قال: وضرب حرمًا باليمامة، فنهى عنه؛ وأخذ الناس به، فكان محرما فوقع في ذلك الحرم قرى الأحاليف؛ أفخاذ من بني أسيد، كانت دراهم باليمامة؛ فصار مكان دراهم في الحرم - والأحاليف: سيحان المارة ونمر والحارث بنو جرة - فإن أخصبا أغاروا على ثمار أهل اليمامة، واتخذوا الحرم دغلا، فإن نذروا بهم فدخلوه أحجموا عنهم؛ وإن لم ينذروا بهم فذلك ما يريدون. فكثر ذلك منهم حتى استعدوا عليهم؛ فقال: أنتظر الذي يأتي من السماء فيكم وفيهم. ثم قال لهم: ((والليل الأطحم، والذئب الأدلم. والجذع الأزلم، ما انتهكت أسيد من محرم))؛ فقالوا: أما محرم استحلال الحرم وفساد الأموال! ثم عادوا للغارة، وعادوا للعدوى فقال: أنتظر الذي يأتينى، فقال: ((والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس))؛ فقالوا: أما النخيل مرطبة فقد جدوها، وأما الجدران يابسة فقد هدموها؛ فقال: اذهبوا وارجعوا فلا حق لكم.
وكان فيما يقرأ لهم فيهم: ((إن بني تميم قوم طهر لقاح، لا مكروه عليهم ولا إتاوة، نجاورهم ما حيينا بإحسان، نمنعهم من كل إنسان؛ فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن)).
وكان يقول " ((والشاء وألوانها، وأعجبها السود وألبانها. والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، فما لكم لا تمجعون! )).
وكان يقول: ((يا ضفدع ابنة ضفدع، نقى ما تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين)).
وكان يقول: ((والمبذرات زرعا، والحاصدات حصدًا، والذاريات قمحًا، والطاحنات طحنًا، والخابزات خبزًا، والثاردات ثردًا؛ واللاقمات لقمًا، إهالة وسمنًا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر؛ ريفكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والباغى فناوئوه)).
قال: وأتته امرأة من بني حنيفة تكنى بأم الهيثم فقالت: إن نخلنا لسحق وإن آبارنا لجرز؛ فادع الله لمائنا ولنخلنا كما دعا محمد لأهل هزمان)). فقال: يا نهار ما تقول هذه؟ فقال: إن أهل هزمان أتوا محمدًا
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فشكوا بعد مائهم؛ - وكانت آبارهم جرزًا - ونخلهم أنها سحق، فدعا لهم فجاشت آبارهم، وانحنت كل نخلة قد انتهت حتى وضعت جرانها لانتهائها، فحكت به الأرض حتى أنشبت عروقًا ثم قطعت من دون ذلك، فعادت فسيلا مكممًا ينمى صاعدًا. قال: وكيف صنع بالأبار؟ قال: دعا بسجل، فدعا لهم فيه ثم تمضمض بفمه منه، ثم مجه فيه، فانطلقوا به حتى فرغوه في تلك الآبار، ثم سقوه نخلهم، ففعل النبي ما حدثتك، وبقي الآخر إلى انتهائه. فدعا مسيلمة بدلو من ماء فدعا لهم فيه، ثم تمضمض منه، ثم مج فيه فنقلوه فأفرغوه في آبارهم. فغارت مياه تلك الآبار، وخوى نخلهم؛ وإنما استبان ذلك بعد مهلكه.
وقال له نهار: برك على مولودى بني حنيفة، فقال له: وما التبريك؟ قال: كان أهل الحجاز إذا ولد فيهم المولود أتوا به محمدًا
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فحنكه ومسح رأسه؛ فلم يؤت مسيلمة بصبى فحنكه ومسح رأسه إلا قرع ولثغ واستبان ذلك بعد مهلكه.
وقالوا: تتبع حيطانهم كما كان محمد
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png يصنع فصل فيها. فدخل حائطًا من حوائط اليمامة، فتوضأ، فقال نهار لصاحب الحائط: ما يمنعك من وضوء الرحمن فتسقى به حائطك حتى يروى ويبتل، كما صنع بنو المهرية، أهل بيت من بني حنيفة - وكان رجل من المهرية قدم على النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فأخذ وضوءه فنقله معه إلى اليمامة فأفرغه في بئره، ثم نزع وسقى، وكانت أرضه تهوم فرويت وجزأت فلم تلف إلا خضراء مهتزة - ففعل فعادت يبابًا لا ينبت مرعاها.
وأتاه رجل فقال: ادع الله لأرضى فإنها مسبخة؛ كما دعا محمد
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png لسلمى على أرضه. فقال: ما يقول يا نهار؟ فقال: قدم عليه سلمى، وكانت أرضه سبخة فدعا له، وأعطاه سجلا من ماء ومج له فيه، فأفرغه في بئره، ثم نزع، فطابت وعذبت؛ ففعل مثل ذلك فانطلق الرجل، ففعل بالسجل كما فعل سلمى، فغرقت أرضه، فما جف ثراها، ولا أدرك ثمرها.
وأتته امرأة فاستجلبته إلى نخل لها يدعو لها فيها، فجزت كبائسها يوم عقرباء كلها؛ وكانوا قد علموا واستبان لهم؛ ولكن الشقاء غلب عليهم.
