المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مذكرات مغترب (6 ) خطى العاشقين.... بقلم محمد عبد الوهاب جسري



محمد عبد الوهاب جسري
11-19-2010, 03:34 AM
مذكرات مغترب (6 ) خطى العاشقين.... بقلم محمد عبد الوهاب جسري
الخطوة الأولى:
انتقلتُ إلى مدينة أخرى

أمضيت الليلة وأنا أتأمل سكني الجديد، في هذه المدينة الجميلة الهادئة، التي انتقلت إليها بعدعام من وجودي في هذه البلاد، أكثر ما كان يدهشني مستوى النظافة في هذه المدينة، وكأنها كلها عبارة عن فندق "خمس نجوم"، كل شيء يسير بانتظام، لا مظاهر للفوضى ، لا خشونة ولا صياح، ابتسامات على وجوه الناس تدفع بالسعادة إلى قلبك عنوة....أستعيد الوصف الدقيق ، كيف كان صاحب السكن يجهد نفسه ليشرح لي كيف سأستخدم المترو غداً للذهاب إلى الجامعة، أما زوجته فقد شرحت لي بالتفصيل كيف سأستخدم فرن الطبخ الكهربائي حيث لها تجربة مع طلاب آخرين وتعرف أننا نطبخ في بلادنا على الغاز، وكيف أعطتني كل ما أحتاج من أواني وأكثر، وقد كتبت بخط واضح طريقة استخدام الغسالة الآلية، وكم رجتني أن لا أنسى أن أسقي نباتات الزينة كل يوم.....
نظرت إلى هذه النافذة المعدنية الأنيقة، مغلقة بجمال وإحكام، اقتربت منها لأرى اطلالتها، إنه منظر جميل يظهر فيه جزء من النهر يخترق تلك الغابة الكثيفة، لكنني شعرت بالخيانة عندما أسندت رأسي إلى هذه النافذة، تذكرت نافذتي الخشبية في غرفتي الصغيرة، كانت مخلوعة قليلاً ولا تغلق باحكام، لكنني كنت أشعر براحة كبيرة عندما كنت أسند رأسي إليها وأشتم رائحة الخشب، كثيراً ما كنت أقص عليها حكاياتي، وكانت تستمع إلي بحنان، اشتقت إليك يا نافذتي، اشتقت إلى غرفتي..... عجيب أنت أيها الانسان !!! شوقك إلى النافذة يذرف دمعك ؟؟ !!!!
الخطوة الثانية:
على موقف مترو الأنفاق

