أقول: هو من طريق فرقد السبخي قال: وكان أبو هريرة… إلخ، وفرقد ليس بثقة، ولم يدرك أبا هريرة.
وقال: (ص158): (وفي الحلية كذلك «أن أبا هريرة كان في سفر فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه وهو يصلي فقال: إني صائم، فلما كادوا يفرغون، جاء فجعل يأكل الطعام، فنظر القوم إلى رسولهم… فقال أبو هريرة: صدق إني سمعت رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png يقول: صوم رمضان وصوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر، وقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر، فأنا مفطر في تخفيف الله، صائم في تضعيف الله».
أقول: هذه فضيلة له، وقد وقع مثلها لأبي ذر رضي الله عنه (مسند أحمد (5: 150) وغيره، وهو الذي قال فيه النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر».
قال: (وفي خاص الخاص للثعالبي… إلخ).
أقول: ومن هو الثعالبي حتى يقبل قوله بغير سند؟
أقول: (وقد جعل أبو هريرة الأكل من المروءة، فقد سئل: «ما المروءة؟ قال: تقوى الله، وإصلاح الصنيعة، والغداء والعشاء بالأفنية».
أقول: ليس في هذا جعل الأكل نفسه من المروءة، وإنما فيه أن من المروءة أن يكون الأكل بالأفنية) يريد بموضع بارز ليدعو صاحب الطعام من مر ويشاركه من حضر، لا يغلق بابه ويأكل وحده.
قال: (وقد أضربنا عن أخبار كثيرة؛ لأن في بعضها ما يزيد في إيلام الحشوية الذين يعيشون بغير عقول).
أقول: أما عقول الملحدين الذي يعيشون بلا دين، ومقلديهم المغرورين، فنعوذ بالله منها.
ثم قال: (حديث: «زر غبًا تزدد حبًا». قال رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png لأبي هريرة… إلخ)
108
أقول: هذا حديث مذكور في الموضوعات، روي عن علي وعائشة وابن عباس بطرق كلها تالفة.
ثم قال: (ص161) (مزاحه وهذره. أجمع مؤرخو أبي هريرة على أنه كان رجلًا مزاحًا مهذارًا).
أقول: أما المزاح فنعم، ولم يكن في مزاحه ما ينكر، وأما الهذر فأسنده بقوله: قالت عنه عائشة… في حديث المهراس «إنه كان رجلًا مهذارا» وهذا باطل، لم تتكلم عائشة في حديث المهراس بحرف. انظر
التقرير والتحبير لابن أمير الحاج (2: 300) ثم رأيت الدكتور مصطفى السباعي قد بسط الكلام في هذا في الجزء (9) في المجلد (10) من مجلة المسلمون (ص20).
قال أبو رية: (عن أبي رافع قال: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة فيركب حمارًا قد شد عليه برذعة وفي رأسه خلية من ليف، فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق قد جاء الأمير، وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب،
[33] فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم ويضرب برجليه فينفر الصبيان فيفرون، وأخرج
أبو نعيم في الحلية عن ثعلبة بن [أبي] مالك القرظي قال: «أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان على المدينة فقال: أوسع الطريق للأمير يا ابن [أبي] مالك. فقلت له: يكفي هذا. فقال: أوسع الطريق للأمير، والحزمة عليه».
أقول: إنما كان يعتمد هذا التبذل والمزاح حين يكون أميرًا تهاونًا بالإمارة ومناقضة لما كان يتسم به بعض الأمراء من الكبر والتعالي على الناس، وكانت إمارة أبي هريرة رحمة بأهل المدينة يستريحون إليها من عبية أمراء بني أمية وعنجهيتهم، وكانت إحياء للسنة، فإن الأمير كان هو الذي يؤم الناس، فكان الأمراء يغفلون أشياء من السنة كالتكبير في الصلاة وسجود التلاوة وقراءة السور التي كان يقرؤها النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png وغير ذلك، فكان أبو هريرة إذا ولى كان هو الذي يؤم بالناس، فيحيي ما أهمله الأمراء من السنن.
قال: (ولقد كانوا يتهكمون برواياته ويتندرون عليها لما تفنن فيها وأكثر منها، فعن أبي رافع أن رجلًا من قريش أتى أبا هريرة في حلة وهو يتبختر فيها فقال: «يا أبا هريرة! إنك تكثر الحديث عن رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئًا؟ فقال: [ والله إنكم لتؤذوننا، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه ما حدثتكم بشيء. ]
[34] سمعت أبا القاسم
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png 109
يقول: «إن رجلًا ممن كان قبلكم بينما كان يتبختر في حلة إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة»، فوالله ما أدري لعله كان من قومك أو من رهطك».
أقول: متن الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عمر، وهو عند أحمد وغيره من حديث ابن عمرو، ومن حديث أبي سعيد، وجاء من حديث غيرهم. وقال الدارمي في (باب: تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png حديث فلم يعظمه ولم يوقره، … عن العجلان عن أبي هريرة) فذكر المتن قال عقبه: «فقال له فتى -قد سماه- وهو في حلة له: أهكذا كان يمشي ذلك الفتى الذي خسف به؟ ثم ضرب بيده فعثر عثرة كاد يتكسر منها، فقال أبو هريرة: للمنخرين وللفم { إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ }».
أقول: فقد أخزى الله ذاك المستهزئ كما أخزى غيره من المستهزئين بدين الله ورسله وخيار عباده { وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ }.
وقال (ص162): (كثرة أحاديثه) ثم قال (ص163): (وقد أفزعت كثرة رواية أبي هريرة عمر بن الخطاب فضربه بالدرة وقال له: «أكثرت يا أبا هريرة من الرواية وأحرى بك أن تكون كاذبًا».
أقول: لم يعزُ هذه الحكاية هنا، وعزاها (ص171) إلى شرح النهج لابن أبي الحديد حكاية عن أبي جعفر الإسكافي، وابن أبي الحديد من دعاة الاعتزال والرفض والكيد للإسلام، وحاله مع
ابن العلقمي الخبيث معروفة، والإسكافي من دعاة المعتزلة والرفض أيضًا في القرن الثالث ولا يعرف له سند، ومثل هذه الحكايات الطائشة توجد بكثرة عند الرافضة والناصبة وغيرهم بما فيه انتقاص لأبي بكر وعمر وعلي وعائشة وغيرهم، وإنما يتشبث بها من لا يعقل، وقد ذكر ابن أبي الحديد (1: 360) أشياء عن الإسكافي من الطعن في أبي هريرة وغيره من الصحابة وذكر من ذلك شيئًا من مزاح أبي هريرة فقال ابن أبي الحديد: (قلت: قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمة أبي هريرة وقوله: في حجة؛ لأنه غير متهم عليه) وفي هذا إشارة إلى أن الإسكافي متهم. ونحن كما لا نتهم ابن قتيبة قد لا نتهم الإسكافي باختلاق الكذب، ولكن نتهمه بتلقف الأكاذيب من أفاكي أصحابه الرافضة والمعتزلة، وأهل العلم لا يقبلون الأخبار المنقطعة ولو ذكرها كبار أئمة السنة، فما بالك بما يحكيه ابن أبي الحديد عن الإسكافي عمن تقدمه بزمان؟
قال (وقد أخرج ابن عساكر من حديث السائب بن يزيد: «لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس أو بأرض القردة»).
أقول: عزاه إلى البداية (8: 106) ولكن لفظه هناك (… دوس، وقال لكعب الأحبار: «لتتركن الحديث عن الأول أو لألحقنك بأرض القردة» فأسقط أبو رية هنا ذكر كعب، وجمع الكلمتين لأبي هريرة. وله في هذه الحكاية فعلة أشنع من هذه. قال (ص30): (وقال لكعب الأحبار: «لتتركن الحديث أو لألحقنك... إلخ» أسقط قوله (عن الأُوَل) لغرضين: الأول: تقوية
110
دعواه أن عمر كان ينهى عن الحديث عن النبي
ص. الثاني ترويج دعوى مهولة فاجرة خبيثة، وهي دعوى أن كعبًا مع أنه لم يلق النبي
ص كان يحدث عنه بما يشاء، وكان الصحابة يسمعون منه تلك الأحاديث ويقبلونها بسذاجة مخجلة ثم لا يكتفون بذلك حتى يذهبوا فيروونها عن النبي
ص رأسًا فيوهموا الناس أنهم سمعوها من النبي
ص أو على الأقل من بعض إخوانهم من الصحابة، ولزيادة تفظيع هذا الزعم بالغ في الحط على كعب وزعم أنه كان منافقًا يسعى لهدم الإسلام ويفتري ما شاء من الأكاذيب يرويها عن النبي
ص فيتقبلها الصحابة ويروونها عن النبي
ص رأسًا، فعلى هذا يزعم أن كل ما جاء من أحاديث الصحابة ولم يصرح الصحابي بسماعه من النبي
ص فإنه يحتمل أن يكون مما افتراه كعب { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا } وراجع (ص73).
[35] وهذه الخطة الجهنمية من أخطر تخطيط الكيد اليهودي الخاسر الذي مرت الإشارة إليه (ص94 و 99). وكذا قال (ص126): (قال له: «لتتركن الحديث أو لألحقنك»…) أسقط قوله "عن الأول" أيضًا ليؤكد لك أنه عمدًا ارتكب ذلك. ثم لم يكفه حتى قال (ص115): (لما قدم كعب المدينة في عهد عمر وأظهر إسلامه أخذ يعمل في دهاء ومكر لما أسلم من أجله من إفساد الدين وافتراء الكذب على النبي (كذا؟) ولم يلبث عمر أن فطن لكيده وتبين له سوء دخلته فنهاه عن الرواية عن النبي (كذا؟) وتوعده إن لم يترك الحديث عن رسول الله (كذا؟) أو ليلحقنه بأرض القردة، كذا قال، وعزا ذلك إلى المصدر نفسه وهو
البداية والنهاية ج8 لكنه جعل الصفحة (206) والصواب (106) فهل تعمد هذا ليعمي عن فضيحته؟ فليتدبر القارئ، وينظر من الذي يعمل في دهاء ومكر لإفساد الدين بكيد وسوء دخلة؟