فصل
وأما تسميته بالصوت الأحمق والصوت الفاجر فهي تسمية الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى
فروى الترمذي من حديث ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخل فإذا ابنه ابراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره ففاضت عيناه فقال عبد الرحمن: أتبكي وأنت تنهى الناس قال: إني لم أنه عن البكاء وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة: لهو ولعب ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة: خمش وجوه وشق جيوب ورنة وهذا هو رحمة ومن لا يرحم لا يرحم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا وإنا بك لمحزونون تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب قال الترمذي: هذا حديث حسن
فانظر إلى هذا النهي المؤكد بتسميته صوت الغناء صوتا أحمق ولم يقتصر على ذلك حتى وصفه بالفجور ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان وقد أقر النبي
ص أبا بكر الصديق على تسمية الغناء مزمور الشيطان في الحديث الصحيح كما سيأتي فإن لم يستفد التحريم من هذا لم نستفده من نهي أبدا
وقد اختلف في قوله: لا تفعل وقوله نهيت عن كذا أيهما أبلغ في التحريم، والصواب بلا ريب: أن صيغة نهيت أبلغ في التحريم لأن لا تفعل يحتمل النهي وغيره بخلاف الفعل الصريح
فكيف يستحيز العارف إباحة ما نهى عنه رسول الله
ص وسماه صوتا أحمق فاجرا ومزمور الشيطان وجعله والنياحة التي لعن فاعلها أخوين وأخرج النهي عنهما مخرجا واحدا ووصفهما بالحمق والفجور وصفا واحدا
وقال الحسن: صوتان ملعونان: مزمار عند نغمه ورنة عند مصيبة
وقال أبو بكر الهذلي: قلت للحسن: أكان نساء المهاجرات يصنعن ما يصنع النساء اليوم قال: لا ولكن ههنا خمش وشق جيوب ونتف أشعار ولطم خدود ومزامير شيطان صوتان قبيحان فاحشان: عند نغمة إن حدثت وعند مصيبة إن نزلت ذكر الله المؤمنين فقال: والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم [ المعارج: 24 ] وجعلتم أنتم في أموالكم حقا معلوما للمغنية عند النغمة والنائحة عند المصيبة
فصل
وأما تسميته صوت الشيطان فقد قال تعالى للشيطان وحزبه اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاءكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا [ الاسراء: 63 ]
قال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبي أخبرنا أبو صالح كاتب الليث حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس واستفزز من استطعت منهم بصوتك [ الاسراء: 63 ] قال: كل داع إلى معصية
ومن المعلوم أن الغناء من أعظم الدواعي إلى المعصية ولهذا فسر صوت الشيطان به
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي أخبرنا يحيى بن المغيرة أخبرنا جرير عن ليث عن مجاهد واستفزز من استطعت منهم بصوتك [ الاسراء: 63 ] قال: استزل منهم من استطعت قال وصوته الغناء والباطل
وبهذا الإسناد إلى جرير عن منصور عن مجاهد قال: صوته هو المزامير
ثم روى بإسناده عن الحسن البصري قال: صوته هو الدف
وهذه الإضافة إضافة تخصيص كما أن إضافة الخيل والرجل إليه كذلك فكل متكلم بغير طاعة الله ومصوت بيراع أو مزمار أو دف حرام أو طبل فذلك صوت الشيطان وكل ساع في معصية الله على قدميه فهو من رجله وكل راكب في معصية الله فهو خيالته كذلك قال السلف كما ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: رجله كل رجل مشت في معصية الله
وقال مجاهد: كل رجل يقاتل في غير طاعة الله فهو من رجله
وقال قتادة: إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس
فصل
وأما تسميته مزمور الشيطان ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل على النبي
ص وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر رضي الله عنه فانتهرني وقال: مزمار الشيطان عند النبي
ص فأقبل عليه رسول الله
ص فقال: دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا
فلم ينكر رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب وكان اليوم يوم عيد فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوت امرأة جميلة أجنبية أو صبي أمرد صوته فتنة وصورته فتنة يغني بما يدعو إلى الزنى والفجور وشرب الخمور مع آلات اللهو التي حرمها رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png في عدة أحاديث كما سيأتي مع التصفيق والرقص وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان فضلا عن أهل العلم والإيمان ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب ونحوه في الشجاعة ونحوها في يوم عيد بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق ويدعون المحكم الصريح لهذا المتشابه وهذا شأن كل مبطل
نعم نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول الله
ص على ذلك الوجه وإنما نحرم نحن وسائر أهل العلم والإيمان السماع المخالف لذلك وبالله التوفيق
فصل
وأما تسميته بالسمود فقد قال تعالى: أفمن هكذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون [ النجم: 59 ] قال عكرمة عن ابن عباس: السمود: الغناء في لغة حمير يقال: اسمدى لنا أي غنى لنا وقال أبو زبيد:
