المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشاعر تميم البرغوثي عن القدس



SAAID
06-06-2011, 11:27 PM
القدس

مَرَرْنا عَلــى دارِ الحبيب فرَدَّنا
عَنِالدارِ قانونُ الأعادي وسورُها
فَقُلْتُ لنفســي رُبما هِيَنِعْمَةٌ


فماذا تَرَى في القدسِ حينَ تَزُورُها
تَرَى كُلَّما لا تستطيعُ احتِمالَهُ
إذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِ دورُها
وماكلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها
تُـسَرُّ، ولا كُلُّ الغـِيابِيُضِيرُها
فإن سـرَّها قبلَ الفِراقِ لِقاؤُه
فليسَ بمأمـونٍ عليهاسـرُورُها
متى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةً
فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُتُدِيرُها


في القدسِ، بائعُ خضرةٍ من جورجيا برمٌ بزوجته يفكرُ في قضاءِإجازةٍ أو في في طلاءِ البيتْ
في القدس، توراةٌ وكهلٌ جاءَ من مَنْهاتِنَالعُليا يُفَقَّهُ فتيةَ البُولُونِ في أحكامها
في القدسِ شرطيٌ من الأحباشِيُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ،
رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِالعشرينَ،
قُبَّعة تُحَيِّي حائطَ المبكَى
وسياحٌ من الإفرنجِ شُقْرٌ لايَرَوْنَ القدسَ إطلاقاً
تَراهُم يأخذونَ لبعضهم صُوَرَاً
مَعَ امْرَأَةٍتبيعُ الفِجْلَ في الساحاتِ طُولَ اليَومْ
في القدسِ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَفوقَ الغَيمْ
في القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْ
في القدسِ مَن في القدسِإلا أنْتْ!


وَتَلَفَّتَ التاريخُ لي مُتَبَسِّماً
أَظَنَنْتَ حقاً أنَّعينَك سوفَ تخطئهم،! وتبصرُ غيرَهم
ها هُم أمامَكَ، مَتْنُ نصٍّ أنتَ حاشيةٌعليهِ وَهَامشٌ
أَحَسبتَ أنَّ زيارةً سَتُزيحُ عن وجهِ المدينةِ يابُنَيَّ
حجابَ واقِعِها السميكَ لكي ترى فيها هَواكْ
في القدسِ كلًّ فتىسواكْ
وهي الغزالةُ في المدى، حَكَمَ الزمانُ بِبَيْنِها
ما زِلتَ تَرْكُضُإثْرَهَا مُذْ وَدَّعَتْكَ بِعَيْنِها
رفقاً بِنَفسكَ ساعةً إني أراكَوَهَنْتْ
في القدسِ من في القدسِ إلا أَنْتْ
يا كاتبَ التاريخِمَهْلاً،
فالمدينةُ دهرُها دهرانِ
دهر مطمئنٌ لا يغيرُ خطوَه وكأنَّه يمشيخلالَ النومْ
وهناك دهرٌ، كامنٌ متلثمٌ يمشي بلا صوتٍ حِذار القومْ
والقدستعرف نفسها،
إسأل هناك الخلق يدْلُلْكَ الجميعُ
فكلُّ شيء في المدينةِ
ذولسانٍ، حين تَسأَلُهُ، يُبينْ


