، والسلام.
فشاع في أهل الشام أنّ قيس بن سعد قد بايع معاوية بن أبي سفيان، فسرّحت عيون علي بن أبي طالب إليه بذلك؛ فلما أتاه ذلك أعظمه وأكبره، وتعجّب له، ودعا بنيه، ودعا عبد الله بن جعفر فأعلمهم ذلك، فقال: ما رأيكم؟ فقال عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، اعزل قيسًا عن مصر. قال لهم علي: إني والله ما أصدّق بهذا على قيس؛ فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، اعزله، فوالله لئن كان هذا حقًّا لا يعتزل لك إن عزلته.
فإنهم كذلك إذ جاء كتاب من قيس بن سعد فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإني أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنّ قبلي رجالًا معتزلين قد سألوني أن أكفّ عنهم، وأن أدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس، فنرى ويروا رأيهم، فقد رأيت أن أكفّ عنهم، وألّا أتعجّل حربهم، وأن أتألّفهم فيما بين ذلك لعلّ الله عز وجل أن يقبل بقلوبهم، ويفرّقهم عن ضلالتهم، إن شاء الله.
فقال عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين، ما أخوفني أن يكون هذا ممالأة لهم منه، فمره يا أمير المؤمنين بقتالهم، فكتب إليه علي: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فسر إلى القوم الّذين ذكرت، فإن دخلوا فيما دخل فيه المسلمون وإلّا فناجزهم إن شاء الله.
فلما أتى قيس بن سعد الكتاب فقرأه، لم يتمالك أن كتب إلى أمير المؤمنين: أما بعد يا أمير المؤمنين، فقد عجبت لأمرك، أتأمرني بقتال قوم كافّين عنك، مفرّغيك لقتال عدوّك! وإنّك متى حاربتهم ساعدوا عليك عدوّك، فأطعني يا أمير المؤمنين، واكفف عنهم، فإنّ الرأي تركهم، والسلام.
فلما أتاه هذا الكتاب قال له عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين، ابعث محمد بن أبي بكر على مصر يكفك أمرها، واعزل قيسًا، والله لقد بلغني أن قيسًا يقول: والله إنّ سلطانًا لا يتمّ إلّا بقتل مسلمة بن مخلّد لسلطان سوء؛ والله ما أحبّ أنّ لي ملك الشأم إلى مصر وأني قتلت ابن المخلّد. قال: وكان عبد الله بن جعفر أخا محمد بن أبي بكر لأمّه، فبعث علي محمد بن أبي بكر على مصر، وعزل عنها قيسًا.
ولاية محمد بن أبي بكر مصر

قال هشام، عن ابن مخنف: فحدثني الحارث بن كعب الوالبي - من والبة الأزد - عن أبيه، أنّ عليًّا كتب معه إلى أهل مصر كتابًا، فلما قدم به على قيس قال له قيس: ما بال أمير المؤمنين! ما غيّره؟ أدخل أحد بيني وبينه؟ قال له: لا، وهذا السلطان سلطانك؟! قال: لا، والله لا أقيم معك ساعة واحدة. وغضب حين عزله، فخرج منها مقبلًا إلى المدينة، فقدمها، فجاءه حسان بن ثابت شامتًا به - وكان حسان عثمانيًّا - فقال له: نزعك علي بن أبي طالب، وقد قتلت عثمان فبقى عليك الإثم، ولم يحسن لك الشكر! فقال له قيس بن سعد: يا أعمى القلب والبصر، والله لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حربًا لضربت عنقك؛ اخرج عنّي.
ثم إن قيسًا خرج هو وسهل بن حنيف حتى قدما على علي، فخبّره قيس؛ فصدّقه علي. ثم إن قيسًا وسهلًا شهدا مع علي صفّين.
وأما الزهري، فإنه قال فيما حدثني به عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال، حدثني سليمان، قال: حدثني عبد الله، عن يونس، عن الزهري، أنّ محمد بن أبي بكر قدم مصر وخرج قيس فلحق بالمدينة، فأخافه مروان والأسود بن أبي البخترّي، حتى إذا خاف أن يؤخذ أو يقتل، ركب راحلته، فظهر إلى علي. فبعث معاوية إلى مروان والأسود يتغيّظ عليهما، ويقول: أمددتما عليًّا بقيس بن سعد ورأيه ومكانه، فوالله لو أنّكما أمددتماه بمائة ألف مقاتل ما كان ذلك بأغيظ لي من إخراجكما قيس بن سعد إلى علي. فقدم قيس بن سعد على علي، فلما باثّه الحديث وجاءهم قتل محمد ابن أبي بكر، عرف أنّ قيس بن سعد كان يقاسي أمورًا عظامًا من المكايدة، وأنّ من كان يهزه على عزل قيس بن سعد لم ينصح له، فأطاع علي قيس ابن سعد في الأمر كلّه.
قال هشام: عن أبي مخنف، قال: حدثني الحارث بن كعب الوالبي، عن أبيه، قال: كنت مع محمد بن أبي بكر حين قدم مصر، فلمّا قدم قرأ عليهم عهده: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد عبد الله علي أمير المؤمنين، إلى محمد بن أبي بكر حين ولّاه مصر، وأمره بتقوى الله والطاعة في السرّ والعلانية، وخوف الله عز وجل في الغيب والمشهد، وباللين على المسلمين، وبالغلظة على الفاجر، وبالعدل على أهل الذمّة، وبإنصاف المظلوم، وبالشدّة على الظالم، وبالعفو عن الناس، وبالإحسان ما استطاع، والله يجزي المحسنين، ويعذّب المجرمين. وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة، فإنّ لهم في ذلك من العاقبة وعظيم المثوبة ما لا يقدرون قدره، ولا يعرفون كنهه، وأمره أن يجبي خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل، لا ينتقص منه ولا يبتدع فيه، ثمّ يقسمه بين أهله على ما كانوا يقسمون عليه من قبل، وأن يلين لهم جناحه، وأن يواسي بينهم في مجلسه ووجهه، وليكن القريب والبعيد في الحقّ سواء. وأمره أن يحكم بين الناس بالحقّ، وأن يقوم بالقسط، ولا يتّبع الهوى، ولا يخف في الله عز وجل لومة لائم، فإنّ الله جلّ ثناؤه مع من اتقى وآثر طاعته وأمره على ما سواه.
وكتب عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) لغرّة شهر رمضان.
قال: ثمّ إن محمد بن أبي بكر قام خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: الحمد لله الذي هدانا وإيّاكم لما اختلف فيه من الحقّ، وبصّرنا وإيّاكم كثيرًا مما عمي عنه الجاهلون. ألا إنّ أمير المؤمنين ولّاني أموركم، وعهد إلي ما قد سمعتم، وأوصاني بكثير منه مشافهة، ولن آلوكم خيرًا ما استطعت، " وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب "؛ فإن يكن ما ترون من إمارتي وأعمالي طاعة لله وتقوى؛ فاحمدوا الله عز وجل على ما كان من ذلك، فإنه هو الهادي، وإن رأيتم عاملًا عمل غير الحقّ زائغًا، فارفعوه إلي، وعاتبوني فيه، فإني بذلك أسعد، وأنتم بذلك جديرون. وفّقنا الله وإيّاكم لصالح الأعمال برحمته، ثمّ نزل.
وذكر هشام، عن أبي مخنف، قال: وحدثني يزيد بن ظبيان الهمداني، أنّ محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لمّا ولّيَ؛ فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه ممّا لا يحتمل سماعها العامّة. قال: ولم يلبث محمد بن أبي بكر شهرًا كاملًا حتى بعث إلى أولئك القوم المعتزلين الذين كان قيس وادعهم. فقال: يا هؤلاء، إمّا أن تدخلوا في طاعتنا، وإمّا أن تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إليه: إنا لا نفعل، دعنا حتى ننظر إلى ما تصير إليه أمورنا، ولا تعجل بحربنا. فأبى عليهم، فامتنعوا منه، وأخذوا حذرهم، فكانت وقعة صفّين، وهم لمحمّد هائبون، فلما أتاهم صبر معاوية وأهل الشأم لعلي، وأنّ عليًّا وأهل العراق قد رجعوا عن معاوية وأهل الشأم، وصار أمرهم إلى الحكومة، اجترءوا على محمد بن أبي بكر، وأظهروا له المبارزة، فلما رأى ذلك محمد بعث الحارث بن جمهان الجعفي إلى أهل خربتا، وفيها زيد بن الحارث من بني كنانة، فقاتلهم، فقتلوه. ثم بعث إليهم رجلًا من كلب يدعى ابن مضاهم، فقتلوه.
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة فيما قيل: قدم ماهويه مرزبان مرو مقرًّا بالصلح الذي كان جرى بينه وبين ابن عامر على علي.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:14 PM
ذكر من قال ذلك
قال علي بن محمد المدائني، عن أبي زكرياء العجلاني، عن ابن إسحاق، عن أشياخه، قال: قدم ماهويه أبراز مرزبان مرو على علي بن أبي طالب بعد الجمل مقرًّا بالصلح، فكتب له علي كتابًا إلى دهاقين مرو والأساورة والجند سلارين ومن كان في مرو: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن ما هويه أبراز مرزبان مرو جاءني، وإنّي رضيت عنه وكتب سنة ست وثلاثين. ثم إنهم كفروا وأغلقوا أبرشهر.
توجيه علي خليد بن طريف إلى خراسان

قال علي بن محمد المدائني: أخبرنا أبو مخنف، عن حنظلة بن الأعلم، عن ماهان الحنفي، عن الأصبغ بن نباتة المجاشعي، قال: بعث علي خليد بن قرّة اليربوعي - ويقال خليد بن طريف - إلى خراسان.
ذكر خبر عمرو بن العاص ومبايعته معاوية

وفي هذه السنة - أعني سنة ستّ وثلاثين - بايع عمرو بن العاص معاوية، ووافقه على محاربة علي، وكان السبب في ذلك ما كتب به إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان، قالوا: لما أحيط بعثمان - رضي الله عنه - خرج عمرو بن العاص من المدينة متوجّهًا نحو الشأم، وقال: والله يا أهل المدينة، ما يقيم بها أحد فيدركه قتل هذا الرجل إلّا ضربه الله عز وجل بذلّ؛ من لم يستطع نصره فليهرب. فسار وسار معه ابناه عبد الله ومحمد، وخرج بعده حسّان بن ثابت، وتتابع علي ذلك ما شاء الله.
قال سيف، عن أبي حارثة وأبي عثمان، قالا: بينا عمرو بن العاص جالس بعجلان ومعه ابناه، إذ مرّ بهم راكب فقالوا: من أين؟ قال: من المدينة، فقال عمرو: ما اسمك؟ قال: حصيرة. قال عمرو: حصر الرجل، قال: فما الخبر؟ قال: تركت الرجل محصورًا؛ قال عمرو: يقتل. ثم مكثوا أيامًا، فمرّ بهم راكب، فقالوا: من أين؟ قال: من المدينة؛ قال عمرو: ما اسمك؟ قال: قتّال؛ قال عمرو: قتل الرجل، فما الخبر؟ قال: قتل الرجل. قال: ثم لم يكن إلّا ذلك إلى أن خرجت، ثم مكثوا أيّامًا، فمرّ بهم راكب، فقالوا: من أين؟ قال: من المدينة؛ قال عمرو: ما اسمك؟ قال: حرب، قال عمرو: يكون حرب؛ فما الخبر؟ قال: قتل عثمان بن عفّان رضي الله عنه، وبويع لعلي بن أبي طالب، قال عمرو: أنا أبو عبد الله؛ تكن حرب من حكّ فيها قرحة نكأها، رحم الله عثمان ورضي الله عنه، وغفر له! فقال سلامة بن زنباع الجذامي: يا معشر قريش، إنه والله قد كان بينكم وبين العرب باب، فاتخذوا بابًا إذ كسر الباب. فقال عمرو: وذاك الّذي نريد. ولا يصلح الباب إلا أشاف تخرج الحقّ من حافرة البأس، ويكون الناس في العدل سواء، ثم تمثّل عمرو في بعض ذلك:
يا لهف نفسي على مالك ** وهل يصرف اللهف حفظ القدر!
أنزع من الحرّ أودي بهم ** فأعذرهم أم بقومي سكر!