وكأن العزيف فيها غناء... للندامى من شارب مسمود
قال أبو عبيدة: المسمود: الذي غنى له وقال عكرمة: كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا فنزلت هذه الآية
وهذا لا يناقض ما قيل في هذه الآية من أن السمود الغفلة والسهو عن الشيء قال المبرد: هو الاشتغال عن الشيء بهم أو فرح يتشاغل به وأنشد:
رمى الحدثان نسوة آل حرب... بمقدار سمدن له سمودا
وقال ابن الأنباري: السامد اللاهي والسامد الساهي والسامد المتكبر والسامد القائم
وقال ابن عباس في الآية: وأنتم مستكبرون وقال الضحاك أشرون بطرون وقال مجاهد: غضاب مبرطمون وقال غيره: لا هون غافلون معرضون
فالغناء يجمع هذا كله ويوجبه فهذه أربعة عشر اسما سوى اسم الغناء
فصل في بيان تحريم رسول الله ص الصريح لآلات اللهو والمعازف وسياق الأحاديث في ذلك
عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري رضي الله عنهما أنه سمع النبي
ص يقول: ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه محتجا به وعلقه تعليقا مجزوما به فقال: باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه وقال هشام ابن عمار: حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعرى قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني أنه سمع النبي
ص يقول ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله تعالى ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة
ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئا كابن حزم نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي وزعم أنه منقطع لأن البخاري لم يصل سنده به وجواب هذا الوهم من وجوه:
أحدها: أن البخاري قد لقى هشام بن عمار وسمع منه فإذا قال: قال هشام فهو بمنزلة قوله عن هشام
الثاني: أنه لو لم يسمع منه فهو لم يستجز الجزم به عنه إلا وقد صح عنه أنه حدث به وهذا كثيرا ما يكون لكثرة من رواه عنه عن ذلك الشيخ وشهرته فالبخاري أبعد خلق الله من التدليس
الثالث: أنه أدخله في كتابه المسمى بالصحيح محتجا به فلولا صحته عنده لما فعل ذلك
الرابع: أنه علقه بصيغة الجزم دون صيغة التمريض فإنه إذا توقف في الحديث أو لم يكن على شرطه يقول: ويروى عن رسول الله
ص ويذكر عنه ونحو ذلك: فإذا قال: قال رسول الله
ص فقد جزم وقطع بإضافته إليه
الخامس: أنا لو أضربنا عن هذا كله صفحا فالحديث صحيح متصل عند غيره
قال أبو داود في كتاب العباس: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس قال: سمعت عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثنا أبو عامر أو أبو مالك فذكره مختصرا ورواه أبو بكر الإسماعيلي في كتابه الصحيح مسندا فقال: أبو عامر ولم يشك
ووجه الدلالة منه: أن المعازف هي آلات اللهو كلها لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك ولو كانت حلالا لما ذمهم على استحلالها ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والخز فإن كان بالحاء والراء المهملتين فهو استحلال الفروج الحرام وإن كان بالخاء والزاى المعجمتين فهو نوع من الحرير غير الذي صح عن الصحابة رضي الله عنهم لبسه إذ الخز نوعان أحدهما: من حرير والثاني: من صوف وقد روى هذا الحديث بالوجهين
وقال ابن ماجه في سننه: حدثنا عبد الله بن سعيد عن معاوية بن صالح عن حاتم ابن حريث عن ابن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم قردة وخنازير وهذا إسناد صحيح وقد توعد مستحلي المعازف فيه بأن يخسف الله بهم الأرض ويمسخهم قردة وخنازير وإن كان الوعيد على جميع هذه الأفعال فلكل واحد قسط في الذم والوعيد
وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وعمران بن حصين وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي وعائشة أم المؤمنين وعلي ابن أبي طالب وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن سابط والغازي بن ربيعة
ونحن نسوقها لتقر بها عيون أهل القرآن وتشجى بها حلوق أهل سماع الشيطان
فأما حديث سهل بن سعد فقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا الهيثم بن خارجة حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله
ص يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ قيل: يا رسول الله متى قال: إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمرة
وأما حديث عمران بن حصين فرواه الترمذي من حديث الأعمش عن هلال بن يساف عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله
ص يكون في أمتي قذف وخسف ومسخ فقال رجل من المسلمين: متى ذاك يا رسول الله قال: إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور قال الترمذي: هذا حديث غريب
وأما حديث عبد الله بن عمرو فروى أحمد في مسنده وأبو داود عنه أن النبي
ص قال: إن الله تعالى حرم على أمتي الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام
وفي لفظ آخر لأحمد: إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين