ثم كان أبو هريرة بالبحرين أيضًا في إمارة قدامة بن مظعون عليها كما يعلم من ترجمة قدامة في الإصابة وغيرها، وفي فتوح البلدان (ص92) عن أبي مخنف في ذكر العلاء بن الحضرمي (… حتى مات وذلك في سنة أربع عشرة أو في أول سنة خمس عشرة، ثم إن عمر ولى قدامة بن مظعون الجمحي جباية البحرين وولى أبا هريرة الأحداث والصلاة…) وفيه (ص93) عن الهيثم (كان قدامة بن مظعون على الجباية والأحداث، وأبو هريرة على الصلاة والقضاء… ثم ولاه عمر البحرين بعد قدامة، ثم عزله وقاسمه، وأمره بالرجوع فأبى فولاها عثمان بن أبي العاص…).
والقضية تحتاج إلى مزيد تتبع وتأمل، غير أن في ما تقدم ما يكفي للدلالة على أن إقامة أبي هريرة بالبحرين كانت كافية لأن يتمول، وبذلك يتأكد صدقه في قوله: «خيل نتجت... » كما مر (148).
من فضل أبي هريرة
أما ما يعمّه وغيره من الصحابة رضي الله عنهم فيأتي في موضعه. وأما ما يخصه فمنه في الصحيحين عنه «أن النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png لقيه في طريق من طرق المدينة وهو جنب فانسل فذهب فاغتسل، فتفقده النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png، فلما جاء قال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: يا رسول الله، لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل. فقال رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس»، لفظ مسلم.
ومر (ص100) ما في صحيح البخاري من قول النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني أحد عن هذا الحديث أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث…».
164
وفي صحيح مسلم وغيره في قصة إسلام أمه قول النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: «اللهم حبب عُبيدك هذا -يعني أبا هريرة– وأمه إلى عبادك المؤمنين…» قال ابن كثير في البداية (8: 105) وهذا الحديث من
دلائل النبوة، فإن أبا هريرة محبب إلى جميع الناس…).
وفي الإصابة: (وأخرج النسائي بسند جيد في العلم من كتاب السنن أن رجلًا جاء إلى زيد بن ثابت فسأله فقال له زيد: «عليك بأبي هريرة، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله ونذكره إذ خرج علينا رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png حتى جلس إلينا فقال: عودوا للذي كنتم فيه، قال زيد: فدعوت أنا وصاحبي فجعل رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png يؤمن على دعائنا ودعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك ما سأل صاحبي وأسألك علمًا لا ينسى، فقال رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png: آمين. فقلنا: يا رسول الله، ونحن نسأل الله علمًا لا ينسى، فقال: سبقكم بها الغلام الدوسي» ونحوه في تهذيب التهذيب، وفيهما بعض ألفاظ محرفة.
وفي مسند أحمد (2: 541) وسنن أبي داود وغيرهما عنه قال: «بينما أنا أوعك في مسجد المدينة إذ دخل رسول الله
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png المسجد فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ من أحس الفتى الدوسي؟ فقال له قائل: هو ذاك يوعك في جانب المسجد حيث ترى يا رسول الله. فجاء فوضع يده عليَّ وقال لي معروفًا، فقمت فانطلق حتى قام في مقامه الذي يصلي فيه…».
ومر ما روي من تولية عمر لقدامة بن مظعون وأبي هريرة البحرين، وقدامة على الجباية، وأبا هريرة على الصلاة والقضاء، ثم جمع الكل لأبي هريرة. هذا مع أن قدامة من السابقين البدريين، ثم قاسم عمر أبا هريرة كما كان يقاسم عماله، وأراد أن يعيده على الإمارة فأبى أبو هريرة.
وتقدم صفحة (106 و 120 و 123) شهادة
طلحة والزبير وأبي أيوب وعائشة له، وتقدم (ص106 و 118- 119) ثناء ابن عمر عليه. وذكر
الحاكم في المستدرك أنه روى عنه بضعة وعشرون من الصحابة عد منهم: أبي بن كعب وأبا موسى الأشعري وعائشة وزيد بن ثابت وأبا أيوب وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله وجماعة.
وفي الإصابة: (قال البخاري: روى عنه نحو الثمانمائة من أهل العلم، وكان أحفظ من روى الحديث
165
في عصره. قال وكيع في نسخته: حدثنا الأعمش عن أبي صالح قال: «كان أبو هريرة أحفظ أصحاب محمد
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png». وأخرجه البغوي عن رواية أبي بكر بن عياش عن الأعمش بلفظ: ما كان أفضلهم، ولكنه كان أحفظ… وقال الربيع: قال
الشافعي: «أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره». وقال أبو الزعيزعة كاتب مروان: «أرسل مروان إلى أبي هريرة فجعل يحدثه وكان أجلسني خلف السرير أكتب ما يحدث به، حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إليه فسأله وأمرني أن أنظر، فما غير حرفًا عن حرف». وأخرجه الحاكم في المستدرك (3: 510) وفيه: «فما زاد ولا نقص، ولا قدم ولا أخر» قال الحاكم: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي.
وقال ابن كثير في البداية (8: 110): (وقد كان أبو هريرة من الصدق والحفظ والديانة والزهادة والعمل الصالح على جانب عظيم…).