ثم ارتحل راجلًا يبكي كما تبكي المرأة، ويقول: واعثماناه! أنعي الحياء والدين! حتى قدم دمشق، وقد كان سقط إليه من الذي يكون علم، فعمل عليه.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله، عن أبي عثمان، قال: كان النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) قد بعث عمرًا إلى عمان، فسمع هنالك من حبر شيئًا، فلما رأى مصداقه وهو هناك أرسل إلى ذلك الحبر، فقال: حدثني بوفاة رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg)، وأخبرني من يكون بعده؟ قال: الذي كتب إليك يكون بعده، ومدّته قصيرة، قال: ثمّ من؟ قال: رجل من قومه مثله في المنزلة؛ قال: فما مدّته؟ قال: طويلة؛ ثم يقتل. قال: غيلة أم عن ملإ؟ قال: غيلة؛ قال: فمن يلي بعده؟ قال: رجل من قومه مثله في المنزلة، قال: فما مدّته؟ قال: طويلة، ثم يقتل، قال: أغيلة أم عن ملإ؟ قال: عن ملإ. قال: ذلك أشدّ؛ فمن يلي بعده؟ قال: رجل من قومه ينتشر عليه الناس، وتكون على رأسه حرب شديدة بين الناس، ثمّ يقتل قبل أن يجتمعوا عليه، قال: أغيلة أم عن ملإ؟ قال: غيلة، ثم لا يرون مثله. قال: فمن يلي بعده؟ قال: أمير الأرض المقدّسة، فيطول ملكه، فيجتمع أهل تلك الفرقة وذلك الانتشار عليه، ثم يموت.
وأما الواقدي، فإنه فيما حدثني موسى بن يعقوب، عن عمّه، قال: لما بلغ عمرًا قتل عثمان رضي الله عنه، قال: أنا عبد الله، قتلته وأنا بوادي السباع، من يلي هذا الأمر من بعده! إن يله طلحة فهو فتى العرب سيبًا، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلّا سيستنظف الحقّ، وهو أكره من يليه إلي. قال: فبلغه أنّ عليًّا قد بويع له، فاشتدّ عليه، وتربّص أيامًا ينظر ما يصنع الناس، فبلغه مسير طلحة والزبير وعائشة وقال: أستأني وأنظر ما يصنعون، فأتاه الخبر أنّ طلحة والزبير قد قتلا، فأرتج عليه أمره، فقال له قائل: إن معاوية بالشأم لا يريد أن يبايع لعلي، فلو قاربت معاوية! فكان معاوية أحبّ إليه من علي بن أبي طالب. وقيل له: إنّ معاوية يعظم شأن قتل عثمان بن عفان، ويحرّض على الطلب بدمه؛ فقال عمرو: ادعوا لي محمدًا وعبد الله، فدعيا له، فقال: قد كان ما قد بلغكما من قتل عثمان رضي الله عنه، وبيعة الناس لعلي، وما يرصد معاوية من مخالفة علي، وقال: ما تريان؟ أمّا علي فلا خير عنده، وهو رجل يدلّ بسابقته، وهو غير مشركي في شئ من أمره. فقال عبد الله بن عمرو: توفّي النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) وهو عنك راض، أرى أن تكفّ يدك، وتجلس في بيتك، حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه. وقال محمد بن عمرو: أنت ناب من أنياب العرب، فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك في صوت ولا ذكر. قال عمرو: أمّا أنت يا عبد الله فأمرتني بالذي هو خير لي في آخرتي، وأسلم في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بالّذي أنبه لي في دنياي، وشرّ لي في آخرتي. ثم خرج عمرو بن العاص ومعه ابناه حتى قدم على معاوية، فوجد أهل الشأم يحضّون معاوية على الطلب بدم عثمان، فقال عمرو بن العاص: أنتم على الحقّ، اطلبوا بدم الخليفة المظلوم - ومعاوية لا يلتفت إلى قول عمرو - فقال ابنا عمرو لعمرو: ألا ترى إلى معاوية لا يلتفت إلى قولك! انصرف إلى غيره. فدخل عمرو على معاوية فقال: والله لعجب لك! إني أرفدك بما أرفدك وأنت معرض عني! أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إنّ في النفس من ذلك ما فيها، حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته؛ ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا. فصالحه معاوية وعطف عليه.
توجيه علي بن أبي طالب جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه إلى الدخول في طاعته

وفي هذه السنة وجّه علي عند منصرفه من البصرة إلى الكوفة وفراغه من الجمل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه إلى بيعته، وكان جرير حين خرج علي إلى البصرة لقتال من قاتله بها بهمذان عاملًا عليها، كان عثمان استعمله عليها، وكان الأشعث بن قيس على أذر بيجان عاملًا عليها، كان عثمان استعمله عليها، فلما قدم علي الكوفة منصرفًا إليها من البصرة، كتب إليهما يأمرهما بأخذ البيعة له على من قبلهما من الناس، والانصراف إليه. ففعلا ذلك، وانصرفا إليه.
فلما أراد علي توجيه الرسول إلى معاوية، قال جرير بن عبد الله - فيما حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، عن عوانة: ابعثني إليه، فإنه لي ودّ حتى آتيه فأدعوه إلى الدخول في طاعتك، فقال الأشتر لعلي: لا تبعثه، فوالله إنّي لأظنّ هواه معه؛ فقال علي: دعه حتى ننظر ما الذي يرجع به إلينا؛ فبعثه إليه، وكتب معه كتابًا يعلمه فيه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته، ونكث طلحة والزبير، وما كان من حربه إياهما، ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرين والأنصار من طاعته، فشخص إليه جرير، فلمّا قدم عليه ماطله واستنظره، ودعا عمرًا فاستشاره فيما كتب به إليه، فأشار عليه أن يرسل إلى وجوه الشأم، ويلزم عليًّا دم عثمان، ويقاتله بهم، ففعل ذلك معاوية، وكان أهل الشأم - فيما كتب إلي السري يذكر أن شعيبًا حدثه عن سيف، عن محمد وطلحة - لما قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان رضي الله عنه - الذي قتل فيه مخضّبًا بدمه وبأصابع نائلة زوجته مقطوعة بالبراجم؛ إصبعان منها وشئ من الكفّ، وإصبعان مقطوعتان من أصولهما ونصف الإبهام - وضع معاوية القميص على المنبر، وكتب بالخبر إلى الأجناد، وثاب إليه الناس، وبكوا سنة وهو على المنبر والأصابع معلّقة فيه، وآلي الرجال من أهل الشأم ألّا يأتوا النساء، ولا يمسّهم الماء للغسل إلّا من احتلام، ولا يناموا على الفرش حتى يقتلوا قتلة عثمان، ومن عرض دونهم بشيء أو تفنى أرواحهم. فمكثوا حول القميص سنة، والقميص يوضع كلّ يوم على المنبر ويجلّله أحيانًا فيلبسه. وعلّق في أردانه أصابع نائلة رضي الله عنها.