كتب إلي السري، قال: حدثنا شعيب، عن سيف، عن خليد بن ذفرة النمرى، عن عمير بن طلحة النمرى، عن أبيه، أنه جاء اليمامة، فقال: أين مسيلمة؟ قالوا: مه رسول الله! فقال: لا، حتى أراه؛ فلما جاءه، قال: أنت مسيلمة؟ قال: نعم، قال: من يأتيك؟ قال: رحمن، قال: أفى نور أو في ظلمة؟ فقال: في ظلمة، فقال: أشهد أنك كذاب وأن محمدًا صادق؛ ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر، فقتل معه يوم عقرباء.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الكلبى مثله؛ إلا أنه قال: كذاب ربيعة أحب إلى من كذاب مضر.
وكتب إلى السري، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة بن الأعلم، عن عبيد بن عمير، عن رجل منهم، قال: لما بلغ مسيلمة دنو خالد، ضرب عسكره بعقرباء، واستنفر الناس، فجعل الناس يخرجون إليه، وخرج مجاعة بن مرارة في سرية يطلب ثأرًا له في بني عامر وبني تميم قد خاف فواته، وبادر به الشغل، فأما ثأره في بني عامر فكانت خولة ابنة جعفر فيهم، فمنعوه منها، فاختلجها؛ وأما ثأره في بني تميم فنعم أخذوا له. واستقبل خالد شرحبيل بن حسنة، فقدمه وأمر على المقدمة خالد بن فلان المخزومى، وجعل على المجنبتين زيدًا وأبا حذيفة، وجعل مسيلمة على مجنبتيه المحكم والرجال، فسار خالد ومعه شرحبيل، حتى إذا كان من عسكر مسيلمة على ليلة، هجم على جبيلة هجوم - المقلل يقول: أربعين، والمكثر يقول: ستين - فإذا هو مجاعة وأصحابه، وقد غلبهم الكرى، وكانوا راجعين من بلاد بني عامر، قد طووا إليهم؛ واستخرجوا خولة ابنة جعفر فهى معهم، فعرسوا دون أصل الثنية؛ ثنية اليمامة، فوجدوهم نيامًا وأرسان خيولهم بأيديهم تحت خدودهم وهم لا يشعرون بقرب الجيش منهم؛ فأنبهوهم، وقالوا: من أنتم؟ قالوا: هذا مجاعة وهذه حنيفة، قالوا: وأنتم فلا حياكم الله! فأوثقوهم وأقاموا إلى أن جاءهم خالد بن الوليد، فأتوه بهم؛ فظن خالد أنهم جاءوه ليستقبلوه وليتقوه بحاجته، فقال: متى سمعتم بنا؟ قالوا: ما شعرنا بك؛ إنما خرجنا لئأر لنا فيمن حولنا من بني عامر وتميم، ولو فطنوا لقالوا: تلقيناك حين سمعنا بك. فأمر بهم أن يقتلوا، فجادوا كلهم بأنفسهم دون مجاعة بن مرارة، وقالوا: إن كنت تريد بأهل اليمامة غدًا خيرًا أو شرًا فاستبق هذا ولا تقتله؛ فقتلهم خالد وحبس مجاعة عنده كالرهينة.
كتب إلي السري، قال: حدثنا شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن عكرمة، عن أبي هريرة، وعبد الله بن سعيد عن أبي سعيد عن أبي هريرة، قال: قد كان أبو بكر بعث إلى الرجال فأتاه فأوصاه بوصيته، ثم أرسله إلى أهل اليمامة؛ وهو يرى أنه على الصدق حين أجابه. قالا: قال أبو هريرة: جلست مع النبي
http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png في رهط معنا الرجال ابن عنفوة، فقال: إن فيكم لرجلًا ضرسه في النار أعظم من أحد، فهلك القوم وبقيت أنا والرجال، فكنت متخوفًا لها؛ حتى خرج الرجال مع مسيلمة، فشهد له بالنبوة؛ فكانت فتنة الرجال أعظم من فتنة مسيلمة، فبعث إليهم أبو بكر خالدًا، فسار حتى إذا بلغ ثنية اليمامة، استقبل مجاعة ابن مرارة - وكان سيد بني حنيفة - في جبل من قومه، يريد الغارة على بني عامر، ويطلب دمًا، وهم ثلاثة وعشرون فارسًا ركبانًا قد عرسوا. فبيتهم خالد في معرسهم، فقال: متى سمعتم بنا؟ فقالوا: ما سمعنا بكم؛ إنما خرجنا لنثئر بدم لنا في بني عامر. فأمر بهم خالد فضربت أعناقهم، واستحيا مجاعة؛ ثم سار إلى اليمامة؛ فخرج مسيلمة وبنو حنيفة حين سمعوا بخالد، فنزلوا بعقرباء، فحل بها عليهم - وهي طرف اليمامة دون الأموال - وريف اليمامة وراء ظهورهم. وقال شرحبيل بن مسيلمة: يا بنى حنيفة، اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم تستردف النساء سبيات، وينكحن غير خطيبات؛ فقاتلوا عن أحسابكم، وامنعوا نساءكم. فاقتتلوا بعقرباء، وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، فقالوا: تخشى علينا من نفسك شيئًا! فقال: بئس حامل القرآن أنا إذًا! وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، وكانت العرب على راياتها ومجاعة أسير مع أم تميم في فسطاطها. فجال المسلمون جولة، ودخل أناس من بني حنيفة على أم تميم، فأرادوا قتلها، فمنعها مجاعة. قال: أنا لها جار، فنعمت الحرة هى! فدفعهم عنها، وتراد المسلمون، فكروا عليهم؛ فانهزمت بنو حنيفة، فقال المحكم بن الطفيل: يا بنى حنيفة،