وفي طبقات ابن سعد (4/ 2/ 62) (أخبرنا معن بن عيسى قال: حدثنا
مالك بن أنس عن المقبري عن أبي هريرة «أن مروان دخل عليه في شكواه الذي مات فيه فقال: شفاك الله يا أبا هريرة! فقال أبو هريرة: اللهم إني أحب لقاءك، فأحب لقائي قال: فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات أبو هريرة».
ثم ذكر أبو رية (ص202-206) جماعة من الصحابة قلت أحاديثهم، وقد نظرت في ذلك (ص42).
أحاديث مشكلة
ثم قال ص207: (أحاديث مشكلة.. عن ابن عباس: «إن الله خلق لوحًا محفوظًا من درة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء... ».
أقول: هذا من قول ابن عباس، أخرجه الحاكم في المستدرك (2: 474) من طريق أبي حمزة الثمالي وقال الحاكم: (صحيح الإسناد) تعقبه الذهبي فقال: (اسم أبي حمزة ثابت، وهو واهٍ بمرة). وينظر وجه الاستشكال؟
قال: (وروى الشيخان.. عن أبي ذر قال رسول الله
ص لأبي ذر حين غربت الشمس: «أتدري أين تذهب؟…»).
أقول: النظر في هذا الحديث يتوقف على بيان معنى قول الله عز وجل: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } ثم جمع طرقه وتدبر ألفاظه، ولم يتيسر لي ذاك الآن والله المستعان. (ثم نظرت فيه فيما يأتي ص213).
166
قال: (وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب الزاملتين قال: «إن في البحر شياطين... »).
أقول: هذا ذكره مسلم في مقدمة صحيحه، وهو من قول عبد الله بن عمرو، ليس بحديث عن النبي
ص.
قال: (وروى البخاري… عن عامر بن سعد [بن أبي وقاص] عن أبيه قال: قال النبي
ص: «من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر…» وفي رواية: «سبع تمرات عجوة». وكذا لمسلم عن بن أبي العاص. وعند النسائي من حديث جابر: «العجوة من الجنة وهي شفاء من السم».
أقول: الحديث في الصحيحين من رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه. ولم أجد ذكر سعيد بن أبي العاص. وراجع ما مر (ص160)
قال: (وأخرج الشيخان عن أبي هريرة: «إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين…» وقال العلماء المحققون في شرح هذا الحديث: «لئلا يسمع فيضطر أن يشهد بذلك يوم القيامة»).
أقول: أما الحديث فلا إشكال فيه عند من يؤمن بالقرآن، وفي بعض رواياته («وله حصاص»)، وفي صحيح مسلم عن جابر: سمعت النبي
ص يقول: «إن الشيطان إذا سمع النداء ذهب حتى يكون مكان الروحاء». وأما التفسير الذي نسبه إلى المحققين فهو قول بعضهم، فإن كان حقًا فلماذا السخرية منه؟ وإن كان باطلًا فتبعته على قائله، فلماذا يذكر هنا؟
قال ص 208: (وروى مسلم عن أبي سفيان أنه قال للنبي
ص: «يا رسول الله! أعطني ثلاثًا: تزوج ابنتي أم حبيبة، وابني معاوية اجعله كاتبًا، وأمرني أن أقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين…» و
أم حبيبة تزوجها النبي
ص وهي
[56] بالحبشة…).
أقول: لفظ مسلم قال: «عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها» وفي سنده
عكرمة بن عمار موصوف بأنه يغلط ويهم، فمن أهل العلم من تكلم في هذا الحديث وقال: إنه من أوهام عكرمة، ومنهم من تأوله، وأقرب تأويل له أن زواج النبي
ص لما كان قبل إسلام أبي سفيان كان بدون رضاه فأراد بقوله: (أزوجكها) أرضى بالزواج فأقبل مني هذا الرضا.
قال: (وفي مسند أحمد عن
عكرمة عن ابن عباس «أن النبي
ص صدق أمية بن أبي الصلت… في قوله: والشمس تطلع…» البيتين.
167
أقول: مداره على محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس، وفي
مجمع الزوائد (8: 127): (رجاله ثقات، إلا أن ابن إسحاق مدلس) والمدلس لا يحتج بخبره وحده ما لم يتبين سماعه.
قال: (وروى مسلم عن أنس بن مالك أن رجلًا سأل النبي
ص قال: «متى تقوم الساعة؟ قال فسكت رسول الله
ص هنيهة، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة فقال: إن عُمِّرَ هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة، قال أنس: ذاك الغلام من أترابي يومئذ…»).
أقول: من عادة مسلم في صحيحه أنه عند سياق الروايات المتفقة في الجملة يقدم الأصح فالأصح،
[57] فقد يقع في الرواية المؤخرة إجمال أو خطأ تبينه الرواية المقدمة، في ذاك الموضع قدم حديث عائشة: «كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله
ص سألوه عن الساعة متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال: إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم». وهذا في صحيح البخاري بلفظ: «كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي
ص فيسألونه: متى الساعة؟ فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعته». قال هشام: يعني موتهم) ثم ذكر مسلم حديث أنس بلفظ: «إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة» ثم ذكره باللفظ الذي حكاه أبو رية. وراجع فتح الباري (11: 313).