فلما قدم جرير بن عبد الله على علي - فيما حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، عن عوانة - فأخبره خبر معاوية واجتماع أهل الشأم معه على قتاله، وأنّهم يبكون على عثمان، ويقولون: إنّ عليًّا قتله، وآوى قتلته، وإنّهم لا ينتهون عنه حتى يقتلهم أو يقتلوه. فقال الأشتر لعلي: قد كنت نهيتك أن تبعث جريرًا، وأخبرتك بعداوته وغشّه، ولو كنت بعثتني كان خيرًا من هذا الذي أقام عنده حتى لم يدع بابًا يرجو فتحه إلّا فتحته، ولا بابًا يخاف منه إلّا أغلقته. فقال جرير: لو كنت ثمّ لقتلوك؛ لقد ذكروا أنّك من قتلة عثمان رضي الله عنه، فقال الأشتر: لو أتيتهم والله يا جرير لم يعيني جوابهم، ولحملت معاوية على خطّة أعجله فيها عن الفكر، ولو أطاعني فيك أمير المؤمنين لحبسك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه حتى تستقيم هذه الأمور.
فخرج جرير بن عبد الله إلى قرقيسياء، وكتب إلى معاوية، فكتب إليه بأمره بالقدوم عليه. وخرج أمير المؤمنين فعسكر بالنّخيلة، وقدم عليه عبد الله بن عباس بمن نهض معه من أهل البصرة.
خروج علي بن أبي طالب إلى صفين

حدثني عبد الله بن أحمد المروزي، قال: حدثني أبي، عن سليمان، عن عبد الله، عن معاوية بن عبد الرحمن، عن أبي بكر الهذلي، أن عليًّا لما استخلف عبد الله بن عبّاس على البصرة سار منها إلى الكوفة، فتهيّأ فها إلى صفّين، فاستشار الناس في ذلك، فأشار عليه قوم أن يبعث الجنود ويقيم؛ وأشار آخرون بالمسير. فأبى إلّا المباشرة؛ فجهّز الناس. فبلغ ذلك معاوية، فدعا عمرو بن العاص فاستشاره. فقال: أمّا إذ بلغك أنه يسير فسر بنفسك، ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك. قال: أمّا إذًا يا أبا عبد الله فجهّز الناس. فجاء عمرو فحضّض الناس، وضعّف عليًّا وأصحابه، وقال: إنّ أهل العراق قد فرّقوا جمعهم، وأوهنوا شوكتهم، وفلّوا حدّهم. ثم إنّ أهل البصرة مخالفون لعلي، قد وترهم وقتلهم، وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل، وإنما سار في شرذمة قليلة، ومنهم من قد قتل خليفتكم؛ فالله الله في حقّكم أن تضّيعوه، وفي دمكم أن تبطلوه! وكتب في أجناد أهل الشأم، وعقد لواءه لعمرو، فعقد لوردان غلامه فيمن عقد، ولابنيه عبد الله ومحمد، وعقد علي لغلامه قنبر، ثم قال عمرو:
هل يغنين وردان عنّي قنبرا ** وتغني السكون عنّي حميرا
إذا الكماة لبسوا السنوّرا
فبلغ ذلك عليًّا فقال:
لأصبحنّ العاصي ابن العاصي ** سبعين ألفًا عاقدي النواصي
مجنّبين الخيل بالقلاص ** مستحقبين حلق الدلاص
فلما سمع ذلك معاوية قال: ما أرى ابن أبي طالب إلّا قد وفى لك؛ فجاء معاوية يتأنى في مسيره. وكتب إلى كلّ من كان يرى أنه يخاف عليًّا أو طعن عليه ومن أعظم دم عثمان واستعواهم إليه. فلما رأى ذلك الوليد بعث إليه يقول:

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:15 PM
ألا أبلغ معاوية بن حرب ** فإنّك من أخي ثقة مليم
قطعت الدهر كالدّم المعنّى ** تهدّر في دمشق فما تريم
وإنّك والكتاب إلى علي ** كدابغة وقد حلم الأديم
يمينك الإمارة كلّ ركب ** لأنقاض العراق بها رسيم
وليس أخو الترات بمن توانى ** ولكن طالب الترة الغشوم
ولو كنت القتيل وكان حيًّا ** لجرّد؛ لا ألفّ ولا سئوم
ولا نكل عن الأوتار حتّى ** يبئ بها، ولا برم جثوم
وقومك بالمدينة قد أبيروا ** فهم صرعى كأنهم الهشيم
وقال غير أبي بكر: فدعا معاوية شدّاد بن قيس كاتبه وقال: ابغني طومارًا، فأتاه بطومار، فأخذ القلم فكتب، فقال: لا تعجل، اكتب:
ومستعجب مما يرى من أناتنا ** ولو زبنته الحرب لم يترمرم
ثم قال: اطو الطومار، فأرسل به إلى الوليد، فلما فتحته لم يجد فيه غير هذا البيت.
قال أبو بكر الهذلي: وكتب رجل من أهل العراق حيث سار علي بن أبي طالب إلى معاوية بيتين:
أبلغ أمير المؤمني ** ن أخا العراق إذا أتيتا
أنّ العراق وأهلها ** عنق إليك فعيت هيتا
عاد الحديث إلى حديث عوانة. فبعث علي زياد بن النضر الحارثي طليعة في ثمانية آلاف، وبعث معه شريح بن هانئ في أربعة آلاف، وخرج علي من النخيلة بمن معه، فلمّا دخل المدائن شخص معه من فيها من المقاتلة، وولّى على المدائن سعد بن مسعود الثقفي عمّ المختار بن أبي عبيد، ووجّه علي من المدائن معقل بن قيس في ثلاثة آلاف، وأمره أن يأخذ على الموصل حتى يوافيه.