في القدس يزدادُ الهلالُ تقوساً مثلَالجنينْ
حَدْباً على أشباهه فوقَ القبابِ
تَطَوَّرَتْ ما بَيْنَهم عَبْرَالسنينَ عِلاقةُ الأَبِ بالبَنينْ
في القدس أبنيةٌ حجارتُها اقتباساتٌ منالإنجيلِ والقرآنْ
في القدس تعريفُ الجمالِ مُثَمَّنُ الأضلاعِأزرقُ،
فَوْقَهُ، يا دامَ عِزُّكَ، قُبَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ،
تبدو برأيي، مثلمرآة محدبة ترى وجه السماء مُلَخَّصَاً فيها
تُدَلِّلُهاوَتُدْنِيها
تُوَزِّعُها كَأَكْياسِ المعُونَةِ في الحِصَارِلمستَحِقِّيها
إذا ما أُمَّةٌ من بعدِ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ مَدَّتْبِأَيْدِيها
وفي القدس السماءُ تَفَرَّقَتْ في الناسِ تحميناونحميها
ونحملُها على أكتافِنا حَمْلاً إذا جَارَت على أقمارِها الأزمانْ
فيالقدس أعمدةُ الرُّخامِ الداكناتُ
كأنَّ تعريقَ الرُّخامِ دخانْ
ونوافذٌ تعلوالمساجدَ والكنائس،
أَمْسَكَتْ بيدِ الصُّباحِ تُرِيهِ كيفَ النقشُبالألوانِ،
وَهْوَ يقول: "لا بل هكذا"،
فَتَقُولُ: "لا بل هكذا"،
حتى إذاطال الخلافُ تقاسما
فالصبحُ حُرٌّ خارجَ العَتَبَاتِ لَكِنْ
إن أرادَدخولَها
فَعَلَيهِ أن يَرْضَى بحُكْمِ نوافذِ الرَّحمنْ
في القدس مدرسةٌلمملوكٍ أتى مما وراءَ النهرِ،
باعوهُ بسوقِ نِخَاسَةٍ في أصفهانَ
لتاجرٍ منأهلِ بغدادٍ أتى حلباً فخافَ أميرُها من زُرْقَةٍ في عَيْنِهِاليُسْرَى،
فأعطاهُ لقافلةٍ أتت مصراً، فأصبحَ بعدَ بضعِ سنينَ غَلاَّبَ المغولِوصاحبَ السلطانْ


في القدس رائحةٌ تُلَخِّصُ بابلاً والهندَ في دكانِ عطارٍبخانِ الزيتْ
واللهِ رائحةٌ لها لغةٌ سَتَفْهَمُها إذا أصْغَيتْ
وتقولُ لي إذيطلقونَ قنابل الغاز المسيِّلِ للدموعِ عَلَيَّ: "لا تحفل بهم"
وتفوحُ من بعدِانحسارِ الغازِ، وَهْيَ تقولُ لي: "أرأيتْ!"


في القدس يرتاحُ التناقضُ،والعجائبُ ليسَ ينكرُها العِبادُ،
كأنها قِطَعُ القِمَاشِ يُقَلِّبُونَ قَدِيمهاوَجَدِيدَها،
والمعجزاتُ هناكَ تُلْمَسُ باليَدَيْنْ
في القدس لو صافحتَشيخاً أو لمستَ بنايةً
لَوَجَدْتَ منقوشاً على كَفَّيكَ نَصَّ قصيدَةٍ
يابْنَ الكرامِ أو اثْنَتَيْنْ
في القدس، رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ فيالجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ،
ف! َتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِبَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ
في القدس تنتظمُ القبورُ، كأنهنَّ سطورُ تاريخِ المدينةِوالكتابُ ترابُها
الكل مرُّوا من هُنا
فالقدسُ تقبلُ من أتاها كافراً أومؤمنا
أُمرر بها واقرأ شواهدَها بكلِّ لغاتِ أهلِ الأرضِ
فيها الزنجُوالإفرنجُ والقِفْجَاقُ والصِّقْلابُ والبُشْنَاقُ
والتتارُ والأتراكُ، أهلُالله والهلاك، والفقراءُ والملاك، والفجارُ والنساكُ،
فيها كلُّ من وطئَالثَّرى
كانوا الهوامشَ في الكتابِ فأصبحوا نَصَّ المدينةِ قبلنا
يا كاتبالتاريخِ ماذا جَدَّ فاستثنيتنا
يا شيخُ فلتُعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرةً أخرى،أراك لَحَنْتْ
العين تُغْمِضُ، ثمَّ تنظُرُ، سائقُ السيارةِ الصفراءِ، مالَ بناشَمالاً نائياً عن بابها
والقدس صارت خلفنا
والعينُ تبصرُها بمرآةِاليمينِ،
تَغَيَّرَتْ ألوانُها في الشمسِ، مِنْ قبلِ الغيابْ
إذ فاجَأَتْنيبسمةٌ لم أدْرِ كيفَ تَسَلَّلَتْ للوَجْهِ
قالت لي وقد أَمْعَنْتُ ماأَمْعنْتْ
يا أيها الباكي وراءَ السورِ، أحمقُ أَنْتْ؟
أَجُنِنْتْ؟
لاتبكِ عينُكَ أيها المنسيُّ من متنِ الكتابْ
لا تبكِ عينُكَ أيها العَرَبِيُّواعلمْ أنَّهُ
في القدسِ من في القدسِ لكنْ
لا أَرَى في القدسِ إلا أَنْت _