في الصباح بدأت أجد الخطى إلى موقف المترو، وصلت أخيراً ....
الأول: لماذا أنت لوحدك هنا في هذا الموقف؟؟
الثاني : لأنه لا يوجد ازدحام....وكل الناس عندهم سياراتهم الخاصة
الثالث : كفاكم بلهاً ، انتظروا وسترون
هذه جديدة جداً، ما هذا؟؟ أنا سمعت عن ازدواج الشخصية ... لكن شخصية مركبة من ثلاثة عناصر !!! هذه جديدة !! وكأني أجد عند الأول البلادة المزعجة وعند الثاني أجد التسرع و الطياشة ، وعند الثالث بعضاً من الحكمة.....
انتظرت عشر دقائق تقريباً إلى أن وصلت أول القادمات إلى المحطة، رحت أحاول إخفاء نظراتي لها، لكن شيئاً ما كان يشدني، أتمنى أن تكون طالبة تذهب إلى الجامعة..
الثاني: إن كانت من سكان المنطقة، وإن كانت طالبة في الجامعة فإنك محظوظ أن ترافقك كل يوم في رحلتك إلى الجامعة هذه الحسناء....سيكون نهارك سعيداً عندما يبدأ بنظراتك إلى هذا الوجه الملائكي.
الثالث: كف عن طيشك، قد لا تراها بعد اليوم، لا تشغل نفسك بأحلام.... التزم الواقعية واهتم بما يهمك فقط.
خلال دقيقتين اكتظ الموقف بالعشرات وكأنهم على موعد، ووصل المترو فأوقف تشاجر أفكاري ونظف المحطة من ركابها....
الثالث: هل رأيتم؟، الناس هنا يعرفون موعد وصول المترو ويأتون ليركبوا المترو، لا لينتظروا مثلنا...لابد وأن مواعيد المترو دقيقة جداً، ولا بد وأنهم يعرفون الموعد، لا بل ولا بد وأن مواعيد وصوله إلى المحطة مكتوبة في المحطة، دعونا نقرأها ونحفظها عندما نعود....
كنت أنوي أن أستمتع في ركوبي الأول في وسيلة النقل العصرية هذه لكن هذه الفتاة الأنيقة سرقت مني كل حواسي، وأكثر ما كان يقلقني هو أنني لا أدري إن كانت من سكان منطقتنا وهل سأراها مرة ثانية، وفي أية محطة سوف تنزل، أنا سأنزل في المحطة التاسعة وعاد الثلاثة ينخرون في لب عقلي
الثاني: يبدو أنها ستنزل عند الجامعة في المحطة التاسعة ألا تراها كيف تقرأ في كتابها
الأول: الكل يقرأ، هل يعني أن هذا العجوز هو طالب في الجامعة أيضاً ؟؟
الثاني: يدفعني الحماس لأقترب منها، لأتحدث إليها
الأول: جميل ، اذهب واسألها كم الساعة الآن
الثالث: يا لك من غليظ، ألا تنظر إلى هذه اللوحة الالكترونية، فيها الساعة والتاريخ ودرجة الحرارة ومسار المترو والمحطة القادمة وتوقيت وصوله إلى كل محطة ، كم هؤلاء الناس منظمون، رغم أنني أفتخر بانتمائي، إلا أنني أحب أن أنتمي إليهم....
الأول: هذه سهلة ، لكن لا أظنهم هم يحبون أن ينتمي إليهم واحد مثلك، شرب الفوضى مع الحليب منذ صغره، وتناولها مع صندويشات الفلافل وأطباق الفول والحمص
الثالث: سأتعود على النظام، أنا سعيد بوجودي هنا
الثاني: يا جماعة الخير، اتركوني في همي، أحاول أن أبحث عن إجابة لهذا السؤال، من أين تأتي مثل هذه الفتاة بكميات هائلة من الأنوثة في كل حركاتها وسكناتها ونظراتها....
الأول: ونظراتها ؟؟...!! إنها لم تحرك عينيها من كتابها، بعد قليل ستقول بأنها تغزلت بك...
الثالث: ما أعجلك يا صاحبي، اصبر....وصلنا إلى المحطة الثامنة ولازالت جالسة تقرأ....
اقتربنا من المحطة التاسعة.....أريد أن أتجه إلى الباب لكنني أحس بثقل رهيب يمنعني من الحركة، قدماي لا تستجيبان، أو ربما تتآمران مع عقلي الباطن الذي يتمنى أن أبقى في المترو لحين نزولها...
الثالث: تحرك حبيبي، تحرك خلال عام كامل وأنت هنا تتعلم اللغة الألمانية لم أرَك تهتم بأي فتاة لهذه الدرجة، ما الذي حصل الآن....
أغلقت كتابها، وضعته في حقيبتها ونهضت من مقعدها، ونهضت معها فرحتي، وظهر البريق في عيني، أما قدماي فقد أبدتا استعداداً للركض مسافة 20 كيلو متراً دون كلل أو تعب
الأول: الحمد لله أنها ستنزل في محطة الجامعة، كنت ستتعبنا يا رجل...
الثالث: كن متزناً ، أنت تأتي هنا للدراسة لا تنسى هذا ...
الثاني: لا تقلقا ، فأنا أعرف كيف أنجح.....لكنه مال
الأول : ماذا ؟؟ من؟؟
الثاني : مال قلبي

الخطوة الثالثة:
أصل الغرام نظرة
مثل معظم المراهقين، تتبعت خطواتها عن بعد، لأرى إلى أي كلية تذهب، أمشي والثالث يحدثني قائلاً: أراك استسلمت من الضربة الأولى، أما تذكر عندما اتفقنا أن تكون قوياً متماسكاً !! ؟ ، أهز برأسي وأحاول أن أبعده عني، فقط أريد معرفة الكلية التي ستدخل إليها وسأتجه إلى كلـّيتي، أعدك....
بعد أن اطمأن قلبي أنها دخلت إلى كلية التربية، عدت أدراجي متوجهاً إلى كليتي لأبدأ يومي الأول هنا، أشعر براحة وسعادة أنني أمسكت أحد خيوطها.... سأهتم بأمري الآن، ولن يثبط عزمي على النجاح أي مخلوق، فمهما حصل لن تفارقني نظرات عيون "ست الحبايب" عندما ودعتني، كانت نظراتها مزيجاً من الحزن والسعادة لكنها كانت مفعمة بأمل كبير....
لم أعدم الوسيلة للتحدث أليها، أصبحت رحلتنا اليومية معاً صباحاً إلى الجامعة من أهم عناصر حياتي اليومية، أصبحت أحبها.... بعد شهر عبرت لها صراحة عن اعجابي....وبدأت أتغزل بها....أعجبتني رزانتها وكنت مذهولا بهذه الهالة من الأنوثة التي تحيطها في حركاتها وسكناتها.
أخفيتُ عنها ما لاحظتـُه من تردد من جهتا، لكنني لم أنتظر طويلاً حتى دعتني إلى بيتها فقد حدثتْ والديها عني وأرادا التعرف إلي...
في بلد أوربي، وفي هذه الحياة المعاصرة التي أعطت الفتاة حريتها المطلقة، وجدت نفسي مسروراً من تصرفها هذا ووعدتها بالحضور ....
الخطوة الأخيرة :
لا أحب الخيانة