ما أمر به علي بن أبي طالب من عمل الجسر على الفرات

فلما انتهى علي إلى الرقة قال: فيما حدثت عن هشام بن محمد، عن أبي مخنف، قال: حدثني الحجّاج بن علي، عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث البارقي - لأهل الرقة: اجسروا لي جسرًا حتى أعبر من هذا المكان إلى الشأم، فأبوا. وقد كانوا ضمّوا إليهم السفن، فنهض من عندهم ليعبر من جسر منبج، وخلّف عليهم الأشتر، وذهب ليمضي بالناس كيما يعبر بهم على جسر منبج، فناداهم الأشتر، فقال: يا أهل هذا الحصن، ألا أني أقسم لكم بالله عز وجل؛ لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسّروا له عند مدينتكم جسرًا حتى يعبر لأجردنّ فيكم السيف، ثم لأقتلنّ الرجال ولأخرّبنّ الأرض، ولآخذّن الأموال. قال: فلقي بعضهم بعضًا، فقالوا: أليس الأشتر يفي بما حلف عليه، أو يأتي بشرّ منه؟ قالوا: نعم، فبعثوا إليه: إنّا ناصبون لكم جسرًا، فأقبلوا. وجاء علي فنصبوا له الجسر، فعبر عليه بالأثقال والرجال. ثم أمر علي الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس، حتى لم يبق من الناس أحد إلّا عبر، ثم إنه عبر آخر الناس رجلًا.
قال أبو مخنف: وحدثني الحجّاج بن علي، عن عبد الله بن عمّار بن عبد يغوث، أنّ الخيل حين عبرت زحم بعضها بعضًا، فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين الأزدي، فنزل فأخذها ثم ركب، وسقطت قلنسوة عبد الله بن الحجّاج الأزدي، فنزل فأخذها، ثم ركب، وقال لصاحبه:
فإن يك ظنّ الزاجري الطير صادقًا ** كما زعموا أقتل وشيكًا وتقتل
فقال له عبد الله بن أبي الحصين: ما شئ أوتاه أحبّ إلي مما ذكرت؛ فقتلا جميعًا يوم صفّين.
قال أبو مخنف: فحدثني خالد بن قطن الحارثي، أنّ عليًّا لما قطع الفرات دعا زياد بن النضر، وشريح بن هانئ، فسرّحهما أمامه نحو معاوية على حالهما التي كانا خرجا عليها من الكوفة. قال: وقد كانا حيث سرّحهما من الكوفة أخذا على شاطئ الفرات من قبل البرّ مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات، فبلغهما أخذ علي على طريق الجزيرة، وبلغهما أنّ معاوية قد أقبل من دمشق في جنود أهل الشأم لاستقبال علي، فقالا: لا والله ما هذا لنا برأي؛ أن نسير وبيننا وبين المسلمين وأمير المؤمنين هذا البحر! وما لا خير في أن نلقى جنود أهل الشأم بقلّة من معنا منقطعين من العدد والمدد. فذهبوا ليعبروا من عانات، فمنعهم أهل عانات، وحبسوا عنهم السفن، فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت، ثم لحقوا عليًّا بقرية دون قرقيسياء؛ وقد أرادوا أهل عانات، فتحصّنوا وفرّوا، ولما لحقت المقدّمة عليًّا قال: مقدّمتي تأتيني من ورائي. فتقدّم إليه زياد بن النضر الحارثي وشريح بن هانئ؛ فأخبراه بالذي رأيا حين بلغهما من الأمر ما بلغهما، فقال: سددتما. ثم مضى علي، فلما عبر الفرات قدّمهما أمامه نحو معاوية، فلما انتهيا إلى سور الروم لقيهما أبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان في جند من أهل الشأم؛ فأرسلا إلى علي: إنّا قد لقينا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشأم، وقد دعوناهم فلم يجبنا منهم أحد، فمرنا بأمرك. فأرسل علي إلى الأشتر؛ فقال: يا مالك، إنّ زيادًا وشريحًا أرسلا إلي يعلماني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جمع من أهل الشأم، وأنبأني الرسول أنه تركهم متواقفين، فالنّجاء إلى أصحابك النجاء، فإذا قدمت عليهم فأنت عليهم. وإيّاك أن تبدأ القوم بقتال إلّا أن يبدءوك حتى تلقاهم فتدعوهم وتسمع، ولا يجرمنّك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم، والاعذار إليهم مرة بعد مرّة، واجعل على ميمنتك زيادًا، وعلى ميسرتك شريحًا، وقف من أصحابك وسطًا، ولا تدن منهم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب، ولا تباعد منهم بعد من يهاب البأس حتى أقدم عليك، فإنّي حثيث السير في أثرك إن شاء الله. قال: وكان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي، فكتب علي إلى زياد وشريح: أمّا بعد، فإني قد أمّرت عليكما مالكًا، فاسمعا له وأطيعا، فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه ولا بطؤه عمّا الإسراع إليه أحزم، ولا الإسراع إلى ما الإبطاء عنه أمثل، وقد أمرته بمثل كنت أمرتكما به ألّا يبدأ القوم حتى يلقاهم فيدعوهم ويعذر إليهم.
وخرج الأشتر حتى قدم على القوم، فاتّبع ما أمره علي وكفّ عن القتال فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمي، فثبتوا له، واضطربوا ساعة. ثم إنّ أهل الشأم انصرفوا، ثم خرج إليهم من الغد هاشم بن عتبة الزهري في خيل ورجال حسن عددها وعدّتها، وخرج إليه أبو الأعور فاقتتلوا يومهم ذلك، تحمل الخيل على الخيل والرجال على الرجال، وصبر القوم بعضهم لبعض، ثم انصرفوا، وحمل عليهم الأشتر، فقتل عبد الله بن المنذر التنوخي، قتله يومئذ ظبيان بن عمّار التميمي، وما هو إلّا فتى حدث، وإن كان التنوخي لفارس أهل الشأم، وأخذ الأشتر يقول: ويحكم! أروني أبا الأعور.
ثم إن أبا الأعور دعا الناس، فرجعوا نحوه، فوقف من وراء المكان الذي كان فيه أوّل مرّة، وجاء الأشتر حتى صفّ أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور، فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي: انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى المبارزة، فقال: إلى مبارزتي أو مبارزتك؟ فقال له الأشتر: لو أمرتك بمبارزته فعلت؟ قال: نعم، والله لو أمرتني أن أعترض صفّهم بسيفي ما رجعت أبدًا حتى أضرب بسيفي في صفّهم، قال له الأشتر: يا بن أخي، أطال الله بقاءك! قد والله ازددت رغبة فيك، لا أمرتك بمبارزته، إنما أمرتك أن تدعوه إلى مبارزتي؛ أنه لا يبرز إن كان ذلك من شأنه إلّا لذوي الأسنان والكفاءة والشرف، وأنت - لربّك الحمد - من أهل الكفاءة والشرف، غير أنّك فتى حدث السنّ، فليس بمبارز الأحداث، ولكن ادعه إلى مبارزتي. فأتاه فنادى: آمنوني فإنّي رسول. فأومن، فجاء حتى انتهى إلى أبي الأعور. قال أبو مخنف: فحدثني النضر بن صالح أبو زهير العبسي، قال: حدثني سنان، قال: فدنوت منه فقلت: إنّ الأشتر يدعوك إلى مبارزته. قال: فسكت عني طويلًا ثم قال: إنّ خفّة الأشتر وسوء رأيه هو حمله على إجلاء عمّال ابن عفان رضي الله عنه من العراق، وانتزاؤه عليه يقبّح محاسنه، ومن خفّة الأشتر وسوء رأيه أن سار إلى ابن عفان رضي الله عنه في داره وقراره حتى قتله فيمن قتله، فأصبح متبعًا بدمه؛ ألا لا حاجة لي في مبارزته. قال: قلت: إنك قد تكلمت، فاسمع حتى أجيبك، فقال: لا، لا حاجة في الاستماع منك ولا في جوابك، اذهب عني. فصاح بي أصحابه فانصرفت عنه، ولو سمع إلي لأخبرته بعذر صاحبي وحجّته. فرجعت إلى الأشتر، فأخبرته أنه قد أبى المبارزة، فقال: لنفسه نظر، فواقفناهم حتى حجز الليل بيننا وبينهم، وبتنا متحارسين، فلما أصبحنا نظرنا فإذا القوم قد انصرفوا من تحت ليلتهم، ويصبّحنا علي بن أبي طالب غدوة. فقدم الأشتر فيمن كان معه في تلك المقدّمة حتى انتهى إلى معاوية، فواقفه، وجاء علي في أثره فلحق بالأشتر سريعًا، فوقف وتواقفوا طويلًا.
ثمّ إنّ عليًّا طلب موضعًا لعسكره، فلما وجده أمر الناس فوضعوا الأثقال، فلما فعلوا ذهب شباب الناس وغلمتهم يستقون، فمنعهم أهل الشأم. فاقتتل الناس على الماء، وقد كان الأشتر قال له قبل ذلك: إنّ القوم قد سبقوا إلى الشريعة وإلى سهولة الأرض وسعة المنزل، فإن رأيت سرنا نجوزهم إلى القرية التي خرجوا منها، فإنهم يشخصون في أثرنا، فإذا هم لحقونا نزلنا فكنّا نحن وهم على السواء، فكره ذلك علي، وقال: ليس كلّ الناس يقوى على المسير، فنزل بهم.
القتال على الماء

قال أبو مخنف: وحدثني تميم بن الحارث الأزدي، عن جندب بن عبد الله، قال: إنّا لما انتهينا إلى معاوية وجدناه قد عسكر في موضع سهل أفيح قد اختاره قبل قدومنا إلى جانب شريعة الفرات، ليس في ذلك الصقع شريعة غيرها، وجعلها في حيّزه، وبعث عليها أبا الأعور يمنعها ويحميها، فارتفعنا على الفرات رجاء أن نجد شريعة غيرها نستغني بها عن شريعتهم فلم نجدها، فأتينا عليًّا فأخبرناه بعطش الناس، وأنا لا نجد غير شريعة القوم. قال: فقاتلوهم عليها. فجاءه الأشعث بن قيس الكندي فقال: أنا أسير إليهم، فقال له علي: فسر إليهم. فسار وسرنا معه، حتى إذا دنونا من الماء ثاروا في وجوهنا ينضحوننا بالنّبل، ورشقناهم والله بالنّبل ساعة، ثم اطّعنّا والله بالرماح طويلًا، ثم صرنا آخر ذلك نحن والقوم إلى السيوف، فاجتلدنا بها ساعة. ثم إنّ القوم أتاهم يزيد بن أسد البجلي ممدًّا في الخيل والرجال، فأقبلوا نحونا، فقلت في نفسي: فأمير المؤمنين لا يبعث إلينا بمن يغني عنا هؤلاء، فذهب فالتفتّ فإذا عدّة القوم أو أكثر، قد سرّحهم إلينا ليغنوا عنّا يزيد بن أسد وأصحابه، عليهم شبث بن ربعي الرياحي، فوالله ما ازداد القتال إلّا شدّة. وخرج إلينا عمرو بن العاص من عسكر معاوية في جند كثير، فأخذ يمدّ أبا الأعور ويزيد بن أسد، وخرج الأشتر من قبل علي في جمع عظيم. فلمّا رأى الأشتر عمرو بن العاص يمدّ أبا الأعور ويزيد بن أسد، أمّد الأشعث بن قيس وشبث بن ربعي، فاشتدّ قتالنا وقتالهم، فما أنسى قول عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي:
خلّوا لنا ماء الفرات الجاري ** أو اثيتوا لجحفل جرّار
لكلّ قرم مستميت شاري ** مطاعن برمحه كرّار
ضرّاب هامات العدا مغوار
قال أبو مخنف: وحدثني رجل من آل خارجة بن التميمي أن ظبيان ابن عمارة جعل يومئذ يقاتل وهو يقول:
هل لك يا ظبيان من بقاء ** في ساكن الأرض بغير ماء
لا وإله الأرض والسّماء ** فاضرب وجوه الغدر الأعداء
بالسّيف عن حمس الوغاء ** حتّى يجيبوك إلى السواء
قال ظبيان: فضربناهم والله حتى خلّونا وإيّاه.

