المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في كأس الخمر المعتَّق



سارة
10-22-2010, 10:03 PM
من (أجساد في رحم الأرض) لـ آل مرعي


فَتَحَ الباب ودخل...
كان يحك صلعته التي بدا وكأنها تستبد بنصف رأسه...
ولكنه سعيد.
المنزل خالٍ لا شيء فيه... سوى الصمت المطبق... وصوت هديرٍ خافت ينبعث من مؤخرة الثلاجة.
مد يده بهدوء وكسل... ليضيء نور (الأبجورة) الزرقاء... بجوار المقاعد الجلدية الأنيقة... في الجهة اليسرى من غرفة الجلوس... ووضع الكيس الذي يحوي زجاجتين ــ مُعتَّقتين ــ على الطاولة الرخامية... وجلس.
وبعد لحظات بدأ الضجيج ينبعث من التلفزيون... وانتشرت على الفور سحابة الدخان المنطلقة من بين شفتيه... كي تزيد من اكتئاب الجو الراكد داخل تلك الغرفة الأنيقة!!
... هل يَتَعشَّى أولاً، أم يعبُّ شيئا من (البيرا)
- " أوه... ما أجمل أن يدخل الإنسان في غمرة الجنون، ويخرج من هذه الحياة الجادة"
... حُسِمَ الأمر... وفُتحت قنينة الويسكي...
- "لا حل سوى كأس مُتْرَعْ"
امتلأ الكأس... وبدأ الريموت يُغيِّر طبعات الوجوه على الشاشة المضيئة... عشرات القنوات تعرض نفسها... إنها ترسم صورة صادقة... وصادقة جداً... لمتناقضات الحياة... وللخلاف... والاختلاف... ولكن:
- "ماذا يريد كل هؤلاء؟... ماذا؟... وتلك الفاتنة الجميلة... لماذا تعرض نفسها بكل هذا الإغراء... شيء يدعو للتأمل... ماذا تراها تطلب من المشاهدين... أو ماذا يطلبه منها المشاهدون... أوه التعري... نعم... التعري... لقد أصبح التعرِّيُ صورة شائعة... وملفتة"
رفع قنينة الخمر وقال في ذكاء...
ــ «المرأة... لقد أصبحت المرأة تماماً كقنينة الخمر... نتمتع بها لحظات... ثم نلقيها في السلَّة... المرأة نعمة... والعُرْي نعمةٌ أكبر... إنه زمن العروض المجانية... هــ هــ هــ...»
استمر يقلِّب القنوات بطرب وخفة... ولكن!!
ــ «أوه... هذا ليس وقتك الآن... قل لي... لماذا أتيت... انصرف من أمامي هيا... هــ هــ»
إنها صورته... نعم صورته هو شخصياً... وهي تُعرض الآن في إحدى القنوات... إنه ممثل كبير... كبير جداً... ومشهور جداً... ولكنه لا يحب أن يُعيد مطالعة الأفلام التي مثلها سابقاً... لأنه في بعض الأوقات... ربما... يحتقر نفسه.
قلَّب المزيد من القنوات... شاهد لقطة قذرة جداً... من فلم قذر جداً... أحسَّ أنه استمتع بها قليلا... سيواصل تقليب القنوات... عساه يحظى بلقطة سريعة وقذرة... لأنها تمثل مكسباً لا بأس به... رفع الكأس بيسراه... ليلقي بأول جرعة في جوفه:
- "ماذا...؟؟"
صورته مرة أخرى... وفي قناةٍ أخرى... ولكن... إنها تبدو بتناقض مذهل مع حقيقته... ومع وضعه الراهن... وأيضاً مع صورته في الفلم السابق... إنه في الشاشة الآن... ويبدو تقيَّاً وورعاً... وعمامته البالية... وثوبه المرقع... تجعلانه أقرب ما يكون... لحال السلف الصالح.
ولكنه لا يدري... لماذا انشدَّ لصورته هذه... إنها تذكرة بمرحلة من حياته... لقد مثَّل أدواراً كثيرة... وبطولات كثيرة... ولكن دوره في هذا المسلسل... يختلف تماماً... لأنه الآن يمثل دور عمر... نعم... عمر بن عبد العزيز.
ـ مَشْهَدان متناقضان... أحد هما داخل الشاشة... والآخر خارجها... أحدهما وهو يحمل المصحف... والآخر وهو يحمل كأس الخمر... وكلاهما لرجل واحد.
ولكنّ الصورة شيء... والحقيقة شيء آخر... عمر هناك... يدوِّن مال بيت المال... ويَحْرم نفسه العسل... ويتقشف حتى العدم... ثم يقول باكياً:
ــ «يا ويلي... كيف ألقى الله غدا»
ثم ينظر عبر الشاشة إلى الأفق البعيد ويقول:
ــ «متى أحطَّ رحالي... وانْفَك من قيودي... وارحل... ارحل إلى الله... إلى حبيبي»
الحقيقة تنظر إلى الصورة... والصورة... أكثر تعبيراً عن حقيقة الإنسان... والحقيقة ربما كانت تعبِّر عن صورة «اللا إنسان».
سقطت قنينة الخمر على الأرض... انكسرت... وتناثر السائل... وتناثرت معاني كثيرة... قد تشرَّب بها قلب هذا الممثل الكبير.
لقد تصلبت عيناه الحقيقية... على عينيه في الصورة... وبدأت الأعين تتحدث... من يا ترى سينتصر... عينا الصورة... أم عينا الحقيقة... عينا عمر... أم عينا الممثل.
مرت مشاهد المسلسل سريعة... وبدأ عمر بن عبد العزيز يحتضر... إنه الآن يُغرغر... وهو مستعد ليموت... ثم يستريح من عناء هذا العالم.
تذكر الممثل كل هذه اللحظات... حين كان يمثلها... تذكر قصراً شامخاً تربع على أريكته يوماً... إنه قصر التقوى والإيمان... عمر يحتضر... وينظر إلى الملائكة... والممثل هنا ينظر إلى الحياة بمنظار آخر... إنه يسأل نفسه..
ــ «من هم السعداء؟ ... من هم الأسوياء؟»
ربما أجابت عينا عمر... حين أسدلتا دمعتين صافيتين... ثم ذبلتا:
- " السعداء... هم أولئك العظماء... الذين ينجحون في استقبال الموت... وقلوبُهم مفعمة باليقين... وصحائفهم بيضاء"
مات عمر... وأطفئ التلفاز... وقُتل شبح الإثم... في نفس الممثل... وأسدل دمعات حارة:
- "لابدَّ من فتح صفحة بيضاء... مع الله"

king-of-nothing
10-22-2010, 11:00 PM
يسلمو حكواتي المنتدى :z025:


King of Nothing

ibrahem706
10-24-2010, 09:39 AM
يسلموووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو وووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو وووووووووووووووووووووووو

السكون
10-27-2010, 03:39 AM
تسلم ايدك سارة

دمتي بخير