المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عزة النفس في زمن الانكسارات



الصقرالحنون
09-27-2010, 10:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


كيف نحقق عزة المسلم في زمن كله انكسارات ؟

لا شك أن العزة معنى ينشده كل سوي من بني البشر ،
وقد تمدح الناس بها وبالسعي لتحصيلها منذ القدم،
وكثير منا يحفظ قول المتنبي :


عِشْ عَزِيزاً أَوْ متْ وَأَنْتَ كَرِيمٌ * بَيْنَ طَعْنِ القَنَا وَخَفْقِ البُنُـودِ


وقوله:


مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيْـهِ * مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّـتٍ إِيْـلاَمُ



ومن منا لم يسمع أبيات أبي فراس :


ونحن أناس لا توسط بيننــا * لنا الصدر دون العالمين أوالقبرُ
تَهُونُ عَلَيْنَا فِي المَعالِي نُفُوسنَا * وَمَنْ خَطَبَ الحَسْناء لَمْ يُغْلِهَا المَهْرُ
أعزُّ بني الدنيا وأعلى ذوي العُلا * وأكرم من فوق التراب ولا فخر


فما هي هذه العزة ، وبماذا تكون ؟


وهل لأهل الباطل عزة ؟ وهل ثمة عزة غير شرعية ؟


ولماذا ينسى بعض أهل الحق عزتهم فيخنس أمام بعض أهل الباطل ؟


أما العزة في اللغة فمأخوذة من العز ، وهو : ضد الذل ،


تقول منه عز يعز عزاً فهو عزيز ، أي : قوي ، والعزيز من صفات الله تعالى ،


قال الزجاج : الممتنع فلا يغلبه شيء ،


وقال غيره : هو القوي الغالب على كل شيء .


ومن أسمائه : العزيز ، وهو الذي يهب العز لمن يشاء من عباده :
{تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
آل عمران : من الآية26


والعزة التي نتحدث عنها :


هي حالة نفسية تصاحبها قوة معنوية ، وتنبثق منهما أقوال وأفعال تدل على الشعور بالفخر والاستعلاء والاستقلال عن الكافرين وصدق الانتماء لهذا الدين مع تواضع ورحمة بالمؤمنين .


والأمة اليوم أحوج ما تكون إلى الالتزام بالعزة والأخذ بمقوماتها على مستوى الحكومات والشعوب والأفراد ،
والاعتزاز بالدين من أقوى ما نواجه به أعداءنا في زمن تداعت فيه الأمم علينا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ،
فهلم إلى طريق العزة والمجد والخلود .




مقومات العزة :

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}
فاطر : من الآية10


{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}
المنافقون : من الآية 8


{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
آل عمران : من الآية26


1- الإيمان المطلق بأن الله هو العزيز، وأنه هو وحده مصدر العزة وواهبها ،
وأنه لا أحد يملك العزة أو يهبها سواه .


2- اليقين بأن عزة الظالمين إلى زوال ،


وأنهم لايملكون دوامها فضلاً عن أن يهبوها غيرهم :


{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً}
مريم:81، 82


{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا}
النساء : من الآية139


وعندما أثبت بعض الضالين لنفسه عزة زائفة :
{يقولون لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ }


قال الله تعالى :
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولكن المنافقين لايعلمون }
المنافقون: من الآية8


ولما اختل مفهوم العزة الحقيقية عند قوم شعيب، فقالوا :
{قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ( 91 )
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }( 92 )
هود



3- صدق الانتماء لهذا الدين، وإن صاحبه هو العزيز، وغيره هو الذليل، كما قال الله :


{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}
المنافقون: من الآية8


{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
آل عمران : 139


أما الكافر وإن كان عزيزاً في الدنيا فمآله :
{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} الدخان : 49
{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} السجدة : 18



4- عدم الانخداع بما عليه الكفار من قوة مادية أو عسكرية ، فإنها لاتعني في موازين العزة الحقيقية شيئاً ،


{لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}
آل عمران : 196، 197


وعز الآخرة وبؤسها لايقارن بما يكون في الدنيا، لا في حجمه أو نوعه أو مدته ،


ولا مرحباً بعز محدود يعقبه ذل ممدود، ومع هذا فإن الدنيا دار مدافعة يرفع الله فيها أقوماً ويخفض آخرين ،
ومن سنته أن جعل أيامها دولاً، ثم إن العاقبة للتقوى .


5- الاستقلال عن الأعداء، والاستغناء عنهم ، وعدم الاعتماد عليهم في شتى شؤون الحياة ،
وهذا لايتعارض مع الإفادة مما عندهم من تقدم مادي من أجل تسخيره لخدمة هذا الدين ،
وتقوية المؤمنين ، دون ذل أو خضوع أو تنازل .


لاتسقني ماء الحياة بـذلة * بل فاسقني بالعز كأس الحنظل :


{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}
النساء : من الآية 141


6- الأخذ بمقومات العزة، والالتزام بها .


7- إقامة المنابر التي تبث في الأمة روح العزة والكرامة والاستعلاء ، والاستغناء عن الآخرين ،
وتحميها من المؤثرات الوافدة بشتى صنوفها وأشكالها وأخص الإعلامية منها .


يتبع

الصقرالحنون
09-27-2010, 10:24 PM
وقفات مهمة


1- شعور المسلم بالعزة على الكافرين وتعامله بها يجعله يعيش حياة غير عادية فيها الانشراح والسعادة والغبطة .


2- ليس من العزة التكبر على المؤمنين والاستعلاء عليهم ، فهذه عزة مذمومة ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا :قال (ص) فيما يرويه عن ربه :
(الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ)
مسلم ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد


و قال (ص) : (الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - صحيح مسلم


بل إن من كمال عزة المسلم تذلـله للمسلمين وتواضعه لهم ، وهذا لاينقصه بل يزيده، فما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ،
ومن تواضع لله رفعه، وقد أثنى الله على المؤمنين بأنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين .


3- ليس من عزة المسلم ظلم الآخرين والتعدي عليهم في مال أو عرض أو دماء ولو كانوا كفاراً إلا بحق ،
وهذا باب ضل فيه كثيرون :
{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا}
المائدة : من الآية2


4- من تمام عزة المسلم :
حسن الخلق حتى مع الكفار ، وحسن الخلق لايعني الضعف والذلة والمسكنة ،
وإنما العدل والإنصاف وتحري الحق :
{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}
المائدة : من الآية8


{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
الممتحنة : 8


5- خطورة العصبية والحزبية لقبيلة أو بلد أو جماعة داخل الصف المسلم ،
فإن المؤمنين حزب واحد :


{وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }
المائدة : من الآية56


أما العصبيات والنعرات الجاهلية فهي من أخطر قوادح العزة التي نريد ، وقد استغلها الأعداء مراراً لتفريق صف المسلمين ، وتفريق كلمتهم ،


وقد ذم الله الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً ، فقال :
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}
الأنعام 159



6- جماع الذل في قوله (ص) :
«إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أناب البقر، ورضيتم بالزرع، سلط الله عليكم ذلاً لاينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم»
رواه أبو داود وأخرجه الطبراني وابن القطان وصححه الألباني



7- لا يلزم من عدم قدرة المسلمين على مواجهة أعدائهم عسكرياً أن يذلوا لهم ويتنازلوا عن دينهم ،
فقد تعذر في عدم قدرتك على إقامة الحق ، ولكن لاعذر لك في قول الباطل .


8- أي تنازل من المسلمين في شؤون دينهم وعقيدتم وبلادهم سيغري عدوهم فيهم ،


فالثبات الثبات :


{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}
المائدة 52


{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا}
الأحزاب 32


9- لاينافي العزة الشرعية تأليف الكفار عند دعوتهم بالكلام الطيب أو مجادلتهم بالتي هي أحسن ،
فقد قال الله تعالى :


{وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
العنكبوت: من الآية46


وعرض مجادلة عملية، فقال :
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
آل عمران 64


10- العزة الحقيقة تقتضي التقيد بضوابط الشرع في معاملتنا لبعضنا ،
وفي تعاملنا مع غيرنا ، من أهل الملل الأخرى، فإذا نص الشرع على ألا يقال للكافر سيد، فلا يجوز أن نجامل ونقول له سيد ،
أو مافي معناها كـ( مستر) ،
وإذا نص شرعنا على عدم بدئهم بالسلام فلا نبدؤهم بذلك ، وإذا سلموا رددنا عليهم السلام ،
وهكذا نتبع شرعنا في كل ما يحكم علاقة المسلم بغيره .


11- من العزة بالدين إظهار شعائر الإسلام في أي مكان إلا إذا خاف المرء على نفسه لاضعفاً أو هواناً .


12- من أهم مقتضيات العزة عدم التحاكم إليهم ، أو الاستنصار بهم :
{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}
النساء 65



وختاماً ،
يعيش المسلمون ضعفاً في جوانب كثيرة ، لكنهم مع ذلك يتفوقون في الدين والأخلاق والقيم ،
ومتى راجع المسلمون دينهم واستقاموا على سنة نبيهم( ص) واتقوا ربهم ، فإن العز حليفهم ،


وعلينا بالاستقامة على الدين ، ولنتفاءل فالعاقبة للمتقين :
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ}
الأنبياء : 105-106


والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
منقول

king-of-nothing
09-28-2010, 12:40 AM
الله لا يذل حدا


يسلمو حسوون


King of Nothing

الصقرالحنون
09-28-2010, 12:53 PM
شكرا لمرورك كنغ

M-AraBi
09-28-2010, 10:43 PM
من أجمل ما قرأت

رائع جداً جداً

وتستاهل أحلى تقييم
:z025:

الصقرالحنون
09-29-2010, 02:43 AM
مشكوور محمد بارك الله فيك