عاشق الوطنية
08-05-2010, 06:18 PM
قال أبو مخنف: وحدثني أبي يحيى بن سعيد، عن عمّه محمد بن مخنف، قال: كنت مع أبي مخنف بن سليم يومئذ، وأنا ابن سبع عشرة سنة، ولست في عطاء، فلما منع الناس الماء قال لي أبي: لا تبرحنّ الرحل، فلما رأيت المسلمين يذهبون نحو الماء لم أصبر، فأخذت سيفي، وخرجت مع الناس فقاتلت، قال: وإذا أنا بغلام مملوك لبعض أهل العراق ومعه قربة، فلما رأى أهل الشأم قد أفرجوا عن الشريعة اشتدّ حتى ملأ قربته، ثم أقبل، ويشدّ عليه رجل من أهل الشأم فيضربه فيصرعه، وسقطت القربة منه. قال: وأشدّ على الشامي فأضربه فأصرعه، واشتدّ أصحابه فاستنقذوه، فسمعتهم وهم يقولون: لا نأمن عليك. ورجعت إلى المملوك فاحتملته، فإذا هو يكّلمني وبه جرح رغيب، فما كان أسرع من أن جاءه مولاه، فذهب به، وأخذت قربته وهي مملوءة، وآتي بها أبي مخنفًا، فقال: من أين جئت بها؟ فقلت: اشتريتها - وكرهت أن أخبره الخبر، فيجد علي - فقال: اسق القوم، فسقيتهم، ثم شرب آخرهم، ونازعتني نفسي والله إلى القتال، فأنطلق فأتقدّم فيمن يقاتل، فقاتلناهم ساعة، ثم أشهد أنهم خلّوا لنا عن الماء، فما أمسينا حتى رأينا سقاتنا وسقاتهم يزدحمون على الشريعة، وما يؤذي إنسان إنسانًا، فأقبلت راجعًا، فإذا أنا بمولى صاحب القربة، فقلت: هذه قربتك عندنا، فأرسل من يأخذها، أو أعلمني مكانك حتى أبعث بها إليك، فقال: رحمك الله! عندنا ما نكتفي به؛ فانصرفت وذهب، فلما كان من الغد مرّ على أبي، فوقف فسلّم عليه، ورآني إلى جنبته، فقال: ما هذا الفتى منك؟ قال: ابني؛ قال: أراك الله فيه السرور، أنقذ الله عز وجل أمس غلامي به من القتل، حدثني شباب الحي أنه كان أمس أشجع الناس، فنظر إلي أبي نظرة عرفت منها في وجهه الغضب، فسكتّ حتى إذا مضى الرجل قال: هذا ما تقدّمت إليك فيه! فحلّفني ألّا أخرج إلى قتال إلّا بإذنه، فما شهدت من قتالهم إلّا ذلك اليوم حتى كان يوم من أيامهم.
قال أبو مخنف: وحدثني يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن مهران مولى يزيد بن هانئ، قال: والله إنّ مولاي يزيد بن هانئ ليقاتل على الماء، وإنّ القربة لفي يده، فلما انكشف أهل الشأم انكشافة عن الماء، استدرت حتى أسقي، وإنّي فيما بين ذلك لأقاتل وأرامي.
قال أبو مخنف: وحدثني يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر، قال: لما قدمنا على معاوية وأهل الشأم بصفّين، وجدناهم قد نزلوا منزلًا اختاروه مستويًا بساطًا واسعًا، أخذوا الشريعة، فهي في أيديهم، وقد صفّ أبو الأعور السلمي عليها الخيل والرجال، وقد قدّم المرامية أمام من معه، وصفّ صفًّا معهم من الرماح والدّرق، وعلى رءوسهم البيض، وقد أجمعوا على أن يمنعونا الماء، ففزعنا إلى أمير المؤمنين، فخبّرناه بذلك، فدعا صعصعة ابن صوحان فقال له: ائت معاوية وقل له: إنّا سرنا مسيرنا هذا إليكم، ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم، وإنك قدّمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك، وبدأتنا بالقتال، ونحن من رأينا الكفّ عنك حتى ندعوك ونحتجّ عليك، وهذه أخرى قد فعلتموها، قد حلّتم بين الناس وبين الماء، والناس غير منتهين أو يشربوا، فابعث إلى أصحابك فليخلّوا بين الناس وبين الماء، ويكفّوا حتى ننظر فيما بيننا وبينكم، وفيما قدمنا له وقدمتم له، وإن كان أعجب إليك أن نترك ما جئنا له، ونترك الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب. فعلنا. فقال معاوية لأصحابه: ما ترون؟ فقال الوليد ابن عقبة: امنعهم الماء كما منعوه عثمان بن عفّان رضي الله عنه، حصروه أربعين صباحًا يمتعونه برد الماء، ولين الطعام، اقتلهم عطشًا، قتلهم الله عطشًا! فقال له عمرو بن العاص: خلّ بينهم وبين الماء، فإنّ القوم لن يعطشوا وأنت رّيان؛ ولكن بغير الماء، فانظر ما بينك وبينهم. فأعاد الوليد بن عقبة مقالته؛ وقال عبد الله بن أبي سرح: امنعهم الماء إلى الليل، فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا، ولو قد رجعوا كان رجوعهم فلًّا، امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة! فقال صعصعة: إنما يمنعه الله عز وجل يوم القيامة الكفرة الفسقة وشربة الخمر؛ ضربك وضرب هذا الفاسق - يعني الوليد بن عقبة - قال: فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهدّدونه، فقال معاوية: كفوّا عن الرجل فإنه رسول.
قال أبو مخنف: وحدثني يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر، أن صعصعة رجع إلينا فحدثنا عمّا قال لمعاوية، وما كان منه وما ردّ، فقلنا: فما ردّ عليك؟ فقال: لما أردت الانصراف من عنده قلت: ما ترد علي؟ قال معاوية: سيأتيكم رأيي، فوالله ما راعنا إلا تسريته الخيل إلى أبي الأعور ليكفّهم عن الماء. قال: فأبرزنا علي إليهم، فارتمينا ثم اطّعنّا، ثم اضطربنا بالسيوف، فنصرنا عليهم، فصار الماء حاجتكم، وارجعوا إلى عسكركم، وخلّوا عنهم؛ فإنّ الله عز وجل قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم.
دعاء علي معاوية إلى الطاعة والجماعة

قال أبو مخنف: حدثني عبد الملك بن أبي حرّة الحنفي، أنّ عليًّا قال: هذا يوم نصرتم فيه بالحميّة، وجاء الناس حتى أتوا عسكرهم، فمكث علي يومين لا يرسل إلى معاوية أحدًا، ولا يرسل إليه معاوية. ثم إن عليًّا دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري، وسعيد بن قيس الهمداني، وشبث بن ربعي التميمي، فقال: ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله وإلى الطاعة والجماعة، فقال له شبث بن ربعي: يا أمير المؤمنين، ألا تطمعه في سلطان توليّه إياه، ومنزلة يكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك؟ فقال علي: ائتوه فالقوه واحتجّوا عليه، وانظروا ما رأيه - وهذا في أول ذي الحجّة - فأتوه، ودخلوا عليه، فحمد الله وأثنى عليه أبو عمرة بشير بن عمرو، وقال: يا معاوية، إنّ الدنيا عنك زائلة، وإنك راجع إلى الآخرة، وإنّ الله عز وجل محاسبك بعملك، وجازيك بما قدّمت يداك، وإني أنشدك الله عز وجل أن تفرّق جماعة هذه الأمة، وأن تسفك دماءها بينها! فقطع عليه الكلام، وقال: هلّا أوصيت بذلك صاحبك؟ فقال أبو عمرة: إنّ صاحبي ليس مثلك، صاحبي أحقّ البريّة كلّها بهذا الأمر في الفضل والدّين والسابقة في الإسلام، والقرابة من الرسول http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg). قال: فيقول مادا؟ قال: يأمرك بتقوى الله عز وجل، وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحقّ، فإنّه أسلم لك في دنياك، وخير لك في عاقبة أمرك. قال معاوية: ونطلّ دم عثمان رضي الله عنه! لا والله لا أفعل ذلك أبدًا. فذهب سعيد بن قيس يتكلّم، فبادره شبث بن ربعي، فتكلّم فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا معاوية، إني قد فهمت ما رددت على ابن محصن، إنه والله لا يخفي علينا ما تغزو وما تطلب؛ إنك لم تجد شيئًا تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم، وتستخلص به طاعتهم، إلّا قولك: قتل إمامكم مظلومًا، فنحن نطلب بدمه، فاستجاب له سفهاء طغام، وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصر، وأحببت له القتل، لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب، وربّ متمنّي أمر وطالبه، الله عز وجل يحول دونه بقدرته، وربما أوتي المتمنّي أمنيته وفوق أمنيتّه، ووالله ما لك في واحدة منهما خير، لئن أخطأت ما ترجو إنك لشرّ العرب حالًا في ذلك، ولئن أصبت ما تمنّى لا تصيبه حتى تستحقّ من ربّك صلي النار، فاتّق الله يا معاوية، ودع ما أنت عليه، ولا تنازع الأمر أهله.
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن أوّل ما عرفت فيه سفهك وخفّة حلمك، قطعك على هذا الحسيب الشريف سيّد قومه منطقه، ثم عنيت بعد فيما لا علم لك به، فقد كذبت، ولؤمت أيها الأعرابي الجلف الجافي في كلّ ما ذكرت ووصفت. انصرفوا من عندي، فإنه ليس بيني وبينكم إلّا السيف. وغضب، وخرج القوم وشبث يقول: أفعلينا تهوّل بالسيف! أقسم بالله ليعجلن بها إليك. فأتوا عليًّا وأخبروه بالذي كان من قوله، وذلك في ذي الحجة، فأخذ علي يأمر الرجل ذا الشرف، فيخرج معه جماعة، ويخرج إليه من أصحاب معاوية آخر معه جماعة، فيقتتلان في خيلهما ورجالهما ثم ينصرفان. وأخذوا يكرهون أن يلقوا بجمع أهل العراق أهل الشأم لما يتخوّفون أن يكون في ذلك من الاستئصال والهلاك، فكان علي يخرج مرّة الأشتر، ومرّة حجر بن عدي الكندي، ومرّة شبث بن ربعي، ومرّة خالد بن المعمّر، ومرّة زياد بن النضر الحارثي، ومرّة زياد بن خصفة التيمي، ومرّة سعيد بن قيس، ومرّة معقل بن قيس الرياحي، ومرّة قيس بن سعد. وكان أكثر القوم خروجًا إليهم الأشتر، وكان معاوية يخرج إليهم عبد الرحمن بن خالد المخزومي، وأبا الأعور السلمي، ومرّة حبيب ابن مسلمة الفهري، ومرّة ابن ذي الكلاع الحميري، ومرة عبيد الله بن عمر ابن الخطّاب، ومرّة شرحبيل بن السمط الكندي، ومرّة حمزة بن مالك الهمداني، فاقتتلوا من ذي الحجة كلها، وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرّتين أوّله وآخره.
قال أبو مخنف: حدثني عبد الله بن عاصم الفائشي، قال: حدثني رجل من قومي أنّ الأشتر خرج يومًا يقاتل بصفيّن في رجال من القرّاء، ورجال من فرسان العرب، فاشتدّ قتالهم، فخرج علينا رجل والله لقلّما رأيت رجلًا قطّ هو أطول ولا أعظم منه، فدعا إلى المبارزة، فلم يخرج إليه أحد إلّا الأشتر، فاختلفا ضربتين، فضربه الأشتر، فقتله، وايم الله لقد كنا أشفقنا عليه، وسألناه ألّا يخرج إليه، فلما قتله الأشتر نادى مناد من أصحابه:
يا سهم سهم ابن أبي العيرار ** يا خير من نعلمه من زار
وزارة: حي من الأزد، وقال: أقسم بالله لأقتلنّ قاتلك أو ليقتلنّي، فخرج فحمل على الأشتر، وعطف عليه الأشتر فضربه، فإذا هو بين يدي فرسه، وحمل فيه أصحابه فاستنقذوه جريحًا، فقال أبو رفيقة الفهمي: هذا كان نارًا، فصادف إعصارًا، واقتتل الناس ذا الحجّة كلّه، فلما انقضى ذو الحجّة تداعى الناس إلى أن يكفّ بعضهم عن بعض المحرّم، لعلّ الله أن يجري صلحًا أو اجتماعًا، فكفّ بعضهم عن بعض.
وحجّ بالناس في هذه السنة عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بأمر علي إيّاه بذلك، كذلك حدثني أحمد بن ثابت الرازي، عمّن ذكره، عن إسحاق ابن عيسى، عن أبي معشر.
وفي هذه السنة مات قدامة بن مظعون، فيما زعم الواقدي.