استقبلني أهلها بترحاب، وجدتـُهم على درجة عالية من الثقافة، يعرفون الكثير عنا وعن طبيعة حياتنا وعن أخبار بلادنا، لقيتُ منهم حسن الضيافة وأدب الاستقبال
الأم: حدثتني ابنتي عن اهتمامك بها فرغبنا بالتعرف إليك
_ في الحقيقة أعجبني كل شيئ عندها وشد اهتمامي تربيتها وأخلاقها ....
الأب: وأنت يبدو عليك إنسان مهذب ومتحضر
الأم: أعرف أنكم تقدرون المرأة لكنني لا أعتقد أن الحب يكفي لبناء الأسرة، أنتما من بيئتين مختلفتين تماماً، إضافة إلى أنكما تختلفان في المعتقد الديني
_ نعم لكننا كلنا نؤمن بالله
الأب: أنت ستشعر بكثير من النقص لو أمضيت عمرك هنا في بلادنا، وهي ستصاب بخيبة كبيرة لو ذهبت معك لتعيش هناك....
تابع الأب حديثه وهو يقلب المحطات الفضائية الأخبارية ليتوقف عند محطة تبث الأحداث الدامية في العراق.... يشير بيده إلى هذه المشاهد ويقول:
لو أنها حادثة حصلت يوماً ما، لقلنا حدث طارئ يحصل في كل مكان، إن هذه المشاهد تتكرر يومياً ومنذ سنوات و أخشى أن تستمر سنوات.....
الأم: في الوقت الذي نقوم فيه نحن بإحاطة الانسان بعناية ملائكية منذ لحظة تكوينه جنيناً في بطن أمه إلى تلك اللحظة التي يفارق فيها الحياة ، في نفس الوقت يقوم بعضكم بإهدار دم الأبرياء، إننا رأينا مشاهد فظيعة تدل على أن لاقيمة للانسان عندكم....
أحسستُ بخنقة، ابتلعتُ ريقي خفية وحاولت النطق اح اح
_ نعم لكننا نحن لسنا كلنا على هذه الشاكلة....
الأب: لا أبداً ، لا نقول هذا.... فأجدادكم ساهموا في الحضارة وأضافوا إليها إضافات ملموسة وقوية...
قال الأب هذه الكلمات ليـُفهمني أن هذه هي نظرتهم إلينا في وقتنا الحالي، وأننا جميعاً في تاريخنا الحديث على هذه الشاكلة....
الأم: لدي اقتراح، ما رأيكما في أن تصبحا أصدقاءً.... وأصدقاءً فقط، فنحن لا نمانع، اخرجا معاً في أوقات الفراغ...
الأب: فكرة جيدة وأظن أن ضيفنا يدرك ما معنى الصداقة الحقيقية، يمكنكما أن تذهبا إلى المسرح والسينما والرحلات الترفيهية، أنا على ثقة بأن كل منكما سيتبادل الثقافة مع الآخر
الأم: هل تعدنا بأن تكون صديقاَ لابنتنا ؟؟ يسرنا أن تكون صديق العائلة أيضاً
لم يعد لي غير اعطاء الوعد فأنا في موقف يختبر مستوى تحضري
_ طبعاً أعدكما وأنا سأحترم وعدي بكل تأكيد
مرت أيام صعبة كنت كلما التقيتها يزاد تعلقي بها، أسرح بعمق في بحر عينيها عندما تحدثني، كانت تتعبني براءتها وهي تعاملني برفق كصديق بينما أنا يزداد حبي لها ولا أستطيع أن أعبر عنه.
كثيراً ما كنت أسافر بعيداً في الخيال وأنا أتصورها رفيقة عمري وأم أولادي فكل ما لديها يعجني، حركاتها وسكناتها... ابتسامتها عندما نلتقي وعندما نفترق ، سعيها الدائم لتراني ناجحاً مسروراً....
بدأ الصراع في داخلي، بدأت أشعر أنني أخون وعدني لأبويها....صرت أتحير كثيراً وأشعر بالألم كلما تذكرت كلمات أبيها... وكلما تذكرت تعابير وجهه وهو يشير إلى شاشة التلفزيون... على ما يبدو أن الصراع سيحسم لصالح أمتي التي لا أرغب أن أضيف صورة سلبية إلى الصور المشوهة الكثيرة التي تنشر عنـّا في هذه الأيام... قررت أن أحترم الأمة التي أنتمي إليها وأفي بوعدي.... فأنا لا أحب الخيانة
لملمت حطامي وانتقلت إلى مدينة أخرى

MOSTAFA
11-19-2010, 04:00 AM
قصة في غاااية الررروعة

الف شكررر اخي محمد عبد الوهاب
تحياتي
:z025:

محمد عبد الوهاب جسري
11-20-2010, 12:24 AM
إلى mostafa

أشكرك أخي مصطفى

وأستغل فرصة العيد لأقول لك

كل عام وأنت بخير

تقبل تحيتي وسلامي

MOSTAFA
11-20-2010, 01:36 AM
وانت بألف خيررر اخي محمد عبد الوهاب

تحياتي اخي :z025:

محمد عبد الوهاب جسري
12-28-2010, 10:54 PM
إلى mostafa

شكراً لك أخي مصطفى

هذه القصة لم تحصل معي شخصياً

على كل حال أرجو أن تقبل تحيتي وسلامي

السكون
12-29-2010, 05:11 AM
قصة رائعة جدا تسلم ايدك

اخي محمد

عاشق الوطنية
01-26-2011, 10:59 AM
اخي محمد تعجبني كثيرا تجاربك التي مررت بها

بل واكثر ما يشدني هو روعة طريقتك في سرد القصص علينا

فشكرا لك ولا حرمنا الله من كتاباتك

تحياتي لشخصك المعطاء

اخوك محمد


:z025: